الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صفة له (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) الفاء الفصيحة أي إن عرفت هذه العوارف والآلاء الباهرة فسبّح، وسبّح فعل أمر وفاعله أنت وباسم متعلق بسبّح أو بمحذوف حال أي متبركا وقيل اسم مقحم والعظيم صفة لربك.
البلاغة:
1-
في الآيات الآنفة الذكر فن صحة الأقسام وقد سبق ذكره في هذا الكتاب وأنه عبارة عن استيفاء المتكلم جميع الأقسام للمعنى المذكور الآخذ فيه بحيث لا يغادر منه شيئا، فقد عدل عن لفظ الحرمان والمنع إلى لفظ هو ردفه وتابعه وهو لفظ الجعل إذ قال «أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون لو نشاء لجعلناه حطاما» وكذلك جاء لفظ الاعتداد بالماء حيث قال «لو نشاء جعلناه أجاجا» بلفظ الجعل عند ذكر الحرمان وما هو في معناه وجاء العطاء بلفظ الزرع في الحرث وفي الماء بلفظ الإنزال، فإن قيل: لم أكد الفعل باللام في قوله في الزرع: «لو نشاء لجعلناه حطاما» ولم يؤكده في الماء حيث قال: (لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً) ؟ قلت: لأن الزرع ونباته وجفافه بعد النضارة حتى يعود حطاما فما يحتمل أن يتوهم أنه من فعل الزراع ولهذا قال سبحانه:
«أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون» أو يتوهم أن خصبه من سقي الماء وأن جفافه من حرارة الشمس وعدم السقي أو تواتر مرور الإعصار فأخبر سبحانه أنه الفاعل لذلك كله على الحقيقة وأنه قادر على جعله لو شاء حطاما في حالة نموّه وزمن شبيبته ونضارته فلما كان هذا التوهم محتملا أوجبت البلاغة توكيد فعل الجعل فيه وإسناده لزارعه على الحقيقة ومنشئه لرفع هذا التوهم، ولما كان إنزال الماء من السماء محالا بما لا يتطرق احتمال توهم متوهم أن أحدا من جميع الخلق قادر عليه لم
يحتج إلى توكيد الفعل في جعله أجاجا فإنه لا يمكن أن يتوهم أحد أن أحدا ينزل الماء من السماء أجاجا ولا عذبا الذي هو أسهل من الأول وأهون.
وعبارة الزمخشري في هذا الصدد هذا نصها: «فإن قلت لم أدخلت اللام على جواب لو في قوله لجعلناه حطاما ونزعت منه هاهنا؟
قلت: إن لو لما كانت داخلة على جملتين معلقة ثانيتهما بالأولى تعلق الجزاء بالشرط ولم تكن مخلصة للشرط كإن ولا عاملة مثلها وإنما سرى فيها معنى الشرط اتفاقا من حيث إفادتها في مضموني جملتيهما أن الثاني امتنع لامتناع الأول افتقرت في جوابها إلى ما ينصب علما على هذا التعلق فزيدت هذه اللام لتكون علما على ذلك، فإذا حذفت بعد ما صارت علما مشهورا مكانه فلأن الشيء إذا علم وشهر موقعه وصار مألوفا ومأنوسا به لم يبال بإسقاطه عن اللفظ استغناء بمعرفة السامع، ألا ترى إلى ما يحكى عن رؤبة أنه كان يقول خير لمن قال له: كيف أصبحت؟ فحذف الجار لعلم كل أحد بمكانه وتساوي حالي حذفه وإثباته لشهرة أمره وناهيك بقول أوس:
حتى إذا الكلّاب قال لها
…
كاليوم مطلوبا ولا طلبا»
أقول وفي بيت أوس بن حجر أو للنمر بن تولب حذف لا يستقيم إلا به أي قال لها لم أنظر كاليوم مطلوبا والضمير لكلبة الصيد والكلّاب معلّم الكلاب أو الصياد أي ليس المطلوب والطلب في هذا اليوم مثلها في غيره بل أعظم، ثم يتابع الزمخشري: «ويجوز أن يقال إن هذه اللام مفيدة معنى التوكيد لا محالة فأدخلت في آية المطعوم دون آية المشروب للدلالة على أن أمر المطعوم مقدّم على أمر المشروب وأن الوعيد بفقده أشدّ وأصعب من قبل أن المشروب إنما يحتاج إليه تبعا للمطعوم، ألا ترى أنك إنما تسقي ضيفك بعد أن تطعمه ولو عكست قعدت تحت قول أبي العلاء: