الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
و" مُبَرَّؤُنَ" يَعْنِي مُنَزَّهِينَ «1» مِمَّا رُمُوا بِهِ. قَالَ بَعْضُ أَهْلِ التَّحْقِيقِ: إِنَّ يُوسُفَ عليه السلام لَمَّا رُمِيَ بِالْفَاحِشَةِ بَرَّأَهُ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ صَبِيٍّ فِي الْمَهْدِ، وَإِنَّ مَرْيَمَ لَمَّا رُمِيَتْ بِالْفَاحِشَةِ بَرَّأَهَا اللَّهُ عَلَى لِسَانِ ابْنِهَا عِيسَى صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَإِنَّ عَائِشَةَ لَمَّا رُمِيَتْ بِالْفَاحِشَةِ بَرَّأَهَا اللَّهُ تَعَالَى بِالْقُرْآنِ، فَمَا رَضِيَ لَهَا بِبَرَاءَةِ صَبِيٍّ وَلَا نَبِيٍّ حَتَّى بَرَّأَهَا اللَّهُ بِكَلَامِهِ مِنَ الْقَذْفِ وَالْبُهْتَانِ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ عَنِ جَدَّتِهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها [أَنَّهَا «2»] قَالَتْ: لَقَدْ أُعْطِيتُ تِسْعًا مَا أُعْطِيَتْهُنَّ امْرَأَةٌ: لَقَدْ نَزَلَ جِبْرِيلُ عليه السلام بِصُورَتِي فِي رَاحَتِهِ حِينَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَتَزَوَّجَنِي، وَلَقَدْ تَزَوَّجَنِي بِكْرًا وَمَا تَزَوَّجَ بِكْرًا غَيْرِي، وَلَقَدْ تُوُفِّيَ صلى الله عليه وسلم وَإِنَّ رَأْسَهُ لَفِي حِجْرِي، وَلَقَدْ قُبِرَ فِي بَيْتِي، وَلَقَدْ حَفَّتِ الْمَلَائِكَةُ بَيْتِي، وَإِنْ كَانَ الْوَحْيُ لَيَنْزِلُ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي أَهْلِهِ فَيَنْصَرِفُونَ «3» عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ لَيَنْزِلُ عَلَيْهِ وَأَنَا مَعَهُ فِي لِحَافِهِ فَمَا يُبِينُنِي عَنْ جَسَدِهِ، وَإِنِّي لَابْنَةُ خَلِيفَتِهِ وَصِدِّيقِهِ، وَلَقَدْ نَزَلَ عُذْرِي مِنَ السَّمَاءِ، وَلَقَدْ خُلِقْتُ طَيِّبَةً وَعِنْدَ طَيِّبٍ «4» ، وَلَقَدْ وُعِدْتُ مَغْفِرَةً وَرِزْقًا كَرِيمًا، تَعْنِي قَوْلَهُ تَعَالَى:" لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ" وهو الجنة.
[سورة النور (24): آية 27]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27)
فِيهِ سَبْعَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتاً) لَمَّا خَصَّصَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ ابْنَ آدَمَ الَّذِي كَرَّمَهُ وَفَضَّلَهُ بِالْمَنَازِلِ وَسَتَرَهُمْ فِيهَا عَنِ الْأَبْصَارِ، وَمَلَّكَهُمْ الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا عَلَى الِانْفِرَادِ، وَحَجَرَ عَلَى الْخَلْقِ أَنْ يَطَّلِعُوا عَلَى مَا فِيهَا مِنْ خَارِجٍ أَوْ يَلِجُوهَا مِنْ غَيْرِ إِذْنِ أَرْبَابِهَا، أَدَّبَهُمْ بِمَا يَرْجِعُ إِلَى السِّتْرِ عَلَيْهِمْ لِئَلَّا يَطَّلِعَ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى عَوْرَةٍ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:(مَنِ اطَّلَعَ فِي بَيْتِ قَوْمٍ مِنْ غَيْرِ إِذْنِهِمْ حَلَّ لَهُمْ أَنْ يَفْقَئُوا عَيْنَهُ). وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي تَأْوِيلِهِ، فَقَالَ بَعْضُ العلماء: ليس هذا على ظاهره،
(1). في ك: يعنى منزهون.
