المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌سورة آل عمران - تفسير ابن أبي العز جمعا ودراسة - جـ ١٢٠

[ابن أبي العز]

الفصل: ‌سورة آل عمران

وإنما هو كما قال غير واحد من السلف:بين يدي العرش1، كالمرقاة إليه2.

قال تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَاّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} 3.... الكسب هو الفعل الذي يعود على فاعله منه نفع أو ضرر4.

[وقال أيضاً]

: قال: ابن الأنباري5: أي: لا تحملنا ما يثقل علينا أداؤه، وإن كنا مطيقين له على تجشم وتحمل مكروه، قال: فخاطب العرب على حسب ما تعقل، فإن الرجل منهم يقول للرجل يبغضه: ما أُطيق النظر إليك، وهو مطيق لذلك، لكنه يثقل عليه6.

1 انظر جامع البيان (5/398) ، ومعالم التنزيل (1/239) ، وتفسير ابن كثير (1/310) ، والدر المنثور (1/327، 328) تجد ما يفيد ذلك عن طائفة من السلف.

2 شرح العقيدة الطحاوية، ص (368، 371) .

3 سورة البقرة، الآية:286. والمؤلف ذكر ألفاظ الآية مفرقة.

4 انظر شرح العقيدة الطحاوية، ص (652) وانظر عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ

(3/463،464) . فقد ذكر السمين في معنى الكسب نحو ما قاله المؤلف هنا.

5 محمد بن القاسم بن محمد بن بشار، كان من أعلم الناس، بالنحو والأدب وأكثرهم حفظاً (ت: 328 ?) انظر العبر (2/31) ، وبغية الوعاة (1/212) .

6 شرح العقيدة الطحاوية، ص (654) . وما نقله عن ابن الأنباري موجود في زاد المسير (1/346) ، والبحر المحيط (2/385) منسوب إلى ابن الأنباري ولم أقف عليه في شيء من كتبه المطبوعة. وانظر معاني القرآن وإعرابه (1/371) ففيه نحو هذا.

ص: 46

7 سورة آل عمران، الآية:7.

ص: 46

قراءتان1: قراءة من يقف على قوله: {إِلَاّ اللَّهُ} ، وقراءة من لا يقف عندها2، وكلتا القراءتين حق، ويراد بالأولى المتشابه في نفسه الذي استأثر الله بعلم تأويله، ويراد بالثانية المتشابه الإضافي الذي يعرف الراسخون تفسيره، وهو تأويله. ولا يريد مَنْ وقف على قوله:{إِلَاّ اللَّهُ} أن يكون التأويل بمعنى التفسير للمعنى، فإن لازم هذا أن يكون الله أنزل على رسوله كلاماً لا يعلم معناه جميع الأمة ولا الرسول، ويكون الراسخون في العلم لا حظ لهم في معرفة معناها سوى قولهم:{آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} وهذا القدر يقوله غير الراسخ في العلم من المؤمنين، والراسخون في العلم يجب امتيازهم عن عوام المؤمنين في ذلك3، وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما:"أنا من الراسخين في العلم الذين يعلمون تأويله"4 ولقد صدق رضي الله عنه فإن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له وقال: "اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل" رواه البخاري وغيره5. ودعاؤه صلى الله عليه وسلم لا يرد. قال

1 قول المؤلف ((فيها قراءتان)) فيه تجوز في العبارة، والأولى أن يقول: فيها وقفان.

2 قوله ((عندها)) يريد عند كلمة ((العلم)) انظر المكتفى في الوقف والابتدا، ص (194-197) ، وعلل الوقوف (1/361-363) تجد أنهما قد ذكرا الوقفين.

3 انظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام (5/35، 36، 234)(13/143، 144) . وقول من صحح الوقفين هو جمع بين قول من قال: بالوقف على لفظ الجلالة (الله)، وقول من قال: ليس الوقف على لفظ الجلالة. انظر القولين في معاني القرآن للفراء (1/191) ، وجامع البيان (6/201، 203) ، والبحر المحيط (2/400) ، والدر المصون (3/29) .

4 أخرجه الطبري في جامع البيان (6/203) من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس.

