المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الحج (22): آية 5] - تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن - جـ ١٢

[القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌[تفسير سورة الحج]

- ‌[سورة الحج (22): آيَةً 1]

- ‌[سورة الحج (22): آية 2]

- ‌[سورة الحج (22): الآيات 3 الى 4]

- ‌[سورة الحج (22): آية 5]

- ‌[سورة الحج (22): الآيات 6 الى 7]

- ‌[سورة الحج (22): الآيات 8 الى 10]

- ‌[سورة الحج (22): آية 11]

- ‌[سورة الحج (22): آية 12]

- ‌[سورة الحج (22): آية 13]

- ‌[سورة الحج (22): آية 14]

- ‌[سورة الحج (22): آية 15]

- ‌[سورة الحج (22): آية 16]

- ‌[سورة الحج (22): آية 17]

- ‌[سورة الحج (22): آية 18]

- ‌[سورة الحج (22): الآيات 19 الى 21]

- ‌[سورة الحج (22): آية 22]

- ‌[سورة الحج (22): آية 23]

- ‌[سورة الحج (22): آية 24]

- ‌[سورة الحج (22): آية 25]

- ‌[سورة الحج (22): آية 26]

- ‌[سورة الحج (22): آية 27]

- ‌[سورة الحج (22): الآيات 28 الى 29]

- ‌[سورة الحج (22): الآيات 30 الى 31]

- ‌[سورة الحج (22): الآيات 32 الى 33]

- ‌[سورة الحج (22): آية 34]

- ‌[سورة الحج (22): آية 35]

- ‌[سورة الحج (22): آية 36]

- ‌[سورة الحج (22): آية 37]

- ‌[سورة الحج (22): آية 38]

- ‌[سورة الحج (22): آية 39]

- ‌[سورة الحج (22): آية 40]

- ‌[سورة الحج (22): آية 41]

- ‌[سورة الحج (22): الآيات 42 الى 44]

- ‌[سورة الحج (22): آية 45]

- ‌[سورة الحج (22): آية 46]

- ‌[سورة الحج (22): آية 47]

- ‌[سورة الحج (22): آية 48]

- ‌[سورة الحج (22): الآيات 49 الى 51]

- ‌[سورة الحج (22): آية 52]

- ‌[سورة الحج (22): آية 53]

- ‌[سورة الحج (22): آية 54]

- ‌[سورة الحج (22): آية 55]

- ‌[سورة الحج (22): الآيات 56 الى 57]

- ‌[سورة الحج (22): الآيات 58 الى 59]

- ‌[سورة الحج (22): آية 60]

- ‌[سورة الحج (22): آية 61]

- ‌[سورة الحج (22): آية 62]

- ‌[سورة الحج (22): آية 63]

- ‌[سورة الحج (22): آية 64]

- ‌[سورة الحج (22): آية 65]

- ‌[سورة الحج (22): آية 66]

- ‌[سورة الحج (22): آية 67]

- ‌[سورة الحج (22): الآيات 68 الى 69]

- ‌[سورة الحج (22): آية 70]

- ‌[سورة الحج (22): آية 71]

- ‌[سورة الحج (22): آية 72]

- ‌[سورة الحج (22): آية 73]

- ‌[سورة الحج (22): آية 74]

- ‌[سورة الحج (22): الآيات 75 الى 76]

- ‌[سورة الحج (22): آية 77]

- ‌[سورة الحج (22): آية 78]

- ‌[سورة المؤمنون

- ‌[سورة المؤمنون (23): الآيات 1 الى 11]

- ‌[سورة المؤمنون (23): الآيات 12 الى 14]

- ‌[سورة المؤمنون (23): الآيات 15 الى 16]

- ‌[سورة المؤمنون (23): آية 17]

- ‌[سورة المؤمنون (23): آية 18]

- ‌[سورة المؤمنون (23): آية 19]

- ‌[سورة المؤمنون (23): آية 20]

- ‌[سورة المؤمنون (23): الآيات 21 الى 27]

- ‌[سورة المؤمنون (23): آية 28]

- ‌[سورة المؤمنون (23): آية 29]

- ‌[سورة المؤمنون (23): آية 30]

- ‌[سورة المؤمنون (23): الآيات 31 الى 32]

- ‌[سورة المؤمنون (23): الآيات 33 الى 35]

- ‌[سورة المؤمنون (23): آية 36]

- ‌[سورة المؤمنون (23): آية 37]

- ‌[سورة المؤمنون (23): الآيات 38 الى 41]

- ‌[سورة المؤمنون (23): الآيات 42 الى 44]

- ‌[سورة المؤمنون (23): الآيات 45 الى 48]

- ‌[سورة المؤمنون (23): آية 49]

- ‌[سورة المؤمنون (23): آية 50]

- ‌[سورة المؤمنون (23): آية 51]

- ‌[سورة المؤمنون (23): الآيات 52 الى 54]

- ‌[سورة المؤمنون (23): الآيات 55 الى 56]

- ‌[سورة المؤمنون (23): الآيات 57 الى 60]

- ‌[سورة المؤمنون (23): آية 61]

- ‌[سورة المؤمنون (23): آية 62]

- ‌[سورة المؤمنون (23): الآيات 63 الى 65]

- ‌[سورة المؤمنون (23): الآيات 66 الى 67]

- ‌[سورة المؤمنون (23): آية 68]

- ‌[سورة المؤمنون (23): آية 69]

- ‌[سورة المؤمنون (23): آية 70]

- ‌[سورة المؤمنون (23): آية 71]

- ‌[سورة المؤمنون (23): آية 72]

- ‌[سورة المؤمنون (23): الآيات 73 الى 74]

