المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الفصل الثاني: في رفع شبهات القسيسين على القرآن .   ‌ ‌(الشبهة الأولى) لا - إظهار الحق - جـ ٣

[رحمت الله الهندي]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الثالث: في إثبات النسخ

- ‌أمثلة القسم‌‌ الأول

- ‌ الأول

- ‌(الثاني)

- ‌ الثالث

- ‌ الرابع

- ‌(الخامس)

- ‌(السادس)

- ‌(السابع)

- ‌(الثامن)

- ‌(التاسع)

- ‌(العاشر)

- ‌(الحادي عشر)

- ‌(الثاني عشر)

- ‌(الثالث عشر)

- ‌(الرابع عشر)

- ‌(الخامس عشر)

- ‌(السادس عشر)

- ‌(السابع عشر)

- ‌(الثامن عشر)

- ‌(التاسع عشر)

- ‌(العشرون)

- ‌(الحادي والعشرون)

- ‌أمثلة القسم‌‌ الثاني)

- ‌ الثاني)

- ‌(الأول)

- ‌(الثالث)

- ‌(الرابع)

- ‌(الخامس)

- ‌(السادس)

- ‌(السابع)

- ‌(الثامن)

- ‌(التاسع)

- ‌(العاشر)

- ‌(الحادي عشر)

- ‌(الثاني عشر)

- ‌الباب الرابع في إبطال التثليث

- ‌المقدمة ففي بيان اثني عشر أمراً تفيد الناظر بصيرة في الفصول

- ‌(الأمر الأول)

- ‌(الأمر الثاني)

- ‌(الأمر الثالث)

- ‌(الأمر الرابع)

- ‌(الأمر الخامس)

- ‌(الأمر السادس)

- ‌(الأمر السابع)

- ‌(الأمر الثامن)

- ‌(الأمر التاسع)

- ‌(الأمر العاشر)

- ‌(الأمر الحادي عشر)

- ‌(الأمر الثاني عشر)

- ‌الفصل الأول: في إبطال التثليث بالبراهين العقلية

- ‌(البرهان الأول)

- ‌(البرهان الثاني)

- ‌(البرهان الثالث)

- ‌(البرهان الرابع)

- ‌(البرهان الخامس)

- ‌(البرهان السادس)

- ‌(البرهان السابع)

- ‌الفصل الثاني: في إبطال التثليث بأقوال المسيح عليه السلام

- ‌(القول الأول) :

- ‌(القول الثاني) :

- ‌(القول الثالث)

- ‌(القول الرابع) :

- ‌(القول الخامس) :

- ‌(القول السادس) :

- ‌(القول السابع) :

- ‌(القول الثامن) :

- ‌(القول التاسع) :

- ‌(القول العاشر) :

- ‌(القول الحادي عشر) :

- ‌(القول الثاني عشر) :

- ‌الفصل الثالث: في إبطال الأدلة النقلية على ألوهية المسيح

- ‌الدليل (الأول) :

- ‌الدليل الثاني

- ‌الدليل الثالث:

- ‌الدليل الرابع:

- ‌الباب الخامس: في إثبات كون القرآن كلام الله ومعجزاً ورفع شبهات القسيسين

- ‌الفصل الأول: الأمور التي تدل على أن القرآن كلام الله

- ‌(الأمر الأول) :

- ‌(الأمر الثاني) :

- ‌(الأمر الثالث) :

- ‌(الأمر الرابع)

- ‌(الأمر الخامس)

- ‌(الأمر السادس)

- ‌(الأمر السابع)

- ‌(الأمر الثامن)

- ‌(الأمر التاسع)

- ‌(الأمر العاشر)

- ‌(الأمر الحادي عشر)

- ‌(الأمر الثاني عشر)

- ‌الفصل الثاني: في رفع شبهات القسيسين على القرآن

- ‌(الشبهة الأولى)

- ‌(الشبهة الثانية)

- ‌(الشبهة الثالثة)

- ‌(الشبهة الرابعة)

- ‌(الشبهة الخامسة)

- ‌الفصل الثالث: في إثبات صحة الأحاديث النبوية في كتب الصحاح من كتب أهل السنة والجماعة

- ‌(الفائدة الأولى)

- ‌(الفائدة الثانية) :

- ‌(الفائدة الثالثة)

- ‌الفصل الرابع: في دفع شبهات القسيسين الواردة على الأحاديث

- ‌(الشبهة الأولى)

- ‌(الشبهة الثانية)

- ‌(الشبهة الثالثة)

- ‌(الشبهة الرابعة)

- ‌(الشبهة الخامسة)

الفصل: ‌ ‌الفصل الثاني: في رفع شبهات القسيسين على القرآن .   ‌ ‌(الشبهة الأولى) لا

‌الفصل الثاني: في رفع شبهات القسيسين على القرآن

.

