الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب صلاة التطوع
مقدمة
التطوع: تفعل، من: طاع يطوع، إذا انقاد.
والتطوع لغة: فعل الطاعة.
وشرعًا واصطلاحًا: طاعة غير واجبة، من صلاة، وصدقة، وصوم، وحج، وجهاد، والمراد هنا بصلاة التطوع: الصلوات التي ليست واجبة.
قال شيخ الإسلام: التطوع تكمل به الفرائض يوم القيامة، إن لم يكن المصلي أتمها.
وقال الإمام الغزالي في "الإحياء": أمرُ الله فرائض، ونوافل؛ فالفرائض رأس المال، وهو أصل التجارة، وبه تحصل النجاة، والنوافل هي الربح، وبها الفوز في الدرجات.
وفي هذا الباب يبحث الفقهاء في الأعمال الصالحة أيها أفضل.
قال في "شرح الإقناع": أفضل التطوع الجهاد في سبيل الله، فقد قال الإمام أحمد: لا أعلم شيئًا بعد الفرائض أفضل من الجهاد.
ومن الجهاد النفقة، والإعانة عليه.
ثم يلي الجهاد العلم، تعلُّمه وتعليمه من تفسير، وحديث، وتوحيد.، وفقه، ونحوها.
قال أبو الدرداء: العالم والمتعلم سواء في الأجر.
ونقل مُهَنَّا عن الإمام أحمد: طلب العلم أفضل الأعمال لمن صحت نيته، بأن ينوي به نفي الجهل عن نفسه، وإفادة غيره.
ونقل منصور عن الإمام أحمد: أن تذاكر بعض ليلة أفضل من إحيائها.
والمراد بالعلم: الذي ينتفع به الناس في أمور دينهم.
وقال الإمامان: أبو حنيفة ومالك: أفضل ما تُطُوِّعَ به العلم: تعلمه، وتعليمه.
وقال الشيخ تقي الدين: تعلم العلم وتعليمه يدخل بعضه في الجهاد، والعلم خير ما أنفقت فيه الأنفاس، وبذلت فيه المُهج.
وقال الإمام النووي: اتَّفق السلف على أنَّ الاشتغال بالعلم أفضل من الاشتغال بنوافل الصلاة، والصيام، والتسبيح، ونحو ذلك، فهو نور القلب، ومن يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين، فهو أفضل الأعمال، وأقربها إلى الله، وأفضل العلوم أصول الدين، ثم التفسير، ثم الحديث، ثم أصول الفقه ثم الفقه.
وقال الغزالي: أيها المقبل على اقتباس العلم، إن كنت تقصد بطلب العلم المنافسة، والمباهاة، واستمالة وجوه الناس إليك، وجمع حطام الدنيا، فصفقتك خاسرة، وإن كانت نيتك وقصدك من طلب العلم الهداية، دون مجرد الرواية -فأبشر؛ فإنَّ الملائكة تبسط لك أجنحتها -إذا مشيتَ- رضًا بما تطلب.
***
284 -
وَعَنْ رَبِيْعَةَ بْنِ كَعْبٍ الأسْلَمِيِّ رضي الله عنه قَالَ: "قَالَ لِي النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: سَلْ، فَقُلْتُ: أسْألكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الجَنَّةِ، فَقَالَ: أوَغَيْرَ ذلِكَ؟ فَقُلْتُ: هُوَ ذَاكَ، قَالَ: فَأَعِنِّي علَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ (1).
ــ
* مفردات الحديث:
- سَلْ: من السؤال، بتخفيف الهمزة، فلما تحركت السين، لم يحتج لهمزة الوصل.
- أوَغَير ذلك: الواو بالسكون والفتح، وهمزة الاستفهام تستدعي فعلاً، فيكون المعنى على الأول: سل غير ذلك، لكنه أجاب: هو ذاك، أي: مسؤولي ذاك، لا أريد غيره، وعلى الثاني فالتقدير: أتسأل هذا وهو شاق، وتترك ما هو أهون منه، فأجاب: مسؤولي ذلك، لا أتجاوز عنه.
- ذلك: هذه الإشارة للبعيد؛ لينتهي السائل عن سؤاله امتحانًا منه صلى الله عليه وسلم.
- ذاك: هذه الإشارة جاء بها السائل؛ ليفيد أنَّ ما مسالة غير مستبعد.
- أعنِّي على نفسك: أعني على بلوغ مرادك.
- السجود: يراد به: الصلاة، فعبر عن كلها ببعضها؛ لكون هذا البعض هو أهم أفعالها.
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
ربيعة بن كعب الأسلمي أحد المتشرفين بخدمة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يبيت عند النبي صلى الله عليه وسلم يأتيه بوضوئه، فاراد صلى الله عليه وسلم أن يكافئه على عمله وخدمته، فقال له:
(1) مسلم (489).
سل واطلب مني حاجة أقضيها لك، وإذا بنفسى الرجل كبيرة عالية، فقال: أسألك مرافقتك في الجنة، فقال له صلى الله عليه وسلم: أو غير ذلك، من حاجة أخرى غير هذه؟ فقال: هو ذاك، يعني: ليس لي حاجة إلَاّ هذه الحاجة، فأجابه صلى الله عليه وسلم إلى ما طلب، ولكنه قال: أعنِّي على نفسك؛ أي: ساعدني على قضاء هذه الحاجة الكبيرة، ونيل هذا المرام العظيم بكثرة الصلاة، فإنَّها سبب لعلو الدرجات في الجنة، فإنَّ الله تعالى لما ذكر المحافظين على الصلاة، قال:{الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11)} [المؤمنون].
2 -
المراد من السجود: هو الصلاة؛ فإنَّ الشيء يسمى ببعضه، لاسيما إذا كان بعض الشيء أهم ما فيه، فالسجود أهم ما في الصلاة؛ لما فيه من كمال الخضوع، والاستكانة لله تعالى، والقُرب منه.
3 -
المراد بالصلاة هنا: نوافلها؛ لأنَّها التي يمكن تكثيرها، فدلَّ على أنَّ نوافل الصلوات من أعظم الطاعات، وأنها سبب قوي لنيل أعلى درجات الجنان.
4 -
التطوع في الصلاة على أربعة أقسام:
(أ) تطوع مطلق لا يتقيد بسبب، ولا بوقت، ولا بفرض.
(ب) تطوع مقيد بالوقت؛ كالوتر، وصلاة الضحى.
(ج) تطوع مقيد بفرض؛ كرواتب الصلوات الخمس.
(د) تطوع مقيد بسبب؛ كتحية المسجد، وركعتي الوضوء.
5 -
فيه دليل على سمو نفس ربيعة رضي الله عنه وإلى شرف مطلبه، وعلو همته على الدنيا وشهواتها؛ فإنَّ نفسه توَّاقة إلى أعلى المراتب.
6 -
فيه دليل على هذا الخُلقُ العظيم للنبي صلى الله عليه وسلم، فإنَّ خدمته شرف، وإنها لأجر عظيم يعود على الخادم بالخير والبركة، ومع هذا فإنه أحب أن يكافىء من يخدمه، ولم يقل: إنَّ حقًّا عليكم أن تخدموني.
7 -
فيه بيان أنَّ السجود في الصلاة هو أفضل أفعالها، وهو موطن خلاف بين
العلماء، فهل القيام أفضل أو السجود؟ فالمذهب عندنا، كما قال في "شرح الزاد":"وكثرة ركوع وسجود أفضل من طول قيام"، فيما لم يرد تطويله، واستدلوا بحديث الباب.
وقال الشيخ تقي الدين: التحقيق أنَّ ذكر القيام -وهو القراءة- أفضل من ذكر الركوع والسجود، وأما نفس الركوع والسجود فأفضل من نفس القيام، فاعتدلا، ولهذا كانت صلاته صلى الله عليه وسلم معتدلة.
***
285 -
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: "حَفِظْتُ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَشْرَ رَكَعَاتٍ: رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ، ورَكعَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَرَكعَتَيْن بَعْدَ المَغْرِبِ فِي بيْتِهِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ العِشَاءِ فِي بيْتِهِ، ورَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الصُّبْحِ". مُتَّفقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا: "وَرَكعَتَيْنِ بعدَ الجُمُعَةِ فِي بَيْتِهِ"(1).
ولِمسْلِمٍ: "كانَ إذَا طَلَعَ الفَجْرُ لَا يُصَلِّي إِلَاّ رَكعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ"(2).
286 -
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: "أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ لَا يَدَعُ أرْبَعًا قَبْل الظُّهْرِ، ورَكعَتَيْنِ قَبل الغَدَاةِ". رَوَاهُ البُخَارِيُّ (3).
ــ
* مفردات الحديث (286):
- يدَع: يقال: ودعته أدعه ودعًا: تركته، وأصل المضارع الكسر، ومن ثم حذفت الواو، ثم فتح لمكان حرف الحلق، ويندر استعمال ماضيه، ومصدره، واسم فاعله، حتى قال بعضهم: إن العرب أماتت ذلك، إلَاّ أنَّه وجد في بعض الجمل.
…
(1) البخاري (937، 1180)، مسلم (729).
(2)
مسلم (723).
(3)
البخاري (1182).
287 -
وَعَنْهَا رضي الله عنها قَالَتْ: "لَمْ يَكُنِ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى شَيْءٍ مِنَ النَّوافِلِ أشَدَّ تَعَاهُدًا مِنْهُ عَلَى رَكْعَتَى الفَجْرِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (1).
وَلِمُسْلِمٍ: "رَكعَتَا الفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيْهَا"(2).
ــ
* مفردات الحديث:
- تعاهدًا: يقال: تعاهد تعاهدًا، وحقيقة التعهد: تجديد العهد به، والمراد هنا: المحافظة عليها.
- النوافل: جمع "نافلة"، قال في "النهاية": سميت النوافل في العبادات؛ لأنَّها زائدة على الفرائض.
…
(1) البخاري (1169)، مسلم (724).
(2)
مسلم (725).
288 -
وَعَنْ أُمِّ حَبِيْبَةَ أُمِّ المُومِنِيْنَ رضي الله عنها قَالَتْ: "سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقُولُ: "مَنْ صَلَّى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكعَةً فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، بنُيَ لَهُ بِهِنَّ بيْتٌ فِي الجَنَّةِ". رَوَاهُ مُسْلمٌ. وَفِي رِوَايَةٍ:"تَطَوُّعًا".
وللتِّرْمِذِيِّ نَحْوُهُ: وَزَادَ: "أرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ، وَركعَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ المَغْرِبِ، وَرَكْعَتَينِ بَعْدَ العِشَاءِ، ورَكعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الفَجْرِ (1) ".
ولِلْخَمْسَةِ عَنْهَا: "مَنْ حَافَظَ عَلَى أرْبَعٍ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَأَرْبعٍ بَعْدَهَا، حَرَّمَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَى النَّار"(2)
ــ
* درجة الحديث:
الحديث صحيحٌ، أصله في مسلم، وأما زيادة الخمسة فهي صحيحة أيضًا، ورجالها رجال الصحيحين، وأما زيادة الترمذي التفسيرية: فقد جاءت عن أم حبيبة بنحو ما رواه مسلم عنه، وقال الترمذي عنها: إنه حديث حسن صحيح، وصححه الحاكم (1/ 456).
* ما يؤخذ من الأحاديث السابقة: (285، 286، 287، 288):
1 -
في مجموع هذه الأحاديث الأربعة حكم السنن المعروفة برواتب الصلوات الخمس، عدا صلاة العصر، تلك الرواتب التي كان صلى الله عليه وسلم يواظب عليها،
(1) مسلم (728)، الترمذي (415).
(2)
أحمد (6/ 326)، أبو داود (1269)، الترمذي (427)، النسائي (1816)، ابن ماجه (1160).
ويحض على فعلها.
2 -
من مجموع الأحاديث والأخذ بجميع الروايات، يتحصل لنا من الرواتب ست عشرة ركعة، أربع منها قبل الظهر، وأربع بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الصبح، وركعتان بعد الجمعة.
3 -
في الأحاديث تأكيد المحافظة على هذه الرواتب، وعدم الإخلال بها، وإن من فضلها وفوائدها وأحكامها ما يأتي:
(أ) الأفضل أن تكون رواتب المغرب، والعشاء، والصبح، والجمعة، في البيت، ففي صحيح مسلم (730) عن عائشة:"كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي قبل الظهر أربعًا في البيت، ثم يخرج فيصلي بالناس، ثم يرجع إلن البيت ليصلي ركعتين"، ففيه أنَّ الصلاةَ الراتبة في البيتِ أفضل منها في المسجد، مع شرف مسجده صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّ فعلها في البيت فضيلة تتعلق بها لمزيد الإخلاص.
(ب) إنَّ ركعتي الفجر خفيفتان، حتى إنَّ عائشة تقول:"أقرأ صلى الله عليه وسلم بأم القرآن أم لا؟ ".
(ج) إنَّ ركعتي الفجر هي أفضل الرواتب، فإنَّهما خير من الدنيا وما فيها، فقد كان صلى الله عليه وسلم لا يدعهما حضرًا، ولا سفرًا.
(د) أما نوافل الصلوات عدا الرواتب، فكان يصليها في السفر، فكان يصلي الوتر، ويقوم الليل، ويصلي الضحى، ويصلي صلاة الاستخارة، ويصلي النفل المطلق حتى على الراحلة، وإنما الذي لم ينقل عنه صلاتها فيه الرواتب التابعة للصلاة المقصورة المخففة، التي يقول عنها عبد الله بن عمر:"لو كنتُ مسبِّحًا، لأتممت".
4 -
قوله: "أربعًا قبل الظهر" هذا لا ينافي حديث ابن عمر، الذي فيه:"ركعتين قبل الظهر"، ووجه الجمع بينهما أنه تارةً يصلي ركعتين، وتارةً أربعًا، فأخبر كل منهما عن أحد الأمرين، وهذا موجود في كثير من نوافل العبادات
وأذكارها.
وكان -والله أعلم- يأتي بالعبادة كاملة في حال الفراغ والرغبة والإقبال، ويقللها في أحوال العذر، فضلاً من الله تعالى على العباد أن يأتوا بالعبادة على السنة، والوجه المشروع في كلا الحالين.
