المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أمر معناه الخبر. ونوع آخر لفظه لفظ الأمر، ومعناه الخبر من ذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستحي فاصنع ما شئت» قال أبو عبد الله: إنما هو من لم يستحي صنع ما شاء على جهة الذم لترك الحياء، ولم يرد - تعظيم قدر الصلاة - محمد بن نصر المروزي - جـ ٢

[محمد بن نصر المروزي]

فهرس الكتاب

- ‌مَبْحَثُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَفْسِيرِ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ» فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ: إِنَّمَا أَرَادَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِزَالَةَ اسْمِ الْإِيمَانِ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنَ الْإِسْلَامِ وَلَا يُزِيلُ

- ‌قَوْلُ طَائِفَةٍ ثَانِيَةٍ فِي مُغَايَرَةِ الْإِيمَانِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَقَالَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى أَيْضًا مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ بِمِثْلِ مَقَالَةِ هَؤُلَاءِ، إِلَّا أَنَّهُمْ سَمَّوْهُ مُسْلِمًا لِخُرُوجِهِ مِنْ مِلَلِ الْكُفْرِ، وَلِإِقْرَارِهِ بِاللَّهِ وَبِمَا قَالَ، وَلَمْ يُسَمُّوهُ مُؤْمِنًا وَزَعَمُوا أَنَّهُ مَعَ تَسْمِيَتِهِمْ إِيَّاهُ بِالْإِسْلَامِ كَافِرٌ لَا كَافِرٌ بِاللَّهِ

- ‌حِكَايَةُ قَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَهَذِهِ الْحُجَجُ الَّتِي كَتَبْنَاهَا هِيَ دَاخِلَةٌ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ وَذَلِكَ أَنَّهَا زَعَمَتْ أَنَّ كُلَّ مَنْ أَتَى كَبِيرَةً فَقَدْ خَرَجَ مِنَ الْإِيمَانِ، وَإِذَا خَرَجَ مِنَ الْإِيمَانِ فَقَدْ خَرَجَ مِنَ الْإِسْلَامِ، لِأَنَّ الْإِيمَانَ وَالْإِسْلَامَ عِنْدَهُمْ وَاحِدٌ فَهُوَ عِنْدَهُمْ غَيْرُ مُؤْمِنٍ وَلَا مُسْلِمٍ

- ‌حِكَايَةُ قَوْلِ الرَّافِضَةِ فِيهَا وَقَالَتِ الرَّافِضَةُ بِمِثْلِ قَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ إِلَّا طَائِفَةً مِنْهَا ذَهَبَتْ إِلَى مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ أَبِي جَعْفَرٍ أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنَ الْإِيمَانِ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَأَجْمَعَ هَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ عَلَى أَنَّ أَحْكَامَ الْمُؤْمِنِينَ جَائِزَةٌ عَلَيْهِمْ مَعَ نَفْيِهِمُ اسْمَ الْإِيمَانِ عَنْهُمْ، وَفِي هَذَا مِنَ التَّنَاقُضِ وَاخْتِلَافِ

- ‌الْأَمْرُ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ عَلَى وُجُوهٍ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَالْأَمْرُ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ قَدْ يَتَّجِهُ عَلَى وُجُوهٍ:

- ‌أَمْرُ الدُّعَاءِ وَنَوْعٌ خَامِسٌ: لَفْظُهُ لَفْظُ الْأَمْرِ وَمَعْنَاهُ مَعْنَى الدُّعَاءِ مِنْ ذَلِكَ دُعَاءُ الْعَبْدِ رَبَّهُ فَيَقُولُ: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي، فَهَذَا لَفْظُهُ لَفْظُ الْأَمْرِ، وَإِنَّمَا هُوَ دُعَاءٌ وَمَسْأَلَةٌ

- ‌أَمْرٌ مَعْنَاهُ الْخَبَرُ. وَنَوْعٌ آخَرُ لَفْظُهُ لَفْظُ الْأَمْرِ، وَمَعْنَاهُ الْخَبَرُ مِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الْأُولَى إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ» قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: إِنَّمَا هُوَ مَنْ لَمْ يَسْتَحْيِ صَنَعَ مَا شَاءَ عَلَى جِهَةِ الذَّمِّ لِتَرْكِ الْحَيَاءِ، وَلَمْ يُرِدْ

