الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
، فَقَالَ:{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} وَقَالَ فِي الزَّانِيَيْنِ: {وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} [النور: 2] قَالُوا: فَلَوْ كَانَا مُؤْمِنَيْنِ لَمَا أَمَرَ بِتَرْكِ الرَّأْفَةِ بِهِمَا، وَكَيْفَ يَصِفُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالرَّأْفَةِ بِالْمُؤْمِنِينَ، وَيَأْمُرُهُ أَنْ لَا يَأْخُذَهُ رَأْفَةٌ بِالزَّانِيَيْنِ لَوْلَا أَنَّ الزَّانِيَيْنِ لَيْسَا بِمُؤْمِنَيْنِ لِأَنَّهُمَا لَوْ كَانَا مُؤْمِنَيْنِ لَكَانَ الَّذِي وَصَفَهُ بِهِ مِنَ الَّذِي نَهَاهُ عَنْهُ، وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَصِفَهُ بِصِفَةٍ وَيَنْهَاهُ عَنْهَا لِأَنَّ ذَلِكَ يَتَضَادُّ وَيَخْتَلِفُ، قَالُوا: فَدَلَّ مَا وَصَفْنَا عَلَى أَنَّ الزَّانِيَيْنِ لَيْسَا بِمُؤْمِنَيْنِ
حِكَايَةُ قَوْلِ الرَّافِضَةِ فِيهَا وَقَالَتِ الرَّافِضَةُ بِمِثْلِ قَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ إِلَّا طَائِفَةً مِنْهَا ذَهَبَتْ إِلَى مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ أَبِي جَعْفَرٍ أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنَ الْإِيمَانِ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَأَجْمَعَ هَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ عَلَى أَنَّ أَحْكَامَ الْمُؤْمِنِينَ جَائِزَةٌ عَلَيْهِمْ مَعَ نَفْيِهِمُ اسْمَ الْإِيمَانِ عَنْهُمْ، وَفِي هَذَا مِنَ التَّنَاقُضِ وَاخْتِلَافِ
الْقَوْلِ مَا قَدْ بَيَّنَّاهُ. وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِقَوْلِ اللَّهِ تبارك وتعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات: 14] وَبِحَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ: أُرَاهُ مُؤْمِنًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«أَوْ مُسْلِمٌ؟» فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِخِلَافِ مَذْهَبِنَا، وَذَلِكَ أَنَّا نَقُولُ: إِنَّ الرَّجُلَ قَدْ يُسَمَّى مُسْلِمًا عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَخْضَعَ لِلَّهِ بِالْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ تَدَيُّنًا بِذَلِكَ يُرِيدُ اللَّهَ بِإِخْلَاصِ نِيَّةٍ
، وَالْجِهَةُ الْأُخْرَى أَنْ يَخْضَعَ وَيَسْتَسْلِمَ لِلرَّسُولِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ خَوْفًا مِنَ الْقَتْلِ وَالسَّبْيِ فَيُقَالُ: قَدْ أَسْلَمَ أَيْ خَضَعَ خَوْفًا وَتَقِيَّةً، وَلَمْ يُسْلِمْ لِلَّهِ، وَلَيْسَ هَذَا بِالْإِسْلَامِ الَّذِي اصْطَفَاهُ اللَّهُ وَارْتَضَاهُ الَّذِي هُوَ الْإِيمَانُ الَّذِي دَعَا اللَّهُ الْعِبَادَ إِلَيْهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ:{قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات: 14] يُرِيدُ وَلَمْ يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ، نَظِيرُ ذَلِكَ قَوْلُهُ:{وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ} [الجمعة: 3] يُرِيدُ: لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ، وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُخْبِرَ اللَّهُ عَنْ مَنْ أَتَى بِالْإِسْلَامِ الَّذِي هُوَ دِينُ اللَّهِ الَّذِي لَا يَقْبَلُ دِينًا غَيْرَهُ، وَلَا يَقْبَلُ عَمَلًا إِلَّا بِهِ أَنَّ الْإِيمَانَ لَمْ يَدْخُلْ قَلْبَهُ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قَلْبِهِ وَهُوَ كَافِرٌ بِاللَّهِ فَكَيْفَ يَكُونُ كَافِرًا بِاللَّهِ مُسْلِمًا لِلَّهِ؟ هَذَا مِنَ الْمُحَالِ الَّذِي لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فَثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ قَوْلَهُ:{أَسْلَمْنَا} [الحجرات: 14] إِنَّمَا هُوَ اسْتَسْلَمْنَا لِلنَّاسِ مَخَافَةَ السَّبْيِ وَالْقَتْلِ
