الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من قوله من شجر أو عطف بيان أو نعت (فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ) الفاء حرف عطف ومالئون معطوف على آكلون ومنها متعلقان بمالئون والبطون مفعول لاسم الفاعل وأنت ضمير الشجر لأنه اسم جنس واسم الجنس يجوز تذكيره وتأنيثه (فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ) الفاء حرف عطف وشاربون معطوف على آكلون وعليه متعلقان بمحذوف حال ومن الحميم متعلقان بشاربون (فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ) الفاء حرف عطف وشاربون عطف على ما تقدم وشرب الهيم مفعول مطلق وصحّ عطف الشيء على نفسه لأنهما في الحقيقة مختلفان فالأول شرب للحميم على ما هو عليه من تناهي الحرارة وقطع الأمعاء وهو أمر عجيب في حدّ ذاته والثاني شرب للحميم على ذلك كما تشرب الهيم الماء وهو أمر أعجب وأشد غرابة. وفي هذا التشبيه فائدتان: إحداهما التنبيه على شربهم منه والثانية عدم جدوى الشرب وأن المشروب لا ينجع فيه كما ينجع في الهيم (هذا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ) هذا مبتدأ ونزلهم خبر ويوم الدين الظرف متعلق بمحذوف حال أي كائنا في ذلك اليوم العصيب.
البلاغة:
1-
في قوله «لا بارد ولا كريم» فن الاحتراس وقد تقدم تعريفه، وهنا لمّا قال وظل من يحموم أوهم أن الظل ربما جلب لهم شيئا من الراحة بعد التعب فنفي عنه صفتي الظل يريد أنه ظل ولكن لا كسائر الظلال التي تنشر البرد والروح وتجلب النفع لمن يأوي إليه ويتفيأ تحته ليمحق ما في مدلول الظل من الاسترواح إليه فقوله لا بارد ولا كريم صفتان للظل لا لقوله من يحموم، وهنا يرد اعتراض بأن الفاء تفيد الترتيب مع التعقيب، ونقول نصّ الرضي على أنه غير واجب مع أنه هنا يفضي إلى عدم توازن الفاصلتين وجعلهما نعتين ليحموم لا يلائم
البلاغة القرآنية كما أن فيه فن التعريض وهو أن الذين يستأهلون الظل الذي فيه برد وإكرام غير هؤلاء فيكون أشجى لحلوقهم وأدعى لتحسرهم، ولهذه النكت جميعها علل استحقاقهم هذه العقوبة بقوله «إنهم كانوا قبل ذلك مترفين» قال الرازي:«والحكمة في ذكره سبب عذابهم ولم يذكر في أصحاب اليمين سبب ثوابهم فلم يقل أنهم كانوا قبل ذلك شاكرين مذعنين وذلك للتنبيه على أن الثواب منه تعالى فضل والعقاب منه عدل والفضل سواء ذكر سببه أم لم يذكر لا يوهم بالمتفضل نقصا ولا ظلما وأما العدل فإنه إن لم يذكر سبب العقاب يظن أنه ظالم ويدل على ذلك أنه تعالى لم يقل في حق أصحاب اليمين جزاء بما كانوا يعملون كما قال في السابقين لأن أصحاب اليمين نجوا بالفضل العظيم لا بالعمل بخلاف من كثرت حسناته يحسن إطلاق الجزاء بحقه» وهذا كلام جميل جدا فتدبره ولا تنس المقابلة الخفيّة الكامنة فيما بين سطور هذا الكلام العجيب فهؤلاء الذين أمسّوا بهذه المثابة كانوا في الدنيا يعيشون غارقين في الترف، متقلبين في أعطافه فإذا بهم وقد لفّهم السموم واليحموم يتذكرون ما كانوا فيه ويقابلون بينه وبين حالتهم الراهنة والتجسيد والتخييل حاضران مهيآن أمامهم، تتقراهما أيديهم بلمس على حدّ قول البحتري.
2-
وفي الآية «هذا نزلهم يوم الدين» فن التهكم وقد مرّ أيضا، فقد سمّى الجحيم وما فيه من صنوف العذاب وضروب الأهوال نزلا تهكما بهم لأن النزل ما يعدّ للنازل تكرمة له كما في قوله تعالى «فبشّرهم بعذاب أليم» وكقول أبي الشعراء الضبّي:
وكنّا إذا الجبار بالجيش ضافنا
…
جعلنا القنا والمرهفات له نزلا
أي إذا نزل بنا الجبار مع جيشه نزول الضيف، وفيه تهكم به