المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

نحن وأنتم ننتفي من القول بالمآل الذي ألزمتموه لنا، ونعتقده - إكفار الملحدين في ضروريات الدين

[الكشميري]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تفسير الزندقة والإلحاد والباطنية وحكمها ثلاثتها واحد وهو الكفر

- ‌ما المراد بأهل القبلة الذين لا يكفرون

- ‌عبارات من فتح الباري بشرح صحيح البخاريفيها فكوك لشكوك المستروحين ونجوم من الحافظشهاب الدين ابن حجر لرجوم الهالكين

- ‌تنبيه من الراقم على ما استفيدمن كلام الحافظ رحمه الله تعالى

- ‌النقل عن الأئمة الأربعة وغيرهم من أئمة الدين

- ‌النقل فيه عن المحدثين والفقهاء والمتكلمينوكبار المحققين وجم غفير من المصنفين

- ‌تنبيه من الراقم

- ‌تنبيه آخر

- ‌التأويل في ضروريات الدين لا يقبل، ويكفر المتأول فيها

- ‌خاتمة

- ‌ومن إجماعيات الصحابة رضي الله عنهم

- ‌ومما قلت فيه

- ‌ومن نكير العلماء على التأويل الباطل

- ‌من قال أن النبوة مكتسبة فهو زنديق

- ‌مأخذ التكفير أي دليله الذي أخذ منه وبنى عليه

- ‌تنبيه

- ‌ولنجعل: ختام الكلام كلاماً لختام المحدثين شيخ مشائخنا الشاه عبج العزيز بن ولي الله بن عبد الرحيم الدهلوي قدس الله سره العزيز

- ‌استفتاء

- ‌ومن إخراج الملحدين من المساجد ومنعهم من دخولها

- ‌وهذا آخر الرسالة وختام المقالة

- ‌تنقيصه عيسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام

- ‌دعوى النبوة لنفسه والجحود عن ختم النبوة

- ‌ادِّعاء المعجزات لنفسه والتفضيل على الأنبياء والاستخفاف بشأنهم

- ‌ادِّعاء النبوة مع الشريعة الجديدة لنفسه

- ‌ادِّعاء المساواة بل الأفضلية على نبينا صلى الله عليه وسلم العياذ بالله

- ‌صورة ما كتبه أكابر العلماء وجهابذة الفضلاءممن تولى الدرس والإفتاء، وتصدر لنشر الشريعة الغراء في تصديق هذه الرسالة وتصويب تلك المقالة

الفصل: نحن وأنتم ننتفي من القول بالمآل الذي ألزمتموه لنا، ونعتقده

نحن وأنتم ننتفي من القول بالمآل الذي ألزمتموه لنا، ونعتقده نحن وأنتم أنه كفر، بل نقول أن قولنا لا يؤول إليه على ما أصلنا إلخ. ونقل عن الأشعري في من جهل صفة: أنه ليس بكافر. قال: لأنه لم يعتقد ذلك اعتقاداً يقطع بصوابه ويراه ديناً وشرعاً، وإنما يكفر من اعتقد أن مقاله حق اهـ. وهذا الذي تحرر من كلام ابن حزم.

‌خاتمة

(جاحد المجمع عليه، المعلوم من الدين بالضرورة) : وهو ما يعرفه منه الخواص والعوام من غير قبول للتشكيك، فالتحق بالضروريات كوجوب الصلاة، والصوم، وحرمة الزنا والخمر (كافر قطعاً) لأن جحده يستلزم تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم فيه، وما أوهمه كلام الآمدي وابن الحاجب من أن فيه خلافاً ليس بمراد لهما. شرح "جمع الجوامع".

أي بل مرادهما أن الخلاف الذي ذكراه إنما هو فيما لم يعلم من الدين بالضرورة من المجمع عليه، وأما ما علم من الدين بالضرورة مما أجمع عليه فلا خلاف في كفر جاحده. "حاشية بناني".

(وكذا) المجمع عليه، (المشهور) بين الناس، (المنصوص) عليه، كحل البيع، جاحده كافر (في الأصح) لما تقدم. وقيل: لا، لجواز أن يخفى عليه (وفي غير المنصوص) من المشهور (تردد) . قيل: يكفر جاحده لشهرته، وقيل: لا، لجواز أن يخفى عليه،

ص: 74

(ولا يكفر جاحد) المجمع عليه (الخفي) بأن لا يعرفه إلا الخواص، كفساد الحج بالجماع قبل لبوقوف. (ولو) كان الخفي (منصوصاً) عليه، كاستحقاق بنت الإبن السدس مع بنت الصلب، فإنه قضي به النبي صلى الله عليه وسلم كما رواه البخاري، ولا يكفر جاحد المجمع عليه من غير الدين كوجود بغداد قطعاً. "شرح جمع الجوامع".