5 -
قال الإمام ابن القيم: إنَّ من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في سفره الاقتصار على الفرض، ولم يحفظ عنه أنَّه صلَّى سنة الصلاة قبلها، ولا بعدها إلَاّ ما كان من الوتر، وسنة الفجر، فإنَّه لم يكن ليدعهما حضرًا ولا سفرًا.
أما إذا كان التنفل نفلاً مطلقًا، فقد سئل الإمام أحمد، فقال: أرجو ألا يكون بالتطوع بأس.
6 -
فضل الأربع قبل الظهر والأربع بعدها، فمن حافظ عليها، حرَّمه الله تعالى على النار.
7 -
أنَّ من حافظ على هذه الرواتب عمومًا، بنى الله له قصرًا في الجنة.
8 -
أنَّ صلاة العصر ليس لها راتبة لا قبلها، ولا بعدها، وسيأتي أنَّه نُدب لصلاة أربع قبلها.
9 -
استحباب هذه الرواتب المذكورة، وتأكد المحافظة عليها.
10 -
بعض هذه الرواتب تكون قبل الفريضة؛ لتهيئة نفعس المصلي للعبادة قبل الدخول في الفريضة، وبعض الرواتب بعدها.
ولعل من حكمة الله تعالى: كون راتبتي الصبح والظهر قبلها؛ لبُعد العهد، فالصلاة قبل وقتهما؛ لتهيئة النفس، وتكييفها للصلاة المفروضة، التي هي أجل شعيرة، بخلاف المغرب والعشاء، فالمصلي حديث عهد بالصلاة.
11 -
للرواتب فوائد عظيمة، وعوائد جسيمة، من زيادة الحسنات، وتكفير السيئات، ورفع الدرجات، وترقيع خلل الفرائض، وجَبْر نقصها؛ لذا
ينبغي العناية بها، والمحافظة عليها.
12 -
فيه دليل على أنَّ هذه الرواتب ليست واجبة، وإنما هي مستحبة؛ ذلك أنَّه ذكر ثواب المحافظة عليها، ولم يذكر عقاب تاركها.
***
289 -
وَعَنِ ابْنِ عُمرَ رضي الله عنهما قالَ: قَالَ -رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "رَحِمَ اللهُ امْرَءًا صَلَّى ارْبَعًا قَبْلَ العَصْرِ". رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاودَ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَابْنُ خُزَيْمَهَ وَصَحَّحَهُ (1).
ــ
* درجة الحديث:
الحديث ضعيفٌ، وقد حسَّنه الترمذي، وصححه ابن خزيمة وَابن حبان، وأعلَّه ابن القطان، ولكنه حسن بالشواهد الآتية:
1 -
حديث عليٍّ: أخرجه أحمد، وأبو داود، وحسَّنه الترمذي، وصحَّحه ابن حبان.
2 -
حديث عبد الله بن عمرو بن العاص: أخرجه الطبراني في "الكبير"، و"الأوسط".
3 -
حديث أبي هريرة: عند أبي نعيم.
4 -
حديث أم سلمة: عند الطبراني في "الكبير".
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
هذه الركعات الأربع -قبل العصر- ليست من الرواتب، وإنما هي من السنن النوافل، التي ليس لها مرتبة الرواتب في الفضل والمحافظة.
2 -
قال ابن القيم: وأما الأربع قبل العصر، فلم يصح عنه صلى الله عليه وسلم في نقلها شيء من الأحاديث، على أنَّه صلى الله عليه وسلم كان يصلي في النَّهار ست عشرة ركعة، وسمعت شيخ الإسلام ينكر هذا الحديث، ويدفعه جدًّا، ويقول: إنَّه موضوع، ثم ساق حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم:"رحم الله امرأً صلَّى أربعًا قبل العصر"، وقال: قد اختلف في هذا، فصححه ابن حبان وأعلَّه غيره.
(1) أحمد (2/ 117)، أبو داود (1271)، الترمذي (430)، ابن خزيمة (2/ 206).
3 -
الحديث صالح للعمل به بشواهد، وعلى فرض قبول الطعن فيه، فإنَّ الحديث إذا لم يشتد ضعفه، وكان داخلاً تحت قاعدة عامة -فإنه يجوز العمل به في فضائل الأعمال.
4 -
فيه الترغيب في صلاة أربع ركعات تطوعًا قبل صلاة العصر، وأنَّ هذه الصلاة من أسباب حصول رحمة الله تعالى.
***
290 -
وَعَنْ عَبْدِ الله بْنِ مُغَفَّلٍ المُزَنِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "صَلُّوا قَبْلَ المَغْرِبِ، صَلُّوا قَبْلَ المَغْرِبِ"، ثُمَّ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ:"لِمَنْ شَاءَ"، كَرَاهِيَةَ أَنْ يتَّخِذَهَا النَّاسُ سُنَّةً. رَواهُ البُخَارِيُّ.
وفِي رِوَايَةٍ لابنِ حِبَّانَ: "أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى قَبْلَ المَغْرِبِ رَكعَتَيْنِ"(1).
وَلِمُسْلِمٍ عَنْ أَنسٍ رضي الله عنه قَالَ: "كُنَّا نُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَرَانَا، فَلَمْ يَأْمُرْنَا، وَلَمْ يَنْهَنا"(2).
ــ
* مفردات الحديث:
- صلوا قبل المغرب: الجملة الثانية مؤكدة للجملة الأولى، وهذا هو التوكيد اللفظي، الذي هو تكرير لفظ، يراد به تثبيت أمر في نفس السامع.
- كراهية: منصوب على أنَّه مفعول من أجله، والمفعول من أجله: مصدر قلبي، يذكر علة لحدث شاركه في الزمان، والفاعل.
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
استحباب صلاة ركعتين بعد الغروب، وقبل الصلاة، ولكنهما ليستا من السنن الرواتب المؤكدة.
(1) البخاري (1183)، ابن حبان (4/ 457).
(2)
مسلم (836).
2 -
يستحب عدم المداومة عليها؛ خشية أن يُظَنَّ أنَّها سنة راتبة، فتأخذ حكم الرواتب من التزامها، وعدم التخلف عنها، فالكراهة ليست في فعلها؛ إذ لا يجتمع استحباب وكراهة في فعل واحد، وإنما الكراهة في المداومة واتخاذها سنة دائمة، وقد فرَّق العلماء بين الشيء الراتب، الذي يتَّخذ سنة راتبة، وبين الشيء العارض الذي يؤتى به في بعض الأحيان والأحوال، ولكنه لا يأخذ حكم السنة الراتبة التي لا ينبغي الإخلال بها.
3 -
أنَّ صلاتهما لا تؤخر صلاة المغرب عن أول وقتها، فقد قال النووي: إنَّ قول من قال: "فعلهما": "يؤدي إلى تأخير المغرب عن أول وقتها" -خيال فاسد، منابذ للسنة، ومع ذلك فزمانهما يسير، لا تتأخر به الصلاة عن أول وقتها.
4 -
صلاة هاتين الركعتين ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم بأقسام السنة الثلاثة، فقد أمر بها بقوله:"صَلُّوا قبل المغرب"، وفعَلَهُما كما في رواية ابن حبان، ورأى الصحابة يصلونها فأقرَّهم عليها.
5 -
قال ابن القيم رحمه الله: ثبت أنَّه كان يحافظ في اليوم والليلة على أربعين ركعة: سبع عشرة الفرائض، واثنتي عشرة راتبة في حديث أم حبيبة، وإحدى عشر صلاة الليل، فكانت أربعين ركعة.
6 -
قال شيخ الإسلام: ما ليس براتب لا يلحق بالراتب، ولا تستحق المواظبة عليه؛ لئلا يضاهي السنن الراتبة، فما قبل العصر، والمغرب، والعشاء، من شاء أن يصلي تطوعًا فهو حسن، لكن لا يتَّخذ ذلك سنة راتبة.
291 -
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: "كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُخَفِّفُ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ، حَتَّى إِنِّي أَقُولُ: أقْرَأ بِأُمِّ الكِتَابِ؟ ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (1).
ــ
* مفردات الحديث:
- إني: بكسر الهمزة.
- أم الكتاب: سميت الفاتحة بـ"أم الكتاب"؛ لأنَّ أم الشيء: أصله، وهي مشتملة على كليات معاني القرآن.
- أقرَأَ: قال القرطبي: ليس هذا شكًّا من عائشة، وإنما كانت عادته صلى الله عليه وسلم إطالة النوافل، فلما خفَّف في ركعتي الفجر، صار كأنَّه لم يقرأ بالنسبة إلى غيرها من الصلوات.
…
(1) البخاري (1171)، مسلم (724).
292 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: "أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ فِي رَكعَتَي الفَجْرِ: {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} . رواه مسلم (1).
293 -
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: "كَانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا صَلَّى رَكْعَتَيِ الفَجْرِ، اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ". رَوَاه البُخَارِيُّ (2).
ــ
*مفردات الحديث (293):
- اضطجع: ضجع من باب نفع، يقال: ضجعت جنبي وأضجعته، والأصل: افتعل، لكن بعض العرب يقلب التاء طاء، ويظهرها عند الضاد، فيقول: اضطجع، وبعضهم يقلب التاء ضادًا، ويدغمهما في الضاد تغليبًا للحرف الأصلي، وهو الضاد، فيقول: اضجع.
- شِقّه الأيْمَن: بكسر الشين وتشديد القاف المثناة؛ أي: جنبه، وهو ما تحت إبطه إلى كشحه.
وحكمة تخصيص الأيمن -والله أعلم، كما قال الكرماني-: لئلا يستغرق في النوم؛ لأنَّ القلب من جهة اليسار، متعلق حينئذ غير مستقر، وإذا نام على اليسار كان في دَعَة واستراحة، فيستغرق.
…
(1) مسلم (726).
(2)
البخاري (1160).
294 -
وَعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمُ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ، فَلْيَضْطَجِعْ عَلَى جَنْبِهِ الأَيْمَنِ". رواهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرمذِيُّ وَصَحَّحهُ (1).
ــ
*درجة الحديث:
الحديث صحيحٌ، وسنده جيد.
قال الترمذي: حسن صحيح، وقال النووي في "شرح مسلم": إسناده على شرط الشيخين.
وقال الشوكاني: رجاله رجال الصحيح.
أما شيخ الإسلام: فلم يصحح الأمر وأنكره، وإنما قال: الصحيح أنَّ هذا ثابت من فعله صلى الله عليه وسلم، لا من قوله.
* ما يؤخذ من الأحاديث: (291، 292، 293، 294):
1 -
هذه الأحاديث الأربعة كلها تتعلق بأحكام راتبة صلاة الفجر.
2 -
حديث عائشة يدل على استحباب تخفيف ركعتي الفجر، فقد كان صلى الله عليه وسلم يصليها أمام عائشة، فتقول:"أقرأ بأم القران (الفاتحة)؟ " كل هذا من شدة تخفيفهما؛ فإنَّه يخفف القراءة، وإذا خفف القراءة، فإنه يخفف بقية الأقوال والأفعال.
3 -
يدل أيضًا على أنَّه صلى الله عليه وسلم يصليهما أمام عائشة في البيت، فعائشة هي التي تحزر صلاته.
4 -
حديث أبي هريرة يدل على أنَّه يستحب قراءة هاتين السورتين بعد الفاتحة:
(1) أحمد (2/ 415)، أبو داود (261)، الترمذي (420).
{قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} في الركعة الأولى، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} في الركعة الثانية.
5 -
قال ابن القيم: كان صلى الله عليه وسلم يصلي سنة الفجر بسورتي "الإخلاص"، و"الكافرون" وهما الجامعتان لتوحيد العلم والعمل، وتوحيد المعرفة والإرادة، وتوحيد الاعتقاد والقصد، فسورة "الإخلاص" متضمنة لتوحيد الاعتقاد والمعرفة، وما يجب إثباته للرب من الأحدية المنافية لمطلق المشاركة، والصمدية المثبتة لجميع صفات الكمال، ونفي الولد والوالد، ونفي الكفء المتضمن لنفي التشبيه والتمثيل والتنظير، فتضمنت هذه السورة إثبات كل كمال له، ونفي كل نقص عنه.
وهذه الأصول هي مجامع التوحيد العلمي الاعتقادي، فأخلصت:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} قارئها المؤمن بها من الشرك العلمي.
أما {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} : فأخلصت قارئها من الشرك العملي، الإرادي القصدي، ولما كان العلم قبل العمل، كانت:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} تعدل ثلث القرآن، والأحاديث في ذلك تبلغ حد التواتر، ولما كان الشرك العملي الإرادي أغلب على النفوس؛ لأجل متابعتها هواها، وكثير منها ترتكبه مع علمها بمضرته وبطلانه؛ لما لها فيه من حظ في نيل أغراضها، جاء في التأكيد والتكرار في سورة "الكافرون"، المتضمنة لإزالة الشرك العملي مما لم يجيء مثله في:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} .
6 -
لما كان لهاتين السورتين العظيمتين من الأهمية، وما جمعتاه من العلم والعمل، وتوحيد المعرفة والإرادة -كان صلى الله عليه وسلم يقرأ بهما في ركعتي الفجر، وفي الوتر، اللَّتين هما فاتحة العمل وخاتمته؛ ليكون مبتدأ النهار توحيدًا، وخاتمة الليل توحيدًا.
7 -
جاء في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة: "أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قرأ الآيتين في
ركعتي الفجر: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا
…
} [البقرة: 136] إلخ الآية عوضًا عن: {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} ، و {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا
…
} [آل عمران: 64]، وهاتان الآيتان من أصول الإيمان، وأصول التوحيد وإفراد الله تعالى بالعبادة، ونفي كل شريكٍ عنه.
8 -
أما حديث عائشة رقم (293): فيدل على استحباب الاضطجاع على الشق الأيمن، بعد راتبة الفجر، وقبل فريضتها.
9 -
قال ابن القيم: وفي اضطجاعه على الشق الأيمن سرٌّ، هو أنَّ القلب معلق في الجانب الأيسر، فإذا نام الرجل على الجانب الأيسر، استثقل نومًا؛ لأنَّه يكون في دعة واستراحة، فيثقل نومه، فإذا نام على شقه الأيمن، فإنَّه يقلق ولا يستغرق في النوم؛ لقلق القلب.
