الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وسمعت من بعض الثقات أنه أصلح في المرة الثالثة الميزان الذي طبعه بالتركي وغير في المواضع التي رأى فيها التغير واجباً، مثل التغير في ابتداء الفصل الثاني من الباب الأول وغيره، ومن رأى الاستفسار ولم تصل إليه النسخة القديمة للميزان ، بل وصلت إليه النسخة الثانية أو الثالثة، وأراد أن يصحح نقل صاحب الاستفسار كلام مؤلف الميزان بهاتين النسختين، وجده غير مطابق لهما في بعض المواضع، وكذا من رأى معدل اعوجاج الميزان، ولم تصل إليه النسخة الأولى ولا الثانية بل وصلت إليه النسخة الثالثة التركية، وأراد تصحيح النقل بهذه التركية، وجد في بعض المواضع النقل مطابق لها، فإن لم يكن واقفاً على هذا التغير والإصلاح، يظن أن الراد والناقل أخطأ في النقل، وليس كذلك بل حصل هذا الأمر من تغير المردود عليه وتحريفه والراد [و] الناقل مصيب، فالحاصل أن أمثال هذا الإصلاح والتحريفات جارية في كتبهم وتراجمهم ورسائلهم إلى هذا الحين.
(الأمر الثامن)
أن بولس وإن كان عند أهل التثليث في رتبة الحواريين، لكنه غير مقبول عندنا ولا نعده من المؤمنين الصادقين، بل من المنافقين الكذابين ومعلمي الزور والرسل الخداعين، الذين ظهروا بالكثرة بعد عروج المسيح، كما عرفت في الأمر الرابع، وهو خرق الدين المسيحي، وأباح كل محرم لمعتقديه، وكان في ابتداء الأمر مؤذياً للطبقة الأولى من المسيحيين، جهراً، لكنه لما رأى أن هذا الإيذاء الجهري لا ينفع نفعاً معتداً به، دخل على سبيل النفاق في هذه الملة وادعى رسالة المسيح، وأظهر الزهد الظاهري. ففعل في هذا الحجاب ما فعل، وقبله أهل التثليث لأجل زهده الظاهري، ولأجل فراغ ذمتهم عن جميع التكاليف الشرعية. كما قبل أناس كثيرون من المسيحيين في
القرن الثاني منتش الذي كان زاهداً مرتاضاً وادعى أنه هو الفارقليط الموعود به، فقبلوه لأجل زهده ورياضته كما سيجيء ذكره في البشارة الثامنة عشر، ورده المحققون من علماء الإسلام سلفاً وخلفاً.
قال الإمام القرطبي رحمه الله في كتابه في حق بولس هذا، مجيباً لبعض القسيسين في بحث مسألة الصوم هكذا:(قلنا ذلك) أي بولس (هو الذي أفسد عليكم أديانكم وأعمى بصائركم وأذهانكم، ذلك هو الذي غير دين المسيح الصحيح، الذي لم تسمعوا له بخبر ولا وقفتم منه على أثر، هو الذي صرفكم عن القبلة وحلل لكم كل محرم كان في الملة، ولذلك كثرت أحكامه عندكم وتداولتموها بينكم) انتهى كلامه بلفظه. وقال صاحب تخجيل من حرف الإنجيل في الباب التاسع من كتابه، في بيان فضائح النصارى في حق بولس هذا هكذا:(وقد سلبهم بولس هذا من الدين بلطيف خداعه إذ رأى عقولهم قابلة لكل ما يلقى إليها وقد طمس هذا الخبيث رسوم التوراة) انتهى كلامه بلفظه.
[وفي المجلد الثاني من فتوح الشام قول مقوقس سلطان مصر في خطاب أركان دولته هكذا: "وقد أضلّكم بولس وأغواكم حين غرّ بكم وبدّل شرعكم
وسمّاكم باسم لا يليق بكم، وكيف وقد عاد بكم من الطريق الواضح وأحلّ لكم جميع ما حُرّم عليكم من قبل، وهذا هو عين المحال وداعية العمى أن تتعدّوا ما قال نبيكم، وكيف ينبغي لروح الله عيسى بن مريم أن يكلمكم بما لم يرسله الله إليكم. ثم إنّ بولس قال لكم إنّه أحلّ لكم الخنزير وشرْب الخمر وارتكاب المعاصي ما ظهر منها وما بطن، فأطعتم أمره وصدّقتم قوله، وحاشا المسيح أن يفعل ذلك". انتهى كلامه.
وقال يوقنّا صاحب حلب -وقد كان أسلم- في خطاب بنته ناصحاً لها هكذا: "وإنّما غرّر بالنصارى وحيّدهم عن طريق الحق رجل يقال له بولس، كان من اليهود، أضلّهم عن الطريق المستقيم وشرع لهم الضلال
القديم" انتهى كلامه] .
وهكذا أقوال علمائنا الآخرين فكلامه عندنا مردود ورسائله المتضمنة بالعهد العتيق كلها واجبة الرد ولا نشتري قوله بحبة خردل فلا أنقل عن أقواله في هذا المسلك شيئاً ولا يكون قوله حجة علينا، وإذ عرفت هذه الأمور الثمانية أقول أن الإخبارات الواقعة في حق محمد صلى الله عليه وسلم توجد كثيرة إلى الآن أيضاً مع وقوع التحريفات في هذه الكتب، ومن عرف أولاً طريق أخبار النبي المتقدم عن النبي المتأخر على ما عرفت في الأمر الثاني، ثم نظر ثانياً بنظر الإنصاف إلى هذه الإخبارات، وقابلها بالإخبارات التي نقلها الإنجيليون في حق عيسى عليه السلام، وقد عرفت نبذاً منها في الأمر السادس، جزم بأن الإخبارات المحمدية في غاية القوة. وأنقل في هذا المسلك عن الكتب المعتبرة عند علماء بروتستنت ثماني عشرة بشارة.