- ‌[سورة المؤمنون (23): آية 75]

- ‌[سورة المؤمنون (23): آية 76]

- ‌[سورة المؤمنون (23): آية 77]

- ‌[سورة المؤمنون (23): آية 78]

- ‌[سورة المؤمنون (23): آية 79]

- ‌[سورة المؤمنون (23): الآيات 80 الى 89]

- ‌[سورة المؤمنون (23): الآيات 90 الى 92]

- ‌[سورة المؤمنون (23): الآيات 93 الى 94]

- ‌[سورة المؤمنون (23): آية 95]

- ‌[سورة المؤمنون (23): آية 96]

- ‌[سورة المؤمنون (23): الآيات 97 الى 98]

- ‌[سورة المؤمنون (23): الآيات 99 الى 100]

- ‌[سورة المؤمنون (23): آية 101]

- ‌[سورة المؤمنون (23): الآيات 102 الى 103]

- ‌[سورة المؤمنون (23): الآيات 104 الى 105]

- ‌[سورة المؤمنون (23): الآيات 106 الى 108]

- ‌[سورة المؤمنون (23): الآيات 109 الى 111]

- ‌[سورة المؤمنون (23): الآيات 112 الى 114]

- ‌[سورة المؤمنون (23): آية 115]

- ‌[سورة المؤمنون (23): آية 116]

- ‌[سورة المؤمنون (23): الآيات 117 الى 118]

- ‌[سورة النور]

- ‌[سورة النور (24): آية 1]

- ‌[سورة النور (24): آية 2]

- ‌[سورة النور (24): آية 3]

- ‌[سورة النور (24): الآيات 4 الى 5]

- ‌[سورة النور (24): الآيات 6 الى 10]

- ‌[سورة النور (24): الآيات 11 الى 22]

- ‌[سورة النور (24): آية 23]

- ‌[سورة النور (24): آية 24]

- ‌[سورة النور (24): آية 25]

- ‌[سورة النور (24): آية 26]

- ‌[سورة النور (24): آية 27]

- ‌[سورة النور (24): آية 28]

- ‌[سورة النور (24): آية 29]

- ‌[سورة النور (24): آية 30]

- ‌[سورة النور (24): آية 31]

- ‌[سورة النور (24): آية 32]

- ‌[سورة النور (24): الآيات 33 الى 34]

- ‌[سورة النور (24): آية 35]

- ‌[سورة النور (24): الآيات 36 الى 38]

- ‌[سورة النور (24): آية 39]

- ‌[سورة النور (24): آية 40]

- ‌[سورة النور (24): الآيات 41 الى 42]

- ‌[سورة النور (24): الآيات 43 الى 44]

- ‌[سورة النور (24): الآيات 45 الى 46]

- ‌[سورة النور (24): آية 47]

- ‌[سورة النور (24): الآيات 48 الى 50]

- ‌[سورة النور (24): آية 51]

- ‌[سورة النور (24): آية 52]

- ‌[سورة النور (24): آية 53]

- ‌[سورة النور (24): آية 54]

- ‌[سورة النور (24): آية 55]

- ‌[سورة النور (24): آية 56]

- ‌[سورة النور (24): آية 57]

- ‌[سورة النور (24): آية 58]

- ‌[سورة النور (24): آية 59]

- ‌[سورة النور (24): آية 60]

- ‌[سورة النور (24): آية 61]

- ‌[سورة النور (24): آية 62]

- ‌[سورة النور (24): آية 63]

- ‌[سورة النور (24): آية 64]

الفصل: ‌[سورة الحج (22): آية 5]

حَاصِلَةٌ مُتَيَقَّنٌ وُقُوعُهَا، فَيُسْتَسْهَلُ لِذَلِكَ أَنْ تُسَمَّى شَيْئًا وَهِيَ مَعْدُومَةٌ، إِذِ الْيَقِينُ يُشْبِهُ الْمَوْجُودَاتِ. وَإِمَّا عَلَى الْمَآلِ، أَيْ هِيَ إِذَا وَقَعَتْ شي عَظِيمٌ. وَكَأَنَّهُ لَمْ يُطْلَقِ الِاسْمَ الْآنَ، بَلِ المعنى أنها إذا كانت فهي إذا شي عَظِيمٌ، وَلِذَلِكَ تُذْهِلُ الْمَرَاضِعَ وَتُسْكِرُ النَّاسَ، كَمَا قَالَ:(وَتَرَى النَّاسَ سُكارى)

أَيْ مِنْ هَوْلِهَا وَمِمَّا يُدْرِكُهُمْ مِنَ الْخَوْفِ وَالْفَزَعِ. (وَما هُمْ بِسُكارى)

مِنَ الْخَمْرِ. وَقَالَ أَهْلُ الْمَعَانِي، وَتَرَى النَّاسَ كَأَنَّهُمْ سُكَارَى. يَدُلُّ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ أَبِي زُرْعَةَ هَرَمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ" وَتَرَى النَّاسَ

" بِضَمِّ التَّاءِ، أَيْ تَظُنُّ وَيُخَيَّلُ إِلَيْكَ. وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ" سَكْرَى" بِغَيْرِ أَلِفٍ. الْبَاقُونَ" سُكارى

" وَهُمَا لُغَتَانِ لِجَمْعِ سَكْرَانَ، مِثْلُ كَسْلَى وَكُسَالَى. وَالزَّلْزَلَةُ: التَّحْرِيكُ الْعَنِيفُ. وَالذُّهُولُ. الْغَفْلَةُ عَنِ الشَّيْءِ بِطُرُوءِ «1» مَا يَشْغَلُ عَنْهُ مِنْ هَمٍّ أَوْ وَجَعٍ أَوْ غَيْرِهِ. قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: الْمَعْنَى تَتْرُكُ وَلَدَهَا لِلْكَرْبِ الذي نزل بها.