قلت: وفي هذه الاستراحة اليسيرة راحة واستجمام لصلاة الفجر، والله أعلم.
10 -
أما حديث أبي هريرة، رقم (294): فيدل على استحباب الضجعة على الجانب الأيمن، قبيل صلاة الصبح.
لكن قال ابن القيم عن هذا الحديث في "زاد المعاد": سمعت ابن تيمية يقول: هذا باطلٌ، وليس بصحيحٍ، وإنما الصحيح العمل لا الأمر بهما، والأمر تفرد به عبد الواحد بن زياد، وغلط فيه.
ولكن قال الحافظ في "فتح الباري"(3/ 29): الحق أنَّه تقوم به الحجة، ويحمل الأمر على الندب.
وقال النووي: إسناده على شرط الشيخين.
وقال الشوكاني: رجاله رجال الصحيح.
***
295 -
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيَ أحَدُكُمُ الصُّبحَ، صلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً، تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى". مُتَّفقٌ عليه.
وللخَمسَةِ، وَصَحَّحهُ ابنُ حِبَّانَ بلَفْظِ:"صَلَاةُ اللَّيلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى". وَقَالَ النَّسَائِيُّ: هَذا خَطَأٌ (1).
ــ
* درجة الحديث:
الحديث صحيحٌ، بدون ذكر "النهار".
رواه أحمد، وأصحاب السنن، وابن خزيمة، وابن حبان، وأصله في الصحيحين بدون ذكر "النهار".
قال الترمذي: الصحيح ما رواه الثقات عن ابن عمر، فلم يذكروا فيه "صلاة النهار".
وقال الدارقطني: ذكر "النهار" فيه وَهمٌ. وقال النسائي والحاكم: خطأ.
وممن ضعف زيادة "النهار" ابن سعيد، والترمذي، والنسائي، وشيخ الإسلام ابن تيمية.
* مفردات الحديث:
- صلاة الليل: أي: عددها، وهو مبتدأ، خبره "مثنى".
- مثنى مثنى: مرفوع بانه خبر المبتدإ، وبلا تنوين؛ لأنَّه غير منصرف؛ للوصف والعدل؛ فإنَّه معدول عن "اثنين اثنين"، وفائدة التكرار التأكيد،
(1) البخاري (990)، مسلم (749)، أبو داود (1295)، الترمذي (597)، النسائي (1666)، ابن ماجه (1322)، أحمد (2/ 26)، ابن حبان (6/ 206)، ابن خزيمة (2/ 214).
ومعناه: أن يسلِّم من كل ركعتين.
- فإذا خشي أحدكم الصبح: أي: فوات الليل بطلوع الصبح.
- توْتِر له: على صيغة المجهول، والمعنى: تُصيِّر تلك الركعة صلاته وترًا. والوتر -بكسر الواو-: الفرد، وهو ضد الشفع.
***
296 -
وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الفَرِيضَةِ صَلاةُ اللَّيْلِ". أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (1).
ــ
* ما يؤخذ من الحديثين:
1 -
حديث ابن عمر برواية الصحيحين، يدل على مشروعية صلاة الليل اثنتين اثنتين، فيسلم من كل ركعتين.
قال شيخ الإسلام: وحمله الجمهور على أنَّه لبيان الأفضلية، وممن ذهب إلى استحباب التثنية في صلاة الليل الأئمة الثلاثة: أبو حنيفة والشافعي وأحمد.
أما الإمام مالك: فيرى عدم الزيادة على اثنتين؛ لأنَّ مفهوم الحديث فيه الحصر، وقد عارض هذا الحديث ثبوت إيتاره صلى الله عليه وسلم بخمس، كما فى الصحيحين، والفعل دليل على عدم إرادة الحصر.
2 -
أما رواية الخمسة بلفظ: "صلاة الليل والنهار مثنى مثنى"-: فقد اختلف المحدثون في صحة لفظ "النهار"؛ فقد أنكرها الإمام أحمد، وقال النسائي: هذا الحديث خطأ، وكذا قال الحاكم، وقال الدارقطني: ذكر النهار فيه وهمٌ، وقال الترمذي: الثقات لم يذكروا النهار.
وقال البيهقي: هذا حديث صحيح، وقال البارقي: احتج به مسلم، والزيادة من الثقة مقبولة. قال في "سبل السلام": لعلَّ الأمرين جائزان.
وقال أبو حنيفة: يخير في النهار بين أن يصلي ركعتين ركعتين، أو أربعًا أربعًا، ولا يزيد على ذلك.
والمشهور من مذهب الحنابلة: أنَّ صلاة الليل والنهار تكون مثنى مثنى،
(1) مسلم (1163).
قال في "شرح الإقناع": وصلاة الليل والنهار مثنى مثنى؛ أي: يسلم فيها كل ركعتين؛ لحديث ابن عمر مرفوعًا: "وصلاة الليل والنهار مثنى مثنى"[رواه الخمسة]، وليس بناقضٍ للحديث الذي خصَّ فيه الليل بذلك، وهو قوله:"صلاة الليل مثنى مثنى"[متفق عليه]؛ لأنَّه وقع عن سؤال عيَّنه السائل، والنصوص بمطلق الأربع لا تنفي فضل الفصل بالسلام.
3 -
أما حديث أبي هريرة: ففيه أنَّ أفضل الصلوات النوافل هي صلاة الليل، للبعد عن الرياء، ولما ورد فيها من صفاء المناجاة، ولأنَّها وقت الراحة والسكون في الفراشِ، فإتيان طاعة الله تعالى في هلذا الوقت فيه أجرٌ كبير، قال تعالى:{تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا} [السجدة: 16]، وفيه ساعة الإجابة.
قال شيخ الإسلام: أفضل الصلاة بعد المكتوبة قيام الليل؛ لما روى مسلم وغيره عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل".
ولما روى الترمذي (3594)، والنسائي (572)، والحاكم (1/ 395) أنَّه صلى الله عليه وسلم قال:"أقرب ما يكون العبد من الرب في جوف الليل؛ فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة، فكُنْ".
ولمسلم (757) أنه صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ من الليل ساعة لا يوافقها عبدٌ مسلمٌ يسأل الله خيرًا، إلَاّ أعطاه إياه".
***
297 -
وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأنْصَارِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: "الوِتْرُ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، مَنْ أحَبَّ أنْ يُوتِرَ بِخَمْسٍ فَلْيفْعَلْ، وَمَنْ أحَبَّ أنْ يُؤْترَ بِثَلَاثٍ فَليْفَعَلْ، وَمَنْ أحَبَّ أنْ يُوْترَ بِوَاحِدَةٍ فَلْيفْعَلْ". رَوَاهُ الأرْبَعَةُ إِلَاّ التِّرْمِذِيَّ، وَصَحَّحهُ ابْنُ حبَّانَ، وَرجَّحَ النَّسَائِيُّ وقْفَهُ (1).
ــ
* درجة الحديث:
الحديث صحيح موقوف؛ قال في "التلخيص": رواه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه، وابن حبان، والدارقطني (2/ 23)، والحاكم (1/ 302) من طريق أبي أيوب، وله ألفاظ، وصحح أبو حاتم، والذهلي، والدارقطني، والبيهقي، وغير واحد وقفه، وهو الصواب.
قال الصنعاني في "سبل السلام": وله حكم الرفع؛ إذ لا مسرح للاجتهاد فيه، وضعَّف الحديث ابن الجوزي؛ لوجود محمَّد بن حسان في سنده، ولكن خطَّأه الحافظ في ذلك، وقال: إنَّه ثقة.
* مفردات الحديث:
- الوتر: بكسر الواو: الفرد، وهو ضد الشفع.
- حق: يقال: حق يحق حقًّا، من بابي ضرب ونصر، بمعنى: وجب وثبت بلا شك، وله معانٍ عدة، والمراد هنا: تأكد مشروعيته.
(1) أبو داود (1422)، النسائي (1710)، ابن ماجه (1190)، ابن حبان (6/ 167).
298 -
وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ: "لَيْسَ الوِتْرُ بِحَتْمٍ كهَيئَةِ المَكْتُوبةِ، وَلكِنْ سُنَّةٌ سَنَّها رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم". روَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحسَّنَهُ، والنَّسَائِيُّ، والحَاكِم وصَحَّحَهُ (1).
ــ
* درجَةُ الحديث:
الحديث حسنٌ، قال في "التلخيص": رواه النسائي والترمذي من طريق عاصم بن ضمرة عن عليٍّ، وحسَّنه، وصححه الحاكم وابن خُزَيْمَةَ.
* مفردات الحديث:
- ليس: فعل جامد لا ينصرف، ومعناه: نفي الخبر، وهي من أخوات "كان" ترفع الاسم وتنصب الخبر، والشائع في خبرها جره بالباء.
- بحتم: جار ومجرور، وهو خبر "ليس". وحتم يحتم حتمًا، من باب ضرب: أوجب الشيء جزمًا
- كهيئة: الهيئة بالفتح والكسر: حال الشيء وكيفيته، وشكله وصورته، جمعها: هيئات.
- سنة: السنة: الطريقة، حسنة كانت أو قبيحة، ومن الله حكمه وأمره ونهيه، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم عند المحدثين هو قوله، وفعله، وتقريره، وعند الفقهاء ما أثيب فاعله، ولم يعاقب تاركه، وجمع السنة -في جميع معانيها-: سنن.
* ما يؤخذ من الحديثين: (297، 298):
1 -
الوتر: اسم الركعة المنفصلة عما قبلها، وللثلاث، والخمس، والسبع، والتسع، والإحدى عشرة إذا جمعن، فإذا انفصلت الثلاث بسلامين، أو
(1) الترمذي (453)، النسائي (1676)، الحاكم (1/ 300).
الخمس، أو السبع، أو التسع، أو الإحدى عشرة- كان الوتر اسمًا للركعة المفصولة وحدها.
قال صلى الله عليه وسلم: "فإذا خشيت الصبح، فأوتر بواحدة، توتر لك ما قد صليت".
2 -
حديث أبي أيوب يدل على أنَّ الوتر واجب، ويدل على جواز الإتيان بخمس، أو ثلاث، أو واحدة.
3 -
من أحب أن يوتر بخمس فليفعل، ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل، يعني: لا يقعد إلَاّ في آخرها.
* خلاف العلماء:
ذهب جمهور العلماء من الصحابة والتابعين -منهم الأئمة الثلاثة: مالك، والشافعي، وأحمد- إلى عدم وجوب الوتر؛ لحديث الأعرابي الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم عما فرض الله عليه قال:"خمس صلوات في كل يوم وليلة، قال: هل عليَّ غيرها؟ قال: لا، إلَاّ أن تطوَّع". [رواه البخاري (46) ومسلم (11)].
وذهب إلى وجوبه "أبو حنيفة" وطائفة من أصحاب الإمام أحمد؛ لحديث: "الوتر حقٌّ على كل مسلمٍ"[رواه أبو داود (1422)].
ولما روى أبو داود (1419) بإسناده عن بريدة؛ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "من لم يوتر، فليس منَّا".
وما ذهب إليه الجمهور أرجح من أنَّ الوتر سنة مؤكدة، لا واجب، وحملوا حديث:"الوتر حق" على تأكيد استحبابه، وقد قال علي -رضى الله عنه-:"الوتر ليس بحتم كهيئة المكتوبة، ولكن سنة سنَّها رسول الله صلى الله عليه وسلم".
وقال شيخ الإسلام: أفضل الصلاة بعد المكتوبة قيام الليل، وآكد ذلك الوتر وركعتا الفجر، ولا ينبغي لأحد تركه، فمن تركه فإنَّه تُرد شهادته.
وقال: الوتر أفضل من جميع الصلوات النوافل.
واختار الشيخ وجوب الوتر على من له ورد من الليل، واستدل بقوله
-صلى الله عليه وسلم: "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا"[رواه البخاري (998)].
وقوله صلى الله عليه وسلم: "أوتروا يا أهل القرآن"[رواه أبو داود (1416)].
وأهل القرآن هم أهل التهجد وصلاة الليل، لكن قول الجمهور بعدم الوجوب أرجح، وما ورد في الوتر من حثٍّ وحضٍّ، فإنَّما يحمل على التأكيد فيه؛ فإنَّ حديث المعراج صريح في عدم وجوب شيء من الصلوات غير الخمس، وقد سئل صلى الله عليه وسلم هل علينا غيرها؟ فقال للسائل:"لا، إلَاّ أن تتطوَّع".
قال الشيخ عبد القادر شيبة الحمد: قد وقع التفاضل بين ركعتي الفجر، والوتر، وصلاة الليل، ففي صلاة الليل ورد هذا الحديث:"أفضل الصلاة بعد المكتوبة صلاة الليل"، وفي ركعتي الفجر ورد هذا الحديث:"ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها"، ولا تعارض فيه بين الحديثين؛ فإنَّ حديث ركعتي الفجر لم يرد بلفظ الأفضلية.
***
299 -
وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه: "أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، ثُمَّ انْتَظَرُوهُ مِنَ القَابِلَةِ، فَلَمْ يَخْرُجْ، وَقَالَ: إِنِّي خَشِيتُ أَنْ يُكْتَبَ عَلَيْكُمُ الوِتْرُ". رَوَاهُ ابنُ حِبَّانَ (1).
ــ
* درجة الحديث:
الحديث صحيح.
وأصله في البخاري (1129)، ومسلم (761) عن عائشة:"أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم صلَّى في المسجد، فصلى بصلاته ناس، ثم صلى الثانية فكثر الناس، ثم اجتمعوا في الليلة الثالثة، أو الرابعة، فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أصبح قال: رأيتُ الذي صنعتم، فلم يمنعني من الخروج إليكم، إلَاّ أني خشيتُ أن يُفرض عليكم، وذلك في شهر رمضان".
وفي سند هذا الحديث: يعقوب القمي، ضعَّفه بعض أئمة الحديث، وقواه بعضهم، ولكن المدار فيه على أصله، فإنَّه صحيحٌ بلا شك.
*مفردات الحديث:
- القابلة: يقال: أقبل الليل، وأقبل عليه: نقيض أدبر عنه.
