المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بُرُوجٍ مُشَيّدة، فَادْفَعُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ. قَالَ - تفسير ابن كثير - ت السلامة - جـ ٢

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

- ‌ آلِ عِمْرَانَ

- ‌(1)

- ‌(5)

- ‌(10)

- ‌(12)

- ‌(14)

- ‌(16)

- ‌(18)

- ‌(21)

- ‌(23)

- ‌(26)

- ‌(28) }

- ‌(29) }

- ‌(30) }

- ‌(31)

- ‌(33)

- ‌(37) }

- ‌(38)

- ‌(42)

- ‌(45) }

- ‌(46)

- ‌(48)

- ‌(52) }

- ‌(53)

- ‌(55)

- ‌(59)

- ‌(62)

- ‌(64) }

- ‌(65)

- ‌(69)

- ‌(71)

- ‌(75)

- ‌(77) }

- ‌(78) }

- ‌(81)

- ‌(83) }

- ‌(84)

- ‌(86)

- ‌(90)

- ‌(92) }

- ‌(93)

- ‌(96)

- ‌(98)

- ‌(100) }

- ‌(101) }

- ‌(104)

- ‌(109) }

- ‌(110)

- ‌(113)

- ‌(116)

- ‌(118)

- ‌(121) }

- ‌(122)

- ‌(124)

- ‌(130)

- ‌(133)

- ‌(137)

- ‌(141)

- ‌(144)

- ‌(149)

- ‌(154)

- ‌(156)

- ‌(158) }

- ‌(159)

- ‌(165) }

- ‌(166)

- ‌(170)

- ‌(174)

- ‌(176)

- ‌(181)

- ‌(185)

- ‌(187)

- ‌(190)

- ‌(195) }

- ‌(196)

- ‌(199)

- ‌(1) }

- ‌(2)

- ‌(5)

- ‌(7)

- ‌(11)

- ‌(12) }

- ‌(13)

- ‌(15)

- ‌(17)

- ‌(19) }

- ‌(20)

- ‌(23) }

- ‌(24) }

- ‌(25) }

- ‌(26) }

- ‌(27)

- ‌(29)

- ‌(32) }

- ‌(33) }

- ‌(34) }

- ‌(35) }

- ‌(36) }

- ‌(37) }

- ‌(38)

- ‌(40)

- ‌(43) }

- ‌(44)

- ‌(47)

- ‌(49)

- ‌(53)

- ‌(58) }

- ‌(59) }

- ‌(60)

- ‌(64)

- ‌(66)

- ‌(71)

- ‌(75)

- ‌(77)

- ‌(80)

- ‌(82)

- ‌(84)

- ‌(87) }

- ‌(88)

- ‌(92)

- ‌(94) }

- ‌(95)

- ‌(97)

- ‌(101) }

- ‌(102) }

- ‌(103)

- ‌(105) }

- ‌(106)

- ‌(110)

- ‌(114)

- ‌(116)

- ‌(122) }

- ‌(123)

- ‌(127) }

- ‌(128)

- ‌(131)

- ‌(135) }

- ‌(136) }

- ‌(141) }

- ‌(142)

- ‌(144)

- ‌(148)

- ‌(150)

- ‌(153)

- ‌(155)

- ‌(160)

- ‌(163)

- ‌(166)

- ‌(171) }

- ‌(172)

- ‌(174)

- ‌(1)

الفصل: بُرُوجٍ مُشَيّدة، فَادْفَعُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ. قَالَ

بُرُوجٍ مُشَيّدة، فَادْفَعُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ. قَالَ مُجَاهِدٌ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ ابْنِ سلول.

{فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ‌

(170)

يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171) الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) }

ص: 161

{فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ‌

(174)

إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175) }

يُخْبِرُ تَعَالَى عَنِ الشُّهَدَاءِ بِأَنَّهُمْ وَإِنْ قُتِلُوا فِي هَذِهِ الدَّارِ فَإِنَّ أرواحَهم حَيَّةٌ مَرْزُوقَةٌ فِي دَارِ الْقَرَارِ.

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْزُوقٍ، حَدَّثَنَا عُمَر بْنُ يُونُسَ، عَنْ عِكْرِمة، حَدَّثَنَا ابْنُ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ فِي أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الَّذِينَ (1) أَرْسَلَهُمْ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى أَهْلِ بِئْرِ مَعُونَةَ قَالَ: لَا أَدْرِي أَرْبَعِينَ أَوْ سَبْعِينَ. وَعَلَى ذَلِكَ الْمَاءِ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيل الْجَعْفَرِيُّ، فَخَرَجَ أُولَئِكَ النَّفَر مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، حَتَّى أتَوْا (2) غَارًا مُشْرِفا عَلَى الْمَاءِ فَقَعَدُوا (3) فِيهِ، ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَيُّكُمْ يُبَلِّغ رسَالَة رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أهْلَ هَذَا الْمَاءِ؟ فَقَالَ -أرَاه ابْنَ ملْحان الْأَنْصَارِيَّ-: أَنَا أُبَلِّغُ رِسَالَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فخَرَج حَتَّى أَتَى حَيًّا (4)[مِنْهُمْ](5) فَاخْتَبَأَ أَمَامَ الْبُيُوتِ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَهْلَ بِئْرِ مَعُونة، إِنِّي رسولُ رَسُولِ اللَّهِ إِلَيْكُمْ، إِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ. فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَجُل مِنْ كَسْرِ الْبَيْتِ برُمْح فَضَرَبَ بِهِ فِي جَنْبِهِ حَتَّى خَرَجَ مِنَ الشِّقِّ الْآخَرِ. فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ. فَاتَّبَعُوا أَثَرَهُ حَتَّى أَتَوْا أَصْحَابَهُ فِي الْغَارِ فَقَتَلَهُمْ أَجْمَعِينَ عامرُ بْنُ الطُّفَيْلِ. وَقَالَ إِسْحَاقُ: حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: أَنَّ اللَّهَ [تَعَالَى](6) أَنْزَلَ فِيهِمْ قُرْآنًا: بَلِّغُوا عَنَّا قَوْمَنا أنَّا قَدْ لَقِينَا رَبَّنا فَرَضي عَنَّا ورَضينا عَنْه ثُمَّ نُسِخَتْ فَرُفِعَتْ بَعْدَ مَا قَرَأْنَاهُ زَمَنًا (7) وَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} (8) .

وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْحُسَيْنِ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ الْقُشَيْرِيُّ فِي صَحِيحِهِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَير، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الأعمَشُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: سَأَلْنَا عَبْدَ اللَّهِ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} فَقَالَ: أَمَا إنَّا قَدْ سَأَلْنَا عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: "أَرْوَاحُهُمْ فِي جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ لَهَا قَنَادِيلُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ، تَسْرَحُ مِنَ الْجَنَّةِ (9)

(1) في أ: "الذي".

(2)

في ر: "حتى إذا أتوا".

(3)

في جـ، ر:"قعدوا".

(4)

في هـ، جـ، ر، أ، و:"حول"، والمثبت من الطبري.

(5)

زيادة من جـ، ر.

(6)

زيادة من أ.

(7)

في أ، و:"زمانا".

(8)

تفسير الطبري (7/392، 393) ورواه البخاري في صحيحه برقم (2801) من طريق همام عن إسحاق بن أبي طلحة به.