(الشبهة الأولى)

لا نسلم بأن عبارة القرآن في الدرجة القصوى من البلاغة الخارجة عن العادة، ولو سلمنا بذلك فهو يكون دليلاً ناقصاً على الإعجاز، لأنه لا يظهر إلا لمن كانت له معرفة تامة بلسان العرب، ويلزم أن تكون جميع الكتب التي توجد في الألسن الأخرى مثل اليوناني واللاطيني وغيرهما في الدرجة العالية من بلاغة كلام الله، على أنه يمكن أن تؤدي المطالب الباطلة والمضامين القبيحة بألفاظ فصيحة وعبارات بليغة في الدرجة القصوى.

(والجواب) عدم تسليم كون عبارة القرآن في الدرجة العليا - مكابرة محضة، لما عرفت في الأمر الأول والثاني من الفصل الأول، وقولهم لأنه لا يظهر إلا لمن كانت له معرفة تامة حقة بلسان العرب، لكن التقريب غير تام لأن هذه المعجزة لما كانت لتعجيز البلغاء والفصحاء وقد ثبت عجزهم ولم يعارضوا واعترفوا بها وعرفها أهل اللسان بسليقتهم وغيرهم من العلماء بمهارتهم في فن البيان وإحاطتهم بأساليب الكلام وعرفها العوام من الفرق بشهادة ألوف ألوف من أهل اللسان والعلماء، فظهر أنها معجزة يقيناً، ودليل كامل لا ناقص كما زعموا، وصارت سبباً من الأسباب الكثيرة التي يعلم بها أن القرآن كلام الله

ص: 829

ولا يدعي أهل الإسلام أن سبب كون القرآن كلام الله منحصر في كونه بليغاً فقط وكذا لا يدعون أن معجزة النبي صلى الله عليه وسلم منحصرة في بلاغة القرآن فقط بل يدعون إن هذه البلاغة سبب من الأسباب الكثيرة لكون القرآن كلام الله، وأن القرآن بهذا الاعتبار أيضاً معجزة من المعجزات الكثيرة للنبي صلى الله عليه وسلم كما عرفت في الفصل الأول، وستعرف في الباب السادس إن شاء الله تعالى.

وهذه المعجزة ظاهرة في هذا الزمان أيضاً لألوف ألوف من أهل اللسان وماهري علم البيان، وعجز المخالفين ثابت من ظهورها إلى هذا الحين وقد مضت مدة ألف ومائتين وثمانين من الهجرة، وقد عرفت في الأمر الثاني من الفصل الأول أن قول النظام مردود وما قال أبو موسى الملقب بمزدار راهب المعتزلة من أن الناس قادرون على مثل هذا القرآن فصاحة ونظماً وبلاغة فهو مردود أيضاً كقول النظام، على أن مزدار هذا كان رجلاً مجنوناً استولت على دماغه اليبوسة بسبب كثرة الرياضة فهذى بأمثال هذه الهذيات كثيراً فكان يقول مثلاً إن الله قادر على أن يكذب ويظلم ولو فعل لكان إلهاً كاذباً ظالماً وإن من لابس السلطان

ص: 830

كافر لا يرث ولا يورث، وقوله يلزم أن يكون جميع الكتب إلخ غير مسلم، لأن هذه الكتب لم تثبت بلاغتها في الدرجة القصوى باعتبار الوجوه التي مر ذكرها في الأمر الأول والثاني من الفصل الأول، ولم يثبت ادعاء مصنفيها بالإعجاز، ولا عجز فصحاء هذه الألسن عن معارضتها. فإن ادعى أحد هذه الأمور بالنسبة إلى هذه الكتب فعليه الإثبات. وإلا فلا بد أن يمتنع عن مثل هذا الادعاء الباطل.

