المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب حكم قول العلماء بعضهم في بعض - جامع بيان العلم وفضله - جـ ٢

[ابن عبد البر]

فهرس الكتاب

- ‌بَابُ الْعِبَارَةِ عَنْ حُدُودِ عِلْمِ الدِّيَانَاتِ وَسَائِرِ الْعُلُومِ الْمُتَصَرِّفَاتِ بِحَسَبِ تَصَرُّفِ الْحَاجَاتِ وَسَائِرِ الْعُلُومِ الْمُنْتَحِلَاتِ عِنْدَ جَمِيعِ أَهْلِ الْمَقَالَاتِ. قَالَ أَبُو عُمَرَ رضي الله عنه: " حَدُّ الْعِلْمِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ فِي هَذَا الْمَعْنَى هُوَ مَا اسْتَيْقَنْتَهُ وَتَبَيَّنْتَهُ وَكُلُّ مَنِ اسْتَيْقَنَ شَيْئًا وَتَبَيَّنَهُ فَقَدْ عَلِمَهُ

- ‌بَابٌ مُخْتَصَرٌ فِي مُطَالَعَةِ كُتُبِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالرِّوَايَةِ عَنْهُمْ

- ‌بَابُ مَنْ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُسَمَّى فَقِيهًا أَوْ عَالِمًا حَقِيقَةً لَا مَجَازًا، وَمَنْ يَجُوزُ لَهُ الْفُتْيَا عِنْدَ الْعُلَمَاءِ

- ‌بَابُ مَا يَلْزَمُ الْعَالِمَ إِذَا سُئِلَ عَمَّا لَا يَدْرِيهِ مِنْ وُجُوهِ الْعِلْمِ

- ‌بَابُ اجْتِهَادِ الرَّأْيِ عَلَى الْأُصُولِ عِنْدَ عَدَمِ النُّصُوصِ فِي حِينِ نُزُولِ النَّازِلَةِ

- ‌بَابٌ: نُكْتَةٌ يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى اسْتِعْمَالِ عُمُومِ الْخِطَابِ فِي السُّنَنِ وَالْكِتَابِ وَعَلَى إِبَاحَةِ تَرْكِ ظَاهِرِ الْعُمُومِ لِلِاعْتِبَارِ بِالْأُصُولِ

- ‌بَابٌ فِي خَطَأِ الْمُجْتَهِدِينَ مِنَ الْحُكَّامِ وَالْمُفْتِينَ

- ‌بَابُ نَفْيِ الِالْتِبَاسِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الدَّلِيلِ " وَالْقِيَاسِ وَذِكْرِ مَنْ ذَمَّ الْقِيَاسَ عَلَى غَيْرِ أَصْلٍ وَمَا يَرُدُّهُ مِنَ الْقِيَاسِ أَصْلٌ قَالَ أَبُو عُمَرَ رحمه الله: " لَا خِلَافَ بَيْنَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ وَسَائِرِ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَهُمْ أَهْلُ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ فِي نَفْيِ الْقِيَاسِ فِي التَّوْحِيدِ وَإِثْبَاتِهِ فِي الْأَحْكَامِ إِلَّا دَاوُدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ

- ‌بَابُ جِامِعِ بَيَانِ مَا يَلْزَمُ النَّاظِرَ فِي اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ قَالَ أَبُو عُمَرَ: " اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي هَذَا الْبَابِ عَلَى قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْأَئِمَّةِ، رحمهم الله، رَحْمَةٌ وَاسِعَةٌ وَجَائِزٌ لِمَنْ نَظَرَ فِي اخْتِلَافِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَأْخُذَ بِقَوْلِ

- ‌بَابُ ذِكْرِ الدَّلِيلِ مِنْ أَقَاوِيلِ السَّلَفِ عَلَى أَنَّ الِاخْتِلَافَ خَطَأٌ وَصَوَابٌ «يَلْزَمُ طَالِبُ الْحُجَّةِ عِنْدَهُ، وَذِكْرُ بَعْضِ مَا خَطَّأَ فِيهِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَأَنْكَرَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ عِنْدَ اخْتِلَافِهِمْ، وَذِكْرُ مَعْنَى قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم» أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ

- ‌بَابُ ذِكْرِ مَنْ ذَمَّ الْإِكْثَارَ مِنَ الْحَدِيثِ دُونَ التَّفَهُّمِ لَهُ وَالتَّفَقُّهِ فِيهِ

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي ذَمِّ الْقَوْلِ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى بِالرَّأْيِ وَالظَّنِّ وَالْقِيَاسِ عَلَى غَيْرِ أَصْلٍ وَعَيْبِ الْإِكْثَارِ مِنَ الْمَسَائِلِ دُونَ اعْتِبَارٍ

- ‌بَابُ حُكْمِ قَوْلِ الْعُلَمَاءِ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ

- ‌بَابُ تَدَافُعِ الْفَتْوَى وَذَمِّ مَنْ سَارَعَ إِلَيْهَا

- ‌بَابُ رُتَبِ الطَّلَبِ وَكَشْفِ الْمَذْهَبِ قَالَ أَبُو عُمَرَ رحمه الله: " طَلَبُ الْعِلْمِ دَرَجَاتٌ وَمَنَاقِلُ وَرُتَبٌ لَا يَنْبَغِي تَعَدِّيهَا وَمَنْ تَعَدَّاهَا جُمْلَةً فَقَدْ تَعَدَّى سَبِيلَ السَّلَفِ رحمهم الله وَمَنْ تَعَدَّى سَبِيلَهُمْ عَامِدًا ضَلَّ، وَمَنْ تَعَدَّاهُ مُجْتَهِدًا زَلَّ فَأَوَّلُ الْعِلْمِ حِفْظُ كِتَابِ اللَّهِ عز وجل وَتَفَهُّمُهُ وَكُلُّ مَا يُعِينُ عَلَى فَهْمِهِ

- ‌بَابٌ فِي الْعَرْضِ عَلَى الْعَالِمِ وَقَوْلِ: أَخْبَرَنَا وَحَدَّثَنَا وَاخْتِلَافِهِمْ فِي ذَلِكَ وَفِي الْإِجَازَةِ وَالْمُنَاوَلَةِ

- ‌بَابٌ فِيمَنْ تَأَوَّلَ الْقُرْآنَ وَتَدَبَّرَهُ وَهُوَ جَاهِلٌ بِالسُّنَّةِ قَالَ أَبُو عُمَرَ: «أَهْلُ الْبِدَعِ أَجْمَعُ أَضْرَبُوا عَنِ السُّنَّةِ وَتَأَوَّلُوا الْكِتَابَ عَلَى غَيْرِ مَا بَيَّنَتِ السُّنَّةُ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْخُذْلَانِ وَنَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ وَالْعِصْمَةَ بِْرَحْمَتِهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم التَّحْذِيرُ عَنْ ذَلِكَ فِي

- ‌بَابُ فَضْلِ السُّنَّةِ وَمُبَايَنَتِهَا لِسَائِرِ أَقْوَالِ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ

- ‌بَابُ ذِكْرِ بَعْضِ مَنْ كَانَ لَا يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَّا وَهُوَ عَلَى وُضُوءٍ

- ‌بَابٌ فِي إِنْكَارِ أَهْلِ الْعِلْمِ مَا يَجِدُونَهُ مِنَ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ

الفصل: ‌باب حكم قول العلماء بعضهم في بعض

‌بَابُ حُكْمِ قَوْلِ الْعُلَمَاءِ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ

ص: 1087

2120 -

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ، قِرَاءَةً مِنِّي عَلَيْهِ أَنَّ قَاسِمَ بْنَ أَصْبَغَ، حَدَّثَهُمْ ثنا ابْنُ وَضَّاحٍ، نا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ حَرْبِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي يَعِيشُ بْنُ الْوَلِيدِ مَوْلًى لِلزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ، حَدَّثَهُ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمُ الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ، الْبَغْضَاءُ هِيَ الْحَالِقَةُ لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعْرَ وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِمَا يُثَبِّتُ ذَلِكَ لَكُمْ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ»

ص: 1087

2121 -

وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ، ثنا وَهْبُ بْنُ مَسَرَّةَ، ثنا ابْنُ وَضَّاحٍ، ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، وَهِشَامٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ يَعِيشَ بْنِ الْوَلِيدِ، عَنْ مَوْلًى لِلزُّبَيْرِ، عَنِ الزُّبَيْرِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمُ الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ» فَذَكَرَ الْحَدِيثَ

ص: 1090

2122 -

وَحَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ سَعِيدٍ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ، ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ح، وَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ قَالَ: أنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ جَامِعٍ، ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخُزَاعِيُّ، نا مُوسَى بْنُ خَلَفٍ الْعَمِّيُّ، ثنا يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ يَعِيشَ مَوْلَى لِلزُّبَيْرِ، عَنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمُ الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ، هِيَ الْحَالِقَةُ لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعْرَ وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِمَا يُثَبِّتُ ذَلِكَ لَكُمْ، أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ» وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ جَامِعٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ سَوَاءً

ص: 1090

2123 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ خَلَفُ بْنُ الْقَاسِمِ، ثنا أَبُو عَلِيٍّ سَعِيدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ السَّكَنِ، ثنا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّافِقِيُّ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَلَّامٍ، ثنا بَشِيرُ بْنُ زَادَانَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ السَّكَنِ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:

