المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌غلو الخوارج والمعتزلة والرافضة في تأويل الأحاديث التي وردت في نفي الإيمان عمن ارتكب الكبيرة. قال أبو عبد الله: وقد غلت في تأويل هذه الأخبار التي جاءت في نفي الإيمان عن من ارتكب الكبائر طوائف من أهل الأهواء والبدع منهم الخوارج والمعتزلة والرافضة. فأما - تعظيم قدر الصلاة - محمد بن نصر المروزي - جـ ٢

[محمد بن نصر المروزي]

فهرس الكتاب

- ‌مَبْحَثُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَفْسِيرِ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ» فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ: إِنَّمَا أَرَادَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِزَالَةَ اسْمِ الْإِيمَانِ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنَ الْإِسْلَامِ وَلَا يُزِيلُ

- ‌قَوْلُ طَائِفَةٍ ثَانِيَةٍ فِي مُغَايَرَةِ الْإِيمَانِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَقَالَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى أَيْضًا مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ بِمِثْلِ مَقَالَةِ هَؤُلَاءِ، إِلَّا أَنَّهُمْ سَمَّوْهُ مُسْلِمًا لِخُرُوجِهِ مِنْ مِلَلِ الْكُفْرِ، وَلِإِقْرَارِهِ بِاللَّهِ وَبِمَا قَالَ، وَلَمْ يُسَمُّوهُ مُؤْمِنًا وَزَعَمُوا أَنَّهُ مَعَ تَسْمِيَتِهِمْ إِيَّاهُ بِالْإِسْلَامِ كَافِرٌ لَا كَافِرٌ بِاللَّهِ

- ‌حِكَايَةُ قَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَهَذِهِ الْحُجَجُ الَّتِي كَتَبْنَاهَا هِيَ دَاخِلَةٌ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ وَذَلِكَ أَنَّهَا زَعَمَتْ أَنَّ كُلَّ مَنْ أَتَى كَبِيرَةً فَقَدْ خَرَجَ مِنَ الْإِيمَانِ، وَإِذَا خَرَجَ مِنَ الْإِيمَانِ فَقَدْ خَرَجَ مِنَ الْإِسْلَامِ، لِأَنَّ الْإِيمَانَ وَالْإِسْلَامَ عِنْدَهُمْ وَاحِدٌ فَهُوَ عِنْدَهُمْ غَيْرُ مُؤْمِنٍ وَلَا مُسْلِمٍ

- ‌حِكَايَةُ قَوْلِ الرَّافِضَةِ فِيهَا وَقَالَتِ الرَّافِضَةُ بِمِثْلِ قَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ إِلَّا طَائِفَةً مِنْهَا ذَهَبَتْ إِلَى مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ أَبِي جَعْفَرٍ أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنَ الْإِيمَانِ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَأَجْمَعَ هَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ عَلَى أَنَّ أَحْكَامَ الْمُؤْمِنِينَ جَائِزَةٌ عَلَيْهِمْ مَعَ نَفْيِهِمُ اسْمَ الْإِيمَانِ عَنْهُمْ، وَفِي هَذَا مِنَ التَّنَاقُضِ وَاخْتِلَافِ

- ‌الْأَمْرُ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ عَلَى وُجُوهٍ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَالْأَمْرُ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ قَدْ يَتَّجِهُ عَلَى وُجُوهٍ:

- ‌أَمْرُ الدُّعَاءِ وَنَوْعٌ خَامِسٌ: لَفْظُهُ لَفْظُ الْأَمْرِ وَمَعْنَاهُ مَعْنَى الدُّعَاءِ مِنْ ذَلِكَ دُعَاءُ الْعَبْدِ رَبَّهُ فَيَقُولُ: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي، فَهَذَا لَفْظُهُ لَفْظُ الْأَمْرِ، وَإِنَّمَا هُوَ دُعَاءٌ وَمَسْأَلَةٌ

