الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَنْ كانَ ذَا مالٍ وَبَنِينَ) قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو حَيْوَةَ وَالْمُغِيرَةُ وَالْأَعْرَجُ" آنَ كَانَ" بِهَمْزَةٍ وَاحِدَةٍ مَمْدُودَةٍ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ. وَقَرَأَ الْمُفَضَّلُ وَأَبُو بَكْرٍ وَحَمْزَةُ" أَأَنْ كَانَ" بِهَمْزَتَيْنِ مُحَقَّقَتَيْنِ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِهَمْزَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الْخَبَرِ، فَمَنْ قَرَأَ بِهَمْزَةٍ مُطَوَّلَةٍ أَوْ بِهَمْزَتَيْنِ مُحَقَّقَتَيْنِ فَهُوَ اسْتِفْهَامٌ وَالْمُرَادُ بِهِ التَّوْبِيخُ، وَيَحْسُنُ لَهُ أَنْ يَقِفَ عَلَى زَنِيمٍ، وَيَبْتَدِئَ أَنْ كانَ عَلَى مَعْنَى أَلِأَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ تُطِيعُهُ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: أَلِأَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ يَقُولُ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا: أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ!! وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: أَلِأَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ يَكْفُرُ وَيَسْتَكْبِرُ. وَدَلَّ عَلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْكَلَامِ فَصَارَ كَالْمَذْكُورِ بَعْدَ الِاسْتِفْهَامِ. وَمَنْ قَرَأَ أَنْ كانَ بِغَيْرِ اسْتِفْهَامٍ فَهُوَ مَفْعُولٌ مِنْ أَجْلِهِ وَالْعَامِلِ فِيهِ فِعْلٌ مُضْمَرٌ، وَالتَّقْدِيرُ: يَكْفُرُ لِأَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ. وَدَلَّ عَلَى هَذَا الْفِعْلِ: إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ وَلَا يَعْمَلُ فِي أَنْ: تُتْلى وَلَا قالَ لِأَنَّ مَا بَعْدَ إِذا لَا يَعْمَلُ فِيمَا قَبْلَهَا، لِأَنَّ إِذا تُضَافُ إِلَى الْجُمَلِ الَّتِي بَعْدَهَا، وَلَا يَعْمَلُ الْمُضَافُ إليه فيما قبل المضاف. وقالَ جَوَابُ الْجَزَاءِ وَلَا يَعْمَلُ فِيمَا قَبْلَ الْجَزَاءِ، إذا حُكْمُ الْعَامِلِ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْمَعْمُولِ فِيهِ، وَحُكْمُ الْجَوَابِ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الشَّرْطِ فَيَصِيرُ مُقَدَّمًا مُؤَخَّرًا فِي حَالٍ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى لَا تُطِعْهُ لِأَنْ كَانَ ذَا يَسَارٍ وَعَدَدٍ. قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: وَمَنْ قَرَأَ بِلَا اسْتِفْهَامٍ لَمْ يَحْسُنْ أَنْ يَقِفَ عَلَى زَنِيمٍ لان المعنى لان كان وبأن كان، ف أَنْ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَا قَبْلَهَا. قَالَ غَيْرُهُ: يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِقَوْلِهِ: مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ وَالتَّقْدِيرُ يَمْشِي بِنَمِيمٍ لِأَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ. وَأَجَازَ أَبُو علي أن يتعلق ب عُتُلٍّ. وَأَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ: أَبَاطِيلُهُمْ وَتُرَّهَاتُهُمْ وَخُرَافَاتُهُمْ «1» . وَقَدْ تَقَدَّمَ «2» .
[سورة القلم (68): آية 16]
سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (16)
فِيهِ مَسْأَلَتَانِ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: سَنَسِمُهُ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَعْنَى سَنَسِمُهُ سَنَخْطِمُهُ بِالسَّيْفِ. قَالَ: وَقَدْ خُطِمَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ يَوْمَ بَدْرٍ بِالسَّيْفِ، فَلَمْ يَزَلْ مَخْطُومًا إلى أن مات.
(1). في الأصول:" وخراريقهم" بالقاف.
