المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

هَلَكْتُ. قَالَ: "لِمَ؟ " قَالَ: نَهَى اللَّهُ الْمَرْءَ أَنْ يُحِب - تفسير ابن كثير - ت السلامة - جـ ٢

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

- ‌ آلِ عِمْرَانَ

- ‌(1)

- ‌(5)

- ‌(10)

- ‌(12)

- ‌(14)

- ‌(16)

- ‌(18)

- ‌(21)

- ‌(23)

- ‌(26)

- ‌(28) }

- ‌(29) }

- ‌(30) }

- ‌(31)

- ‌(33)

- ‌(37) }

- ‌(38)

- ‌(42)

- ‌(45) }

- ‌(46)

- ‌(48)

- ‌(52) }

- ‌(53)

- ‌(55)

- ‌(59)

- ‌(62)

- ‌(64) }

- ‌(65)

- ‌(69)

- ‌(71)

- ‌(75)

- ‌(77) }

- ‌(78) }

- ‌(81)

- ‌(83) }

- ‌(84)

- ‌(86)

- ‌(90)

- ‌(92) }

- ‌(93)

- ‌(96)

- ‌(98)

- ‌(100) }

- ‌(101) }

- ‌(104)

- ‌(109) }

- ‌(110)

- ‌(113)

- ‌(116)

- ‌(118)

- ‌(121) }

- ‌(122)

- ‌(124)

- ‌(130)

- ‌(133)

- ‌(137)

- ‌(141)

- ‌(144)

- ‌(149)

- ‌(154)

- ‌(156)

- ‌(158) }

- ‌(159)

- ‌(165) }

- ‌(166)

- ‌(170)

- ‌(174)

- ‌(176)

- ‌(181)

- ‌(185)

- ‌(187)

- ‌(190)

- ‌(195) }

- ‌(196)

- ‌(199)

- ‌(1) }

- ‌(2)

- ‌(5)

- ‌(7)

- ‌(11)

- ‌(12) }

- ‌(13)

- ‌(15)

- ‌(17)

- ‌(19) }

- ‌(20)

- ‌(23) }

- ‌(24) }

- ‌(25) }

- ‌(26) }

- ‌(27)

- ‌(29)

- ‌(32) }

- ‌(33) }

- ‌(34) }

- ‌(35) }

- ‌(36) }

- ‌(37) }

- ‌(38)

- ‌(40)

- ‌(43) }

- ‌(44)

- ‌(47)

- ‌(49)

- ‌(53)

- ‌(58) }

- ‌(59) }

- ‌(60)

- ‌(64)

- ‌(66)

- ‌(71)

- ‌(75)

- ‌(77)

- ‌(80)

- ‌(82)

- ‌(84)

- ‌(87) }

- ‌(88)

- ‌(92)

- ‌(94) }

- ‌(95)

- ‌(97)

- ‌(101) }

- ‌(102) }

- ‌(103)

- ‌(105) }

- ‌(106)

- ‌(110)

- ‌(114)

- ‌(116)

- ‌(122) }

- ‌(123)

- ‌(127) }

- ‌(128)

- ‌(131)

- ‌(135) }

- ‌(136) }

- ‌(141) }

- ‌(142)

- ‌(144)

- ‌(148)

- ‌(150)

- ‌(153)

- ‌(155)

- ‌(160)

- ‌(163)

- ‌(166)

- ‌(171) }

- ‌(172)

- ‌(174)

- ‌(1)

الفصل: هَلَكْتُ. قَالَ: "لِمَ؟ " قَالَ: نَهَى اللَّهُ الْمَرْءَ أَنْ يُحِب

هَلَكْتُ. قَالَ: "لِمَ؟ " قَالَ: نَهَى اللَّهُ الْمَرْءَ أَنْ يُحِب أَنْ يُحْمَدَ بِمَا لَمْ يَفْعَلْ، وَأَجِدُنِي أُحِبُّ الحمدَ. وَنَهَى اللَّهُ عَنِ الخُيلاء، وَأَجِدُنِي (1) أُحِبُّ الْجَمَالَ، وَنَهَى اللَّهُ أَنْ نَرْفَعَ أَصْوَاتَنَا فَوْقَ صَوْتِكَ، وَأَنَا (2) امْرُؤٌ جَهْوَرِيُّ الصَّوْتِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"أَلَّا تَرْضى أَنْ تَعِيش حَمِيدا، وتُقْتَل شَهِيدا، وَتَدْخُلَ الْجَنَّةَ؟ " قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَعَاشَ (3) حَمِيدًا، وقُتل شَهِيدَا يَوْمَ مُسَيْلَمة الْكَذَّابِ (4) .