(9)

في أ: "أهل الجنة".

ص: 161

حَيْثُ شَاءَتْ، ثُمَّ تَأْوِي إِلَى تِلْكَ الْقَنَادِيلِ، فَاطَّلَعَ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ اطِّلاعَةً فَقَالَ: هَلْ تَشْتَهُونَ شَيْئًا؟ فَقَالُوا: أَيَّ شَيْءٍ نَشْتَهِي وَنَحْنُ نَسْرَحُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شِئْنَا؟ فَفَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّهُمْ لَنْ (1) يُتْرَكُوا مِنْ أَنْ يُسْأَلُوا قَالُوا: يَا رَبِّ، نُرِيدُ أَنْ تَرُدَّ أَرْوَاحَنَا فِي أَجْسَادِنَا حَتَّى نُقْتَلَ فِي سَبِيلِكَ مَرَّةً أُخْرَى، فَلَمَّا رَأَى أَنْ لَيْسَ لَهُمْ حَاجَةٌ تُرِكُوا" (2) . وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ أَنَسٍ وَأَبِي سَعِيدٍ.

حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا حَمَّاد، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَا مِنْ نَفْسٍ تَمُوتُ، لَهَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ، يَسُرُّهَا أَنْ تَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا إِلا الشَّهِيدُ فَإِنَّهُ يَسُرُّهُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا فَيُقْتَلَ مَرَّةً أُخْرَى لِمَا يَرَى مِنْ فَضْلِ الشَّهَادَةِ".

انْفَرَدَ (3) بِهِ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادٍ (4)(5) .

حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَدِينِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَن (6) مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ رَبيعة السُّلَمِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ لِي رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَمَا عَلِمْتَ (7) أَنَّ اللَّهَ أَحْيَا أَبَاكَ فَقَالَ لَهُ: تَمَنَّ عَلَيَّ، فَقَالَ لَهُ: أُرَدُّ إِلَى الدُّنْيَا، فَأُقْتَلُ مَرَّةً أُخْرَى، فَقَالَ: إِنِّي قَضَيْتُ الْحُكْمَ أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لَا يُرْجَعُونَ".

انْفَرَدَ (8) بِهِ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ (9) وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ أَبَا جَابِرٍ -وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرو بْنِ حَرام الْأَنْصَارِيُّ رضي الله عنه-قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيدًا. قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَالَ أَبُو الْوَلِيدِ، عَنْ شُعْبَةَ عَنِ ابْنِ المُنْكَدِر قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرًا قَالَ: لَمَّا قُتِل أَبِي جعلتُ أَبْكِي وأكشفُ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ، فَجَعَلَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ينْهَوني (10) وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَنْه، وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"لَا تَبْكِهِ (11) -أَوْ: مَا تَبْكِيهِ (12) -مَا زَالَتِ الْملائِكَةُ تُظِلُّهُ بِأجْنِحَتِها حَتَّى رُفِعَ". وَقَدْ أَسْنَدَهُ هُوَ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ (13) عَنْ شُعْبَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: لَمَّا قتلَ أَبِي يَوْمَ أُحُدٍ، جَعَلْتُ أَكْشِفُ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ وَأَبْكِي

وَذَكَرَ تَمَامَهُ بِنَحْوِهِ (14) .

حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ بْنِ عَمْرو بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَمَّا أُصِيبَ (15) إخْوَانُكُمْ بِأُحُدٍ جَعَلَ اللهُ أَرْوَاحَهُمْ فِي أَجْوَافِ طَيْرٍ خُضْرٍ، تَرِدُ أَنْهَارَ الْجَنَّةِ، وتَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا وَتَأْوِي إِلَى قَنَادِيلَ مِنْ ذَهَبٍ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ، فَلَمَّا وَجَدُوا طِيبَ مَشْرَبِهِمْ،

(1) في أ: "لم".

(2)

صحيح مسلم برقم (1887) .

(3)

في و: "تفرد".

(4)

في أ: "حماد به".

(5)

المسند (3/126) وصحيح مسلم برقم (1877) لكن من طريق حميد وقتادة عن أنس به.

(6)

في جـ، ر، أ، و:"حدثنا".

(7)

في جـ، ر، أ، و:"أعلمت".

(8)

في أ، و:"تفرد".

(9)

المسند (3/361) .

(10)

في و: "ينهونني".

(11)

في أ، و:"تبكه" وهو الصحيح.

(12)

في أ، و:"ما يبكيه".

(13)

في أ، و:"من طرق أخر".

(14)

صحيح البخاري برقم (4080) وصحيح مسلم برقم (2471) وسنن النسائي (4/13) .

(15)

في أ: "أصيبت".

ص: 162

وَمَأْكَلِهِمْ، وَحُسْنَ مُنْقَلَبِهِم (1) قَالُوا: يَا لَيْتَ إِخْوَانَنَا يَعْلَمُونَ مَا صَنَعَ اللَّهُ لَنَا، لِئَلا يَزْهَدُوا فِي الْجِهَادِ، وَلا يَنْكُلُوا عَنْ الْحَرْبِ" فَقَالَ اللَّهُ عز وجل: أَنَا أُبَلِّغُهُمْ عَنْكُمْ. فَأَنزلَ اللَّهُ عز وجل هَؤُلاءِ الآيَاتِ: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} وَمَا بَعْدَهَا".

هَكَذَا رَوَاهُ [الْإِمَامُ](2) أَحْمَدُ، وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ وَهْب، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاش (3) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بِهِ (4) وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَير، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَذَكَرَهُ، وَهَذَا أَثْبَتُ (5) . وَكَذَا رَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ سَالِمٍ الْأَفْطَسِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَير عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.

وَرَوَى الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي إِسْحَاقَ الْفَزَارِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ (6) عَنْ إِسْمَاعِيلَ (7) بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي حَمْزَةَ وَأَصْحَابِهِ: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} ثُمَّ قَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يخرجاه (8) .

وَكَذَا قَالَ قَتَادَةُ، وَالرَّبِيعُ، وَالضَّحَّاكُ: إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي قَتْلَى أُحُدٍ.

حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدُويَه: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ سُلَيْمَانَ (9) أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَدِينِيُّ، أَنْبَأَنَا مُوسَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ كَثِيرِ بْنِ بَشِيرِ بْنِ الْفَاكِهِ الْأَنْصَارِيُّ، سَمِعْتُ طَلْحَةَ بْنَ خِرَاش بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خِرَاشِ بْنِ الصِّمَّةِ الْأَنْصَارِيَّ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: نَظَرَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ: "يَا جَابِرُ، مَا لِي أَرَاكَ مُهْتَما؟ " قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اسْتُشْهِدَ أَبِي وَتَرَكَ (10) دَينا وَعِيَالًا. قَالَ: فَقَالَ: "أَلَا أُخْبِرُكَ؟ مَا كَلَّمَ اللهُ أَحَدًا قَطُّ إِلَّا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَإنَّهُ كَلَّمَ أَبَاكَ كِفَاحًا -قَالَ عَلِيٌّ: الكفَاح: الْمُوَاجَهَةُ -فَقَالَ: سَلْني أعْطكَ. قَالَ: أَسْأَلُكَ أنْ أُرَدَّ إلَى الدُّنْيَا فَأُقْتَلَ فِيْكَ ثَانِيَةً فَقَالَ الرَّبُّ عز وجل: إنَّهُ سَبَقَ مِنِّي الْقَوْلُ أنَّهُمْ إلَيْهَا لَا يُرْجَعُونَ. قَالَ: أيْ رَبِّ: فَأَبْلِغْ مَنْ وَرَائِي. فَأَنزلَ اللهُ [عز وجل](11){وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا} الْآيَةَ (12) .

ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ سُبَيْطٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرٍ، بِهِ نَحْوَهُ. وَكَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ" مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ، به (13) .

(1) في أ: "مقيلهم".

(2)

زيادة من أ.

(3)

في أ: "عباس".

(4)

المسند (1/265) وتفسير الطبري (7/385) .

(5)

سنن أبي داود برقم (2520) والمستدرك (2/297) وَقَالَ: "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ" ووافقه الذهبي.

(6)

في ر: أبي سفيان" وهو خطأ. انظر: المستدرك (2/387) .

(7)

في و: "أبي إسماعيل" وهو خطأ.

(8)

المستدرك (2/387) .

(9)

في و: "سليم".

(10)

في أ: "وترك عليه".

(11)

زيادة من جـ، أ.

(12)

في أ، و:"حتى أنفذ الآية".

(13)

دلائل النبوة للبيهقي (3/299) .

ص: 163

وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي عُبَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ، وَهُوَ عِيسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ [رضي الله عنها] (1) قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِجَابِرٍ: "يَا جَابِرُ، أَلَّا أُبَشِّرُكَ؟ قَالَ: بَلَى. بَشَّرَكَ اللَّهُ بِالْخَيْرِ. قَالَ (2) شَعَرْتُ أنَّ اللهَ أحْيَا أَبَاكَ فَقَالَ: تَمَنَّ عَلَيَّ عَبْدِي مَا شِئْتَ أُعْطِكَه. قَالَ: يَا رَبِّ، مَا عَبَدْتُكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ. أتَمَنَّى عَلَيْكَ أنْ تَرُدَّنِي إلَى الدُّنْيَا فَأُقَاتِلَ (3) مَعَ نَبِيَّكَ، وأُقْتَلَ فِيْكَ مَرَّةً أُخْرَى. قَالَ: إنَّهُ سَلَفَ مِنِّي أنَّهُ إلَيْهَا [لَا] (4) يَرْجعُ"(5) .

حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ فُضَيْل الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "الشُّهَدَاءُ عَلَى بَارِقِ نَهَرٍ بِبَابِ الْجَنَّةِ، فِي قُبَّةٍ خَضْرَاءَ، يَخْرُجُ عَلَيْهِمْ رِزْقُهُمْ مِنْ الْجَنَّةِ بُكْرَةً وَعَشِيًّا".

تَفَرَّدَ (6) بِهِ أَحْمَدُ، وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي كُرَيْب حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ، وعَبَدة (7) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، بِهِ. وَهُوَ إِسْنَادٌ جَيِّدٌ (8) .

وَكَانَ الشُّهَدَاءُ أَقْسَامٌ: مِنْهُمْ مَنْ تَسْرَحُ (9) أَرْوَاحُهُمْ فِي الْجَنَّةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ عَلَى هَذَا النَّهْرِ بِبَابِ الْجَنَّةِ، وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُنْتَهَى سَيْرِهِمْ إِلَى هَذَا النَّهْرِ فَيَجْتَمِعُونَ هُنَالِكَ، وَيُغْدَى عَلَيْهِمْ بِرِزْقِهِمْ هُنَاكَ وَيُرَاحُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَدْ رُوِّينَا فِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ حَدِيثًا فِيهِ الْبِشَارَةُ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ بِأَنَّ رُوحَهُ تَكُونُ فِي الْجَنَّةِ تَسْرَحُ أَيْضًا فِيهَا، وَتَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا، وَتَرَى مَا فِيهَا مِنَ النَّضْرَةِ وَالسُّرُورِ، وَتُشَاهِدُ مَا أَعَدَّهُ اللَّهُ لَهَا مِنَ الْكَرَامَةِ، وَهُوَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَزِيزٍ عَظِيمٍ، اجْتَمَعَ فِيهِ ثَلَاثَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ أَصْحَابِ الْمَذَاهِبِ الْمُتَّبَعَةِ؛ فَإِنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ، رحمه الله، رَوَاهُ عَنِ [الْإِمَامِ](10) مُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيِّ، رحمه الله، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ الْأَصْبَحِيِّ، رحمه الله، عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "نَسَمةُ الْمؤْمِنِ طَائِرٌ يَعْلق (11) فِي شَجِر الجَنَّةِ، حَتَّى يُرْجِعَهُ اللهُ إلَى جَسَدِهِ يَوْمَ يَبْعَثُهُ"(12) .

قَوْلُهُ: "يَعْلُقُ"(13) أَيْ: يَأْكُلُ (14) .

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ: "إنَّ روحَ الْمؤْمنِ تَكُونُ عَلَى شَكْلِ طَائِرٍ فِي الْجَنَّةِ".

وَأَمَّا أَرْوَاحُ الشُّهَدَاءِ، فَكَمَا تَقَدَّمَ فِي حَوَاصِلِ طَيْرٍ خُضْرٍ، فَهِيَ كَالْكَوَاكِبِ (15) بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَرْوَاحِ عُمُومِ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّهَا تَطِيرُ بِأَنْفُسِهَا، فَنَسْأَلُ اللَّهَ الْكَرِيمَ الْمَنَّانَ أَنْ يُثَبِّتَنَا (16) عَلَى الْإِيمَانِ.

(1) زيادة من ر.

(2)

في جـ، أ:"قال: قال".

(3)

في جـ، ر، أ، و:"فأقتل".

(4)

زيادة من جـ، ر، ودلائل النبوة".

(5)

دلائل النبوة للبيهقي (3/298) .

(6)

في أ: "انفرد".

(7)

في جـ، ر:"عبيدة".

(8)

المسند (1/266) وتفسير الطبري (7/387) .

(9)

في جـ: "يسرح".

(10)

زيادة من أ.

(11)

في جـ، ر:"تعلق".

(12)

المسند (3/455) .

(13)

في جـ، ر:"تعلق"، وفي أ:"يتعلق".

(14)

في جـ: "تأكل".

(15)

في جـ، ر:"كالراكب".

(16)

في و: "يمتنا".

ص: 164

وَقَوْلُهُ: {فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ [مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ] (1) } أَيِ: الشُّهَدَاءُ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَحْيَاءٌ عِنْدَ اللَّهِ، وَهُمْ فَرحون (2) مِمَّا هُمْ فِيهِ مِنَ النِّعْمَةِ وَالْغِبْطَةِ، وَمُسْتَبْشِرُونَ (3) بِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ يُقْتَلُونَ بَعْدَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَنَّهُمْ يقدَمون عَلَيْهِمْ، وَأَنَّهُمْ لَا يَخَافُونَ مِمَّا أَمَامَهُمْ وَلَا يَحْزَنُونَ عَلَى مَا تَرَكُوهُ وَرَاءَهُمْ.