(2)
. من ط وك.
(3)
. فيتفرقون عليه.
(4)
. في ك: لقد خلقت من طيبة عند طيب.
فَإِنْ فَقَأَ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ، وَالْخَبَرُ مَنْسُوخٌ، وَكَانَ قَبْلَ نُزُولِ قَوْلِهِ تَعَالَى:" وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا «1» "[النحل: 126] وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ خَرَجَ عَلَى وَجْهِ الْوَعِيدِ لَا عَلَى وَجْهِ الْحَتْمِ، وَالْخَبَرُ إِذَا كَانَ مُخَالِفًا لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ. وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَتَكَلَّمُ بِالْكَلَامِ فِي الظَّاهِرِ وَهُوَ يُرِيدُ شَيْئًا آخَرَ، كَمَا جَاءَ فِي الْخَبَرِ أَنَّ عَبَّاسَ بْنَ مِرْدَاسٍ لَمَّا مَدَحَهُ قَالَ لِبِلَالٍ:(قُمْ فَاقْطَعْ لِسَانَهُ) وَإِنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ شَيْئًا، وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الْقَطْعَ فِي الْحَقِيقَةِ. وَكَذَلِكَ هَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذِكْرُ فَقْءِ الْعَيْنِ وَالْمُرَادُ أَنْ يُعْمَلَ بِهِ عَمَلٌ حَتَّى لَا يَنْظُرَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي بَيْتِ غَيْرِهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَا قِصَاصَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، لِحَدِيثِ أَنَسٍ، عَلَى مَا يَأْتِي. الثَّانِيَةُ- سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ مَا رَوَاهُ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ امْرَأَةً مِنَ الْأَنْصَارِ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَكُونُ فِي بَيْتِي عَلَى حَالٍ لَا أُحِبُّ أَنْ يَرَانِي عَلَيْهَا أَحَدٌ، لَا وَالِدٌ وَلَا وَلَدٌ فَيَأْتِي الْأَبُ فَيَدْخُلُ عَلَيَّ وَإِنَّهُ لَا يَزَالُ يَدْخُلُ عَلَيَّ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِي وَأَنَا عَلَى تِلْكَ الْحَالِ، فَكَيْفَ أَصْنَعُ؟ فَنَزَلَتِ الْآيَةُ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَرَأَيْتَ الْخَانَاتِ وَالْمَسَاكِنَ فِي طُرُقِ الشَّامِ لَيْسَ فِيهَا سَاكِنٌ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:" لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ"[النور: 29]. الثَّالِثَةُ- مَدَّ اللَّهُ سبحانه وتعالى التَّحْرِيمَ فِي دُخُولِ بَيْتٍ لَيْسَ هُوَ بَيْتَكَ إِلَى غَايَةٍ هِيَ الِاسْتِئْنَاسُ، وَهُوَ الِاسْتِئْذَانُ. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ قَالَ مَالِكٌ: الِاسْتِئْنَاسُ فِيمَا نَرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ الِاسْتِئْذَانُ، وَكَذَا فِي قِرَاءَةِ أُبَيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ:" حَتَّى تَسْتَأْذِنُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا". وَقِيلَ: إِنَّ مَعْنَى:" تَسْتَأْنِسُوا" تَسْتَعْلِمُوا، أَيْ تَسْتَعْلِمُوا مَنْ فِي الْبَيْتِ. قَالَ مُجَاهِدٌ: بِالتَّنَحْنُحِ أَوْ بِأَيِّ وَجْهٍ أَمْكَنَ، وَيَتَأَنَّى قَدْرَ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ شُعِرَ بِهِ، وَيَدْخُلُ إِثْرَ ذَلِكَ. وَقَالَ مَعْنَاهُ الطَّبَرِيُّ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:" فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً «2» "[النساء: 6] أَيْ عَلِمْتُمْ. وَقَالَ الشَّاعِرُ:
آنَسَتْ نَبْأَةً وَأَفْزَعَهَا القن
…
- اص عصرا وقد دنا الإمساء
(1). راجع ج 10 ص 200 فما بعد.
