الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البشارات:
(البشارة الأولى)
في الباب الثامن عشر من سفر الاستثناء هكذا: 17 (فقال الرب لي نعم جميع ما قالوا) 18 (وسوف أقيم لهم نبياً مثلك من بين إخوتهم وأجعل كلامي في فمه ويكلمهم بكل شيء آمره به) 19 (ومن لم يطع كلامه الذي يتكلم به باسمي فأنا أكون المنتقم من ذلك) 20 (فأما النبي الذي يجترئ بالكبرياء ويتكلم في اسمي ما لم آمره بأنه يقوله أم باسم إلهه غيري فليقتل) 21 (فإن أحببت وقلت في قلبك كيف أستطيع أن أميز الكلام الذي لم يتكلم به الرب) 22 (فهذه تكون لك آية أن ما قاله ذلك النبي في اسم الرب ولم يحدث فالرب لم يكن تكلم به، بل ذلك النبي صورة في تعظيم نفسه ولذلك لا تخشاه) .
وهذه البشارة ليست بشارة يوشع عليه السلام كما يزعم الآن أحبار اليهود، ولا بشارة عيسى عليه السلام كما زعم علماء بروتستنت، بل هي بشارة محمد صلى الله عليه وسلم لعشرة أوجه:
(الوجه الأول) قد عرفت في الأمر الثالث أن اليهود المعاصرين لعيسى عليه السلام كانوا ينتظرون نبياً آخر مبشراً به في هذا الباب، وكان هذا المبشر به عندهم غير المسيح، فلا يكون هذا المبشر به يوشع، ولا عيسى عليهما السلام.
(والوجه الثاني) أنه وقع في هذه البشارة لفظ مثلك ويوشع وعيسى عليهما السلام لا يصح أن يكونا مثل موسى عليه السلام،
أما أولاً: فلأنهما من بني إسرائيل، ولا يجوز أن يقوم أحد من بني إسرائيل مثل موسى كما تدل عليه الآية العاشرة من الباب الرابع والثلاثين من سفر الاستثناء وهي هكذا: 5 (ولم يقم بعد ذلك من بني إسرائيل مثل موسى يوفه الرب وجهاً لوجه) فإن قام أحد مثل موسى بعده من بني إسرائيل، يلزم تكذيب هذا القول. وأما ثانياً: فلأنه لا مماثلة بين يوشع وبين موسى عليهما السلام لأن موسى عليه السلام صاحب كتاب وشريعة جديدة مشتملة على أوامر ونواهي، ويوشع ليس كذلك، بل هو متبع لشريعته، وكذا لا توجد المماثلة التامة بين موسى وعيسى عليهما السلام، لأن عيسى عليه السلام كان إلهاً ورباً على زعم النصارى وموسى عليه السلام كان عبداً له، وأن عيسى عليه السلام على زعمهم، صار ملعوناً لشفاعة الخلق كما صرح به بولس في الباب الثالث من رسالته إلى أهل غلاطية، وموسى عليه السلام ما صار ملعوناً لشفاعتهم، وأن عيسى عليه السلام دخل الجحيم بعد موته كما هو مصرح به في عقائد أهل التثليث، وموسى عليه السلام ما دخل الجحيم، وأن عيسى عليه السلام صلب على زعم النصارى ليكون كفارة لأمته، وموسى عليه السلام ما صار كفارة لأمته بالصلب،
وأن شريعة موسى مشتملة على الحدود والتعزيزات وأحكام الغسل والطهارات والمحرمات من المأكولات والمشروبات، بخلاف شريعة عيسى عليه السلام، فإنها فارغة عنها على ما يشهد به هذا الإنجيل المتداول بينهم، وأن موسى عليه السلام كان رئيساً مطاعاً في قومه نفاذاً لأوامره ونواهيه، وعيسى عليه السلام لم يكن كذلك.
