الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْجِرَاحِ وَالْآلَامِ، وَلَكِنْ أَنْتُمْ تَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ الْمَثُوبَةَ وَالنَّصْرَ وَالتَّأْيِيدَ، وَهُمْ لَا يَرْجُونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، فَأَنْتُمْ أَوْلَى بِالْجِهَادِ مِنْهُمْ، وَأَشَدُّ رَغْبَةً فِي إِقَامَةِ كَلِمَةِ اللَّهِ وَإِعْلَائِهَا.
{وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} أَيْ: هُوَ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ فِيمَا يُقَدِّرُهُ وَيَقْضِيهِ، وَيُنَفِّذُهُ وَيُمْضِيهِ، مِنْ أَحْكَامِهِ الْكَوْنِيَّةِ وَالشَّرْعِيَّةِ، وَهُوَ الْمَحْمُودُ عَلَى كُلِّ حَالٍ.
{إِنَّا أَنزلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا
(105) }
{وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا
(106)
وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا (107) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا (108) هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلا (109) }
يَقُولُ تَعَالَى مُخَاطِبًا لِرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم: {إِنّا أَنزلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ} أَيْ: هُوَ حَقٌّ مِنَ اللَّهِ، وَهُوَ يَتَضَمَّنُ الْحَقَّ فِي خَبَرِهِ وَطَلَبِهِ.
وَقَوْلُهُ: {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} احْتَجَّ بِهِ مَنْ ذَهَبَ مِنْ عُلَمَاءِ الْأُصُولِ إِلَى أَنَّهُ كَانَ، عليه السلام، لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِالِاجْتِهَادِ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَبِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَة، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سمع حَلَبَةَ خَصْمٍ بِبَابِ حُجْرَتِهِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ:"أَلَا إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّمَا أَقْضِي بِنَحْوٍ مِمَّا أَسْمَعُ، وَلَعَلَّ أَحَدَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَأَقْضِي لَهُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ مُسْلِمٍ فَإِنَّمَا هِيَ قِطْعَةٌ مِنْ نَارٍ فَلْيَحْمِلَهَا (1) أَوْ لِيَذَرْهَا"(2) .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكِيع، حَدَّثَنَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: جَاءَ رَجُلَانِ مِنَ الْأَنْصَارِ يَخْتَصِمَانِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَوَارِيثَ بَيْنَهُمَا قَدْ دَرَسَتْ، لَيْسَ عِنْدَهُمَا (3) بَيِّنَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ ألْحَن بحُجَّتِه مِنْ بَعْضٍ، وَإِنَّمَا أَقْضِي بَيْنَكُمْ عَلَى نَحْوٍ مِمَّا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلَا يَأْخُذْهُ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ، يَأْتِي بِهَا إِسْطَامًا فِي عُنُقِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". فَبَكَى الرَّجُلَانِ وَقَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا: حَقِّي لِأَخِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَمَّا إِذَا قُلْتُمَا فَاذْهَبَا فَاقْتَسِمَا، ثُمَّ تَوَخَّيَا الْحَقَّ، ثُمَّ اسْتَهِمَا، ثُمَّ ليُحْللْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا (4) صَاحِبَهُ".
وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، بِهِ. وَزَادَ: "إِنِّي إِنَّمَا أَقْضِي بينكما برأي فيما لم
(1) في أ: "فليأخذها".
(2)
صحيح البخاري برقم (2458) وصحيح مسلم برقم (1713) .
(3)
في أ: "بينهما".
(4)
في أ: "كل منهما".