607 -
وَكَذَلِكَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: " {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات: 14] قَالَ: «اسْتَسْلَمْنَا خَوْفَ السَّبْيِ وَالْقَتْلِ»
⦗ص: 555⦘
. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: فَإِذَا ثَبَتَ بِالدَّلِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَا أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْمُرْهُمْ أَنْ يَقُولُوا: {أَسْلَمْنَا} [الحجرات: 14] يُرِيدُ الْإِسْلَامَ الَّذِي اصْطَفَاهُ وَارْتَضَاهُ الَّذِي هُوَ خُضُوعٌ لِلَّهِ بِالطَّاعَةِ تَصْدِيقًا بِهِ، وَإِخْلَاصًا لَهُ، فَكَذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِسَعْدٍ:«أَوَمُسْلِمٌ؟» إِنَّمَا يُرِيدُ الْإِسْلَامَ الَّذِي هُوَ اسْتِسْلَامٌ مِنْ مَخَافَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَالْمُسْلِمِينَ، وَذَلِكَ إِسْلَامُ الْمُنَافِقِينَ وَلَيْسَ بِإِسْلَامِ الْمُؤْمِنِينَ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَهَلْ كَانَ قَوْلُ هَؤُلَاءِ: {أَسْلَمْنَا} [الحجرات: 14] طَاعَةً لِلَّهِ؟ قِيلَ لَهُ: إِنَّ اللَّهَ لَمْ يُخْبِرْنَا عَنْ هَؤُلَاءِ أَنَّهُمْ قَالُوا: {أَسْلَمْنَا} [الحجرات: 14] بَعْدَ أَنْ قَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى لَهُمْ: {قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات: 14] وَلَوْ قَالُوا: غَيْرُ مُخْلِصِينَ لَهُ وَلَا مُؤْمِنِينَ بِهِ لَمْ يَكُونُوا مُطِيعِينَ لِأَنَّ الطَّاعَةَ لَا تَكُونُ طَاعَةً إِلَّا بِالتَّقَرُّبِ إِلَى اللَّهِ وَالْإِخْلَاصِ لَهُ، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ عز وجل عَنْ هَؤُلَاءِ أَنَّ الْإِيمَانَ لَمْ يَدْخُلْ قُلُوبَهُمْ، وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَتَقَرَّبَ إِلَى اللَّهِ بِالطَّاعَةِ مَنْ لَمْ يُؤْمِنُ بِهِ، وَقَدْ قَالُوا: آمَنَّا، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْهُمْ طَاعَةً لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا آمَنُوا، وَالْقَوْلُ لَا يَكُونُ طَاعَةً وَلَا إِيمَانًا وَلَا إِسْلَامًا إِلَّا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ اللَّهُ عز وجل:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} [البقرة: 8] وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا
⦗ص: 556⦘
أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} فَهَؤُلَاءِ قَوْمٌ مُؤْمِنُونَ مُسْلِمُونَ قَدْ آمَنُوا بِاللَّهِ بِقُلُوبِهِمْ وَأَسْلَمُوا لَهُ فَأَمَرَهُمُ اللَّهُ أَنْ يُعَبِّرُوا عَنْ إِيمَانِهِمْ وَإِسْلَامِهِمْ بِأَلْسِنَتِهِمْ أَمْرَ تَعَبُّدٍ، تَعَبَّدَهُمْ بِهِ فَكَانَتْ تِلْكَ الْعِبَادَةُ مِنْهُمْ طَاعَةً لِلَّهِ، أَلَا تَرَاهُ كَيْفَ أَمَرَهُمْ فِي آخِرِ مَا أَمَرَهُمْ أَنْ يَقُولُوا:{وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [العنكبوت: 46] لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّ الْإِسْلَامَ الْمُخْلَصَ لِلَّهِ الَّذِي هُوَ الْإِيمَانُ، وَلَمْ يَقُلْ لِأُولَئِكَ الْأَعْرَابِ: قُولُوا: أَسْلَمْنَا لِلَّهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا أَسْلَمُوا لِلَّهِ، وَإِنَّمَا أَسْلَمُوا لِلنَّاسِ، فَكَانُوا مُنَافِقِينَ غَيْرَ مُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ وَلَا مُسْلِمِينَ لَهُ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ النَّظَرِ: لَيْسَ قَوْلُهُ لِهَؤُلَاءِ: {قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات: 14] أَمْرَ تَعَبُّدٍ يَكُونُوا مُطِيعِينَ بِهِ لَوْ قَالُوهُ، إِنَّمَا هُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ فِي الْمُنَافِقِينَ:{وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ} [التوبة: 46]