- ‌أَمْرٌ مَعْنَاهُ الْخَبَرُ. وَنَوْعٌ آخَرُ لَفْظُهُ لَفْظُ الْأَمْرِ، وَمَعْنَاهُ الْخَبَرُ مِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الْأُولَى إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ» قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: إِنَّمَا هُوَ مَنْ لَمْ يَسْتَحْيِ صَنَعَ مَا شَاءَ عَلَى جِهَةِ الذَّمِّ لِتَرْكِ الْحَيَاءِ، وَلَمْ يُرِدْ

- ‌بَقِيَّةُ الْجَوَابِ عَنِ الْقَائِلِينَ بِمُغَايَرَةِ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَ اسْمَ مُؤْمِنٍ اسْمَ ثَنَاءٍ وَتَزْكِيَةٍ، وَأَوْجَبَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ ثُمَّ أَوْجَبَ النَّارَ عَلَى الْكَبَائِرِ فَدَلَّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ اسْمَ الْإِيمَانِ زَائِلٌ عَنْ كُلِّ مَنْ أَتَى كَبِيرَةً، فَإِنَّا نَقُولُ: إِنَّ اسْمَ الْمُؤْمِنِ قَدْ يُطْلَقُ

- ‌أَدِلَّةٌ أُخْرَى عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِنَفْيِ الْإِيمَانِ عَنْ مُرْتَكِبِ الْمَعَاصِي نَفْيُ اسْتِكْمَالِ الْإِيمَانِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَأْوِيلَ هَذِهِ الْأَخْبَارِ الَّتِي فِيهَا نَفْيُ الْإِيمَانِ عَنْ مَنِ ارْتَكَبَ الْمَعَاصِي الْمَذْكُورَةَ فِيهَا إِلَيْهِ مَا ذَهَبْنَا مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا نَفْيُ اسْتِكْمَالِ الْإِيمَانِ لَا نَفْيَ الْإِيمَانِ كُلِّهِ

- ‌غُلُوُّ الْخَوَارِجِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَالرَّافِضَةِ فِي تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي وَرَدَتْ فِي نَفْيِ الْإِيمَانِ عَمَّنِ ارْتَكَبَ الْكَبِيرَةَ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَقَدْ غَلَتْ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْأَخْبَارِ الَّتِي جَاءَتْ فِي نَفْيِ الْإِيمَانِ عَنْ مَنِ ارْتَكَبَ الْكَبَائِرَ طَوَائِفُ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ مِنْهُمُ الْخَوَارِجُ وَالْمُعْتَزِلَةُ وَالرَّافِضَةُ. فَأَمَّا

- ‌أَدِلَّةٌ أُخْرَى عَلَى ضَلَالَةِ الْخَوَارِجِ وَفَسَادِ مَذْهَبِهِمْ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى ضَلَالَةِ الْخَوَارِجِ سِوَى مَا ذَكَرْنَا مُخَالَفَتَهُمْ لِجَمَاعَةِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، اقْتَتَلَ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَ الْجَمَلِ، وَيَوْمَ صِفِّينَ، وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ

- ‌فِرَقُ الْمُرْجِئَةِ وَفَسَادُ مَذْهَبِهِمْ. فَفِرْقَةٌ مِنْ أَهْلِ الْجَهْلِ مِنْهُمْ وَالْمُعَانَدَةِ أَنْكَرَتْ هَذِهِ الْأَخْبَارَ وَرَدَّتْهَا، وَذَلِكَ لِقِلَّةِ مَعْرِفَتِهِمْ بِالْآثَارِ، وَجَهْلِهِمْ بِتَأْوِيلِهَا، وَذَلِكَ لِقِلَّةِ اتِّسَاعِهِمْ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَمَذَاهِبِهَا، وَاتِّبَاعِهِمْ أَهْوَاءَهُمْ فَلَمَّا لَمْ تُوَافِقْ مَذَاهِبَهُمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ إِنْ أَقَرُّوا بِهَا لَزِمَتْهُمُ الْحُجَّةُ