⦗ص: 1091⦘

«اسْتَمِعُوا عِلْمَ الْعُلَمَاءِ وَلَا تُصَدِّقُوا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُمْ أَشَدُّ تَغَايُرًا مِنَ التِّيُوسِ فِي زُرُوبِهَا»

2124 -

وَرَوَى أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ، نا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الرَّافِقِيُّ، نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَامٍ، نا بَشِيرُ بْنُ زَادَانَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ السَّكَنِ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: اسْتَمِعُوا، فَذَكَرَهُ حَرْفًا بِحَرْفٍ إِلَى آخِرِهِ

ص: 1090

2125 -

وَرَوَى مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ، وَعَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:«خُذُوا الْعِلْمَ حَيْثُ وَجَدْتُمْ وَلَا تَقْبَلُوا قَوْلَ الْفُقَهَاءِ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ؛ فَإِنَّهُمْ يَتَغَايَرُونَ تَغَايُرَ التِّيُوسِ فِي الزَّرِيبَةِ»

ص: 1091

2126 -

حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ،

⦗ص: 1092⦘

وَنا سَعِيدُ بْنُ عُثْمَانَ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ دُحَيْمٍ، ثنا أَبُو عِيسَى أَحْمَدُ بْنُ مَحْمُودٍ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْوَرَّاقُ قَالَا: نا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: نا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ دِينَارٍ يَقُولُ: «يُؤْخَذُ بِقَوْلِ الْعُلَمَاءِ وَالْقُرَّاءِ فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا قَوْلَ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ؛ فَلَهُمْ أَشَدُّ تَحَاسُدًا مِنَ التِّيُوسِ، تُنْصَبُ لَهُمُ الشَّاةُ الضَّارِبُ فَيَنِيبُهَا هَذَا مِنْ هَاهُنَا وَهَذَا مِنْ هَاهُنَا» وَقَالَ سَعِيدٌ فِي حَدِيثِهِ: «فَإِنِّي وَجَدْتُهُمْ أَشَدَّ تَحَاسُدًا مِنَ التِّيُوسِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ»

ص: 1091

2127 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، نا قَاسِمٌ، نا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ شُجَاعٍ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ قَوْذَرٍ، عَنْ كَعْبٍ قَالَ:" قَالَ مُوسَى عليه السلام: يَا رَبِّ أَيُّ عِبَادِكَ أَعْلَمُ؟ قَالَ: عَالِمٌ غَرْثَانُ مِنَ الْعِلْمِ، وَيُوشِكُ أَنْ تَرَوْا جُهَّالَ النَّاسِ يَتَبَاهَوْنَ بِالْعِلْمِ وَيَتَغَايَرُونَ عَلَيْهِ كَمَا تَتَغَايَرُ النِّسَاءُ عَلَى الرِّجَالِ فَذَاكَ حَظُّهُمْ مِنْهُ "

ص: 1092

2128 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَحْيَى، ثنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ، ثنا سُحْنُونُ، ثنا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: «الْعُلَمَاءُ كَانُوا فِيمَا مَضَى مِنَ الزَّمَانِ إِذَا لَقِيَ الْعَالِمُ مَنْ هُوَ فَوْقَهُ فِي الْعِلْمِ كَانَ ذَلِكَ يَوْمَ غَنِيمَةٍ وَإِذَا لَقِيَ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ ذَاكَرَهُ، وَإِذَا لَقِيَ مَنْ هُوَ دُونَهُ لَمْ يُزْهَ عَلَيْهِ، حَتَّى كَانَ هَذَا الزَّمَانُ فَصَارَ الرَّجُلُ يَعِيبُ مَنْ هُوَ فَوْقَهُ ابْتِغَاءَ أَنْ يَنْقَطِعَ مِنْهُ حَتَّى يَرَى النَّاسُ أَنَّهُ لَيْسَ بِهِ حَاجَةٌ إِلَيْهِ وَلَا يُذَاكِرُ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ وَيُزْهَى عَلَى مَنْ هُوَ دُونَهُ فَهَلَكَ النَّاسُ» قَالَ أَبُو عُمَرَ رحمه الله: " قَدْ غَلَطَ فِيهِ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَضَلَّتْ فِيهِ نَابِتَةٌ جَاهِلَةٌ لَا تَدْرِي مَا عَلَيْهَا فِي ذَلِكَ، وَالصَّحِيحُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ مَنَ صَحَّتْ عَدَالَتُهُ وَثَبَتَتْ فِي الْعِلْمِ إِمَامَتُهُ وَبَانَتْ ثِقَتُهُ وَبِالْعِلْمِ عِنَايَتُهُ لَمْ يُلْتَفَتْ فِيهِ إِلَى قَوْلِ أَحَدٍ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَ فِي جَرْحَتِهِ بِبَيِّنَةٍ عَادِلَةٍ يَصِحُّ بِهَا جَرْحَتُهُ عَلَى طَرِيقِ الشَّهَادَاتِ وَالْعَمَلِ فِيهَا مِنَ الْمُشَاهَدَةِ وَالْمُعَايَنَةِ لِذَلِكَ بِمَا يُوجِبُ تَصْدِيقَهُ فِيمَا قَالَهُ لِبَرَاءَتِهِ مِنَ الْغِلِّ وَالْحَسَدِ وَالْعَدَاوَةِ وَالْمُنَافَسَةِ وَسَلَامَتِهِ مِنْ ذَلَكَ كُلِّهِ، فَذَلَكَ كُلُّهُ يُوجِبُ قَبُولَ قَوْلِهِ مِنْ

⦗ص: 1094⦘

جِهَةِ الْفِقْهِ وَالنَّظَرِ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ تَثْبُتُ إِمَامَتُهُ وَلَا عُرِفَتْ عَدَالَتُهُ وَلَا صَحَّتْ لِعَدَمِ الْحِفْظِ وَالْإِتْقَانِ رِوَايَتُهُ، فَإِنَّهُ يُنْظَرُ فِيهِ إِلَى مَا اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَيْهِ وَيُجْتَهَدُ فِي قَبُولِ مَا جَاءَ بِهِ عَلَى حَسَبِ مَا يُؤَدِّي النَّظَرُ إِلَيْهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ فِيمَنِ اتَّخَذَهُ جُمْهُورٌ مِنْ جَمَاهِيرِ الْمُسْلِمِينَ إِمَامًا فِي الدِّينِ قَوْلُ أَحَدٍ مِنَ الطَّاعِنِينَ: إِنَّ السَّلَفَ رضي الله عنهم قَدْ سَبَقَ مِنْ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ كَلَامٌ كَثِيرٌ، مِنْهُ فِي حَالِ الْغَضَبِ وَمِنْهُ مَا حُمِلَ عَلَيْهِ الْحَسَدُ، كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمَالِكُ بْنُ دِينَارٍ، وَأَبُو حَازِمٍ، وَمِنْهُ عَلَى جِهَةِ التَّأْوِيلِ مِمَّا لَا يَلْزَمُ الْمَقُولُ فِيهِ مَا قَالَهُ الْقَائِلُ فِيهِ، وَقَدْ حَمَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالسَّيْفِ تَأْوِيلًا وَاجْتِهَادًا لَا يَلْزَمُ تَقْلِيدُهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ دُونَ بُرْهَانٍ وَحُجَّةٍ تُوجِبُهُ، وَنَحْنُ نُورِدُ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ قَوْلِ الْأَئِمَّةِ الْجِلَّةِ الثِّقَاتِ السَّادَّةِ، بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ مِمَّا لَا يَجِبُ أَنْ يُلْتَفَتَ فِيهِمْ إِلَيْهِ وَلَا يُعْرَجُ عَلَيْهِ، وَمَا يُوَضِّحُ صِحَّةَ مَا ذَكَرْنَا، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ "

2129 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ ثنا أَبُو كُرَيْبٍ، ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ حَمَّادٍ: " أَنَّهَ ذَكَرَ أَهْلَ الْحِجَازِ فَقَالَ: «قَدْ سَأَلْتُهُمْ فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ شَيْءٌ، وَاللَّهِ لَصِبْيَانُكُمْ أَعْلَمُ مِنْهُمْ بَلْ صِبْيَانُ صِبْيَانِكُمْ»

ص: 1093

2130 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ نا أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ نا مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ يَزِيدَ نا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ نا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ مُغِيرَةَ قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ مِنْ مَكَّةَ فَأَتَينَاهُ لِنُسَلِّمَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَنَا «احْمَدُوا اللَّهَ يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ فَإِنِّي لَقِيتُ عَطَاءً وَطَاوُوسًا وَمُجَاهِدًا فَلَصِبْيَانِكُمْ وَصِبْيَانُ صِبْيَانِكُمْ أَعْلَمُ مِنْهُمْ»

2131 -

وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ نا قَاسِمٌ نا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ نا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ نا جَرِيرٌ عَنْ مُغِيرَةَ قَالَ: قَالَ حَمَّادٌ، لَقِيتُ عَطَاءً، وَطَاوُسًا، وَمُجَاهِدًا فَصِبْيَانُكُمْ أَعْلَمُ مِنْهُمْ، بَلْ صِبْيَانُ صِبْيَانِكُمْ قَالَ مُغِيرَةُ: هَذَا بَغْيٌ مِنْهُ قَالَ أَبُو عُمَرَ: «صَدَقَ مُغِيرَةُ وَقَدْ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ وَهُوَ أَقْعُدُ النَّاسِ بِحَمَّادٍ يُفَضِّلُ عَطَاءً عَلَيْهِ»