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ {وَيَسْتَبْشِرُونَ} أَيْ: ويُسَرون بِلُحُوقِ مَنْ خَلْفهم (4) مِنْ إِخْوَانِهِمْ عَلَى مَا مَضَوْا عَلَيْهِ مِنْ جِهَادِهِمْ؛ لِيُشْرِكُوهُمْ فِيمَا هُمْ فِيهِ مِنْ ثَوَابِ اللَّهِ الَّذِي أَعْطَاهُمْ.

[وَ](5) قَالَ السُّدِّيُّ: يُؤتى الشَّهِيدُ بِكِتَابٍ فِيهِ: "يَقْدَمُ عَلَيْكَ فُلانٌ يَوْمَ كَذَا وكَذَا، ويَقْدَمُ عَلَيْكَ فُلانٌ يَوْمَ كَذَا وكَذَا، فَيُسَرُّ بِذَلِكَ كَمَا يُسَرُّ أَهْلُ الدُّنْيَا بِقُدُومِ غُيَّابِهِمْ"(6) .

وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: لَمّا دَخَلُوا الْجَنَّةَ ورَأوْا مَا فِيهَا مِنَ الْكَرَامَةِ لِلشُّهَدَاءِ قَالُوا: يَا لَيْتَ إِخْوَانَنَا الَّذِينَ فِي الدُّنْيَا يَعْلَمُونَ مَا عَرَفْنَاهُ مِنَ الْكَرَامَةِ، فَإِذَا شهدوا للقتال (7) باشروها بأنفسهم، حتى ويُستشهدوا فَيُصِيبُوا مَا أَصَبْنَا مِنَ الْخَيْرِ، فأُخبِر رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِأَمْرِهِمْ وَمَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْكَرَامَةِ، وَأَخْبَرَهُمْ -أَيْ رَبُّهُمْ-[أَنِّي](8) قَدْ أَنْزَلْتُ عَلَى نَبِيِّكُمْ وَأَخْبَرْتُهُ بِأَمْرِكُمْ، وَمَا أَنْتُمْ فِيهِ، فاستَبْشروا بِذَلِكَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ:{وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ} الْآيَةَ.

وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ، رضي الله عنه، فِي قِصَّةِ أَصْحَابِ بِئْرِ مَعُونة السَّبْعِينَ مِنَ الْأَنْصَارِ، الَّذِينَ قُتِلُوا فِي غَدَاةٍ وَاحِدَةٍ، وقَنَت رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الَّذِينَ قَتَلُوهُمْ، يَدْعُو عَلَيْهِمْ ويَلْعَنهم، قَالَ أَنَسٌ: وَنَزَلَ فِيهِمْ قُرْآنٌ قَرَأْنَاهُ حَتَّى رُفِعَ: "أنْ بَلغُوا عَنّا قَوْمَنا أَنَّا لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنّا وأرْضَانا"(9) .

ثُمَّ قَالَ: {يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ} قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: اسْتَبْشَرُوا وسُرّوا لِمَا عَايَنُوا مِنْ وَفَاءِ الْمَوْعُودِ وَجَزِيلِ الثَّوَابِ.

وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: هَذِهِ الْآيَةُ جَمَعَتِ الْمُؤْمِنِينَ كُلَّهُمْ، سَوَاءً الشُّهَدَاءُ وَغَيْرُهُمْ، وقَلَّما ذَكَرَ اللَّهُ فَضْلًا ذَكَرَ (10) بِهِ الْأَنْبِيَاءَ وَثَوَابًا أَعْطَاهُمْ إِلَّا ذَكَرَ مَا أَعْطَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ.

وَقَوْلُهُ: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ} هَذَا كَانَ يَوْمَ "حَمْرَاءِ الْأَسَدِ"، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَمَّا أَصَابُوا مَا أَصَابُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ كرُّوا رَاجِعِينَ إِلَى بِلَادِهِمْ، فَلَمَّا اسْتَمَرُّوا (11) فِي سَيْرِهِمْ تَنَدّمُوا لِمَ لَا تَمَّموا عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَجَعَلُوهَا الْفَيْصَلَةَ. فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَدَبَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى الذَّهَابِ وَرَاءَهُمْ ليُرْعِبَهم وَيُرِيَهُمْ أَنَّ بِهِمْ قُوّةً وَجَلَدًا، وَلَمْ يأذنْ لِأَحَدٍ سِوَى مَنْ حَضَرَ الْوَقْعَةَ يَوْمَ أُحُدٍ، سِوَى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه -لِمَا سَنَذْكُرُهُ-فَانْتَدَبَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى مَا بِهِمْ مِنَ الْجِرَاحِ وَالْإِثْخَانِ طَاعَةً لِلَّهِ [عز وجل](12) ولرسوله صلى الله عليه وسلم.

(1) زيادة في جـ، ر، أ، و، وفي هـ:"إلى آخر الآية".

(2)

في أ: "فرحين" وهو خطأ، والصواب ما أثبتناه.

(3)

في جـ، ر، أ:"ويستبشرون".

(4)

في جـ، ر، أ، و:"لحقهم".

(5)

زيادة من جـ، ر، أ، و.

(6)

في جـ، ر، أ، و:"غايبهم".

(7)

في أ، و:"القتال".

(8)

زيادة من جـ، ر.

(9)

صحيح البخاري برقم (2801، 4095) وصحيح مسلم برقم (677) .

(10)

في جـ، ر:"ذكرته".

(11)

في أ: "استقروا".

(12)

زيادة من و.

ص: 165

قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: لَمَّا رَجَعَ الْمُشْرِكُونَ عَنْ أُحُدٍ قَالُوا: لَا مُحَمَّدًا قَتَلْتُمْ، وَلَا الْكَوَاعِبَ أَرْدَفْتُمْ، بِئْسَمَا (1) صَنَعْتُمْ، ارْجِعُوا. فَسَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَنَدَبَ الْمُسْلِمِينَ فَانْتَدَبُوا حَتَّى بَلَغَ حَمْراء الْأَسَدِ -أَوْ: بِئْرَ أَبِي عُيَيْنَةَ (2) -الشَّكُّ مِنْ سُفْيَانَ-فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: نَرْجِعُ مَنْ قَابِلٍ. فَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَكَانَتْ تُعَدُّ (3) غَزْوَةً، فَأَنْزَلَ (4) اللَّهُ عز وجل:{الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ}

وَرَوَاهُ ابْنُ مَرْدويه مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَذَكَرَهُ (5) .