- ‌بَقِيَّةُ الْجَوَابِ عَنِ الْقَائِلِينَ بِمُغَايَرَةِ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَ اسْمَ مُؤْمِنٍ اسْمَ ثَنَاءٍ وَتَزْكِيَةٍ، وَأَوْجَبَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ ثُمَّ أَوْجَبَ النَّارَ عَلَى الْكَبَائِرِ فَدَلَّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ اسْمَ الْإِيمَانِ زَائِلٌ عَنْ كُلِّ مَنْ أَتَى كَبِيرَةً، فَإِنَّا نَقُولُ: إِنَّ اسْمَ الْمُؤْمِنِ قَدْ يُطْلَقُ

- ‌أَدِلَّةٌ أُخْرَى عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِنَفْيِ الْإِيمَانِ عَنْ مُرْتَكِبِ الْمَعَاصِي نَفْيُ اسْتِكْمَالِ الْإِيمَانِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَأْوِيلَ هَذِهِ الْأَخْبَارِ الَّتِي فِيهَا نَفْيُ الْإِيمَانِ عَنْ مَنِ ارْتَكَبَ الْمَعَاصِي الْمَذْكُورَةَ فِيهَا إِلَيْهِ مَا ذَهَبْنَا مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا نَفْيُ اسْتِكْمَالِ الْإِيمَانِ لَا نَفْيَ الْإِيمَانِ كُلِّهِ

- ‌غُلُوُّ الْخَوَارِجِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَالرَّافِضَةِ فِي تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي وَرَدَتْ فِي نَفْيِ الْإِيمَانِ عَمَّنِ ارْتَكَبَ الْكَبِيرَةَ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَقَدْ غَلَتْ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْأَخْبَارِ الَّتِي جَاءَتْ فِي نَفْيِ الْإِيمَانِ عَنْ مَنِ ارْتَكَبَ الْكَبَائِرَ طَوَائِفُ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ مِنْهُمُ الْخَوَارِجُ وَالْمُعْتَزِلَةُ وَالرَّافِضَةُ. فَأَمَّا

- ‌أَدِلَّةٌ أُخْرَى عَلَى ضَلَالَةِ الْخَوَارِجِ وَفَسَادِ مَذْهَبِهِمْ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى ضَلَالَةِ الْخَوَارِجِ سِوَى مَا ذَكَرْنَا مُخَالَفَتَهُمْ لِجَمَاعَةِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، اقْتَتَلَ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَ الْجَمَلِ، وَيَوْمَ صِفِّينَ، وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ

- ‌فِرَقُ الْمُرْجِئَةِ وَفَسَادُ مَذْهَبِهِمْ. فَفِرْقَةٌ مِنْ أَهْلِ الْجَهْلِ مِنْهُمْ وَالْمُعَانَدَةِ أَنْكَرَتْ هَذِهِ الْأَخْبَارَ وَرَدَّتْهَا، وَذَلِكَ لِقِلَّةِ مَعْرِفَتِهِمْ بِالْآثَارِ، وَجَهْلِهِمْ بِتَأْوِيلِهَا، وَذَلِكَ لِقِلَّةِ اتِّسَاعِهِمْ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَمَذَاهِبِهَا، وَاتِّبَاعِهِمْ أَهْوَاءَهُمْ فَلَمَّا لَمْ تُوَافِقْ مَذَاهِبَهُمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ إِنْ أَقَرُّوا بِهَا لَزِمَتْهُمُ الْحُجَّةُ

- ‌عَوْدَةٌ إِلَى الِاحْتِجَاجِ لِمَنْ فَسَّرَ: «الْإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ» عَلَى اسْتِكْمَالِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ وَسَائِرِ الْجَوَارِحِ. ثُمَّ نَعُودُ الْآنَ إِلَى مَا كُنَّا فِيهِ مِنَ الِاحْتِجَاجِ لِمَنْ فَسَّرَ قَوْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ: «الْإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ» عَلَى اسْتِكْمَالِ الْإِيمَانِ

