الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثَّانِي: يُحْتَمَلُ أَنْ صَدْرَ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ نَزَلَ فِي وَفْدِ نَجْرَانَ إِلَى عِنْدِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَتَكُونُ هَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ قَبْلَ ذَلِكَ، وَيَكُونُ قَوْلُ ابْنِ إِسْحَاقَ:"إِلَى بِضْعٍ وَثَمَانِينَ آيَةً" لَيْسَ بِمَحْفُوظٍ، لِدَلَالَةِ حَدِيثِ أَبِي سُفْيَانَ.
الثَّالِثُ: يُحْتَمَلُ أَنَّ قُدُومَ وَفْدِ نَجْرَانَ كَانَ قَبْلَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَأَنَّ الَّذِي بَذَلُوهُ مُصَالحةً عَنِ الْمُبَاهَلَةِ لَا عَلَى وَجْهِ الْجِزْيَةِ، بَلْ يَكُونُ مِنْ بَابِ الْمُهَادَنَةِ وَالْمُصَالَحَةِ، وَوَافَقَ نُزُولَ آيَةِ الْجِزْيَةِ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى وَفْقِ ذَلِكَ كَمَا جَاءَ فَرْضُ الْخُمُسِ وَالْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ وَفْقَ مَا فَعَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ فِي تِلْكَ السَّرِيَّةِ قَبْلَ بَدْرٍ، ثُمَّ نَزَلَتْ فَرِيضَةُ الْقَسَمِ عَلَى وَفْقِ ذَلِكَ.
الرَّابِعُ: يُحْتَمَلُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا أُمِرَ بكَتْب هَذَا [الْكَلَامِ](1) فِي كِتَابِهِ إِلَى هِرَقْلَ لَمْ (2) يَكُنْ أُنْزِلَ بَعْدُ، ثُمَّ نَزَلَ الْقُرْآنُ مُوَافَقَةً لَهُ كَمَا نَزَلَ بِمُوَافَقَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فِي الْحِجَابِ وَفِي الْأُسَارَى، وَفِي عَدَمِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ، وَفِي قَوْلِهِ:{وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [الْبَقَرَةِ: 125] وَفِي قَوْلِهِ: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ} الْآيَةَ [التَّحْرِيمِ: 5] .
{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنزلَتِ التَّوْرَاةُ وَالإنْجِيلُ إِلا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ
(65)
هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (66) مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (67) إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (68) }
يُنْكِرُ تَعَالَى عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فِي مُحَاجَّتِهِمْ (3) فِي إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ، وَدَعْوَى (4) كُلِّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ كَانَ مِنْهُمْ، كَمَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ:
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ أَوْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عباس قال: اجْتَمَعَتْ نَصَارَى نَجْرَانَ وَأَحْبَارُ يَهُودَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَتَنَازَعُوا عِنْدَهُ، فَقَالَتِ الْأَحْبَارُ: مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ إِلَّا يَهُودِيًّا. وَقَالَتِ النَّصَارَى مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ إِلَّا نَصْرَانِيًّا. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ [وَمَا أُنزلَتِ التَّوْرَاةُ وَالإنْجِيلُ إِلا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ] (5) } أَيْ: كَيْفَ تَدّعُون، أَيُّهَا الْيَهُودُ، أَنَّهُ كَانَ يَهُودِيًّا، وَقَدْ كَانَ زَمَنُهُ قَبْلَ أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، وَكَيْفَ تَدّعُون، أَيُّهَا النَّصَارَى، أَنَّهُ كَانَ نَصْرَانِيًّا، وَإِنَّمَا حَدَثَتِ النَّصْرَانِيَّةُ بَعْدَ زَمَنِهِ بِدَهْرٍ. وَلِهَذَا قَالَ:{أَفَلا تَعْقِلُونَ} .
(1) زيادة من جـ، ر، أ، و.
(2)
في أ، و:"إن لم".