(2)
. راجع ج 5 ص 26.
قُلْتُ: وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بن سليمان عن واصل ابن السَّائِبِ عَنْ أَبِي سَوْرَةَ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا السلام، فما الاستئناس «1»؟ قَالَ:(يَتَكَلَّمُ الرَّجُلُ بِتَسْبِيحَةٍ وَتَكْبِيرَةٍ وَتَحْمِيدَةٍ وَيَتَنَحْنَحُ وَيُؤْذِنُ أَهْلَ الْبَيْتِ). قُلْتُ: وَهَذَا نَصٌّ فِي أَنَّ الِاسْتِئْنَاسَ غَيْرُ الِاسْتِئْذَانِ، كَمَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَمَنْ وَافَقَهُ. الرَّابِعَةُ- وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَبَعْضُ النَّاسِ يَقُولُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ:" حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا" خَطَأٌ أَوْ وَهْمٌ مِنَ الْكَاتِبِ، إِنَّمَا هُوَ:" حَتَّى تَسْتَأْذِنُوا". وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ، فَإِنَّ مَصَاحِفَ الْإِسْلَامِ كُلَّهَا قَدْ ثَبَتَ فِيهَا" حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا"، وَصَحَّ الْإِجْمَاعُ فِيهَا مِنْ لَدُنْ مُدَّةِ عُثْمَانَ، فَهِيَ الَّتِي لَا يَجُوزُ خِلَافُهَا. وَإِطْلَاقُ الْخَطَأِ وَالْوَهْمِ عَلَى الْكَاتِبِ فِي لَفْظٍ أَجْمَعَ الصَّحَابَةُ عَلَيْهِ قَوْلٌ لَا يَصِحُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَدْ قَالَ عز وجل:" لَا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ «2» حَمِيدٍ"[فُصِلَتْ: 42]، وَقَالَ تَعَالَى:" إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ «3» "[الحجر: 9]. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ فِي الْكَلَامِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا، وَالْمَعْنَى: حَتَّى تُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا وَتَسْتَأْنِسُوا حَكَاهُ أَبُو حَاتِمٍ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ. وَمِمَّا يَنْفِي هَذَا الْقَوْلَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ" تَسْتَأْنِسُوا" مُتَمَكِّنَةٌ فِي الْمَعْنَى، بَيِّنَةُ الْوَجْهِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ. وَقَدْ قَالَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَسْتَأْنِسُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَعُمَرُ وَاقِفٌ عَلَى بَابِ الْغَرْفَةِ، الْحَدِيثَ الْمَشْهُورَ. وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ طَلَبَ الْأُنْسَ بِهِ صلى الله عليه وسلم، فَكَيْفَ يُخَطِّئُ ابْنُ عَبَّاسٍ أَصْحَابَ الرَّسُولِ فِي مِثْلِ هَذَا. قُلْتُ: قَدْ ذَكَرْنَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ أَنَّ الِاسْتِئْنَاسَ إِنَّمَا يَكُونُ قَبْلَ السَّلَامِ، وَتَكُونُ الْآيَةُ عَلَى بَابِهَا لَا تَقْدِيمَ فِيهَا وَلَا تَأْخِيرَ، وَأَنَّهُ إِذَا دَخَلَ سَلَّمَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الْخَامِسَةُ- السُّنَّةُ فِي الِاسْتِئْذَانِ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ لَا يُزَادُ عَلَيْهَا. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ قَالَ مَالِكٌ: الِاسْتِئْذَانُ ثَلَاثٌ، لَا أُحِبُّ أَنْ يَزِيدَ أَحَدٌ عَلَيْهَا، إِلَّا مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ، فَلَا أَرَى بَأْسًا أَنْ يَزِيدَ إِذَا اسْتَيْقَنَ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ. وَصُورَةُ الِاسْتِئْذَانِ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ، فَإِنْ أُذِنَ لَهُ دَخَلَ، وَإِنْ أُمِرَ بِالرُّجُوعِ انْصَرَفَ، وَإِنْ سكت عنه استأذن
(1). كذا في ط وك. وهو الصواب. وج وا: فما الاستئذان. [ ..... ]
(2)
. راجع ج 15 ص 366 فما بعد.