[سورة الحج (22): الآيات 3 الى 4]

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ (3) كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَاّهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ (4)

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ (3) كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ (4) قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ) قِيلَ: الْمُرَادُ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ، قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عز وجل غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى إِحْيَاءِ مَنْ قَدْ بَلِيَ وَعَادَ تُرَابًا. (وَيَتَّبِعُ) أَيْ فِي قَوْلِهِ ذَلِكَ. (كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ) مُتَمَرِّدٍ. (كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ) قَالَ قَتَادَةُ وَمُجَاهِدٌ: أَيْ مَنْ تَوَلَّى الشَّيْطَانَ. (فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ).

[سورة الحج (22): آية 5]

يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ مَا نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5)

(1). في الأصول:" بطريان".

ص: 5

قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ) - إِلَى قَوْلِهِ- (مُسَمًّى) فِيهِ اثْنَتَا عَشْرَةَ مَسْأَلَةً: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ) هَذَا احْتِجَاجٌ عَلَى الْعَالَمِ بِالْبُدَاءَةِ الْأُولَى. وَقَوْلُهُ:" إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ" مُتَضَمِّنَةٌ التَّوْقِيفَ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ ابن أَبِي الْحَسَنِ:" الْبَعْثِ" بِفَتْحِ الْعَيْنِ، وَهِيَ لُغَةٌ فِي" الْبَعْثِ" عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ. وَهِيَ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ بِتَخْفِيفِ" بَعَثَ". وَالْمَعْنَى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنَ الْإِعَادَةِ. (فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ) أَيْ خَلَقْنَا أَبَاكُمُ الَّذِي هُوَ أَصْلُ الْبَشَرِ، يَعْنِي آدَمَ عليه السلام (مِنْ تُرابٍ). (ثُمَّ) خَلَقْنَا ذُرِّيَّتَهُ. (مِنْ نُطْفَةٍ) وَهُوَ الْمَنِيُّ، سُمِّيَ نُطْفَةً لِقِلَّتِهِ، وَهُوَ الْقَلِيلُ مِنَ الْمَاءِ، وَقَدْ يَقَعُ عَلَى الْكَثِيرِ مِنْهُ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ" حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ بَيْنَ النُّطْفَتَيْنِ لَا يَخْشَى جَوْرًا". أَرَادَ بَحْرَ الْمَشْرِقِ وَبَحْرَ الْمَغْرِبِ. وَالنَّطْفُ: الْقَطْرُ. نَطَفَ يَنْطِفُ وَيَنْطُفُ. وَلَيْلَةٌ نَطُوفَةٌ دَائِمَةُ الْقَطْرِ. (ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ) وَهُوَ الدَّمُ الْجَامِدُ. وَالْعَلَقُ الدَّمُ الْعَبِيطُ، أَيِ الطَّرِيُّ. وَقِيلَ: الشَّدِيدُ الْحُمْرَةِ. (ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ) وَهِيَ لَحْمَةٌ قَلِيلَةٌ قَدْرَ مَا يُمْضَغُ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ" أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً". وَهَذِهِ الْأَطْوَارُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَفِي الْعَشْرِ بَعْدَ الْأَشْهُرِ الْأَرْبَعَةِ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ، فَذَلِكَ عِدَّةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا، أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ. الثَّانِيَةُ- رَوَى يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ حَدَّثَنَا دَاوُدُ عَنْ عَامِرٍ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النُّطْفَةَ إِذَا اسْتَقَرَّتْ فِي الرَّحِمِ أَخَذَهَا مَلَكٌ بِكَفِّهِ فَقَالَ:" يَا رَبِّ، ذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى، شَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ، مَا الْأَجَلُ وَالْأَثَرُ «1» ، بِأَيِ أَرْضٍ تَمُوتُ؟ فَيُقَالُ له أنطلق إلى

(1). الأثر: الأجل، وسمي به لأنه يتبع العمر.

ص: 6

أُمِّ الْكِتَابِ فَإِنَّكَ تَجِدُ فِيهَا قِصَّةَ هَذِهِ النُّطْفَةِ، فَيَنْطَلِقُ فَيَجِدُ قِصَّتَهَا فِي أُمِّ الْكِتَابِ، فَتُخْلَقُ فَتَأْكُلُ رِزْقَهَا وَتَطَأُ أَثَرَهَا فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهَا قُبِضَتْ فَدُفِنَتْ فِي الْمَكَانِ الَّذِي قُدِّرَ لَهَا، ثُمَّ قَرَأَ عَامِرٌ:" يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ". وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ- وَرَفَعَ الْحَدِيثَ- قَالَ:" إِنَّ اللَّهَ قَدْ وَكَّلَ بِالرَّحِمِ مَلَكًا فَيَقُولُ أَيْ رَبِّ نُطْفَةٌ. أَيْ رَبِّ عَلَقَةٌ. أَيْ رَبِّ مُضْغَةٌ. فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَقْضِيَ خَلْقًا- قَالَ- قَالَ الْمَلَكُ أَيْ رَبِّ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى شَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ. فَمَا الرِّزْقُ فَمَا الْأَجَلُ. فَيُكْتَبُ كَذَلِكَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ". وَفِي الصَّحِيحِ أَيْضًا عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ الْغِفَارِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:" إِذَا مَرَّ بِالنُّطْفَةِ ثِنْتَانِ وَأَرْبَعُونَ لَيْلَةً بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهَا مَلَكًا فَصَوَّرَهَا وَخَلَقَ سَمْعَهَا وَبَصَرَهَا وَجِلْدَهَا وَلَحْمَهَا وَعِظَامَهَا ثُمَّ يَقُولُ أَيْ رَبِّ أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى

" وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ" إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَلَكَ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ بِكَتْبِ رِزْقِهِ وَأَجَلِهِ وَعَمَلِهِ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ

" الْحَدِيثَ. فَهَذَا الحديث مفسر للأحاديث الأول، فإن فيه:" يجمع خلق أَحَدُكُمْ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً ثُمَّ أَرْبَعِينَ يَوْمًا عَلَقَةً ثُمَّ أَرْبَعِينَ يَوْمًا مُضْغَةً ثُمَّ يُبْعَثُ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ" فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَفِي الْعَشْرِ يَنْفُخُ الْمَلَكُ الرُّوحَ، وَهَذِهِ عِدَّةُ الْمُتَوَفَّى [عَنْهَا زَوْجُهَا] كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَقَوْلُهُ:" إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ" قَدْ فَسَّرَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ، سُئِلَ الْأَعْمَشُ: مَا يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ؟ فَقَالَ: حَدَّثَنَا خَيْثَمَةُ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: إِذَا وَقَعَتِ النُّطْفَةُ فِي الرَّحِمِ فَأَرَادَ أَنْ يَخْلُقَ مِنْهَا بَشَرًا طَارَتْ فِي بَشَرَةِ الْمَرْأَةِ تَحْتَ كُلِّ ظُفُرٍ وَشَعْرٍ ثُمَّ تَمْكُثُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ تَصِيرُ دَمًا فِي الرَّحِمِ، فَذَلِكَ جَمْعُهَا، وَهَذَا وَقْتُ كَوْنِهَا عَلَقَةً. الثَّالِثَةُ- نِسْبَةُ الْخَلْقِ وَالتَّصْوِيرِ لِلْمَلَكِ نِسْبَةٌ مَجَازِيَّةٌ لَا حَقِيقِيَّةٌ، وَأَنَّ مَا صَدَرَ عَنْهُ فِعْلُ مَا فِي الْمُضْغَةِ كَانَ عِنْدَ التَّصْوِيرِ وَالتَّشْكِيلِ بِقُدْرَةِ اللَّهِ وَخَلْقِهِ وَاخْتِرَاعِهِ، أَلَا تَرَاهُ سُبْحَانَهُ

ص: 7

قَدْ أَضَافَ إِلَيْهِ الْخِلْقَةَ الْحَقِيقِيَّةَ، وَقَطَعَ عَنْهَا نَسَبَ جَمِيعِ الْخَلِيقَةِ فَقَالَ:" وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ"«1» [الأعراف: 11]. وَقَالَ:" وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ. ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ «2» مَكِينٍ"[المؤمنون: 13 - 12]. وَقَالَ:" يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ". وَقَالَ تَعَالَى:" هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ"«3» [التغابن: 2]. ثم قال:" وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ"«4» . [غافر: 64]. وَقَالَ:" لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ"«5» [التين: 4]. وقال:" خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ". [العلق: 2]. إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ، مَعَ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ قَاطِعَاتُ الْبَرَاهِينِ أَنْ لَا خَالِقَ لِشَيْءٍ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ إِلَّا رَبُّ الْعَالَمِينَ. وَهَكَذَا القول في قول:" ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ" أَيْ أَنَّ النَّفْخَ سَبَبُ خَلْقِ اللَّهِ فِيهَا الرُّوحَ وَالْحَيَاةَ. وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي سَائِرِ الْأَسْبَابِ الْمُعْتَادَةِ، فَإِنَّهُ بِإِحْدَاثِ اللَّهِ تَعَالَى لَا بِغَيْرِهِ. فَتَأَمَّلْ هَذَا الْأَصْلَ وَتَمَسَّكْ بِهِ، فَفِيهِ النَّجَاةُ مِنْ مذاهب أهل الضلال الطبيعيين «6» وَغَيْرِهِمْ. الرَّابِعَةُ- لَمْ يَخْتَلِفِ الْعُلَمَاءُ أَنَّ نَفْخَ الرُّوحِ فِيهِ يَكُونُ بَعْدَ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا، وَذَلِكَ تَمَامُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَدُخُولُهُ فِي الْخَامِسِ، كَمَا بَيَّنَّاهُ بِالْأَحَادِيثِ. وَعَلَيْهِ يُعَوَّلُ فِيمَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنَ الْأَحْكَامِ فِي الِاسْتِلْحَاقِ عِنْدَ التَّنَازُعِ، وَفِي وُجُوبِ النَّفَقَاتِ عَلَى حَمْلِ الْمُطَلَّقَاتِ، وَذَلِكَ لِتَيَقُّنِهِ بِحَرَكَةِ الْجَنِينِ فِي الْجَوْفِ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ الْحِكْمَةُ فِي عِدَّةِ الْمَرْأَةِ مِنَ الْوَفَاةِ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ، وَهَذَا الدُّخُولُ فِي الْخَامِسِ يُحَقِّقُ بَرَاءَةَ الرَّحِمِ بِبُلُوغِ هَذِهِ الْمُدَّةِ إِذَا لَمْ يَظْهَرْ حَمْلٌ. الْخَامِسَةُ- النُّطْفَةُ لَيْسَتْ بِشَيْءٍ يَقِينًا، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهَا حُكْمٌ إِذَا أَلْقَتْهَا الْمَرْأَةُ إِذَا لَمْ تَجْتَمِعْ فِي الرَّحِمِ، فَهِيَ كَمَا لَوْ كَانَتْ فِي صُلْبِ الرَّجُلِ، فَإِذَا طَرَحَتْهُ عَلَقَةً فَقَدْ تَحَقَّقْنَا أَنَّ النُّطْفَةَ قَدِ اسْتَقَرَّتْ وَاجْتَمَعَتْ وَاسْتَحَالَتْ إِلَى أَوَّلِ أَحْوَالٍ يَتَحَقَّقُ بِهِ أَنَّهُ وَلَدٌ. وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ وَضْعُ الْعَلَقَةِ فَمَا فَوْقَهَا مِنَ الْمُضْغَةِ وَضْعَ حَمْلٍ، تَبْرَأُ بِهِ الرَّحِمُ، وَتَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ، وَيَثْبُتُ بِهِ لَهَا حُكْمُ أُمِّ الْوَلَدِ. وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ رضي الله عنه وَأَصْحَابِهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه:

