الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَوْقَاتِهَا، وَإِتْمَامُ رُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي" الْبَقَرَةِ «1» " مُسْتَوْفًى. ثُمَّ قَالَ:(أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ) 10 أَيْ مَنْ عَمِلَ بِمَا ذُكِرَ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ فَهُمُ الْوَارِثُونَ، أَيْ يَرِثُونَ مَنَازِلَ أَهْلِ النَّارِ مِنَ الْجَنَّةِ. وَفِي الْخَبَرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لِكُلِّ إِنْسَانٍ مَسْكَنًا فِي الْجَنَّةِ وَمَسْكَنًا فِي النَّارِ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُونَ فَيَأْخُذُونَ مَنَازِلَهُمْ وَيَرِثُونَ مَنَازِلَ الْكُفَّارِ وَيَجْعَلُ الْكُفَّارَ فِي مَنَازِلِهِمْ فِي النَّارِ (. خَرَّجَهُ ابْنُ مَاجَهْ بِمَعْنَاهُ. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:) مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَلَهُ مَنْزِلَانِ مَنْزِلٌ فِي الْجَنَّةِ وَمَنْزِلٌ فِي النَّارِ فَإِذَا مَاتَ فَدَخَلَ النَّارَ وَرِثَ أَهْلُ الْجَنَّةِ مَنْزِلَهُ فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:" أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ 10"(. إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُسَمَّى الْحُصُولُ عَلَى الْجَنَّةِ وِرَاثَةً مِنْ حَيْثُ حُصُولُهَا دُونَ غَيْرِهِمْ، فَهُوَ اسْمٌ مُسْتَعَارٌ عَلَى الْوَجْهَيْنِ. وَالْفِرْدَوْسُ رَبْوَةُ الْجَنَّةِ وَأَوْسَطُهَا وَأَفْضَلُهَا. خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ النَّضْرِ أُمِّ حَارِثَةَ، وَقَالَ: حديث حسن صحيح. وفي صحيح «2» مُسْلِمٍ (فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَسَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ وَمِنْهُ تُفْجَرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ). قَالَ أَبُو حَاتِمٍ مُحَمَّدُ بْنُ حِبَّانَ: قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ) يُرِيدُ أَنَّ الْفِرْدَوْسَ فِي وَسَطِ الْجِنَانِ فِي الْعَرْضِ وَهُوَ أَعْلَى الْجَنَّةِ، يُرِيدُ فِي الِارْتِفَاعِ. وَهَذَا كُلُّهُ يُصَحِّحُ قَوْلَ أَبِي هُرَيْرَةَ: إِنَّ الْفِرْدَوْسَ جَبَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي تَتَفَجَّرُ مِنْهُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ. وَاللَّفْظَةُ فِيمَا قَالَ مُجَاهِدٌ: رُومِيَّةٌ عُرِّبَتْ. وَقِيلَ: هِيَ فَارِسِيَّةٌ عُرِّبَتْ. وَقِيلَ: حَبَشِيَّةٌ، وَإِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ فَهُوَ وِفَاقٌ بَيْنَ اللُّغَاتِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: هُوَ عَرَبِيٌّ وَهُوَ الْكَرْمُ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِلْكُرُومِ فَرَادِيسُ. (هُمْ فِيها خالِدُونَ) فَأُنِّثَ على معنى الجنة.
[سورة المؤمنون (23): الآيات 12 الى 14]
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ (14)
(1). راجع ج 1 ص 164 فما بعد.
(2)
. كذا في ب وج وك.
فِيهِ خَمْسُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ) الْإِنْسَانُ هُنَا آدَمُ عليه الصلاة والسلام، قَالَهُ قَتَادَةُ وَغَيْرُهُ، لِأَنَّهُ اسْتُلَّ مِنَ الطِّينِ. وَيَجِيءُ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ:(ثُمَّ جَعَلْناهُ) عَائِدًا عَلَى ابْنِ آدَمَ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يُذْكَرْ لِشُهْرَةِ الْأَمْرِ، فَإِنَّ الْمَعْنَى لَا يَصْلُحُ إِلَّا لَهُ. نَظِيرُ ذَلِكَ" حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ «1» " [ص: 32]. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالسُّلَالَةِ ابْنُ آدَمَ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ. وَالسُّلَالَةُ عَلَى هَذَا صَفْوَةُ الْمَاءِ، يَعْنِي الْمَنِيَّ. وَالسُّلَالَةُ فُعَالَةٌ مِنَ السَّلِّ وَهُوَ اسْتِخْرَاجُ الشَّيْءِ مِنَ الشَّيْءِ، يُقَالُ: سَلَلْتُ الشَّعْرَ مِنَ الْعَجِينِ، وَالسَّيْفَ مِنَ الْغِمْدِ فَانْسَلَّ، وَمِنْهُ قوله:
فَسُلِّيَ ثِيَابِي مِنْ ثِيَابِكِ تَنْسُلِ «2»
فَالنُّطْفَةُ سُلَالَةٌ، وَالْوَلَدُ سَلِيلٌ وَسُلَالَةٌ، عَنَى بِهِ الْمَاءَ يُسَلُّ من الظهر سلا. قال الشاعر:
فَجَاءَتْ بِهِ عَضْبَ الْأَدِيمِ غَضَنْفَرًا
…
سُلَالَةَ فَرْجٍ كان غير حصين «3»
وقال آخر:
وَمَا هِنْدٌ إِلَّا مُهْرَةٌ عَرَبِيَّةٌ
…
سَلِيلَةُ أَفْرَاسٍ تجللها بغل «4»
وقوله:" مِنْ طِينٍ) " أَيْ أَنَّ الْأَصْلَ آدَمُ وَهُوَ مِنْ طِينٍ. قُلْتُ: أَيْ مِنْ طِينٍ خَالِصٍ، فَأَمَّا وَلَدُهُ فَهُوَ مِنْ طِينٍ وَمَنِيٍّ، حَسْبَمَا بَيَّنَّاهُ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْأَنْعَامِ «5». وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: السُّلَالَةُ الطِّينُ إِذَا عَصَرْتَهُ انْسَلَّ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِكَ، فَالَّذِي يَخْرُجُ هُوَ السُّلَالَةُ. الثَّانِيَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى:(نُطْفَةً) قَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِي النُّطْفَةِ وَالْعَلَقَةِ وَالْمُضْغَةِ وَمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْأَحْكَامِ فِي أَوَّلِ الْحَجِّ «6» ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى ذَلِكَ. الثَّالِثَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى:(ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ) اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْخَلْقِ الْآخَرِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالشَّعْبِيُّ وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَالضَّحَّاكُ وَابْنُ زَيْدٍ: هُوَ نَفْخُ الرُّوحِ فِيهِ بَعْدَ أَنْ كَانَ
(1). راجع ج 15 ص 195 فما بعد.
