الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "ثَلاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَة وَلا يَنْظُرُ إلَيْهِمْ، وَلا يُزَكِّيهِمْ ولَهم عذابٌ أَلِيمٌ: رَجُلٌ مَنَعَ ابْنَ السَّبِيلِ فَضْلَ مَاءٍ عِنْدَهُ، وَرَجُلٌ حَلَفَ عَلَى سِلْعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ -يَعْنِي كَاذِبًا-وَرَجُلٌ بَايَعَ إِمَامًا، فَإِنْ أَعْطَاهُ وَفَى لَهُ، وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ لَمْ يَفِ لَهُ". وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، مِنْ حَدِيثِ وَكِيعٍ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حسن صحيح (1) .
(1) المسند (2/480) وسنن أبي داود برقم (3474) وسنن الترمذي برقم (1595) .
{وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ
(78) }
يُخْبِرُ تَعَالَى عَنِ الْيَهُودِ، عَليهم لَعَائِنُ اللَّهِ، أَنَّ مِنْهُمْ فَرِيقًا يُحَرِّفون الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ ويُبَدِّلون كَلَامَ اللَّهِ، وَيُزِيلُونَهُ عَنِ الْمُرَادِ بِهِ، ليُوهِموا الْجَهَلَةَ أَنَّهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ كَذَلِكَ، وَيَنْسُبُونَهُ إِلَى اللَّهِ، وَهُوَ كَذِبٌ عَلَى اللَّهِ، وَهُمْ يَعْلَمُونَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ قَدْ كَذَبُوا وَافْتَرَوْا فِي ذَلِكَ كُلِّهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ:{وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}
وَقَالَ مُجَاهِدٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ:{يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ} يُحَرِّفُونَهُ.
وَهَكَذَا رَوَى (1) الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُمْ (2) يُحَرِّفُونَ وَيَزِيدُونَ (3) وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ يُزِيلُ لَفْظَ كِتَابٍ مِنْ كُتُبِ اللَّهِ، لَكِنَّهُمْ يُحَرِّفُونَهُ: يَتَأَوَّلُونَهُ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ.
وَقَالَ وَهَبْ بْنُ مُنَبِّه: إِنَّ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ كَمَا أَنْزَلَهُمَا اللَّهُ لَمْ يُغَيَّرْ مِنْهُمَا حَرْفٌ، وَلَكِنَّهُمْ يُضِلّونَ بِالتَّحْرِيفِ وَالتَّأْوِيلِ، وَكُتُبٍ كَانُوا يَكْتُبُونَهَا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ، {وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} فَأَمَّا كُتُبُ اللَّهِ فَإِنَّهَا مَحْفُوظَةٌ وَلَا تُحَوَّلُ.
رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، فَإِنْ عَنَى وَهْب مَا بِأَيْدِيهِمْ مِنْ ذَلِكَ، فَلَا شَكَّ أَنَّهُ قَدْ دَخَلَهَا التَّبْدِيلُ وَالتَّحْرِيفُ وَالزِّيَادَةُ وَالنَّقْصُ، وَأَمَّا تَعْرِيبُ ذَلِكَ الْمُشَاهَدِ بِالْعَرَبِيَّةِ فَفِيهِ خَطَأٌ كَبِيرٌ، وَزِيَادَاتٌ كَثِيرَةٌ وَنُقْصَانٌ، ووَهْم فَاحِشٌ. وَهُوَ مِنْ بَابِ تَفْسِيرِ الْمُعَبَّرِ (4) الْمُعْرَبِ، وفَهْم (5) كَثِيرٍ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ، بَلْ جَمِيعُهُمْ فَاسِدٌ. وَأَمَّا إِنْ عَنَى كُتُبَ اللَّهِ الَّتِي هِيَ كُتُبُهُ مِنْ عِنْدِهِ، فَتِلْكَ كَمَا قَالَ مَحْفُوظَةٌ لَمْ يَدْخُلْهَا شَيْءٌ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن أبي محمد، عن عِكْرِمة أو سعيد بن جُبَير، عن ابن
(1) في أ، و:"وحكى".
(2)
في جـ، أ، و:"أنه قال".
(3)
في جـ، ر، أ، و:"يزيلون".
(4)
في أ، و:"المعنى".
(5)
في أ: "وفهمه".
عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ أَبُو رَافِعٍ القُرَظِي، حِينَ اجْتَمَعَتِ الْأَحْبَارُ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ، عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَدَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ: أَتُرِيدُ يَا مُحَمَّدُ أَنْ نعبدكَ كَمَا تَعْبُدُ النَّصَارَى عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ نَصْرَانِيٌّ يقال له الرئيس: أوَ ذاك تُرِيدُ مِنَّا يَا مُحَمَّدُ، وَإِلَيْهِ تَدْعُونَنَا؟ أَوْ كَمَا قَالَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"مَعَاذَ اللهِ أنْ نَعْبُدَ غَيْرَ اللهِ، أَوْ أنْ نَأْمُرَ بِعِبَادَةِ غَيْرِه، مَا بِذَلِكَ بَعَثَنِي، وَلَا بِذَلِكَ أَمَرَنِي". أَوْ كَمَا قَالَ صلى الله عليه وسلم، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمَا:{مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ} [الْآيَةَ](1) إِلَى قَوْلِهِ: {بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (2) .
