الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أحبار اليهود حين بنى سليمان النبي عليه السلام بيت المقدس، اجتمعوا وقالوا يبقى هذا البناء أربعمائة وعشرة سنين ثم يعرض له الخراب، لأنهم حسبوا لفظة بزات) ثم قال:(واعترضوا [ص 252] على هذا الدليل بأن الباء في بمادماد ليست من نفس الكلمة بل هي أداة وحرف جيء به للصلة فلو أخرج منه اسم محمد لاحتاج إلى باء ثانية ويقال ببمادماد، قلنا من المشهور عندهم إذا اجتمع الباآن أحدهما أداة والآخر من نفس الكلمة تحذف الأداة وتبقى التي هي من نفس الكلمة، وهذا شائع عندهم في مواضع غير معدودة فلا حاجة إلى إيرادها) انتهى كلامه بلفظه. أقول قد صرح العلماء بأن أسمائه صلى الله عليه وسلم مادماد كما في شفاء القاضي عياض.
(البشارة الخامسة)
الآية العاشرة من الباب التاسع والأربعين من سفر التكوين هكذا ترجمة عربية سنة 1722 وسنة 1831:
(فلا يزول القضيب من يهوذا والمدبر من فخذه حتى يجيء الذي له الكل وإياه تنتظر الأمم) وفي ترجمة عربية سنة 1811 (فلا يزول القضيب من يهوذا والرسم من تحت أمره إلى أن يجيء الذي هو له وإليه تجتمع الشعوب) . ولفظ الذي له الكل أو الذي هو له، ترجمة لفظ شيلوه، وفي ترجمة هذا اللفظ اختلاف كثير فيما بينهم وقد عرفت في الأمر السابع أيضاً، وقال عبد السلام في الرسالة الهادية هكذا:(لا يزول الحاكم من يهوذا ولا راسم من بين رجليه حتى يجيء الذي له وإليه تجتمع الشعوب) .
وفي هذه الآية دلالة على أن يجيء سيدنا (محمد) صلى الله عليه وسلم بعد تمام حكم موسى وعيسى، لأن المراد من الحاكم هو موسى، لأنه بعد يعقوب ما جاء صاحب شريعة إلى زمان موسى إلا موسى، والمراد من الراسم هو عيسى، لأنه بعد موسى إلى زمان عيسى ما جاء صاحب شريعة إلا عيسى وبعدهما ما جاء صاحب شريعة إلا محمد، فعلم أن المراد من قول يعقوب في آخر الأيام هو نبينا محمد عليه السلام، لأنه في آخر الزمان بعد مضي حكم الحاكم والراسم ما جاء إلا سيدنا محمد عليه السلام، ويدل عليه أيضاً قوله حتى يجيء الذي له أي الحكم بدلالة مساق الآية وسياقها،
وأما قوله: وإليه تجتمع الشعوب فهي علامة صريحة ودلالة واضحة على أن المراد منها هو سيدنا، لأنه ما اجتمع الشعوب إلا إليه وإنما لم يذكر الزبور لأنه لا أحكام فيه، وداود النبي تابع لموسى والمراد من خبر يعقوب هو صاحب الأحكام) انتهى كلامه بلفظه.
أقول إنما أراد من الحاكم موسى عليه السلام، لأن شريعته جبرية انتقامية، ومن الراسم عيسى عليه السلام، لأن شريعته ليست بجبرية ولا انتقامية، وأن أريد من القضيب السلطنة الدنيوية ومن المدبر الحاكم الدنيوي، كما يفهم من رسائل القسيسين من فرقة بروتستنت ومن بعض تراجمهم، فلا يصح أن يراد بشيلوه مسيح اليهود كما هو مزعومهم، ولا عيسى عليه السلام كما هو مزعوم النصارى.
أما الأول: فظاهر لأن السلطنة الدنيوية والحاكم الدنيوي زالا من آل يهوذا من مدة هي أزيد من ألفي سنة من عهد بختنصر ولم يسمع إلى الآن حسيس مسيح اليهود.