والقابلة: مؤنث القابل، والمراد بها: الليلة القادمة، وهي الليلة المقبلة.
- خشيت: خشيته بمعنى: خفته، فهو خاشٍ، وهي خاشية، وجمعه: خشايا.
قال في "الكليات": الخشية أشد من الخوف؛ لأنَّ الخشية تكون من عظمة المخشي، والخوف يكون من ضعف الخائف.
- يكتب: يقال: كتب يكتب كتبًا، وله عدة معانٍ، والمعنى هنا: يفرض عليكم
(1) ابن حبان (6/ 169).
ويوجب، قال تعالى:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: 183] أي: فُرِضَ.
*ما يؤخذ من الحديث:
1 -
الحديث بتمامه -كما تقدم في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها يدل على أنَّ صلاةَ الليل والوتر ليست مفروضة، وإنما هي سنة.
2 -
فيه دليل على مشروعية صلاة الليل في رمضان جماعة.
3 -
فيه شفقة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمته، ورأفته بهم، وخوفه عليهم من أن يُكلَّفوا من العبادات ما يشق عليهم، أو ما لا يقومون به فيأثموا.
4 -
فيه دليل على القاعدة الشرعية التي هي: "درء المفاسد مقدم على جلب المصالح".
***
300 -
وَعَنْ خَارِجَةَ بْنِ حُذَافَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الله -أمَدَّكُمْ بِصَلَاةٍ هِيَ خَيرٌ لَكُمْ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ، قُلْنَا: وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ الله؟ قالَ: الوِتْرُ مَا بَيْنَ صَلَاةِ العِشَاءِ إِلى طُلُوعِ الفَجْرِ". روَاهُ الخَمْسَةُ إِلَاّ النَّسَائِيَّ، وَصَحَّحَهُ الحَاكِمُ (1).
وَرَوَى أَحْمَدُ عَن عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أبِيْهِ عَنْ جَدِّهِ نَحْوَهُ (2).
ــ
* درجة الحديث:
الحديث صحيح؛ قال في "التلخيص" ما خلاصته: أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه والدارقطني (2/ 30) والحاكم من حديث خارجة ابن حذافة، وضعفه البخاري، أما شواهده فهي:
1 -
عن معاذ: عند أحمد (21590)، وفيه ضعف وانقطاع.
2 -
حديث عمرو بن العاص، وعقبة بن عامر: في الطبراني (8/ 65)، وفيه ضعف.
3 -
حديث أبي بصرة: رواه أحمد (26687)، والحاكم (3/ 687)، والطحاوي، وفيه ابن لهيعة، وفيه ضعف.
4 -
حديث ابن عباس: رواه الدارقطني (2/ 30)، وفيه أبو عمر الخزاز، وهو ضعيف متروك.
5 -
حديث ابن عمر: رواه ابن حبان في "الضعفاء"، وادَّعى أنَّه موضوع.
6 -
حديث عبد الله بن عمرو بن العاص: رواه أحمد (6880)، والدارقطني
(1) أبو داود (1418)، الترمذي (452)، ابن ماجه (1168)، الحاكم (1/ 306).
(2)
أحمد (2/ 208).
(2/ 30) وإسناده ضعيف.
قال الشيخ الألباني: للحديث شواهد كثيرة يقطع الواقف عليها بصحته.
*مفردات الحديث:
- أمدكم: يقال: مدَّ يمد مدًّا، والمد: الزيادة في العطاء.
- حُمر: بضم الحاء وسكون الميم آخره راء، مفرده: حمراء، ومذكره: أحمر، وهو ما لونه الأحمر.
- النعم: بفتحتين، جمع لا واحد له من لفظه، وهو يشمل: الإبل، والبقر، والغنم، ولكنه أكثر ما يطلق على الإبل، وحمر النعم: أشرف الأموال عند العرب.
*ما يؤخذ من الحديث:
1 -
فضل صلاة الوتر، وأنَّها تعدل في قيمتها وغلائها أفضل أموال العرب، وهي الإبل الحمر، وما هو إلَاّ مثال تقريبي من النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه فيما يعرفون من نفائس الحياة، وفيما هو أغلى في النفس من المال، وإلَاّ فإنَّ متاع الدنيا كلها قليل بجانب الآخرة.
2 -
أنَّ وقت الوتر هو ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر؛ لأنَّه ختم صلاة الليل، فلو أوتر قبل العشاء فقد أوتر قبل دخول وقته، ولو أوتر بعد طلوع الفجر، لأوتر بعد خروج وقته.
3 -
عمومه أنَّه يدخل بعد صلاة العشاء، ولو جمعت مع المغرب جمع تقديم، وهذا ما صرح به العلماء.
قال في "شرح الإقناع": ووقت الوتر بعد صلاة العشاء، ولو كانت صلاة العشاء في جمع تقديم؛ بأن جمعها مع المغرب في وقت صلاة المغرب.
4 -
فيه دليل على أنَّ الله تعالى يَمُنُّ على عباده بطاعته وعبادته زيادة في حسناتهم، ورفعة في درجاتهم، وقربًا لهم عند ربهم، فالله تعالى غنيٌّ عنهم
وعن عباداتهم، وإنَّما نَفْعُ ذلك عائدٌ عليهم:{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ} [فصلت: 46].
قال ابن الجوزي: من علم أنَّ الدنيا دار سباق وتحصيل فضائل، وأنَّه كلما عَلَتْ مرتبته في علم وعمل، زادت مرتبته في دار الجزاء، انتهب الزمان، ولم يترك فضيلة تمكِّنه إلَاّ حصلها.
***
301 -
وَعَنْ عَبْدِ الله بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيْهِ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "الِوْتُرُ حَقٌّ، فَمَنْ لَمْ يُوْتِرْ، فَلَيْسَ مِنَّا". أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ لَيِّنٍ، وصَحَّحَهُ الحَاكِم (1).
وَلَهُ شَاهِدٌ ضَعِيفٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عِنْدَ أَحْمَدَ (2).
ــ
* درجة الحديث:
الحديث حسنٌ، كما ذهب إلى هذا الكمال بن الهمام، وممن صححه الامام السيوطي في "الجامع الصغير"، قال المنذري في "تهذيب السنن": في إسناده عبيد الله بن عبد الله أبو منيب المروزي، وثَّقه ابن معين، وقال أبو حاتم الرازي: صالح الحديث، وتكلَّم فيه البخاري والنسائي وغيرهما، لكن كلام النسائي فيه مضطرب، فمرَّة قال عنه: ثقة، ومرَّة ضعَّفه، وتقدم توثيق ابن معين له، ولهذا ذهب ابن الهمام إلى أنَّ الحديث حسن.
وأما الشاهد من حديث أبي هريرة: ففيه الخليل بن مرة ضعفه البخاري، وقال الحافظ: منكر الحديث، وفي الإسناد انقطاع بين معاوية بن مرة وأبي هريرة، قاله أحمد، وله شاهد عن أبي أيوب رواه الدارقطني، وقال: ليس بمحفوظ.
* مفردات الحديث:
- الوتر: -بكسر الواو على الأشهر- هو الفرد والفذّ، ومن العدد: ما ليس
(1) أبو داود (1419)، الحاكم (1/ 305).
(2)
أحمد (2/ 443).
بشفعٍ، ومنه صلاة الوتر.
- حق: مصدر معناه: الشيء الثابت، جمعه: حقوق.
فليس منَّا: أي: ليس على هدينا الكامل.
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
هذا الحديث من أدلة القائلين بوجوب الوتر، وتقدم أنَّه من الأحاديث التي اختُلف في حجيتها، وبناء على تحسينه، فإنَّه محمول على تأكيد سنية الوتر لا على وجوبه، كما هو مذهب جمهور العلماء.
2 -
ساق ابن المنذر هذا الحديث بلفظ: "الوتر حقٌّ، وليس بواجب" وهذا صريح أنَّ معنى "حق" يعني: ثابت في الشرع، لا بمعنى الواجب، وبهذا فلا دلالة فيه على وجوب الوتر.
3 -
مما يستدل به على عدم وجوب الوتر، وأنَّه نافلة مؤكدة ما يأتي:
(1)
أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يخبر وفود العرب، وأفراد القبائل عن فرائض العبادات التي منها الصلاة، فما كان يخبرهم بما يجب عليهم إلَاّ الصلوات الخمس المفروضة.
(ب) ما جاء في البخاري (1458)، ومسلم (19) من بعثه صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل إلى اليمن، وقوله له:"أعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات كل يوم وليلة".
(ج) ما جاء في خطبته صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع من ذكر عدد الصلوات المفروضات الخمس، لا أكثر من ذلك، وفي ذلك اليوم نزل قوله تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3].
(د) ثبت أنَّ أبا بكر وعليًّا رضي الله عنهما أخبرا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم: "أنَّ الوتر ليس بحتم كالصلاة المكتوبة، ولكنه سنة"، فهل يجهلان هذا؟.
(هـ) صحت السنة بأنَّ الوتر يكون بركعة واحدة، وثلاث، وخمس،
وسبع، وتسع، وإحدى عشرة، وكل ذلك جائز، وقد أخذ به جمهور العلماء؛ لثبوت أخباره.
ولو كان الوتر فرضًا، لكان محددًا معروفًا عدده، لا تجوز الزيادة فيه، ولا النقص منه؛ كالصلوات الخمس المكتوبة.
أما الإمام أبو حنيفة الذي يرى وجوبه فيقول: إنَّ الوتر ثلاث ركعات، فلا يجوز بواحدة ولا أكثر من ثلاث، ولا يجوز للمسافر عنده أن يوتر على راحلته؛ لأنَّه عنده واجب يشبه الفرض.
ولكن أصحابه الأقدمين خالفوه في وجوب الوتر، ولم يرض مذهبه في وجوبه إلَاّ بعض المتأخرين، والأدلة المتقدمة وغيرها تنصر القول بعدم وجوبه.
***
302 -
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: "مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ، وَلَا فِي غَيْرِهِ، عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً: يُصَلِّي أَرْبَعًا، فَلا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا، فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنهِنَّ وَطُولِهنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثًا، قالَتْ عَائشِةُ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، أَتَنَامُ قَبْلَ أَنْ تُوْتِر؟ قَالَ: يَا عَائشِةُ، إِنَّ عَيْنَيَّ تَنامَانِ، وَلَا يَنَامُ قَلْبِي". مُتَّفَقٌ علِيْه.
وفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا عَنْهَا: "كانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ عَشْرَ رَكَعَاتٍ، وَيُوْتِرُ بِسَجْدَةٍ، وَيَرْكَعُ رَكْعَتَيِ الفَجْرِ، فَتِلْكَ ثَلاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً"(1).
ــ
* مفردات الحديث:
- فَلا تَسْألْ عَنْ حُسْنهِنَّ: مَعْنَاهُ: أَنَّهُنَّ فِي نِهَايَةِ الحسن والطول، فيقصر عن وصف حسنهنَّ وطولهن.
- أتَنَام؟: الهمزة للاستفهام، على سبيل الاستخبار والاستعلام.
- عينيَّ: بفتح النون وتشديد الياء المفتوحة، تثنية "عين"، مضافة إلى ياء المتكلم.
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
عائشة رضي الله عنها تصف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الليل؛ سواء كان ذلك في رمضان أو غيره؛ بأنه لا يزيد على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعًا، يظهر أنَّها متصلات، فيحسنهن بإطالة القراءة والركوع والسجود، ثم يصلي
(1) البخاري (1140، 1147)، مسلم (738).
أربعًا مثلهنَّ بالطول والحسن، ثم ثلاثًا، لم تصفهنَّ بما وصفت به الصلاة التي قبلها، فهذه إحدى عشرة ركعة، والوتر هو الثلاث الأخيرات.
2 -
يحتمل أنَّ الأربع منفصلات، وأنه يصليها ركعتين ركعتين، ويوافقه حديث:"صلاة الليل مثنى"، ويؤيده أيضًا الأحاديث التي تشتمل على تفصيل صلاته صلى الله عليه وسلم بالليل، بأنَّها كانت ركعتين ركعتين، فلعلها ذكرت أربع ركعات مجموعة، ثم الأربع الأُخر مجموعة؛ لأنَّه كان لا يمكث بعد التسليم من الركعتين الأوليين، بل كان يقوم للركعتين الأُخريين، فإذا أتمَّ أربع ركعات مكث طويلاً، وفصل بينها، وبين الأربع الآتية فصلاً طويلاً.
3 -
ذكرت أنَّه ينام، فتسأله هل ينام قبل الوتر؟ مما يدل على أنَّ نومه بعد الركعات الثمانية، وأنَّه يصلي الثلاثة بعد النوم، فأجابها بأنَّ الذي ينام هو عيناه، أما قلبه فإنَّه لا يستغرق بالنوم لتعلقه بالله، وطاعته له، وقد قال البخاري: إنَّ الأنبياء تنام أعينهم، ولا تنام قلوبهم.
وقد رُوي عن عائشة رضي الله عنها في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وقَدْرِها عدة روايات، منها ما تقدم، ومنها:
(أ) رواية الصحيحين؛ أنَّه يصلي من الليل عشر ركعات، ويوتر بسجدة، ويركع ركعتي الفجر، وتلك ثلاث عشرة ركعة.
(ب) وجاء عنها في الصحيحين: قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة، ويوتر من ذلك بخمس، لا يجلس في شيء إلَاّ في آخرهن".
(ج) وجاء عنها: "سبع ركعات".
(د) وجاء عنها: "تسع ركعات".
(هـ) وجاء عنها في البخاري: "أنَّه كان يصلي ثلاث عشرة ركعة، ثم يصلي إذا سمع النداء بالفجر ركعتين خفيفتين".
وجاء عنها غير هذه الروايات، مما حكم به بعضهم؛ بأنَّها روايات مضطربة، ولكن يمكن حملها على تعدد الأوقات، واختلاف الحالات، فلا موجب للحكم بالاضطراب.
(و) حديث ابن عباس أنَّه صلى الله عليه وسلم: "صلَّى ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم أوتر، ثم اضطجع حتى جاء المؤذن، فقام فصلَّى ركعتين خفيفتين، ثم خرج فصلى الصبح"[رواه البخاري (731) ومسلم (781)].
