الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثالث أيضاً ساقط عن الاعتبار بمثل سقوطه باعتبار النوعين الأولين.
(الشبهة الثالثة)
يوجد في القرآن أن الهداية والضلال من جانب الله تعالى، وأن الجنة مشتملة على الأنهار والحور والقصور، وأن الجهاد على الكفار مأمور به وهذه المضامين قبيحة تدل على أن القرآن ليس كلام الله، وهذه الشبهة أيضاً من أقوى شبههم قلما تخلو رسالة من رسائلهم تكون في رد أهل الإسلام ولا توجد فيها هذه الشبهة، ولهم في بيانها على قدر اختلاف أذهانهم تقريرات عجيبة يتحير الناظر من تعصباتهم بعد ملاحظة هذه التقريرات.
(أقول) في الجواب عن الأمر الأول أنه قد وقع في مواضع من كتبهم المقدسة أمثال هذا المضمون فيلزم عليهم أن يقولوا إن كتبهم المقدسة ليست من جانب الله يقيناً، وأنا أنقل بعض الآيات عنها ليظهر الحال للناظر - الآية الحادية والعشرون من الباب الرابع من سفر الخروج هكذا:(وقال له الرب وهو راجع إلى مصر انظر جميع العجائب التي وضعتها بيدك أعملها قدام فرعون فأنا أقسي قلبه فلا يطلق الشعب) .
ثم قول الله في الآية الثالثة من الباب السابع من سفر الخروج هكذا: (إني أقسي قلب فرعون وأكثر آياتي وعجائبي في أرض مصر) وفي الباب العاشر من سفر الخروج هكذا: 1: (وقال الرب لموسى ادخل عند فرعون لأني قسيت قلبه وقلوب عبيده لكي أصنع به آياتي هذه) 20: (وقسى الرب قلب فرعون ولم يطلق بني إسرائيل) 27: (فقسى الرب قلب فرعون ولم يشأ أن يرسلهم) وفي الآية العاشرة من الباب الحادي عشر من سفر الخروج هكذا: (وقسى الرب قلب فرعون فلم يرسل بني إسرائيل من أرضه) فظهر من هذه الآيات أن الله كان قد قسى قلوب فرعون وعبيده لتكثير معجزات موسى عليه السلام في أرض مصر.
والآية الرابعة من الباب التاسع والعشرين من كتاب الاستثناء هكذا: (ولم يعطيكم الرب قلباً فهيماً ولا عيوناً تنظرون بها ولا آذاناً تسمعون بها حتى اليوم) . والآية العاشرة من الباب السادس من كتاب أشعيا هكذا: (أعم قلب هذا الشعب وثقل آذانه وغمض عيونه لئلا يبصر بعينه ويسمع بأذنه ويفهم بقلبه ويتوب فأشفيه) . والآية الثامنة من الباب الحادي عشر من الرسالة الرومية هكذا: (كما هو مكتوب أعطاهم الله روح سبات وعيوناً لا يبصرون بها وآذاناً لا يسمعون بها حتى اليوم) .
وفي الباب الثاني عشر من إنجيل يوحنا هكذا: (لم يقدروا أن يؤمنوا لأن
أشعيا قال أيضاً قد عمى عيونهم وأغلظ قلوبهم لئلا يبصروا بعيونهم ويشعروا بقلوبهم ويرجعوا فأشفيهم) فعلم من التوراة وكتاب أشعيا والإنجيل أن الله أعمى عيون بني إسرائيل وأغلظ قلوبهم وأثقل آذانهم لئلا يتوبوا فيشفيهم فلذلك لا يبصرون الحق ولا يتفكرون فيه ولا يسمعونه، ولا يزيد معنى ختم الله على القلوب والسمع على هذا. والآية السابعة عشرة من الباب الثالث والستين من كتاب أشعيا في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1671 وسنة 1831 وسنة 1844 هكذا:(لماذا أضللتنا يا رب عن طرقك أقسيت قلوبنا أن لا نخشاك فالتفت بسبب عبيدك سبط ميراثك) .
والآية التاسعة من الباب الرابع عشر من كتاب حزقيال في التراجم المسطورة هكذا: (والنبي إذا ضل وتكلم بكلام فأنا الرب أضللت ذلك النبي وأمد يدي عليه وأهلكه من بين شعبي إسرائيل) فوقع في كلام أشعيا صراحة: (أضللتنا يا رب وأقسيت قلوبنا) وفي كلام حزقيال: (أنا الرب أضللت ذلك النبي) .