(الوجه الثالث) أنه وقع في هذه البشارة لفظ من بين إخوتهم، ولا شك أن الأسباط الاثني عشر كانوا موجودين في ذاك الوقت مع موسى عليه السلام حاضرين عنده، فلو كان المقصود كون النبي المبشر به منهم، قال منهم لا من بين إخوتهم. لأن الاستعمال الحقيقي لهذا اللفظ أن لا يكون المبشر به له علاقة الصلبية والبطنية ببني إسرائيل كما جاء لفظ الأخوة بهذا الاستعمال الحقيقي في وعد الله هاجر في حق إسماعيل عليه السلام في الآية الثانية عشر من الباب السادس
عشر من سفر التكوين، وعبارتها في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1844 هكذا:(وقبالة جميع إخوته ينصب المضارب) وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1811 هكذا: (بحضرة جميع أخوته يسكن) . وجاء بهذا الاستعمال أيضاً، في الآية الثامنة عشر من الباب الخامس والعشرين من سفر التكوين في حق إسماعيل في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1844 هكذا:(منتهى إخوته جميعهم سكن) . وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1811 هكذا: (أقام بحضرة جميع أخوته) . والمراد بالأخوة ههنا بنو عيسو وإسحاق وغيرهم من أبناء إبراهيم عليه السلام. وفي الآية الرابعة عشرة من الباب العشرين من سفر العدد هكذا: (ثم
أرسل موسى رسلاً من قادس إلى ملك الروم قائلاً هكذا: (يقول أخوك إسرائيل أنك قد علمت كل البلاء الذي أصابنا) وفي الباب الثاني من سفر الاستثناء هكذا: 2 (وقال لي الرب 4 ثم أوص الشعب أنكم ستجوزون في تخوم أخوتكم بني عيسو الذين في ساعير وسيخشونكم 8 فلما جزنا أخوتنا بني عيسو الذين يسكنون ساعير الخ) .
والمراد بأخوة بني إسرائيل بنو عيسو، ولا شك أن استعمال لفظ أخوة بني إسرائيل في بعض منهم كما جاء في بعض المواضع من التوراة، استعمال مجازي ولا تترك الحقيقة ولا يصار إلى المجاز ما لم يمنع عن الحمل على المعنى الحقيقي مانع قوي، ويوشع وعيسى عليهما السلام كانا من بني إسرائيل، فلا تصدق هذه البشارة عليهما.
(الوجه الرابع) أنه وقع في هذه البشارة لفظ سوف أقيم، ويوشع عليه السلام كان حاضراً عند موسى عليه السلام، داخلاً في بني إسرائيل، نبياً في هذا الوقت، فكيف يصدق عليه هذا اللفظ.
(الوجه الخامس) أنه وقع في هذه البشارة لفظ أجعل كلامي في فمه، وهو إشارة إلى أن ذلك النبي ينزل عليه الكتاب، وإلى أنه يكون أمياً حافظاً
للكلام، وهذا لا يصدق على يوشع عليه السلام لانتفاء كلا الأمرين فيه.
(الوجه السادس) أنه وقع في هذه البشارة، ومن لم يطع كلامه الذي يتكلم به، فأنا أكون المنتقم من ذلك. فهذا الأمر لما ذكر لتعظيم هذا النبي المبشر به فلا بد أن يمتاز ذلك المبشر به بهذا الأمر عن غيره من الأنبياء، فلا يجوز أن يراد بالانتقام من المنكر العذاب الأخروي، الكائن في جهنم، أو المحن والعقوبات الدنيوية التي تلحق المنكرين من الغيب، لأن هذا الانتقام لا يختص بإنكار نبي دون نبي، بل يعم الجميع فحينئذ يراد بالانتقام، الانتقام التشريعي، فظهر منه أن هذا النبي يكون مأموراً من جانب الله بالانتقام من منكره. فلا يصدق على عيسى عليه السلام لأن شريعته خالية عن أحكام الحدود، والقصاص، والتعزيز، والجهاد.
(الوجه السابع) في الباب الثالث من كتاب الأعمال في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1844 هكذا: (فتوبوا وارجعوا كي تمحى خطاياكم 20 حتى إذا تأتي أزمنة الراحة من قدام وجه الرب، ويرسل المنادي به لكم وهو يسوع المسيح 21 الذي إياه ينبغي للسماء أن تقبله إلى الزمان الذي يسترد فيه كل شيء تكلم به الله على أفواه أنبيائه القديسين منذ الدهر 22 أن موسى قال إن الرب إلهكم يقيم لكم نبياً من أخوتكم مثلي له تسمعون في كل ما يكلمكم به 23 ويكون كل نفس لا تسمع ذلك النبي تهلك من الشعب) .