- ‌أَدِلَّةُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ بِالرَّسُولِ عليه الصلاة والسلام إِنَّمَا هُوَ بِتَصْدِيقِهِ، وَاتِّبَاعِ مَا جَاءَ بِهِ. فَإِنْ قِيلَ: فَمَا الْحُجَّةُ فِي أَنَّ الْإِيمَانَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا هُوَ بِتَصْدِيقِهِ وَاتِّبَاعِ مَا جَاءَ بِهِ؟ قِيلَ: كِتَابُ اللَّهِ عز وجل وَسُنَّةُ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌بَابٌ فِي شَرْحِ حَدِيثِ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» . قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَهَذَا بَابٌ جَامِعٌ مُخْتَصَرٌ مِنْ نَفْسِ تَفْسِيرِ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ شَبِيهٌ بِحَدِيثِ جِبْرِيلَ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ الَّذِي حَكَيْنَاهُ وَهُوَ قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا الدِّينُ النَّصِيحَةُ» بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ جَامِعَةٍ، فَلَمَّا قِيلَ: لِمَنْ؟ قَالَ:

- ‌طُرُقُ حَدِيثِ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ»

- ‌جِمَاعُ تَفْسِيرِ النَّصِيحَةِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: جِمَاعُ تَفْسِيرِ النَّصِيحَةِ هُوَ عِنَايَةُ الْقَلْبِ لِلْمَنْصُوحِ لَهُ مَنْ كَانَ، وَهِيَ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا فَرْضٌ، وَالْآخَرُ نَافِلَةٌ، فَالنَّصِيحَةُ الْمُفْتَرَضَةُ لِلَّهِ هِيَ شِدَّةُ الْعِنَايَةِ مِنَ النَّاصِحِ بِاتِّبَاعِ مَحَبَّةِ اللَّهِ فِي أَدَاءِ مَا افْتَرَضَ، وَمُجَانَبَةِ مَا

- ‌بَابُ ذِكْرِ إِكْفَارِ تَارِكِ الصَّلَاةِ

- ‌بَابُ ذِكْرِ النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ الْمُصَلِّينَ، وَإِبَاحَةِ قَتْلِ مَنْ لَمْ يُصَلِّ

- ‌بَابُ ذِكْرِ الْأَخْبَارِ الَّتِي احْتَجَّتْ بِهِ هَذِهِ الطَّائِفَةُ الَّتِي لَمْ تُكَفِّرْ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ

- ‌مِنْ حُقُوقِ الصَّلَاةِ وَآدَابِهَا قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَمِنْ حُقُوقِ الصَّلَاةِ: الطَّهَارَةُ مِنَ الْأَحْدَاثِ، وَطَهَارَةُ الثِّيَابِ الَّتِي تُصَلَّى فِيهَا، وَطَهَارَةُ الْبِقَاعِ الَّتِي تُصَلَّى عَلَيْهَا، وَالْمُحَافَظَةُ عَلَى مَوَاقِيتِهَا الَّتِي كَانَ يُحَافِظُ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ رضي الله عنهم

- ‌ذِكْرُ الْأَخْبَارِ الَّتِي جَاءَتْ فِي أَنَّ سِبَابَ مُسْلِمٍ فُسُوقٌ وَقِتَالَهُ كُفْرٌ

الفصل: ‌أمر معناه الخبر. ونوع آخر لفظه لفظ الأمر، ومعناه الخبر من ذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستحي فاصنع ما شئت» قال أبو عبد الله: إنما هو من لم يستحي صنع ما شاء على جهة الذم لترك الحياء، ولم يرد

‌أَمْرٌ مَعْنَاهُ الْخَبَرُ. وَنَوْعٌ آخَرُ لَفْظُهُ لَفْظُ الْأَمْرِ، وَمَعْنَاهُ الْخَبَرُ مِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الْأُولَى إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ» قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: إِنَّمَا هُوَ مَنْ لَمْ يَسْتَحْيِ صَنَعَ مَا شَاءَ عَلَى جِهَةِ الذَّمِّ لِتَرْكِ الْحَيَاءِ، وَلَمْ يُرِدْ