على أن شهادة بعض المسيحيين في حق الكتب المذكورة بأنها في هذه الألسن مثل القرآن في اللسان العربي في الدرجة العليا من البلاغة غير مقبولة، لأنهم إذا لم يكونوا من أهل اللسان فلا يميزون غالباً في لسان الغير بين المذكر والمؤنث، ولا بين المفرد والتثنية والجمع ولا بين المرفوع والمنصوب والمجرور، فضلاً عن أن يميزوا الأبلغ عن البليغ وعدم تميزهم هذا لا يختص بالعربي، بل فيه وفي العبراني واليوناني واللاطيني على طريقة واحدة، ومنشأ عدم التمييز سذاجة كلامهم سيما إذا كان هذا البعض من أهل إنكلترة فإنهم يشاركون في هذه السذاجة غيرهم من المسيحيين ويمتازون عنهم بعادة أخرى أيضاً، وهي أنهم إذا عرفوا ألفاظاً معدودة من لسان الغير يظنون أنهم تبحروا في المعرفة، وإذا تعلموا مسائل معدودة من علم يعدون أنفسهم من علماء هذا العلم، والفرنساويون واليونانيون طاعنون عليهم في هذه العادة.

ويشهد على الدعوى الأولى أن الأب سركيس الهاروني مطران الشام جمع بإذن البابا أربانوس الثامن كثيراً من القسيسين والرهبان والعلماء ومعلمي

ص: 831

اللسان العبراني والعربي واليوناني وغيرها ليصلحوا الترجمة العربية التي كانت مملوءة بالأغلاط الكثيرة والنقصانات الغزيرة فاجتهدوا في هذا الباب اجتهاداً تاماً في سنة ألف وستمائة وخمس وعشرين من الميلاد فأصلحوا، لكنه لما بقيت بعد الإصلاح التام في تراجمهم النقصانات التي هي لازمة لسجية المسيحيين اعتذروا عنه في المقدمة التي كتبوها في أول تلك الترجمة، وإني أنقل عذرهم عن المقدمة المذكورة بعبارتهم وألفاظهم وهي هذه:(ثم إنك في هذا النقل تجد شيئاً من الكلام غير موافق قوانين اللغة بل مضاد لها كالجنس المذكر بدل المؤنث، والعدد المفرد بدل الجمع، والجمع بدل المثنى والرفع مكان الجر والنصب في الاسم والجزم في الفعل وزيادة الحروف عوض الحركات وما يشابه ذلك، فكان سبباً لهذا كله سذاجة كلام المسيحيين فصار لهم نوع تلك اللغة مخصوصاً، ولكن ليس في اللسان العربي فقط، بل في اللاطيني واليوناني والعبراني تغافلت الأنبياء والرسل والآباء الأولون عن قياس الكلام، لأنه لم يرد روح القدس أن نقيد اتساع الكلمة الإلهية بالحدود الضيقة التي حددتها الفرائض فقدم لنا الأسرار السماوية بغير فصاحة وبلاغة) انتهى كلامهم.

ويشهد على الدعوى الثانية أن أبا طالب خان السياح ألف كتاباً باللسان الفارسي سماه بـ (المسير الطالبي) وهو مشتمل على أحوال سياحته، وكتب فيه من حالات كل إقليم ساح فيه ما رأى فيه من المحاسن والذمائم، فكتب محاسن أهل إنكلترة وذمائمهم، وإني أترجم الذميمة الثامنة من كتابه لتعلق الحاجة

ص: 832

بها في هذا المقام. قال: (الثامنة) خطؤهم في معرفة حد العلوم ولسان الغير، لأنهم يحسبون أنفسهم عارفي كل لسان ومن أهل كل علم إذا عرفوا ألفاظاً معدودة من ذلك اللسان أو مسائل معدودة من ذلك العلم ويؤلفون الكتب فيهما وينشرون هذه المزخرفات بعد الطبع، ووقفت على هذا المعنى بشهادة الفرنساويين واليونانيين لأن تحصيل ألسنتهم رائج في أهل إنكلترة، وحصل لي اليقين بمشاهدة تصرفاتهم في اللسان الفارسي) انتهى، ثم قال:(اجتمع في لندن الكتب الكثيرة من هذا النوع بحيث كادت تبقى الكتب الحقة بعد برهة من الزمان غير مميزة) ، انتهى كلامه. وقولهم على أنه يمكن أن تؤدي المطالب الباطلة إلخ -لا ورود له في حق القرآن، لأنه مملوء من أوله إلى آخره بذكر هذه الأمور السبعة والعشرين، ولا تجد آية طويلة فيه تكون خالية من ذكر أمر من هذه الأمور:

(الأول) الصفات الكاملة الإلهية مثل كونه واحداً وقديماً وأزلياً وأبدياً وقادراً وعالماً وسميعاً وبصيراً ومتكلماً وحكيماً وخبيراً وخالق السماوات والأرض ورحيماً ورحماناً وصبوراً وعادلاً وقدوساً ومحيياً ومميتاً وغيرها. (الثاني) تنزيه الله عن المعايب والنقائص مثل الحدوث والعجز والجهل

ص: 833

والظلم وغيرها. (الثالث) الدعوة إلى التوحيد الخالص والمنع عن الشرك مطلقاً وعن التثليث الذي هو شعبة الشرك يقيناً كما علمت في الباب الرابع. (الرابع) ذكر الأنبياء عليهم السلام. (الخامس) تنزيههم عن عبادة الأوثان والكفر وغيرها. (السادس) مدح المؤمنين بالأنبياء. (السابع) ذم منكريهم. (الثامن) تأكيد الإيمان بالأنبياء عموماً وبالمسيح خصوصاً. (التاسع) الوعد بأن المؤمنين يغلبون المنكرين عاقبة الأمر. (العاشر) حقيقة القيامة وجزاء الأعمال في يومها. (الحادي عشر) ذكر الجنة والنار. (الثاني عشر) ذم الدنيا وبيان عدم ثباتها. (الثالث عشر) مدح العقبى وبيان ثباتها. (الرابع عشر) بيان حل الأشياء وحرمتها. (الخامس عشر) بيان أحكام تدبير المنزل. (السادس عشر) بيان أحكام سياسات المدن. (السابع عشر) التحريض على محبة الله وأهل الله. (الثامن عشر) بيان الأشياء التي هي ذريعة الوصول إلى الله. (التاسع عشر) الزجر عن مصاحبة الفجار والفساق.

ص: 834

(العشرون) تأكيد خلوص النية في العبادات البدنية والمالية. (الحادي والعشرون) التهديد على الرياء والسمعة. (الثاني والعشرون) التأكيد على تهذيب الأخلاق بالإجمال والتفصيل. (الثالث والعشرون) التهديد على الأخلاق الذميمة بالإجمال. (الرابع والعشرون) مدح الأخلاق الحسنة، مثل الحلم والتواضع والكرم والشجاعة والعفة وغيرها. (الخامس والعشرون) ذم الأخلاق القبيحة مثل الغضب والتكبر والبخل والجبن والظلم وغيرها.

(السادس والعشرون) وعظ التقوى. (السابع والعشرون) الترغيب إلى ذكر الله وعبادته، ولا شك أن هذه الأمور محمودة عقلاً ونقلاً، وجاء ذكر هذه الأمور في القرآن مراراً للتأكيد، والتقرير، ولو كانت هذه المضامين قبيحة فأي مضمون يكون حسناً.

نعم لا يوجد في القرآن: -[1] أن النبي الفلاني زنى بابنته. -[2] أو زنى بزوجة الغير وقتله بالحيلة. -[3] أوعبد العجل.

ص: 835

-[4] أو ارتد في آخر عمره وعبد الأصنام وبنى المعابد لها. -[5] أو افترى على الله الكذب، وكذب في التبليغ وخدع بكذبه نبياً آخر مسكيناً وألقاه في غضب الرب. -[6] أو أن داود وسليمان وعيسى عليهم السلام كلهم من أولاد ولد الزنا وهو فارض بن يهودا. -[7] أو أن الرسول الأعظم ابن الله البكر أبا الأنبياء زنى ابنه الأكبر بزوجة أبيه. -[8] وابنه الثاني بزوجة ابنه، وسمع هذا النبي العظيم الشأن ما صدر عن ابنيه المحبوبين وما أجرى عليهما الحد، غير أنه دعا على الأكبر وقت موته لأجل هذه الحركة الشنيعة ولم ينقل في حق الآخر الغضب أيضاً، بل دعا له بالبركة التامة عند الموت. -[9] أو أن الرسول العظيم الآخر البكر الثاني أيضاً الزاني بزوجة الغير زنى ابنه الحبيب ببنته الحبيبة وسمع، وما أجرى عليهما الحد لعله امتنع عن الحد لأنه كان مبتلى بالزنا أيضاً في زعمهم، فكيف يجري على الغير سيما على