وكذا في عامة كتب الأصول كـ "الأحكام" للآمدى من المسألة السادسة من الإجماع، ومن "شرائط الراوي"، و"المختصر" لابن الحاجب، و"التحرير"، وشرحه "التقرير"، وشرح "المسلم"، ومثله في الإختيارات العلمية من "فتاوى الحافظ ابن تيمية". وقال في كتاب الإيمان: وهذه الآية تدل على أن إجماع المؤمنين حجة من جهة أن مخالفتهم مستلزمة لمخالفة الرسول، وإن كان ما أجموعا عليه فلابد أن يكون فيه نص عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فكل مسألة يقطع فيها بالإجماع وبانتفاع المنازع من المؤمنين فإنها مما بين الله فيه الهدى، ومخالف مثل هذا الإجماع يكفر، كما يكفر مخالف النص المبين، وأما إذا كان يظن الإجماع ولا يقطع به، فهنا قد لا يقطع أيضاً بأنها مما تبين فيه الهدى من جهة الرسول، ومخالف مثل هذا الإجماع قد لا يكفر بل قد يكون ظن الإجماع خطأ، والصواب في خلاف هذا القول، وهذا هو فصل الخطاب فيما يكفر به من مخالفة الإجماع وما لا يكفر اهـ.

(فإن قلت: هل العلم يكونه صلى الله عليه وسلم بشراً، أو من العرب شرط في صحة الإيمان وهو من فروض الكفاية) على الأبوين مثلاً فإذا علم أحدهما

ص: 75

ولده المميز سقط طلبه عن الآخر. (أجاب الشيخ ولي الدين) أحمد (ابن) عبد الرحيم (العراقي) الحافظ ابن الحافظ: "أنه شرط في صحة الإيمان، فلو قال شخص: أؤمن برسالة محمد صلى الله عليه وسلم إلى جميع الخلق، ولكن لا أدري هل هو من البشر أو من الملائكة، أو من الجن؟ أو لا أدري هو من العرب أو العجم؟ فلا شك في كفره لتكذيبه القرآن) كقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ} وقال تعالى: {وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ} (وجحده ما تلقته قرون الإسلام خلفاً عن سلف، وصار معلوماً بالضرورة عند الخاص والعام، ولا أعلم في ذلك خلافاً، فلو كان غبياً) بمعجمه وموحدة، جاهلاً قليل الفطنة (لا يعرف ذلك وجب تعليمه إياه، فإن جحده) أي المعلوم بالضرورة (بعد ذلك حكمنا بكفره) لأن إنكار كفر، أما إنكار ما ليس ضرورياً فليس كفراً، ولو جحده بعد التعليم على ما اقتضاه شراح "البهجة" لشيخ الإسلام زكريا (انتهى) . "زرقاني".

إن الأمة فهمت من هذا اللفظ أنه أفهم عدم نبي بعده أبداً، وعدم رسول بعده أبداً، وأنه ليس فيه تأويل ولا تخصيص، ومن أوله بتخصيص فكلامه من أنواع الهذيان لا يمنه الحكم بتكفيره، لأنه مكذب لهذا النص الذي أجمعت الأمة على أنه غير مأول ولا مخصوص. "كتاب الاقتصاد" للإمام حجة الإسلام محمد الغزالي رحمه الله.

وعلى أن البدعة التي تخالف الدليل القطعي الموجب للعلم - أي الاعتقاد والعمل - لا تعتبر شبهة في نفي التكفير عن صاحبها. وفي "الإختيار": وكل بدعة تخالف دليلاً يوجب العلم والعمل به قطعاً فهي كفر، وكل

ص: 76

بدعة لا تخالف ذلك وإنما تخالف دليلاً يوجب العمل ظاهراً فهي بدعة وضلال وليس بكفر. "رسائل ابن عابدين".

والقول الثاني الذي ذكره في "المحيط" هو ما قدمناه عن "شرح الإختيار" و"شرح العقائد" ويمكن التوفيق بينه وبين ما حكاه ابن المنذر بأن المراد الذين كفروا من خالف ببدعته دليلاً قطعياً إلخ. "رسائل ابن عابدين".

وفي النسخة الحاضرة من "البناية" من باب البغاة، وفي "المحيط" في تكفير أهل البدع كلام، فبعض العلماء لا يكفرون أحداً منهم، وبعضهم يكفرون البعض، وهو أن كل بدعة تخالف دليلاً "قطعياً" فهي كفر، وكل بدعة لا تخالف دليلاً قطعياً يوجب العلم، فهو بدعة ضلالة، وعليه اعتمد أهل السنة والجماعة اهـ. وما تكلم عليه في "فتح القدير" - ويريد في غير الضروريات، واقتصر عليه ابن عابدين - فقد تردد فيه المحقق من إمامه "الفتح". نبه على ذلك في "فواتح الرحموت" فليس ما في "المحيط" مما يلفظ ويرمى، كيف؟ وقد ذكر أنه قول أكثر أهل السنة، واستدرك عليه أيضاً ابن عابدن من البغاة، وإذا لم يكن اختلاف في إنكار الضروريات، كما صرح به في "التحرير" وحمل التكفير بإنكار القطعيات الغير الضرورية على ما إذا علم المنكر قطعيتها، أو ذكر له أهل العلم فلج، كما صرح به في "المسايرة" لم يبق هناك بحث. "وفي البدائع" - من أجل كتب أصحابنا -: وإمامة صاحب الهوى والبدعة مكروهة،