5 أخرجه البخاري في صحيحه مع الفتح برقم (143) بلفظ: "اللهم فقهه في الدين"، وأخرجه مسلم في صحيحه برقم (2477) بلفظ "اللهم فقهه"، وأخرجه الإمام أحمد في المسند (1/266) بلفظ المؤلف هنا، وأخرجه ابن ماجة (1/58) في المقدمة بلفظ "اللهم علمه الحكمة وتأويل الكتاب" واللفظ الذي يفيد أنه دعا له بمعرفة التأويل لم يرد في الصحيحين - حسب ما رأيت - لكن الشيخ الألباني صحح حديث ابن ماجة. انظر صحيح سنن ابن ماجة (1/33) .

ص: 47

مجاهد: "عرضت المصحف على ابن عباس، من أوله إلى آخره، أقفه عند كل آية وأسأله عنها"1. وقد تواترت النقول عنه أنه تكلم في جميع معاني القرآن، ولم يقل عن آية: إنها من المتشابه الذي لا يعلم أحد تأويله إلا الله. وقول الأصحاب رحمهم الله في الأصول: إن المتشابه الحروف المقطَّعة في أوائل السور2،ويُروى هذا عن ابن عباس3.مع أن هذه الحروف قد تكلم في معناها أكثر الناس4، فإن كان معناها معروفاً، فقد عُرف معنى المتشابه، وإن لم يكن معروفاً، وهي المتشابه، كان ما سواها معلوم المعنى، وهذا المطلوب.

وأيضاً فإن الله قال: {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} وهذه الحروف ليست آيات عند جمهور العادين5.

قال تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَاّ

1 أخرجه الطبري في جامع البيان (1/90) لكن بلفظ "عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات، من فاتحته إلى خاتمته، أقفه عند كل آية منه وأسأله عنها" وهو من طريق محمد بن إسحاق، وقد عنعن، لكن له شاهد عند الطبري بمعناه. انظر جامع البيان (1/90) .

2 انظر أُصول السرخسي (1/169) .

3 ذكره عنه البغوي في معالم التنزيل (1/278) ، وأسانيد البغوي إلى ابن عباس منها ما يحتج به ومنها ما لا يحتج به، وأورده أيضاً ابن الجوزي في زاد المسير (1/350) .

4 انظر الأية رقم (1) من سورة البقرة في هذا البحث تجد المراجع في الحاشية عند تفسير تلك الآية.

5 شرح العقيدة الطحاوية، ص (254، 255) وانظر المحرر الوجيز في عد آي الكتاب العزيز، ص (67) وما بعدها تجد فيه ما قال المؤلف في مسألة العدد.

ص: 48

هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} 1

عبارات السلف في ((شهد)) تدور على الحكم، والقضاء، والإعلام، والبيان، والإخبار2. وهذه الأقوال كلها حق، لا تنافي بينها، فإن الشهادة تتضمن كلام الشاهد وخبره، وتتضمن إعلامه وإخباره وبيانه. فلها أربع مراتب. فأول مراتبها: علم ومعرفة واعتقاد لصحة المشهود به وثبوته. وثانيها: تكلمه بذلك، وإن لم يُعلم به غيره، بل يتكلم بها مع نفسه، ويذكرها، وينطق بها، أو يكتبها. وثالثها: أن يُعلم غيره بها بما يشهد به، ويخبره به، ويبينه له. ورابعها: أن يلزمه بمضمونها ويأمُرَه به.

فشهادة الله سبحانه لنفسه بالوحدانية، والقيام بالقسط تضمنت هذه المراتب الأربع: علمه سبحانه بذلك، وتكلمه به، وإعلامه، وإخباره لخلقه به، وأمرهم وإلزامهم به. فأما مرتبة العلم، فإن الشهادة تضمنتها ضرورة، وإلا كان الشاهد شاهداً بما لا علم له به، قال تعالى:{إِلَاّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} 3 وقال صلى الله عليه وسلم: "على مثلها فاشهد" 4 وأشار إلى الشمس. وأما مرتبة التكلم

1 سورة آل عمران، الآية:18.

2 الإعلام والإخبار متقاربان. وانظر ما يؤيد كلام المؤلف في مجاز القرآن (1/89) ، وتهذيب اللغة (6/72، 73) ، ومعجم مقاييس اللغة (3/221)((شهد)) ، والبحر المحيط (2/419) ، وعمدة الحفاظ (2/342) ، والنكت والعيون (1/379) ، والجواهر الحسان (1/302) .