ص: 836

أولاده وهذا القدر مسلم بين اليهود والنصارى ومصرح به في كتب العهد العتيق المسلمة عند الفريقين. -[10] أو أن يحيى عليه السلام الرسول الذي هو أعظم الأنبياء الإسرائيلية بشهادة عيسى عليه السلام وإن كان الأصغر في ملكوت السماوات أعظم منه بشهادة عيسى عليه السلام أيضاً لم يعرف إلهه الثاني ومرسله الذي هو عيسى باعتبار العلاقة المجهولة معرفة جيدة إلى ثلاثين سنة ما لم يصر هذا الإله مريداً لعبده هذا وما لم يحصل الاصطباغ منه وما لم ينزل على هذا الإله الثاني الإله الثالث في شكل الحمامة، وبعد ما رأى نزول الثالث على الثاني في الشكل المذكور تذكر أمر الإله الأول الأب أن الإله الثاني هو ربه ومالكه وخالق الأرض والسماوات.

-[11] أو أن الرسول الآخر السارق الذي كان عنده الكيس للسرقة أعني يهود الأسخريوطي الذي هو صاحب الكرامات والمعجزات وأحد الحواريين الذين هم أعلى منزلة من موسى بن عمران وسائر الأنبياء الإسرائيلية على زعمهم باع دينه بدنياه بثلاثين درهماً، ورضي بتسليم إلهه بأيدي اليهود على هذه المنفعة القليلة حتى أخذوا إلهه وصلبوه لعل هذه المنفعة كانت عظيمة عنده، لأنه كان صياداً مفلوكاً لصاً، وإن كان رسولاً صاحب معجزات أيضاً على زعمهم فثلاثون درهماً عنده كانت أحب وأعظم رتبة من هذا الإله

ص: 837

المصلوب. -[12] أو أن قيافا رئيس الكهنة الذي ثبتت نبوته بشهادة يوحنا الإنجيلي أفتى بقتل إلهه وكذبه وكفره وأهانه ووقع في حق هذا الإله المصلوب ثلاثة أمور عجيبة من ثلاثة أنبياء عدد التثليث أن اعظم أنبيائه الإسرائيلية لم يعرفه معرفة جيدة إلى ثلاثين سنة ما لم يصر هذا الإله مريداً له ولم ينزل عليه الإله الثالث في شكل الحمامة، وأن نبيه الثاني رضي بتسليمه ورجح منفعة ثلاثين درهماً منزلة ألوهيته ووعده، وأن رسوله الثالث أفتى بقتله وكذبه وكفره أعاذنا الله من أمثال هذه الاعتقادات السوء في حق الأنبياء عليهم السلام. ولا يؤاخذني على ما نقلت هذه المزخرفات على سبيل الإلزام والله ثم بالله لا أعتقد في حق الأنبياء هذه الكذبات وهم بريئون منها، وأقول القدر الذي نقلت من حال يحيى عليه السلام إلى حال قيافا مصرح به في العهد الجديد.

وكذا لا يوجد في القرآن هذه المسائل الفخيمة التي عجزت في أكثرها عقولنا، بل عقول العالم ويعتقدها الفرقة القديمة العظيمة الشأن، أعني فرقة كاثلك التي عددها بحسب ادعاء بعض آبائها في هذا الزمان أيضاً بقدر مائتي مليون.