(2)
. هذا عجز بيت من معلقة امرئ القيس. وصدره:
وإن تك قد ساءتك منى خليقة
(3)
. البيت لحسان بن ثابت.
(4)
. نسب صاحب لسان العرب هذا البيت لهند بنت النعمان (مادة سلل). وتجللها: علاها. وقوله:" بغل" قال ابن برى: وذكر بعضهم أنها تصحيف، وأن صوابه" نغل" بالنون وهو الخسيس من الناس والدواب، وفى ب وجوك: تحللها. بالمهملة وهو المشهور.
(5)
. راجع ج 6 ص 387.
(6)
. راجع ص 6 من هذا الجزء.
جمادا. وعن ابن عباس: خروجه إِلَى الدُّنْيَا. وَقَالَ قَتَادَةُ عَنْ فِرْقَةٍ: نَبَاتُ شَعْرِهِ. الضَّحَّاكُ: خُرُوجُ الْأَسْنَانِ وَنَبَاتُ الشَّعْرِ. مُجَاهِدٌ: كَمَالُ شَبَابِهِ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ عَامٌّ فِي هَذَا وَفِي غَيْرِهِ مِنَ النُّطْقِ وَالْإِدْرَاكِ وَحُسْنِ الْمُحَاوَلَةِ وَتَحْصِيلِ الْمَعْقُولَاتِ إِلَى أَنْ يَمُوتَ. الرَّابِعَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى:(فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) يُرْوَى أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لَمَّا سَمِعَ صَدْرَ الْآيَةِ إِلَى قَوْلِهِ:" خَلْقًا آخَرَ" قَالَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:(هَكَذَا أُنْزِلَتْ). وَفِي مُسْنَدِ الطَّيَالِسِيِّ: وَنَزَلَتْ" وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ" الْآيَةَ، فَلَمَّا نَزَلَتْ قُلْتُ أَنَا: تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ، فَنَزَلَتْ:" فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ". وَيُرْوَى أَنَّ قَائِلَ ذَلِكَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ. وَرُوِيَ أَنَّ قَائِلَ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي سَرْحٍ، وَبِهَذَا السَّبَبِ ارْتَدَّ وَقَالَ: آتِي بِمِثْلِ مَا يَأْتِي مُحَمَّدٌ، وَفِيهِ نَزَلَ" وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ" [الانعام: 93] عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي" الْأَنْعَامِ «1» ". وَقَوْلُهُ تَعَالَى:" فَتَبارَكَ" تَفَاعَلَ مِنَ الْبَرَكَةِ. (أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) أَتْقَنُ الصَّانِعِينَ. يُقَالُ لِمَنْ صَنَعَ شَيْئًا خَلَقَهُ، ومنه قول الشَّاعِرُ:
وَلَأَنْتَ تَفْرِي مَا خَلَقْتَ وَبَعْ
…
ضُ الْقَوْمِ يَخْلُقُ ثُمَّ لَا يَفْرِي»
وَذَهَبَ بَعْضُ النَّاسِ إِلَى نَفْيِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ عَنِ النَّاسِ، وَإِنَّمَا يُضَافُ الْخَلْقُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى. وَقَالَ ابْنُ جريح: إِنَّمَا قَالَ:" أَحْسَنُ الْخالِقِينَ" لِأَنَّهُ تَعَالَى قَدْ أَذِنَ لِعِيسَى عليه السلام أَنْ يَخْلُقَ، وَاضْطَرَبَ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ. وَلَا تُنْفَى اللَّفْظَةُ عَنِ الْبَشَرِ فِي مَعْنَى الصُّنْعِ، وَإِنَّمَا هِيَ مَنْفِيَّةٌ بِمَعْنَى الِاخْتِرَاعِ وَالْإِيجَادِ مِنَ الْعَدَمِ. الْخَامِسَةُ «3»: مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِعُمَرَ حِينَ سَأَلَ مَشْيَخَةَ الصَّحَابَةِ عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ فَقَالُوا: اللَّهُ أَعْلَمُ، فَقَالَ عُمَرُ: مَا تَقُولُ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ؟ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ الله تعالى خلق السموات سَبْعًا وَالْأَرَضِينَ سَبْعًا، وَخَلَقَ ابْنَ آدَمَ مِنْ سبع وجعل رزقه في سبع، فأراها
(1). راجع ج 7 ص 39.
(2)
. البيت لزهير بن أبى سلمى يمدح هرم بن سنان. والفري: القطع.
(3)
. كذا في ك وز. وفى ب وج وط: مسألة.