(1). راجع ج 7 ص 168. [ ..... ]

(2)

. راجع ص 108 فما بعد من هذا الجزء.

(3)

. راجع ج 18 ص 132.

(4)

. راجع ج 15 ص 326.

(5)

. راجع ج 20 ص 113 فما بعد. وص 119.

(6)

. في الأصول: الطبائع.

ص: 8

لَا اعْتِبَارَ بِإِسْقَاطِ الْعَلَقَةِ، وَإِنَّمَا الِاعْتِبَارُ بِظُهُورِ الصُّورَةِ وَالتَّخْطِيطِ، فَإِنْ خَفِيَ التَّخْطِيطُ وَكَانَ لَحْمًا فَقَوْلَانِ بِالنَّقْلِ وَالتَّخْرِيجِ، وَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ وَلَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ. قَالُوا: لِأَنَّ الْعِدَّةَ تَنْقَضِي بِالدَّمِ الْجَارِي، فَبِغَيْرِهِ أَوْلَى. السَّادِسَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى:(مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ) قَالَ الْفَرَّاءُ:" مُخَلَّقَةٍ" تَامَّةُ الْخَلْقِ،" وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ" السِّقْطُ. وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ:" مُخَلَّقَةٍ" قَدْ بَدَأَ خَلْقُهَا،" وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ" لَمْ تُصَوَّرْ بَعْدُ. ابْنُ زَيْدٍ: الْمُخَلَّقَةُ الَّتِي خَلَقَ اللَّهُ فِيهَا الرَّأْسَ وَالْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ، و" غَيْرِ مُخَلَّقَةٍ" التي لم يخلق فيها شي. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: إِذَا رَجَعْنَا إِلَى أَصْلِ الِاشْتِقَاقِ فَإِنَّ النُّطْفَةَ وَالْعَلَقَةَ وَالْمُضْغَةَ مُخَلَّقَةٌ، لِأَنَّ الْكُلَّ خَلْقُ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ رَجَعْنَا إِلَى التَّصْوِيرِ الَّذِي هُوَ مُنْتَهَى الْخِلْقَةِ كَمَا قَالَ الله تعالى:" ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ"[المؤمنون: 14] فَذَلِكَ مَا قَالَ ابْنُ زَيْدٍ. قُلْتُ: التَّخْلِيقُ مِنَ الْخَلْقِ، وَفِيهِ مَعْنَى الْكَثْرَةِ، فَمَا تَتَابَعَ عَلَيْهِ الْأَطْوَارُ فَقَدْ خُلِقَ خَلْقًا بَعْدَ خَلْقٍ، وَإِذَا كَانَ نُطْفَةً فَهُوَ مَخْلُوقٌ، وَلِهَذَا قَالَ الله تعالى:" ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ"[المؤمنون: 14] وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ قَوْلَهُ:" مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ" يَرْجِعُ إِلَى الْوَلَدِ بِعَيْنِهِ لَا إِلَى السِّقْطِ، أَيْ مِنْهُمْ مَنْ يُتِمُّ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ مُضْغَتَهُ فَيَخْلُقُ لَهُ الْأَعْضَاءَ أَجْمَعَ، وَمِنْهُمْ من يكون خديجا ناقصا غير تمام. وَقِيلَ: الْمُخَلَّقَةُ أَنْ تَلِدَ الْمَرْأَةُ لِتَمَامِ الْوَقْتِ. ابْنُ عَبَّاسٍ: الْمُخَلَّقَةُ مَا كَانَ حَيًّا، وَغَيْرُ الْمُخَلَّقَةِ السِّقْطُ. قَالَ:

أَفِي غَيْرِ الْمُخَلَّقَةِ الْبُكَاءُ

فَأَيْنَ الْحَزْمُ وَيْحَكَ وَالْحَيَاءُ

السَّابِعَةُ- أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْأَمَةَ تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ بِمَا تُسْقِطُهُ مِنْ وَلَدٍ تَامِّ الْخَلْقِ. وَعِنْدَ مَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَغَيْرِهِمَا بِالْمُضْغَةِ كَانَتْ مُخَلَّقَةً أَوْ غَيْرَ مُخَلَّقَةٍ. قَالَ مَالِكٌ: إِذَا عُلِمَ أَنَّهَا مُضْغَةٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ: إِنْ كَانَ قَدْ تبين له شي مِنْ خَلْقِ بَنِي آدَمَ أُصْبُعٌ أَوْ عَيْنٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ فَهِيَ لَهُ أُمُّ وَلَدٍ. وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمَوْلُودَ إِذَا اسْتَهَلَّ صَارِخًا يُصَلَّى عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ صَارِخًا لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وغيرهما. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ يُصَلَّى عَلَيْهِ، وقاله ابْنُ الْمُسَيَّبِ وَابْنُ سِيرِينَ وَغَيْرُهُمَا. وَرُوِيَ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّهُ

ص: 9

كَانَ يَأْمُرُ بِالصَّلَاةِ عَلَى السِّقْطِ، وَيَقُولُ سَمُّوهُمْ وَاغْسِلُوهُمْ وَكَفِّنُوهُمْ وَحَنِّطُوهُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ أَكْرَمَ بِالْإِسْلَامِ كَبِيرَكُمْ وَصَغِيرَكُمْ، وَيَتْلُو هَذِهِ الْآيَةَ" فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ"- إِلَى-" وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ". قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: لَعَلَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ أَرَادَ بِالسِّقْطِ مَا تَبَيَّنَ خَلْقُهُ فَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى، وَمَا لَمْ يَتَبَيَّنْ خَلْقُهُ فَلَا وُجُودَ لَهُ. وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: يُصَلَّى عَلَيْهِ مَتَى نُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ وَتَمَّتْ لَهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ. وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" إِذَا اسْتَهَلَّ الْمَوْلُودُ وَرِثَ". الِاسْتِهْلَالُ: رَفْعُ الصَّوْتِ، فَكُلُّ مَوْلُودٍ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ أَوْ حَرَكَةٌ أَوْ عُطَاسٌ أَوْ تَنَفُّسٌ فَإِنَّهُ يُوَرَّثُ لِوُجُودِ مَا فِيهِ مِنْ دَلَالَةِ الْحَيَاةِ. وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَأَحْسَنُهُ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا مِيرَاثَ لَهُ وَإِنْ تَحَرَّكَ أَوْ عَطَسَ مَا لم يستهل [صارخا «1»]. وروي عن محمد ابن سِيرِينَ وَالشَّعْبِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَقَتَادَةَ. الثَّامِنَةُ- قَالَ مَالِكٌ رضي الله عنه: مَا طَرَحَتْهُ الْمَرْأَةُ مِنْ مُضْغَةٍ أَوْ عَلَقَةٍ أَوْ مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ وَلَدٌ إِذَا ضَرَبَ بَطْنَهَا فَفِيهِ الْغُرَّةُ «2» . وَقَالَ الشافعي: لا شي فيه حتى يتبين من خلقه [شي «3»]. قَالَ مَالِكٌ: إِذَا سَقَطَ الْجَنِينُ فَلَمْ يَسْتَهِلَّ صَارِخًا فَفِيهِ الْغُرَّةُ. وَسَوَاءٌ تَحَرَّكَ أَوْ عَطَسَ فِيهِ الْغُرَّةُ أَبَدًا، حَتَّى يَسْتَهِلَّ صَارِخًا فَفِيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه وَسَائِرُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ: إِذَا عُلِمَتْ حَيَاتُهُ بِحَرَكَةٍ أَوْ بِعُطَاسٍ أَوْ بِاسْتِهْلَالٍ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا تُسْتَيْقَنُ بِهِ حَيَاتُهُ فَفِيهِ الدِّيَةُ. التَّاسِعَةُ- ذَكَرَ الْقَاضِي إِسْمَاعِيلُ أَنَّ عِدَّةَ الْمَرْأَةِ تَنْقَضِي بِالسِّقْطِ الْمَوْضُوعِ، وَاحْتَجَّ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ حَمْلٌ، وَقَالَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ"«4» . قَالَ الْقَاضِي إِسْمَاعِيلُ: وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ يَرِثُ أَبَاهُ، فَدَلَّ عَلَى وُجُودِهِ خَلْقًا وَكَوْنِهِ وَلَدًا وَحَمْلًا. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: ولا يرتبط به شي مِنْ هَذِهِ الْأَحْكَامِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُخَلَّقًا. قلت: ما ذكرناه من الاشتقاق وقول عليه الصلاة والسلام:" إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ" يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَاهُ، وَلِأَنَّ مُسْقِطَةَ الْعَلَقَةِ وَالْمُضْغَةِ يَصْدُقُ عَلَى المرأة إذا

(1). من ك.

(2)

. الغرة عند الفقهاء: ما بلغ ثمنه نصف عشر الدية من العبيد والإماء.

(3)

. من ك.

(4)

. راجع ج 18 ص 162 فما بعد.