ص: 838

-[1] إن مريم عليها السلام قد حبلت بها أمها بلا قرب الزوج كما انكشفت هذه الحقيقة على البابويين من مدة قريبة. ومثل [2] أن مريم والدة الله حقيقة. ومثل [3] أن كل خبز من الخبزات وإن كانت بمقدار مليونات غير متعددة يستحيل في العشاء الرباني في آن واحد في أمكنة مختلفة إلى المسيح الكامل بلاهوته وناسوته الذي تولد من العذراء إذا فرض أن مليونات من الكهنة في أطراف العالم شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً قدسوا في آن واحد. ومثل [4] أن خبزاً واحداً إذا كسره الكاهن ولو إلى مائة ألف كسرة يصير كل كسرة منه أيضاً مسيحاً كاملاً وإن كان وجود الحبوب ثم الطحن ثم العجن ثم وجود الخبز ثم الكسرة كلها من الحوادث بمشاهدة فتعطل حكم الحبس عندهم في هذه الأمور كلها. ومثل [5] أنه لا بد أن يصطنع الصورة والتماثيل ويسجد قدامهن.

ص: 839

ومثل [6] أنه لا خلاص بدون الإيمان بالبابا وإن كان غير صالح في نفس الأمر.

ومثل [7] أن أسقف رومية هو البابا دون غيره وهو رأس الكنيسة ومعصوم من الغلط، وأن [8] كنيسة رومية هي أم الكنائس كلها ومعلمتها. ومثل [9] أن للبابا ولمتعلقيه خزانة من قدر جزيل من استحقاقات القديسين أن يمنحوا الغفرانات سيما إذا استوفوا ثمناً وافياً لأجلها كما هو المروج عندهم. ومثل [10] أن البابا له منصب تحليل الحرام وتحريم الحلال. قال المعلم ميخائيل مشاقة من علماء بروتستنت في الصفحة 66 من كتابه المسمى بأجوبة الإنجيليين على أباطيل التقليديين المطبوع سنة 1852 في بيروت هذا: (والآن تراهم يزوجون العم بابنة أخيه، والخال بابنة أخته، والرجل بامرأة أخيه ذات الأولاد خلافاً لتعليم الكتب المقدسة ولمجامعهم المعصومة. وقد أضحت هذه المحرمات حلالاً عند أخذهم

ص: 840

الدراهم عليها، وكم من التحديدات وضعوها على الإكليريكيين بتحريم الزيجة الناموسية المأمور بها من رب الشريعة) انتهى كلامه بلفظه. ثم قال:(وكم حرموا أصناف الأطعمة ثم أباحوا ما حرموه، وفي عصرنا أباحوا أكل اللحوم في صومهم الكبير الذي طالما شددوا بتحريهما فيه) انتهى كلامه بلفظه. وفي الرسالة الثانية من كتاب الثلاث عشرة رسالة في الصفحة 88:

(فرنسيس ذابادلا الكردينال يقول: إن البابا مأذون أن يعمل ما يريد حتى

ص: 841

ما لا يحل أيضاً، وهو أكبر من الله سبحان الله عما يصفون) انتهى كلامه بلفظه.

ومثل [11] أن أنفس الصديقين تتوجه إلى العذاب في المطهر وتتقلب في نيرانه حتى يمنحها البابا الغفران أو يخلصها القسوس بقداساتهم بعد استيلائهم على أثمانها، وهو غير جهنم. وأهل هذه يحصلون السندات من نواب البابا وخلفائه لتحصيل النجاة من عذابه. لكن العجب من هؤلاء العقلاء أنهم إذا اشتروا سندات من خليفة الله النافذ أمره في الأرض والسماء فلم لا يطلبون منه وصولات ممضية بختم الذين أعتقهم من العذاب، ولما كانت قدرة الباباوات تزيد يوماً فيوماً بفيض روح القدس اخترع البابا لاون العاشر للمغفرة تذاكر تعطى منه أو من وكيله للمشتري بمغفرة خطاياه الماضية والمستقبلة أيضاً، وكان مكتوباً فيها هكذا: (ربنا يسوع المسيح يرحمك ويعفو عنك باستحقاقات آلامه المقدسة. وبعد فقد وهب لي بقدرة سلطان رسله بطرس وبولس والبابا الجليل في هذه النواحي أن أغفر لك أولاً عيوبك الاكليروسية مهما كانت ثم خطاياك ونقائصك مهما كانت تفوت الإحصاء، بل أيضاً الخطايا المحفوظ حلها للبابا، وبقدر امتداد مفاتيح الكنيسة الرومانية أغفر لك كل العذابات التي سوف تستحقها في المطهر وأردك إلى أسرار الكنيسة المقدسة وإلى اتحادها وإلى ما كنت حاصلاً عليه عند