وَقَوْلُهُ: {فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ} يُقْرَأُ بِالتَّاءِ عَلَى مُخَاطَبَةِ الْمُفْرَدِ، وَبِالْيَاءِ عَلَى الْإِخْبَارِ عَنْهُمْ، أَيْ: لَا تَحْسَبُونَ (5) أَنَّهُمْ نَاجُونَ مِنَ الْعَذَابِ، بَلْ لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْهُ؛ وَلِهَذَا قَالَ:{وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}

ثُمَّ قَالَ: {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} أَيْ: هُوَ مَالِكُ كُل شَيْءٍ، وَالْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَلَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ، فَهَابُوهُ وَلَا تُخَالِفُوهُ، وَاحْذَرُوا نِقْمَتَهُ وَغَضَبَهُ، فَإِنَّهُ الْعَظِيمُ الَّذِي لَا أَعْظَمَ مِنْهُ، الْقَدِيرُ الَّذِي لَا أَقْدَرَ مِنْهُ.

{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأولِي الألْبَابِ ‌

(190)

الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (192) رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194) }

قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ إِسْحَاقَ التُسْتَرِي، حَدَّثَنَا يَحْيَى الحِمَّاني، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ القُمِّي، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْر، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قال: أَتَتْ قُرَيْشٌ الْيَهُودَ فَقَالُوا: بِمَ جَاءَكُمْ مُوسَى؟ قَالُوا: عَصَاهُ وَيَدُهُ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ. وَأَتَوُا النَّصَارَى فَقَالُوا: كَيْفَ كَانَ عِيسَى؟ قَالُوا: كَانَ يُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ ويُحيي الْمَوْتَى: فَأَتَوُا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يَجْعَلُ لَنَا الصَّفا ذَهَبًا. فَدَعَا رَبَّهُ، فَنَزَلَتْ هذه الآية:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأولِي الألْبَابِ} فَلْيَتَفَكَّرُوا فيها (6)

(1) في أ: "وإني".

(2)

في ر، أ، و:"وإني".

(3)

في ر، أ، و:"قال: فعاش".

(4)

ورواه الطبراني في المعجم الأوسط برقم (42) من طريق الزهري عن محمد بن ثابت به. ورواه الحاكم في المستدرك (1/234) من طريق إسماعيل بن محمد عن أبيه محمد بن ثابت به. ورواه ابن حبان في صحيحه برقم (2270)"موارد"، والطبراني في المعجم الكبير (2/67) كلاهما من طريق إسماعيل بن ثابت أن ثابت فذكره. ورواه عبد الرزاق في مصنفه برقم (20425) من طريق الزهري أن ثابت بن قيس فذكره مرسلا. ورواه مالك ومن طريق ابن عبد البر في الاستيعاب (2/75) من طريق الزهري عن إسماعيل بن محمد بن ثابت عن ثابت به. والأصح: الزهري عن محمد بن ثابت عن ثابت به، وهي رواية ابن مردويه والطبراني في المعجم الأوسط برقم (42) وقد صرح محمد بن ثابت بالتحديث عند الطبراني فقال: حدثني ثابت بن قيس فذكره، والحديث حسن إن شاء الله.

(5)

في جـ، ر، أ، و:"ولا تحسبوا".

(6)

في المعجم الكبير للطبراني (12322) وقال الهيثمي في المجمع (6/332) : "وفيه يحيى الحماني وهو ضعيف".