بِقَوْلِهِ: «فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ» أَنْ يَأْمُرَهُ بِذَلِكَ أَمْرًا، وَلَكِنَّهُ أُمِرَ بَعْضَ الْخَبَرِ، أَلَمْ تَسْمَعْ حَدِيثَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» لَيْسَ وَجْهُهُ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِذَلِكَ، إِنَّمَا مَعْنَاهُ مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا تَبَوَّأَ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ، إِنَّمَا لَفْظُهُ أَمْرٌ عَلَى مَعْنَى الْخَبَرِ، وَتَأْوِيلِ الْجَزَاءِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ:{فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة: 279] فَقَوْلُهُ: {فَأْذَنُوا} [البقرة: 279] هُوَ فِي اللَّفْظِ عَلَى مَخْرَجِ الْأَمْرِ، وَتَأْوِيلُهُ

ص: 560

: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَآذَنْتُمْ بِالْحَرْبِ أَيْ كُنْتُمْ أَهْلَ حَرْبٍ.

ص: 561

أَمْرٌ مَعْنَاهُ الِاسْتِثْنَاءُ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَنَوْعٌ آخَرُ لَفْظُهُ لَفْظُ أَمْرٍ عَلَى مَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ وَلَيْسَ هُوَ بِأَمْرِ تَعَبُّدٍ فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ: {لَنْ نُؤْثِرُكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [طه: 72] فَلَمْ يَكُنْ أَمْرُهُمْ إِيَّاهُ بِأَنْ تَقْضِي مَا هُوَ قَاضٍ عَلَى مَعْنَى التَّكْذِيبِ، وَلَا عَلَى الْإِبَاحَةِ لِأَنْ يَفْعَلَ بِهِمْ مَا قَدْ تَوَاعَدَهُمْ وَلَكِنَّهُمْ أَعْلَمُوهُ أَنَّهُمْ قَدِ اسْتَعَدُّوا لَهُ بِالصَّبْرِ عَلَى مَا حَلَّ بِهِمْ مِنْ عَذَابِهِ، وَأَنَّهُمْ غَيْرُ تَارِكِينَ لِدِينِهِمْ جَزَعًا مِمَّا تَوَاعَدَهُمْ بِهِ فَلْيَفْعَلْ مَا هُوَ فَاعِلٌ، فَإِنَّهُمْ يَسْتَقِلُّونَ ذَلِكَ فِي جَنْبِ مَا يَتَوَقَّعُونَهُ مِنْ ثَوَابِ اللَّهِ عز وجل، وَمَا يَرْجُونَ أَنْ يَصْرِفَهُ اللَّهُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهِ ثَوَابًا عَلَى بَذْلِهِمْ أَنْفُسَهُمْ.

ص: 561

وَجْهٌ آخَرُ مِنَ الْأَمْرِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَوَجْهٌ آخَرُ مِنَ الْأَمْرِ مَخْرَجُهُ مَخْرَجُ أَمْرِ التَّعَبُّدِ وَلَيْسَ بِهِ، وَذَلِكَ كَقَوْلِ نُوحٍ لِقَوْمِهِ: {إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً، ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا

ص: 561

تُنْظِرُونِ} [يونس: 71] فَهَذَا ظَاهِرُهُ أَمْرٌ وَهُوَ فِي الْمَعْنَى نَهْيٌ، لِأَنَّهُمْ لَوْ فَعَلُوا مَا أَمَرَهُمْ بِهِ كَانُوا عَاصِينَ لِلَّهِ، وَلَهُ، وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِذَلِكَ لِيُطِيعُوهُ وَلَكِنْ أَخْبَرَهُمْ بِهَوَانِهِمْ عَلَيْهِ، وَصِغَرِ قُدْرَتِهِمْ عِنْدَهُ، وَأَنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى ضُرِّهِ، وَلَا إِيذَائِهِ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّهِ، وَذَلِكَ لِقُوَّةِ تَوَكُّلِهِ عَلَى رَبِّهِ، وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى تَفَاضُلِ الْمُؤْمِنِينَ وَالصَّالِحِينَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَغَيْرِهِمْ فِي التَّوَكُّلِ أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِ لُوطٍ لَمَّا أَرَادَهُ قَوْمُهُ وَقَصَدُوا لَهُ بِالْأَذَى:{لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} [هود: 80] قِيلَ فِي التَّفْسِيرِ: إِلَى جَمْعٍ وَعَشِيرَةٍ، رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَى أَخِي لُوطٍ إِنْ كَانَ لَيَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ» وَقَدْ كَانَ مَعَهُ