وفي الترجمة الفارسية المطبوعة سنة 1816، وسنة 1828، وسنة 1841، وسنة 1842، هكذا: 19 (تونيه نما يدوباز كشت كند تاكه كناهان شمامحو شودتا كه زمان تازه كيراز حضور خداوند بيابيد) 20 (ويسوع مسيح راكه ندا بشمامي شودباز فرستد) 21 (زيراكه بايد كه آسمان أورنكا هدارد تاوقت ثبوت انجه خداوندبزبان بيغمبران مقدس خودازايام قديم فرموده است) . 22 (كه موسى بيدران ما كفت كه خداى شماخداوند بيغمبري رامثل من ازبراى شما ازميان برادران شما مبعوث خواهد ثمود وهرجه أوبشما كويد شمار است كه أطاعت نماييد) 23 (واينجنين خواهد بودكه هركس كه سخن آن بيغمبر رانشنودازقوم بريده خواهدشد) . فهذه العبارة سيما بحسب التراجم الفارسية تدل صراحة على أن هذا النبي غير المسيح عليه السلام، وأن المسيح لا بد أن تقبله السماء إلى زمان ظهور هذا النبي.
ومن ترك التعصب الباطل من المسيحيين، وتأمل في عبارة بطرس ظهر له هذا القول من بطرس يكفي لإبطال ادعاء علماء بروتستنت أن هذه البشارة في حق عيسى عليه السلام، وهذه الوجوه السبعة التي ذكرتها تصدق في حق محمد صلى الله عليه وسلم على أكمل صدق لأنه غير المسيح عليه السلام ويماثل موسى عليه السلام في أمور كثيرة:
[1]
كونه عبد الله، ورسوله. [2] كونه ذا الوالدين. [3] كونه [ص 244] ذا نكاح وأولاد. [4] كون شريعته مشتملة على السياسات المدنية.
[5]
كونه مأموراً بالجهاد. [6] اشتراط الطهارة وقت العبادة في شريعته. [7] وجوب الغسل للجنب والحائض والنفساء في شريعته. [8] اشتراط طهارة الثوب من البول، والبراز. [9] حرمة غير المذبوح، وقرابين الأوثان. [10] كون شريعته مشتملة على العبادات البدنية، والرياضات الجسمانية. [11] أمره بحد الزنا. [12] تعيين الحدود، والتعزيرات، والقصاص. [13] كونه قادراً على إجرائها. [14] تحريم الربا. [15] أمره بإنكار من يدعو إلى غير الله. [16] أمره بالتوحيد الخاص. [17] أمره الأمة بأن يقولوا له عبد الله ورسوله، لا ابن الله أو الله والعياذ بالله. [18] موته على الفراش. [19] كونه مدفوناً كموسى. [20] عدم كونه ملعوناً لأجل أمته.
وهكذا أمور أخر تظهر إذا تؤمل في شريعتهما، ولذلك قال الله تعالى في كلامه المجيد:{إنا أرسلنا إليكم رسولاً شاهداً عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسولاً} .
وكان من أخوة بني إسرائيل لأنه من بني إسماعيل، وأنزل عليه الكتاب وكان أمياً جعل كلام الله في فمه، وكان ينطق بالوحي كما قال الله تعالى:{وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى} وكان مأموراً بالجهاد، وقد انتقم الله لأجله من صناديد قريش والأكاسرة والقياصرة وغيرهم، وظهر قبل نزول المسيح من السماء وكان للسماء أن تقبل المسيح عليه السلام إلى ظهوره ليرد كل شيء إلى أصله، ويمحق الشرك والتثليث وعبادة الأوثان ولا يرتاب أحد من كثرة أهل التثليث في هذا الزمان الأخير، لأن هذا الصادق المصدوق قد أخبرنا على أتم تفصيل وأكمل وجه، بحيث لا يبقى ريب ما بكثرتهم وقت قرب ظهور المهدي رضي الله عنه، وهذا الوقت قريب إن شاء الله، وسيظهر الإمام ويظهر الحق عن قريب، ويكون الدين كله لله، جعلنا الله من أنصاره وخدامه آمين.
(الوجه الثامن) أنه صرح في هذه البشارة بأن النبي الذي ينسب إلى الله ما لم يأمره يقتل، فلو لم يكن محمد صلى الله عليه وسلم نبياً حقاً لكان يقتل، وقد قال الله في القرآن المجيد أيضاً:{ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين} وما قتل بل قال الله في حقه: {والله يعصمك من
الناس} وأوفى وعده ولم يقدر على قتله أحد حتى لقي الرفيق الأعلى صلى الله عليه وسلم، وعيسى عليه السلام قتل وصلب على زعم أهل الكتاب. فلو كانت هذه البشارة في حقه لزم أن يكون نبياً كاذباً كما يزعمه اليهود والعياذ بالله.
