الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَالَ آخَرُ:
وَالْمَرْءُ يُلْحِقُهُ بِفِتْيَانِ النَّدَى
…
خُلُقُ الْكَرِيمِ وَلَيْسَ بِالْوُضَّاءِ
وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: كُبَّاراً (بِالتَّشْدِيدِ) لِلْمُبَالَغَةِ. وَقَرَأَ ابْنُ مُحَيْصِنٍ وَحُمَيْدٌ وَمُجَاهِدٌ (كُبَارًا) بِالتَّخْفِيفِ. وَاخْتُلِفَ فِي مَكْرِهِمْ مَا هُوَ؟ فَقِيلَ: تَحْرِيشُهُمْ سَفَلَتَهُمْ عَلَى قَتْلِ نُوحٍ. وَقِيلَ: هُوَ تَعْزِيرُهُمُ النَّاسَ بِمَا أُوتُوا مِنَ الدُّنْيَا وَالْوَلَدِ، حَتَّى قَالَتِ الضَّعَفَةُ: لَوْلَا أَنَّهُمْ عَلَى الْحَقِّ لَمَا أُوتُوا هَذِهِ النِّعَمَ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: هُوَ مَا جَعَلُوهُ لِلَّهِ مِنَ الصَّاحِبَةِ وَالْوَلَدِ. وَقِيلَ: مَكْرُهُمْ كُفْرُهُمْ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: هُوَ قَوْلُ كُبَرَائِهِمْ لِأَتْبَاعِهِمْ: لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً.
[سورة نوح (71): الآيات 23 الى 24]
وَقالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً (23) وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَاّ ضَلالاً (24)
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ: هِيَ أَصْنَامٌ وَصُوَرٌ، كَانَ قَوْمُ نُوحٍ يَعْبُدُونَهَا ثُمَّ عَبَدَتْهَا الْعَرَبُ. وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ. وَقِيلَ: إِنَّهَا لِلْعَرَبِ لَمْ يَعْبُدْهَا غَيْرُهُمْ. وَكَانَتْ أَكْبَرَ أَصْنَامِهِمْ وَأَعْظَمَهَا عِنْدَهُمْ، فَلِذَلِكَ خَصُّوهَا بِالذِّكْرِ بَعْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ. وَيَكُونُ مَعْنَى الْكَلَامِ كَمَا قَالَ قَوْمُ نُوحٍ لِأَتْبَاعِهِمْ: لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ قَالَتِ الْعَرَبُ لِأَوْلَادِهِمْ وَقَوْمِهِمْ: لَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا، ثُمَّ عَادَ بِالذِّكْرِ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى قَوْمِ نُوحٍ عليه السلام. وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، الْكَلَامُ كُلُّهُ مَنْسُوقٌ فِي قَوْمِ نُوحٍ. وَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَغَيْرُهُ: اشْتَكَى آدَمُ عليه السلام وَعِنْدَهُ بَنُوهُ: وَدٌّ، وَسُوَاعٌ، وَيَغُوثُ، وَيَعُوقُ، وَنَسْرٌ. وَكَانَ وَدٌّ أَكْبَرَهُمْ وَأَبَرَّهُمْ بِهِ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: كَانَ لِآدَمَ عليه السلام خَمْسُ بَنِينَ: وَدٌّ وَسُوَاعٌ وَيَغُوثُ وَيَعُوقُ وَنَسْرُ، وَكَانُوا عُبَّادًا فَمَاتَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَحَزِنُوا عَلَيْهِ، فَقَالَ الشَّيْطَانُ: أَنَا أُصَوِّرُ لَكُمْ مِثْلَهُ إِذَا نَظَرْتُمْ إِلَيْهِ ذَكَرْتُمُوهُ. قَالُوا: افْعَلْ. فَصَوَّرَهُ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ صُفْرٍ وَرَصَاصٍ. ثُمَّ مَاتَ آخَرُ،