- ‌عَوْدَةٌ إِلَى الِاحْتِجَاجِ لِمَنْ فَسَّرَ: «الْإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ» عَلَى اسْتِكْمَالِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ وَسَائِرِ الْجَوَارِحِ. ثُمَّ نَعُودُ الْآنَ إِلَى مَا كُنَّا فِيهِ مِنَ الِاحْتِجَاجِ لِمَنْ فَسَّرَ قَوْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ: «الْإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ» عَلَى اسْتِكْمَالِ الْإِيمَانِ

- ‌أَدِلَّةُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ بِالرَّسُولِ عليه الصلاة والسلام إِنَّمَا هُوَ بِتَصْدِيقِهِ، وَاتِّبَاعِ مَا جَاءَ بِهِ. فَإِنْ قِيلَ: فَمَا الْحُجَّةُ فِي أَنَّ الْإِيمَانَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا هُوَ بِتَصْدِيقِهِ وَاتِّبَاعِ مَا جَاءَ بِهِ؟ قِيلَ: كِتَابُ اللَّهِ عز وجل وَسُنَّةُ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌بَابٌ فِي شَرْحِ حَدِيثِ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» . قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَهَذَا بَابٌ جَامِعٌ مُخْتَصَرٌ مِنْ نَفْسِ تَفْسِيرِ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ شَبِيهٌ بِحَدِيثِ جِبْرِيلَ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ الَّذِي حَكَيْنَاهُ وَهُوَ قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا الدِّينُ النَّصِيحَةُ» بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ جَامِعَةٍ، فَلَمَّا قِيلَ: لِمَنْ؟ قَالَ:

- ‌طُرُقُ حَدِيثِ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ»

- ‌جِمَاعُ تَفْسِيرِ النَّصِيحَةِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: جِمَاعُ تَفْسِيرِ النَّصِيحَةِ هُوَ عِنَايَةُ الْقَلْبِ لِلْمَنْصُوحِ لَهُ مَنْ كَانَ، وَهِيَ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا فَرْضٌ، وَالْآخَرُ نَافِلَةٌ، فَالنَّصِيحَةُ الْمُفْتَرَضَةُ لِلَّهِ هِيَ شِدَّةُ الْعِنَايَةِ مِنَ النَّاصِحِ بِاتِّبَاعِ مَحَبَّةِ اللَّهِ فِي أَدَاءِ مَا افْتَرَضَ، وَمُجَانَبَةِ مَا

- ‌بَابُ ذِكْرِ إِكْفَارِ تَارِكِ الصَّلَاةِ

- ‌بَابُ ذِكْرِ النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ الْمُصَلِّينَ، وَإِبَاحَةِ قَتْلِ مَنْ لَمْ يُصَلِّ

- ‌بَابُ ذِكْرِ الْأَخْبَارِ الَّتِي احْتَجَّتْ بِهِ هَذِهِ الطَّائِفَةُ الَّتِي لَمْ تُكَفِّرْ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ

- ‌مِنْ حُقُوقِ الصَّلَاةِ وَآدَابِهَا قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَمِنْ حُقُوقِ الصَّلَاةِ: الطَّهَارَةُ مِنَ الْأَحْدَاثِ، وَطَهَارَةُ الثِّيَابِ الَّتِي تُصَلَّى فِيهَا، وَطَهَارَةُ الْبِقَاعِ الَّتِي تُصَلَّى عَلَيْهَا، وَالْمُحَافَظَةُ عَلَى مَوَاقِيتِهَا الَّتِي كَانَ يُحَافِظُ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ رضي الله عنهم

- ‌ذِكْرُ الْأَخْبَارِ الَّتِي جَاءَتْ فِي أَنَّ سِبَابَ مُسْلِمٍ فُسُوقٌ وَقِتَالَهُ كُفْرٌ

الفصل: ‌غلو الخوارج والمعتزلة والرافضة في تأويل الأحاديث التي وردت في نفي الإيمان عمن ارتكب الكبيرة. قال أبو عبد الله: وقد غلت في تأويل هذه الأخبار التي جاءت في نفي الإيمان عن من ارتكب الكبائر طوائف من أهل الأهواء والبدع منهم الخوارج والمعتزلة والرافضة. فأما

‌غُلُوُّ الْخَوَارِجِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَالرَّافِضَةِ فِي تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي وَرَدَتْ فِي نَفْيِ الْإِيمَانِ عَمَّنِ ارْتَكَبَ الْكَبِيرَةَ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَقَدْ غَلَتْ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْأَخْبَارِ الَّتِي جَاءَتْ فِي نَفْيِ الْإِيمَانِ عَنْ مَنِ ارْتَكَبَ الْكَبَائِرَ طَوَائِفُ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ مِنْهُمُ الْخَوَارِجُ وَالْمُعْتَزِلَةُ وَالرَّافِضَةُ. فَأَمَّا

الْخَوَارِجُ فَتَأَوَّلَتْهَا عَلَى إِكْفَارِ الْمُسْلِمِينَ بِالْمَعَاصِي، وَسَفْكِ دِمَائِهِمْ. قَالُوا: تَأْوِيلُ قَوْلِهِ: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ» أَنَّهُ كَافِرٌ بِاللَّهِ لِأَنَّ الْإِيمَانَ ضِدُّ الْكُفْرِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا فَهُوَ كَافِرٌ لِأَنَّهُمَا فِعْلَانِ مُتَضَادَّانِ أَحَدُهُمَا يَنْفِي الْآخَرَ، فَإِذَا فَعَلَ الْإِيمَانَ قِيلَ مُؤْمِنٌ لِفِعْلِهِ الْإِيمَانَ، وَإِذَا فَعَلَ الْكُفْرَ قِيلَ هُوَ كَافِرٌ لِفِعْلِهِ الْكُفْرَ. قَالُوا: فَسَوَاءٌ قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَزْنِي الزَّانِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ» أَوْ قَالَ: «لَا يَزْنِي إِلَّا وَهُوَ كَافِرٌ» لَا يَصِحُّ فِي الْقَوْلِ غَيْرُ ذَلِكَ. قَالُوا: وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عز وجل: {لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى} [الليل: 16] فَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يَصْلَى النَّارَ إِلَّا مُكَذِّبٌ، ثُمَّ قَالَ:{لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضِ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} [النساء

ص: 624

: 29] . وَقَالَ: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [النساء: 10] فَأَوْجَبَ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ النَّارَ لِمَنِ ارْتَكَبَ الْكَبَائِرَ نَحْوَ الْقَاتِلِ وَالزَّانِي وَغَيْرِهِمَا، وَجَاءَتِ الْأَخْبَارُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِإِيجَابِ النَّارِ لِشَارِبِ الْخَمْرِ، وَغَيْرِهِ مِمَّنِ ارْتَكَبَ الْكَبَائِرَ فَقَالَ:«مَنِ اقْتَطَعَ مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَأَوْجَبَ لَهُ النَّارَ»

ص: 625

وَقَالَ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَتَّاتٌ، وَلَا قَاطِعُ رَحِمٍ» وَقَالَ: «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ» وَنَحْوَ هَذِهِ الْأَخْبَارِ. قَالُوا: فَلَمَّا أَخْبَرَ اللَّهُ عز وجل أَنَّهُ لَا يَصْلَى النَّارَ إِلَّا مُكَذِّبٌ، ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّهُ يَصْلَاهَا هَؤُلَاءِ عَلِمْنَا أَنَّهُمْ كُفَّارٌ مُكَذِّبُونَ قَالُوا: وَمَنْ لَمْ يَقْطَعْ بِذَلِكَ وَيَشْهَدْ بِهِ كَذَّبَ بِأَخْبَارِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ أَوْ شَكَّ فِيهِمَا. وَأَمَّا الْمُعْتَزِلَةُ وَالرَّافِضَةُ فَقَالُوا: كُلُّ مَنِ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً فَهُوَ خَارِجٌ مِنَ الْإِيمَانِ فَلَيْسَ بِكَافِرٍ وَلَا مُؤْمِنٍ وَلَكِنَّهُ فَاسِقٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ مُنَافِقٌ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا» مَعَ سَائِرِ الْأَخْبَارِ الَّتِي رُوِيَتْ فِي ذِكْرِ النِّفَاقِ بِالْأَعْمَالِ مِنْهَا مَا

