المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب نفي الالتباس في الفرق بين الدليل " والقياس وذكر من ذم القياس على غير أصل وما يرده من القياس أصل قال أبو عمر رحمه الله: " لا خلاف بين فقهاء الأمصار وسائر أهل السنة، وهم أهل الفقه والحديث في نفي القياس في التوحيد وإثباته في الأحكام إلا داود بن علي بن - جامع بيان العلم وفضله - جـ ٢

[ابن عبد البر]

فهرس الكتاب

- ‌بَابُ الْعِبَارَةِ عَنْ حُدُودِ عِلْمِ الدِّيَانَاتِ وَسَائِرِ الْعُلُومِ الْمُتَصَرِّفَاتِ بِحَسَبِ تَصَرُّفِ الْحَاجَاتِ وَسَائِرِ الْعُلُومِ الْمُنْتَحِلَاتِ عِنْدَ جَمِيعِ أَهْلِ الْمَقَالَاتِ. قَالَ أَبُو عُمَرَ رضي الله عنه: " حَدُّ الْعِلْمِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ فِي هَذَا الْمَعْنَى هُوَ مَا اسْتَيْقَنْتَهُ وَتَبَيَّنْتَهُ وَكُلُّ مَنِ اسْتَيْقَنَ شَيْئًا وَتَبَيَّنَهُ فَقَدْ عَلِمَهُ

- ‌بَابٌ مُخْتَصَرٌ فِي مُطَالَعَةِ كُتُبِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالرِّوَايَةِ عَنْهُمْ

- ‌بَابُ مَنْ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُسَمَّى فَقِيهًا أَوْ عَالِمًا حَقِيقَةً لَا مَجَازًا، وَمَنْ يَجُوزُ لَهُ الْفُتْيَا عِنْدَ الْعُلَمَاءِ

- ‌بَابُ مَا يَلْزَمُ الْعَالِمَ إِذَا سُئِلَ عَمَّا لَا يَدْرِيهِ مِنْ وُجُوهِ الْعِلْمِ

- ‌بَابُ اجْتِهَادِ الرَّأْيِ عَلَى الْأُصُولِ عِنْدَ عَدَمِ النُّصُوصِ فِي حِينِ نُزُولِ النَّازِلَةِ

- ‌بَابٌ: نُكْتَةٌ يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى اسْتِعْمَالِ عُمُومِ الْخِطَابِ فِي السُّنَنِ وَالْكِتَابِ وَعَلَى إِبَاحَةِ تَرْكِ ظَاهِرِ الْعُمُومِ لِلِاعْتِبَارِ بِالْأُصُولِ

- ‌بَابٌ فِي خَطَأِ الْمُجْتَهِدِينَ مِنَ الْحُكَّامِ وَالْمُفْتِينَ

- ‌بَابُ نَفْيِ الِالْتِبَاسِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الدَّلِيلِ " وَالْقِيَاسِ وَذِكْرِ مَنْ ذَمَّ الْقِيَاسَ عَلَى غَيْرِ أَصْلٍ وَمَا يَرُدُّهُ مِنَ الْقِيَاسِ أَصْلٌ قَالَ أَبُو عُمَرَ رحمه الله: " لَا خِلَافَ بَيْنَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ وَسَائِرِ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَهُمْ أَهْلُ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ فِي نَفْيِ الْقِيَاسِ فِي التَّوْحِيدِ وَإِثْبَاتِهِ فِي الْأَحْكَامِ إِلَّا دَاوُدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ

- ‌بَابُ جِامِعِ بَيَانِ مَا يَلْزَمُ النَّاظِرَ فِي اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ قَالَ أَبُو عُمَرَ: " اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي هَذَا الْبَابِ عَلَى قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْأَئِمَّةِ، رحمهم الله، رَحْمَةٌ وَاسِعَةٌ وَجَائِزٌ لِمَنْ نَظَرَ فِي اخْتِلَافِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَأْخُذَ بِقَوْلِ

- ‌بَابُ ذِكْرِ الدَّلِيلِ مِنْ أَقَاوِيلِ السَّلَفِ عَلَى أَنَّ الِاخْتِلَافَ خَطَأٌ وَصَوَابٌ «يَلْزَمُ طَالِبُ الْحُجَّةِ عِنْدَهُ، وَذِكْرُ بَعْضِ مَا خَطَّأَ فِيهِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَأَنْكَرَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ عِنْدَ اخْتِلَافِهِمْ، وَذِكْرُ مَعْنَى قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم» أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ

- ‌بَابُ ذِكْرِ مَنْ ذَمَّ الْإِكْثَارَ مِنَ الْحَدِيثِ دُونَ التَّفَهُّمِ لَهُ وَالتَّفَقُّهِ فِيهِ

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي ذَمِّ الْقَوْلِ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى بِالرَّأْيِ وَالظَّنِّ وَالْقِيَاسِ عَلَى غَيْرِ أَصْلٍ وَعَيْبِ الْإِكْثَارِ مِنَ الْمَسَائِلِ دُونَ اعْتِبَارٍ

- ‌بَابُ حُكْمِ قَوْلِ الْعُلَمَاءِ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ

- ‌بَابُ تَدَافُعِ الْفَتْوَى وَذَمِّ مَنْ سَارَعَ إِلَيْهَا

- ‌بَابُ رُتَبِ الطَّلَبِ وَكَشْفِ الْمَذْهَبِ قَالَ أَبُو عُمَرَ رحمه الله: " طَلَبُ الْعِلْمِ دَرَجَاتٌ وَمَنَاقِلُ وَرُتَبٌ لَا يَنْبَغِي تَعَدِّيهَا وَمَنْ تَعَدَّاهَا جُمْلَةً فَقَدْ تَعَدَّى سَبِيلَ السَّلَفِ رحمهم الله وَمَنْ تَعَدَّى سَبِيلَهُمْ عَامِدًا ضَلَّ، وَمَنْ تَعَدَّاهُ مُجْتَهِدًا زَلَّ فَأَوَّلُ الْعِلْمِ حِفْظُ كِتَابِ اللَّهِ عز وجل وَتَفَهُّمُهُ وَكُلُّ مَا يُعِينُ عَلَى فَهْمِهِ

- ‌بَابٌ فِي الْعَرْضِ عَلَى الْعَالِمِ وَقَوْلِ: أَخْبَرَنَا وَحَدَّثَنَا وَاخْتِلَافِهِمْ فِي ذَلِكَ وَفِي الْإِجَازَةِ وَالْمُنَاوَلَةِ

- ‌بَابٌ فِيمَنْ تَأَوَّلَ الْقُرْآنَ وَتَدَبَّرَهُ وَهُوَ جَاهِلٌ بِالسُّنَّةِ قَالَ أَبُو عُمَرَ: «أَهْلُ الْبِدَعِ أَجْمَعُ أَضْرَبُوا عَنِ السُّنَّةِ وَتَأَوَّلُوا الْكِتَابَ عَلَى غَيْرِ مَا بَيَّنَتِ السُّنَّةُ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْخُذْلَانِ وَنَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ وَالْعِصْمَةَ بِْرَحْمَتِهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم التَّحْذِيرُ عَنْ ذَلِكَ فِي

- ‌بَابُ فَضْلِ السُّنَّةِ وَمُبَايَنَتِهَا لِسَائِرِ أَقْوَالِ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ

- ‌بَابُ ذِكْرِ بَعْضِ مَنْ كَانَ لَا يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَّا وَهُوَ عَلَى وُضُوءٍ

- ‌بَابٌ فِي إِنْكَارِ أَهْلِ الْعِلْمِ مَا يَجِدُونَهُ مِنَ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ

الفصل: ‌باب نفي الالتباس في الفرق بين الدليل " والقياس وذكر من ذم القياس على غير أصل وما يرده من القياس أصل قال أبو عمر رحمه الله: " لا خلاف بين فقهاء الأمصار وسائر أهل السنة، وهم أهل الفقه والحديث في نفي القياس في التوحيد وإثباته في الأحكام إلا داود بن علي بن

‌بَابُ نَفْيِ الِالْتِبَاسِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الدَّلِيلِ " وَالْقِيَاسِ وَذِكْرِ مَنْ ذَمَّ الْقِيَاسَ عَلَى غَيْرِ أَصْلٍ وَمَا يَرُدُّهُ مِنَ الْقِيَاسِ أَصْلٌ قَالَ أَبُو عُمَرَ رحمه الله: " لَا خِلَافَ بَيْنَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ وَسَائِرِ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَهُمْ أَهْلُ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ فِي نَفْيِ الْقِيَاسِ فِي التَّوْحِيدِ وَإِثْبَاتِهِ فِي الْأَحْكَامِ إِلَّا دَاوُدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ

خَلَفٍ الْأَصْفَهَانِيَّ ثُمَّ الْبَغْدَادِيَّ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِمْ، فَإِنَّهُمْ نَفَوَا الْقِيَاسَ فِي التَّوْحِيدِ وَالْأَحْكَامِ جَمِيعًا، وَأَمَّا أَهْلُ الْبِدَعِ فَعَلَى قَوْلَيْنِ فِي هَذَا الْبَابِ سِوَى الْقَوْلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ، مِنْهُمْ مَنْ أَثْبَتَ الْقِيَاسَ فِي التَّوْحِيدِ وَالْأَحْكَامِ جَمِيعًا، وَمِنْهُمْ مَنْ أَثْبَتَهُ فِي التَّوْحِيدِ وَنَفَاهُ فِي الْأَحْكَامِ وَأَمَّا دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ، فَإِنَّهُمْ أَثْبَتُوا الدَّلِيلَ وَالِاسْتِدْلَالَ فِي الْأَحْكَامِ وَأَوْجَبُوا الْحُكْمَ بِخَبَرِ الْآحَادِ الْعُدُولِ كَقَوْلِ سَائِرِ فُقَهَاءِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْجُمْلَةِ، وَالدَّلِيلُ عِنْدَ دَاوُدَ وَمَنْ اتّبَعَهُ نَحْوُ قَوْلِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] لَوْ قَالَ قَائِلٌ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى رَدِّ شَهَادَةِ الْفُسَّاقِ كَانَ مُسْتَدِلًّا مُصِيبًا وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] وَكَانَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى قَبُولِ خَبَرِ الْعَدْلِ، وَنَحْوُ قَوْلِ اللَّهِ عز وجل {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ

ص: 887

الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَانِعٍ مِنَ السَّعْيِ إِلَى الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ تَرْكُهُ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ يَقْتَضِي النَّهْيَ عَنْ جَمِيعِ أَضْدَادِهِ، وَنَحْوُ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:

1671 -

«مَنْ بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرُهَا لِلْبَائِعِ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا إِذَا بِيعَتْ وَلَمْ تُؤَبَّرْ فَثَمَرُهَا لِلْمُبْتَاعِ، وَمِثْلُ هَذَا النَّحْوِ حَيْثُ كَانَ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَقَالَ سَائِرُ الْعُلَمَاءِ: فِي هَذَا الِاسْتِدْلَالِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْقِيَاسِ وَضَرْبٌ مِنْهُ عَلَى مَا رَتَّبَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ مَرَاتِبِ الْقِيَاسِ وَضُرُوبِهِ وَأَنَّهُ يَدْخُلُهُ مَا يَدْخُلُ الْقِيَاسَ مِنَ الْعِلَلِ، وَالْقَوْلُ الْآخَرُ أَنَّهُ هُوَ القِيَاسُ بِعَيْنِهِ وَفَحْوَى خِطَابِهِ " قَالَ أَبُو عُمَرَ: " الْقِيَاسُ الَّذِي لَا يُخْتَلَفُ أَنَّهُ قِيَاسٌ هُوَ تَشْبِيهُ الشَّيْءِ بِغَيْرِهِ إِذَا أَشْبَهَهُ وَالْحُكْمُ لِلنَّظِيرِ بِحُكْمِ نَظِيرِهِ إِذَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ وَالْحُكْمُ لِلْفَرْعِ بِحُكْمِ أَصْلِهِ إِذَا قَامَتْ فِيهِ الْعِلَّةُ الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا وَقَعَ الْحُكْمُ، وَمِثَالُ الْقِيَاسِ أَنَّ السُّنَّةَ الْمُجْمَعَ عَلَيْهَا وَرَدَتْ بِتَحْرِيمِ