ص: 77

نص عليه أبو يوسف في "الأمالي" فقال: أكره أن يكون الإمام صاحب هوى وبدعة، لأن الناس لا يرغبون في الصلاة خلفه هل تجوز الصلاة خلفه؟ قال بعض مشائخنا: إن الصلاة خلف المبتدع لا تجوز، وذكر في "المنتقي" رواية عن أبي جنيفة: أنه كان لا يرى الصلاة خلف المبتدع. والصحيح أنه إن كان هوى يكفره لا تجوز، وإن كان لا يكفره تجوز مع الكرهة اهـ. وهذا "المنتقى" هو الذي نسب إليه في "المسايرة" مسألة عدم إكفار أهل القبلة، ففسر بعض كلامه بعضه، وفصل كذلك في الشهادة، ونص في "الخلاصة" أنه صرح به في "الأصل"، وكذا نقله عنها صاحب "البحر". ويراجع ما ذكره في "الفتح" من حيلة تحليل المطلقة ثلاثاً.

والتأويل في ضروريات الدين لا يدفع الكفر. "علامه عبد الحكيم سيالكوتى" على "الخيالي"، وهو كذلك في "الخيالي":

وجون ابن فرقه مبتدعه أهل قبلة أند در تكفير أنها جرات نبايد نمود تا زمانيكة انكار ضروريات دينية ننمايند، ورد متواترات احكام شرعية نكنند، وقبول ما علم مجيئه من الدين بالضرورة نكنند. "مكتوبات امام وبانى".

وجعل في "الفتوحات" التأويل الفاسد كالكفر، فراجعها من الباب التاسع والثمانين ومائتين.

والقول الموجب للكفر إنكار مجمع عليه، فيه نص، ولا فرق بين أن يصدر عن اعتقاد أو عناد. "كليات أبي البقاء" من لفظ "الكفر".

قال الكمال: والصحيح أن لازم المذهب ليس بمذهب، وإنه لا كفر بمجرد اللزوم غير الالتزام، وقد وقع في "المواقف" ما يقتضي

ص: 78

تقييده بما إذا لم يعلم ذو المذهب اللزوم، وبأن اللازم كفر، فإنه قال: من يلزمه الكفر، ولا يعلم به ليس بكافر إلخ. ومفهومه أن علمه كفر لإلتزامه إياه. والله أعلم انتهى. "يواقيت" للشعراني".

وفي "الكليات": ولزوم الكفر المعلوم كفر، لأن اللزوم إذا كان بيناً فهو في حكم الالتزام لا اللزوم مع عدم العلم به اهـ.

قلت: وليس في عبارة "المواقف" التقييد بأن يعلم أن اللازم كفر، إنما فيه أن يعلم اللزوم فقط. لأن الكفر هو جحد الضروريات من الدين أو تأويلها. ("إيثار الحق على الخلق" للمحقق الشهير الحافظ محمد بن إبراهيم الوزير اليماني) .

أيضاً: على أنه يرد عليهم أن الاستحلال بالتأويل قد يكون أشد من التعمد مع الاعتراف بالتحريم، وذلك حيث يكون المستحل بالتأويل معلوم التحريم بالضرورة، كترك الصلاة، فإن من تركها متأولاً كفرناه بالإجماع، وإن كان عامداً معترفاً، ففيه الخلاف، فكان التأويل ههنا أشد تحريماً.

أيضاً: وتارةً لما لا يمكن تأويله إلا بتعسف شابه تأويل القرامطة، وربما استلزم بعض التأويل مخالفة الضرورة الدينية، وهم لا يعلمون ولا يؤمن الكفر في هذا المقام في معلوم الله تعالى، وأحكام الآخرة وإن لم نعلمه نحن.

ص: 79

أيضاً: وكذلك انعقد إجماعهم على أن مخالفة السمع الضروري كفر، وخروج عن الإسلام.

وأيضاً: وثبت أن الإسلام متبع لا مخترع، ولذلك كفر من أنكر شيئاً من أركانه، لأنها معلومة ضرورة، فأولى وأحرى أن لا يجئ الشرع بالباطل منطوقاً متكرراً من غير تنبيه على ذلك، لا سيما إذا كان ذلك الذي سموه باطلاً هو المعروف في جميع آيات كتاب الله وجميع كتب الله، ولم يأت ما يناقضه في كتاب الله حتى ينبه على وجوه التأويل والجمع.

أيضاً: وأفحش ذلك وأشهره مذهب القرامطة الباطنية في تأويل الأسماء الحسنى كلها، ونقيها عن الله على سبيل التنزية له عنها، وتحقيق التوحيد بذلك، ودعوى أن إطلاقها عليه يقتضي التشبيه، وقد غلوا في ذلك وبالغوا، حتى قالوا: إنه لا يقال أنه موجود ولا معدوم، بل قالوا أنه لا يعبر عنه بالحروف، وقد جعلوا تأويلها أن المراد بها كلها إمام الزمان عندهم، وهو عندهم المسمى الله، والمراد بلا إله إلا الله، وقد تواتر هذا عندهم، وأنا ممن وقف عليه فيما لا يحصى من كتبهم التي في أيديهم وخزائنهم ومعاقلهم التي دخلت عليهم عنوةًَ أو فتحت بعد طول محاصرة، وأخذ بعضها عليهم من بعض الطرقات، وقد هربوا به ووجد بعضها في مواضع خفية قد أخفوه فيها، فكما أن كل مسلم يعلم أن هذا كفر صريح، وإنه ليس من التأويل المسمى بحذف المضاف المذكور في قوله تعالى:{وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا} أي أهل القرية، و

ص: 80

وأهل العير، وإنما علم هذا كل مسلم تطول صحبته لأهل الإسلام، وسماع أخبارهم، والباطني الناشئ بين الباطنية لا يعلم مثل هذا، فكذلك المحدث الذي قد طالت مطالعته للآثار قد يعلم في تأويل بعض المتكلمين، مثل هذا العلم، وإن كان المتكلم لبعده عن أخبار الرسول صلى الله عليه وسلم وأحواله وأحوال السلف قد بعد عن علم المحدث، كما بعد الباطني عن علم المسلم، فالمتكلم يرى أن التأويل ممكن بالنظر إلى وضع علماء الأدب في شروط المجاز، وذلك صحيح، ولكن مه المحدث من العلم الضروري بأن السلف ما تأولوا ذلك مثل ما مع المتكلم من العلم الضروري بأن السلف ما تأولوا الأسماء الحسنى بإمام الزمان، وإن كان مجاز الحذف الذي تأولت به الباطنية صحيحاً في اللغة عند الجميع، لكن له. وضع مخصوص، وهو وضعوه في غير موضعه.

أيضاً: وأما التفسير، فما كان من المعلومات بالضرورة من أركان الإسلام وأسماء الله تعالى منعنا من تفسيره، لأنه جلى صحيح المعنى، وإنما يفسره من يريد تحريفه، كالباطنية الملاحدة، وما لم يكن معلوماً ودخلته الدقة والغموض، فإن دخله بعد ذلك الخطر وخوف الإثم في الخطأ، فما يتعلق بالعقائد تركنا العبارات المبتدعة وسلكنا طريق الوقف والاحتياط، إذ لا عمل يوجب معرفة معناه المعين، وإن لم يدخل فيه الخطر عملنا فيه بالظن المعتبر المجمع على وجوب العمل به أو جوازه والله الهادي.

أيضاً: وثانيهما إجماع الأمة على تكفير من خالف الدين المعلوم

ص: 81

بالضرورة، والحكم بردته إن كان قد دخل فيه قبل خروجه منه، ولو كان الدين مستنبطاً بالنظر لم يكن جاحده كافراً، فثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاء بالدين القيم تاماً كاملاً، وإنه ليس لأحد أن يستدرك عليه ويكمل له دينه من بعده.

أيضاً: واعلم أن أصل الكفر هو التكذيب المتعمد لشيء من كتب الله تعالى المعلومة، أو لأحد من رسله عليه السلام، أو لشيء مما جاءوا به، إذا كان ذلك الأمر المكذب به معلوماً بالضرورة من الدين، ولا خلاف أن هذا القدر كفر، ومن صدر عنه فهو كافر إذا كان مكلفاً مختاراً غير مختل العقل ولا مكره، وكذلك لا خلاف في كفر من جحد ذلك المعلوم بالضرورة الجميع، وتستر بالتأويل فيما لا يمكن تأويله كالملاحدة.

وعبارات لهذا المحقق في كتابه "القواصم والعواصم" ألتقطتها، وهي هذه:

مسألة التكفير من أواخر الجزء الأول: "الفصل الثالث الإشارة إلى حجة من كفر هؤلاء وما يرد عليها". ولعله تحت الوهم الخامس عشر، وقد ذكر من كتاب "الأسماء والصفات" للبيهقي عن الخطابي فيه شيئاً نافعاً يفسر ما في "معالم السنن" له.

وعن "الأسماء والصفات" معنى محواسم عزيز عليه السلام من ديوان الأنبياء، وإن كان نبياً حين إلخ. في مسألة القدر.