3 سورة الزخرف، الآية:86.

4 أخرجه الحاكم في المستدرك (4/110) بنحوه من حديث ابن عباس، وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وتعقبه الذهبي بقوله: واه، فعمرو قال ابن عدي كان يسرق الحديث، وابن مسمول ضعفه غير واحد. وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (10/156) وقال: محمد بن سليمان بن مسمول هذا تكلم فيه الحميدي، ولم يرو من وجه يعتمد عليه. وأخرجه أبو نعيم في الحلية (4/18) بلفظ المؤلف وقال: غريب. وأخرجه العقيلي في كتاب الضعفاء الكبير (4/70) وذكر أن هذا الحديث لا يعرف إلا من طريق المسمولي. وأورده الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام، ص (290) وقال: أخرجه ابن عدي بإسناد ضعيف، وصححه الحاكم فأخطأ.

ص: 49

والخبر، فقال الله تعالى:{وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلونَ} 1 فجعل ذلك منهم شهادة، وإن لم يتلفظوا بلفظ الشهادة، ولم يؤدوها عند غيرهم. وأما مرتبة الإعلام والإخبار، فنوعان: إعلام بالقول، وإعلام بالفعل، وهذا شأن كل مُعْلم لغيره بأمرٍ، تارةً يعلمه به بقوله، وتارةً بفعله؛ ولهذا كان من جعل داره مسجداً، وفتح بابها، وأفرزها بطريقها، وأذن للناس بالدخول والصلاة فيها، معلماً أنها وقف، وإن لم يتلفظ به

وكذلك شهادة الرب عز وجل وبيانه وإعلامه، يكون بقوله تارةً، وبفعله أخرى، فالقول ما أرسل به رسله، وأنزل به كتبه، وأما بيانه وإعلامه بفعله، فكما قال ابن كيسان2: شهد الله بتدبيره العجيب، وأموره المحكمة عند خلقه، أنه لا إله إلا هو3. وقال آخر4:

وفي كل شيء له آية

تدل على أنه واحد

ومما يدل على أن الشهادة تكون بالفعل قوله تعالى: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ} 5 فهذه شهادة منهم على أنفسهم

1 سورة الزخرف، الآية:19.

2 لعله: محمد بن أحمد بن كيسان البغدادي النحوي، له تصانيف في القراءات والغريب والنحو (ت: 299 ?) . انظر العبر (1/437) .

3 أورده ابن الجوزي في زاد المسير (1/362) منسوباً إليه. وباختصار شديد ذكره أبو حيان في البحر (2/419) منسوباً إليه، وابن القيم في مدارج السالكين (3/473) .

4 هو أبو العتاهية. انظر أبا العتاهية أشعاره وأخباره، ص (104) ، والأغاني (4/35) ، والبحر المحيط (2/419) .

5 سورة التوبة، الآية:17.

ص: 50

بما يفعلونه. والمقصود أنه سبحانه يشهد بما جعل آياته المخلوقة دالة عليه، ودَلالتها إنما هي بخلقه وجعله. وأما مرتبة الأمر بذلك والإلزام به

فإنه سبحانه شهد به شهادة من حكم به، وقضى وأمر، وألزم عباده به، كما قال تعالى:{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَاّ تَعْبُدُوا إِلَاّ إِيَّاهُ} 1 وقال تعالى: {وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ} 2 وقال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَاّ لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً} 3 وقال تعالى: {لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ} 4 وقال: {وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ} 5. والقرآن كله شاهد بذلك6

... لما نزلت هذه الآية {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ}

7 دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال لهم: "اللهم هؤلاء أهلي"8.

[قوله تعالى:] {

آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} 9وذلك؛ لأن الجهال، يقولون: ما رجع هؤلاء عن دينهم الذي

1 سورة الإسراء، الآية:23.

2 سورة النحل، الآية 51.

3 سورة التوبة، الآية:31.

4 سورة الإسراء، الآية:39.

5 سورة القصص، الآية:88.

6 شرح العقيدة الطحاوية، ص (44-47) وتركت بعض ما ذكره المؤلف في الآية؛ لأن مضمونه فيما نقلت. والمؤلف أخذه من كلام ابن القيم في مدارج السالكين (3/469) .