ص: 562

جِبْرِيلُ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ وَلَوْ لَمْ يَكُونُوا مَعَهُ لَكَانَ فِي كَوْنِ اللَّهِ مَعَهُ كِفَايَةٌ وَقَدْ كَانَ بِاللَّهِ وَاثِقًا عَلَيْهِ مُتَوَكِّلًا وَلَكِنَّهَا حَالَاتٌ يَخُصُّ اللَّهُ عِبَادَهُ الْعَارِفِينَ بِمَا يَشَاءُ مِنْ تَأْيِيدِهِ، وَلَقَدْ كَانَ بَايَنَ قَوْمَهُ غَضَبًا لِلَّهِ أَنْ يَعْصِيَ، وَيُخَالِفَ أَمْرَهُ تَوَكُّلًا عَلَى اللَّهِ غَيْرَ أَنَّ الَّذِيَ حَكَى اللَّهُ عَنْ نُوحٍ وَهُودٍ يَدُلُّ عَلَى فَضْلِ تَوَكُّلِهِمَا وَقُوَّتِهِمَا، وَحَكَى عَنْ نُوحٍ مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ وَعَنْ هُودٍ أَنَّهُ قَالَ لِقَوْمِهِ وَهُمْ يُرِيدُونَهُ قَدْ بَايَنُوهُ بِالْعَدَاوَةِ، فَقَالَ لَهُمْ:{إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ} [هود: 55] ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ بِهَوَانِهِمْ عَلَيْهِ، كَمَا فَعَلَهُ نُوحٌ فَقَالَ:{فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ} [هود: 55] أَيْ أَعْجَلُوا عَلَيَّ، ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ بِالَّذِي حَمَلَهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، وَقَوْلِهِ عَلَيْهِمْ، وَهَوْنِ شَأْنِهِمْ عِنْدَهُ حَتَّى سَأَلَهُمْ أَنْ يَجْتَمِعُوا لَهُ، وَلَا يُنْظِرُوهُ، وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَمُخَاطَبَاتِهِمْ إِذَا هَانَ الْقَوْمُ عَلَى الْقَوْمِ قَالُوا لَهُمُ: اجْتَمِعُوا وَاجْتَهِدُوا وَلَا تُخْزُوا مَا تُرِيدُونَ، فَأَخْبَرَهُمْ مَا الَّذِي شَجَّعَ قَلْبَهُ، وَهَوَّنَ عَلَيْهِ كَيْدَهُمْ، فَقَالَ عَلَى إِثْرِ قَوْلِهِ هَذَا:{إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ} [هود: 56] ثُمَّ أَخْبَرَ بِالَّذِي أَوْرَثَ قَلْبَهُ التَّوَكُّلَ وَثَبَّتَهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ:{مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا} [هود: 56] فَلَمْ يُخْبِرْ أَنَّهُ شَجَّعَ قَلْبَهُ قُوَّةُ بَدَنِهِ، وَلَا نَاصِرٌ مِنَ الْخَلْقِ يَرْجُو نَصَرَهُ، وَلَكِنْ تَوَكُّلًا عَلَى رَبِّهِ، وَأَنَّ الَّذِي بَعَثَهُ عَلَى التَّوَكُّلِ مَعْرِفَتَهُ بِرَبِّهِ، وَأَنَّ النَّوَاصِيَ كُلَّهَا بِيَدِهِ، وَأَنَّهُ لَا يَكُونُ شَيْءٌ

ص: 563

إِلَّا بِإِرَادَتِهِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ قَوْلُ مُوسَى لِلسَّحَرَةِ:{أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ} [يونس: 80] أَيِ الْعَاقِبَةُ يَكُونُ لِي، وَعَلَيْكُمْ يَكُونُ الدَّائِرَةُ ثِقَةً مِنْهُ بِرَبِّهِ وَتَوَكُّلًا عَلَيْهِ.