ص: 626

674 -

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أنا جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«أَرْبَعُ خِلَالٍ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ فَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ فَفِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا»

ص: 626

675 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ النَّرْسِيُّ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ فَهُوَ مُنَافِقٌ وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ: «مَنْ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا ائْتُمِنَ خَانَ» فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ مَضَتِ اثْنَتَانِ وَبَقِيَتْ وَاحِدَةٌ؟ قَالَ: فَإِنَّ فِي قَلْبِهِ شُعْبَةً مِنَ النِّفَاقِ مَا بَقِيَ فِيهِ مِنْهُنَّ شَيْءٌ " حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْبِسْطَامِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ، ثنا أَبُو جَعْفَرٍ عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِهِ

ص: 627

677 -

حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عِيسَى، ثنا يَحْيَى بْنُ عِيسَى الرَّمْلِيُّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: اعْتَبَرُوا الْمُنَافِقَ بِثَلَاثٍ: إِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، ثُمَّ قَالَ: اقْرَءُوا: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ، فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [التوبة: 76] "

ص: 628

678 -

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أنا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ، ثنا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ الْيَمَانِيُّ، عَنْ طَيْسَلَةَ بْنِ عَلِيٍّ النَّهْدِيِّ، قَالَ: أَتَيْتُ ابْنَ عُمَرَ وَعِنْدَهُ عِرَاقِيُّ فَقَالَ لَهُ الْعِرَاقِيُّ: مَا الْمُنَافِقُ؟ قَالَ: «الْمُنَافِقُ الَّذِي إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا ائْتُمِنَ خَانَ، وَذَنْبٌ بِاللَّيْلِ، وَذَنْبٌ بِالنَّهَارِ»

ص: 629

679 -

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ، عَنْ هَارُونَ بْنِ رِئَابٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو قَالَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ:«إِنِّي قُلْتُ لِفُلَانٍ قَوْلًا شَبِيهًا بِالْعِدَةِ أَنْ أُنْكِحَهُ ابْنَتِي فَأَنْكِحُوهَا فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ بِثُلُثِ النِّفَاقِ»

ص: 629

680 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ:«الْغِنَاءُ يُنْبِتُ النِّفَاقَ فِي الْقَلْبِ»

ص: 629

681 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَرِيبٍ الْهَمْدَانِيِّ، قَالَ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ إِنَّا إِذَا دَخَلْنَا عَلَى الْأُمَرَاءِ زَكَّيْنَاهُمْ بِمَا لَيْسَ فِيهِمْ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِمْ دَعَوْنَا اللَّهَ عَلَيْهِمْ، قَالَ: كُنَّا نَعُدُّ ذَلِكَ النِّفَاقَ "

ص: 630

682 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أنا وَكِيعٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الْمِقْدَامِ، عَنْ أَبِي يَحْيَى، قَالَ: سُئِلَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ مَنِ الْمُنَافِقُ؟ قَالَ: «الَّذِي يَصِفُ الْإِسْلَامَ وَلَا يَعْمَلُ بِهِ»

ص: 631

683 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أنا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ زِيَادٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، وَهُوَ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ أَكْثَرَ مِنْ عَدَدِ أَصَابِعِي هَذِهِ:" إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ الْمُنَافِقَ الْعَلِيمَ، قَالُوا: كَيْفَ يَكُونُ مُنَافِقًا عَلِيمًا؟ قَالَ: عَالِمُ اللِّسَانِ، جَاهِلُ الْقَلْبِ وَالْعَقْلِ "