(3)
في أ: "تحاجه".
(4)
في أ: "في دعوى".
(5)
زيادة من جـ، ر، أ، و، وفي هـ:"الآية".
(6)
زيادة من جـ، ر، أ، و، وفي هـ "الآية".
هَذَا إِنْكَارٌ عَلَى مَنْ يُحَاجُّ فِيمَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ، فإنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى تَحَاجوا فِي إِبْرَاهِيمَ بِلَا عِلْمٍ، وَلَوْ تَحَاجُّوا فِيمَا بِأَيْدِيهِمْ مِنْهُ علْم مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِأَدْيَانِهِمُ الَّتِي شُرِعَتْ لَهُمْ إِلَى حِينِ بِعْثَةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم لَكَانَ أَوْلَى بِهِمْ، وَإِنَّمَا تَكَلَّمُوا فِيمَا لَمْ يَعْلَمُوا بِهِ، فَأَنْكَرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ، وَأَمَرَهُمْ بِرَدِّ مَا لَا عِلْمَ لَهُمْ بِهِ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، الَّذِي (1) يَعْلَمُ الْأُمُورَ عَلَى حَقَائِقِهَا وَجَلِيَّاتِهَا، وَلِهَذَا قَالَ:{وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا} أَيْ: مُتَحَنفًا عَنِ الشِّرْكِ قَصْدًا إِلَى الْإِيمَانِ {وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الْبَقَرَةِ: 135]
وَهَذِهِ الْآيَةُ كَالَّتِي (2) تَقَدَّمَتْ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ: {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا [قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ] (3) } [الْبَقَرَةِ: 135] .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ} يَقُولُ تَعَالَى: أَحَقُّ النَّاسِ بِمُتَابَعَةِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ عَلَى دِينِهِ، وَهَذَا النَّبِيُّ -يَعْنِي مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم-وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ أَصْحَابِهِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ومَنْ بَعْدَهُمْ.
قَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، رضي الله عنه؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال:"إنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ وُلاةً مِنَ النَّبِيِّينَ، وإنَّ وَليِّي مِنْهُمْ أَبِي وخَلِيلُ رَبِّي عز وجل". ثُمَّ قَرَأَ: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ [وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ] (4) } .
وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أَحْمَدَ الزُّبيري، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، بِهِ (5) ثُمَّ قَالَ الْبَزَّارُ: وَرَوَاهُ غَيْرُ (6) أَبِي أَحْمَدَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ (7) مَسْرُوقًا. وَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ وَكِيع، عَنْ سُفْيَانَ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا أَصَحُّ (8) لَكِنْ رَوَاهُ وَكِيعٌ فِي تَفْسِيرِهِ فَقَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الله ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
…
فَذَكَرَهُ.
وَقَوْلُهُ: {وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ} أي: ولي جميع المؤمنين برسله.
(1) في ر: "والذي".
(2)
في ر: "الذي".
(3)
زيادة من ر، جـ، أ، و، وفي هـ:"الآية"
(4)
زيادة من جـ، ر، أ، و، وفي هـ:"الآية".
(5)
سعيد بن منصور في السنن برقم (501) والترمذي في السنن برقم (2995) وقد خولف أبو أحمد الزبيري وأبو الأحوص في رواية هذا الحديث، فرواه ابن مهدي ويحيى القطان وأبو نعيم، فلم يذكروا فيه مسروق.
قال ابن أبي حاتم في العلل (2/63) : سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه أبو أحمد الزبيري وروح بن عبادة فذكره، فقالا جميعا:"هذا خطأ رواه المتقنون من أصحاب الثوري عن الثوري عن أبيه عن أبي الضحى عن النبي صلى الله عليه وسلم بلا مسروق".
(6)
في ر: "عن".
(7)
في و، أ:"عن عبد الله يعني ولم يذكر".
(8)
سنن الترمذي برقم (4081) .