(3)
. راجع ج 10 ص 5.
ثَلَاثًا، ثُمَّ يَنْصَرِفُ مِنْ بَعْدِ الثَّلَاثِ. وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّ السُّنَّةَ الِاسْتِئْذَانُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَا يُزَادُ عَلَيْهَا لِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، الَّذِي اسْتَعْمَلَهُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَشَهِدَ بِهِ لِأَبِي مُوسَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ، ثُمَّ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ. وَهُوَ حَدِيثٌ مَشْهُورٌ أَخْرَجَهُ الصَّحِيحُ، وَهُوَ نَصٌّ صَرِيحٌ، فَإِنَّ فِيهِ: فَقَالَ- يَعْنِي عُمَرَ- مَا مَنَعَكَ أَنْ تَأْتِيَنَا؟ فَقُلْتُ: أَتَيْتُ فَسَلَّمْتُ عَلَى بَابِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَلَمْ تَرُدَّ عَلَيَّ فَرَجَعْتُ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:(إِذَا اسْتَأْذَنَ أَحَدُكُمْ ثَلَاثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَلْيَرْجِعْ). وَأَمَّا مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ صُورَةِ الِاسْتِئْذَانِ فَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ رِبْعِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَامِرٍ اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي بَيْتٍ، فَقَالَ: أَلِجُ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِخَادِمِهِ: (اخْرُجْ إِلَى هَذَا فَعَلِّمْهُ الِاسْتِئْذَانَ- فَقَالَ لَهُ- قُلِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ) فَسَمِعَهُ الرَّجُلُ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ؟ فَأَذِنَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَدَخَلَ. وَذَكَرَهُ الطَّبَرِيُّ وَقَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِأَمَةٍ لَهُ يُقَالُ لَهَا:" رَوْضَةُ": (قُولِي لِهَذَا يَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَدْخُلُ؟) الْحَدِيثَ. وَرُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ آذَتْهُ الرَّمْضَاءُ يَوْمًا فَأَتَى فُسْطَاطًا لِامْرَأَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ؟ فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ: ادْخُلْ بِسَلَامٍ، فَأَعَادَ فَأَعَادَتْ، فَقَالَ لَهَا: قُولِي ادْخُلْ. فَقَالَتْ ذَلِكَ فَدَخَلَ، فَتَوَقَّفَ لَمَّا قَالَتْ: بِسَلَامٍ، لِاحْتِمَالِ اللَّفْظِ أَنْ تُرِيدَ بِسَلَامِكَ لَا بِشَخْصِكَ. السَّادِسَةُ- قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ: إِنَّمَا خُصَّ الِاسْتِئْذَانُ بِثَلَاثٍ لِأَنَّ الْغَالِبَ مِنَ الْكَلَامِ إِذَا كُرِّرَ ثَلَاثًا سُمِعَ وَفُهِمَ؟، وَلِذَلِكَ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَعَادَهَا ثَلَاثًا حَتَّى يُفْهَمَ عَنْهُ، وَإِذَا سَلَّمَ عَلَى قَوْمٍ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ ثَلَاثًا. وَإِذَا كَانَ الْغَالِبُ هَذَا، فَإِذَا لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ بَعْدَ ثَلَاثٍ ظَهَرَ أَنَّ رَبَّ الْمَنْزِلِ لَا يُرِيدُ الْإِذْنَ، أَوْ لَعَلَّهُ يَمْنَعُهُ مِنَ الْجَوَابِ عَنْهُ عُذْرٌ لَا يُمْكِنُهُ قَطْعُهُ، فَيَنْبَغِي لِلْمُسْتَأْذِنِ أَنْ يَنْصَرِفَ، لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى ذَلِكَ قَدْ تُقْلِقُ رَبَّ الْمَنْزِلِ، وَرُبَّمَا يَضُرُّهُ الْإِلْحَاحُ حَتَّى يَنْقَطِعَ عَمَّا كَانَ مَشْغُولًا بِهِ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِأَبِي أَيُّوبَ حِينَ اسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ فَخَرَجَ مُسْتَعْجِلًا فَقَالَ: (لَعَلَّنَا أَعْجَلْنَاكَ