وفي أوائل الجزء الثالث: "الدليل الثاني وهو المعتمد أن كثرة هذه

ص: 82

النصوص وترداد تلاوتها بين السلف من غير سماع تأويل لها، ولا تحذير جاهل من اعتقاد ظاهرها، ولا تنبيه على ذلك حتى انقضى عصر النبوة والصحابة يقضي بالضرورة العادية أنها غير متأولة، وإلى هذا الوجه أشار في قوله تعالى:{ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} ويا لها من حجة قاطعة للمبتدعة لمن تأملها في هذا الموضع، وفي الكلام في الصفات وفي ذلك! لأنه لا يجوز في العادة أن يمضي الدهر الطويل على إظهار ما رجح المعتزلة، وله تأويل حسن فلا يذكر تأويله أليته، وسواء كان ذكره واجباً أو مباحاً".

وقد ذكر الرازي بحثاًَ طويلاً في اللغات من كتاب "المحصول" في المنع من إفادة السمع القطع بسبب ما يعرض من الألفاظ المفردة، ثم تراكيبها من الاحتمالات التي وردت بها اللغة، مثل الاشتراك، والمجاز، والحذف، ونحوها، وذكر أنه لا دليل على عدمها إلا عدم الوجدان بعد الطلب، وإنه دليل ظني، وذكر كثيرة الاختلاف في المحذوف في بسم الله الرحمن الرحيم، ثم أجاب ما محصوله: أن المعول عليه في مواضع القطع في الكتاب والسنة هو القرائن التي يضطر إلى قصد المتكلم مع تواتر معاني الألفاظ في المواضع اللفظية القطعية. وكلامه هذا يدل على معنى ما ذكرت في معاني آيات المشيئة، ولولا ذلك لتمكنت الملاحدة وأعداء الإسلام من التشويش على المسلمين أجمعين في كثير من عقائدهم السمعية القطعية، ويؤيد هذا قول بعض المعتزلة المحققين أن كل قطعي سمعي فهو ضروري، وله وجه وجيه ليس هذا موضع ذكره.

وفي أواسط هذا الجزء:

"الوجه الثاني: وهو المعتمد أن التكفير سمعي قطعي عند المعتزلة،

ص: 83

والصحيح أن كل قطعي من الشرع فهو ضروري".

وبعد أوراق كثيرة من هذا المبحث قال:

"الوجه السادس: أن السمع قد دل على قدرة الله تعالى على هداية الخلق أجمعين دلالة ضرورية، أو قطعية يتعذر تأويلها لوجهين: أحدهما ما تقدم من المنع تأويل آيات المشيئة وأمثالها مما شاع مع الخاصة والعامة في عصر النبوة والصحابة، وانقضى ذلك العصر الذي هو عصر الهدى المجمع عليه، والبيان لمهمات الدين ولم يذكر لها تأويل ألبتة، ولا حذر من اعتقاد ظاهره، فإن العادة تقضي بذلك وإن لم يكن واجباً لما مر تقريره".

ولعل الوجه الوجيه الذي ذكره هو ما في أواخر الجزء الأول حيث قال: "وأعلم أن القطع لابد أن يكون من جهة ثبوت النص الشرعي في نفسه ومن جهة وضوح معناه، فأما ثبوته فلا طريق إليه إلا التواتر الضروري، كما تقدم، وأما وضوح معناه، فهل يمكن أن يكون قطعياً، ولا يكون ضرورياً في كلام كثير من الأصوليين ما يقتضي تجويز ذلك، وفي كلام بعضهم ما يمنع ذلك وهو القوى عندي، لأن القطع على معنى النص من قبيل النقل عن أهل اللغة، إنهم يعنون باللفظ المعين معناه المعين دون غيره، وهذه طريقة النقل لا النظر، وما كان طريقه النقل لا النظر لم يدخله القطع الاستدلالي، وإنما يكون من قبيل المتواترات وهي ضرورية".

وفي أواخر الجزء الثاني:

"إن تعليل فاعلية الرب سبحانه وتعالى يوقف على نصوص القرآن المعلومة المعنى مع القرائن اللفظية على عدم تأويلها، بل ذلك معلوم من

ص: 84

ضرورة الدين وإجماع المسلمين، ومن تلك القرائن المفيدة للعلم استمرار تلاوتها من غير تنبيه على قبح الظاهر".

وقد أورد الرازي هذا السؤال في باب اللغات في "محصولة" مهذباً مطولاً، وأجاب عنه بما معناه: أن العلم بالمقاصد يكون مع القرائن ضرورياً، فإنا نعلم مراد الله سبحانه بالمساوات والأرض ضرورة لا لكون لفظ السماء موضوعاً لمسماه لدخول الاشتراك والمجاز والاضمار في الأوضاع اللغوية.

وفي أواسط الجزء الآخر:

"وذلك جلى لمن يعرف شروط القطع، وهو في النقليات التواتر الضروري في النقل، والتجلي الضروري في المعنى".

وأما القطع بتحريم تأويلها بل بأنها على ظاهرها، فذلك لتواتر اشتهارها في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة، والعلم بتقريرهم لها على ظاهرها، والعادة الضرورية تمنع من عدم ذكر التأويل الحق من جميعهم في جميع تلك الأعصار لو كان هناك تأويل كما مربيانه.