وفي الباب الثاني والعشرين من سفر الملوك الأول هكذا: 19: (ثم قال ميخا أيضاً من أجل هذا فاسمع قول الرب: رأيت الرب جالساً على كرسيه وجميع أجناد السماء قياماً حوله عن يمينه وعن شماله) 20: (فقال الرب من يخدع أخاب ملك إسرائيل فيصعد ليسقط تراموث جلعاد وقال بعضهم قولاً
وقال بعضهم قولْ أخر) 21: (فخرج روح وقام قدام الرب وقال أنا أخدعه فقال له الرب بماذا) 22: (فقال أنا أخرج فأكون روح ضلالة في أفواه جميع أنبيائه، فقال له الرب تخدع وتقدر على ذلك اخرج وافعل وكذلك) 23: (والآن قد جعل الرب روح ضلالة في أفواه جميع أنبيائك) وكانوا نحو أربعمائة (هؤلاء والرب قال عليك بالشر) وهذه الرواية صريحة في أن الله تعالى يجلس على كرسيه وينعقد عنده محفل المشاورة للاغواء والخدع (كما ينعقد محفل بارلمنت في لندن لأجل بعض أمور السلطنة) فيحضر جميع أجناد السماء، فبعد المشاورة يرسل روح الضلالة فيقع هذا الروح في الأفواه ويضل الناس. فانظر أيها اللبيب إذا كان الله وأجناد السماء يريدون إغواء الإنسان فكيف ينجو الإنسان الضعيف، وههنا عجب آخر وهو أن الله شاور وأرسل روح الضلالة بعد المشاورة ليخدع أخاب فكيف أظهر ميخا الرسول سر محفل الشورى ونبه أخاب عليه.
وفي الباب الثاني من الرسالة الثانية إلى أهل تسالونيقي هكذا: 11: (ولأجل هذا) أي لعدم قبولهم محبة الحق (سيرسل إليهم عمل الضلال حتى يصدقوا
الكذب) 34: (لكي يدان جميع الذين لم يصدقوا الحق بل سروا بالإثم) . فمقدسهم ينادي أن الله يرسل إلى الهالكين عمل الضلال أولاً فيصدقون الكذب فيدينهم، وإذا فرغ المسيح عليه السلام من توبيخ المدن التي لم يتب أهلها فقال:(أحمدك أيها الأب رب السماء والأرض لأنك أخفيت هذه عن الحكماء والفهماء وأعلنتها للأطفال، نعم أيها الأب لأن هكذا صارت المسرة أمامك) كما هو مصرح في الباب الحادي عشر من إنجيل متى، فالمسيح عليه السلام يصرح بأن الله أخفى الحق عن الحكماء فأظهره للأطفال ويحمد على هذا الأمر ويقول وكان رضا الله هكذا، والآية السابعة من الباب الخامس والأربعين من كتاب أشعيا في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1671 وسنة 1831 هكذا:(المصور النور والخالق الظلمة الصانع السلام والخالق الشر أنا الرب الصانع هذه جميعها) .
وفي الترجمة الفارسية المطبوعة سنة 1838 هكذا: (سازنده نور وافر يننده تاريكي منم صلح دهنده وظاهر كننده شر منكه خداوندم ابن همه أشيار بوجود مي آرام) وفي الآية الثامنة والثلاثين من الباب الثالث من مراثي أرمياء هكذا: (أمن فم الرب لا يخرج الشر والخير) وفي الترجمة الفارسية المطبوعة سنة 1838: (آياخير وشرازدهان خداصادر نمي شود) والاستفهام إنكاري والمراد أن الخير والشر كلاهما يصدران عن الله تعالى. وفي الآية الثانية عشرة من الباب الأول من كتاب ميخا في التراجم المذكورة هكذا: فإن الشر نزل من قبل الرب إلى باب أورشليم) . وفي الترجمة الفارسية المطبوعة سنة 1838: (أما هربدي بردر وازه أورشليم أزخد أوندنازل شد) فظهر أن خالق الشر هو الله تعالى كما هو خالق الخير.