وأما الثاني: فلأنهما زالتا من آل يهوذا أيضاً قبل ظهور عيسى عليه السلام بمقدار ستمائة سنة من عهد بختنصر وهو أجلى بني يهوذا إلى بابل وكانوا
في الجلاء ثلاثاً وستين سنة لا سبعين كما يقول بعض علماء بروتستنت تغليطاً للعوام وقد عرفت في الفصل الثالث من الباب الأول، ثم وقع عليهم أنتيوكس ما وقع فإنه عزل أونياس حبر اليهود وباع منصبه لأخيه ياسون بثلثمائة وستين وزنة ذهب يقدمها له خراجاً كل سنة، ثم عزله وباع ذلك لأخيه مينالاوس بستمائة وستين وزنة، ثم شاع خبر موته فطلب ياسون أن يسترد لنفسه الكهنوت ودخل أورشليم بألوف من الجنود فقتل كل من كان يظنه عدواً له وهذا الخبر كان كاذباً فهجم أنتيوكس على أورشليم وامتلكها ثانية في سنة 170 قبل ميلاد المسيح وقتلمن أهلها أربعين ألفاً وباع مثل ذلك عبيداً، وفي الفصل العشرين من الجزء الثاني من مرشد الطالبين في بيان الجدول التاريخي في الصفحة 481 من النسخة المطبوعة سنة 1852 من الميلاد (أنه نهب أورشليم وقتل ثمانين ألفاً) انتهى. وسلب ما كان في الهيكل من الأمتعة النفيسة التي كانت قيمتها ثمانمائة وزنة ذهب وقرب خنزيرة وقوداً على المذبح للإهانة، ثم رجع إلى إنطاكية وأقام فيلبس أحد الأراذل حاكماً على اليهودية، وفي رحلته الرابعة إلى مصر أرسل أبولوينوس بعشرين ألفاً من جنوده وأمرهم أن يخربوا أورشليم ويقتلوا كل من بها من الرجال ويسبو النساء والصبيان فانطلقوا إلى هناك.
وبينما كان الناس في المدينة مجتمعين للصلاة يوم السبت هجموا عليهم على غفلة فقتلوا الكل، إلا من أفلت إلى الجبال واختفى في المغاير، ونهبوا أموال المدينة وأحرقوها وهدموا أسوارها وأخربوا منازلها ثم ابتنوا لهم من بسائط ذلك الهدم قلعة حصينة
على جبل اكرا، وكانت العساكر تشرف منها على جميع نواحي الهيكل ومن دنا منه يقتلونه، ثم أرسل انتيوكس أثانيوس ليعلم اليهود طقوس عبادة الأصنام اليونانية ويقتل كل من لا يمتثل ذلك الأمر، فجاء أثانيوس إلى أورشليم وساعده على ذلك بعض اليهود الكافرين، وأبطل الذبيحة اليومية ونسخ كل طاعة للدين اليهودي عموماً وخصوصاً، وأحرق كل ما وجده من نسخ كتب العهد العتيق بالفحص التام، وكرس الهيكل للمشتري ونصب صورة ذلك على مذبح اليهود وأهلك كل من وجده مخالف أمر انتيوكس، ونجا متاثياس الكاهن مع أبنائه الخمسة في هذه الداهية وفروا إلى وطنهم مودين في سبط دان فانتقم من هؤلاء الكفار انتقاماً ما قدروا عليه على استطاعته كما هو مصرح به في التواريخ، فكيف يصدق هذا الخبر على عيسى عليه السلام وإن قالوا أن المراد ببقاء السلطنة والحكومة امتياز القوم كما يقول بعضهم الآن، قلنا هذا الأمر كان باقياً إلى ظهور محمد صلى الله عليه وسلم، وكانوا في أقطار العرب ذوي حصون وأملاك غير مطيعين لأحد مثل يهود خيبر وغيرهم كما يشهد به التواريخ، وبعد ظهور محمد صلى الله عليه وسلم ضربت عليهم الذلة والمسكنة وصاروا في كل إقليم مطيعين للغير، فالأليق أن يكون المراد بشيلوه النبي صلى الله عليه وسلم لا مسيح