ص: 183

وَهَذَا مُشْكل، فَإِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَدَنِيَّةٌ. وَسُؤَالُهُمْ أَنْ يَكُونَ الصَّفَا ذَهَبًا كَانَ بِمَكَّةَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَمَعْنَى الْآيَةِ أَنَّهُ يَقُولُ تَعَالَى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ} أَيْ: هَذِهِ فِي ارْتِفَاعِهَا وَاتِّسَاعِهَا، وَهَذِهِ فِي انْخِفَاضِهَا وَكَثَافَتِهَا وَاتِّضَاعِهَا (1) وَمَا فِيهِمَا مِنَ الْآيَاتِ الْمُشَاهَدَةِ الْعَظِيمَةِ مِنْ كَوَاكِبَ سَيَّارَاتٍ، وثوابتَ وَبِحَارٍ، وَجِبَالٍ وَقِفَارٍ وَأَشْجَارٍ وَنَبَاتٍ وَزُرُوعٍ وَثِمَارٍ، وَحَيَوَانٍ وَمَعَادِنَ وَمَنَافِعَ، مُخْتَلِفَةِ الْأَلْوَانِ وَالطَّعُومِ وَالرَّوَائِحِ وَالْخَوَاصِّ {وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} أَيْ: تَعَاقُبُهُمَا وتَقَارضهما الطُّولَ وَالْقِصَرَ، فَتَارَةً يطُول هَذَا وَيَقْصُرُ هَذَا، ثُمَّ يَعْتَدِلَانِ، ثُمَّ يَأْخُذُ هَذَا مِنْ هَذَا فَيَطُولُ الَّذِي كَانَ قَصِيرًا، وَيَقْصُرُ الَّذِي كَانَ طَوِيلًا وَكُلُّ ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2) ؛ وَلِهَذَا قَالَ:{لأولِي الألْبَابِ} أَيِ: الْعُقُولِ التَّامَّةِ الذَّكِيَّةِ الَّتِي تُدْرِكُ الْأَشْيَاءَ بِحَقَائِقِهَا عَلَى جَلِيَّاتِهَا، وَلَيْسُوا كَالصُّمِّ البُكْم الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ [تَعَالَى] (3) فِيهِمْ:{وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ. وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يُوسُفَ:105، 106] .

ثُمَّ وَصَفَ تَعَالَى أُولِي الْأَلْبَابِ فَقَالَ: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عِمْران بْنِ حُصَين، رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَم تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبِكَ (4) (5) أَيْ: لَا يَقْطَعُونَ ذِكْره فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِمْ بِسَرَائِرِهِمْ وَضَمَائِرِهِمْ وَأَلْسِنَتِهِمْ {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ} أَيْ: يَفْهَمُونَ مَا فِيهِمَا مِنَ الحكَم الدَّالَّةِ عَلَى عَظَمَةِ الْخَالِقِ وَقُدْرَتِهِ، وَعِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ، وَاخْتِيَارِهِ وَرَحْمَتِهِ.

وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيُّ: إِنِّي لأخرجُ مِنْ مَنْزِلِي، فَمَا يَقَعُ بَصَرِي عَلَى شَيْءٍ إِلَّا رَأَيْتُ لِلَّهِ عَلَي فِيهِ نِعْمَة، أوْ لِي فِيهِ عِبْرَة. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ "التَّفَكُّرِ (6) وَالِاعْتِبَارِ".

وَعَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: تَفَكُّر سَاعَة خَيْرٌ مِنْ قِيَامِ لَيْلَةٍ. وَقَالَ الفُضَيل: قَالَ الْحَسَنُ: الْفِكْرَةُ مِرْآة تُرِيكَ حَسنَاتك وَسَيِّئَاتِكَ. وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: الْفِكْرَةُ نُورٌ يَدْخُلُ قَلْبَكَ. وَرُبَّمَا تَمَثَّلَ بِهَذَا الْبَيْتِ:

إِذَا الْمَرْءُ كَانَتْ لَهُ فكْرَةٌ

فِفِي كُلِّ شَيْءٍ لَهُ عبرَة

وَعَنْ عِيسَى، عليه السلام، أَنَّهُ قَالَ: طُوبَى لِمَنْ كَانَ قِيلُه تَذَكُّرًا، وصَمْته تَفكُّرًا، ونَظَره عِبَرًا.

وَقَالَ لُقْمَانُ الْحَكِيمُ: إِنَّ طُولَ الْوَحْدَةِ ألْهَمُ لِلْفِكْرَةِ، وطولَ الفكْرة دَلِيلٌ عَلَى طَرْق بَابِ الْجَنَّةِ.

وَقَالَ وَهَبُ بْنُ مُنَبِّه: مَا طَالَتْ فِكْرَةُ امرِئ قَطُّ إِلَّا فَهِمَ، وَمَا (7) فَهِمَ امْرُؤٌ قَطُّ إِلَّا عَلِمَ، وَمَا عَلِمَ امْرُؤٌ قَطُّ إلا عمل.