(ز) وقد جاء من حديث عائشة رضي الله عنها: "أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ذات ليلة من جوف الليل، فصلَّى رجالٌ بصلاته، فأصبح الناس فتحدثوا، فاجتمع أكثر منهم، فصلوا معه، فأصبح الناس فتحدثوا، فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلوا بصلاته، فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله، حتى خرج لصلاة الصبح، فلما قضي الفجر أقبل على الناس، فتشهد ثم قال: أما بعد، فإنَّه لم يَخْفَ علي مكانكم، لكني خشيتُ أن تفرض عليكم، فتعجزوا عنها".
4 -
الظاهر أنَّه لم يحفظ عدد الركعات التي صلى بها النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلتين، أو الثلاث، وإنما الثابت ما أمره الله به وامتثله:{يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3)} [المزمل]، وقال تعالى:{وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} [الإسراء: 79]، وقال تعالى عن المؤمنين الصالحين:{كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17)} [الذاريات]، وقال صلى الله عليه وسلم:"من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبه"[مُتفق عليه].
5 -
مضى زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وخلافة أبي بكر رضي الله عنه، فلما جاءت خلافة عمر رضي الله عنه دخل المسجد النبوي، ومعه عبدٌ القارىء، فوجد أهل المسجد أوزاعًا متفرقين، يصلي الرجل بنفسه، ويصلي الرجل ويصلي بصلاته الرهط، فأمر أُبي بن كعب أن يقوم بهم في رمضان.
وقد جاءت الروايات المتكاثرة أنَّ عمر رضي الله عنه جمع الناس على أُبيِّ بن كعب، فكان يصلي بالناس عشرين ركعة، ويوتر بثلاث ركعات، وكان هذا بمشهد، وعمل من الصحابة رضي الله عنهم كلهم جميعًا؛ فكان إجماعًا على صفة وعددِ هذه الصلاة المروية الثابتة.
قال في "المغني": التراويح هي سنة سنها النبي صلى الله عليه وسلم، وليست محدثة في عهد عمر، وهي من أعلام الدين، وهي عشرون ركعة في قول أكثر العلماء، والمختار عند أحمد وأبي حنيفة والشافعي: أنَّها عشرون ركعة، وقال مالك: ست وثلاثون، وتعلق بعمل أهل المدينة، ولنا أنَّ عمر لما جمع الناس على أُبيِّ بن كعب كان يصلي بهم عشرين ركعة.
وعن عليِّ-رضي الله عنه: أنَّه أمر رجلاً يصلي بهم في رمضان عشرين ركعة، وهذا كالإجماع.
قال في "سبل السلام": وروى البيهقي أنَّ عليًّا كان يؤمهم بعشرين ركعة، ويوتر بثلاث، وفيه قوة.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: إنَّ نفس قيام رمضان لم يؤقت فيه النبي صلى الله عليه وسلم، فكان لا يزيد على ثلاث عشرة ركعة، لكن كان يطيل الركعات، فلما جمعهم عمر رضي الله عنه على أبي بن كعب كان يصلي بهم عشرين ركعة، ثم يوتر بثلاث، وكان يخفف القراءة بقدر ما زاد من الركعات؛ لأنَّ ذلك كان أخف على المأمومين من تطويل الركعة الواحدة، ثم كان طائفة من السلف يقومون بأربعين ركعة، ويوترون بثلاث ركعات، وآخرون قاموا بست وثلاثين، وأوتروا بثلاث.
وهذا كله شائع، فكيفما قام بهم في رمضان من واحدة من هذه فقد أحسن، ومن ظنَّ أن قيام رمضان فيه عدد مؤقت عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يزاد فيه، ولا ينقص -فقد أخطأ.
وقال الإمام أحمد: إنَّه لا يتوقف في قيام رمضان عدد، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لم يؤقت فيه عددًا، وحينئذٍ فيكون تكثير الركعات وتقليلها بحسب طول القيام وقصره.
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ: ذهب أكثر أهل العلم -كالأئمة أبي حنيفة والشافعي وأحمد- إلى أنَّ صلاة التراويح عشرون ركعة؛ لأنَّ عمر جمع الناس على أبي بن كعب، فكان يصلي عشرين ركعة، وكان هذا بحضور الصحابة، فكان كالإجماع، وعليه عمل الناس.
قال في "طرح التثريب": لم يبين في الحديث عدد الركعات التي صلاها النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليالي في المسجد، وقد قالت عائشة:"ما زاد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة"، لكن عمر لما جمع الناس على صلاة التراويح في شهر رمضان مقتدين بأبي بن كعب، صلَّى بهم عشرين ركعة غير الوتر ثلاث ركعات، وعدوا ما وقع في زمن عمر رضي الله عنه كالإجماع.
وقال العيني: اختلفت الأحاديث الواردة في عدد صلاته: ففي حديث زيد بن خالد وابن عباس وجابر وأم سلمة ثلاث عشرة ركعة، وفي حديث الفضل وصفوان بن المعطل ومعاوية بن الحكم وابن عمر إحدى عشرة، وفي حديث أنس ثماني ركعات، وفي حديث حذيفة سبع ركعات، وفي حديث أيوب أربع ركعات، وأكثر ما فيها حديث عليٍّ ست عشرة ركعة.
والجواب: أنَّ ذلك بحسب ما شاهد الرواة، كذلك ربما زاد، وربما نقص، وربما أذن بقيام الليل مرتين أو ثلاثًا.
ولهم أجوبة كثيرة عفا ذكرته عائشة رضي الله عنها عن عدد صلاة النبي صلى الله عليه وسلم لا يتسع المقام لنقلها، والإطالة في ذكرها.
والذي نقوله ما قاله جمهور العلماء من أنَّ صلاة الليل، ومنها التراويح
في رمضان، لم تقيد بعدد معيَّن، فلا يُنْكر على من زاد، ولا على من نقص فيها، فالكل سنة واتباع، والغرض ألا يكون مثار جدل وفتنة بين المسلمين، لاسيما أهل الدين والصلاح منهم، الذين هم القدوة في الخير، فما دام الأئمة أجمعوا على مشروعية القيام، واختلفوا في الأفضل في عدد الركعات، وهي مسألة اجتهادية، فكلٌّ يعمل بما وصل إليه اجتهاده، أما التضليل والتجهيل فليس خُلُقَ العلماء، والله أعلم.
6 -
قال شيخ الإسلام: تسن التراويح في رمضان باتفاق السلف، وأئمة المسلمين، وتسمى قيام رمضان، وكونها أول الليل؛ لأنَّ الناس كانوا يقومون أوله على عهد عمر، ولا تصح قبل صلاة العشاء، ومن صلاها قبل العشاء، فقد سلك سبيل المبتدعة المخالفة للسنة، وإذا طلع الفجر فات وقتها إجماعًا.
7 -
روى الإمام أحمد (20910) والترمذي، (802) وصححه؛ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"من قام مع الإمام حتى ينصرف، كتب له قيام ليلة".
وهذا ترغيب في قيامها مع الإمام، وروى الإمام مالك (253)؛ أنَّ عمر ابن الخطاب أمر أُبي بن كعب وتميمًا الداري رضي الله عنهم، أن يقوما للناس، قال الراوي: وما كنَّا ننصرف إلَاّ في فروع الفجر.
8 -
استحب الشيخ تقي الدين: إحياء الليالي العشر الأخيرة، فقد جاء في البخاري (2024) ومسلم (1174):"أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل العشر أَحْيَا ليله، وأيقظ أهله، وشدَّ المئزر"، وكان الصحابة والتابعون يمدون الصلاة في العشر الأواخر إلى قرب طلوع الفجر، كما جاء ذلك من غير وجه.
قال المجد: ولو تنفلوا جماعة بعد رقدة، أو من آخر الليل -لم يكره، نصَّ عليه الإمام أحمد.
9 -
قال شيخ الإسلام: قراءة القرآن في التراويح سنة باتفاق المسلمين، فهي جل
المقصود، وليسمع المسلمون كلام الله؛ فإنَّ شهر رمضان أنزل فيه القرآن.
قال النووي: يحسن صوته بالقرآن ما استطاع، ولا يخرج مناجي ربه عن حد القراءة إلى حد التمطيط، ويستحب البكاء عند القراءة، وهي صفة العارفين، وشعار الصالحين، وطريقة التأمل في القرآن عند التهديد، والوعيد، والمواثيق، والعهود، ثم يفكر في تقصيره فيها.
قال الشيخ: أهل القرآن هم العالمون به، العاملون بما فيه، وإن لم يحفظوه عن قلب، وقال: يستحب استماع القرآن، ويكره التحدث عنده بما لا فائدة فيه.
10 -
قال أوس: سألت أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كيف تحزبون القرآن؟ فقالوا: ثلاث، وخمس، وسبع، وتسع، وإحدى عشرة، وثلاث عشرة، وحزب المفصل واحد.
قال الشيخ: تحزيبهم بالسور معلوم متواتر، واستحسنه على التحزيبات المحدثة بالأجزاء.
***
303 -
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي مِنَ اللَّيلِ ثَلَاثَ عشْرَةَ رَكْعَةً، يُؤْتِرُ مِنْ ذلِكَ بِخَمْسٍ، لا يَجْلِسُ فِي شَيْءٍ إِلَاّ فِي آخِرِهَا". مُتَّفَقٌ عَلَيهِ (1).
ــ
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
هذه إحدى روايات عائشة رضي الله عنها في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الليل، بأنَّه صلَّى ثلاث عشرة ركعة، يوتر من ذلك بخمس ركعات، يسردها، فلا يجلس إلَاّ في آخرها.
2 -
إعمال ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم على وجه العموم، فالأفضل العمل بجميع الروايات الثابتة، فهو أفضل وأكمل، وهذه طريقة رجال الفقه والحديث، أنَّهم يعملون بكل ما صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم من العبادات والأذكار؛ ليحصل العمل بالسنة كلها، وليحصل الاقتداء الكامل به صلى الله عليه وسلم، وما ثبت على غير وجه العموم والشمول مما يحتمل الخصوصية، لاسيَّما إذا عارضته نصوص صحيحة؛ كقوله صلى الله عليه وسلم:"صلاة الليل مثنى مثنى"- فهذا حكم عام أجاب به السائل عن صلاة الليل، ولو اقتصر على ما ثبت من فعله، وهو الحكم العام، لبيَّنه للسائل، وهدذا يدلك على ما قاله الجمهور، من أنَّ صلاة التراويح لا تحد بهذا العدد.
3 -
فيه أنَّ الوتر إذا كان بخمس ركعات؛ أنَّ الأفضل أن يكون بسلام واحد، لا يجلس في شيء من الركعات إلَاّ في آخرها، فيتشهد ويسلم، ويكون الوتر حينئذٍ اسمًا للخمس كلها، ما دامت الركعات متصلات بسلام واحد.
(1) رواه مسلم (737)، وعزوه للبخاري وهمٌ.
4 -
لما ذكر الشيخ شيبة الحمد الروايات المتعددة في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الوتر -قال: وجملة هذه الأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم تشعر بأنَّ الأمر في عدد ركعات الوتر على السعة، وأنَّ الوتر داخل في صلاة الليل، وأنَّه لا بأس على من صلى الوتر خمسًا، لا يجلس إلَاّ في آخرهن، ولا بأس على من صلَّى الوتر سبعًا، لا يجلس إلَاّ في السابعة، وأنَّ من صلى الوتر تسعًا لا يجلس إلَاّ في التاسعة، وأنَّ من صلَّى الوتر ثلاثًا أن يسلم على رأس الركعتين، وله أن يجعل التشهد والسلام في الثالثة، فالأمر في ذلك كله على السعة، والله أعلم.
5 -
جاء في صحيح مسلم (736) عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالليل إحدى عشرة ركعة، يوتر منها بواحدة"، وفي لفظٍ:"يسلم بين كل ركعتين، ويوتر بواحدة".
قال في "شرح الزاد": هذا هو الأفضل.
قال في "الحاشية" لابن القاسم: لأمره صلى الله عليه وسلم، ولاستمرار فعله له، ولأنَّه أكثر عملاً، وفي ذلك دلالة على أنَّ أقلَّ الوتر ركعة، وهو مذهب الجمهور.
قال في "كشاف القناع": ويسن فعل الركعة عقب الشفع بلا تأخير.
قال في "شرح الزاد": وأدنى الكمال في الوتر ثلاث ركعات بسلامين، ويجوز أن يسردها بسلام واحد.
قال أحمد: إن أوتر بثلاث لم يسلم فيهن، لم يُضَيَّق عليه عندي.
وقال الشيخ تقي الدين: يخيَّر بين فصله ووصله، وصحح أنَّ كليهما جائز، ومفهوم كلام أحمد لا يجوز كالمغرب، ولكن جوَّزه في "الإقناع".
304 -
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: "مِنْ كُلِّ اللَّيْلِ قَدْ أوْتَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَانتَهَى وِتْرُهُ إلَى السَّحَرِ". مُتَّفَقٌ عَلَيهِ (1).
ــ
*مفردات الحديث:
- انتهى وتره: وصل نهايته في صلاة الوتر إلى وقت السحر صلى الله عليه وسلم.
- السَّحرَ: بفتحتين، جمعه "أسحار"، وهو الجزء الأخير من الليل الذي قبيل طلوع الفجر الثاني.
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
تقدم أنَّ وقت الوتر يدخل إذا صليت العشاء، ولو قدمت مع المغرب جمعًا، وأنَّه يمتد إلى طلوع الفجر الثاني، فأي وقت أوتر المصلي من هذا الوقت جاز.
2 -
في هذا الحديث دليل على أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أوتر أوَّل الليل، وأنَّه أوتر نصف الليل، وأنه أوتر في آخر الليل وقت السحر، وقد انتهى وتره إلى هذا الوقت، الذي داوم عليه آخر حياته.
3 -
جاء في مسند الإمام أحمد (21836) عن أبي مسعود قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: يوتر من أول الليل، وأوسطه، وآخره".
قال عتيبة بن عمرو: ليكون في ذلك سعة للمسلمين، فأي ذلك أخذوا به كان صوابًا.