2132 -

وَذَكَرَ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ قَالَ حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ مُخَلَّدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا حَنِيفَةَ يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ أَفْضَلَ مِنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ

⦗ص: 1096⦘

2133 -

وَحَكَى أَبُو يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ أَنَّهُ سَمَعَ أَبَا حَنِيفَةَ يَقُولُهُ فِي عَطَاءٍ

2134 -

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: مَالَكَ لَا تَرْوِي عَنْ عَطَاءِ؟ قَالَ: لِأَنِّي رَأَيْتُهُ يَفْتِي بِالْمُتْعَةِ وَقِيلَ لَهُ مَالَكَ: لَا تَرْوِي عَنْ نَافِعٍ؟ فَقَالَ: رَأَيْتُهُ يَفْتِي بِإِتْيَانِ النِّسَاءِ فِي أَعْجَازِهِنَّ فَتَرَكْتُهُ

2135 -

حَدَّثَنَا حَكَمُ بْنُ مُنْذِرٍ، نا يُوسُفُ بْنُ أَحْمَدَ، نا أَبُو رَجَاءٍ مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ الْمُقْرِئُ، ثنا عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، ثنا أَبُو عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا حَنِيفَةَ يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ أَفْضَلَ مِنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ "

2136 -

وَحَدَّثَنَا حَكَمُ بْنُ مُنْذِرٍ، نا يُوسُفُ بْنُ أَحْمَدَ نا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ خَدَّامٍ الْفَقِيهُ الْعَبْدُ الصَّالِحُ، ثنا شُعَيْبُ بْنُ أَيُّوبَ الصَّيْرَفِيُّ، سَنَةَ سِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا يَحْيَى الْحِمَّانِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا حَنِيفَةَ يَقُولُ: «مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَفْضَلَ مِنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَلَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَكْذَبَ مِنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ»

⦗ص: 1097⦘

2137 -

حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ أَحْمَدَ نا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ نا نُعَيْمٍ نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ: قَالَ: رَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ لِلزُّهْرِيِّ لَوْ جَلَسْتَ لِلنَّاسِ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَقِيَّةِ عُمُرِكَ قَالَ فَقَالَ رَجُلٌ لِلزُّهْرِيِّ إِمَّا إِنَّهُ لَا يَشْتَهِي أَنْ يَرَاكَ فَقَالَ الزُّهْرِيُّ أَمَّا إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ أَفْعَلَ ذَلَكَ حَتَّى أَكُونَ زَاهِدًا فِي الدُّنْيَا رَاغِبًا فِي الْأَخِرَةِ

2138 -

وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: تَرَكْتَ الْمَدِينَةَ وَلَزَمْتُ شَغْبًا وَإِدَامًا وَتَرَكْتُ الْعُلَمَاءَ بِالْمَدِينَةِ يَتَامَى فَقَالَ: أَفْسَدَهَا عَلَيْنَا الْعَبْدَانِ رَبِيعَةُ وَأَبُو الزِّنَادِ

ص: 1095

2139 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ نا أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ نا مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ نا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ عْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنِ إِسْحَاقَ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ أَشْعَثَ قَالَ: بَعَثَنِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى الْعِرَاقِ فَقَالَ «أَقْرِئْهُمْ وَلَا تَسْتَقْرِئْهُمْ وَحَدِّثْهِمْ وَلَا تَسْمَعُ مِنْهُمْ وَعَلِّمْهُمْ وَلَا تَتَعَلَّمُ مِنْهُمْ»

ص: 1097

2140 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ نا مُحَمَّدِ بْنِ بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّازِقِ ثنا أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانَ بْنِ الْأَشْعَثِ ثنا مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ: نا الْوَلِيدُ قَالَ سَمِعْتُ الْأَوْزَاعِيِّ يَقُولُ «كَانُوا يَسْتَحْيُونَ أَنْ يَتَحَدَّثُوا بِأَحَادِيثَ فَضَائِلَ أَهْلِ الْبَيْتِ لِيَرُدُّوا أَهْلَ الشَّامِ عَمَّا كَانُوا يَأْخُذُونَ فِيهِ»

ص: 1098

2141 -

وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ، نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، نا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، ثنا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ:«مَا رَأَيْتُ قَوْمًا أَنْقَضَ لِعُرَى الْإِسْلَامِ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَلَا رَأَيْتُ قَوْمًا أَشْبَهَ بِالنَّصَارَى مِنَ السَّبَائِيَّةِ» قَالَ أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ: يَعْنِي الرَّافِضَةَ قَالَ أَبُو عُمَرَ رحمه الله: فَهَذَا حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَهُوَ فَقِيهُ الْكُوفَةِ بَعْدَ النَّخَعِيِّ الْقَائِمُ بِفَتْوَاهَا، وَهُوَ مُعَلِّمُ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الَّذِي قَالَ فِيهِ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ حِينَ قِيلَ لَهُ: مَنْ يُسْأَلُ بَعْدَكَ؟ قَالَ: حَمَّادٌ وَقَعَدَ مَقْعَدَهُ بَعْدَهُ يَقُولُ فِي عَطَاءٍ

⦗ص: 1099⦘

وَطَاوُسٍ وَمُجَاهِدٍ وَهُمْ عِنْدَ الْجَمِيعِ أَرْضَى مِنْهُ وَأَعْلَمُ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ وَأَرْضَى مِنْهُ حَالًا عِنْدَ النَّاسِ وَفَوْقَهُ فِي كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُنْسَبْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ إِلَى الْإِرْجَاءِ، وَقَدْ نُسِبَ إِلَيْهِ حَمَّادٌ هَذَا وَعِيبَ بِهِ، وَعَنْهُ أَخَذَهُ أَبُوحَنِيفَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَهَذَا ابْنُ شِهَابٍ قَدْ أَطْلَقَ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ فِي زَمَانِهِ أَنَّهُمْ يَنْقُضُونَ عُرَى الْإِسْلَامِ مَا اسْتَثْنَى مِنْهُمْ أَحَدًا، وَفِيهِمْ مِنْ جِلَّةِ الْعُلَمَاءِ مَنْ لَا خِفَاءَ لِجَلَالَتِهِ فِي الدِّينِ وَأَظُنُّ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ لِمَا رُوِيَ عَنْهُمْ فِي الصَّرْفِ وَمُتْعَةِ النِّسَاءِ "

2142 -

وَذَكَرَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ قَالَ: نا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ الشَّعْبِيِّ فَذَكَرُوا إِبْرَاهِيمَ فَقَالَ: ذَاكَ رَجُلٌ يَخْتَلِفُ إِلَيْنَا لَيْلًا وَيُحَدِّثُ النَّاسَ نَهَارًا، قَالَ: فَأَتَيْتُ إِبْرَاهِيمَ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: ذَاكَ يُحَدِّثُ عَنْ مَسْرُوقٍ، وَاللَّهِ مَا سَمِعَ مِنْهُ شَيْئًا قَطُّ "

2143 -

قَالَ الْحَسَنُ وَنا أَبُوزَيْدٍ الْهَرَوِيِّ قَالَ سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُولُ لَمْ يَسْمَعْ إِبْرَاهِيمُ مِنْ مَسْرُوقٍ شَيْئًا قَطُّ

⦗ص: 1100⦘

2144 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ: نا أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ، ثنا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى، ثنا قَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ قَالَ: ذُكِرَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ عِنْدَ الشَّعْبِيِّ فَقَالَ: ذَاكَ الْأَعْوَرُ الَّذِي يَسْتَفْتِي بِاللَّيْلِ، وَيَجْلِسُ يُفْتِي النَّاسَ بِالنَّهَارِ " قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِإِبْرَاهِيمَ فَقَالَ: ذَلِكَ الْكَذَّابُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ مَسْرُوقٍ شَيْئًا "

2145 -

وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ هَذَا الْخَبَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي كِتَابِ أَبِي مُعَاوِيَةَ فَسَأَلْنَاهُ عَنْهُ فَأَبَى أَنْ يُحَدِّثَنَا بِهِ " قَالَ أَبُو عُمَرَ: «مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَكُونَ الشَّعْبِيُّ كَذَّابًا بَلْ هُوَ إِمَامٌ جَلِيلٌ، وَالنَّخْعِيُّ مِثْلُهُ جَلَالَةً وَعِلْمًا وَدِينًا وَأَظُنُّ الشَّعْبِيَّ عُوقِبَ لِقَوْلِهِ فِي الْحَارِثِ الْهَمْدَانِيِّ، حَدَّثَنِي الْحَارِثُ وَكَانَ أَحَدَ الْكَذَّابِينَ وَلَمْ يَبِنْ مِنَ الْحَارِثِ كَذِبٌ وَإِنَّمَا نُقِمَ عَلَيْهِ إِفْرَاطُهُ فِي حُبِّ عَلِيٍّ رضي الله عنه وَتَفْضِيلُهُ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ، وَمِنْ هَا هُنَا وَاللَّهَ أَعْلَمُ كَذَّبَهُ الشَّعْبِيُّ؛ لِأَنَّ الشَّعْبِيَّ يَذْهَبُ إِلَى تَفْضِيلِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه وَإِلَى أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ» ، وَتَفْضِيلِ عُمَرَ رضي الله عنه