وفي أواسط الجزء الثالث من نصوص الإيمان بالقدر:

"والثاني دعوى العلم الضروري لمن بحث عن أحوال السلف أنهم كانوا لا يتأولون شيئاً من ذلك".

وفي أوائل الجزء الأول:

"على أن في القطعيات ما يختلف العلماء هل هي قطعي كما في القياس الجلي والتأثيم به والتفسيق والتكفير، على أن ابن الحاجب وغيره من المحققين منعوا من وجود القطعي الشرعي غير الضروري، وحكموا بأنه

ص: 85

لا واسطة بين الظن والضرورة في فهم المعاني، كما إنه لا واسطة بينهما في تواتر الألفاظ بالإتفاق".

وفي موضع آخر:

"والظاهر من علماء الأصول أنهم لا يثبتون القطعيات إلا في الأدلة العلمية المفيدة لليقين".

وفي أواخره:

"وقد ذكر غير وحد من المحققين أن الأدلة القطعية متى كانت شرعية لم تكن إلا ضرورية".

قلت: وقد قال في "الإتحاف" عن ابن البياضي الحنفي عن الماتريدية: "والدليل النقلي يفيد اليقين عند توارد الأدلة على معنى واحد بطرق متعددة وقرائن منضمة، واختاره صاحب "الأبكار والمقاصد" وكثير من المتقدمين" اهـ. أي منهم. وراجع "التوضيح". ويريد ابن الحاجب بالضروري ما ينقدح في النفس حدساً واضطراراً، لا ما يشترك في معرفته الخواص والعوام، كما أريد به ذلك في تعريف ضروريات الدين، ولا يريد أيضاً أن الدليل اللفظي لا يفيد القطعي، فإنه اختلاف آخر بين آخرين. قال:

"القول الثالث مذهب الأكثرين من الأئمة وجماهير علماء الأمة وهو التفصيل، والقول بأن التأويل في القطعيات لا يمنع الكفر".

ومن بحث التكفير: "إن الكفر هو تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم إما بالتصريح، أو بما يستلزمه استلزاماً ضرورياً لا استدلالياً".

ص: 86

والعلم الضروري يقتضي في كل ما شاع مثل هذا في أعصارهم، ولم يذكر أحد منهم له تأويلاً أنه على ظاهره.

فتأمل هذه القاعدة التي ذكرتها لك فيما استفاض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم استفاضة متواترة ولم يذكر له ألبتة تأويل وإجماع الصحابة على وصف الله تعالى بأنه متكلم، وله كلام من غير اشعار بتأويل، فجهروا بتكفير من قال ذلك إما لاعتقادهم أنه مكذب لهذه الآيات أو إن كلامه يؤول إلى التكذيب.

امتنع من وصف القرآن بالحدوث من لم يصفه بالقدم، كأحمد بن جنبل، والجمهور على ما نقله الذهبي عنهم، وعن أحمد في ترجمة أحمد من النبلاء، وكذا نقل هناك عن قدماء أهل السنة أنهم لم يصفوا القرآن بأنه قديم، كما لم يصفوه بأنه مخلوق، واختار ذلك لنفسه.

لما تقدم من اشتراط القطع في التكفير عند المعتزلة والشيعة وطوائف من الأمة، وهو كذلك في حق من أراد القطع بالكفر، فإن قيل له أنه ينزل عن هذه المرتبة إلى مرتبة الظن الراجح إلى السمع الواضح، والعمل بالظن لا يمتنع إلا بقاطه إلخ.

ولم يرد القرآن بأنه كله متشابه، وإنما ورد بأن منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات، فأين الآيات المحكمات الواردات بهذا التعطيل من الجهات حتلا يرد إليها سائر آيات كتاب الله تعالى، وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، والعقول السليمة تحيل خلو الكتب السماوية والأحاديث النبوية من النطق بالصواب، الذي يرد إليه كثير من متشابهات الكتاب، وإلى استحالة ذلك أشار في قوله تعالى:{ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} ويالها من آية قاطعة للمبطلين لمن تأملها في كل موضع.

ص: 87

لو كان هو المقصود لوجد الصواب، ولو مرة واحدة، حتى يرد المتشابه إليه كما وعد به التنزيل.

وفي أواسط الجزء الثالث من قسم ما يدل على وجوب الإيمان بالقدر بعد الحديث الثاني والسبعين:

"قلت: والضابط في التكفير أن من رد ما يعلم ضرورة من الدين فهو كافر، وفي هذا إجمال، والتحقيق أن من علمنا ضرورة أنه رد ما يعلم ضرورة من الدين، وعلمنا بالضرورة أنه يعلمه ضرورة، فلا شك في كفره، وأما من ظننا أنه يجهل من الدين ما نعلمه نحن ضرورة، فهذا موضع كثير فيه الاختلاف، والأولى عدم التكفير، وقد مر تحقيق ذلك في آخر مسألة الصفات".