فَصَوَّرَهُ حَتَّى مَاتُوا كُلُّهُمْ فَصَوَّرَهُمْ. وَتَنَقَّصَتِ الْأَشْيَاءُ كَمَا تَتَنَقَّصُ الْيَوْمَ إِلَى أَنْ تَرَكُوا عِبَادَةَ اللَّهِ تَعَالَى بَعْدَ حِينٍ. فَقَالَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ: مالكم لَا تَعْبُدُونَ شَيْئًا؟ قَالُوا: وَمَا نَعْبُدُ؟ قَالَ: آلِهَتَكُمْ وَآلِهَةَ آبَائِكُمْ، أَلَا تَرَوْنَ فِي مُصَلَّاكُمْ. فَعَبَدُوهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ، حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ نُوحًا فَقَالُوا: لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً الْآيَةَ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ أَيْضًا وَمُحَمَّدُ بْنُ قَيْسٍ: بَلْ كَانُوا قَوْمًا صَالِحِينَ بَيْنَ آدَمَ وَنُوحٍ، وَكَانَ لَهُمْ تَبَعٌ يَقْتَدُونَ بِهِمْ، فَلَمَّا مَاتُوا زَيَّنَ لَهُمْ إِبْلِيسُ أَنْ يُصَوِّرُوا صُوَرَهُمْ لِيَتَذَكَّرُوا بِهَا اجْتِهَادَهُمْ، وَلِيَتَسَلَّوْا بِالنَّظَرِ إِلَيْهَا، فَصَوَّرَهُمْ. فَلَمَّا مَاتُوا هُمْ وَجَاءَ آخَرُونَ قَالُوا: لَيْتَ شِعْرَنَا! هَذِهِ الصُّوَرُ مَا كَانَ آبَاؤُنَا يَصْنَعُونَ بِهَا؟ فَجَاءَهُمُ الشَّيْطَانُ فَقَالَ: كَانَ آبَاؤُكُمْ يَعْبُدُونَهَا فَتَرْحَمُهُمْ وَتَسْقِيهِمُ الْمَطَرَ. فَعَبَدُوهَا فَابْتُدِئَ عِبَادَةُ الْأَوْثَانِ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ. قُلْتُ: وَبِهَذَا الْمَعْنَى فُسِّرَ مَا جَاءَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ: أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ ذَكَرَتَا كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا «1» بِالْحَبَشَةِ تُسَمَّى مَارِيَةَ، فِيهَا تَصَاوِيرُ لِرَسُولِ «2» اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ أُولَئِكَ إِذَا كَانَ فِيهِمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَمَاتَ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ أُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (. وَذَكَرَ الثَّعْلَبِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: هَذِهِ الْأَصْنَامُ أَسْمَاءُ رِجَالٍ صَالِحِينَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ، فَلَمَّا هَلَكُوا أَوْحَى الشَّيْطَانُ إِلَى قَوْمِهِمْ أَنِ انْصِبُوا فِي مَجَالِسِهِمُ الَّتِي كَانُوا يَجْلِسُونَ فِيهَا أَنْصَابًا وَسَمُّوهَا بِأَسْمَائِهِمْ تَذْكُرُوهُمْ بِهَا، فَفَعَلُوا، فَلَمْ تُعْبَدْ حَتَّى إِذَا هَلَكَ أُولَئِكَ وَنُسِخَ الْعِلْمُ عُبِدَتْ مِنْ دُونِ اللَّهِ. وَذُكِرَ أَيْضًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ نُوحًا عليه السلام، كَانَ يَحْرُسُ جَسَدَ آدَمَ عليه السلام عَلَى جَبَلٍ بِالْهِنْدِ، فَيَمْنَعُ الْكَافِرِينَ أَنْ يَطُوفُوا بِقَبْرِهِ، فَقَالَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ: إِنَّ هَؤُلَاءِ يَفْخَرُونَ عَلَيْكُمْ وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ بَنُو آدَمَ دُونَكُمْ، وَإِنَّمَا هُوَ جَسَدٌ، وَأَنَا أُصَوِّرُ لَكُمْ مِثْلَهُ تَطُوفُونَ بِهِ، فَصَوَّرَ لَهُمْ هَذِهِ الْأَصْنَامَ الْخَمْسَةَ وَحَمَلَهُمْ عَلَى عِبَادَتِهَا. فَلَمَّا كَانَ أَيَّامَ الطُّوفَانِ دَفَنَهَا الطِّينُ وَالتُّرَابُ وَالْمَاءُ، فَلَمْ تَزَلْ مَدْفُونَةً حَتَّى أَخْرَجَهَا الشَّيْطَانُ لِمُشْرِكِي الْعَرَبِ. قال الماوردي: فأما ود
(1). قوله:" رأيتها" بنون الجمع على أن أقل الجمع اثنان. أو على أنه كان معهما غيرهما من النسوة. (القسطلاني).