4 -
الترغيب في تأخير الوتر إلى وقت السحر لمن يثق من نفسه بالانتباه؛ لأنَّه آخر الأمور من فعله صلى الله عليه وسلم.
(1) البخاري (996)، مسلم (745).
* فوائد:
الأولى: الوتر لا تشرع له الجماعة، إلَاّ إذا كان بعد التراويح.
الثانية: قال شيخ الإسلام: الوتر أفضل من جميع تطوعات النهار، فأفضل الصلاة بعد المكتوبة قيام الليل، وأوكد صلاة بعد الوتر ركعتا الفجر.
الثالثة: أجمع العلماء على أنَّ وقت الوتر لا يدخل إلَاّ بعد صلاة العشاء، ويصح قبل سنة العشاء، لكن خلاف الأولى، ولكن لو جمعت العشاء تقديمًا مع المغرب فقد خالف أبو حنيفة في دخول وقت الوتر؛ لأنَّه يرى أنَّ دخوله بعد غيوب الشفق الأحمر.
والجمهور على خلافه؛ فيرون دخول وقت الوتر بعد صلاة العشاء، ولو جمعت تقديمًا مع المغرب.
***
305 -
وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ لِيْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا عَبْدِ اللهِ، لَا تَكُنْ مِثْل فُلَانٍ، كَانَ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ، فترَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (1).
ــ
* مفردات الحديث:
- مثل فلان: لم يدر من هو، والظاهر أنَّ الإبهام من أحد الرواة؛ لقصد الستر عليه، والقصد هو تنفير عبد الله من الغفلة، وترغيبه بقيام الليل.
- من الليل: قال العيني: وليس في رواية الأكثرين لفظ "من" موجود، بل اللفظ:"كان يقوم الليل"؛ والمراد: في جزء من أجزائه.
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
فضيلة قيام الليل، وأنَّه لا ينبغي تركه؛ لما فيه من الفضل العظيم، فصلاة الليل أفضل من صلاة النهار؛ لما فيها من السرية، والبُعد عن الرياء، ولما فيها من صفاء المناجاة مع الله تعالى، وحضور القلب، ولما فيها من إيثار طاعة الله تعالى على الراحة والفراش والمنام، ولما جاء في فضلها من الآيات الكريمة، والأحاديث الشريفة التي لا تخفى.
2 -
صلاة الليل: قال السَّفَّارِينِي في "شرح منظومة الأداب":
مطلب في التهجد وما ورد في فضله:
التهجد لا يكون إلَاّ بعد النوم، والناشئة لا تكون إلَاّ بعد رقدة، وصلاة الليل بعد ذلك، وصلاة الليل سنة مرغَّبٌ فيها، وأفضل من صلاة النهار، قال تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا
(1) البخاري (1152)، مسلم (1159).
مَحْمُودًا (79)} [الإسراء].
وروى مسلمٌ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل".
وجاء في الترمذي (1858)، وابن ماجه (1334) من حديث عبد الله بن سلام قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أيُّهَا النَّاسُ، أفْشُوا السلام، وأطعموا الطعام، وصِلُوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام".
والأحاديث والآثار كثيرة، وإنما فضلت صلاة الليل على صلاة النهار؛ لأنَّه أبلغ في الإسرار، وأقرب إلى الإخلاص، فكان السلف يجتهدون في الدعاء، ولا يُسْمع لهم صوت.
ولأنَّ صلاة الليل أشق على النفوس، وأفضل الأعمال ما أوثرت فيه طاعة الله على محاب النفوس، ولأنَّ القراءة في صلاة الليل أقرب إلى التدبر؛ لقطع الشواغل عن القلب، وليتواطأ القلب واللسان، كما قال تعالى:{إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا (6)} [المزمل: 6]، وقد مدح الله تعالى المستيقظين بالليل لذكره ودعائه واستغفاره ومناجاته؛ فقال تعالى:{تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16) فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17)} [السجدة].
3 -
قال الإمام أحمد: قيام الليل من المغرب إلى طلوع الفجر، فالنافلة بين العشاءين من قيامِ الليل، أما الناشئة فلا تكون إلَاّ بعد النوم، قال تعالى:{إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا (6)} [المزمل].
وأفضل صلاة الليل ثلث الليل بعد نصفه، فهو قيام داود الذي حث النبي صلى الله عليه وسلم عليه.
وقال شيخ الإسلام: النصف الأخير أفضل من الأول، ومن الثلث
الأوسط.
4 -
ويتأكد الإكثار من الدعاء والاستغفار آخر الليل للآيات والأخبار، وعمل السر أفضل من عمل العلانية، والإخلاص ركن العبادة الأعظم.
5 -
قال شيخ الإسلام: الصلاة إذا قام من الليل أفضل من القراءة في غير صلاة، نص على ذلك أئمة الإسلام؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"اعلموا أنَّ خير أعمالكم الصلاة"[رواهُ ابن ماجه (277)]، لكن إن حصل له نشاط، وتدبر، وتفهم للقراءة دون الصلاة- فالأفضل في حقه ما كان أنفع له.
هناك صلوات مبتدعة ما أنزل الله بها من سلطان، منها:
أولاً: الاجتماع ليلة النصف من شعبان، وصلاتها جماعة، وإحياء تلك الليلة بدعة في الدين، فلا دليل على إحيائها، وصلاة خاصة لها.
ثانيًا: قال الشيخ تقي الدين: وإنشاء صلاة بعدد مقدر، وقراءة مقدرة، في وقت معيَّن، تصلى جماعة راتبة -عمل غير مشروع، باتفاق علماء المسلمين، ولا ينشىء هذا إلَاّ جاهل مبتدع.
ثالثاً: صلاة الرغائب، وهي اثنتا عشرة ركعة في أول ليلة جمعة من شهر رجب، فهي بدعة محدثة، فلا تستحب لا جماعة، ولا فرادى.
رابعًا: صلاة الألفية بدعة ضلالة، قال النووي: صلاة الرغائب، وصلاة الألفية، هاتان الصلاتان بدعتان مذمومتان ومنكرتان، فلا تغتروا بذكرهما في الحديث المذكور فيهما؛ فإنَّ ذلك باطل.
خامسًا: صلاة التسبيح: قال شيخ الإسلام: نص أحمد وأئمة الصحابة على كراهتها، ولم يستحبها إمام، وأما أبو حنيفة ومالك والشافعي فلم يسمعوا بها بالكلية.
سادسًا: قال شيخ الإسلام: قاعدة الإسلام أنَّ الأصل في العبادات التوقيف، فلا يشرع منها إلَاّ ما شرعه الله ورسوله.
وقال ابن القيم وغيره: الأصل في العبادات البطلان، حتى يقوم دليل على الأمر؛ فإنَّ الله لا يُعْبَدُ إلَاّ بما شرعه على ألسنة رسله.
وقال شيخ الإسلام -أيضًا-: العبادات مبناها على الشرع والاتباع، لا على الهوى والابتداع؛ فإنَّ الإسلام مبني على أصلين:
1 -
ألا نعبد إلَاّ الله وحده.
2 -
وألا نعبده إلَاّ بما شرعه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.
وقال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ: اعلم أنَّ العبادات توقيفية، وترك الشارع الفعل مع قيام مقتضيه دليل على الترك، كما أنَّ فعله دليل لطلب الفعل، وهذه القواعد الهامة عن هؤلاء الأئمة الأعلام مستقاة من قوله تعالى:{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى: 21] وأمثالها من الآيات، ومما ثبت في مسلم (1718) من حديث عائشة رضي الله عنها أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"من عمل عملاً ليس عليه أمرنا، فهو رد".
***
306 -
وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أَوتِرُوا يَا أَهلَ القُرْآنِ؛ فإنَّ اللهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الوِتْرَ". رَوَاهُ الخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ (1).
ــ
* درجة الحديث:
الحديث حسن.
فقد رواه أصحاب السنن الأربع، وحسَّنه الترمذي، وصححه الحاكم وابن خزيمة، ورجاله ثقات.
* مفردات الحديث:
- فإنَّ الله وتر: بكسر الواو وفتحها، هو الفرد، فالله تعالى واحد في ذاته، واحد في صفاته، فلا شبه له ولا مثل، واحد في أفعاله، فلا شريك له ولا معين.
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
استحباب الوتر والإتيان به، وعدم التهاون به؛ لأنَّه من الصلوات المؤكدات.
2 -
نُدِبَ المسْلِمُونَ كلهم إلى الإتيانِ بالوتر، ولكن يتأكَّد على حملة القرآن وحفَّاظه، وأهل العلم أكثر مما يتأكد في حق غيرهم.
3 -
أنَّ صلاة الوتر محبوبة إلى الله تعالى، فهي أفضل الصلوات بعد الصلوات المكتوبات.
4 -
إثبات صفة المحبة لله تعالى، إثباتًا حقيقيًّا يليق بجلاله، بلا تكييف، ولا تمثيل، ولا تشبيه، فكما نثبت أنَّ له تعالى ذاتًا لا تشبه الذوات، فنثبتُ
(1) أحمد (1/ 148)، أبو داود (1416)، الترمذي (453)، النسائي (1675)، ابن ماجه (1169)، ابن خزيمة (2/ 136).
-أيضًا- أنَّ له صفات لا تشبه الصفات: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)} [الشورى].
5 -
قال شيخ الإسلام: الوتر سنة مؤكدة باتفاق المسلمين، ومنهم من أوجبه، ولا ينبغي لأحد تركه، ومن أصرَّ على تركه ردت شهادته.
6 -
ليس المراد بقوله: "إنَّ الله وِتر يُحب الوتر"؛ أنَّه يقصد الإيتار في كل شيءٍ، فلا يأكل إلَاّ وترًا، ولا يشرب إلَاّ وترًا، ولا يلبس إلَاّ وترًا؛ لأنَّ الإيتار من أمور العبادة، والعبادة تتوقف على ورود شرع بها، فما ورد من العادات وقصد الشارع أن يقطعه على وتر، فهذا القصد داخل في مسمى العبادة، كأكله تمرات وترًا عند ذهابه لصلاة عيد الفطر، أما أن يتخذ الوتر في جميع العادات عبادة، فهذا يتوقف على ورود الشرع به، والشرع مبني على التوقيف، فلا يشرع منه إلَاّ ما شرعه الله ورسوله.
***
307 -
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا". مُتَّفَقٌ علَيْهِ (1).
ــ
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
الوتر هو الذي تختم به صلاة الليل؛ سواء كان في أول الليل، أو وسطه، أو آخره، فكما أنَّ صلاة المغرب وتر، ويختم بها صلاة النهار، فكذلك الوتر يكون آخر صلاة الليل.
2 -
لو وقع بعد الوتر صلاة نفل، ما نُقض الوتر، لاسيَّما الصلوات ذوات الأسباب من سنة مسجد، أو ركعتي طواف، أو ركعتي وضوء، أو نحو ذلك؛ فالوتر باق بحاله ختمت به صلوات الليل.
فقد جاء في صحيح مسلم (738) عن عائشة؛ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم: "كَانَ يُصَلِّي من الليل ركعتين بعد الوتر، وهو جالسٌ".
وقد حمله النووي على أنَّه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك؛ لبيان جواز النفل بعد الوتر.
3 -
قال الفقهاء -واللفظ لـ"شرح الزاد وحاشيته"-: ولا يكره التعقيب وهو الصلاة بعد التراويح، والوتر في جماعة. لقول أنس: لا ترجعوا إلَاّ إلى خير ترجونه. قال المجد وغيره: ولو تنفلوا جماعةً، أو بعد رقدة، أو من آخر الليل، لم يكره. نص عليه، واختاره جمع.
…
(1) البخاري (998)، مسلم (751).
308 -
وَعَنْ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَا وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ". رَواهُ أَحْمَدُ والثَّلَاثَةُ، وَصحَّحهُ ابنُ حِبَانَ (1).
ــ
* درجة الحديث:
الحديث حسنٌ؛ رواه أحمد وأصحاب السنن الثلاثة، وصححه ابن خزيمة وابن حبان وعبد الحق وغيرهم، وحسَّنه الترمذي.
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
يدل الحديث على كراهية الإيتار في الليلة الواحدة مرتين فأكثرة لأنَّ تكرير الوتر في ليلة واحدة عبادة لم تُشرع، ولا يعبد الله تعالى إلَاّ بما شرع.
2 -
من أوتر ثم أراد الصلاة بعد الوتر، فقد تقدم جوازه، وأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم بعد أن أوتر صلى ركعتين، وأنَّ الشفع بعد الوتر لا ينقضه.
3 -
من أراد أن يصلي مع الإمام حتى تنتهي صلاته؛ تحصيلاً لفضيلة قوله صلى الله عليه وسلم: "من قام مع الإمام حتى ينصرف، فكأنما قام ليله"، وأراد أن يحصل على فضيلة الوتر آخر الليل، فإنَّه إذا سلم الإمام قام وأتى بركعة، تشفع له صلاته مع الإمام.
قال في "شرح الزاد وحاشيته": فإن تبع إمامه فأوتر معه، أو أوتر منفردًا، ثم أراد التهجد، فلا يُنْقَض وتره، ويصلي ما شاء إلى طلوع الفجر الثاني، ولا يوتر مرَّة أخرى؛ لأَنَّه ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه كان يصلي بعد الوتر ركعتين، ولايوتر بعدها.
وإن شفعه بركعة جاز، وتحصل له فضيلة متابعة إمامه وجعل وتره آخر صلاته.
(1) أحمد (4/ 23)، أبو داود (1439)، الترمذي (470)، النسائي (1679)، ابن حبان (6/ 201).
309 -
وَعَنْ أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ رضي الله عنه قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُوْتِرُ بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}، و {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ، وَزَادَ:"ولَا يُسَلِّمُ إِلَاّ فِي آخِرِهِنَّ"(1).
وَلأبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ نَحْوُهُ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها وَفِيْهِ: "كُلُّ سُورَةٍ فِي رَكعَةٍ، وَفِي الأَخِيْرَةِ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد} وَالمُعَوِّذَتَيْنِ"(2).
ــ
* درجة الحديث:
حديث عائشة فيه ضعف، وله شاهد، وقال العقيلي: إسناده صالح، قال ابن حجر: حديثُ أُبَي أصح من حديث عائشة.