7 سورة آل عمران، الآية:61.

8 شرح العقيدة الطح اوية، ص (726) والحديث أخرجه الإمام مسلم في صحيحه تحت رقم (2404) .

9 سورة آل عمران، الآية:72.

ص: 51

صاروا إليه إلَاّ بعد أن ظهر لهم بطلانه1.

[قوله تعالى:]{إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ} 2 فأهانهم بترك تكليمهم، والمراد: أنه لا يكلمهم تكليم تكريم، هو3 الصحيح4؛ إذ قد أخبر في الآية الآخرى أنه يقول لهم في النار {قَالَ اخْسَأُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} 5 فلو كان لا يكلم عباده المؤمنين، لكانوا في ذلك هم وأعداؤه سواء، ولم يكن في تخصيص أعدائه بأنه لا يكلمهم فائدة أصلاً6.

وإنما تكون (من) للتبعيض إذا صلح في موضعها (بعض) كما في قوله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} 7 فإنه يصح في موضعها بعض،

1 التنبيه على مشكلات الهداية، ص (221، 222) تحقيق أنور. وانظر تفسير القرآن لعبد الرزاق الصنعاني (1/ 123) ، وجامع البيان (6/ 507) ، وتفسير ابن أبي حاتم (2/ 339، 340) تحقيق د. حكمت. تجد في هذه المؤلفات ما ذكره المؤلف هنا.

2 سورة آل عمران، الآية:77.

3 هكذا في النسخة المحققة التي بين يدي، ولعل الصواب:"وهو الصحيح" وقد أثبت الشيخ أحمد شاكر الواو بين قوسين. انظر تحقيقه لشرح العقيدة الطحاوية، ص (115) .

4 بهذا القول فسر الإمام الطبري الآية. انظر جامع البيان (6/528) ، وكذلك الواحدي في الوسيط (1/453) ، وابن كثير في تفسيره (1/376)، والبغوي في معالم التنزيل (1/319) قدمه في الذكر وحكى معه قولاً آخر بلفظ قيل. وهذا القول كما ترى من القوة بمكان. وهناك أقوال أُخر في معنى الآية: انظرها إن شئت في: بحر العلوم (1/279) ، والتفسير الكبير (8/93) ، ومحاسن التأويل (2/78) .

5 سورة المؤمنون، الآية:108.

6 شرح العقيدة الطحاوية، ص (178) .

7 سورة آل عمران، الآية:92.

ص: 52

وقد قُرئ شاذاً {حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} 1.

قوله تعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} 2 وقوله تعالى: {وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ} 3 وأما الحياة التي اختص بها الشهيد، وامتاز بها عن غيره

فهي أن الله تعالى جعل أرواحهم في أجواف طير خضر، كما في حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما أصيب إخوانكم - يعني يوم أحد - جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة، وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهب مذللة4 في ظل العرش" الحديث رواه الإمام أحمد وأبو داود5، وبمعناه في حديث ابن مسعود، رواه مسلم6. فإنهم لما بذلوا أبدانهم لله عز وجل حتى أتلفها أعداؤه فيه، أعاضهم منها في البرزخ أبداناً خيراً منها، تكون فيها إلى يوم القيامة، ويكون تنعمها بواسطة تلك الأبدان، أكمل من تنعم الأرواح المجردة عنها. ولهذا كانت نسمة المؤمن في

1 التنبيه على مشكلات الهداية، ص (705، 706) تحقيق عبد الحكيم. وانظر الكشاف (1/445) ، والبحر (1/546) ، والدر المصون (3/310) فقد ذكروا معنى (مِنْ) واحتجوا عليها بالقراءة بمثل ما فعل المؤلف هنا، إلا أن السمين قال: وهذه عندي ليست قراءة، بل تفسير معنى قلت: وإذا كانت قراءة فهي قراءة شاذة.

2 سورة آل عمران، الآية:169.

3 سورة البقرة، الآية:154.

4 مذلَّلة يعني: مدلاه. انظر النهاية في غريب الحديث والأثر (2/166)((ذلل)) .

5 المسند (1/265، 266) ، وسنن أبي داود برقم (2520) ، وتفسير الطبري برقم (8205)، ومستدرك الحاكم (2/97) كلهم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.

6 صحيح مسلم الحدث رقم (1887) .

ص: 53