ص: 842

عمادك من العفة والطهارة حتى أنك متى مت تغلق في وجهك أبواب العذابات وتفتح لك أبواب الفردوس وإن لم تمت الآن فهي باقية لك بفاعلية تامة إلى آخر ساعة موتك باسم الأب والابن والروح القدس آمين) كتب بيد الأخ يوحنا تنزل الوكيل الثاني. ومثل [12] أن مسافة جهنم فراغ مكعب في قلب الأرض كل من أضلاعه مائتا ميل. ومثل [13] أن البابا يرسم الصليب على نعليه وغيره على وجهه لعل نعلي البابا ليسا أدون من الصليب ومن وجوه الأساقفة الآخرين. ومثل [14] أن بعض القديسين وجهه كوجه الكلب وجسده كجسد الإنسان، وهو يشفع لهم عند الله.

ص: 843

قال المعلم المذكور في الصفحة 114 من كتابه المذكور طاعناً على تلك الفرقة أو الكتابة: (وربما صوروا بعض قديسين على صورة لم يخلق الله مثلها، كتصويرهم رأس كلب على جسم إنسان يسمونه القديس خريسطفورس ويقدمون له أنواع العبادة إذ يلقبونه ويسجدون أمامه ويشعلون له الشموع ويطلقون البخور ويلتمسون شفاعته، فهل يليق بالمسيحيين الاعتقاد بوجود العقل النطقي والقداسة في أدمغة الكلاب؟ أي هي من عصمة كنائسهم من الغلط؟ انتهى كلامه بلفظه.

وهذا القول هل يليق بالمسيحيين الخ صادق يقيناً، وهذا القديس مشابه لبعض قديسي مشركي الهند، ولعل محبة المسيحيين من أهل أوربا للكلاب لأجل كونها على صورة هذا القديس المكرم.

ومثل [15] أن خشبة الصليب وتصاوير الأب الأزلي والابن والروح القدس يسجد لها بالسجود الحقيقي العبادي وأن صور القديسين يسجد لها بالسجود الإكرامي، وإني متحير ما معنى استحقاق الأشياء الأولية للسجود العبادي، لأن تعظيمهم لخشبة الصليب لا يخلو إما أن يكون مثلها قد مس جسد المسيح، وهو ارتفع عليه بحسب

ص: 844

زعمهم، وإما لأجل أنها واسطة فداء، وإما لأجل أن دمه سال عليه. فإن كان الأول يلزم أن يكون نوع الحمير معبوداً لهم أعلى من الصليب عندهم، لأن المسيح عليه السلام ركب على الأتان والجحش ومساجد المسيح وكانا موضوعي راحته ودخوله ممجداً إلى أورشليم، والحمار يشارك الإنسان في الجنس القريب والحيوانية، فهو جسم نام حساس متحرك بالإرداة بخلاف الخشب الذي ليست له قدرة الحس والحركة. وإن كان الثاني فيهودا الاسخريوطي الدافع أحق بالتعظيم لأنه الواسطة الأولى والذريعة الكبرى للفداء، فإنه لولا تسليمه لما أمكن لليهود مسك المسيح وصلبه، ولأنه مساوٍ للمسيح عليه السلام في الإنسانية وعلى صورة الإنسان الذي هو صورة الله، وكان ممتلئاً بروح القدس صاحب الكرامات والمعجزات فالعجب أن هذه الواسطة الأولى عندهم ملعونة والصغرى مباركة معظمة.

وأما الثالث فلأن الشوك المضفور إكليلاً على رأس المسيح عليه السلام قد فاز أيضاً بالمنصب الأعلى، وهو سيلان الدم عليه فما باله لا يعظم ولا يعبد ويشعل بالنار، وهذا الخشب يعبد إلا أن يقولوا إن هذا سر مثل سر التثليث والاستحالة خارج عن إدراك العقول البشرية وأفحش منه تعظيم صورة أقنوم الأب، لأنك قد عرفت في الأمر الثالث والرابع من مقدمة الباب الرابع أن الله بريء من الشبه وما رآه أحد ولا يقدر أن يراه أحد في