وقد ساق المؤلف حديثين فيما يقرأ في الوتر.
أحدهما: عن أبي بن كعب؛ أنَّه يقرأ {سبح} و {الكافرون} ، و {الإخلاص}
الثاني: عن عائشة: بزيادة المعوذتين.
فأما حديث أُبي بن كعب؛ فقال عنه في "التلخيص": حديث أُبَي بن كعب بإسقاط -المعوذتين- أصح.
وقال ابن الجوزي: أنكر أحمد وابن معين زيادة المعوذتين، وحديث أُبَي رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم.
(1) أحمد (3/ 406)، أبو داود (1423)، النسائي (1730).
(2)
أبو داود (1424)، الترمذي (463).
قال الشوكاني: حديث أُبَي رجاله ثقات إلَاّ عبد العزيز بن خالد، وهو مقبول أيضًا.
وأما حديث عائشة: فرواه أبو داود والترمذي وابن ماجه عنها، وفيه ضعف، وقد تفرَّد به يحيى بن أيوب، وفيه مقال، ولكنه صدوق.
وقال الترمذي: فيه انقطاع، كما أنَّ فيه خصيفًا، وهو بين الحديث، وكأنَّه لشواهده، قال الترمذي: حديث حسن غريب
*مفردات الحديث:
- المعوذتين: بكسر الواو وتشديدها، ومن فتحها فقد أخطأ.
*ما يؤخذ من الحديث:
1 -
استحباب قراءة هذه السور الثلاثة في الركعات الثلاثة من الوتر وهي:
(1)
سورة الأعلى؛ لما تضمنته من حث على الآخرة، وتزهيد في الدنيا، ولأنَّها تضمنت مواعظ ذُكرت في الصحف الأولى، وُعِظَ بها الأوَّلونَ والآخرون.
(ب) سورة الكافرون؛ لكونها تعدل ربع القرآن، وتضمنها البراءة التامة من الكفار ودينهم، ولاشتمالها على التوحيد العملي الإرادي.
(ج) سورة الإخلاص؛ لكونها تعدل ثلث القرآن الكريم، وتضمنها صفات الله، وتوحيده التوحيد الخبري العلمي.
2 -
الأفضل عدم المداومة على هذه السور؛ لئلا يظن العامة وجوبها، فترك الفاضل أحيانًا لبيان الحكم، أفضل من المداومة عليه؛ لأنَّ تعليم الناس أمرَ دينهم من أفضل الأعمال.
3 -
قراءة المعوذتين جاءت في رواية ضعيفة، ولكن لم يشتد ضعفها، وفقهاء أهل الحديث إذا جاءهم الحكم الشرعي برواية لم يشتد ضعفها، وكانت تندرج تحت قاعدة شرعية، وكانت -أيضًا- في فضائل الأعمال -فإنَّهم يعملون بها، ومنه هذا الحديث.
310 -
وَعَنْ أَبِي سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أَوْتِرُوا قَبْلَ أنْ تُصْبِحُوا". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَلابنِ حِبَّانَ: "مَنْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ وَلَمْ يُوتِرْ، فَلَا وِتْرَ لَهُ"(1).
ــ
* درجة الحديث:
رواية ابن حبان إسنادها صحيح، وصححها -أيضًا- ابن خزيمة والحاكم (1/ 443)، ووافقه الذَّهبي، وذكر له الحاكم شاهدًا من حديث ابن عمر وصححه، ووافقه الذهبي.
*ما يؤخذ من الحديث:
1 -
الوتر من صلاة الليل، ولكنه يختم به صلاتها؛ ليوترها، كما تختم صلاة النهار بصلاة المغرب؛ لتوترها.
2 -
أنَّ آخر وقت الوتر هو طلوع الفجر الثاني، فإذا طلع الفجر، فقد فات وقت الوتر، فمن أوتر بعد طلوع الصبح فلا وتر له، قال ابن المنذر: أجمعوا على على أنَّ ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر وقت للوتر. أما أول وقته فتقدم أنَّه بعد صلاة العشاء، ولو كانت مجموعة تقديمًا مع المغرب.
3 -
وذكر ابن المنذر عن جماعة من السلف: أنَّ للوتر وقتين: اختياري واضطراري، فالاختياري ينتهي بطلوع الفجر الثاني، والاضطراري لا ينتهي إلَاّ بصلاة الصبح.
4 -
ظاهر الحديث: أنَّ الوتر الذي فات وقته إذا كان تركه من عمد، فإنَّ تاركه فوَّت أجره، أما النائم أو الناسي فهما موضوع الحديث الآتي إن شاء الله تعالى.
(1) مسلم (754)، ابن حبان (2408).
311 -
وَعَنْ أَبِي سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ نَامَ عَنِ الوِتْرِ، أَوْ نَسِيَهُ، فَلْيُصَلِّ إِذَا أصْبَحَ، أوْ ذَكَرَ". روَاهُ الخَمْسَةُ إِلَاّ النَّسَائِيَّ (1)
ــ
* درجة الحديث:
الحديث صحيحٌ، أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه والدارقطني (2/ 22)، والحاكم (1/ 443)، وقال: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي.
قال العراقي: إنَّ الحديث جاء من طريقين:
من طريق أبي داود، وهي صحيحة.
والأخرى: من طريق الترمذي وابن ماجه، وهي ضعيفة.
*ما يؤخذ من الحديث:
1 -
يدل الحديث على أن من نام عن الوتر فلم يستيقط حتى طلع الصبح الثاني، أو نسيه فلم يذكره حتى طلع الفجر -أنه يصليه، ولو بعد طلوع الصبح الثاني.
2 -
الحديث صحيح، فقد قال الحاكم والذهبي: إنه على شرط الشيخين، وأيدهما الشيخ الألباني؛ فيكون حجة في هذا الحكم.
ومع هذا فإنه مشمولٌ بالحديث الذي في البخاري (597)، ومسلم (682) عن أنس؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من نام عن صلاة أو نسيها، فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلَاّ ذلك".
(1) أحمد (3/ 44)، أبو داود (1431)، الترمذي (465)، ابن ماجه (1188).
3 -
لا تعارض بين هذا الحديث والحديث الذي قبله: "من أدرك الصبح ولم يوتر، فلا وتر له"، فهذا في حق الذاكر والمستيقظ، فإن وقت الوتر عنده ينتهي بطلوع الفجر الثاني؛ بخلاف حديث الباب، فهو في حقِّ النائم والغافل، فإن هذا هو وقت الصلاة في حقه.
4 -
ظاهر الحديث، ومعه حديث الصحيحين أيضًا: أن من نام عن وتره حتى أصبح، أو نسيه -أنه يصليه بعد طلوع الفجر، وأن هذا هو وقته الشرعي، أداءً لا قضاءً، والله أعلم.
5 -
قال في "الإقناع": ويقضيه مع شفعه إذا فات وقته؛ لحديث أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من نام عن الوتر أو نسيه، فليصله إذا أصبح أو ذكره"[رواه أبو داود]، قال في "الحاشية": المذهب يقضيه على هيئته.
قال شيخ الإسلام: صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها؛ فإن ذلك وقتها"، وهذا يعم الفرض وقيام الليل والسنن الرواتب.
6 -
هناك طائفة من العلماء يرون عدم قضاء الوتر على صفته، وأن من طلع عليه الصبح ولم يوتر، فقد فاته الوتر، ولا وتر له؛ كما جاء ذلك في رواية ابن حبان. ويستدلون على ذلك -أيضًا- بما رواه مسلم (746) من حديث عائشة رضي الله عنها قالت:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غلبه نوم أو وجع عن قيام الليل، صلَّى من النهار اثنتي عشرة ركعة".
وذلك أنه كان يوتر بإحدى عشرة ركعة، فيصليها بالنهار شفعًا بزيادة ركعة، فمن كان عادته أن يوتر بثلاث، ونسي، فالأفضل أن يصليها أربعًا، ومن كان عادته خمسا فليصل ستًّا، ومن كان عادته سبعًا فليصل ثمانياً، ومن كان عادته تسعًا فيصل عشرًا، ومن كان عادته إحدى عشرة فليصل اثنتي عشرة. ويعتبر هذا كالقضاء للوتر، إلَاّ أنه يصليها شفعًا.
وقال الشيخ في موضعٍ آخر: لا يقضي الوتر، ومراده على صفته؛ لأن المقصود به أن يكون آخر الليل، على أن وتر النهار المغرب.
والراجح قضاء الوتر نهارًا شفعًا، كما اختاره الشيخ تقي الدين، رحمه الله تعالى.
***
312 -
وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ خَافَ ألَاّ يَقُومَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ، فَلْيُوتِرْ أوَّلَهُ، وَمَنْ طَمعَ أنْ يَقُومَ آخِرَهُ، فَليُوتِرْ آخِرَ اللَّيْل؛ فَإنَّ صَلَاةَ آخِرِ اللَّيْلِ مَشْهُودَةٌ، وَذلِكَ أَفْضَلُ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ (1).
ــ
* مفردات الحديث:
- طمع: في الشيء طمعًا وطماعة، فهو طامع، والطمع: الأمل والرجاء، وأكثر ما يستعمل فيما يقرب حصوله، جمعه: أطماع.
- مشهودة: يقال: شهد يشهد شهودًا، بمعنى: حضر واطلع على الشيء، فهو شاهد بمعنى: حاضر، وشاهد ذلك أنَّ الله تعالى ينزل آخر الليل، فينادي خلقه ويجيب أسئلتهم.
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
يدل الحديث على أنَّ الوتر يجوز في أول الليل وفي آخره، فوقته من صلاة العشاء إلى طلوع الفجر الثاني، ومن كل الليل أوتر النبي صلى الله عليه وسلم.
2 -
أنَّ تأخير الوتر إلى آخر الليل أفضل لمن قوي على القيام، وطمع في أن يستيقظ قبل الفجر؛ لقول عائشة:"وانتهى وتره إلى السحر"[رواه مسلم (745)]، ولأنَّ صلاة آخر الليل تشهدها الملائكة، وهذه ميزة كبرى، ولأنَّ هذا هو وقت المناجاة، حينما ينزل الرب جلَّ وعلا إلى السماء الدنيا، كما جاء في البخاري (1145) ومسلم (758)؛ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "ينزل ربنا إلى السماء الدنيا كل ليلة، حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني
(1) مسلم (755).
فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له"، ولأنَّ الوتر آخر الليل هو التهجد الذي ذكره الله فى كتابه العزيزة فإنَّ التهجد لا يكون إلَاّ بعد نوم، وهو وقت الناشئة التي قال تعالى فيها:{إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا (6)} [المزمل] فإنَّ النَّاشئة لا تكون إلَاّ بعد رقدة.
3 -
أما من يخشى ألا يقوم آخر الليل؛ فيلوتر قبل أن ينام؛ لحديث أبي هريرة: "أوصاني خليلي رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاث: وذكر منهنَّ: وأن أوتر قبل أن أنام" فأبو هريرة كان يشتغل أول الليل بدراسة الأحاديث وحفظها، فكان ممن لا يستيقظ إلَاّ بعد أن يصبح، فأوصاه النبي صلى الله عليه وسلم بأن يوتر قبل أن ينام، وتكون لأبي هريرة، ولمن هو على مثل حاله.
***
313 -
وَعَنِ ابنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا طَلَعَ الفَجْرُ، فَقَدْ ذَهَبَ وَقْتُ كُلِّ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَالوِتْرِ، فَأَوْتِرُوا قَبْلَ طُلُوعِ الفَجْرِ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ (1).
ــ
* درجة الحديث:
الحديث صحيح، صححه ابن خزيمة والحاكم، ووافقه الذهبي.
فأما صدره: فلا ينافي حديث أبي سعيد المتقدم (311)، فالذي معنا في حق المستيقظ الذاكر، والذي قبله في حق النائم، أو الناسي.
وأما آخره: -وهو قوله: "فأَوترُوا قبل طلوع الفجر"- فقد جاء في صحيح مسلم (754) من حديث جابر؛ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أوترُوا قبل أن تصبحوا"، وقد صححه النووي في "الخلاصة".
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
الحديث تقدم معناه في عدة أحاديث، وهو أنَّ وقت الوتر من صلاة العشاء، ويمتد حتى طلوع الفجر الثاني، وأنَّ من ترك الوتر متعمدًا حتى طلع عليه الفجر -فقد فاته الوتر، الذي هو من صلاة الليل، فأمر صلى الله عليه وسلم بالوتر قبل طلوع الفجر؛ لئلا يفوت وقته.
2 -
وتقدم أنَّ الصحيح أنَّ فوات الوتر في حق تاركه عمدًا حتى طلع الفجر، أما من نام عنه أو نسيه، فإنَّ وقته أداء إذا استيقظ أو ذكر؛ فيكون هذا الحديث مخصوصًا بالحديث المتقدم:"من نام عن الوتر، أو نسيه، فليصل إذا أصبح أو ذكر".
(1) الترمذي (469).
وهذا القول يجمع الأحاديث المتعارضة في فوات الوتر، في حق النائم والناسي، وأدائه في وقته.
3 -
روى مسلم (746) عن عائشة رضي الله عنها قالتْ: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لم يصل من الليل، منعه من ذلك النوم، أو غلبته عيناه- صَلَّى من النهار اثنتي عشرة ركعة".
***
314 -
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الضُّحَى أرْبَعًا، وَيَزِيدُ مَا شَاءَ اللهُ". روَاهُ مُسْلِمٌ (1).
315 -
ولَهُ عَنْهَا: "أنَّهَا سُئِلَتْ: هَلْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الضُّحَى؟ قَالَتْ: لَا، إلَاّ أنْ يَجِيءَ مِنْ مَغِيْبِهِ"(2).
316 -
وَلَهُ عَنْهَا: "مَا رَأَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يُصَلِّيْ قَطُّ سُبْحَةَ الضُّحَى، وَإِنِّي لأُسَبِّحُهَا"(3).
ــ
* مفردات الأحاديث:
- مغيبه: يقال: غاب يغيب غيبًا، فهو غائب، بمعنى: سافر وبعد، والمغيب اسم زمان ومكان.