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ يَوْمَ السَّبْتِ النصف مِنْ شَوَّالٍ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ مِنْ يَوْمِ الْأَحَدِ لِسِتَّ عشرةَ لَيْلَةً مَضَتْ مِنْ شَوَّالٍ، أَذَّنَ مُؤَذِّنُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي النَّاسِ بِطَلَبِ الْعَدُوِّ، وَأَذَّنَ مُؤَذِّنُهُ أَلَّا يَخْرُجَ (6) مَعَنَا أَحَدٌ إِلَّا أَحَدٌ حَضَرَ يَوْمَنَا بِالْأَمْسِ. فَكَلَّمَهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرو بْنِ حَرَامٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَبِي كَانَ خَلَّفني عَلَى أَخَوَاتٍ لِي سَبْع وَقَالَ: يَا بَنَيّ، إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِي وَلَا لَكَ أَنْ نَتْرُكَ هَؤُلَاءِ النّسوةَ لَا رجلَ فِيهِنَّ، وَلَسْتُ بِالَّذِي أُوثِرُكَ بِالْجِهَادِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى نَفْسِي، فَتَخَلَّفْ عَلَى أَخَوَاتِكَ، فَتَخَلَّفْتُ عَلَيْهِنَّ، فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَخَرَجَ مَعَهُ. وَإِنَّمَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ مُرْهبا لِلْعَدُوِّ، وَلِيَبْلُغَهُمْ أَنَّهُ خَرَجَ فِي طَلَبِهِمْ لِيَظُنُّوا بِهِ قُوَّةً، وَأَنَّ الَّذِي أَصَابَهُمْ لَمْ يُوهنْهم عَنْ عَدُوِّهِمْ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي (7) عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي السَّائِبِ مَوْلَى عَائِشَةَ بِنْتِ عُثْمَانَ؛ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، كَانَ شَهد أُحُدًا قَالَ: شهدتُ أُحُدًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَا وَأَخِي (8) فَرَجَعْنَا جَرِيحَيْنِ، فَلَمَّا أَذَّنَ مُؤذّن رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْخُرُوجِ فِي طَلَبِ الْعَدُوِّ، قلتُ لِأَخِي -أَوْ قَالَ (9) لِي-: أَتُفَوِّتُنَا غَزْوَةً مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ وَاللَّهِ مَا لَنَا مِنْ دابَّة نَرْكَبُهَا، وَمَا مِنَّا إِلَّا جَرِيحٌ ثَقيل، فَخَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَكُنْتُ أَيْسَرَ جِرَاحًا (10) مِنْهُ، فَكَانَ إِذَا غُلب حَمَلْتُهُ عُقْبة وَمَشَى عُقْبة حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى مَا انْتَهَى إِلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ (11) .

وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها:{الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ [مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ] (12) } قَالَتْ (13) لِعُرْوَةَ: يَا ابْنَ أُخْتِي، كَانَ أَبَوَاكِ مِنْهُمُ الزُّبَيْرُ وَأَبُو بَكْرٍ، رضي الله عنهما، لَمَّا أَصَابَ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا أَصَابَهُ يَوْمَ أُحُدٍ، وَانْصَرَفَ عَنْهُ الْمُشْرِكُونَ، خَافَ أَنْ يَرْجِعُوا فَقَالَ:"مَنْ يَرْجِعُ فِي إثْرِهِمْ؟ " فانتدبَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ رَجُلًا فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَالزُّبَيْرُ، رضي الله عنهما.

(1) في جـ: "وبئس".

(2)

في جـ، أ، و:"عتبة".

(3)

في و: "بعد".

(4)

في جـ، ر، أ، و:"وأنزل".

(5)

ورواه النسائي في السنن الكبرى برقم (11083) من طريق سفيان عن عمرو به.

(6)

في جـ، ر، أ، و:"يخرجن".

(7)

في ر، أ، و:"فحدثني".

(8)

في جـ، ر، أ، و:"أخ لي".

(9)

في ر: "وقال".

(10)

في جـ، ر، أ، "جرحا".

(11)

السيرة النبوية لابن هشام (2/101) وتفسير الطبري (7/399، 400) كلاهما من طريق ابن إسحاق به.

(12)

زيادة من جـ، ر، أ، و، وفي هـ:"الآية".

(13)

في أ: "قال".

ص: 166

هَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مُنْفَرِدًا بِهِ، بِهَذَا السِّيَاقِ. وَهَكَذَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ عَنِ الأصَم، عَنِ الْعَبَّاسِ الدُّورِيِّ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْمُؤَدِّبِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، بِهِ، ثُمَّ قَالَ: صَحِيحٌ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ. كَذَا قَالَ (1) .

وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ البَهِيّ، عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: قَالَتْ لِي عَائِشَةُ: يَا بُني، إِنَّ أَبَاكَ مِنَ الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ. ثُمَّ قَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ (2) .

وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ، وهُدْبَة بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ بِهِ وَهَكَذَا رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَأَبُو بَكْرٍ الْحُمَيْدِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ سُفْيَانَ، بِهِ (3) .

وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدُويه. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ مِنْ أَصْلِ كِتَابِهِ، أَنْبَأَنَا سَمويه، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنْبَأَنَا سُفْيَانُ، أَنْبَأَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنْ كَانَ أبَواك لَمن (4) الَّذِينَ اسْتَجَابُوا للهِ والرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ القَرْحُ: أَبُو بَكْرٍ وَالزُّبَيْرُ، رضي الله عنهما"(5) .

ورفْعُ هَذَا الْحَدِيثِ خَطَأٌ مَحْضٌ مِنْ جِهَةِ إِسْنَادِهِ، لِمُخَالَفَتِهِ رِوَايَةَ (6) الثِّقَاتِ مِنْ وقْفه عَلَى عَائِشَةَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَمِنْ جِهَةِ مَعْنَاهُ، فَإِنَّ الزُّبَيْرَ لَيْسَ هُوَ مِنْ آبَاءِ عَائِشَةَ، وَإِنَّمَا قَالَتْ عَائِشَةُ لِعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ ابْنُ أُخْتِهَا أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، رضي الله عنهم.

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، [حَدَّثَنِي](7) عَمي، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَذَفَ فِي قَلْب أَبِي سُفْيَانَ الرُّعْب يَوْمَ أُحُدٍ بَعْدَ مَا (8) كَانَ مِنْهُ مَا كَانَ، فَرَجَعَ إِلَى مَكَّةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"إنَّ أبَا سُفْيَانَ قَدْ أَصَابَ مِنْكُمْ طَرَفًا، وَقَدْ رَجَعَ، وَقَذَفَ اللهُ فِي قَلْبِهِ الرُّعْبَ". وَكَانَتْ وقعةُ أُحُدٍ فِي شَوَّالٍ، وَكَانَ التُّجَّارُ يَقْدَمون الْمَدِينَةَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، فَيَنْزِلُونَ بِبَدْرٍ الصُّغْرَى فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرة، وَإِنَّهُمْ قَدِمُوا بَعْدَ وَقْعَةِ أُحُدٍ (9) وَكَانَ أَصَابَ الْمُؤْمِنِينَ الْقَرْحُ، وَاشْتَكَوْا ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَاشْتَدَّ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَصَابَهُمْ. وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَدَب النَّاسَ لِيَنْطَلِقُوا مَعَهُ، وَيَتَّبِعُوا مَا كَانُوا مُتَّبعين، وَقَالَ:"إنَّمَا يَرْتَحِلُونَ الآنَ فَيَأْتُونَ الْحَجَّ وَلَا يَقْدرُونَ عَلَى مِثْلِهَا حَتَّى عَامٍ مُقْبِلٍ". فَجَاءَ الشَّيْطَانُ فَخَوَّفَ أَوْلِيَاءَهُ فَقَالَ: إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَأَبَى عَلَيْهِ النَّاسُ أَنْ يَتْبَعُوهُ، فَقَالَ:"إنَّي ذَاهِبٌ وإنْ لمْ يَتْبَعْنِي أحَدٌ". لِأَحْضُضَ النَّاسَ، فَانْتَدَبَ مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، وَعُمَرُ،

(1) صحيح البخاري برقم (4077) والمستدرك (2/298) وفيه أن المخاطب بقول عائشة عبد الله بن الزبير وليس عروة، كما في رواية البخاري.