ص: 632

684 -

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أنا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي سُوَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ وَفْدُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِيهِمُ الْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ سَرَّحَهُمْ وَحَبَسَهُ عِنْدَهُ، ثُمَّ قَالَ: أَتَدْرِي لِمَ حَبَسْتُكَ؟ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «حَذَّرَنَا كُلَّ مُنَافِقٍ عَالِمِ اللِّسَانِ وَإِنِّي أَتَخَوَّفُ أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ، وَأَرْجُو أَنْ لَا تَكُونَ مِنْهُمْ، فَافْرُغْ مِنْ صَنْعَتِكَ وَالْحَقْ بِأَهْلِكَ»

ص: 632

685 -

قَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ: قَالَ مَيْمُونٌ الْكُرْدِيُّ: عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، يَخْطُبُ وَأَنَا بِجَنْبِ الْمِنْبَرِ، عَدَدَ أَصَابِعِي هَذِهِ وَهُوَ يَقُولُ:" إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الْمُنَافِقَ الْعَلِيمَ، قَالُوا: وَكَيْفَ يَكُونُ الْمُنَافِقُ عَلِيمًا؟ قَالَ: يَتَكَلَّمُ بِالْحِكْمَةِ وَيَعْمَلُ بِالْجَوْرِ أَوْ قَالَ الْمُنْكَرِ "

ص: 633

686 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى، أنا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ الْجَعْدِ أَبِي عُثْمَانَ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيِّ يَا أَبَا رَجَاءٍ أَرَأَيْتَ مَنْ أَدْرَكْتَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَكَانُوا يَخَافُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ؟ فَقَالَ: " أَمَا إِنِّي بِحَمْدِ اللَّهِ قَدْ أَدْرَكْتُ مِنْهُمْ صَدْرًا حَسَنًا، قَالَ: نَعَمْ شَدِيدًا "

ص: 634

687 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى، أنا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ الْمُعَلَّى بْنِ زِيَادٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ، يَحْلِفُ بِاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ:«مَا مَضَى مُؤْمِنٌ قَطُّ وَلَا بَقَى إِلَّا وَهُوَ مِنَ النِّفَاقِ مُشْفِقٌ، وَلَا مَضَى مُنَافِقٌ قَطُّ وَلَا بَقَى إِلَّا وَهُوَ مِنَ النِّفَاقِ آمِنٌ»

ص: 634

688 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو، ثنا بَهْزُ بْنُ أَسَدٍ، عَنِ الصَّلْتِ بْنِ دِينَارٍ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ:" أَدْرَكْتُ زِيَادَةً عَلَى خَمْسِينَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا مَاتَ أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلَّا وَهُوَ يَخَافُ النِّفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ، قَالَ: فَمَا رَضَى أَحَدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ حَتَّى قَالَ: إِنَّهُ عَلَى إِيمَانِ جِبْرِيلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا كَانَ يَتَفَوَّهُ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ "

ص: 634

689 -

حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرِ بْنُ الْمُنَادِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي دَاوُدَ، ثنا شَبَابَةُ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ الْخَطَّابِ الْمَدِينِيُّ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «ثَلَاثٌ مِنَ النِّفَاقِ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا ائْتُمِنَ خَانَ»

ص: 635

690 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الْمَرْوَزِيُّ، يُلَقَّبُ بِزَاجٍّ، ثنا سَلَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ، ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: " جَاءَ نَاسٌ فَوَقَعُوا فِي رَجُلٍ قَالَ: مَا تَقُولُونَ لَهُ إِذَا شَهِدْتُمُوهُ قَالَ: نُثْنِي عَلَيْهِ فِي وَجْهِهِ، قَالَ:«ذَلِكُمُ النِّفَاقُ»