أقول: ومن دافع أمراً ضرورياً من الدين ولم يقله، وقد بلغ ذلك فهو كافر، كما أشار إليه البخاري في "صحيحه:، وإن كان عدد المبلغ لم يبلغ حد التواتر، ولم يكن جحود غير المتواتر كفراً، لكن ذلك المدافع يعامل معاملة الكفار، وكذلك كان العمل عليه في عهد النبوة في إقامة الحجة، وإن تعلل بأنه تردد فيه لخبر الواحد فأمر ينظر فيه، وإلا فتقسيم الكفر إلى كفر عناد وجهل يفوض ذلك إلى الآخرة، كما أن نشأ على الكفر نحكم بكفره، وإن كان جهلاً جحوداً، فكذا ههنا فاعلمه.

فإن من يقبل بعض متواترات الشريعة فهو في حقنا وبالإعتبار إلينا كمن لم يدخل في الإسلام، وإن لم يكن ذلك عن عناد، وصار كمن دعاه نبي واحد إلى الإيمان فلم يدخل فيه، وبقى على كفره الأصلي

ص: 88

لا عن عناد منه.

(فالكفر بعدم الإيمان بمتواترات الشرع وخلوه عنه جهلاً كان أو جحوداً وعناداً، وقد ذكر في "الإتحاف": إن التكذيب لأمر البعثة وبلوغ الدعوة قبيح عقلاً، فهو داخل تحته لا تحت القبح الشرعي، وهو حسن جداً، وشيء مفيد في "المسايرة" من الحسن والقبح العقليين من دفع إفحام الأنبياء لو لم يكونا، وشيء منه في الأصل العاشر من الركن الأول.

وقال ابن القيم: المجاز والتأويل لا يدخل في المنصوص، وإنما يدخل في الظاهر المحتمل له، وههنا نكتة ينبغي التفطن لها، وهي أن كون اللفظ نصاً يعرف بشيئين، أحدهما: عدم احتماله لغير معناه وضعاً، كالعشرة، والثاني: ما اطرد استعماله على طريقة واحدة في جميع موارده فإنه نص في معناه، لا يقبل تأويلاً ولا مجازاً، وإن قدر تطرق ذلك إلي بعض أفراده، وصار هذا بمنزلة الخبر المتواتر لا يتطرق إحتمال الكذب إليه، وإن تطرق إلى كل واحد من أفراده بمفرده. وهذه عصمة نافعة تدلك على خطأ كثير من التأويلات في السمعيات التي اطرد استعمالها في ظاهرها وتأويلها، والحالة هذه غلط، فإن التأويل إنما يكون لظاهر قد ورد شاذاً مخالفاً لغيره من السمعيات، فيحتاج إلى

ص: 89

تأويله ليوافقها، فأما إذا اطردت كلها على وتيرة واحدة صارت بمنزلة النص وأقوى، وتأويلها ممتنع، فتأمل هذا. "بدائع الفوائد".

وهذا يجري في نحو لفظ "التوفي" في عيسى عليه السلام أنه الإستيفاء لا الإمانة، فإن كل ما ورد في حاله في القرآن والحديث اطرد في حياته.

قال حبيب بن الربيع: لأن ادعاءه التأويل في لفظ صراح لا يقبل - "شرح شفاء" - في من قال: فعل الله برسول الله كذا وكذا. وقال: أردت به العقرب - والعياذ بالله - وأقره الحافظ ابن تيمية بعينه في "الصارم المسلول".

فعلم أن التأويل كما لا يقبل في ضروريات الدين كذلك لا يقبل في ما يظهر أنه احتيال في كلام الناس، وتمحل غير واقعي، وقد كان الأئمة رحمهم الله يعتبرون إرادة التأويل وقصده، فجاء المتسللون فاعتبروا إيجاده، ففي "جامع الفصولين"، وعن مالك رحمه الله أنه سئل عن من أراد أن يضرب أحداً؟ فقيل له: ألا تخاف الله تعالى؟ فقال: لا، قال: لا يكفر، إذ يمكنه أن يقول: التقوى فيما أفعله له، ولو قيل له ذلك في معصيته، فقال: لا أخافه يكفر، إذ لا يمكنه ذلك التأزيل اهـ. ونحوه في "الخانية" في قصة شداد بن حكيم مع زوجته، وذكرها في "طبقات الحنفية" من شداد عن محمد رحمه الله أيضاً، وهو أولى بالاعتبار مما ذكره من اعتبار مجرد الامكان، فإنه لا حجر

ص: 90

فيه، وقالوا في الإكراه على كلمة الكفر: إن خطر بباله التورية ولم يور كفر، فاعتبروا القصد وإرادة التأويل في حقه، وإلا فالتمحل لا يعجز عنه أحد، ففي "الميزان" بإسناد قوي: فو الله إن المؤمن ليجادل بالقرآن فيغلب، وإن المنافق ليجادل بالقرآن فيغلب، ألا ذكره من ترجمة الحكم بن نافع.

