الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ
(38)
فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (39) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (40) قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإبْكَارِ (41) }
لَمَّا رَأَى زَكَرِيَّا، عليه السلام، أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَرْزُقُ مَرْيَمَ، عليها السلام، فَاكِهَةَ الشِّتَاءِ فِي الصَّيْفِ، وَفَاكِهَةَ الصَّيْفِ فِي الشِّتَاءِ، طَمِعَ حِينَئِذٍ فِي الْوَلَدِ، وَ [إِنْ](1) كَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ [ضَعُفَ وَ](2) وَهَن مِنْهُ (3) الْعَظْمُ، وَاشْتَعَلَ رَأْسُهُ شَيْبًا، وَإِنْ كَانَتِ امْرَأَتُهُ مَعَ ذَلِكَ كَبِيرَةً وَعَاقِرًا، لَكِنَّهُ مَعَ هَذَا كُلِّهِ سَأَلَ رَبَّهُ وَنَادَاهُ نِدَاءً خَفيا، وَقَالَ:{رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ} أَيْ: مِنْ عِنْدِكَ {ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً} أَيْ: وَلَدًا صَالِحًا {إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ} .
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ} أَيْ: خَاطَبَتْهُ الْمَلَائِكَةُ شِفَاهًا خِطَابًا أَسْمَعَتْهُ، وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي مِحْرَابِ عِبَادَتِهِ، وَمَحَلِّ خَلْوَته، وَمَجْلِسِ مُنَاجَاتِهِ، وَصَلَاتِهِ. ثُمَّ أَخْبَرَ عَمَّا بَشَّرَتْهُ بِهِ الْمَلَائِكَةُ:{أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى} أَيْ: بِوَلَدٍ يُوجَدُ لَكَ مِنْ صُلْبِكَ اسْمُهُ يَحْيَى. قَالَ قَتَادَةُ وَغَيْرُهُ: إِنَّمَا سُمِّي يَحْيَى لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحْيَاهُ بِالْإِيمَانِ.
وَقَوْلُهُ: {مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ} رَوَى العَوْفيّ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَعِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ وَأَبُو الشَّعْثَاءِ والسُّدي وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ، وَالضَّحَّاكُ، وَغَيْرُهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ:{مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ} أَيْ: بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ؛ قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: هُوَ أَوَّلُ مَنْ صَدَّقَ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، وَقَالَ قَتَادَةُ: وَعَلَى سُنَنِهِ (4) وَمِنْهَاجِهِ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْج: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ} قَالَ: كَانَ يَحْيَى وَعِيسَى ابْنَيْ خَالَةٍ، وَكَانَتْ أَمُّ يَحْيَى تَقُولُ لِمَرْيَمَ: إِنِّي أَجِدُ الَّذِي فِي بَطْنِي يَسْجُد لِلَّذِي فِي بَطْنِكِ فَذَلِكَ تَصْدِيقُهُ بِعِيسَى: تَصْدِيقُهُ لَهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ صَدَّقَ عِيسَى، وَكَلِمَةُ اللَّهِ عِيسَى، وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ عِيسَى (5) عَلَيْهِ (6) السَّلَامُ، وَهَكَذَا قَالَ السُّدِّيُّ أَيْضًا.
وَقَوْلُهُ: {وَسَيِّدًا} قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ، وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ، وَقَتَادَةُ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَغَيْرُهُمْ: الْحَكِيمُ (7) وَقَالَ قَتَادَةُ: سَيِّدًا فِي الْعِلْمِ وَالْعِبَادَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالضَّحَّاكُ: السَّيِّدُ الْحَكِيمُ (8) الْمُتَّقِي (9) وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: هُوَ الْفَقِيهُ الْعَالِمُ. وَقَالَ عَطِيَّةُ: السَّيِّدُ فِي خُلُقِهِ وَدِينِهِ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: هُوَ الَّذِي لَا يَغْلِبُهُ الْغَضَبُ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: هُوَ الشَّرِيفُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ (10) هو
(1) زيادة من أ، و.
(2)
زيادة من أ، و.
(3)
في جـ، ر:"ضعف".
(4)
في جـ، أ، و:"سنته".
(5)
في ر: "يحيى".
(6)
في ر، أ، و:"عليهما"
(7)
في جـ، أ، و:"الحليم".
(8)
في جـ، أ، و:"الحليم".
(9)
في أ، و:"التقي".
(10)
في أ: "غيرهم".
الْكَرِيمُ عَلَى اللَّهِ، عز وجل.