ص: 10

أَلْقَتْهُ أَنَّهَا كَانَتْ حَامِلًا وَضَعَتْ مَا اسْتَقَرَّ فِي رَحِمِهَا، فَيَشْمَلُهَا قَوْلَهُ تَعَالَى:" وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ". [الطلاق: 4] وَلِأَنَّهَا وَضَعَتْ مَبْدَأَ الْوَلَدِ عَنْ نُطْفَةٍ مُتَجَسِّدًا كَالْمُخَطَّطِ، وَهَذَا بَيِّنٌ. الْعَاشِرَةُ- رَوَى ابْنِ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ النَّوْفَلِيِّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" لَسِقْطٌ أُقَدِّمُهُ بَيْنَ يَدَيَّ أحب إلي من فارس أخلفه [خلفي"«1» ]. وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي مَعْرِفَةِ عُلُومِ الْحَدِيثِ لَهُ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ:" أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَلْفِ فَارِسٍ أُخَلِّفُهُ وَرَائِي". الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ-" (لِنُبَيِّنَ لَكُمْ) " يُرِيدُ: كَمَالَ قُدْرَتِنَا بِتَصْرِيفِنَا أَطْوَارَ خَلْقِكُمْ. (وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ) قُرِئَ بِنَصْبِ" نُقِرَّ" وَ" نُخْرِجَ"، رَوَاهُ أَبُو حَاتِمٍ عَنْ أَبِي زَيْدٍ عَنِ الْمُفَضَّلِ عَنْ عَاصِمٍ قَالَ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: النَّصْبُ عَلَى الْعَطْفِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ:" نُقِرُّ" بِالرَّفْعِ لَا غَيْرَ، لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمَعْنَى: فَعَلْنَا ذَلِكَ لِنُقِرَّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ، وَإِنَّمَا خَلَقَهُمْ عز وجل لِيَدُلَّهُمْ عَلَى الرُّشْدِ وَالصَّلَاحِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى لِنُبَيِّنَ لَهُمْ أَمْرَ الْبَعْثِ، فَهُوَ اعْتِرَاضٌ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ. وَقَرَأَتْ هَذِهِ الْفِرْقَةُ بِالرَّفْعِ." وَنُقِرُّ"، الْمَعْنَى: وَنَحْنُ نُقِرُّ. وَهِيَ قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ. وقرى:" وَيُقِرُّ" وَ" يُخْرِجُكُمْ" بِالْيَاءِ، وَالرَّفْعُ عَلَى هَذَا سَائِغٌ. وَقَرَأَ ابْنُ وَثَّابٍ:" مَا نِشَاءُ" بِكَسْرِ النُّونِ. وَالْأَجَلُ الْمُسَمَّى يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ جَنِينٍ جَنِينٍ، فَثَمَّ مَنْ يَسْقُطُ وَثَمَّ مَنْ يَكْمُلُ أَمْرُهُ وَيَخْرُجُ حَيًّا. وَقَالَ:" مَا نَشاءُ" وَلَمْ يَقُلْ مَنْ نَشَاءُ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ إِلَى الْحَمْلِ، أَيْ نقر في الأرحام ما نشاء مِنَ الْحَمْلِ وَمِنَ الْمُضْغَةِ وَهِيَ جَمَادٌ فَكَنَّى عَنْهَا بِلَفْظِ مَا. الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ- قَوْلُهُ تَعَالَى:(ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا) أَيْ أَطْفَالًا، فَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ. وَأَيْضًا فَإِنَّ الْعَرَبَ قَدْ تُسَمِّي الْجَمْعَ بِاسْمِ الْوَاحِدِ، قَالَ الشَّاعِرُ:

يَلْحَيْنَنِي فِي حُبِّهَا ويلمنني

وإن العواذل ليس لي بأمير

(1). زيادة عن سنن ابن ماجة.

ص: 11

وَلَمْ يَقُلْ أُمَرَاءَ. وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: وَهُوَ اسْمٌ يُسْتَعْمَلُ مَصْدَرًا كَالرِّضَا وَالْعَدْلِ، فَيَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ"«1» [النور: 31]. وَقَالَ الطَّبَرِيُّ: وَهُوَ نُصِبَ عَلَى التَّمْيِيزِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:" فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً"»

[النساء: 4]. وَقِيلَ: الْمَعْنَى ثُمَّ نُخْرِجُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ طِفْلًا. وَالطِّفْلُ يُطْلَقُ مِنْ وَقْتِ انْفِصَالِ الْوَلَدِ إِلَى الْبُلُوغِ. وَوَلَدُ كُلِّ وَحْشِيَّةٍ أَيْضًا طِفْلٌ. وَيُقَالُ: جَارِيَةٌ طِفْلُ، وَجَارِيَتَانِ طِفْلٌ وَجَوَارٍ طِفْلٌ، وَغُلَامٌ طِفْلٌ، وَغِلْمَانٌ طِفْلٌ. وَيُقَالُ أَيْضًا: طِفْلٌ وَطِفْلَةٌ وَطِفْلَانِ وَطِفْلَتَانِ وَأَطْفَالٌ. وَلَا يُقَالُ: طِفْلَاتٌ. وَأَطْفَلَتِ الْمَرْأَةُ صَارَتْ ذَاتَ طِفْلٍ. وَالْمُطْفِلَةُ: الظَّبْيَةُ مَعَهَا طِفْلُهَا، وَهِيَ قَرِيبَةُ عَهْدٍ بِالنِّتَاجِ. وَكَذَلِكَ الناقة، [والجمع [مَطَافِلُ وَمَطَافِيلُ. وَالطَّفْلُ (بِالْفَتْحِ فِي الطَّاءِ) النَّاعِمُ، يُقَالُ: جَارِيَةٌ طَفْلَةٌ أَيْ نَاعِمَةٌ، وَبَنَانٌ طَفْلٌ. وَقَدْ طَفَلَ اللَّيْلُ إِذَا أَقْبَلَ ظَلَامُهُ. وَالطَّفَلُ (بِالتَّحْرِيكِ): بَعْدَ الْعَصْرِ إِذَا طَفَلَتِ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ. وَالطَّفَلُ (أَيْضًا): مَطَرٌ، قَالَ:

لِوَهْدٍ «3» جَادَهُ طَفَلُ الثُّرَيَّا

(ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ) قِيلَ: إِنَّ" ثُمَّ" زائدة كالواو في قوله" حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها"«4» [الزمر: 73]، لِأَنَّ ثُمَّ مِنْ حُرُوفِ النَّسَقِ كَالْوَاوِ." أَشُدَّكُمْ" كَمَالَ عُقُولِكُمْ وَنِهَايَةَ قُوَاكُمْ. وَقَدْ مَضَى فِي" الْأَنْعَامِ"«5» بَيَانُهُ. وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ) 70 أَيْ أَخَسِّهِ وَأَدْوَنِهِ، وَهُوَ الْهَرَمُ وَالْخَرَفُ حَتَّى لَا يَعْقِلَ، وَلِهَذَا قَالَ:(لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً) كَمَا قَالَ فِي سُورَةِ يس:" وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ"«6» [يس: 68]. وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم. يَدْعُو فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبُخْلِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا وَعَذَابِ الْقَبْرِ". أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ عَنْ سَعْدٍ، وَقَالَ: وَكَانَ يُعَلِّمُهُنَّ بَنِيهِ كَمَا يُعَلِّمُ الْمُكْتِبُ «7» الْغِلْمَانَ. وَقَدْ مَضَى فِي النَّحْلِ هَذَا المعنى «8» .