(2)
. قوله" لرسول الله صلى الله عليه وسلم" متعلق ب" ذكرتا لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
فَهُوَ أَوَّلُ صَنَمٍ مَعْبُودٍ، سُمِّيَ وَدًّا لِوُدِّهِمْ لَهُ، وَكَانَ بَعْدَ قَوْمِ نُوحٍ لِكَلْبٍ بِدُومَةِ الْجَنْدَلِ، فِي قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٍ وَمُقَاتِلٍ. وَفِيهِ يَقُولُ شَاعِرُهُمْ:
حَيَّاكَ وَدٌّ فَإِنَّا لَا يَحِلُّ لَنَا
…
لَهْوُ النِّسَاءِ وَإِنَّ الدِّينَ قَدْ عَزَمَا
وَأَمَّا سُوَاعٌ فَكَانَ لِهُذَيْلٍ بِسَاحِلِ الْبَحْرِ، فِي قَوْلِهِمْ. وَأَمَّا يَغُوثُ فَكَانَ لِغُطَيْفٍ مِنْ مُرَادٍ بِالْجَوْفِ مِنْ سَبَأٍ، فِي قَوْلِ قَتَادَةَ. وَقَالَ الْمَهْدَوِيُّ. لِمُرَادٍ ثُمَّ لِغَطَفَانَ. الثَّعْلَبِيُّ: وَأَخَذَتْ أعلى وأنعم- وهما من طئ- وَأَهْلُ جُرَشٍ مِنْ مَذْحِجٍ يَغُوثُ فَذَهَبُوا بِهِ إِلَى مُرَادٍ فَعَبَدُوهُ زَمَانًا. ثُمَّ إِنَّ بَنِي نَاجِيَةَ أَرَادُوا نَزْعَهُ مِنْ أَعْلَى «1» وَأَنْعَمَ، فَفَرُّوا به إلى الحصين أخي ببني الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ مِنْ خُزَاعَةَ. وَقَالَ أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ: رَأَيْتُ يَغُوثَ وَكَانَ مِنْ رَصَاصٍ، وَكَانُوا يَحْمِلُونَهُ عَلَى جَمَلٍ أَحْرَدَ «2» ، وَيَسِيرُونَ مَعَهُ وَلَا يُهَيِّجُونَهُ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الَّذِي يَبْرُكُ، فَإِذَا بَرَكَ نَزَلُوا وَقَالُوا: قَدْ رَضِيَ لَكُمُ الْمَنْزِلَ، فَيَضْرِبُونَ عَلَيْهِ بِنَاءً يَنْزِلُونَ حَوْلَهُ. وَأَمَّا يَعُوقُ فَكَانَ لِهَمْدَانَ بِبَلْخَعَ، «3» فِي قَوْلِ عِكْرِمَةَ وَقَتَادَةَ وَعَطَاءٍ. ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. وَقَالَ الثَّعْلَبِيُّ: وَأَمَّا يَعُوقُ فَكَانَ لِكَهْلَانَ مِنْ سَبَأٍ، ثُمَّ تَوَارَثَهُ بَنُوهُ، الْأَكْبَرُ فَالْأَكْبَرُ «4» حَتَّى صَارَ إِلَى هَمْدَانَ. وَفِيهِ يَقُولُ مَالِكُ بْنُ نَمَطٍ الْهَمْدَانِيُّ:
يَرِيشُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَيَبْرِي
…
وَلَا يَبْرِي يَعُوقُ وَلَا يَرِيشُ
وَأَمَّا نَسْرٌ فَكَانَ لِذِي الْكُلَاعِ مِنْ حِمْيَرٍ، فِي قَوْلِ قَتَادَةَ، وَنَحْوَهُ عَنْ مُقَاتِلٍ. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: كَانَ وَدٌّ عَلَى صُورَةِ رَجُلٍ، وَسُوَاعٌ عَلَى صُورَةِ امْرَأَةٍ، وَيَغُوثُ عَلَى صُورَةِ أَسَدٍ، وَيَعُوقُ عَلَى صُورَةِ فَرَسٍ، وَنَسْرٍ عَلَى صُورَةِ نَسْرٍ مِنَ الطَّيْرِ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَرَأَ نَافِعٌ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا بِضَمِ الْوَاوِ. وَفَتَحَهَا الْبَاقُونَ. قَالَ اللَّيْثُ: وَدٌّ (بِفَتْحِ الْوَاوِ) صنم كان لقوم نوح.
(1). زيادة عن تفسير الثعلبي.
(2)
. الحرد (بالتحريك): داء في القوائم إذا مشى البعير نفض قوائمه فضرب بهن الأرض كثيرا.
(3)
. موضع باليمن.
(4)
. زيادة عن تفسير الثعلبي. [ ..... ]