وَقَوْلُهُ: {وَحَصُورًا} رُوي عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَأَبِي الشَّعْثَاءِ، وَعَطِيَّةَ العَوْفي أَنَّهُمْ قَالُوا: هُوَ الَّذِي لَا يَأْتِي النِّسَاءَ. وَعَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ: هُوَ الَّذِي لَا يُولَدُ لَهُ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: هُوَ الَّذِي لَا وَلَدَ لَهُ وَلَا مَاءَ لَهُ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ الْمُغِيرَةِ، أَنْبَأَنَا جَرِيرٌ، عَنْ قَابُوسَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الحَصُور: الَّذِي لَا يُنْزِلُ الْمَاءَ، وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي هَذَا حَدِيثًا غَرِيبًا جِدًّا فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ الْبَغْدَادِيُّ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا عُبَادَةُ -يَعْنِي ابْنَ الْعَوَّامِ-عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّب، عَنِ ابْنِ الْعَاصِ -لَا يَدْرِي عَبْدُ اللَّهِ أَوْ عَمْرٌو-عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي قَوْلِهِ:{وَسَيِّدًا وَحَصُورًا} قَالَ: ثُمَّ تَنَاوَلَ شَيْئًا مِنَ الْأَرْضِ فَقَالَ: "كَانَ ذَكَرُهُ مِثْلَ هَذَا"(1) .
ثُمَّ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سِنان، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ القَطَّان، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ؛ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ المُسَيَّب، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَقُولُ: لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ لَا يَلْقَاهُ بِذَنْبٍ غَيْرَ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا، ثُمَّ قَرَأَ سَعِيدٌ:{وَسَيِّدًا وَحَصُورًا} ثُمَّ أَخَذَ شَيْئًا مِنَ الْأَرْضِ فَقَالَ (2) الْحَصُورُ مَا كَانَ ذَكَرُهُ مِثْلَ ذِي وَأَشَارَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ بِطَرَفِ إِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ. فَهَذَا مَوْقُوفٌ (3) وَهُوَ أَقْوَى (4) إِسْنَادًا مِنَ الْمَرْفُوعِ، بَلْ وَفِي صِحَّةِ الْمَرْفُوعِ نَظَرٌ، وَاللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي كِتَابِهِ (5) الشِّفَاءِ: اعْلَمْ أَنَّ ثَنَاءَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى يَحْيَى أَنَّهُ (6) كَانَ {حَصُورًا} لَيْسَ كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ كَانَ هَيُّوبًا، أَوْ لَا ذَكَرَ لَهُ، بَلْ قَدْ أَنْكَرَ هَذَا حُذَّاقُ الْمُفَسِّرِينَ وَنُقَّادُ الْعُلَمَاءِ، وَقَالُوا: هَذِهِ نَقِيصَةٌ وَعَيْبٌ وَلَا تَلِيقُ (7) بِالْأَنْبِيَاءِ، عليهم السلام، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ: أَنَّهُ مَعْصُومٌ مِنَ الذُّنُوبِ، أَيْ لَا يَأْتِيهَا كَأَنَّهُ حُصِرَ عَنْهَا، وَقِيلَ: مَانِعًا نَفْسَهُ مِنَ الشَّهَوَاتِ. وَقِيلَ: لَيْسَتْ لَهُ شَهْوَةٌ فِي النِّسَاءِ.
وَقَدْ (8) بَانَ لَكَ مِنْ هَذَا أَنَّ عَدَمَ الْقُدْرَةِ عَلَى النِّكَاحِ نَقْصٌ، وَإِنَّمَا الْفَضْلُ فِي كَوْنِهَا مَوْجُودَةً ثُمَّ قَمَعَهَا: إِمَّا بِمُجَاهَدَةٍ كَعِيسَى أَوْ بِكِفَايَةٍ مِنَ اللَّهِ عز وجل، كَيَحْيَى، عليه السلام. ثُمَّ هِيَ حَقٌّ مَنْ أُقْدِرَ (9) عَلَيْهَا وَقَامَ بِالْوَاجِبِ فِيهَا وَلَمْ تَشْغَلْهُ (10) عَنْ رَبِّهِ دَرَجَةً عَلْيَاءَ، وَهِيَ دَرَجَةُ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم
(1) تفسير ابن أبي حاتم (2/241) ورواه ابن أبي شيبة في المصنف (11/561) من طريق يحيى بن سعيد به.
(2)
في أ، و:"قال".
(3)
تفسير ابن أبي حاتم (2/243) .
(4)
في و: "أصح".
(5)
في أ: "كتاب".
(6)
في جـ، ر، أ:"بأنه".
(7)
في أ: "ولا يليق".
(8)
في جـ، ر، أ:"فقل".
(9)
في أ: "قدر".
(10)
في أ: "يشغله".