ولذا قال ابن حجر بعد سياق كلام المصنف: وما ذكره ظاهر موافق لقواعد مذهبنا، إذ المدار في الحكم بالكفر على الظواهر، ولا نظر للمقصود، والنيات، ولا نظر لقرائن حاله، نعم يعذر مدعي الجهل إن اعتذر لقرب عهده بالإسلام أو بعده عن العلماء، كما يعلم من كلام "الروضة" انتهى. "خفاجي" شرح "شفاء". أي فيما أتى بالسب لقلة مراقبة، وضبط للسانه، وتهور في كلامه، ولم يقصد السب.

فإن قيل: كيف تأولت أمر الطائفة التي منعت الزكاة على الوجه الذي ذهبت إليه، وجعلتهم أهل بغي؟ وهل إذا أنكرت طائفة من المسلمين في زماننا فرض الزكاة، وامتنعوا من أدائها، يكون حكمهم حكم أهل البغي؟

قلنا: لا فإن من أنكر فرض الزكاة في هذه الأزمان كان كافراً بإجماع المسلمين، والفرق بين هؤلاء وأولئك أنهم إنما عذروا لأسباب وأمور لا يحدث مثلها في هذا الزمان.

منها: قرب العهد بزمان الشريعة الذي كان يقع فيه تبديل الأحكام بالنسخ.

ص: 91

ومنها: أن القوم كانوا جهالاً بأمور الدين، وكان عهدهم بالإسلام قريباً، فدخلتهم الشبهة، فعذورا، فأما اليوم فقد شاع دين الإسلام، واستفاض في المسلمين علم وجوب الزكاة، حتى عرفها الخاص والعام، واشترك فيه العالم والجاهل، فلا يعذر أحد بتأويل يتأوله في إنكارها، وكذلك ألمر في كل من أنكر شيئاً مما أجمعت الأمة عليه من أمور الدين، إذا كان علمه منتشراً، كالصلوات الخمس، وصوم شهر رمضان، والاغتسال من الجنابة، وتحريم الزنا والخمر، ونكاح ذوات المحارم ونحوها من الأحكام إلا أن يكون رجلاً حديث عهد بالإسلام، ولا يعرف حدوده، فإنه إذا أنكر منها شيئاً جهلاً به لم يكفر، وكان سبيله سبيل أولئك القوم في بقاء اسم الدين عليه، فأما ما كان الإجماع فيه معلوماً من طريق اسم الخاصة، كتحريم نكاح المرأة على عمتها وخالتها، وإن القاتل عمداًَ لا يرث، وإن للجدة السدس، وما أشبه ذلك من الأحكام، فإن من أنكرها لا يكفر بل بعذر فيها لعدم استفاضة علمها في العامة. "نووى شرح المسلم" عن الخطابي وهناك عبارة أخرى للخطابي مرت عن "اليواقيت".

قلت: هذا ظاهر في أن التأويل في ضروريات الدين لا يدفع القتل، بل لا يدفع الكفر أيضاً إذا استتيب فلم يتب، وأما الإشكال الذي ذكره من أنهم جحدوا الزكاة فهم أهل ردة، وقد تردد في قتالهم عمر رضي الله عنه فلعل الوجه فيه أنهم منعوا الزكاة، وأرادوا نصب الرؤساء في إحياهم، لم يطيعوا لأبي بكر رضي الله عنه فكانوا أهل بغي بهذا القدر، وهذا هو الذي جعل

ص: 92

عمر رضي الله عنه غرضهم، ثم إنهم كانوا يأولون أيضاً في منع الزكاة تأويلات تبرعاً، وجعلهم أبو بكر رضي الله عنه مرتدين بهذا والله أعلم. فكان اختلاف الشيخين في غرض مانعي الزكاة، وفي ما دعاهم إلى المنع جعل عمر السبب الأصلي بغيهم، ومنعهم الزكاة له، وجعله أبو بكر الردة، فالخلاف في تحقيق الواقعة والكشف عنها، ولو تحقق عند عمر رضي الله عنه أنهم أنكروا الزكاة رأساً لكفرهم هو أيضاً، ولم يتردد أصلاً، ثم رأيت الإمام الحافظ جمال الدين الزيلعي رحمه الله تعالى صرح في "تخريج الهداية" من الجزية بمثله. وينبغي أن يراجع ما في "منهاج السنة" أيضاً وما في "الكنز" من قتاله رضي الله عنه مع أهل الردة، ففيه أن عمر رضي الله عنه جعلهم مرتدين، ولكن لم ير للمسلين قوة عليهم. وفي "الرياض" للمحب الطبري عن عمر رضي الله عنه لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتدت العرب، وقالوا: لا نؤدي زكاة، فقال أبو بكر رضي الله عنه:"لو منعوني عقالاً لجاهدتهمك عليه، فقلت: يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم تألف الناس وارافق بهم. فقال: لي إجبار في الجاهلية، وخوار في الإسلام، أنه قد انقطع الوحي، وتم الدين، أو ينقص وأنا حي". أخرجه النسائي.

ص: 93