ص: 888

1672 -

الْبُرِّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ بِالتَّمْرِ وَالذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ بِالْوَرِقِ وَالْمِلْحِ بِالْمِلْحِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَيَدًا بِيَدٍ فَقَالَ قَائِلُونَ مِنَ الْفُقَهَاءِ: الْقِيَاسُ حُكْمُ الزَّبِيبِ وَالسُّلْتِ وَالدُّخْنِ وَالْأُرْزِ كَحُكْمِ الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَكَذَلِكَ الْفُولُ وَالْحِمَّصُ، وَكُلُّ مَا يُكَالُ وَيُؤْكَلُ وَيُدَّخَرُ وَيَكُونُ قُوتًا وَإِدَامًا وَفَاكِهَةً مُدَّخَرَةً؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْعِلَّةَ فِي الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالْمِلْحِ مَوْجُودَةٌ، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ تَابَعَهُمْ وَقَالَ آخَرُونَ: الْعِلَّةُ فِي الْبُرِّ وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ فِي الْحَدِيثِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَالتَّمْرِ وَالشَّعِيرِ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مَوْزُونٌ أَوْ مَكِيلٌ فَكُلُّ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ فَلَا يَجُوزُ فِيهِ إِلَّا مَا يَجُوزُ فِي السُّنَّةِ مِنَ النِّسَاءِ وَالتَّفَاضُلِ هَذَا قَوْلُ الْكُوفِيِّينَ وَمَنْ تَابَعَهُمْ وَقَالَ آخَرُونَ: الْعِلَّةُ فِي الْبُرِّ أَنَّهُ مَأْكُولٌ وَكُلُّ مَأْكُولٍ فَلَا يَجُوزُ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، يَدًا بِيَدٍ، سَوَاءٌ كَانَ مُدَّخَرًا أَوْ غَيْرَ مُدَّخَرٍ، سَوَاءٌ كَانَ يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ أَوْ لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ، هَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَهُ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الذَّهَبَ وَالْوَرِقَ لَا يُشْبِهُهُمَا غَيْرُهُمَا مِنَ الْمَوْزُونَاتِ، لِأَنَّهُمَا قِيَمُ الْمُتْلَفَاتِ وَأْثَمْانُ الْمَبِيعَاتِ فَلَيْسَتَا كَغَيْرِهِمَا مِنَ الْمَذْكُورَاتِ مَعَهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا يَجُوزَانِ تَسْلِيمًا فِي كُلِّ شَيْءٍ سِوَاهُمَا وَإِلَى هَذَا مَالَ أَصْحَابُ مَالِكٍ فِي تَعْلِيلِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ خَاصَّةً،

ص: 889

وَقَالَ دَاوُدُ: الْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقُ بِالْوَرِقِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، هَذِهِ السِّتَّةُ الْأَصْنَافُ لَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْهَا بِجِنْسِهِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْهَا بِجِنْسِهِ وَلَا بِغَيْرِ جِنْسِهِ مِنْهَا نَسِيئَةً وَمَا عَدَا ذَلِكَ كُلِّهِ فَبَيْعُهُ جَائِزٌ نَسِيئَةً وَيَدًا بِيَدٍ، مُتَفَاضِلًا وَغَيْرَ مُتَفَاضِلٍ؛ لِعُمُومِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] فَكُلُّ بَيْعٍ حَلَالٌ إِلَّا مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ أَوْ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَمْ يَحْكُمْ لِشَيْءٍ بِمَا فِي مَعْنَاهُ وَلَمْ يَعْتَبِرِ الْمَعَانِيَ وَالْعِلَلَ وَمَا أَعْلَمُ أَحَدًا سَبَقَهُ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ إِلَّا طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ مُبْتَدَعَةُ ابْنِ سَيَّارٍ النَّظَّامِ وَمَنْ سَلَكَ سَبِيلَهُ، وَأَمَّا فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سَلَفٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ رضي الله عنهم، وَقَدْ ذُكِرَ حُجَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَمَا اعْتَلَّ بِهِ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ وَالْأَثَرِ فِي كِتَابِ التَّمْهِيدِ فَأَغْنَى عَنْ ذِكْرِهِ هَا هُنَا، وَأَمَّا دَاوُدُ فَلَمْ يَقِسْ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الْمَذْكُورَاتِ السِّتِّ فِي الْحَدِيثِ غَيْرَهَا، وَرَدَّ الْعُلَمَاءُ عَلَيْهِ هَذَا الْقَوْلَ وَحَكَمُوا لِكُلِّ شَيْءٍ مَذْكُورٍ بِمَا فِي مَعْنَاهُ وَرَدُّوا عَلَى دَاوُدَ مَا أَصَّلَ بِضُرُوبٍ مِنَ الْقَوْلِ، وَأَلْزَمُوهُ صُنُوفًا مِنَ الْإِلْزَامَاتِ يَطُولُ ذِكْرُهَا لَا سَبِيلَ إِلَى الْإِتْيَانِ بِهَا فِي كِتَابِنَا هَذَا وَحُجَجُ الْفَرِيقَيْنِ كَثِيرَةٌ جِدًّا مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ قَدْ أَفْرَدُوا لَهَا كِتَابًا "