- قطُّ: بفتح القاف وضم الطاء مشددة، قال في "المعجم الوسيط": قطّ ظرف زمان لاستغراق الماضي، والعامة تقول: لا أفعل قط، وهو غلط، قلتُ: لأنها مختصة بالزمن الماضي.
- سُبْحَة الضحى: بضم السين المهملة وسكون الباء التحتية الموحدة؛ أي: صلاة النافلة، فالتسبيح يكون بمعنى الذكر والصلاة، يقال: يسبح فلان؛ أي: يصلي السبحة، فريضةً كانت أو نافلةً.
* ما يؤخذ من الأحاديث:
1 -
هذه الأحاديث الثلاثة تتعلق بأحكام صلاة الضحى، وهي سنة جاء فيها ما
(1) مسلم (719).
(2)
مسلم (717).
(3)
مسلم (718).
رواه الإمامان: البخاري (1880)، ومسلم (721) عن أبي هريرة قال:"أوصاني خليلي رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاث: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام".
2 -
الحديث رقم (314) يدل على مشروعية صلاة الضحى، وأنَّه صلى الله عليه وسلم كان يصليها أربع ركعات، ويزيد ما شاء الله.
3 -
حديث رقم (315) يدل على أنَّه صلى الله عليه وسلم ما كان يصليها، إلَاّ أن يأتي من سفر، فكأنَّها قيَّدت الحديث الأول بهذا الحديث، فصارت صلاته لها حينما يقدم من السفر.
4 -
حديث رقم (316) يدل على أنَّه صلى الله عليه وسلم ما كان يصليها أبدًا، وهذا يحمل على تقييد الحديث رقم (315) بالقدوم من السفر أيضا، وأنَّه ما كان يأتي بها، وإنما كان عند القدوم من المغيب.
ومن أجل هذا الاختلاف في الإتيان بها من عدمه، أطال عليها الكلام ابن القيم في "زاد المعاد"، وبيَّن وجه الجمع بين هذه الأحاديث التي فيها نوع تعارض، فقال: اختلف الناس في هذه الأحاديث على طرق:
(أ) منهم من رجَّح الفعل على الترك؛ بأنَّها تتضمَّن زيادة علم خفيت على الثاني، ومن حفظ حجةٌ على من لم يحفظ.
(ب) وطائفة ثانية ذهبت إلى: أحاديث الترك، ورجحتها من جهة صحة إسنادها، وعمل الصحابة بموجبها، فروى البخاري:"أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يكن يصليها، ولا أبو بكر، ولا عمر".
(ج) وذهبت طائفة ثالثة إلى: استحباب فعلها غبًّا، فتصلى في بعض الأيام دون بعض، وهذه إحدى الروايتين عن أحمد، وحكاه الطبري عن جماعة، واحتجوا بحديث رقم (315).
(د) وذهب ابن جرير إلى: أنَّه لا تعارض في الأحاديث، فقال: وليس في
هذه الأحاديث حديث يدفع صاحبه؛ وذلك أنَّ من حكى أنَّه صلَّى الضحى أربعًا جائزٌ أن يكون رآه في حال فعله ذلك، ورآه غيره في حالة أخرى صلَّى ركعتين، وراه آخر في حال أخرى صلاها ثمانيًا، وسمعه آخر يحث على أن تصلي ستًّا، وآخر يحث على أن تصلى ركعتين، وآخر يحث على عشر، وآخر على اثنتي عشرة، فأخبر كل واحد منهم عمَّا رأى، أو سمع.
(هـ) وذهبت طائفة خامسة إلى: أنَّها تفعل بسبب، قالوا: وصلاته يوم الفتح إنَّما كانت من أجل الفتح، وصلاته في بيت عتبان بن مالك بسبب عذره من إتيان المسجد، فطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتيه في بيته؛ ليصلى له في مكان منه يكون مصلى له، ففعل لأجل هذا السبب.
ومن تأمل الأحاديث المرفوعة، وآثار الصحابة، وجدها لا تدل إلَاّ على هذا القول، وأما أحاديث الترغيب فيها: فالصحيح منها لا يدل على أنَّها سنة راتبة لكل أحد، وإنما أوصى بها أبا هريرة؛ لأنَّه قد روي أنَّ أبا هريرة كان يختار درس الحديث بالليل على الصلاة، فأمره بالضحى بدلاً من قيام الليل، وعامة أحاديث الباب في أسانيدها مقال. اهـ ملخصًا من "زاد المعاد".
واختار شيخ الإسلام المداومة على الركعتين المذكورتين في حديث أبي هريرة: "وركعتي الضحى"؛ اختار ذلك لمن لم يقم في الليل.
5 -
قال النووي: وكون سنة الضحى سنة هو مذهب جمهور السلف، وقول الفقهاء المتأخرين.
6 -
قال في "الحاشية": وصلاة الضحى والترغيب فيها بلغت حد التواتر، وتستحب المداومة عليها لمن لم يقم في ليله؛ لخبر أبي هريرة ونحوه، ولشيخ الإسلام قاعدة: أنَّ ما ليس من الرواتب لا يداوم عليه، حتى لا يلحق بالرواتب، واختار المداومة عليها لمن لم يقم من الليل؛ لتأكدها في حقه.
7 -
قال الشيخ محمد بن محمد بن بدير:
أحببت ألَاّ أترك المقام حتى أبين أمرًا، عسى الله أن ينفع به من شاء من عباده، لقد ثبتت صلاة الضحى من قوله صلى الله عليه وسلم، وحثه أصحابه، وإقرارهم عليها بما لا يدع مجالاً للشك.
منها أحاديث الباب، ومنها ما ثبت في صحيح مسلم (722)؛ أنَّه صلى الله عليه وسلم وصى بها أبا الدرداء، كما وصى بها أبا هريرة.
وفي صحيح مسلم (720) عن أبي ذر في حديث التسبيح والتهليل والتحميد، لأداء صدقات المفاصل قال:"ويجزىء عن ذلك ركعتان يركعهما أحدكم من الضحى".
وفي البخاري (1128)، ومسلم (718) من حديث عائشة رضي الله عنها قالتْ:"إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدع العمل -وهو يحب أن يعمل به- خشية أن يعمل به الناس، فيكتب عليهم، وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قط يسبح سبحة الضحى، وإني لأسبحها".
ومعلوم أنَّه مما لا يَرِدُ على العقل أن تحافظ أم المؤمنين على صلاة الضحى، ولم يطلع عليها صلى الله عليه وسلم، كما لا يظن بها أن تداوم على عبادة لم تُشرع، وهي الراوية عنه صلى الله عليه وسلم:"من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" والحديث في الصحيحين، ولكنها اعتذرت عن عدم صلاة الضحى بما ذكرت؛ أنَّه خشية أن يثقل على أمته، بل قررت أنَّ بعض ما كان يدع للتخفيف، كان يحب أن يعمل به، والسياق في مقام صلاة الضحى.
والعجب ممن يستدل على عدم سنيتها: بأنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفعلها، ولا أبو بكر، ولا عمر، بعد اتفاق أهل العلم أنَّ السنة ما ثبت من قوله صلى الله عليه وسلم، أو فعله، أو تقريره، فبعد ثبوت الأمر بها لا يمتري في سنيتها عالم بالسنة وأقسامها، وإلَاّ فعليه أن يئكر فضيلة صوم داود؛ لأنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعمل به، مع أنه مدحه، وأمر به عبد الله بن عمر، لما أراد أن يصوم أفضل
الصيام.
هذا على أنَّه صلى الله عليه وسلم قد فعلها مرات كثيرة، فالذي أدين الله به أنَّ صلاة الضحى قربة عظيمة، لا يجحدها منصف، وقد ورد فيها من الأدلة، ما لا مجال معه لذي بصيرة أن يتردد في كونها من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد أنصف شيخ الإسلام إذ يقول: إنَّ أدلتها بلغت التواتر -يعني: التواتر المعنوي- وبالله التوفيق.
***
317 -
وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "صَلاةُ الأوَّابِينَ حِيْنَ تَرْمَضُ الفِصَالُ". روَاهُ التِّرْمِذِيُّ (1).
ــ
*درجة الحديث:
فهو في صحيح مسلم (748) من حديث زيد بن أرقم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صلاة الأوَّابين إذا رَمَضْت الفصال من الضحى" والمؤلف رحمه الله لم يعزه إليه، ولعله وقع منه سهوًا.
كما أنَّ أحدًا من العلماء لم يعزه إلى الترمذي غير الحافظ، وتبعه الصنعاني والشوكاني.
* مفردات الحديث:
- الأوابين: جمع "أوَّاب"، والأوَّاب: الرجاع إلى الله تبارك وتعالى، بترك الذنوب، وفعل الطاعات والخير.
- ترْمَض: بفتح التاء وسكون الراء وفتح الميم؛ أي: تحترق أخفافها من الرمضاء، وهي شدة حرارة الأرض من وقوع الشمس على الرمل، عند ارتفاع الشمس.
- الفِصال: بكسر الفاء، جمع "فصيل"، وهو ولد الناقة، سمي بذلك؛ لفصله عن أمه، فهو فعيل بمعنى مفعول، والجمع:"فُصلان" بضم الفاء وكسرها، وأما جمعه على "فِصال"، فكأنَّهم توهَّموا فيه الصفة، قاله في "المصباح".
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
وقت صلاة الضحى من ارتفاع الشمس قيد رمح -بعد طلوعها- إلى قبيل
(1) رواه مسلم (748)، ولم يروه الترمذي.
الزوال.
2 -
الحديث الذي معنا يدل على أن أفضل وقت لها، هو ارتفاع الضحى، وارتفاع حر الأرض وقوة الشمس؛ وذلك هو احتراق الفِصَال (أولاد الإبل) من شدَّة الرمضاء.
3 -
سميت تلك الصلاة صلاة الأوابين؛ لأنَّهم آبوا ورحلوا إلى طاعة الله وعبادته، حينما اشتغل الناس بتجارتهم ومتاعهم وزراعاتهم، ومال بعضهم إلى الراحة، فيأتي الأوابون بذكر الله تعالى، وينقطعون عن كل مطلوب سواه، والله الموفق.
***
318 -
وَعنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى الضُّحَى ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكعَةً، بَنَى اللهُ لَهُ قَصْرًا فِي الجَنَّة". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَاسْتَغْرَبَهُ (1).
ــ
* درجة الحديث:
الحديث ضعيف، لكنه قوي بشواهده.
قال الترمذي: غريب، وقال الحافظ: إسناده ضعيف، وقال في "الفتح": له شواهد إذا ضمت إلى حديث أنس تقوَّى بها، وصلح للاحتجاج به.
وله شاهد من حديث أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صَلَّى الضحى ركعتين، لم يكتب من الغافلين، ومن صلَّى ثنتي عشرة ركعة، بنى الله له بيتًا في الجنة
…
".
قال المنذري: رواه الطبراني في "الكبير" ورواته ثقات، وفي موسى بن يعقوب الزمعي خلاف، وقد روي عن جماعة من الصحابة ومن طرق.
…
(1) الترمذي (473).
319 -
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: "دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بيْتِي، فَصَلَّى الضُّحَى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ". روَاهُ ابنُ حِبَانَ فِي "صَحِيْحِهِ"(1).
ــ
* درجة الحديث:
قال محقق كتاب "صحيح ابن حبان": سنده على شرط مسلم، إلَاّ أنَّ فيه المطلب بن عبد الله بن حنطب، وثَّقه أبو زرعة والدارقطني، إلَاّ أنَّهم اختلفوا في سماعه من عائشة.
* ما يؤخذ من الحديثين (318، 319):
1 -
يدل الحديث رقم (318) على أنَّ صلاة الضحى تصلى اثنتي عشرة ركعة، وهي لا تنافي الأعداد الأخر؛ فإنَّ أقلها ركعتان، وأكثرها اثنتا عشرة ركعة.
أما المشهور من مذهب الإمام أحمد: فأكثرها ثمان؛ لما جاء في البخاري (1176) ومسلم (336) عن أم هانىء: "أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم في عام الفتح صلَّى ثماني ركعات، سُبحَة الضحى".
2 -
أما الحديث رقم (319): فيفيد أنَّ صلاة الضحى ثماني ركعات.
قال محرره: أرى أنه لا تعارض بين الأحاديث الواردة في عدد صلاة الضحى، والجمع بينها متيسر، كما قال ابن جرير فيما تقدم، فكل واحد من الصحابة حدث بما رأى وما سمع، والنبي صلى الله عليه وسلم تارةً يصليها ركعتين، وتارةً يصليها أربعًا، وتارةً يصليها ستًّا، وتارةً يصليها ثمانيًا، وأخرى يصليها اثنتي عشرة ركعة، ولا منافاة ولا تعارض، والله أعلم.
(1) ابن حبان (3/ 459).
3 -
الخلاصة مما تقدم: أنَّ سنة الضحى استفاضت أخبارها، وأنَّه يستحب المداومة عليها، لمن لم يصل بالليل؛ لئلا تفوته عبادة النهار والليل معًا، وأما من له صلاة الليل فإنَّه من الأفضل أن يغب فيها، وأنَّ أقلَّها ركعتان، وأكثرها اثنتا عشرة ركعة، وأنَّ وقتها من ارتفاع الشمس قيد رمح إلى قبيل الزوال.
* فائدة:
اختلفت الأحاديث عن عائشة في صلاة الضحى، فمرويٌّ عنها:
1 -
صلاها من غير تحديد عدد: "يصلي الضحى أربع ركعات، ويزيد ما شاء الله". [رواه مسلم (719)].
2 -
قالت "دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيتي، وصلَّى الضحى ثماني ركعات". [روه ابن حبان (3/ 459)].
3 -
قالت: "ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى، إلَاّ أن يجىء من مغيبه". [أخرجه مسلم (717)].
4 -
قالت: "ما رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي سبحة الضحى، وإني لأسبحها". [رواه البخاري (1128)، ومسلم (718)].
وقد جمع القاضي عياض بين إثبات الصلاة ونفيها: بأنَّها في الإثبات نقلت أخبار من رآه من الصحابة، فروت عنه دون أن تنسب إليه، وأما روايات النفي فإنَّها لم تشاهده يصليها.
وهذا جمع لا بأس به، وإذا أمكن الجمع يصار إليه، والله أعلم.
***