وفي الباب الثامن من الرسالة الرومية هكذا: 29: (لأن الذين عرفهم بسبق علم قصدهم أن يكونوا شركاء لشبه ابنه ليكون هو بكر الأخوة كثيرين) 30: (والذين سبق فعينهم فهؤلاء دعاهم أيضاً) الخ وفي الباب التاسع من الرسالة المذكورة 11: (وهما لم يولدا بعد ولا فعلاً خيراً وشراً لكي يثبت قصد الله حسب الاختيار ليس من الأعمال بل من الذي يدعو) 12: (قيل لها إن الكبير يستعبد للصغير) 13: (كما هو مكتوب أحببت يعقوب وأبغضت عيسو) 14: (فإذا نقول ألعل عند الله ظلماً حاشا) 15: (لأنه يقول لموسى ارحم من أرحم وترأف على من أترأف) 16: (فإذن ليس لمن يشأ ولا لمن يسعى بل الله الذي يرحم) 17: (لأنه يقول الكتاب لفرعون إني لهذا بعينه أقمتك لكي أظهر فيك قوتي ولكي ينادي
باسمي في كل الأرض) 18: (فإذن هو يرحم من يشاء ويقسي من يشاء) 19: (فستقول لي: لماذا يلوم بعد لأن من يقاوم مشيئته) 20: (بل من أنت أيها الإنسان الذي تجاوب الله ألعل الجبلة تقول لجابلها لماذا صنعتني هكذا؟) 21: (أم ليس للخزاف سلطان على الطين أن يصنع من كتلة واحدة إناء للكرامة وآخر للهوان) فهذه العبارة من مقدسهم كافية لإثبات القدر، وكون الهداية والضلال من جانبه.
ولنعم ما قال أشعيا عليه السلام في الآية التاسعة من الباب الخامس والأربعين من كتابه: (الويل لمن يخالف جابلة خزف من خزاف الأرض هل يقول الطين لجابله ماذا تصنع هل يقول عملك ليس اليدان لك) وبالنظر إلى هذه الآيات لعل مقتدى فرقة بروتستنت لو طرمال إلى الجبر كما يدل عليه ظاهر كلامه ذكر في الصفحة 277 من المجلد التاسع من كاثلك هرلد أقوال المقتدى الممدوح فأنقل عنها قولين: 1 (طبع الإنسان كالفرس إن ركبه الله يمشي كما يريد وإن ركبه الشيطان يمشي كما يمشي الشيطان، وهو لا يختار راكباً من نفسه بل يجتهد الركبان أن أياً منهم يحصله ويتسلط عليه) 2 (إذا وجد أمر في الكتب المقدسة بأن افعلوا هذا الأمر فافهموا أن هذه الكتب تأمر عدم فعل هذا الأمر الحسن لأنك لا تقدر على فعله) انتهى. فالظاهر من كلامه أنه يعتقد الجبر.
وقال القسيس طامس أنكلس كاتلك في الصفحة 33 من كتابه المسمى بمرآة الصدق المطبوع سنة 1851 طاعناً على فرقة بروتستنت هكذا: (وعاظهم القدماء علموهم هذه الأقوال المكروهة) 1 (أن الله موجد العصيان) 2 (وأن الإنسان ليس مختاراً على أن يجتنب عن الإثم) 3 (وأن العمل على الأحكام العشرة غير ممكن) 4 (وأن الكبائر وإن كانت عظيمة لا توصل الإنسان إلى النقص في نظر الله) 5 (وأن الإيمان فقط ينجي الإنسان لأننا ندان بالإيمان فقط وهذا التعليم أنفع وتعليم مملوء بالطمأنينة) 6 (وأن أب إصلاح الدين يعني لوطر قال آمنوا فقط واعلموا يقيناً أنه يحصل لكم النجاة بلا مشقة الصوم وبلا مؤنة التقوى وبلا مشقة الاعتراف وبلا مشقة الأمور الحسنة ولكم نجاة نفيسة بلا شبهة كما للمسيح نفسه أذنبوا بالجرأة التامة أذنبوا وآمنوا فقط وينجيكم بالإيمان وإن ابتليتم في يوم واحد ألف مرة بالزنا أو القتل آمنوا فقط أنا أقول إن إيمانكم ينجيكم) انتهى،.