(2)
. راجع ج 6 ص 05 4
وَقَالَ قَتَادَةُ: سَنَسِمُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى أَنْفِهِ سِمَةً يُعْرَفُ بِهَا، يُقَالُ: وَسَمْتُهُ وَسْمًا وَسِمَةٌ إِذَا أَثَّرْتُ فِيهِ بِسِمَةٍ وَكَيٍّ. وَقَدْ قَالَ تعالى: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ «1» [آل عمران: 106] فَهَذِهِ عَلَامَةٌ ظَاهِرَةٌ. وَقَالَ تَعَالَى: وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ «2» زُرْقاً [طه: 102] وَهَذِهِ عَلَامَةٌ أُخْرَى ظَاهِرَةٌ. فَأَفَادَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَامَةً ثَالِثَةً وَهِيَ الْوَسْمُ عَلَى الْأَنْفِ بِالنَّارِ، وهذا كقوله تعالى: يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ «3» [الرحمن: 41] قَالَهُ الْكَلْبِيُّ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ وَمُجَاهِدٌ: سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ أَيْ عَلَى أَنْفِهِ، وَنُسَوِّدُ وَجْهَهُ فِي الْآخِرَةِ فَيُعْرَفُ بِسَوَادِ وَجْهِهِ. وَالْخُرْطُومُ: الْأَنْفُ مِنَ الْإِنْسَانِ. وَمِنَ السِّبَاعِ: مَوْضِعُ الشَّفَةِ. وَخَرَاطِيمُ الْقَوْمِ: سَادَاتُهُمْ. قَالَ الْفَرَّاءُ: وَإِنْ كَانَ الْخُرْطُومُ قَدْ خُصَّ بِالسِّمَةِ فَإِنَّهُ فِي مَعْنَى الْوَجْهِ، لِأَنَّ بَعْضَ الشَّيْءِ يُعَبَّرُ بِهِ عَنِ الْكُلِّ. وَقَالَ الطَّبَرِيُّ: نُبَيِّنُ أَمْرَهُ تِبْيَانًا وَاضِحًا حَتَّى يَعْرِفُوهُ فَلَا يَخْفَى عَلَيْهِمْ كَمَا لَا تَخْفَى السِّمَةُ عَلَى الْخَرَاطِيمِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى سَنُلْحِقُ بِهِ عَارًا وَسُبَّةً حَتَّى يَكُونَ كَمَنْ وُسِمَ عَلَى أَنْفِهِ. قَالَ الْقُتَبِيُّ: تَقُولُ الْعَرَبُ لِلرَّجُلِ يُسَبُّ سُبَّةَ سُوءٍ قَبِيحَةٍ بَاقِيَةٍ: قَدْ وُسِمَ مِيسَمَ سُوءٍ، أَيْ أُلْصِقَ بِهِ عَارٌ لَا يُفَارِقُهُ، كَمَا أَنَّ السِّمَةَ لَا يُمْحَى أَثَرُهَا. قَالَ جَرِيرٌ:
لَمَّا وَضَعْتُ عَلَى الْفَرَزْدَقِ مِيسَمِي
…
وَعَلَى الْبَعِيثِ «4» جَدَعْتُ أَنْفَ الْأَخْطَلِ
أَرَادَ بِهِ الْهِجَاءَ. قَالَ: وَهَذَا كُلُّهُ نَزَلَ فِي الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ. وَلَا نَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَلَغَ مِنْ ذِكْرِ عُيُوبِ أَحَدٍ مَا بَلَغَهُ مِنْهُ، فَأَلْحَقَهُ بِهِ عَارًا لَا يُفَارِقُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، كَالْوَسْمِ عَلَى الْخُرْطُومِ. وَقِيلَ: هُوَ مَا ابْتَلَاهُ اللَّهُ بِهِ فِي الدُّنْيَا فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَأَهْلِهِ مِنْ سُوءٍ وَذُلٍّ وَصَغَارٍ، قَالَهُ ابْنُ بَحْرٍ. وَاسْتَشْهَدَ بِقَوْلِ الْأَعْشَى:
فَدَعْهَا وَمَا يُغْنِيكَ وَاعْمِدْ لِغَيْرِهَا
…
بِشَعْرِكَ وَاعْلُبْ «5» أَنْفَ من أنت واسم
(1). راجع ج 4 ص (166)
(2)
. راجع ج 11 ص (244)
(3)
. راجع ج 17 ص (175)
(4)
. البعيث: هو خداش بن بشر (ويقال بشير) من بنى مجاشع، كان يهاجى جريرا.
(5)
. علبه يعلبه علبا وعلوبا: أثر فيه ووسمه أو خدشه.