الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فكذلك اجتماعهم واجتماعكم في عقيدة التثليث المخالفة للحس والبراهين، والأناس الكثيرون الذين تسمونهم ملاحدة ومقدارهم في هذا الزمان أزيد من مقدار فرقتكم بل من فرقة الرومانيين أيضاً وهم عقلاء مثلكم ومن أبناء أصنافكم ومن أهل دياركم وكانوا مسيحيين مثلكم فتركوا هذا المذهب لاشتماله على أمثال هذه الأمور يستهزؤون بها استهزاء بليغاً لا يستهزؤون بشيء آخر مثلها، كما لا يخفى على من طالع كتبهم، وفرقة يوني نيرين من فرق المسيحيين أيضاً ينكرونها والمسلمون واليهود سلفاً وخلفاً يفهمونها من جنس أضغاث الأحلام.
(الأمر السادس)
كان الإجمال يوجد كثيراً في أقوال المسيح عليه السلام بحيث لا يفهمها معاصروه وتلاميذه في كثير من الأحيان ما لم يفسرها بنفسه، فالأقوال التي فسرها من هذه الأقوال المجملة فهموها، وما لم يفسره منها فهموا بعضها بعد مدة مديدة وبقي البعض عليهم مبهماً إلى آخر الحياة، ونظائره كثيرة أكتفي هنا على بعضها.
وقع في الباب الثاني من إنجيل يوحنا مكالمة المسيح عليه السلام مع اليهود الذين كانوا يطلبون المعجزة هكذا: 19 "أجاب يسوع وقال لهم انقضوا هذا الهيكل وفي ثلاثة أيام أقيمه" 20 "فقال اليهود في ست وأربعين سنة بني هذا الهيكل أفأنت في ثلاثة أيام تقيمه؟ " 21 "وأما هو فكان يقول عن هيكل جسده" 22 "فلما قام من الأموات تذكر تلاميذه أنه قال هذا فآمنوا بالكتاب والكلام الذي قاله يسوع" فهنا لم يفهم التلاميذ فضلاً عن اليهود، لكن فهم التلاميذ بعد ما قام من الأموات،
وقال المسيح لينقود بموس من علماء اليهود: إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله، فلم يفهم ينقود بموس مقصوده، وقال كيف يمكن أن يولد الإنسان وهو شيخ أيقدر أن يدخل في بطن أمه ثانية ويولد ففهمه المسيح مرة أخرى فلم يفهم مقصوده في هذه المرة أيضاً، وقال كيف يمكن هذا فقال المسيح ألا تفهم وأنت معلم إسرائيل؟، وهذه القصة مفصلة في الباب الثالث من إنجيل يوحنا، وقال المسيح في مخاطبة اليهود:"أنا خبز الحياة إن أكل أحد من هذا الخبز يحيا إلى الأبد، والخبز الذي أنا أعطي هو جسدي"، فخاصم اليهود بعضهم بعضاً قائلين كيف يقدر هذا أن يعطينا جسده لنأكل، فقال لهم المسيح:"إن لم تأكلوا جسد ابن الإنسان ولم تشربوا دمه فليس لكم حياة، فيكم من يأكل جسدي ويشرب دمي فله حياة أبدية لأن جسدي مأكل حق ودمي مشرب حق، من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت في وأنا فيه كما أرسلني الأب الحي وأنا حي بالأب، فمن يأكلني فهو يحيا بي" فقال كثيرون من تلاميذه إن هذا الكلام مَنْ يقدر أن يسمعه؟ فرجع كثير منهم عن صحبته، وهذه القصة مفصلة في الباب السادس من إنجيل يوحنا، فهنا لم يفهم اليهود كلام المسيح والتلاميذ استصعبوه، وارتد كثير منهم.
وفي الباب الثامن من إنجيل يوحنا هكذا: 21 "قال لهم يسوع أيضاً أنا أمضي وستطلبونني وتموتون في خطبتكم حيث أمضي أنا لا تقدرون أنتم أن
تأتوا 22 فقال اليهود: لعله يقتل نفسه حتى يقول حيث أمضي أنا لا تقدرون أنتم أن تأتوا 51 الحق الحق أقول لكم إن كان أحد يحفظ كلامي فلن يرى الموت إلى الأبد 52 فقال له اليهود الآن علمنا أن بك شيطاناً، قد مات إبراهيم والأنبياء وأنت تقول إن كان أحد يحفظ كلامي فلن يذوق الموت إلى الأبد" وههنا أيضاً لم يفهم اليهود مقصوده في الموضعين بل نسبوه في الموضع الثاني إلى الجنون.
