الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
" ذلِكَ" نَصْبًا، أَيْ فَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُ هو الحق. (وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى) أَيْ بِأَنَّهُ (وَأَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) أَيْ وَبِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى مَا أَرَادَ. (وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ:" ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ" مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ، وَلَيْسَ عَطْفًا فِي الْمَعْنَى، إِذْ لَا يُقَالُ فَعَلَ اللَّهُ مَا ذَكَرَ بِأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ، بل لأبد مِنْ إِضْمَارِ فِعْلٍ يَتَضَمَّنُهُ، أَيْ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ (لَا رَيْبَ فِيها) أَيْ لَا شَكَّ. (وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ) يريد للثواب والعقاب.
[سورة الحج (22): الآيات 8 الى 10]
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ (8) ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ (9) ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَاّمٍ لِلْعَبِيدِ (10)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ (8) ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ (9) ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (10) 10 - 8 قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ) أَيْ نَيِّرٍ بَيِّنِ الْحُجَّةِ. نَزَلَتْ فِي النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ. وَقِيلَ: فِي أَبِي جَهْلِ بْنِ هشام، قال ابْنُ عَبَّاسٍ. وَالْمُعْظَمُ عَلَى أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ كَالْآيَةِ الْأُولَى، فَهُمَا فِي فَرِيقٍ وَاحِدٍ، وَالتَّكْرِيرُ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الذَّمِّ، كَمَا تَقُولُ لِلرَّجُلِ تَذُمُّهُ وَتُوَبِّخُهُ: أَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا! أَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا! وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّكْرِيرُ لِأَنَّهُ وَصَفَهُ فِي كُلِّ آيَةٍ بِزِيَادَةٍ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: إِنَّ النَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ، وَالنَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ وَمِنْ غَيْرِ هُدًى وَكِتَابٍ مُنِيرٍ، لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ. وَهُوَ كَقَوْلِكَ: زَيْدٌ يشتمني وزيد يضربني، وهو تكرار مفيد، قال الْقُشَيْرِيُّ. وَقَدْ قِيلَ: نَزَلَتْ فِيهِ بِضْعُ عَشْرَةَ آيَةً. فَالْمُرَادُ بِالْآيَةِ الْأُولَى إِنْكَارُهُ الْبَعْثَ، وَبِالثَّانِيَةِ إِنْكَارُهُ النُّبُوَّةَ، وَأَنَّ الْقُرْآنَ مُنَزَّلٌ مِنْ جِهَةِ اللَّهِ. وَقَدْ قِيلَ: كَانَ مِنْ قَوْلِ النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ، وَهَذَا جِدَالٌ فِي اللَّهِ تَعَالَى:" مِنَ" فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ. وَالْخَبَرُ فِي قَوْلِهِ:" وَمِنَ النَّاسِ". (ثانِيَ عِطْفِهِ) نُصِبَ عَلَى الْحَالِ. وَيُتَأَوَّلُ عَلَى مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا- رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ،
لَوَى عُنُقَهُ مَرَحًا وَتَعَظُّمًا. وَالْمَعْنَى الْآخَرُ: وَهُوَ قَوْلُ الْفَرَّاءِ: أَنَّ التَّقْدِيرَ: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ ثَانِيَ عِطْفِهِ، أَيْ مُعْرِضًا عَنِ الذِّكْرِ، ذَكَرَهُ النَّحَّاسُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ: لَاوِيًا عُنُقَهُ كُفْرًا. ابْنُ عَبَّاسٍ: مُعْرِضًا عَمَّا يُدْعَى إِلَيْهِ كُفْرًا. وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ. وَرَوَى الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ مَخْلَدِ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ عز وجل:" ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ" قَالَ: هُوَ صَاحِبُ الْبِدْعَةِ. الْمُبَرِّدُ: الْعِطْفُ مَا انْثَنَى مِنَ الْعُنُقِ. وَقَالَ الْمُفَضَّلُ: وَالْعِطْفُ الْجَانِبُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: فُلَانٌ يَنْظُرُ فِي أَعْطَافِهِ، أَيْ فِي جَوَانِبِهِ. وَعِطْفَا الرَّجُلِ مِنْ لدن رأسه إلى وركه. وكذلك عطفا كل شي جَانِبَاهُ. وَيُقَالُ: ثَنَى فُلَانٌ عَنِّي عِطْفَهُ إِذَا أَعْرَضَ عَنْكَ. فَالْمَعْنَى: أَيْ هُوَ مُعْرِضٌ عَنِ الْحَقِّ فِي جِدَالِهِ وَمُوَلٍّ عَنِ النَّظَرِ فِي كَلَامِهِ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:" وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها"«1» [لقمان: 7]. وقوله تعالى:" لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ"«2» [المنافقون: 5]. وقوله:" أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ"«3» [الاسراء: 83]. وقوله:" ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى"«4» [القيامة: 33]. (لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) أَيْ عَنْ طَاعَةِ الله تعالى. وقرى" لِيَضِلَّ" بِفَتْحِ الْيَاءِ. وَاللَّامُ لَامُ الْعَاقِبَةِ، أَيْ يُجَادِلُ فَيَضِلُّ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:" لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً"«5» [القصص: 8]. أَيْ فَكَانَ لَهُمْ كَذَلِكَ. وَنَظِيرُهُ" إِذا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ. لِيَكْفُرُوا"«6» [النحل: 55 - 54]. (لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ) أَيْ هَوَانٌ وَذُلٌّ بِمَا يَجْرِي لَهُ مِنَ الذِّكْرِ الْقَبِيحِ عَلَى أَلْسِنَةِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، كَمَا قَالَ:" وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ 10"«7» [القلم: 10] الْآيَةَ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى:" تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ"«8» [المسد: 1]. وَقِيلَ: الْخِزْيُ هَاهُنَا الْقَتْلُ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَتَلَ النَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ يَوْمَ بَدْرٍ صَبْرًا، كَمَا تَقَدَّمَ فِي آخِرِ الْأَنْفَالِ. (وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ) أَيْ نَارَ جَهَنَّمَ. (ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ) 10 أَيْ يُقَالُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ إِذَا دَخَلَ النَّارَ: ذَلِكَ الْعَذَابُ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ مِنَ الْمَعَاصِي وَالْكُفْرِ. وَعَبَّرَ بِالْيَدِ عَنِ الْجُمْلَةِ، لِأَنَّ الْيَدَ الَّتِي تَفْعَلُ وَتَبْطِشُ لِلْجُمْلَةِ. وَ" ذلِكَ" بِمَعْنَى هذا، كما تقدم في أول البقرة «9» .
(1). راجع ج 14 ص 57.
(2)
. راجع ج 18 ص 126 فما بعد وص 231.
(3)
. راجع ج 10 ص 321 وص 114.
(4)
. راجع ج 19 ص 111 فما بعد وص 231.
(5)
. راجع ج 13 ص 250.
(6)
. راجع ج 10 ص 321 وص 114.
(7)
. راجع ج 19 ص 111 فما بعد وص 231. [ ..... ]
(8)
. راجع ج 20 ص 234.
(9)
. راجع ج 1 ص 157.