فَقَوْلُهُ (3){مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ} أَيْ: مَا يَنْبَغِي لِبَشَرٍ آتَاهُ اللَّهُ الْكِتَابَ والحُكْم وَالنُّبُوَّةَ أَنْ يَقُولَ لِلنَّاسِ: اعْبُدُونِي مِنْ دُونِ اللَّهِ. أَيْ: مَعَ اللَّهِ، فَإِذَا (4) كَانَ هَذَا لَا يَصْلُحُ (5) لِنَبِيٍّ وَلَا لِمُرْسَلٍ، فَلِأَنْ لَا يَصْلُحَ (6) لِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ غَيْرَهُمْ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى؛ وَلِهَذَا قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: لَا يَنْبَغِي هَذَا لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَأْمُرَ النَّاسَ بِعِبَادَتِهِ. قَالَ: وَذَلِكَ أَنَّ الْقَوْمَ كَانَ يَعْبُدُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا -يَعْنِي أَهْلَ الْكِتَابِ-كَانُوا يَتعبَّدون لِأَحْبَارِهِمْ وَرُهْبَانِهِمْ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ [وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ] (7) } [التَّوْبَةَ:31] وَفِي الْمُسْنَدِ، وَالتِّرْمِذِيِّ -كَمَا سَيَأْتِي-أَنَّ عَديّ بْنَ حَاتِمٍ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا عَبَدُوهُمْ. قَالَ:"بَلَى، إنَّهُمْ أَحَلُّوا لَهُمُ الْحَرَامَ وحَرَّمُوا عَلَيْهِمُ الْحَلالَ، فَاتَّبَعُوهُمْ، فَذَلِكَ (8) عِبَادَتُهُمْ إِيَّاهُمْ".
فَالْجَهَلَةُ مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ وَمَشَايِخِ الضَّلَالِ يَدْخُلُونَ فِي هَذَا الذَّمِّ وَالتَّوْبِيخِ، بِخِلَافِ الرُّسُلِ وَأَتْبَاعِهِمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْعَامِلِينَ، فَإِنَّمَا يَأْمُرُونَ بِمَا أمَرَ اللَّهُ بِهِ وَبَلَّغَتْهُمْ إِيَّاهُ رُسُلُهُ الْكِرَامُ. إِنَّمَا يَنْهَوْنهم عَمَّا نَهَاهُمُ اللَّهُ عَنْهُ وَبَلَّغَتْهُمْ إِيَّاهُ رُسُلُهُ الْكِرَامُ. فَالرُّسُلُ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أجمعينَ، هُمُ السُّفَرَاءُ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ خَلْقِهِ فِي أَدَاءِ مَا حَمَلُوهُ مِنَ الرِّسَالَةِ وَإِبْلَاغِ الْأَمَانَةِ، فَقَامُوا بِذَلِكَ أَتَمَّ قِيَامٍ، وَنَصَحُوا الْخَلْقَ، وَبَلَّغُوهُمُ الْحَقَّ.
وَقَوْلُهُ: {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ} أَيْ: وَلَكِنْ يَقُولُ الرَّسُولُ للناسِ: كُونُوا رَبَّانيين. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو رَزِين وَغَيْرُ وَاحِدٍ، أَيْ: حُكَمَاءَ عُلَمَاءَ حُلَمَاءَ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ: فُقَهَاءَ، وَكَذَا رُوِي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبير، وَقَتَادَةَ، وَعَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، وَعَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ، وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ. وَعَنِ الْحَسَنِ أَيْضًا: يَعْنِي أَهْلَ عِبَادَةٍ وَأَهْلَ تَقْوَى.
وَقَالَ الضَّحَّاكُ فِي قَوْلِهِ: {بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ} حَقٌ عَلَى مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ أَنْ يَكُونَ فَقيهًا: "تَعْلَمُون" أَيْ: تُفَهِّمُونَ (9) مَعْنَاهُ. وَقُرِئَ {تُعَلِّمُون} بِالتَّشْدِيدِ مِنَ التَّعْلِيمِ {وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ} تحفظون (10) ألفاظه.
(1) زيادة من جـ، ر، أ، و.
(2)
السيرة النبوية لابن هشام (1/554) ورواه الطبري في تفسيره (6/539) من طريق ابن إسحاق به.
(3)
في أ: "وقوله".
(4)
في جـ، ر، أ، و:"إذا".
(5)
في أ، و:"يصح".
(6)
في أ: "يصح".
(7)
زيادة من جـ، ر، أ، و، وفي هـ:"الآية".
(8)
في أ، و:"فذاك".
(9)
في أ، و:"يعلمون أي يفهمون".
(10)
في ر: "يحفظون".