(1) في أ: "وكشافتها وإيضاعها".

(2)

في جـ، أ، و:"العليم".

(3)

زيادة من و.

(4)

في جـ، أ:"جنب".

(5)

صحيح البخاري برقم (1115) .

(6)

في النسخ: "التوكل"، والصحيح ما أثبتناه كما ذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء (13/402) ومعجم مصنفات ابن أبي الدنيا الموجود بالظاهرية، وسيأتي في نهاية المقطع مضبوطا. انظر ص 189.

(7)

في ر: "ولا".

ص: 184

وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: الْكَلَامُ بِذِكْرِ اللَّهِ، عز وجل، حَسَن، وَالْفِكْرَةُ فِي نِعَمِ اللَّهِ أَفْضَلُ الْعِبَادَةِ.

وَقَالَ مُغِيثٌ الْأَسْوَدُ: زُورُوا الْقُبُورَ كُلَّ يَوْمِ تُفَكِّرُكُمْ، وَشَاهِدُوا الْمَوْقِفَ بِقُلُوبِكُمْ، وَانْظُرُوا إِلَى الْمُنْصَرَفِ بِالْفَرِيقَيْنِ إِلَى الْجَنَّةِ أَوِ النَّارِ، وَأَشْعِرُوا قُلُوبَكُمْ وَأَبْدَانَكُمْ ذِكْرَ النَّارِ وَمَقَامِعَهَا وَأَطْبَاقَهَا، وَكَانَ يَبْكِي عِنْدَ ذَلِكَ حَتَّى يُرْفع صَريعا مِنْ بَيْنِ أَصْحَابِهِ، قَدْ ذَهَبَ عَقْلُهُ.

وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: مَرَّ رَجُلٌ برَاهبٍ عِنْدَ مَقْبَرة ومَزْبَلَة، فَنَادَاهُ فَقَالَ: يَا رَاهِبُ، إِنَّ عِنْدَكَ كَنزين مِنْ كُنُوزِ الدُّنْيَا لَكَ فِيهِمَا مُعْتَبَر، كَنْزُ الرِّجَالِ وَكَنْزُ الْأَمْوَالِ.

وَعَنِ ابْنِ عُمَرِ: أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَعَاهَدَ قَلْبَهُ، يَأْتِي الخَرِبة فَيَقِفُ عَلَى بَابِهَا، فَيُنَادِي بِصَوْتٍ حَزِينٍ فَيَقُولُ: أَيْنَ أهْلُك؟ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى نَفْسِهِ فَيَقُولُ: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ} [الْقَصَصِ:88] .

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: رَكْعَتَانِ مُقْتَصِدَتَانِ فِي تَفكُّر، خَيْرٌ مِنْ قِيَامِ لَيْلَةٍ وَالْقَلْبُ سَاهٍ (1) .

وَقَالَ الْحَسَنُ: يَا ابْنَ آدَمَ، كُلْ فِي ثُلُثِ بَطْنِكَ، وَاشْرَبْ فِي ثُلْثِهِ، وَدَعْ ثُلُثَهُ الْآخَرَ تتنفَّس لِلْفِكْرَةِ.

وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: مَنْ نَظَرَ إِلَى الدُّنْيَا بِغَيْرِ الْعِبْرَةِ انطَمَسَ مِنْ بَصَرِ قَلْبِهِ بِقَدْرِ تِلْكَ الغَفْلَة.

وَقَالَ بِشْر بْنُ الْحَارِثِ الْحَافِي: لَوْ تَفَكَّرَ النَّاسُ فِي عَظَمَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَمَا عَصَوْهُ.

وَقَالَ الْحَسَنُ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ قَيْسٍ قَالَ: سَمِعْتُ غَيْرَ وَاحِدٍ وَلَا اثْنَيْنِ وَلَا ثَلَاثَةً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُونَ: إِنَّ ضِيَاءَ الْإِيمَانِ، أَوْ نُورَ الْإِيمَانِ، التَّفَكُّرُ.

