المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌سورة هود … قال تعالى: {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ} - تفسير ابن أبي العز جمعا ودراسة - جـ ١٢٠

[ابن أبي العز]

الفصل: ‌ ‌سورة هود … قال تعالى: {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ}

‌سورة هود

قال تعالى: {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ} 1 أي: يتقدمهم2، ويستعمل منه الفعل لازماً ومتعدياً3، كما يُقال: أخذني ما قدم وما حدث، ويقال: هذا قدم هذا وهو يقدمه، ومنه سُمِّيت القدم قدماً؛ لأنها تقدم بقية بدن الإنسان4.

قال تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلَاّ مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} 5 أي: غير مقطوع6، ولا يُنافي ذلك قوله:{إِلَاّ مَا شَاءَ رَبُّكَ} .

واختلف السلف في هذا الاستثناء: فقيل: معناه إلا مدة مكثهم في النار، وهذا يكون لمن دخل منهم إلى النار ثم أُخرج منها، لا لكلِّهم. وقيل: إلا مدة مقامهم في الموقف. وقيل: إلا مدة مقامهم في القبور والموقف. وقيل: هو استثناء استثناه الرب ولا يفعله، كما تقول: والله لأضربنك إلا أن أرى غير ذلك، وأنت لا تراه، بل تجزم بضربه.

1 سورة هود، الآية:98.

2 بهذا فسر الزجاج الآية في معاني القرآن وإعرابه (3/76) ، والنحاس في إعراب القرآن

(2/300) ، والزمخشري في الكشاف (2/291) .

3 انظر تهذيب اللغة (9/49) ، ولسان العرب (11/65)"قدم" ففيهما ما يدل لقول المؤلف.

4 شرح العقيدة الطحاوية، ص (77، 78) . وقوله: "ومنه سميت القدم

الخ" ذكر نحوه ابن فارس في معجم مقاييس اللغة (5/66) "قدم".

5 سورة هود، الآية:108.

6 ثبت هذا التفسير عن ابن عباس وقتادة. انظر جامع البيان (15/490) . وبهذا فسَّره أبو عبيدة وغيره. انظر مجاز القرآن (1/99) ، وغريب القرآن وتفسيره لليزيدي، ص (178) .

ص: 98

وقيل: "إلا" بمعنى (الواو) ، وهذا على قول بعض النحاة، وهو ضعيف1. وسيبويه يجعل "إلا" بمعنى "لكن"، فيكون الاستثناء منقطعاً2، ورجحه ابن جرير وقال: إن الله تعالى لا خُلْف لوعده، وقد وصل الاستثناء بقوله:

{عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} . قالوا: ونظيره أن تقول: أسكنتك داري حولاً إلا ما شئت، أي: سوى ما شئت، أولكن ما شئت من الزيادة عليه3.

وقيل: الاستثناء لإعلامهم، بأنهم مع خلودهم في مشيئة الله، لا أنهم يخرجون عن مشيئته، ولا ينافي ذلك عزيمته وجزمه لهم بالخلود، كما في قوله تعالى:{وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً} 4 وقوله تعالى: {فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ} 5، وقوله:{قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ} 6 ونظائره كثيرة، يخبر عباده سبحانه أن الأمور كلها بمشيئته، ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن.

وقيل: إن "ما" بمعنى "من" أي: إلا من شاء الله دخوله النار بذنوبه من السعداء. وقيل غير ذلك7. وعلى كل تقدير، فهذا الاستثناء من المتشابه،

1 قول المؤلف "وهو ضعيف" هذا على رأي البصريين، والكوفيون يجيزون ذلك، نص على ذلك شيخهم الفراء عند هذه الآية. انظر معاني القرآن (2/28) ، وانظر الخلاف في المسألة في كتاب الإنصاف في مسائل الخلاف (1/266) .

2 انظر الكتاب لسيبويه (2/319) تجد أنه قد وضع باباً ينطبق على هذه الآية.

3 ابن جرير لم يرجح بهذا من عنده، وإنما نقله عن بعض أهل العربية من غير تحديد وهو يعني الفراء. انظر جامع البيان (15/487، 488) ، ومعاني القرآن (2/28) فنسبة القول لابن جرير فيها نظر.

4 سورة الإسراء، الآية:86.

5 سورة الشورى، الآية:24.

6 سورة يونس، الآية:16.

7 انظر معاني القرآن للفراء (1/28) ، وتأويل مشكل القرآن، ص (77) ، ومعاني القرآن وإعرابه (3/79، 80) ، وجامع البيان (15/481-489) ، ومعاني القرآن الكريم

(3/381-384) ، والنكت والعيون (2/506، 507) ، وزاد المسير (4/161) ، وغرائب التفسير (1/520، 521) ، والجامع لأحكام القرآن (9/99-102) ، والدر المصون

(6/391-394) تجد مجموع هذه الأقوال في مجموع هذه المصنفات، وأحسن من استوفى ذكرها السمين، والكرماني، والقرطبي. وأولى الأقوال التي ذكرها المصنف بالصواب هو أولها، بل لعله أولى جميع الأقوال التي قيلت، وقد رجحه ابن جرير، والخازن، وغيرهما. انظر جامع البيان (15/489) ، ولباب التأويل (2/254)، وروح المعاني (12/144) . وقال ابن كثير في تفسيره (2/461) :"وهذا الذي عليه كثير من العلماء قديماً وحديثاً في تفسير هذه الآية الكريمة".

ص: 99

وقوله: {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} محكم، وكذلك قوله تعالى:{إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ} 1. وقوله: {أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا} 2. وقوله: {وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ} 3. وقد أكد الله خلود أهل الجنة بالتأبيد في عدة مواضع من القرآن، وأخبر أنهم: {لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَاّ الْمَوْتَةَ الأُولَى} 4 وهذا الاستثناء منقطع5، وإذا ضممته إلى الاستثناء في قوله تعالى: {إِلَاّ مَا شَاءَ رَبُّكَ} تبين لك المراد من الآيتين. واستثناء الوقت الذي لم يكونوا فيه في الجنة من مدة الخلود، كاستثناء الموتة الأولى من جملة الموت، فهذه موتة تقدمت على حياتهم الأبدية، وذاك مفارقة للجنة تقدمت على خلودهم فيها.6

1 سورة ص، الآية:54.

2 سورة الرعد، الآية:35.

3 سورة الحجر، الآية:48.

4 سورة الدخان، الآية:56.

5 انظر الدر المصون (9/631) فقد ذكره السمين مصدراً به الأقوال التي قيلت في معنى الاستثناء.

6 شرح العقيدة الطحاوية، ص (622 - 624) .

ص: 100