الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حصل منه أن الدنيا والآخرة متصلتان وهما سواء في حكم الله وعلمه.
وجملة ظلمتم في محل جر بإضافة الظرف إليها وأن وما بعدها في تأويل مصدر فاعل ينفعكم أي لن ينفعكم اشتراككم في العذاب كما ينفع الاشتراك في مصائب الدنيا حيث يتأسى المصاب بمثله وقيل الفاعل مستتر تقديره تمنّيكم وهو المدلول عليه بقوله «يا ليت بيني وبينه» أي لن ينفعكم تمنّيكم البعد ويؤيد إضمار الفاعل قراءة إنكم بالكسر فإنه استئناف يفيد التعليل إما بالفتح فأن وما بعدها في موضع نصب بنزع الخافض أي لأنكم والجار والمجرور متعلقان بينفعكم وفي العذاب متعلقان بمشتركون ومشتركون خبر إن.
البلاغة:
1-
النكرة الواقعة في سياق الشرط: في قوله: «ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا» الآية نكتة بديعة وهي أن النكرة الواقعة في سياق الشرط تفيد العموم ولذلك أعاد عليه الضمير مجموعا في قوله:
«وإنهم ليصدّونهم» والثاني الواو في قوله «ويحسبون» والثالث الهاء في قوله إنهم.
أخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن عثمان المخزومي أن قريشا قالت قيضوا لكل رجل من أصحاب محمد رجلا يأخذه فقيضوا لأبي بكر طلحة بن عبيد الله فأتاه وهو في القوم فقال أبو بكر: إلام تدعوني؟
قال: أدعوك إلى عبادة اللّات والعزّى قال أبو بكر: وما اللات؟ قال:
أولاد الله، قال: وما العزّى؟ قال: بنات الله، قال أبو بكر فمن أمهم؟
فسكت طلحة ولم يجبه فقال لأصحابه: أجيبوا الرجل فسكت القوم.
فقال طلحة: قم يا أبا بكر أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فأنزل الله: ومن يعش عن ذكر الرحمن، الآية.
2-
وفي هذه الآية أيضا من التنكيت وهو أن يقصد المتكلم إلى شيء بالذكر دون غيره مما يسدّ مسدّه لأجل نكتة في المذكور ترجح مجيئه على سواه، فإن لقائل أن يقول لأي نكتة عدل عن لفظ الحقيقة فلم يقل: ومن يعرض عن ذكر الرحمن فاستعار لفظة العشا للضلال فنقول: النكتة في ذلك أن لفظ الاستعارة موفّ بالمعنى المراد بخلاف لفظ الحقيقة فإن الإعراض إعراضان: إعراض يرجى بعده الإقبال لأن المعرض متمكّن من الإقبال وذلك إعراض المؤمن المعتقد أحسن معتقد فيعرض له من الملاذّ التي تستغرق فكره وتشغل قلبه وعقله شغلا بتلك اللذة أو ضدها أو غيرها من أمور الدنيا فيعرض عن الذكر في تلك الحالة فمصاحبة الشيطان لذلك غير دائمة لأنه يمكن أن يؤوب إلى الله سبحانه ويتوب عن ذلك فيقبل على ما كان أعرض عنه من الذكر الذي عرف قديما طريقه واهتدى إلى سبيله وربي عليه أو لأجل عناية إلهية اقتضتها سابقة أزلية تجذبه إليه وإعراض ضلال عن طريق الرشد وسبيل الخير حتى لو قدّرنا أنه أراد الإقبال على الخير لمنعته منه سابقة الضلال والشقوة التي غلبت عليه، والمراد بالإعراض في الآية إعراض الضلال لا إعراض الغفلة فلا جرم أنه حسن استعارة العشا للضلال فيها وهذا المعرض هو الذي يقيض له مقارنة الشيطان أين كان وحيث كان وبذلك يتبين موضع النكتة التي رجّحت العدول عن لفظ الحقيقة إلى لفظ الاستعارة.
3-
التغليب: وفي قوله: «بعد المشرقين» فن التغليب وهو شائع في كلامهم يغلبون الشيء على ما لغيره وذلك بأن يطلق اسمه على الآخر ويثنى بهذا الاعتبار لتناسب بينهما واختلاط فمثال التغليب للتناسب قولهم الأبوين للأب والأم ومنه قوله تعالى «ولأبويه لكل واحد منهما السدس» والمشرقين والمغربين والخافقين وهو محل الخفوق أي