…
) الْحَدِيثَ. وَرَوَى عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَمَّا سُنَّةُ التَّسْلِيمَاتِ الثَّلَاثِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ سعد
ابن عُبَادَةَ فَقَالَ: (السَّلَامُ عَلَيْكُمْ) فَلَمْ يَرُدُّوا، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:(السَّلَامُ عَلَيْكُمْ) فَلَمْ يَرُدُّوا، فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا فَقَدَ سَعْدٌ تَسْلِيمَهُ عَرَفَ أَنَّهُ قَدِ انْصَرَفَ، فَخَرَجَ سَعْدٌ في أثره حتى أدركه، فقال: وعليكم السَّلَامُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّمَا أَرَدْنَا أَنْ نَسْتَكْثِرَ مِنْ تَسْلِيمِكَ، وَقَدْ وَاللَّهِ سَمِعْنَا، فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَعَ سَعْدٍ حَتَّى دَخَلَ بَيْتَهُ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَإِنَّمَا أُخِذَ التَّسْلِيمُ ثَلَاثًا مِنْ قِبَلِ ذَلِكَ، ورواه الوليد ابن مُسْلِمٍ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ أَبِي كَثِيرٍ يَقُولُ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرحمن ابن أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ [عَنْ قَيْسِ «1» بْنِ سَعْدٍ] قَالَ: زَارَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَنْزِلِنَا «2» فَقَالَ: (السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ) قَالَ فَرَدَّ سَعْدٌ رَدًّا خَفِيًّا «3» ، قَالَ قَيْسٌ: فَقُلْتُ أَلَا تَأْذَنُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ: ذَرْهُ «4» يُكْثِرُ عَلَيْنَا مِنَ السَّلَامِ «5»
…
الْحَدِيثَ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَلَيْسَ فِيهِ" قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَإِنَّمَا أُخِذَ التَّسْلِيمُ ثَلَاثًا مِنْ قِبَلِ ذَلِكَ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ: ورواه عمر ابن عَبْدِ الْوَاحِدِ وَابْنُ سَمَاعَةَ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ مُرْسَلًا لَمْ يَذْكُرَا قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ. السَّابِعَةُ- رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ الِاسْتِئْذَانَ تَرَكَ الْعَمَلَ بِهِ النَّاسُ. قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ: وَذَلِكَ لِاتِّخَاذِ النَّاسِ الْأَبْوَابَ وَقَرْعَهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَتَى بَابَ قَوْمٍ لَمْ يَسْتَقْبِلِ الْبَابَ مِنْ تِلْقَاءِ وَجْهِهِ وَلَكِنْ مِنْ رُكْنِهِ الْأَيْمَنِ أَوِ الْأَيْسَرِ فَيَقُولُ: (السَّلَامُ عَلَيْكُمُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ) وَذَلِكَ أَنَّ الدُّورَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا يَوْمَئِذٍ سُتُورٌ. الثَّامِنَةُ- فَإِنْ كَانَ الْبَابُ مَرْدُودًا فَلَهُ أَنْ يَقِفَ حَيْثُ شَاءَ مِنْهُ وَيَسْتَأْذِنَ، وَإِنْ شَاءَ دَقَّ الْبَابَ، لِمَا رَوَاهُ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كان فِي حَائِطٍ بِالْمَدِينَةِ عَلَى قُفِّ الْبِئْرِ «6» فَمَدَّ رِجْلَيْهِ فِي الْبِئْرِ فَدَقَّ الْبَابَ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:(ائذن لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ). هَكَذَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن أبى الزناد وتابعه صالح ابن كَيْسَانَ وَيُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، فَرَوَوْهُ جَمِيعًا عَنْ أَبِي
الزِّنَادِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ الرحمن بن نافع
(1). زيادة عن سنن أبى داود يقتضيها السياق.