ص: 845

الدنيا فإذا كان كذلك فأي أب من آبائهم رآه فصوره؟ ومن أين علموا أن هذه الصورة مطابقة لصورته تعالى وليست مطابقة لصورة شيطان من الشياطين، أو لصورة كافر من الكفار؟ ولم لا تعبدون كل إنسان سواء أكان مسلماً أم كافراً لأن الإنسان على صورة الله بحسب نص التوراة. والعجب أن البابا يسجد لهذه الصورة الوهمية الجمادية التي لا حس ولا حركة لها ويحقر صورة الله التي هي الإنسان ويمد رجله لذلك الإنسان لكي يقبل حذاءه وما ظهر لي فرق بين هؤلاء أهل الكتاب ومشركي الهند وجدت عوامهم كعوامهم وخواصهم كخواصهم في هذه العبادة وعلماء مشركي الهند يقولون مثل قول علمائهم في الاعتذار. ومثل [16] أن البابا هو القاضي الأعلى في الحكم على تفسير معاني الكتب واخترعت هذه العقيدة في الأجيال المتأخرة وإلا لما قدر اكستاين وفم الذهب وغيرهما من القدماء الذين لم يكونوا باباوات ولم يستأذنوهم أن يفسروا جميع الكتب المقدسة من تلقاء أنفسهم، وتفاسيرهم قبلت عند جميع كنائس عصرهم لعل الباباوات حصل لهم هذا القضاء الأعلى بمطالعة تفاسيرهم بعد ما صنفوها.

ص: 846

ومثل [17] أن الأساقفة والشمامسة ممنوعون من الزواج، ولذلك يفعلون ما لا يفعله المتزوجون، وقاوم في كثير من الأحيان بعض معلميهم اجتهاد الباباوات فأنقل بعض أقوالهم عن كتاب الثلاث عشرة رسالة في الرسالة الثالثة في الصفحة 144 و 145:

القديس برنردوس يقول - وعظ عدد 66 في نشيد الإنشاد: نزعوا من الكنيسة الزواج المكرم والمضجع الذي هو بلا دنس فملؤها بالزنا في المضاجع مع الذكور والأمهات والأخوات وبكل أنواع الإدناس. والفاروس بيلاجيوس أسقف

ص: 847

سلفاً في بلاد البورتكال سنة 1300 يقول: يا ليت إن الأكليروسيين لم يكونوا نذروا العفة ولا سيما أكليروس سبانيا لأن أبناء الرعية هناك أكثر عدداً بيسير من أبناء الكهنوت، ويوحنا أسقف سالتزبرج في الجيل الخامس عشر كتب أنه وجد قسوساً قلائل غير معتادين على نجاسة متكاثرة مع النساء، وأن أديرة الراهبات متدنسة مثل البيوت المخصوصة للزنا. انتهى كلامه بلفظه ملخصاً. وكيف يعتقد العصمة في حقهم إذا كانوا شابين شاربي الخمر وما نجا

ص: 848

روبيل ابن يعقوب عليه السلام فزنى ببلهاء سرية أبيه، ولا يهوذا بن يعقوب عليه السلام فزنى بزوجة ابنه، ولا داود عليه السلام فزنى بزوجة أوريا مع كونه ذا زوجات كثيرة ولا لوط عليه السلام فزنى في حالة خمار الخمر بابنتيه، وهكذا. فإذا كان حال الأنبياء وأبنائهم على عقائدهم هكذا فكيف يرجى منهم العصمة، بل الحق أن الفاروس بيلاجيوس ويوحنا صادقان في أن أبناء الرعية هناك أكثر عدداً بيسير من أبناء الكهنوت، وأن أديرة الراهبات متدنسة مثل البيوت المخصوصة للزنا.

وأمثال هذه المسائل كثيرة أطوي الكشح عن بيانها خوفاً من التطويل. فأقول:

لعل هذه المضامين العالية التي نقلتها وأمثالها لو وجدوها في القرآن لاعترفوا بأنه كلام الله وقبلوه، لكنهم لما وجدوه خالياً منها ومن أمثالها فكيف يعترفون ويقبلون لأن المضامين الحسنة المألوفة عندهم هي هذه المضامين وأمثالها، لا المضامين التي ذكرت في القرآن. وأما بعض المضامين التي توجد في القرآن في ذكر الجنة والنار وغيرهما ويزعمون أنها قبيحة فأذكرها إن شاء الله تعالى في الشبهة الثالثة بأجوبتها فانتظر.

ص: 849