فظهر أن ما قال علماء بروتستنت في الأمر الأول في حق القرآن مردود بلا شبهة مخالف لكتبهم المقدسة، ولقول مقتداهم: ولا يلزم من خلق الشر أن يكون الله شريراً كما لا يلزم من خلق السواد والبياض وغيرهما من الأعراض أن يكون أسود أو أبيض، والحكمة في خلق الشر كما هي في خلق الشيطان الذي هو أصل الشرور ورأس المفاسد مع علم الله الأزلي بأن الشيطان يصدر عنه كذا وكذا، وكما هي في خلق الشهوة والحرص في طبع الإنسان مع علمه الأزلي بما يترتب عليهما في كل فرد من أفراد الإنسان وكما كان الله قادراً على أن لا يخلق الشيطان أو يخلقه ولا يعطيه القدرة على الإغراء ويمنعه عن الشر، ومع ذلك خلق ولم يمنعه عن الشر لحكمة ما، فكذلك قادر على أن لا يخلق الشر ولكنه في خلقه له حكمة ما.
(وأما الجواب عن الأمر الثاني) فهو أنه لا قبح في كون الجنة مشتملة على الحور والقصور وسائر النعيم عند العقل، ولا يقول أهل الإسلام إن لذات الجنة مقصورة على اللذات الجسمانية فقط كما يقول علماء بروتستنت غلطاً أو تغليطاً للعوام، بل يعتقدون بنص القرآن أن الجنة تشتمل على اللذات الروحانية والجسمانية، والأولى أفضل من الثانية ويحصل كلا النوعين للمؤمنين. قال الله في سورة التوبة:{وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم} فقوله ورضوان من الله - الآية - معناه أن رضواناً من الله أكبر
منزلة من كل ما سلف ذكره من الجنات والأنهار والمساكن الطيبة وهذا القول يدل على أن أفضل ما يعطي الله في الجنة هي اللذات الروحانية وإن كان يعطي اللذات الجسمانية أيضاً. ولذلك قال ذلك هو الفوز العظيم، لأن الإنسان مخلوق من جوهرين لطيف علوي وكثيف سفلي جسماني، وانضم إليهما حصول سعادة وشقاوة، فإذا حصلت الخيرات الجسمانية وانضم إليها حصول السعادات الروحانية، كان الروح فائزاً بالسعادات اللائقة به والجسد واصلاً إلى السعادات اللائقة به، ولا شك أن ذلك هو الفوز العظيم، وإن قال علماء بروتستنت إن اجتماعهما أيضاً في الجنة قبيح في عقولنا. أقول لهم لا تضطربوا فإنه لا يحصل لكم إن شاء الله، وقد عرفت في الباب الأول أن الإنجيل عندنا عبارة عما أنزل على عيسى عليه السلام فقط، فلو وجد في قول من الأقوال المسيحية ما يخالف ظاهره حكم القرآن، فمع قطع النظر عن أنه مروي برواية الآحاد، وعن أن مخالفة كتبهم المقدسة لا تضر القرآن، كما عرفت في جواب الشبهة الثانية.
أقول إن ذلك القول يكون مئولاً ألبتة، وكون أهل الجنة كالملائكة في زعمهم لا ينافي الأكل والشرب على حكم كتبهم، ألا يرون أن الملائكة الثلاثة الذين ظهروا لإبراهيم وأحضر لهم إبراهيم عليه السلام عجلاً حنيذاً وسمناً ولبناً أكلوا هذه الأشياء كما صرح به في الباب الثامن عشر من سفر التكوين، وأن
الملكين اللذين جاءا إلى لوط عليه السلام وصنع لهما وليمة وخبزاً فطيراً أكلا كما صرح به في الباب التاسع عشر من سفر التكوين، والعجب أنهم لما اعترفوا بالحشر الجسماني فأي استبعاد في اللذات الجسمانية، نعم لو كانوا منكرين للحشر مطلقاً كمشركي العرب، أو كانوا منكرين للحشر الجسماني ومعترفين بالحشر الروحاني كاتباع أرسطو لكان لاستبعادهم وجه بحسب الظاهر. وعندهم تجسد الله وما انفك عنه الأكل والشرب وسائر اللوازم الجسدانية باعتبار أنه إنسان، ولما لم يكن عيسى عليه السلام مرتاضاً مثل يحيى في الاجتناب عن الأطعمة النفسية وشرب الخمر كان المنكرون يطعنون عليه بأنه أكول وشريب كما هو مصرح به في الباب الحادي عشر من إنجيل متى.