2146 -

وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: «مَا عَلِمَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ بِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَإِنَّمَا كَانَا غُلَامَيْنِ صَغِيرَيْنِ»

⦗ص: 1101⦘

2147 -

وَذَكَرَ الْمَرْوَزِيُّ فِي كِتَابِ الِانْتِفَاعِ بِجُلُودِ الْمَيْتَةِ فِي قِصَّةِ عِكْرِمَةَ ذَبًّا عَنْهُ وَدَفْعًا لِمَا قِيلَ فِيهِ مَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي بَابِنَا هَذَا، فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ ذَكَرَ حَدِيثَ سَمُرَةَ أَنَّهُ قَالَ: كَانَتْ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سَكْتَتَانِ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَ قِرَاءَتِهِ فَبَلَغَ ذَلِكَ عِمْرَانَ بْنَ الْحُصَيْنِ فَقَالَ: كَذَبَ سَمُرَةُ وَكَتَبُوا إِلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَكَتَبَ أَنْ صَدَقَ سَمُرَةُ، وَهَذَا الْحَدِيثُ مَشْهُورٌ جِدًّا

2148 -

وَمِثْلُهُ مَا قَالَ الْمَرْوَزِيُّ "

ص: 1098

2148 -

نا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ، وَأَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَا: أنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ طَاوُسٍ قَالَ:" كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: إِنَّ الْوِتْرَ لَيْسَ بِحَتْمٍ فَخُذُوا مِنْهُ" أَوْ دَعُوا فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: كَذَبَ أَبُو هُرَيْرَةَ، جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَهُ عَنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ فَقَالَ:«مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خَشِيتَ الصُّبْحَ فَوَاحِدَةٌ»

⦗ص: 1102⦘

2149 -

وَخَطَّأَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها ابْنَ عُمَرَ فِي عَدَدِ عُمَرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم،

2150 -

وَفِي أَنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي كِتَابِ التَّمْهِيدِ، وَقَدْ كَانَ بَيْنَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَجِلَّةِ الْعُلَمَاءِ عِنْدَ الْغَضَبِ كَلَامٌ هُوَ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا، وَلَكِنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ وَالْفَهْمِ وَالْفِقْهِ لَا يَتَلَفَّتُونَ إِلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ بَشَرٌ يَغْضَبُونَ وَيَرْضَوْنَ، وَالْقَوْلُ فِي الرِّضَا غَيْرُ الْقَوْلِ فِي الْغَضَبِ،

2151 -

وَلَقَدْ أَحْسَنَ الْقَائِلُ: لَا تَعْرِفُ الْحَكِيمَ إِلَّا سَاعَةَ الْغَضَبِ" وَمِنْ أَشْنَعِ شَيْءٍ رُوِيَ فِي، هَذَا الْبَابِ وَأَشَدِّهِ نَوْطًا وَجَهْلًا مَا

2152 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ، ثنا الْقَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ، ثنا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ، ثنا ضَمْرَةُ، عَنِ ابْنِ شَوْذَبٍ قَالَ:" كَانَ الضَّحَّاكُ بْنُ مُزَاحِمٍ يَكْرَهُ الْمِسْكَ فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم كَانُوا يَتَطَيَّبُونَ بِهِ قَالَ: نَحْنُ أَعْلَمُ مِنْهُمْ"

⦗ص: 1103⦘

2153 -

وَذَكَرَ الْمَرْوَزِيُّ ، ثنا الْحُلْوَانِيُّ، ثنا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، ثنا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ أَيُّوبَ قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا عِكْرِمَةُ فَلَمْ يَزَلْ يُحَدِّثُنَا حَتَّى صِرْتُ بِالْمِرْبَدِ ثُمَّ قَالَ: أَيُحْسِنُ حَسَنُكُمْ مِثْلَ هَذَا" قَالَ أَبُو عُمَرَ: «وَقَدْ عَلِمَ النَّاسُ أَنَّ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ يُحْسِنُ أَشْيَاءَ لَا يُحْسِنُهَا عِكْرِمَةُ وَإِنْ كَانَ عِكْرِمَةُ مُقَدَّمًا عِنْدَهُمْ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ وَالسِّيَرِ»

2154 -

وَقِيلَ لِعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ: إِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنه يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَبِثَ بِمَكَّةَ بَعْدَ أَنْ بُعِثَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَقَالَ: كَذَبَ إِنَّمَا أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِ الشَّاعِرِ"

2155 -

قَالَ أَبُو عُمَرَ: " وَالشَّاعِرُ هُوَ أَبُو قَيْسٍ صِرْمَةُ بْنُ أَنَسٍ الْأَنْصَارِيُّ وَيُقَالُ ابْنُ أَبِي أَنَسٍ هُوَ الْقَائِلُ:

[البحر الطويل]

ثَوَى فِي قُرَيْشٍ بِضْعَ عَشْرَةَ حِجَّةً

يُذَكِّرُ لَوْ يَلْقَى صَدِيقًا مُوَاتِيَا

2156 -

وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الْعُمْرَةِ: هِيَ وَاجِبَةٌ فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ الشَّعْبِيَّ يَقُولُ: لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ فَقَالَ: كَذَبَ الشَّعْبِيُّ"

2157 -

وَعَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رضي الله عنه، أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ، عز وجل {وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ} [البروج: 3] فَأَجَابَ فِيهِ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ ابْنَ

⦗ص: 1104⦘

عُمَرَ وَابْنَ الزُّبَيْرِ قَالَا كَذَا وَكَذَا خِلَافَ قَوْلِهِ فَقَالَ: كَذَبَا"

2158 -

وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، أَنَّهُ قَالَ: كَذَبَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ"

2159 -

وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، أَنَّهُ قَالَ: كَذَبَ أَبُو مُحَمَّدٍ يَعْنِي فِي وُجُوبِ الْوِتْرِ" وَأَبُو مُحَمَّدٍ هَذَا اسْمُهُ مَسْعُودُ بْنُ أَوْسٍ الْأَنْصَارِيُّ بَدْرِيٌّ قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الصَّحَابَةِ وَنَسَبْنَاهُ، وَتَكْذِيبُ عُبَادَةَ لَهُ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ فِي قِصَّةِ الْوِتْرِ وَاسْتَشْهَدَ عُبَادَةُ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ» الْحَدِيثَ"

2160 -

قَالَ الْمَرْوَزِيُّ: وَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، ثنا مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ عَنْ رَجُلٍ نَذَرَ نَذْرًا لَا يَنْبَغِي لَهُ مِنَ الْمَعَاصِي فَأَمَرَهُ أَنْ يُوَفِّيَ بِنَذْرِهِ، قَالَ: فَسَأَلَ الرَّجُلُ عِكْرِمَةَ فَأَمَرَهُ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْ يَمِينِهِ وَلَا يُوَفِّيَ بِنَذْرِهِ فَرَجَعَ الرَّجُلُ إِلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فَأَخْبَرَهُ بِقَوْلِ عِكْرِمَةَ فَقَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ: لَيَنْتَهِيَنَّ عِكْرِمَةُ أَوْ لَيُوجِعَنِ الْأُمَرَاءُ ظَهْرَهُ فَرَجَعَ الرَّجُلُ إِلَى عِكْرِمَةَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ عِكْرِمَةُ: أَمَّا إِذْ أَبْلَغْتَنِي فَبَلِّغْهُ، أَمَّا هُوَ فَقَدْ ضَرَبَ الْأُمَرَاءُ ظَهْرَهُ وَأَوْقَفُوهُ فِي تَبَّانٍ مِنْ شَعْرٍ،

⦗ص: 1105⦘

وَسَلْهُ عَنْ نَذْرِكَ أَطَاعَةٌ هُوَ لِلَّهِ أَمْ مَعْصِيَةٌ؟ فَإِنْ قَالَ: هُوَ طَاعَةٌ فَقَدْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَكُونُ مَعْصِيَةُ اللَّهِ طَاعَةً، وَإِنْ قَالَ: هُوَ مَعْصِيَةٌ فَقَدْ أَمَرَكَ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ"

2161 -

قَالَ الْمَرْوَزِيُّ: فَلِهَذَا كَانَ بَيْنَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَبَيْنَ عِكْرِمَةَ مَا كَانَ حَتَّى قَالَ فِيهِ مَا حُكِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِغُلَامِهِ بُرْدٍ: لَا تَكْذِبْ عَلَيَّ كَمَا كَذَبَ عِكْرِمَةُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ

2162 -

قَالَ: وَكَذَلِكَ كَانَ كَلَامُ مَالِكٍ فِي مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ لِشَيْءٍ بَلَغَهُ عَنْهُ تَكَلَّمَ بِهِ فِي نَسَبِهِ وَعِلْمِهِ" قَالَ أَبُو عُمَرَ: " وَالْكَلَامُ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ وُجُوهٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ، أَنَّهُ قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ فَذَكَرْنَا لَهُ شَيْئًا عَنْ مَالِكٍ، فَقَالَ: هَاتُوا عِلْمَ مَالِكٍ فَأَنَا بَيْطَارُهُ، قَالَ ابْنُ إِدْرِيسَ: فَلَمَّا قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِمَالِكٍ فَقَالَ: ذَاكَ دَجَّالُ مِنَ الدَّجَاجِلَةِ، نَحْنُ أَخْرَجْنَاهُ مِنَ الْمَدِينَةِ، قَالَ ابْنُ إِدْرِيسَ: وَمَا كُنْتُ سَمِعْتُ بِجَمْعِ دَجَّالٍ قَبْلَهَا يَعْنِي عَلَى ذَلِكَ الْجَمْعِ، وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ يَقُولُ فِيهِ: إِنَّهُ مَوْلًى لِبَنِي تَيْمِ قُرَيْشٍ وَقَالَهُ فِيهِ ابْنُ شِهَابٍ أَيْضًا؛ فَكَذَّبَ مَالِكٌ ابْنَ إِسْحَاقَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ أَعْلَمَ بِنَسَبِهِ نَفْسَهُ، وَإِنَّمَا هُمْ خُلَفَاءُ لِبَنِي تَيْمٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ وَأَوْضَحْنَاهُ فِي صَدْرِ كِتَابِ التَّمْهِيدِ، وَرُبَّمَا كَانَ تَكْذِيبُ مَالِكٍ لِابْنِ إِسْحَاقَ فِي تَشَيُّعِهِ وَمَا نُسِبَ إِلَيْهِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْقَدَرِ، وَأَمَّا الصِّدْقُ وَالْحِفْظُ فَكَانَ صَدُوقًا حَافِظًا أَثْنَى عَلَيْهِ ابْنُ شِهَابٍ وَوَثَّقَهُ شُعْبَةُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، وَجَمَاعَةٌ جُلَّةٌ،

⦗ص: 1106⦘

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: مِنْ أَيْنَ قُلْتَ فِي مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ أَنَّهُ كَذَّابٌ؟ فَقَالَ: سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ عُرْوَةَ يَقُولُهُ، وَهَذَا تَقْلِيدٌ لَا بُرْهَانَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ لِهِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ: مِنْ أَيْنَ قُلْتُ ذَلِكَ؟ قَالَ: هُوَ يَرْوِي عَنِ امْرَأَتِي وَوَاللَّهِ مَا رَآهَا قَطُّ، قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عِنْدَ ذِكْرِهِ هَذِهِ الْحِكَايَةِ: قَدْ يُمْكِنُ ابْنُ إِسْحَاقَ أَنْ يَرَاهَا أَوْ يَسْمَعَ مِنْهَا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَعْلَمْ هِشَامٌ"

2163 -

أَخْبَرَنَا خَلَفُ بْنُ الْقَاسِمِ، ثنا أَبُو الْمَيْمُونِ الْبَجَلِيُّ، ثنا أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادَ بْنِ سَمْعَانَ، فَقَالَ: ثِقَةٌ، فَقُلْتُ: إِنَّ مَالِكًا يَقُولُ فِيهِ كَذَّابٌ فَقَالَ: لَا يُقْبَلُ قَوْلُ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ"

2164 -

أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نا مَسْلَمَةُ بْنُ الْقَاسِمِ، نا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى، نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ فَيْرُوزَ، نا عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ قَالَ: سَمِعْتُ الْفَضْلَ بْنَ مُوسَى يَقُولُ: دَخَلْتُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى الْأَعْمَشِ نَعُودُهُ فَقَالَ لَهُ أَبُو حَنِيفَةَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، لَوْلَا التَّثْقِيلُ عَلَيْكَ لَتَرَدَّدْتُ فِي عِيَادَتِكَ أَوْ قَالَ: لَعُدْتُكَ أَكْثَرَ مِمَّا أَعُودُكَ، فَقَالَ لَهُ الْأَعْمَشُ: وَاللَّهِ إِنَّكَ لَثَقِيلٌ وَأَنْتَ فِي بَيْتِكَ فَكَيْفَ إِذَا دَخَلْتَ عَلَيَّ؟ قَالَ الْفَضْلُ: فَلَمَّا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنَّ الْأَعْمَشَ لَمْ يَصُمْ رَمَضَانَ قَطُّ وَلَمْ يَغْتَسِلْ مِنْ جَنَابَةٍ، فَقُلْتُ لِلْفَضْلِ: مَا يَعْنِي بِذَلِكَ؟ قَالَ: كَانَ الْأَعْمَشُ يَرَى الْمَاءَ مِنَ الْمَاءِ

⦗ص: 1107⦘

وَيَتَسَحَّرُ عَلَى حَدِيثِ حُذَيْفَةَ"

ص: 1101

2165 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، نا أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ، ثنا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، ثنا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ:

⦗ص: 1108⦘

قَالَ مَالِكٌ، وَذُكِرَ عِنْدَهُ أَهْلُ الْعِرَاقِ فَقَالَ: " أَنْزِلُوهُمْ عِنْدَكُمْ بِمَنْزِلَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ لَا تُصَدِّقُوهُمْ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ، وَقُولُوا {آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ} [العنكبوت: 46] «الْآيَةَ»

2166 -

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ وَنا هِلَالَ بْنِ الْعَلَاءِ ثنا أَبُو يُوسُفَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّيْدَلَانِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، أَنَّهَ دَخَلَ عَلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ يَوْمًا فَسَمِعَهُ يَقُولُ هَذِهِ الْمَقَالَةَ الَّتِي حَكَاهَا عَنْهُ ابْنُ وَهْبٍ فِي أَهْلِ الْعِرَاقِ قَالَ: ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَنَظَرَ مِنِّي فَكَأَنَّهُ اسْتَحْيَا وَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَكْرَهُ أَنْ تَكُونَ غِيبَةً، كَذَلِكَ أَدْرَكْتُ أَصْحَابَنَا يَقُولُونَ

2167 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ نا أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ نا مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ نا هِلَالَ بْنِ الْعَلَاءِ نا حُسَيْنُ بْنُ سَعِيدٍ التُّونَهَارِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ يقول: كُنْتُ عِنْدَ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ فَأَقْبَلَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ فَقَالَ: {تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا} [الحج: 72] "

2168 -

وَرَوَى أَبُو سَلَمَةَ مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ التَّبُوذَكِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ جُبَيْرَ بْنَ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: «لَا يَزَالُ أَهْلُ الْبَصْرَةِ بِشَرٍّ مَا أَبْقَى اللَّهُ فِيهِمْ قَتَادَةَ»

⦗ص: 1109⦘

2169 -

قَالَ: وَسَمِعْتُ قَتَادَةَ يَقُولُ: مَتَى كَانَ الْعِلْمُ فِي السَّمَّاكِينَ؟ يُعَرِّضُ بِيَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ وَكَانَ أَهْلُ بَيْتِهِ سَمَّاكِينَ"

2170 -

وَذَكَرَ أَبُو يَعْقُوبَ يُوسُفُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَكِّيُّ ، ثنا جَعْفَرُ بْنُ إِدْرِيسَ الْمُقْرِيُ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي يَحْيَى، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ قَالَ: سَمِعْتُ لَيْثَ بْنَ طَلْحَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ سَلَمَةَ بْنَ سُلَيْمَانَ يَقُولُ: قُلْتُ لِابْنِ الْمُبَارَكِ: وَضَعْتَ مِنْ رَأْيِ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَمْ تَضَعْ مِنْ رَأْيِ مَالِكٍ قَالَ: لَمْ أَرَهْ عَلَمًا «وَهَذَا مِمَّا ذَكَرْنَا مِمَّا لَا يُسْمَعُ مِنْ قَوْلِهِمْ وَلَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ وَلَا يُعَرَّجُ عَلَيْهِ»

2171 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ بِشْرٍ، ثنا ابْنُ أَبِي دُلَيْمٍ، ثنا ابْنُ وَضَّاحٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْمِصْرِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ وَهْبٍ يَقُولُ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَأَجَابَ فِيهَا فَقَالَ لَهُ السَّائِلُ: إِنَّ أَهْلَ الشَّامِ يُخَالِفُونَكَ فِيهَا فَيَقُولُونَ كَذَا وَكَذَا قَالَ: وَمَتَى كَانَ هَذَا الشَّأْنُ بِالشَّامِ؟ إِنَّمَا هَذَا الشَّأْنُ وَقْفٌ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ" وَهَذَا خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ فِي أَهْلِ الْكُوفَةِ وَأَهْلِ الْعِرَاقِ وَخِلَافُ الْمَعْرُوفِ منْهُ مِنْ تَفْضِيلِهِ لِلْأَوْزَاعِيِّ، وَخِلَافُ قَوْلِهِ فِي أَبِي حَنِيفَةَ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ قَبْلَ هَذَا؛ لِأَنَّ شَأْنَ الْمَسَائِلِ بِالْكُوفَةِ مَدَارُهُ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَالثَّوْرِيِّ،

2172 -

وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ غَانِمٍ: قُلْتُ لِمَالِكٍ: إِنَّا لَمُ نَكُنْ نَرَى الصُّفْرَةَ وَلَا الْكُدْرَةَ شَيْئًا وَلَا نَرَى ذَلِكَ إِلَّا فِي الدَّمِ الْعَبِيطِ، فَقَالَ مَالِكٌ: وَهَلِ الصُّفْرَةُ إِلَّا دَمٌ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ هَذَا الْبَلَدَ إِنَّمَا كَانَ الْعَمَلُ فِيهِ بِالنُّبُوَّةِ وَإِنَّ غَيْرَهُمْ إِنَّمَا الْعَمَلُ فِيهِمْ بِأَمْرِ الْمُلُوكِ، وَهَذَا مِنْ قَوْلِهِ أَيْضًا خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ وَقَدْ كَانَ أَهْلُ الْعِرَاقِ يَصِفُونَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَنَّ الْعَمَلَ عِنْدَهُمْ بِأَمْرِ الْأُمَرَاءِ مِثْلِ هِشَامِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْمَخْزُومِيِّ فِي مُدَّةٍ وَغَيْرِهِ، وَهَذَا كُلُّهُ تَحَامُلٌ مِنْ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ «

⦗ص: 1110⦘

2173 -

حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ الْقَاسِمِ ثنا الْحَسَنُ بْنُ رَشِيقٍ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدُ بْنُ زَبْرٍ الْقَاضِي بِمِصْرَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْخَلِيلِ ثنا الْأَصْمَعِيُّ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ إِسْحَاقَ السَّلُولِيُّ إِمَامُ مَسْجِدِ بَنِي سَلُولٍ قَالَ ذُكِرَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عِنْدَ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ فَقَالَ سُلَيْمَانُ وَاللَّهِ مَا كُنْتُ لِأُجِيزَ شِهَادَةَ سَعِيدٍ وَلَا شِهَادَةَ مُعَلِّمِهِ يَعْنِي قَتَادَةَ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ مِنْ أَجْلِ الْقَدَرِ»

2174 -

وَرُوِّينَا أَنَّ مَنْصُورَ بْنَ عَمَّارٍ قَصَّ يَوْمًا عَلَى النَّاسِ وَأَبُو الْعَتَاهِيَةِ حَاضِرٌ فَقَالَ: إِنَّمَا سَرَقَ مَنْصُورٌ هَذَا الْكَلَامَ مِنْ رَجُلٍ كُوفِيٍّ، فَبَلَغَ مَنْصُورًا فَقَالَ: أَبُو الْعَتَاهِيَةِ زِنْدِيقٌ. أَمَا تَرَوْنَهُ لَا يَذْكُرُ فِي شِعْرِهِ الْجَنَّةَ وَلَا النَّارَ وَإِنَّمَا يَذْكُرُ الْمَوْتَ فَقَطْ، فَبَلَغَ

⦗ص: 1111⦘

ذَلِكَ أَبَا الْعَتَاهِيَةِ فَقَالَ فِيهِ:

[البحر البسيط]

يَا وَاعِظَ النَّاسِ قَدْ أَصْبَحْتَ مُتَّهَمًا

إِذْ عِبْتَ مِنْهُمْ أُمُورًا أَنْتَ تَأْتِيهَا

كَالْمُلْبَسِ الثَّوْبِ مِنْ عُرْيٍ وَعَوْرَتُهُ

لِلنَّاسِ بَادِيَةٌ مَا إنْ يُوَارِيَهَا

وَأَعْظَمُ الْإِثْمِ بَعْدَ الشِّرْكِ نَعْلَمُهُ

فِي كُلِّ نَفْسٍ عَمَاهَا عَنْ مَسَاوِيهَا

عِرْفَانُهَا بِعُيُوبِ النَّاسِ تُبْصِرُهَا

مِنْهُمْ وَلَا تُبْصِرُ الْعَيْبَ الَّذِي فِيهَا

. فَلَمْ تَمْضِ إِلَّا أَيَّامٌ يَسِيرَةٌ حَتَّى مَاتَ مَنْصُورُ بْنُ عَمَّارٍ، فَوَقَفَ أَبُو الْعَتَاهِيَةِ عَلَى قَبْرِهِ وَقَالَ: يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ أَبَا السَّرِيِّ مَا كُنْتَ رَمَيْتَنِي بِهِ" قَالَ أَبُو عُمَرَ: «تَدَبَّرْتُ شِعْرَ أَبِي الْعَتَاهِيَةِ عِنْدَ جَمْعِي لَهُ فَوَجَدْتُ فِيهِ ذِكْرَ الْبَعْثِ وَالْمُجَازَاةِ وَالْحِسَابِ وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ»

2175 -

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَحْيَى، ثنا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ حَزْمٍ، ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى قَالَ: كُنْتُ آتِي ابْنَ الْقَاسِمِ فَيَقُولُ لِي: مِنْ أَيْنَ؟ فَأَقُولُ: مِنْ عِنْدِ ابْنِ وَهْبٍ فَيَقُولُ: اللَّهَ اللَّهَ اتَّقِ اللَّهَ فَإِنَّ أَكْثَرَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ لَيْسَ عَلَيْهَا الْعَمَلُ قَالَ: ثُمَّ آتِي ابْنَ وَهْبٍ فَيَقُولُ: مِنْ أَيْنَ؟ فَأَقُولُ مِنْ عِنْدِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَيَقُولُ: اتَّقِ اللَّهَ فَإِنَّ أَكْثَرَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ رَأْيٌ"

⦗ص: 1112⦘

2176 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، ثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ قَالَ: حدثنا سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْخٍ قَالَ: كَانَ أَبُو سَعِيدٍ الرَّازِيُّ يُمَارِي أَهْلَ الْكُوفَةِ وَيُفَضِّلُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ فَهَجَاهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَلَقَّبَهُ شَرْشِيرَ وَقَالَ: كَلْبٌ فِي جَهَنَّمَ اسْمُهُ شَرْشِيرُ. فَقَالَ:

[البحر البسيط]

عِنْدِي مَسَائِلُ لَا شَرْشِيرُ يُحْسِنُهَا

إِنْ سُئِلَ عَنْهَا وَلَا أَصْحَابُ شَرْشِيرِ

وَلَيْسَ يَعْرِفُ هَذَا الدِّينَ نَعْلَمُهُ

إِلَّا حَنِيفِيَّةٌ كُوفِيَّةُ الدُّورِ

لَا تَسْأَلْنَ مَدِينِيًا فَتُحْرِجَهُ

إِلْا عَنِ الْيَمِّ وَالْمَمْشَاةِ وَالزِّيرِ

قَالَ سُلَيْمَانُ: قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَكَتَبْتُ إِلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ قَدْ هُجِيتُمْ بِكَذَا فَأَجِيبُوا فَأَجَابَهُ رَجُلٌ مِنَ الْمَدِينَةِ فَقَالَ:

[البحر الوافر]

لَقَدْ عَجِبْتُ لِغَاو سَاقَهُ قَدْرٌ

وَكُلُّ أَمْرٍ إِذَا مَا حُمَّ مَقْدُورُ

قَالَ الْمَدِينَةُ أَرْضٌ لَا يَكُونُ بِهَا

إِلَّا الْغِنَاءُ وَإِلَّا الْيَمُّ وَالزِّيرُ

لَقَدْ كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ إِنَّ بِهَا

قَبْرَ الرَّسُولِ، وَخَيْرُ النَّاسِ مَقْبُورُ «

وَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا ذَكَرْتُ لَكَ مِنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ وَقَدْ عَلِمَ النَّاسُ فَضْلَ الْمَدِينَةِ وَأَهْلِهَا فِي الْعِلْمِ»

ص: 1107

2177 -

حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ الْقَاسِمِ، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرٍو أَبُو زُرْعَةَ، ثنا أَبُو مُسْهِرٍ، ثنا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ مُوسَى يَقُولُ: «إِذَا كَانَ فِقْهُ الرَّجُلِ حِجَازِيًّا وَأَدَبُهُ عِرَاقِيًّا فَقَدْ كَمُلَ»

2178 -

وَذَكَرَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ يَقُولُ: إِذَا وَجَدْتَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ مُجْتَمِعِينَ عَلَى أَمْرٍ فَلَا تَشُكَّ أَنَّهُ الْحَقُّ، فَرِوَايَةُ هَذَا وَشِبْهِهِ وَكِتَابُهُ أَوْلَى مِنْ رِوَايَةِ انْطِلَاقِ الْأَلْسِنَةِ فِي أَعْرَاضِ أَهْلِ الدِّيَانَاتِ وَالْفَضْلِ، وَلَكِنْ أُولُو الْفَهْمِ قَلِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ

2179 -

وَقَدْ كَانَ ابْنُ مَعِينٍ عَفَا اللَّهِ عَنْهُ يُطْلِقُ فِي أَعْرَاضِ الثِّقَاتِ الْأَئِمَّةِ لِسَانَهُ بِأَشْيَاءَ أُنْكِرَتْ عَلَيْهِ، مِنْهَا قَوْلُ: كَانَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ أَبْخَرُ الْفَمِ وَكَانَ رَجُلَ سُوءٍ، وَمِنْهَا قَوْلُهُ: كَانَ أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ شُرْطِيًّا وَفِيهَا قَوْلُهُ فِي الزُّهْرِيِّ: إِنَّهُ وَلِيَ الْخَرَاجَ لِبَعْضِ بَنِي أُمَيَّةَ وَإِنَّهُ فَقَدَ مَرَّةً مَالًا فَاتَّهَمَ بِهِ غُلَامًا لَهُ فَضَرَبَهُ فَمَاتَ مِنْ ضَرْبِهِ، وَذَكَرَ كَلَامًا خَشِنًا فِي قَتْلِهِ عَلَى ذَلِكَ غُلَامَهُ تَرَكْتُ ذِكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلِيقُ بِمِثْلِهِ وَمِنْهَا قَوْلُهُ فِي الْأَوْزَاعِيِّ: إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْجُنْدِ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرٍ مِنْ ذَلِكَ الْكِتَابِ يَكْتُبُ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الْجُنْدِ وَلَا كَرَامَةَ، وَقَالَ: حَدِيثُ الْأَوْزَاعِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَيَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ لَيْسَ بِثَبْتٍ، وَمِنْهَا قَوْلُهُ فِي طَاوُسٍ: إِنَّهُ كَانَ شِيعِيًّا، ذَكَرَ هَذَا كُلَّهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْمَوْصِلِيُّ الْحَافِظُ فِي الْأَخْبَارِ الَّتِي فِي آخِرِ كِتَابِهِ فِي