(2)

المستدرك (3/363) .

(3)

سنن ابن ماجة برقم (124) .

(4)

في جـ، أ:"من".

(5)

هذا الحديث لا يصح مرفوعا فهو مضطرب. وقد بين الحافظ ابن كثير وجه اضطرابه، وقد روى ابن جرير في تفسيره (7/402) أن عائشة قالت ذلك لعبد الله بن الزبير بنفس هذا اللفظ، فقد يكون الوهم من أحد الرواة أو من كتابه.

(6)

في ر: "رواته".

(7)

زيادة من جـ، والطبري.

(8)

في أ، و:"الذي".

(9)

في أ: "أحد في شوال".

ص: 167

وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَالزُّبَيْرُ، وَسَعْدٌ، وَطَلْحَةُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَّرَّاحِ فِي سَبْعِينَ رَجُلًا فَسَارُوا فِي طَلَبِ أَبِي سُفْيَانَ، فَطَلَبُوا حَتَّى بَلَغُوا الصَّفْرَاءَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ [عز وجل](1){الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ [الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ] } (2)(3) .

ثُمَّ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حتى انْتَهَى إِلَى حَمْرَاءِ الْأَسَدِ، وَهِيَ مِنَ الْمَدِينَةِ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَمْيَالٍ.

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ ابْنُ أُمِّ مَكْتوم فَأَقَامَ بِهَا الِاثْنَيْنِ وَالثُّلَاثَاءِ وَالْأَرْبِعَاءِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ. وَقَدْ مَر بِهِ -كَمَا حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ-مَعْبَدُ بْنُ أَبِي مَعْبد الْخُزَاعِيُّ، وَكَانَتْ خُزاعة -مُسْلِمُهُمْ وَمُشْرِكُهُمْ-عَيْبَةَ نُصح لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بتِهامة، صَفْقَتُهم مَعَهُ، لَا يُخْفُونَ عَنْهُ شَيْئًا كَانَ بِهَا، وَمَعْبَدٌ يَوْمَئِذٍ مُشْرِكٌ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ عَزّ عَلَيْنَا مَا أَصَابَكَ فِي أَصْحَابِكَ، ولوَددْنا أَنَّ اللَّهَ عَافَاكَ فِيهِمْ. ثُمَّ خَرَجَ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِحَمْرَاءِ الْأَسَدِ، حَتَّى لَقِيَ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ وَمِنْ مَعَهُ بالرَّوحاء، وَقَدْ أَجْمَعُوا الرَّجْعَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ وَقَالُوا: أَصَبْنَا حَد أَصْحَابِهِ وَقَادَتِهِمْ وَأَشْرَافِهِمْ، ثُمَّ نَرْجِعُ قَبْلَ أَنْ نَسْتَأْصِلَهُمْ.. لنُكرّنَّ عَلَى بَقِيَّتِهِمْ فَلَنَفْرُغَنَّ مِنْهُمْ. فَلَمَّا رَأَى أَبُو سُفْيَانَ مَعْبَدًا قَالَ: مَا وَرَاءَكَ يَا مَعْبَدُ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ قَدْ خَرَجَ فِي أَصْحَابِهِ يَطْلُبُكُمْ فِي جَمْع لَمْ أَرَ مِثْلَهُ قَطُّ، يَتَحَرَّقُونَ عَلَيْكُمْ تَحْرُّقَا، قَدِ اجْتَمَعَ مَعَهُ مَنْ كَانَ تَخَلَّفَ عَنْهُ فِي يَوْمِكُمْ، وَنَدِمُوا عَلَى مَا صَنَعُوا، فِيهِمْ مِنَ الحَنَق عَلَيْكُمْ شَيْءٌ لَمْ أَرَ مِثْلَهُ قَطُّ. قَالَ: وَيْلَكَ. مَا تَقَوُلُ؟ قَالَ: وَاللَّهِ مَا أَرَى أَنْ تَرْتَحِلَ (4) حَتَّى تَرَى نَوَاصِيَ الْخَيْلِ -قَالَ: فَوَاللَّهِ لَقَدْ أَجْمَعْنَا الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ لِنَسْتَأْصِلَ بَقِيَّتَهُمْ. قَالَ: فَإِنِّي أَنْهَاكَ عَنْ ذَلِكَ. وَوَاللَّهِ لَقَدْ حَمَلَنِي مَا رَأَيْتُ عَلَى أَنْ قُلْتُ فِيهِمْ أَبْيَاتًا مِنْ شِعْرٍ، قَالَ: وَمَا قُلْتَ؟ قَالَ: قُلْتُ:

كادَتْ تُهدُّ منَ الْأَصْوَاتِ رَاحلتي

إذْ سَالَت الأرضُ بالجُرْدِ الْأَبَابِيلِ

تَرْدى بأسْدٍ كِرَامٍ لَا تَنَابلة

عنْد اللِّقَاءِ وَلَا مِيلٍ مَعَازيل (5)

فَظَلْتُ عَدْوا أظُنُّ الْأَرْضَ مَائِلَةً

لَمَّا سَمَوا بَرَئِيسٍ غَيْرِ مَخْذول

فقلتُ: وَيْلُ ابْنِ حَرْب مِنْ لقائكُمُ

إِذَا تَغَطْمَطَت الْبَطْحَاءُ بِالْجِيلِ (6)

إِنِّي نَذِيرٌ لِأَهْلِ البَسْل ضَاحيَةً

لِكُلِّ ذِي إرْبَة مِنْهُمْ وَمَعْقُولُ

مِنْ جَيْش أحمدَ لَا وَخْشٍ تَنَابِلة

وَلَيْسَ يُوصف مَا أَنْذَرْتُ بِالْقِيلِ

قَالَ: فَثَنَى ذَلِكَ أَبَا سُفْيَانَ وَمَنْ مَعَهُ.

وَمَرَّ بِهِ رَكْبٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْقَيْسِ، فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُونَ؟ قَالُوا: نريدُ المدينة. قال: ولم؟ قالوا:

(1) زيادة من أ.

(2)

زيادة من جـ، ر، أ، و، وفي هـ:"الآية".

(3)

تفسير الطبري (7/402) .

(4)

في أ: "ترحل".

(5)

في ر: "مغازيل".

(6)

في و: "بالخيل".

ص: 168

بِعُكَاظٍ إِذْ وَافَيْتُمونا (1) قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: فَإِذَا وَافَيْتُمُوهُ فَأَخْبِرُوهُ أَنَّا قَدْ أَجْمَعْنَا (2) الْمَسِيرَ إِلَيْهِ وَإِلَى أَصْحَابِهِ لِنَسْتَأْصِلَ بَقِيَّتَهُمْ، فَمَرَّ الرَّكْبُ (3) بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بِحَمْرَاءِ الْأَسَدِ، فَأَخْبَرُوهُ بِالَّذِي قَالَ أَبُو سُفْيَانَ وَأَصْحَابُهُ، فَقَالُوا: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (4) .

وَذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ عَنْ أَبِي عُبيدة قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ بَلَغَهُ رُجُوعُهُمْ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ سُوِّمَتْ لَهُمْ حِجَارَةٌ لَوْ صُبِّحُوا بَها لَكَانُوا كَأَمْسِ الذَّاهِبِ"(5) .

وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ [فِي قَوْلِهِ](6){الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ} إِنَّ أَبَا سفيِان وَأَصْحَابَهُ أَصَابُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَا أَصَابُوا وَرَجَعُوا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"إنَّ أبَا سُفْيَانَ قَدْ رَجَعَ وَقَدْ قَذَفَ اللهُ فِي قَلْبِهِ [الرُّعْبَ] (7) فَمَنْ يَنْتَدبُ فِي طَلَبِهِ؟ " فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَأَبُو بَكْرٍ وعُمَر، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَنَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ (8) صلى الله عليه وسلم، فَاتَّبَعُوهُمْ، فَبَلَغَ أَبَا سُفْيَانَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، يَطْلُبُهُ فَلَقِيَ عِيرًا مِنَ التُّجَّارِ فَقَالَ: ردُّوا مُحَمَّدًا وَلَكَمْ مِنَ الجُعْل كَذَا وَكَذَا، وأخْبروهم أَنِّي قَدْ جَمَعْتُ لَهُمْ جُمُوعًا، وَأَنَّنِي رَاجِعٌ إِلَيْهِمْ. فَجَاءَ التُّجَّارُ فَأَخْبَرُوا بِذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:{حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ.

وَهَكَذَا قَالَ عِكْرِمة، وَقَتَادَةُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ: إِنَّ هَذَا السِّيَاقَ نَزَلَ فِي شَأْنِ [غَزْوَةِ](9) حَمْراء الْأَسَدِ"، وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي بَدْر الْمَوْعِدِ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ.

وَقَوْلُهُ: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا [وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ] (10) } أَيِ: الَّذِينَ تَوَعَّدَهُمُ النَّاسُ [بِالْجُمُوعِ](11) وَخَوَّفُوهُمْ بِكَثْرَةِ الْأَعْدَاءِ، فَمَا اكْتَرَثُوا لِذَلِكَ، بَلْ تَوَكَّلُوا عَلَى اللَّهِ وَاسْتَعَانُوا بِهِ {وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}

قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، أُرَاهُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، عَنْ أَبِي حَصين، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:{حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ عليه السلام حِينَ أُلْقي فِي النَّارِ وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم حِينَ قَالُوا: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}

وَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ وَهَارُونَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، كِلَاهُمَا عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي بُكَير، عَنْ أَبِي بَكْرٍ -وَهُوَ ابْنُ عَيَّاشٍ-بِهِ. وَالْعَجَبُ أَنَّ الْحَاكِمَ [أَبَا عَبْدِ اللَّهِ](12) رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ، بِهِ، ثُمَّ قَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ (13) .

ثُمَّ (14) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي غَسَّان مَالِكِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عن أبي حصين، عن

(1) في أ، و:"إذا وافيتموها".

(2)

في أ، و:"جمعنا".

(3)

في و: "الراكب".

(4)

السيرة النبوية لابن هشام (2/102) .

(5)

السيرة النبوية لابن هشام (2/104) .

(6)

زيادة من جـ.

(7)

زيادة من جـ، أ، و.

(8)

في جـ، أ، و:"رسول الله".

(9)

زيادة من جـ، أ، و.

(10)

زيادة من جـ، ر، أ، و، وفي هـ:"الآية".

(11)

زيادة من جـ، ر.

(12)

زيادة من و.

(13)

صحيح البخاري برقم (4563، 4564) والنسائي في السنن الكبرى برقم (11081) والمستدرك (2/298) وأقره الذهبي مع أن البخاري قد روى هذا الحديث من هذا الوجه.

(14)

في جـ: "و".

ص: 169

أَبِي الضُّحَى، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ آخِرَ قَوْلِ إِبْرَاهِيمَ، عليه السلام، حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ:{حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} (1) .

وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: وَأَخْبَرَنِي زَكَرِيَّا، عَنِ الشَّعْبِي، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: هِيَ كَلِمَةُ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام حِينَ أُلْقِيَ فِي الْبُنْيَانِ. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ.

وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدُويه: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَر، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى الثَّوْرِيُّ (2) أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ السُّكَّرِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قِيلَ لَهُ يَوْمَ أُحُدٍ: إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ (3) .

وَرَوَى أَيْضًا بِسَنَدِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيد اللَّهِ الرَّافِعِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَبِي رَافِعٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَجَّه عَلِيًّا فِي نَفَرٍ مَعَهُ فِي طَلَبِ أَبِي سُفْيَانَ، فَلَقِيَهُمْ أَعْرَابِيٌّ مَنْ خُزَاعَةَ فَقَالَ: إِنَّ الْقَوْمَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ قَالُوا: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. فَنَزَلَتْ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَةُ.

ثُمَّ قَالَ ابْنُ مَرْدُويه: حَدَّثَنَا دَعْلَجَ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، أَنْبَأَنَا أَبُو خَيْثَمَة مُصْعَب بْنُ سَعِيدٍ، أَنْبَأَنَا مُوسَى بْنُ أَعْيَنَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إذَا وَقَعْتُمْ فِي الأمْرِ العظيمِ فَقُولُوا: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ"(4) .

هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.

وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَيْوَة بْنُ شُرَيح وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي الْعَبَّاسِ قَالَا حَدَّثَنَا بَقِيَّة، حَدَّثَنَا بَحِير (5) بْنُ سَعْد، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدان، عَنْ سَيْفٍ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَقَالَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ لَمَا أَدْبَرَ: حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (6) صلى الله عليه وسلم: "رُدُّوا عَلَيَّ الرَّجُلَ". فَقَالَ: "مَا قلتَ؟ ". قَالَ: قلتُ: حسبي الله ونعم الوكيل. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (7) صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ، وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالْكَيْسِ، فَإِذَا غَلَبَكَ أَمْرٌ فَقُلْ: حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ".

وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ بَقِيَّةَ عَنْ بَحِير، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ سَيْف -وَهُوَ الشَّامِيُّ، وَلَمْ يُنْسَبْ -عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، بِنَحْوِهِ (8) .

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، حَدَّثَنَا مُطَرِّف، عَنْ عَطية، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [فِي قَوْلِهِ:{فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ} [الْمُدَّثِّرِ: 8] قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "كَيْفَ أَنْعَمُ وَصَاحِبُ الْقَرْنِ قَدْ الْتَقَمَ الْقَرْنَ وَحَنَى جَبْهَتَهُ، يَسْمَعُ مَتَى يُؤْمَرُ فَيَنْفُخُ". فَقَالَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم: فَمَا نَقُولُ (9) ؟ قَالَ: "قُولُوا: حَسْبُنَا اللَّهُ

(1) صحيح البخاري برقم (4564) .

(2)

في أ: و: "التوزي".

(3)

ورواه الخطيب في تاريخ بغداد (11/86) من طريق إبراهيم بن موسى الجوزي وهو الثوري عن عبد الرحيم بن محمد السكري به.

(4)

ذكره السيوطي في الدر المنثور (2/390) وفي الجامع الصغير وعزاه إلى ابن مردويه، ورمز له المناوي بالضعف، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع برقم (829) .