ص: 890

وَاحْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ دَاوُدَ مِنْ جِهَةِ الْأَثَرِ بِمَا

⦗ص: 891⦘

1673 -

حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ، ثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، ثنا عُبَيْدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ شَرِيكٍ، ثنا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ قَالَ: نا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ حُرَيْزِ بْنِ عُثْمَانَ الرَّحَبِيِّ قَالَ: نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «تَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى بِضْعٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً أَعْظَمُهَا عَلَى أُمَّتِي فِتْنَةً قَوْمٌ يَقِيسُونَ الدِّينَ بِرَأْيِهِمْ يُحَرِّمُونَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ وَيُحِلُّونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى» قَالَ أَبُو عُمَرَ: هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ حَدِيثٌ غَيْرُ صَحِيحٍ، حَمَلُوا فِيهِ عَلَى نُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: حَدِيثُ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ هَذَا لَا أَصْلَ لَهُ، وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنِ السَّلَفِ فِي ذَمِّ الْقِيَاسِ فَهُوَ عِنْدَنَا قِيَاسٌ عَلَى غَيْرِ أَصْلٍ، أَوْ قِيَاسٌ يُرَدُّ بِهِ أَصْلٌ

ص: 890

1674 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ بِشْرٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَا: نا وَهْبُ بْنُ مَسَرَّةَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مَاهَانَ قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ كَثِيرٍ، عَنِ ابْنِ شَوْذَبٍ، عَنْ مَطَرٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ:" أَوَّلُ مَنْ قَاسَ إِبْلِيسُ قَالَ: {خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف: 12] "

ص: 892

1675 -

وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنِ ابْنِ مَاهَانَ قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سُلَيْمٍ الطَّائِفِيَّ، غَيْرَ مَرَّةٍ يَقُولُ: أنا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ:«أَوَّلُ مَنْ قَاسَ إِبْلِيسُ وَإِنَّمَا عُبِدَتِ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِالْمَقَايِيسِ»

ص: 892

1676 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، ثنا قَاسِمٌ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ، نا مُحَمَّدُ بْنُ

⦗ص: 893⦘

مَحْبُوبٍ، ثنا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ:«إِنِّي أَخَافُ أَنْ أَقِيسَ فَتَزِلَّ قَدَمِي»

ص: 892

1677 -

قَالَ أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ، وَثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، ثنا زُهَيْرٌ، ثنا جَابِرٌ عَنْ عَامِرٍ قَالَ: قَالَ مَسْرُوقٌ، " لَا أَقِيسُ شَيْئًا بِشَيْءٍ قُلْتُ: لِمَ؟ قَالَ: أَخْشَى أَنْ تَزِلَّ رِجْلِي "

ص: 893

1678 -

وَذَكَرَ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ عَمِّهِ، دَاوُدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ:«لَا أَقِيسُ شَيْئًا بِشَيْءٍ فَتَزِلَّ قَدَمِي بَعْدَ ثُبُوتِهَا»

ص: 893

1679 -

قَالَ نُعَيْمٌ، ونَا وَكِيعٌ، عَنْ عِيسَى الْحَنَّاطِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ:«إِيَّاكُمْ وَالْقِيَاسَ فَإِنَّكُمْ إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ أَحْلَلْتُمُ الْحَرَامَ وَحَرَّمْتُمُ الْحَلَالَ وَلَأَنْ أَتَعَنَّى عُنْيَةً أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقُولَ فِي شَيْءٍ بِرَأْيِي»

⦗ص: 894⦘

1680 -

وَذَكَرَ الشَّعْبِيُّ، مَرَّةً أُخْرَى الْقِيَاسَ فَقَالَ:«أَيْشٍ فِي الْقِيَاسِ»