وفي الباب الحادي عشر من إنجيل يوحنا هكذا: 11 "قال لهم لعاذر حبيبنا قد نام لكني أذهب لأوقظه 12 فقال تلاميذه يا سيد إن كان قد نام فهو يُشفى 13 وكان يسوع يقول عن موته وهم ظنوا أنه يقول عن رقاد النوم 14 فقال لهم يسوع حينئذ علانية لعاذر مات" وههنا لم يفهم تلاميذ المسيح عليه السلام كلامه حتى صرح به، وفي الباب السادس عشر من إنجيل متى هكذا: 6 "وقال لهم يسوع انظروا وتحرّزوا من خمير الفريسيين والصدوقيين ففكروا في أنفسهم أننا لم نأخذ خبزاً 8 فعلم يسوع وقال لهم لماذا تفكرون في أنفسكم يا قليلي الإيمان إنكم لم تأخذوا خبزاً 11 كيف لا تفهمون أني ما قلت لكم عن الخبز أن تتحرزوا من خمير الفريسيين والصدوقيين" 12 "حينئذ فهموا أنه لم يقل أن يتحرزوا من خمير الخبز بل من تعليم الفريسيين والصدوقيين" وههنا أيضاً لم يفهم تلاميذ المسيح عليه السلام مقصوده قبل التنبيه،.
وفي الباب الثامن من إنجيل لوقا في حال الصبية التي أحياها المسيح عليه السلام بإذن الله هكذا: 52 "وكان الجميع يبكون عليها ويلطمون فقال لا تبكوا لم تمت لكنها نائمة" 53 "فضحكوا عليه عارفين أنها ماتت" وههنا لم يفهم الجميع مقصود المسيح عليه السلام، ولذلك ضحكوا عليه، وفي الباب التاسع من إنجيل لوقا قول المسيح في مخاطبة الحواريين هكذا: 44 "ضعوا أنتم هذا الكلام في آذانكم إن ابن الإنسان سوف يسلم إلى أيدي الناس" 25 "وأما هم فلم يفهموا هذا القول وكان مخفي عنهم لكيلا يفهموه وخافوا أن يسألوه عن هذا القول" وههنا لم يفهم الحواريون ولم يسألوه خوفاً منه، وفي الباب الثامن عشر من إنجيل لوقا هكذا: 31 "وأخذ الاثني عشر وقال لهم ها نحن صاعدون إلى أورشليم وسيتم كل ما هو مكتوب بالأنبياء عن ابن الإنسان" 32 "لأنه يسلم إلى الأمم ويستهزؤ به ويشتم ويُتْفَل عليه" 33
"ويجلدونه ويقتلونه وفي اليوم الثالث يقوم" 34 "وأما هم فلم يفهموا من ذلك شيئاً وكان هذا الأمر مخفياً عنهم، ولم يعلموا ما قيل" وههنا أيضاً لم يفهم الحواريون مع أن هذا التفهيم كان في المرة الثانية ولم يكن في الكلام إجمال أيضاً بحسب الظاهر، لعل سبب عدم الفهم هو أنهم كانوا سمعوا من اليهود أن المسيح يكون سلطاناً عظيم الشأن فلما آمنوا بعيسى عليه السلام وصدقوه
بالمسيحية فكانوا يظنون أنه سيجلس على سرير السلطنة، ونحن أيضاً نجلس على أسرة السلطنة، لأن عيسى عليه السلام كان وعدهم أنهم يجلسون على اثني عشر سريراً ويحكم كل منهم على فرقة من فرق بني إسرائيل، وكانوا حملوا هذه السلطنة الدنياوية كما هو الظاهر، وكان هذا الخبز مخالفاً لما ظنوه، ولما يرجونه، فلذا لم يفهموا، وستعرف عن قريب أنهم كانوا يرجون هكذا، وأيضاً قد شُبِّه على تلاميذ عيسى عليه السلام من بعض الأقوال المسيحية أمران ولم يزل هذا الاشتباه من أكثرهم أو كلهم إلى الموت (الأول) أنهم كانوا يعتقدون أن يوحنا لا يموت إلى القيامة (الثاني) أنهم كانوا يعتقدون أن القيامة تقوم في عهدهم كما عرفت مفصلاً في الباب الأول، وهذا الأمر يقيني أن ألفاظ عيسى عليه السلام بعينها ليست بمحفوظة في إنجيل من الأناجيل، بل في كل توجد ترجمتها باليوناني على ما فهم الرواة، وقد عرفت مفصلاً في الشاهد الثامن عشر من المقصد الثالث من الباب الثاني أن إنجيل متى لم يبق بل الباقي ترجمته، ولم يعلم أيضاً اسم مترجمه بالجزم إلى الآن، ولا يثبت بالسند المتصل أن الكتب الباقية من الأشخاص المنسوبة إليهم، وقد ثبت أن التحريف وقع في هذه الكتب يقيناً وثبت أن أهل الدين والديانة كانوا يحرفون قصد التأييد مسألة مقبولة أو لدفع اعتراض، وقد عرفت في الشاهد الحادي والثلاثين من المقصد الثاني بالأدلة
القوية أنه ثبت