ص: 564

أَمْرُ التَّهَدُّدِ وَالْوَعِيدِ. وَوَجْهٌ آخَرُ لَفْظُهُ لَفْظُ الْأَمْرِ، وَالْمُرَادُ بِهِ التَّهَدُّدُ وَالْوَعِيدُ، مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ:{قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي فَاعَبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ} [الزمر: 15] . وَقَوْلُهُ: {قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ} وَقَوْلُهُ لِإِبْلِيسَ: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا} [الإسراء: 64] . وَقَوْلُهُ: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29] كُلُّ هَذَا عَلَى الْوَعِيدِ، وَالتَّغْلِيظِ تَحْذِيرًا، وَتَهْدِيدًا لَا عَلَى أَمْرِ التَّعَبُّدِ، وَلَا عَلَى الْإِبَاحَةِ وَمِنْهُ حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ بَاعَ الْخَمْرَ فَلْيُشَقِّصِ الْخَنَازِيرَ» .

ص: 564

608 -

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أنا وَكِيعٌ، ثنا طَعْمَةُ الْجَعْفَرِيُّ، عَنْ

⦗ص: 565⦘

عُمَرَ بْنِ بَيَانٍ التَّغْلِبِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ بَاعَ الْخَمْرَ فَلْيُشَقِّصِ الْخَنَازِيرَ» قَالَ وَكِيعٌ: يُقَصِّبُهَا. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: قَوْلُهُ فَلْيُشَقِّصِ الْخَنَازِيرَ ظَاهِرُهُ أَمْرٌ، وَبَاطِنُهُ نَهْيٌ، فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ:{قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات: 14] لَيْسَ هُوَ أَمْرُ تَعَبُّدٍ لَهُمْ بِأَنْ يَقُولُوا أَسْلَمْنَا لِغَيْرِ اللَّهِ، وَلَوْ قَالُوهُ مَا كَانُوا مُطِيعِينَ وَكَانُوا كَالَّذِينَ قَالَ:{وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ} [التوبة: 46] فَقَعَدُوا وَلَمْ يَكُونُوا مُطِيعِينَ بِالْقُعُودِ لِأَنَّ قُعُودَهُمْ لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ، وَكَذَلِكَ أُولَئِكَ لَمْ يَكُنْ إِسْلَامُهُ لِلَّهِ، وَلَوْ كَانُوا أَسْلَمُوا

⦗ص: 566⦘

لِلَّهِ مُخْلِصِينَ لَهُ دِينَهُمْ، ثُمَّ قَالُوا: أَسْلَمْنَا لَكَانُوا مُطِيعِينَ لِلَّهِ مُؤْمِنِينَ بِهِ، لِأَنَّ الْإِيمَانَ بِاللَّهِ وَالْإِسْلَامَ لِلَّهِ لَا يَفْتَرِقَانِ

ص: 564

609 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، ثنا أَبُو صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ دِينَارٍ الْهُذَلِيِّ أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ، كَتَبَ إِلَى سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فَأَجَابَهُ:" سَأَلْتَ عَنِ الْإِسْلَامِ، فَالْإِسْلَامُ الْإِخْلَاصُ، قَالَ تبارك وتعالى لِإِبْرَاهِيمَ: {أَسْلِمْ} [البقرة: 112] يَقُولُ: أَخْلِصْ {مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ} [البقرة: 112] يَقُولُ: مَنْ أَخْلَصَ دِينَهُ لِلَّهِ، وَتَسْأَلُ عَنِ الْإِخْلَاصِ؟ فَالْإِخْلَاصُ أَنْ يُخْلِصَ الْعَبْدُ دِينَهُ وَعَمَلَهُ لِلَّهِ فَلَا يُرَائِي بِعَمَلِهِ أَحَدًا، وَيَكُونُ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ الْحَقِّ كُلِّهِ فَذَلِكَ الْإِخْلَاصُ "

610 -

حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْبِسْطَامِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ الْمَكِّيُّ، ثنا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ دِينَارٍ الْهُذَلِيِّ، بِمِثْلِهِ

ص: 566

611 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أنا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ:" {لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات: 14] قَالَ: لَمْ يَعْنِ بِهَذِهِ الْأَعْرَابَ إِنَّ {مِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ} [التوبة: 99] وَلَكِنَّهَا لِطَوَائِفَ مِنَ الْأَعْرَابِ "

ص: 566