الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(البرهان الثالث)
إذا ثبت الامتياز الحقيقي بين الأقانيم فالأمرالذي حصل به هذا الامتياز إما أن يكون من صفات الكمال أو لا يكون، فعلى الشِّق الأول لم يكن جميع صفات الكمال مشتركاً فيه بينهم، وهو خلاف ما تقرر عندهم أن كل أقنوم من هذه الأقانيم متصف بجميع صفات الكمال، وعلى الشق الثاني فالموصوف به يكون موصوفاً بصفة ليست من صفات الكمال، وهذا نقصان يجب تنزيه الله عنه.
(البرهان الرابع)
الاتحاد بين الجوهر اللاهوتي والناسوتي إذا كان حقيقياً لكان أقنوم الابن محدوداً متناهياً وكل ما كان كذلك كان قبوله للزيادة والنقصان ممكناً، وكل ما كان كذلك كان اختصاصه بالمقدار المعين لتخصيص مخصص وتقدير مقدّر، وكل ما كان كذلك فهو محدث فيلزم أن يكون أقنوم الابن محدثاً ويستلزم حدوثه حدوث الله.
(البرهان الخامس)
لو كان الأقانيم الثلاثة ممتازة بامتياز حقيقي وجب أن يكون المميِّز غير الوجوب الذاتي، لأنه مشترك بينهم، وما به الاشتراك غير ما به الامتياز فيكون كل واحد منهم مركباً من جزأين وكل مركب ممكن لذاته، فيلزم أن يكون كل واحد منهم ممكناً لذاته.
(البرهان السادس)
مذهب اليعقوبية باطل صريح لأنه يستلزم انقلاب القديم بالحادث والمجرد بالمادي، وأما مذهب غيرهم فيقال في إبطاله: إن هذا الاتحاد إما بالحلول أو بغيره فإن كان الأول فهو باطل من وجوه ثلاثة على وَفق عدد التثليث.
أما أولاً فلأن ذلك الحلول لا يخلو إما أن يكون كحلول ماء الورد في الورد والدهن في السمسم والنار في الفحم، وهذا باطل لأنه إنما يصح لو كان أقنوم الابن جسماً، وهم وافقونا على أنه ليس بجسم، وإما أن يكون كحصول اللون في الجسم وهذا أيضاً باطل لأن المعقول من هذه التبعية حصول اللون في الحيِّز لحصول محله في هذا الحيز، وهذا أيضاً إنما يُتَصّور في الأجسام، وإما أن يكون كحصول الصفات الإضافية للذوات، وهذا أيضاً باطل لأن المعقول من هذه التبعية الاحتياج، فلو ثبت حلول أقنوم الابن بهذا المعنى في شيء كان محتاجاً فكان ممكناً مفتقراً إلى المؤثر وذلك محال، وإذا ثبت بطلان جميع التقارير امتنع إثباته.
وأما ثانياً فلأنا لو قطعنا النظر عن معنى الحلول نقول: إن أقنوم الابن لو حلّ في الجسم فذلك الحلول إما أن يكون على سبيل الوجوب أو على سبيل الجواز، ولا سبيل إلى الأول لأن ذاته إما أن تكون كافية في اقتضاء هذا الحلول أو لا تكون كافية في ذلك، فإن كان الأول استحال توقف ذلك الاقتضاء على حصول شرط فيلزم إما حدوث الله أو قدم المحل، وكلاهما باطلان وإن كان الثاني كان كونه مقتضياً لذلك الحلول أمراً زائداً على ذاته حادثاً فيه، فيلزم من حدوث الحلول حدوث شيء فيه فيكون قابلاً للحوادث، وذلك محال لأنه لو كان كذلك لكانت تلك القابلية من لوازم
ذاته، وكانت حاصلة أزلاً، وذلك محال لأن وجود الحوادث في الأزل محال، ولا سبيل إلى الثاني على هذا التقدير يكون ذلك الحلول زائداً على ذات الأقنوم فإذا حل في الجسم وجب أن يحل فيه صفة محدثة، وحلولها يستلزم كونه قابلاً للحوادث، وهو باطل كما عرفت.
وأما ثالثاً فلأن أقنوم الابن إذا حل في جسم عيسى عليه السلام فلا يخلو إما أن يكون باقياً في ذات الله أيضاً أو لا فإن كان الأول لزم أن يوجد الحال الشخصي في محلين، وإن كان الثاني لزم أن يكون ذات الله خالية عنه فينتفي لأن انتفاء الجزء يستلزم انتفاء الكل، وإن كان ذلك الاتحاد بدون الحلول فنقول إنّ أقنوم الابن إذا اتحد بالمسيح عليه السلام فهما في حال الاتحاد إن كانا موجودين فهما اثنان لا واحد فلا اتحاد، وإن عدما وحصل ثالث فهو أيضاً لا يكون اتحاداً بل عدم الشيئين وحصول شيء ثالث، وإن بقي أحدهما وعدم الآخر فالمعدوم يستحيل أن يتحد بالموجود لأنه يستحيل أن يقال المعدوم بعينه هو الموجود، فظهر أن الاتحاد محال، ومن قال إن الاتحاد على جهة الظهور كظهور كتابة الخاتم إذا وقع على طين أو شمع أو كظهور صورة الإنسان في المرآة فقوله لا يثبت الاتحاد الحقيقي بل يثبت التغاير، لأنه كما أن كتابة الخاتم الظاهرة على طين أو شمع غير الخاتم وصورة الإنسان في المرآة غير الإنسان، فكذلك يكون أقنوم الابن غير المسيح عليه السلام، بل غاية ما يلزم أن يكون ظهور أثر صفة الأقنوم فيه أكثر