(1). راجع ص 226 من هذا الجزء فما بعد.

(2)

. راجع ج 5 ص 23 فما بعد.

(3)

. الوهد والوهدة: المطمئن من الأرض كأنه حفرة.

(4)

. راجع ج 15 ص 184 فما بعد. [ ..... ]

(5)

. راجع ج 7 ص 124.

(6)

. راجع ج 15 ص 38 فما بعد.

(7)

. المكتب المعلم.

(8)

. راجع ج 10 ص 140.

ص: 12

قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً) ذَكَرَ دَلَالَةً أَقْوَى عَلَى الْبَعْثِ فَقَالَ فِي الْأَوَّلِ:" فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ" فَخَاطَبَ جَمْعًا. وَقَالَ فِي الثَّانِي:" وَتَرَى الْأَرْضَ" فَخَاطَبَ وَاحِدًا، فَانْفَصَلَ اللَّفْظُ عَنِ اللَّفْظِ، وَلَكِنَّ الْمَعْنَى مُتَّصِلٌ مِنْ حَيْثُ الِاحْتِجَاجُ عَلَى مُنْكِرِي الْبَعْثِ. (هامِدَةً) يَابِسَةً لَا تُنْبِتُ شَيْئًا، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ. وَقِيلَ: دَارِسَةً. وَالْهُمُودُ الدُّرُوسُ. قَالَ الْأَعْشَى:

قَالَتْ قُتَيْلَةُ مَا لِجِسْمِكَ شَاحِبًا

وَأَرَى ثِيَابَكَ بَالِيَاتٍ هُمَّدَا

الْهَرَوِيُّ:" هامِدَةً" أَيْ جَافَّةً ذَاتَ تُرَابٍ. وَقَالَ شِمْرٌ: يُقَالُ: هَمَدَ شَجَرُ الْأَرْضِ إِذَا بَلِيَ وَذَهَبَ. وَهَمَدَتْ أَصْوَاتُهُمْ إِذَا سَكَنَتْ. وَهُمُودُ الْأَرْضِ أَلَّا يَكُونَ فِيهَا حَيَاةٌ وَلَا نَبْتٌ وَلَا عُودٌ وَلَمْ يُصِبْهَا مَطَرٌ. وَفِي الْحَدِيثِ:" حَتَّى كَادَ يَهْمُدُ مِنَ الْجُوعِ" أَيْ يَهْلِكُ. يُقَالُ: هَمَدَ الثَّوْبُ يَهْمُدُ إِذَا بَلِيَ. وَهَمَدَتِ النَّارُ تَهْمُدُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ) أَيْ تَحَرَّكَتْ. وَالِاهْتِزَازُ: شِدَّةُ الْحَرَكَةِ، يُقَالُ: هَزَزْتُ الشَّيْءَ فَاهْتَزَّ، أَيْ حَرَّكْتُهُ فَتَحَرَّكَ. وَهَزَّ الْحَادِي الْإِبِلَ هَزِيزًا فَاهْتَزَّتْ هِيَ إِذَا تَحَرَّكَتْ فِي سَيْرِهَا بِحُدَائِهِ. وَاهْتَزَّ الْكَوْكَبُ فِي انْقِضَاضِهِ. وَكَوْكَبٌ هَازٌّ. فَالْأَرْضُ تَهْتَزُّ بِالنَّبَاتِ، لِأَنَّ النَّبَاتَ لَا يَخْرُجُ مِنْهَا حَتَّى يُزِيلَ بَعْضَهَا مِنْ بَعْضٍ إِزَالَةً خَفِيَّةً، فَسَمَّاهُ اهْتِزَازًا مَجَازًا. وَقِيلَ: اهْتَزَّ نَبَاتُهَا، فَحُذِفَ الْمُضَافُ، قَالَ الْمُبَرِّدُ، وَاهْتِزَازُهُ شِدَّةُ حَرَكَتِهِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:

تَثَنَّى إِذَا قَامَتْ وَتَهْتَزُّ إِنْ مَشَتْ

كَمَا اهْتَزَّ غُصْنُ الْبَانِ فِي وَرَقٍ خُضْرِ

وَالِاهْتِزَازُ فِي النَّبَاتِ أَظْهَرُ مِنْهُ فِي الْأَرْضِ. (وَرَبَتْ) أَيِ ارْتَفَعَتْ وَزَادَتْ. وَقِيلَ: انْتَفَخَتْ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ، وَأَصْلُهُ الزِّيَادَةُ. رَبَا الشَّيْءُ يَرْبُو رُبُوًّا أَيْ زَادَ، وَمِنْهُ الرُّبَا وَالرَّبْوَةُ. وَقَرَأَ يَزِيدُ بْنُ الْقَعْقَاعِ وَخَالِدُ بْنُ إِلْيَاسَ" وَرَبَأَتْ" أَيِ ارْتَفَعَتْ حَتَّى صَارَتْ بِمَنْزِلَةِ الربيئة، وهو الذي يحفظ القوم على شي مشرف، فهو رابي وَرَبِيئَةٌ عَلَى الْمُبَالَغَةِ. قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:

ص: 13