⦗ص: 1114⦘

الضُّعَفَاءِ عَنِ الْغِلَابِيِّ عَنِ ابْنِ مَعِينٍ، وَقَدْ رَوَاهُ مُفْتَرِقًا جَمَاعَةٌ عَنِ ابْنِ مَعِينٍ مِنْهُمْ عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ وَغَيْرُهُ، وَمِمَّا نُقِمَ عَلَى ابْنِ مَعِينٍ وَعِيبَ بِهِ أَيْضًا قَوْلُهُ فِي الشَّافِعِيِّ: إِنَّهُ لَيْسَ بِثِقَةٍ وَقِيلَ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: إِنَّ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ يَتَكَلَّمُ فِي الشَّافِعِيِّ فَقَالَ أَحْمَدُ: وَمِنْ أَيْنَ يَعْرِفُ يَحْيَى الشَّافِعِيَّ هُوَ لَا يَعْرِفُ الشَّافِعِيَّ وَلَا يَعْرِفُ مَا يَقُولُ الشَّافِعِيُّ؟ أَوْ نَحْوَ هَذَا وَمَنْ جَهِلَ شَيْئًا عَادَاهُ، قَالَ أَبُو عُمَرَ رحمه الله: " صَدَقَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رحمه الله، إِنَّ ابْنَ مَعِينٍ كَانَ لَا يَعْرِفُ مَا يَقُولُ الشَّافِعِيُّ رحمه الله وَقَدْ حُكِيَ عَنِ ابْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ مِنَ التَّيَمُّمِ فَلَمْ يَعْرِفْهَا

2180 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ، نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، نا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ قَالَ: سُئِلَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَأَنَا حَاضِرٌ، عَنْ رَجُلٍ خَيَّرَ امْرَأَتَهُ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَقَالَ: " سَلْ عَنْ هَذَا أَهْلَ الْعِلْمِ

2181 -

وَلَقَدْ أَحْسَنَ أَكْثَمُ بْنُ صَيْفِيٍّ فِي قَوْلِهِ: «وَيْلٌ لِعَالِمِ أَمْرٍ مِنْ جَاهِلِهِ، مَنْ جَهِلَ شَيْئًا عَادَاهُ، وَمَنْ أَحَبَّ شَيْئًا اسْتَعْبَدَهُ»

2182 -

وَقَدْ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ الْأَمِيرُ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ النَّاصِرُ يَقُولُ:

⦗ص: 1115⦘

إِنَّ ابْنَ وَضَّاحٍ كَذَبَ عَلَى ابْنِ مَعِينٍ فِي حِكَايَتِهِ عَنْهُ أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنِ الشَّافِعِيِّ فَقَالَ: لَيْسَ بِثِقَةٍ، وَزَعَمَ عَبْدُ اللَّهِ أَنَّهُ رَأَى أَصْلَ ابْنِ وَضَّاحٍ الَّذِي كَتَبَهُ بِالْمَشْرِقِ وَفِيهِ سَأَلْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ عَنِ الشَّافِعِيِّ فَقَالَ: هُوَ ثِقَةٌ قَالَ: وَقَدْ كَانَ ابْنُ وَضَّاحٍ يَقُولُ: لَيْسَ بِثِقَةٍ، فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ الْأَمِيرُ يَحْمِلُ عَلَى ابْنِ وَضَّاحٍ فِي ذَلِكَ وَكَانَ خَالِدُ بْنُ سَعْدٍ يَقُولُ: إِنَّمَا سَأَلَهُ ابْنُ وَضَّاحٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ الشَّافِعِيِّ وَلَمْ يَسْأَلْهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ الْفَقِيهِ الشَّافِعِيِّ وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدِي تَخَرُّصٌ وَتَكَلُّمٌ عَلَى الْهَوَى وَقَدْ صَحَّ عَنِ ابْنِ مَعِينٍ مِنْ طُرُقٍ أَنَّهُ كَانَ يَتَكَلَّمُ فِي الشَّافِعِيِّ عَلَى مَا قَدَّمْتُ لَكَ حَتَّى نَهَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رحمه الله وَنَبَّهَهُ عَلَى مَوْضِعِهِ فِي الْعِلْمِ وَقَالَ لَهُ: لَمْ تَرَ عَيْنَاكَ قَطُّ مِثْلَ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ،

2184 -

وَقَدْ تَكَلَّمَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ فِي مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ بِكَلَامٍ فِيهِ جَفَاءٌ وَخُشُونَةٌ كَرِهْتُ ذِكْرَهُ وَهُوَ مَشْهُورٌ عَنْهُ قَالَهُ إِنْكَارًا مِنْهُ لِقَوْلِ مَالِكٍ فِي حَدِيثِ «الْبَيِّعَيْنِ بِالْخِيَارِ» وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ يَتَكَلَّمُ وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي يَحْيَى يَدْعُو عَلَيْهِ وَتَكَلَّمَ فِي مَالِكٍ أَيْضًا فِيمَا ذَكَرَهُ السَّاجِيُّ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَابْنُ إِسْحَاقَ، وَابْنُ أَبِي يَحْيَى، وَابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، وَعَابُوا أَشْيَاءَ مِنْ مَذْهَبِهِ وَتَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُهُمْ؛ لِتَرْكِهِ الرِّوَايَةَ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ وَرِوَايَتِهِ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، وَثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ وَتَحَامَلَ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَبَعْضُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي شَيْءٍ مِنْ رَأْيِهِ حَسَدًا لِمَوْضِعِ إِمَامَتِهِ وَعَابَهُ قَوْمٌ فِي إِنْكَارِهِ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ وَفِي كَلَامِهِ فِي عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ، وَفِي فُتْيَاهُ بِإِتْيَانِ النِّسَاءِ فِي الْأَعْجَازِ، وَفِي قُعُودِهِ عَنْ مُشَاهَدَةِ الْجَمَاعَةِ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَنَسَبُوهُ بِذَلِكَ إِلَى مَا لَا يَحْسُنُ ذِكْرُهُ، وَقَدْ بَرَّأَ اللَّهُ عز وجل مَالِكًا عَمَّا قَالُوهُ، وَكَانَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا وَمَا مَثَلُ مَنْ تَكَلَّمَ فِي مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَنُظَرَائِهِمَا مِنَ الْأَئِمَّةِ إِلَّا كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ الْأَعْشَى:

[البحر البسيط]

كَنَاطِحٍ صَخْرَةً يَوْمًا لِيُوهِنَهَا

فَلَمْ يَضِرْهَا وَأْوَهَى قَرْنَهُ الْوَعِلُ

⦗ص: 1116⦘

2185 -

أَوْ كَمَا قَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ حُمَيْدٍ:

[البحر البسيط]

يَا نَاطَحَ الْجَبَلِ الْعَالِي لِيَكْلُمَهُ

أَشْفِقْ عَلَى الرَّأْسِ لَا تُشْفِقْ عَلَى الْجَبَلِ

2186 -

وَكَلَامُ أَبِي الزِّنَادِ فِي رَبِيعَةَ هُوَ مِنْ هَذَا الْبَابِ أَيْضًا،

2187 -

وَلَقَدْ أَحْسَنَ أَبُو الْعَتَاهِيَةِ حَيْثُ يَقُولُ:

[البحر الطويل]

وَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْجُو مِنَ النَّاسِ سَالِمًا

وَلِلنَّاسِ قَالَ بِالظُّنُونِ وَقِيلُ

2188 -

وَهَذَا خَيْرٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ:

[البحر البسيط]

. . . . .