(2)
. في ى: منزل لنا.
(3)
. في ج: خفيفا.
(4)
. في ج: دعه.
(5)
. في ك: التسليم.
(6)
. قف البئر: هو الدكة التي تجعل حولها. واصل القف: ما غلظ من الأرض وارتفع.
عَنْ أَبِي مُوسَى". وَخَالَفَهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو اللَّيْثِيُّ فَرَوَاهُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِي سلمة عن نافع ابن عَبْدِ الْحَارِثِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَذَلِكَ، وَإِسْنَادُهُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. التَّاسِعَةُ: وَصِفَةُ الدَّقِّ أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا بِحَيْثُ يُسْمَعُ، وَلَا يُعَنَّفُ فِي ذَلِكَ، فَقَدْ رَوَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَتْ أَبْوَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تُقْرَعُ بِالْأَظَافِيرِ، ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ الْخَطِيبُ فِي جَامِعِهِ. الْعَاشِرَةُ- رَوَى الصَّحِيحَانِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ: اسْتَأْذَنْتُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: (مَنْ هَذَا)؟ فَقُلْتُ أَنَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:(أَنَا أَنَا)! كَأَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ. قَالَ عُلَمَاؤُنَا: إِنَّمَا كَرِهَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنَا لَا يَحْصُلُ بِهَا تَعْرِيفٌ، وَإِنَّمَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَذْكُرَ اسْمَهُ كَمَا فَعَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه وَأَبُو مُوسَى، لِأَنَّ فِي ذِكْرِ الِاسْمِ إِسْقَاطُ كُلْفَةِ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ. ثَبَتَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي مَشْرُبَةٍ لَهُ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَيَدْخُلُ عُمَرُ؟ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ أَبَا مُوسَى جَاءَ إِلَى عُمَرَ ابن الْخَطَّابِ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، هَذَا أَبُو مُوسَى، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، هَذَا الْأَشْعَرِيُّ
…
الْحَدِيثَ. الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ- ذَكَرَ الْخَطِيبُ فِي جَامِعِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ الْوَاسِطِيِّ قَالَ: قَدِمْتُ الْبَصْرَةَ فَأَتَيْتُ مَنْزِلَ شُعْبَةَ فَدَقَقْتُ عَلَيْهِ الْبَابَ فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قُلْتُ أَنَا، فَقَالَ: يَا هَذَا! مَا لِي صَدِيقٌ يُقَالُ لَهُ أَنَا، ثُمَّ خَرَجَ إِلَيَّ فَقَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي حَاجَةٍ لِي فَطَرَقْتُ عَلَيْهِ الْبَابَ فَقَالَ: (مَنْ هَذَا)؟ فَقُلْتُ أَنَا، فَقَالَ:(أَنَا أَنَا) كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَرِهَ قَوْلِي هَذَا، أَوْ قَوْلَهُ هَذَا. وَذُكِرَ عَنْ عُمَرَ بْنِ شَبَّةَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَّامٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: دَقَقْتُ عَلَى عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ الْبَابَ فَقَالَ لِي: مَنْ هَذَا؟ فَقُلْتُ أَنَا، فَقَالَ: لَا يَعْلَمُ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ. قَالَ الْخَطِيبُ: سَمِعْتُ على ابن الْمُحْسِنِ الْقَاضِيَ يَحْكِي عَنْ بَعْضِ الشُّيُوخِ أَنَّهُ كَانَ إِذَا دَقَّ بَابَهُ فَقَالَ مَنْ ذَا؟ فَقَالَ الَّذِي عَلَى الْبَابِ أَنَا، يَقُولُ الشَّيْخُ: أَنَا هَمٌّ دَقَّ.
الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ- ثُمَّ لِكُلِّ قَوْمٍ فِي الِاسْتِئْذَانِ عُرْفُهُمْ فِي الْعِبَارَةِ «1» ، كَمَا رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ مُسْنَدًا عَنْ أَبِي عَبْدِ الْمَلِكِ مَوْلَى أُمِّ مِسْكِينِ بِنْتِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: أَرْسَلَتْنِي مَوْلَاتِي إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ فَجَاءَ مَعِي، فَلَمَّا قَامَ بِالْبَابِ قَالَ: أندر؟ قَالَتْ أندرون. وَتَرْجَمَ عَلَيْهِ (بَابُ الِاسْتِئْذَانِ بِالْفَارِسِيَّةِ). وَذُكِرَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ قَالَ: كَانَ الدَّرَاوَرْدِيُّ مِنْ أَهْلِ أَصْبَهَانَ نَزَلَ الْمَدِينَةَ، فَكَانَ يَقُولُ لِلرَّجُلِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ: أندرون، فَلَقَّبَهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ الدَّرَاوَرْدِيَّ «2» . الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ- رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ كَلَدَةَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ بَعَثَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بلبن وجداية وضغا بيس «3» وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِأَعْلَى مَكَّةَ، فَدَخَلْتُ وَلَمْ أُسَلِّمْ فَقَالَ:(ارْجِعْ فَقُلِ السَّلَامُ عليكم) وذلك بعد ما أَسْلَمَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ. وَرَوَى أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَنْ لَمْ يَبْدَأْ بِالسَّلَامِ فَلَا تَأْذَنُوا لَهُ). وَذَكَرَ ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: إِذَا قَالَ الرَّجُلُ أَدْخُلُ؟ وَلَمْ يُسَلِّمْ فَقُلْ لَا حَتَّى تَأْتِيَ بِالْمِفْتَاحِ، فَقُلْتُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ؟ قَالَ نَعَمْ. وَرُوِيَ أَنَّ حُذَيْفَةَ جَاءَهُ رَجُلٌ فَنَظَرَ إِلَى مَا فِي الْبَيْتِ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ؟ فَقَالَ حُذَيْفَةُ: أَمَّا بِعَيْنِكَ فَقَدْ دَخَلْتَ! وَأَمَّا بِإِسْتِكَ فَلَمْ تَدْخُلْ. الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ- وَمِمَّا يَدْخُلُ فِي هَذَا الْبَابِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (رَسُولُ الرَّجُلِ إِلَى الرَّجُلِ إِذْنُهُ)، أَيْ إِذَا أُرْسِلَ إِلَيْهِ فَقَدْ أُذِنَ لَهُ فِي الدُّخُولِ، يُبَيِّنُهُ قَوْلُهُ عليه السلام:(إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ [إِلَى طَعَامٍ «4»] فَجَاءَ مَعَ الرَّسُولِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَهُ إِذْنٌ). أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ- فَإِنْ وَقَعَتِ الْعَيْنُ عَلَى الْعَيْنِ فَالسَّلَامُ قَدْ تَعَيَّنَ، وَلَا تُعَدُّ رُؤْيَتُهُ إِذْنًا لَكَ فِي دُخُولِكَ عَلَيْهِ، فَإِذَا قَضَيْتَ حَقَّ السَّلَامِ لِأَنَّكَ الْوَارِدُ عَلَيْهِ تَقُولُ: أَدْخُلُ؟ فَإِنْ أُذِنَ لَكَ وإلا رجعت.
(1). في ك: في العادة.
(2)
. هو عبد العزيز بن محمد بن عبيد بن أبى عبيد. (راجع ترجمته في كتاب تهذيب التهذيب).
(3)
. الجداية: الذكر والأنثى من أولاد الظباء إذا بلغ ستة أشهر أو سبعة، بمنزلة الجدى من المعز. والضغابيس القثاء، واحدها ضغبوس. وقيل: هي نبت ينبت في أصول الثمام، يسلق بالخل والزيت ويؤكل.
(4)
. زيادة عن سنن أبى داود.