وَعَنْ عِيسَى، عليه السلام، أَنَّهُ قَالَ: يَا ابْنَ آدَمَ الضَّعِيفَ، اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وكُنْ فِي الدُّنْيَا ضَيْفًا، واتَّخِذِ المساجدَ بَيْتًا، وعَلِّم عَيْنَيْكَ الْبُكَاءَ، وجَسَدك الصَّبْر، وَقَلْبَكَ الفِكْر، وَلَا تَهْتَمَّ بِرِزْقِ غَدٍ.

وَعَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، رضي الله عنه، أَنَّهُ بَكَى يَوْمًا بَيْنَ أَصْحَابِهِ، فسُئل عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: فَكَّرت فِي الدُّنْيَا وَلِذَّاتِهَا وَشَهَوَاتِهَا، فَاعْتَبَرْتُ مِنْهَا بِهَا، مَا تَكَادُ شَهَوَاتُهَا تَنْقَضي حَتَّى تُكَدِّرَهَا مرارتُها، وَلَئِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا عِبْرَةٌ لِمَنِ اعْتَبَرَ إِنَّ فِيهَا مَوَاعِظَ لِمَنِ ادَّكَرَ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: أَنْشَدَنِي الحُسَين بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: نزهَة الْمُؤْمِنِ الفكَرْ

لَذَّةُ الْمُؤْمِنِ العِبرْ

نحمدُ اللهَ وَحْدَه

نحْنُ كُلٌّ عَلَى خَطَرْ

رُبّ لاهٍ وعُمْرُه

قَدْ تَقَضّى وَمَا شَعَرْ

رُبّ عَيْشٍ قَدْ كَانَ فَوْ

قَ المُنَى مُونقَ الزَهَرْ

فِي خَرير (2) مِنَ العيُو

نِ وَظل مِنَ الشَّجَرْ

وسُرُور مِنَ النَّبا

تِ وَطيب منَ الثَمَرْ

غَيَّرَتْه وَأهْلَهُ (3) سرعةُ الدّهْر بالغَيرْ

(1) في ر: "ساهي".

(2)

في ر: "جرير".

(3)

في ر: "وغيرت أهله".

ص: 185

{وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ} أي: على رؤوس الْخَلَائِقِ {إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ} أَيْ: لَا بُدَّ مِنَ الْمِيعَادِ الَّذِي أخبرتَ عَنْهُ رسُلَك، وَهُوَ الْقِيَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَيْنَ يَدَيْكَ.

وَقَدْ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى: حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ سُرَيْج (1) حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ؛ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الْعَارُ وَالتَّخْزِيَةُ تَبْلُغُ (2) مِنَ ابْنِ آدَمَ فِي الْقِيَامَةِ فِي الْمَقَامِ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ، عز وجل، مَا يَتَمَنَّى الْعَبْدُ أَنْ يُؤْمَرَ بِهِ إِلَى النَّارِ" حَدِيثٌ غَرِيبٌ (3) .

وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَاتِ الْعَشْرَ مِنْ آخِرِ آلِ عِمْرَانَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ لِتَهَجُّدِهِ، فَقَالَ الْبُخَارِيُّ، رحمه الله:

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنِي شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنُ أَبِي نَمْر، عَنْ كُرَيب عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ، فَتَحَدَّثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَعَ أَهْلِهِ سَاعَةً ثُمَّ رَقَدَ، فَلَمَّا كَانَ ثُلث اللَّيْلِ الْآخِرِ قَعد فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأولِي الألْبَابِ} ثُمَّ قَامَ فَتَوَضَّأَ وَاسْتَنَّ. فَصَلَّى إِحْدَى عَشْرَة (4) رَكْعَةً. ثُمَّ أَذَّنَ بلالٌ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى بِالنَّاسِ الصُّبْحَ.

وَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ إِسْحَاقَ الصَّنْعَانِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي مَرْيَمَ، بِهِ (5) ثُمَّ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طُرقٍ عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مَخْرَمَة بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (6) أَنَّهُ بَاتَ عِنْدَ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَهِيَ خَالَتُهُ، قَالَ: فَاضْطَجَعْتُ فِي عَرْض الْوِسَادَةِ، وَاضْطَجَعَ (7) رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَهْلُهُ فِي طُولها، فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى إِذَا انْتَصَفَ اللَّيْلُ -أَوْ قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ، أَوْ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ -استيقظَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ مَنَامِهِ، فَجَعَلَ يمسحُ النومَ عَنْ وَجْهِهِ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَرَأَ الْعَشْرَ الْآيَاتِ الخواتيمَ مِنْ سُورة آلِ عِمْرَانَ، ثُم قَامَ إِلَى شَنّ مُعَلَّقَةٍ فَتَوَضَّأَ مِنْهَا فَأَحْسَنَ وُضُوءه (8) ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي -قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقُمْتُ فَصَنَعْتُ مِثْلَ مَا صَنَعَ، ثُمَّ ذَهَبتُ فَقُمْتُ إِلَى جَنْبه -فَوَضَعَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَه الْيُمْنَى عَلَى رَأْسِي، وَأَخَذَ بِأُذُنِي الْيُمْنَى يَفْتلُها (9) فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَوْتَرَ، ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى جَاءَهُ الْمُؤَذِّنُ، فَقَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الصُّبْحَ.

وَهَكَذَا أَخْرَجَهُ بَقِيَّةُ الْجَمَاعَةِ مِنْ طُرُق عَنْ مَالِكٍ، بِهِ (10) وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ وُجُوهٍ أخرَ، عن مخرمة بن سليمان، به (11) .

(1) في جـ، ر:"شريح".

(2)

في جـ، ر:"يبلغ".

(3)

مسند أبي يعلى (3/311) وقال الهيثمي في المجمع (10/350) : "وفيه الفضل بن عيسى الرقاشي، وهو مجمع على ضعفه".

(4)

في ر: "عشر" والصحيح ما أثبتناه.

(5)

صحيح البخاري برقم (4569) وصحيح مسلم برقم (763) .

(6)

في جـ، رأ، و:"ابن عباس أخبره".

(7)

في جـ: "فاضطجع".

(8)

في أ: "الوضوء".

(9)

في جـ، ر، أ، و:"ففتلها".

(10)

صحيح البخاري برقم (4570، 4571) وصحيح مسلم برقم (763) وسنن أبي داود برقم (1367) وسنن النسائي (3/210) وسنن ابن ماجة برقم (1363) وأما الترمذي فرواه في الشمائل برقم (252) .

(11)

صحيح مسلم برقم (763) وسنن أبي داود برقم (1364) .

ص: 187

" طَرِيقٌ أُخْرَى " لِهَذَا الْحَدِيثِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [رضي الله عنهما](1) .

قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدُويه: حدثنا محمد بن أحمد بن محمد بْنِ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَحْيَى بْنُ أَبِي مسرَّة (2) أَنْبَأَنَا خَلاد بْنُ يَحْيَى، أَنْبَأَنَا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرو، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ (3) قَالَ: أَمَرَنِي الْعَبَّاسُ أَنْ أَبِيتَ بِآلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَحْفَظُ صَلَاتَهُ. قَالَ: فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالنَّاسِ صَلَاةَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ فِي الْمَسْجِدِ أَحَدٌ غَيْرُهُ قَامَ (4) فَمَرَّ بِي، فَقَالَ:"مَنْ هَذَا؟ عَبْدُ اللَّهِ؟ " فَقُلْتُ (5) نَعَمْ. قَالَ: "فَمَه؟ " قُلْتُ: أَمَرَنِي العباسُ أَنْ أَبِيتَ بِكُمُ اللَّيْلَةَ. قَالَ: "فَالْحَقِ الْحَقْ" فَلَمَّا (6) أَنْ دَخَلَ قَالَ: "افرشَنْ عَبْدَ اللَّهِ؟ " فَأَتَى بِوِسَادَةٍ مِنْ مُسُوحٍ، قَالَ فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهَا حَتَّى سَمعتُ غَطِيطه، ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى فِرَاشِهِ قَاعِدًا، قَالَ: فَرَفَع رأسَه إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ: "سُبحان الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ" ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَاتِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ حَتَّى خَتَمَهَا.

وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ (7) حَدِيثًا (8) فِي ذَلِكَ أَيْضًا (9) .