وَمَا اعْتِذَارُكَ مِنْ شَيْءٍ إِذَا قِيلَا،

2189 -

فَقَدْ رَأَيْنَا الْبَاطِلَ وَالْبَغْيَ وَالْحَسَدَ أَسْرَعَ النَّاسُ إِلَيْهِ قَدِيمًا أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِ الْكُوفِيِّ فِي سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ: إِنَّهُ لَا يَعْدِلُ فِي الرَّعِيَّةِ وَلَا يَغْزُو فِي السَّرِيَّةِ، وَلَا يَقْسِمُ بِالسَّوِيَّةِ، وَسَعْدٌ بَدْرِيُّ وَأَحَدُ الْعَشَرَةِ الْمَشْهُودِ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ وَأَحَدُ السِّتَّةِ الَّذِينَ جَعَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الشُّورَى فِيهِمْ، وَقَالَ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ عَنْهُمْ رَاضٍ،

2190 -

وُقَدْ رُوِيَ أَنَّ مُوسَى عليه السلام قَالَ: «يَا رَبِّ اقْطَعْ عَنِّي أَلْسُنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ يَا مُوسَى لَمْ أَقْطَعْهَا عَنْ نَفْسِي فَكَيْفَ أَقْطَعُهَا عَنْكَ؟» قَالَ أَبُو عُمَرَ: " وَاللَّهِ لَقَدْ تَجَاوَزَ النَّاسُ الْحَدَّ فِي الْغِيبَةِ وَالذَّمِّ فَلَمْ يَقْنَعُوا بِذَمِّ الْعَامَّةِ دُونَ الْخَاصَّةِ وَلَا بِذَمِّ الْجُهَّالِ دُونَ الْعُلَمَاءِ، وَهَذَا كُلُّهُ يَحْمِلُ عَلَيْهِ الْجَهْلُ وَالْحَسَدُ،

2191 -

قِيلَ لِابْنِ الْمُبَارَكِ: فُلَانٌ يَتَكَلَّمُ فِي أَبِي حَنِيفَةَ فَأَنْشَدَ بَيْتَ ابْنِ الرُّقَيَّاتِ:

[البحر الخفيف]

حَسَدُوكَ أَنْ رَأَوْكَ فَضَّلَكَ اللَّـ

ـهُ بِمَا فُضِّلَتْ بِهِ النُّجَبَاءُ

⦗ص: 1117⦘

2192 -

وَقِيلَ لِأَبِي عَاصِمٍ النَّبِيلِ: فُلَانٌ يَتَكَلَّمُ فِي أَبِي حَنِيفَةَ فَقَالَ: هُوَ كَمَا قَالَ نُصَيْبٌ:

[البحر الطويل]

سَلِمْتِ وَهَلْ حَيٌّ عَلَى النَّاسِ يَسْلَمُ

2193 -

وَقَالَ أَبُو الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيُّ:

[البحر الكامل]

حَسَدُوا الْفَتَى إِذْ لَمْ يَنَالُوا سَعْيَهُ

فَالنَّاسُ أَعْدَاءٌ لَهُ وَخُصُومُ

فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَقْبَلَ قَوْلَ الْعُلَمَاءِ الثِّقَاتِ الْأَئِمَّةِ الْأَثْبَاتِ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ فَلْيَقْبَلْ قَوْلَ مَنْ ذَكَرْنَا قَوْلَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا وَخَسِرَ خُسْرَانًا، وَكَذَلِكَ إِنْ قَبِلَ فِي سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَوْلَ عِكْرِمَةَ، وَفِي الشَّعْبِيِّ وَأَهْلِ الْحِجَازِ وَأَهْلِ مَكَّةَ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ وَأَهْلِ الشَّامِ عَلَى الْجُمْلَةِ وَفِي مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَسَائِرِ مَنْ ذَكَرْنَاهُ فِي هَذَا الْبَابِ مَا ذَكَرْنَا عَنْ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَلَنْ يَفْعَلَ إِنْ هَدَاهُ اللَّهُ وَأَلْهَمَهُ رُشْدَهُ فَلْيَقِفْ عِنْدَ مَا شَرَطْنَا فِي أَنْ لَا يَقْبَلَ فِيمَنْ صَحَّتْ عَدَالَتُهُ وَعَلِمْتَ بِالْعِلْمِ عِنَايَتَهُ، وَسَلِمَ مِنَ الْكَبَائِرِ وَلَزِمَ الْمُرُوءَةَ وَالتَّصَاوُنَ وَكَانَ خَيْرُهُ غَالِبًا وَشَرُّهُ أَقَلُّ عَمَلِهِ فَهَذَا لَا يُقْبَلُ فِيهِ قَوْلُ قَائِلٍ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ، وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا يَصِحُّ غَيْرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ،

2194 -

قَالَ أَبُو الْعَتَاهِيَةِ:

بَكَى شَجْوَهُ الْإِسْلَامُ مِنْ عُلَمَائِهِ

فَمَا اكْتَرَثُوا لَمَّا رَأَوْا مِنْ بُكَائِهِ

فَأَكْثَرُهُمْ مُسْتَقْبِحٌ لِصَوَابِ مَنْ

يُخَالِفُهُ مُسْتَحْسِنٌ لِخَطَائِهِ

فَأَيُّهُمُ الْمَرْجُوُّ فِينَا لِدِينِهِ

وَأَيُّهُمُ الْمَوْثُوقُ فِينَا بِرَأْيِهِ

وَالَّذِينَ أَثْنَوْا عَلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعَلَى سَائِرِ مَنْ ذَكَرْنَا مِنَ التَّابِعِينَ وَأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَوْا وَقَدْ جَمَعَ النَّاسُ فَضَائِلَهُمْ وَعُنُوا بِسِيَرِهِمْ وَأَخَبَارِهِمْ، فَمَنْ قَرَأَ فَضَائِلَهُمْ وَفَضَائِلَ مَالِكٍ وَفَضَائِلَ الشَّافِعِيِّ وَفَضَائِلَ أَبِي حَنِيفَةَ بَعْدَ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ

⦗ص: 1118⦘

وَالتَّابِعِينَ رضي الله عنهم وَعُنِيَ بِهَا، وَوَقَفَ عَلَى كَرِيمِ سِيَرِهِمْ وَسَعَى فِي الْإِقْتِدَاءِ بِهِمْ، وَسَلَكَ سَبِيلِهِمْ فِي عِلْمِهِمْ وَفِي سَمْتِهِمْ وَهْدَيْهِمْ كَانَ ذَلِكَ لَهُ عَمَلًا زَاكِيًا نَفَعَنَا اللَّهُ عز وجل بِحُبِّهِمْ جَمِيعِهِمْ

2195 -

قَالَ الثَّوْرِيُّ رحمه الله: «عِنْدَ ذِكْرِ الصَّالِحِينَ تَنْزِلُ الرَّحْمَةُ» وَمَنْ لَمْ يَحْفَظْ مِنْ أَخْبَارِهِمْ إِلَّا مَا نَذَرَ مِنْ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ عَلَى الْحَسَدِ وَالْهَفَوَاتِ وَالْغَضَبِ وَالشَّهَوَاتِ دُونَ أَنْ يَعْنِيَ بِفَضَائِلِهِمْ وَيَرْوِي مَنَاقِبَهُمْ حُرِمَ التَّوْفِيقَ وَدَخَلَ فِي الْغِيبَةِ وَحَادَ عَنِ الطَّرِيقِ جَعَلَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ مِمَّنْ يَسْمَعُ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُ أَحْسَنَهُ وَقَدِ افْتَتَحْنَا هَذَا الْبَابَ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمُ الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ» ، وَفِي ذَلِكَ كِفَايَةٌ وَقَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ مِنَ الْقَوْلِ فِي الْحَسَدِ نَظْمًا وَنَثْرًا وَقَدْ بَيَّنَّا مَا يَجِبُ بَيَانُهُ مِنْ ذَلِكَ وَأَوْضَحْتُهُ فِي كِتَابِ التَّمْهِيدِ عِنْدَ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«لَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَقَاطَعُوا» وَأَفْرَدْنَا لِلنَّظْمِ وَالنَّثْرِ بَابًا فِي كِتَابِ بَهْجَةِ الْمَجَالِسِ وَمَنْ صَحِبَهُ التَّوْفِيقُ أَغْنَاهُ مِنَ الْحِكْمَةِ يَسِيرُهَا وَمِنَ الْمَوَاعِظِ قَلِيلُهَا إِذَا فَهِمَ وَاسْتَعْمَلَ مَا عَلِمَ، وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ وَهُوَ حَسْبِي وَنِعْمَ الْوَكِيلُ"

2196 -

حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ قَالَ: ثنا ابْنُ رَحْمُونَ قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ بَكْرِ بْنِ دَاسَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا دَاوُدَ سُلَيْمَانَ بْنَ الْأَشْعَثِ السِّجِسْتَانِيَّ يَقُولُ: «رَحِمَ اللَّهُ مَالِكًا كَانَ إِمَامًا، رَحِمَ اللَّهُ الشَّافِعِيَّ كَانَ إِمَامًا، رَحِمَ اللَّهُ أَبَا حَنِيفَةَ كَانَ إِمَامًا»

ص: 1113

2197 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ نا أَبُو دَاوُدَ، نا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ نا شِهَابُ بْنُ خِرَاشٍ عَنْ عَمِّهِ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ قَالَ:«اذْكُرُوا مَحَاسِنَ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم تَأْتَلِفُ الْقُلُوبُ عَلَيْهِمْ وَلَا تَذْكُرُوا مَسَاوِئَهُمْ تُحَرِّشُوا النَّاسَ عَلَيْهِمْ»

ص: 1119

2198 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ نا مُحَمَّدٌ نا أَبُو دَاوُدَ نا مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ نا الْوَلِيدُ قَالَ: سَمِعْتُ الْأَوْزَاعِيِّ يَقُولُ «كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يُحَدِّثُوا بِأَحَادِيثَ فَضَائِلِ أَهْلِ الْبَيْتِ لِيَرُدُّوا أَهْلَ الشَّامِ عَمَّا كَانُوا يَأْخُذُونَ فِيهِ»

ص: 1119