(5)

في أ: "يحيى".

(6)

في أ: "النبي".

(7)

في أ: "النبي".

(8)

المسند (6/24) وسنن أبي داود برقم (3627) والنسائي في السنن الكبرى برقم (10462) .

(9)

في و: "فما تأمرنا".

ص: 170

وَنِعْمَ الْوَكِيلُ عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا".

وَقَدْ رُوِيَ هَذَا مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، وَهُوَ حَدِيثٌ جَيِّدٌ (1) وَرُوِّينَا عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ وَزَيْنَبَ [بِنْتِ جَحْشٍ](2) رضي الله عنهما، أَنَّهُمَا تَفَاخَرَتَا فَقَالَتْ زَيْنَبُ: زَوجني اللَّهُ وزوجَكُن أَهَالِيكُنَّ (3) وَقَالَتْ عَائِشَةُ: نَزَلَتْ بَرَاءَتِي مِنَ السَّمَاءِ فِي الْقُرْآنِ. فَسَلَّمَت لَهَا زَيْنَبُ، ثُمَّ قَالَتْ: كَيْفَ قلتِ حِينَ رَكِبْتِ رَاحِلَةَ صَفْوان بْنِ الْمُعَطَّلِ؟ فَقَالَتْ: قُلْتُ: حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، فَقَالَتْ زَيْنَبُ: قُلْتِ كَلِمَةَ الْمُؤْمِنِينَ (4) .

وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ} أَيْ: لَمَّا تَوَكَّلُوا عَلَى اللَّهِ كَفَاهُمْ مَا أهمَّهُمْ وَرد عَنْهُمْ بَأْسَ مَنْ أَرَادَ كَيْدَهُمْ، فَرَجَعُوا إِلَى بَلَدِهِمْ {بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ} مِمَّا أَضْمَرَ لَهُمْ عَدُوُّهُمْ {وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ}

قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاوُدَ الزَّاهِدُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نُعَيم، حَدَّثَنَا بِشْر بْنُ الْحَكَمِ، حَدَّثَنَا مُبشِّر بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَزِين، حَدَّثَنَا سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ يَعْلَى بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ عِكْرِمة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (5) {فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ} قَالَ: النِّعْمَةُ أَنَّهُمْ سلمُوا، وَالْفَضْلُ أَنَّ عِيرًا مَرَّتْ، وَكَانَ فِي أَيَّامِ الْمَوْسِمِ، فَاشْتَرَاهَا رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَبِحَ فِيهَا مَالًا فَقَسَّمَهُ بَيْنَ أَصْحَابِهِ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيح، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ:{الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ} قَالَ: [هَذَا](6) أَبُو سُفْيَانَ، قَالَ لِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم: مَوْعِدُكُمْ بَدْرٌ، حيثُ قَتَلْتُمْ أَصْحَابَنَا. فَقَالَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم:"عَسَى". فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لموعِده (7) حَتَّى نَزَلَ بَدْرًا، فَوَافَقُوا السُّوقَ فِيهَا وَابْتَاعُوا (8) فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عز وجل:{فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ [وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ] (9) } قَالَ: وَهِيَ غَزْوَةُ بَدْرٍ الصُّغْرَى.

رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ. وَرَوَى [أَيْضًا](10) عَنِ الْقَاسِمِ، عَنِ الحُسَين، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيج قَالَ: لَمَّا عَهِدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِمَوْعِدِ أَبِي سُفْيَانَ، فَجَعَلُوا يَلْقَوْنَ الْمُشْرِكِينَ وَيَسْأَلُونَهُمْ عَنْ قُرَيْشٍ، فَيَقُولُونَ (11) قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ يَكِيدُونَهُمْ بِذَلِكَ، يُرِيدُونَ أَنْ يرْعَبُوهم (12) فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُونَ:{حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} حَتَّى قَدِمُوا بَدْرًا، فَوَجَدُوا أَسْوَاقَهَا عَافِيَةً لَمْ يُنَازِعْهُمْ فِيهَا أَحَدٌ، قَالَ: رَجُل (13) مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَأَخْبَرَ أَهْلَ مَكَّة بخيل محمد، وقال في ذلك:

(1) المسند (1/326) .

(2)

زيادة من جـ، ر، أ، و.

(3)

في جـ، ر، أ، و:"أهلوكن".

(4)

رواه الطبري في تفسيره (10/88، 89) ط "الفكر" من طريق محمد بن عبد الله بن جحش، وسيأتي إن شاء الله في تفسير سورة النور.

(5)

في ر: "عز وجل".

(6)

زيادة من جـ، ر.

(7)

في جـ: "بموعده".

(8)

في و: "فابتاعوا".

(9)

زيادة من جـ، ر، أ، و، وفي هـ:"الآية".

(10)

زيادة من جـ، ر، أ، و.

(11)

في جـ: "فيقولون لهم".

(12)

في و: "يرهبوهم".

(13)

في جـ، ر، أ:"قال: وقدم رجل".

ص: 171

نَفَرَتْ قَلُوصِي مِنْ خُيول مُحَمَّدٍ

وَعَجْوَةٍ منْثُورةٍ كالعُنْجُدِ

واتَّخَذَتْ مَاءَ قُدَيْدٍ مَوْعدي

ثُمَّ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: هَكَذَا أَنْشَدَنَا الْقَاسِمُ، وَهُوَ خَطَأٌ، وَإِنَّمَا هُوَ: قَد نَفَرَتْ مِنْ رفْقَتي مُحَمَّدٍ

وَعَجْوَة مِنْ يَثْربٍ كَالعُنْجُد

تَهْوى (1) عَلَى دِينِ أبِيها الأتْلَد

قَدْ جَعَلَتْ مَاءَ قُدَيْدٍ مَوْعدي

وَمَاء ضَجْنَان لَهَا ضُحَى الغَد (2)

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ} أَيْ: يُخَوِّفُكُمْ أَوْلِيَاءَهُ، وَيُوهِمُكُمْ أَنَّهُمْ ذَوُو بَأْسٍ وَذَوُو شِدَّةٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [أَيْ: فَ](3) إِذَا سَوَّلَ لكم وأوهمكم فتوكلوا علي والجؤوا إِلَيَّ، فَأَنَا كَافِيكُمْ وَنَاصِرُكُمْ عَلَيْهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} إِلَى قَوْلِهِ: {قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} [الزُّمَرِ:36-38] وَقَالَ تَعَالَى: {فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} [النِّسَاءِ:76] وَقَالَ تَعَالَى: {أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [الْمُجَادَلَةِ:19] وَقَالَ تَعَالَى: {كَتَبَ اللَّهُ لأغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الْمُجَادَلَةِ:21] وَقَالَ [تَعَالَى](4){وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} [الْحَجِّ:40] وَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ [وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ] (5) } [مُحَمَّدٍ:7] وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشْهَادُ. يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [غافر:51، 52] .

(1) في جـ، ر، أ، و:"فهو".

(2)

تفسير الطبري (7/411، 412) .

(3)

زيادة من ر، أ، و.

(4)

زيادة من جـ، ر، أ، و.

(5)

زيادة من جـ، أ، و، وفي هـ:"الآية".

ص: 172