طَرِيقٌ أُخْرَى رَوَاهَا ابْنُ مَرْدُويَه، مِنْ حَدِيثِ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَة، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَير، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ ذَاتَ لَيْلَةٍ بَعْدَ مَا مَضى لَيْلٌ، فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ، وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأولِي الألْبَابِ} إِلَى آخِرِ السُّورَةِ. ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورا، وَفِي سَمْعي نُورًا، وَفِي بَصَري نُورًا، وَعَنْ يَمِينِي نُورًا، وَعَنْ شِمَالِي نُورًا، وَمِنْ بَيْنِ يَدَيّ نُورًا، وَمِنْ خَلْفي نُورًا، وَمِنْ فَوْقي نُورًا، وَمِنْ تَحْتِي نُورًا، وأعْظِم لِي نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ " وَهَذَا الدُّعَاءُ (10) ثَابِتٌ فِي بَعْضِ طُرُقِ الصَّحِيحِ، مِنْ رِوَايَةِ كُريب، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رضي الله عنه. (11) .

ثُمَّ رَوَى ابْنُ مَرْدُويَه وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَتَتْ قُرَيْشٌ الْيَهُودَ فَقَالُوا: بِمَا جَاءَكُمْ مُوسَى مِنَ الْآيَاتِ؟ قَالُوا: عَصَاهُ وَيَدُهُ الْبَيْضَاءُ (12) لِلنَّاظِرِينَ. وَأَتَوُا النَّصَارَى فَقَالُوا: كَيْفَ كَانَ عِيسَى فِيكُمْ؟ قَالُوا: كَانَ يُبرئ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَيُحْيِي الْمَوْتَى. فَأَتَوُا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: ادْعُ لَنَا رَبَّكَ (13) يَجْعَلُ لَنَا الصَّفَا ذَهَبًا. فَدَعَا رَبَّهُ، عز وجل، فَنَزَلَتْ:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأولِي الألْبَابِ} قَالَ: "فليتفكروا فيها"(14) لفظ ابن مَرْدُويَه.

(1) زيادة من و.

(2)

في أ: "ميسرة".

(3)

في أ: "عن أبيه" وفي و: "عن ابن عباس".

(4)

في و: "قال".

(5)

في جـ، ر:"قلت".

(6)

في ر، أ، و:"قال: فلما".

(7)

في جـ، ر، أ، و: عباس عن أبيه".

(8)

في ر: "حدثنا".

(9)

صحيح مسلم برقم (763) وسنن أبي داود برقم (1353) وسنن النسائي (3/236) .

(10)

في إسناده عاصم وقد تكلم فيه وشيخه مجهول. ورواه البخاري في صحيحه برقم (4569) ومسلم في صحيحه برقم (763) من طريق كريب عن ابن عباس بنحوه.

(11)

في و: "عنهما".

(12)

في جـ، ر، أ، و:"بيضاء".

(13)

في أ، ر:"ربك أن".

(14)

ورواه ابن أبي حاتم، والطبراني، وابن المنذر كما في الدر (2/407) . قال الحافظ ابن حجر في الفتح (8/235) :"رجاله ثقات إلا الحماني فإنه متكلم فيه، وقد خالفه الحسن بن موسى، فرواه عن يعقوب عن جعفر عن سعيد مرسلا وهو أشبه، وعلى تقدير كونه محفوظا وصله، ففيه إشكال من جهة أن هذه السورة مدنية وقريش من أهل مكة، ويحتمل أن يكون سؤالهم لذلك بعد أن هاجر النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَدِينَةِ ولا سيما زمن الهدنة".

ص: 188

وَقَدْ تَقَدَّمَ سِيَاقُ الطَّبَرَانِيِّ لِهَذَا الْحَدِيثِ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ (1) هَذِهِ الْآيَاتُ مَكِّيَّةٌ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا مَدَنِيَّةُ، وَدَلِيلُهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ، قَالَ ابْنُ مَرْدويه:

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَرَّانِيُّ، حَدَّثَنَا شُجَاعُ بْنُ أَشْرَسَ، حَدَّثَنَا حَشْرج بْنُ نَبَاتَةَ الْوَاسِطِيُّ أَبُو مُكْرَمٍ، عَنِ الْكَلْبِيِّ -هُوَ أَبُو جَنَاب (2) [الْكَلْبِيُّ] (3) -عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: انْطَلَقْتُ أَنَا وَابْنُ عُمَرَ وعُبَيد بْنُ عُمَير إِلَى عَائِشَةَ، رضي الله عنها، فَدَخَلْنَا عَلَيْهَا وَبَيْنَنَا وَبَيْنَهَا حِجَابٌ، فَقَالَتْ: يَا عُبَيْدُ، مَا يَمْنَعُكَ مِنْ زِيَارَتِنَا؟ قَالَ: قَوْلُ الشَّاعِرِ:

زُر غِبًّا تَزْدَدْ حُبّا

فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: ذَرِينَا (4) أَخْبِرِينَا بِأَعْجَبِ شَيْءٍ رَأَيْتِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَبَكَتْ وَقَالَتْ: كُلُّ أَمْرِهِ كَانَ عَجَبًا، أَتَانِي فِي لَيْلَتِي حَتَّى مَسَّ جِلْدُهُ جِلْدِي، ثُمَّ قَالَ: ذَرِينِي أَتَعَبَّدُ لِرَبِّي [عز وجل](5) قَالَتْ: فَقُلْتُ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّ قُرْبَكَ، وَإِنِّي أُحِبُّ (6) أَنْ تَعبد لِرَبِّكَ. فَقَامَ إِلَى الْقِرْبَةِ فَتَوَضَّأَ وَلَمْ يُكْثِرْ صَبَّ الْمَاءِ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، فَبَكَى حَتَّى بَلَّ لِحْيَتَهُ، ثُمَّ سَجَدَ فَبَكَى حَتَّى بَل الْأَرْضَ، ثُمَّ اضْطَجَعَ عَلَى جَنْبِهِ فَبَكَى، حَتَّى إِذَا أَتَى بِلَالٌ يُؤذنه بِصَلَاةِ الصُّبْحِ قَالَتْ: فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا يُبكيك؟ وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ ذَنْبَكَ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ، فَقَالَ:"وَيْحَكَ يَا بِلَالُ، وَمَا يَمْنَعُنِي أَنْ أَبْكِيَ وَقَدْ أُنْزِلَ (7) عَلَيَّ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأولِي الألْبَابِ} " ثُمَّ قَالَ: "وَيْلٌ لِمَنْ قَرَأَهَا وَلَمْ يَتَفَكَّرْ فِيهَا".

وَقَدْ رَوَاهُ عَبْد بْنُ حُمَيد، عَنْ (8) جَعْفَرِ بْنِ عَوْن، عَنْ أَبِي (9) جَنَاب (10) الْكَلْبِيِّ عَنْ (11) عَطَاءٍ، بِأَطْوَلَ مِنْ هَذَا وَأَتَمَّ سِيَاقًا (12) .

وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو حاتم ابن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مُوسَى، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سُوَيد النَّخعي، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا [وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ](13) وعُبَيد بْنُ عُمَير عَلَى عَائِشَةَ (14) فَذَكَرَ (15) نَحْوَهُ.

وَهَكَذَا رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ "التَّفَكُّرِ وَالِاعْتِبَارِ" عَنْ شُجَاعِ بْنِ أَشْرَصَ، بِهِ. ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: سَمِعْتُ سُنَيْدًا يَذْكُرُ عَنْ سُفْيَانَ -هُوَ الثَّوْرِيُّ-رَفَعَهُ قَالَ: مَنْ قَرَأَ آخِرَ آلِ عِمْرَانَ فَلَمْ يَتَفَكَّرْ فِيهِ ويْلَه. يَعُدُّ بِأَصَابِعِهِ عَشْرًا. قَالَ الْحَسَنُ بن عبد العزيز: فأخبرني

(1) في ر: "يكون".

(2)

في أ: "حبان".

(3)

زيادة من ر.

(4)

في جـ، ر:"ذرنا"

(5)

زيادة من جـ، ر، أ، و.

(6)

في جـ، ر، أ:"لأحب".

(7)

في أ::أنزل الله".

(8)

في و: "طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي تفسيره: أنبأنا".

(9)

في و: "حدثنا أبو".

(10)

في جـ، ر:"حباب".

(11)

في و: "حدثنا".

(12)

ومن طريق ابن مردويه رواه الأصبهاني في الترغيب والترهيب برقم (666) فقال: أخبرنا أحمد الذكواني، أنبأنا أحمد بن موسى ابن مردويه، فذكره. وفي إسناده أبو جناب الكلبي تفرد به وهو ضعيف.

(13)

زيادة من و.

(14)

في و: "على أم المؤمنين".

(15)

في جـ: "فذكره".

ص: 189