ص: 635

691 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دُكَيْنٍ، عَنْ فِرَاسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ:«إِنَّ الْغِنَاءَ يُنْبِتُ النِّفَاقَ فِي الْقَلْبِ كَمَا يُنْبِتُ الْمَاءُ الزَّرْعَ، وَإِنَّ الذِّكْرَ يُنْبِتُ الْإِيمَانَ فِي الْقَلْبِ كَمَا يُنْبِتُ الْمَاءُ الزَّرْعَ» قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: فَاحْتَجُّوا بِهَذِهِ الْأَخْبَارِ وَمَا أَشْبَهَهَا، وَقَالُوا: كُلُّ مَنْ أَتَى كَبِيرَةً فَهُوَ مُنَافِقٌ، كَمَا رَوَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ. وَأَخْبَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: أَنَّ الْغِنَاءَ يُنْبِتُ النِّفَاقَ فِي الْقَلْبِ. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: يَبْدَأُ النِّفَاقُ لُمْظَةً سَوْدَاءَ فِي الْقَلْبِ، فَكُلَّمَا ازْدَادَ النِّفَاقُ ازْدَادَتِ اللُّمْظَةُ حَتَّى يَكْمُلَ النِّفَاقُ، وَلَمْ يُرِدِ الرَّيْبَ لِأَنَّ الرَّيْبَ لَا أَوَّلَ لَهُ وَلَا آخِرَ إِنَّمَا هُوَ شَكٌّ، وَإِنَّمَا أَرَادُوا الْأَعْمَالَ بِالْقَلْبِ لِأَنَّهُ جَزَّأَ النِّفَاقَ لُمْظَاتٍ فِي الْقَلْبِ، كَمَا جَزَّأَ الْإِيمَانَ أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ» فَذَلِكَ قَوْلُهُ: هَذَا أَنَّهُ يُرِيدُ الْعَمَلَ وَلَا يُرِيدُ الشَّكَّ لِأَنَّ الشَّكَّ لَا أَوَّلَ لَهُ وَلَا آخِرَ فَيَتَفَرَّقُ خِصَالًا

⦗ص: 637⦘

. وَاحْتَجُّوا بِهَذِهِ الْأَخْبَارِ وَزَعَمُوا أَنَّهُ مُنَافِقٌ مُخَلَّدٌ فِي النَّارِ، وَقَدْ وَافَقَهُمْ عَلَى ذَلِكَ فِرْقَةٌ مِمَّنْ يَقُولُ بِالْحَدِيثِ فَزَعَمُوا أَنَّهُ مُنَافِقٌ لِمَا جَاءَ فِيهِ مِنَ الْأَخْبَارِ عَلَى غَيْرِ تَلْخِيصٍ وَلَا شُهُودٍ عَلَيْهِ بِالنَّارِ، وَلَكِنِ اتِّبَاعًا لِلْأَخْبَارِ عَلَى مَا جَاءَتْ يُسَمُّونَهُ بِالنِّفَاقِ، وَلَا يُسَمُّونَهُ مُؤْمِنًا، وَلَا مُسْلِمًا، وَلَا كَافِرًا قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَقَدِ اتَّفَقَتْ هَذِهِ الْفِرَقُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ مَعَ اخْتِلَافِهَا فِي اسْمِ مَنِ ارْتَكَبَ الْكَبَائِرَ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَنِ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً فَمَاتَ غَيْرَ تَائِبٍ مِنْهَا فَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ خَالِدًا مُخَلَّدًا لَا يَخْرُجُ مِنْهَا أَبَدًا، وَأَيَّسُوهُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، وَجَمِيعُ مَا كَتَبْنَاهُ مِنَ الْحُجَجِ عَلَى الطَّائِفَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ذَكَرْنَا خِلَافَهُمْ لَنَا مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ فَهِيَ دَاخِلَةٌ عَلَى هَؤُلَاءِ وَلَازِمَةٌ لَهُمْ

ص: 636