(الوجه التاسع) أن الله بين علامة النبي الكاذب أن إخباره عن الغيب المستقبل لا يخرج صادقاً ومحمد صلى الله عليه وسلم أخبر عن الأمور الكثيرة المستقبلة كما علمت في المسلك الأول، وظهر صدقه فيها فيكون نبياً صادقاً لا كاذباً.
(الوجه العاشر) أن علماء اليهود سلموا كونه مبشراً به في التوراة لكن بعضهم أسلم وبعضهم بقي في الكفر، كما أن قيافا وكان رئيس الكهنة ونبياً على زعم يوحنا عرف أن عيسى هو المسيح الموعود به، ولم يؤمن بل أفتى بكفره وقتله، كما صرح به يوحنا في الباب الحادي عشر والثامن عشر من إنجيله من حديث مخيريق وكان حبراً عالماً كثير المال من النخل، وكان يعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفته، وغلبت عليه ألفة دينه فلم يزل على ذلك حتى كان يوم
أحد وكان يوم السبت، فقال: يا معشر اليهود والله إنكم لتعلمون أن نصر محمد عليكم لحق، قالوا: فإن اليوم يوم السبت قال: لا سبت ثم أخذ سلاحه وخرج حتى أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأحد وكان يوم السبت وعهد إلى من وراءه من قومه إن قتلت هذا اليوم فمالي لمحمد يصنع فيه ما أراه الله تعالى، فقاتل حتى قتل فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: مخيريق خير يهودي، وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أمواله، فعامة صدقات رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة منها. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت المدراس فقال: أخرجوا إلي أعلمكم، فقال: عبد الله بن صوريا، فخلا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فناشده بدينه وبما أنعم الله عليهم وأطعمهم من المن والسلوى وظللهم من الغمام، أتعلم أني رسول الله قال: اللهم نعم، وأن القوم يعرفون ما أعرف وأن صفتك ونعتك لمبين في التوراة ولكن حسدوك قال: فما يمنعك أنت، قال: أكره خلاف قومي عسى أن يتبعوك ويسلموا فأسلم.
وعن صفية بنت حيي رضي الله عنها، لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة
ونزل قباء، غدا عليه أبي حيي بن أخطب وعمي أبو ياسر بن أخطب مفلسين فلم يرجعا حتى كان غروب الشمس فأتيا، كالين، كسلانين، ساقطين، يمشيان الهوينا، فهششت إليهما فالتفت إلى أحد منهما مع ما بهما من الهم فسمعت عمى أبا ياسر يقول لأبي: أهو هو (أي المبشر به في التوراة) قال: نعم والله، قال: أتثبته وتعرفه قال: نعم، قال: فما
في نفسك منه قال: عداوته والله ما بقيت أبداً فتلك عشرة كاملة فإن قيل أن أخوة بني إسرائيل لا تنحصر في بني إسماعيل لأن بني عيسو وبني أبناء قطورا زوجة إبراهيم عليهما السلام من أخوتهم أيضاً، قلت: نعم هؤلاء أيضاً من أخوة بني إسرائيل لكنهم لم يظهر أحد منهم يكون موصوفاً بالأمور المذكورة، ولم يكن وعد الله في حقهم أيضاً بخلاف بني إسماعيل فإنهم كان وعد الله في حقهم لإبراهيم ولهاجر عليهما السلام، مع أنه لا يصلح أن يكون مصداق هذا الخبر بني عيسو على ما هو مقتضى دعاء إسحاق عليه السلام المصرح به في الباب السابع والعشرين من سفر التكوين.
ولعلماء بروتستنت اعتراضان، نقلهما صاحب الميزان في كتابه المسمى بحل الإشكال في جواب الاستفسار.
الأول: أنه وقع في الآية الخامسة عشر من الباب الثامن عشر من سفر الاستثناء هكذا: (فإن الرب إلهك يقيم من بينك من بين أخوتك) الخ.
فلفظ من بينك يدل دلالة ظاهرة على أن هذا النبي يكون من بني إسرائيل لا من بني إسماعيل.
والثاني: أن عيسى عليه السلام نسب هذه البشارة إلى نفسه فقال في الآية السادسة والأربعين من الباب الخامس من إنجيل يوحنا أن موسى كتب في حقي أقول آية الاستثناء على وفق التراجم الفارسية وتراجم أردو هكذا: (فإن الرب إلهك يقيم من بينك من بين أخوتك نبياً مثلي فاسمع منه) والقسيس أيضاً نقلها هكذا (والجواب) أن اللفظ المذكور لا ينافي مقصودنا لأن محمداً عليه السلام لما هاجر إلى المدينة وبها تكامل أمره، وقد كان حول المدينة بلاد اليهود كخيبر وبني قينقاع والنضير وغيرهم، فقد قام من بينهم ولأنه إذا كان من أخوتهم فقد قام من بينهم، ولأن قوله من بين أخوتك بدل من قوله من بينك، بدل اشتمال على رأي ابن الحاجب ومتبعيه القائلين بكفاية علاقة الملابسة غير الكلية والجزئية في تحقيق هذا البدل، نحو جاءني زيد أخوه وجاءني زيد غلامه، وبدل إضراب على رأي ابن مالك، وعلى كلا التقديرين
المبدل منه غير مقصود ويدل على كونه غير مقصود، أن موسى عليه السلام لما أعاد هذا الوعد من كلام الله في الآية الثامنة عشر لا يوجد فيه لفظ من بينك، ونقل بطرس الحواري أيضاً هذا القول ولا يوجد فيه هذا اللفظ كما علمت في الوجه السابع، وكذا نقله استفانوس أيضاً ولا يوجد في نقله أيضاً هذا اللفظ كما صرح به في الباب السابع من كتاب الأعمال وعبارته هكذا:(هذا هو موسى الذي قال لبني إسرائيل نبياً مثلي سيقيم لكم الرب إلهكم من أخوتكم له تسمعون) فسقوطه في هذه المواضع دليل على كونه غير مقصود فاحتمال البدل قوي جداً. وقال صاحب الاستفسار: (إن لفظ من بينك إلحاقي زيد تحريفاً ويدل عليه ثلاثة أمور:
(الأول) أن المخاطبين في هذا الموضع كانوا بني إسرائيل كلهم لا البعض، فقوله من بينك خطاب إلى جميع القوم فصار لفظ من أخوتك لغواً محضاً لا معنى له، لكن لفظ من أخوتك جاء في الموضع الآخر فيكون صحيحاً، ولفظ من بينك إلحاقياً زيد تحريفاً.
(والثاني) أن موسى عليه السلام لما نقل كلام الله لإثبات قوله، لا يوجد فيه هذا اللفظ ولا يجوز أن يكون ما قال موسى مخالفاً لما قاله الله.
(والثالث) أن الحواريين كلما نقلوا هذا الكلام لا يوجد فيه لفظ من بينك،
وإن قلتم: إن المحرف إذا حرف فَلِمَ لَمْ يحرف الكلام كله، قلت: نحن نرى في محكمات العدالة دائماً أن القبالجات المحرفة يثبت تحريف الألفاظ المحرفة فيها من مواضع أخرى منها غالباً، وأن شهود الزور يؤخذون ببعض بياناتهم، فالوجه الوجيه على أن عادة الله جارية بأنه لا يهدي كيد الخائنين ويظهر خيانة خائن الدين بمقتضى مرحمته، فبمقتضى هذه العادة يصدر عن الخائن شيء ما تظهر به خيانته، على أنه لا توجد ملة يكون أهلها كلهم خائنين، فالخائنون الذين حرفوا كتب العهدين كان لهم لحاظ ما من جانب بعض المتدينين فلذلك ما بدلوا الكل، انتهى.
أقول هذا الجواب بالنسبة إلى عادة أهل الكتاب النسيب كما عرفت في الأمر السابع وأقول في (الجواب) عن الاعتراض الثاني أن آية الإنجيل هكذا: (لأنكم لو كنتم تصدقون موسى لكنتم تصدقونني لأنه هو كتب عني) وليس فيها تصريح بأن موسى عليه السلام كتب في حقه في المواضع الفلاني، بل المفهوم منه أن موسى كتب في حقه، وهذا يصدق إذا وجد في موضع من مواضع التوراة إشارة إليه، ونحن نسلم هذا الأمر كما ستعرف في ذيل بيان البشارة الثالثة، لكنا ننكر أن يكون قوله إشارة إلى هذه البشارة للوجوه التي عرفتها وقد ادعى هذا المعترض في الفصل الثالث من الباب الثالث من الباب الثاني من الميزان أن