1681 -

وَقَالَ الشَّعْبِيُّ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«لَا تَهْلِكُ أُمَّتِي حَتَّى تَقَعَ فِي الْمَقَايِيسِ، فَإِذَا وَقَعَتْ فِي الْمَقَايِيسِ فَقَدْ هَلَكَتْ» وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي هَذَا الْمَعْنَى زِيَادَةً فِي بَابِ ذَمِّ الرَّأْيِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ؛ لِأَنَّهُ مَعْنًى مِنْهُ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ، فَاحْتُجَّ مَنْ نَفَى الْقِيَاسَ بِهَذِهِ الْأَثَارِ وَمِثْلِهَا وَقَالُوا فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ: إِنَّ مَعْنَاهُ أَنْ يَجْتَهِدَ رَأْيَهُ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَتَكَلَّمَ دَاوُدُ فِي إِسْنَادِ حَدِيثِ مُعَاذٍ وَرَدَّهُ وَدَفَعَهُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ عَنْ أَصْحَابِ مُعَاذٍ وَلَمْ يُسَمَّوْا، قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَحَدِيثُ مُعَاذٍ صَحِيحٌ مَشْهُورٌ رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ الْعُدُولُ وَهُوَ أَصْلٌ فِي الِاجْتِهَادِ وَالْقِيَاسِ عَلَى الْأُصُولِ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَسَائِرُ الْفُقَهَاءِ، وَقَالُوا فِي هَذِهِ الْآثَارِ وَمَا كَانَ مِثْلَهَا فِي ذَمِّ الْقِيَاسِ: إِنَّهُ الْقِيَاسُ عَلَى غَيْرِ أَصْلٍ، وَالْقَوْلُ فِي دِينِ اللَّهِ بِالظَّنِّ أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْهُمْ: أَوَّلُ مَنْ قَاسَ إِبْلِيسُ " رَدَّ أَصْلَ الْعِلْمِ بِالرَّأْيِ الْفَاسِدِ وَالْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَحَدٍ مِمَّنْ قَالَ بِهِ إِلَّا فِي رَدِّ الْفُرُوعِ إِلَى أُصُولِهَا، لَا فِي

⦗ص: 895⦘

رَدِّ الْأُصُولِ بِالرَّأْيِ وَالظَّنِّ، وَإِذَا صَحَّ النَّصُّ مِنَ الْكِتَابِ وَالْأَثَرِ بَطَلَ الْقِيَاسُ وَالنَّظَرُ {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} [الأحزاب: 36] الْآيَةَ، وَأَيُّ أَصْلٍ أَقْوَى مِنْ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى لِإِبْلِيسَ بِالسُّجُودِ، وَهُوَ الْعَالِمُ بِمَا خُلِقَ مِنْهُ آدَمُ وَمَا خُلِقَ مِنْهُ إِبْلِيسُ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِالسُّجُودِ لَهُ فَأَبَى وَاسْتَكْبَرَ لِعِلَّةٍ لَيْسَتْ بِمَانِعَةٍ مِنْ أَنْ يَأْمُرَهُ اللَّهُ بِمَا يَشَاءُ؟ فَهَذَا وَمِثْلُهُ لَا يَحِلُّ وَلَا يَجُوزُ. وَأَمَّا الْقِيَاسُ عَلَى الْأُصُولِ وَالْحُكْمُ لِلشَّيْءِ بِحُكْمِ نَظِيرِهِ فَهَذَا مَا لَمْ يُخَالِفْ فِيهِ أَحَدٌ مِنَ السَّلَفِ، بَلْ كُلُّ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ ذَمُّ الْقِيَاسِ قَدْ وُجِدَ لَهُ الْقِيَاسُ الصَّحِيحُ مَنْصُوصًا لَا يَدْفَعُ هَذَا إِلَّا جَاهِلٌ أَوْ مُتَجَاهِلٌ مُخَالِفٌ لِلسَّلَفِ فِي الْأَحْكَامِ "

ص: 893

1682 -

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، ثنا قَاسِمٌ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ قَالَ: أنا سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْخٍ، قَالَ: قَالَ مُسَاوِرٌ الْوَرَّاقُ:

[البحر البسيط]

كُنَّا مِنَ الدِّينِ قَبْلَ الْيَوْمِ فِي سَعَةٍ

حَتَّى ابْتُلِينَا بِأَصْحَابِ الْمَقَايِيسِ

قَامُوا مِنَ السُّوقِ إِذْ قَلَّتْ مَكَاسِبُهُمْ

فَاسْتَعْمَلُوا الرَّأْيَ عِنْدَ الْفَقْرِ وَالْبُوسِ

أَمَّا الْعُرَيْبُ فَقَوْمٌ لَا عَطَاءَ لَهُمْ

وَفِي الْمَوَالِي عَلَامَاتُ الْمَفَالِيسِ

فَلَقِيَهُ أَبُو حَنِيفَةَ فَقَالَ: هَجَوْتَنَا نَحْنُ نُرْضِيكَ فَبَعَثَ إِلَيْهِ بِدَرَاهِمَ فَقَالَ:

[البحر الوافر]

إِذَا مَا أَهْلُ مِصْرٍ بَادَهُونَا

بِآبِدَةٍ مِنَ الْفُتْيَا لَطِيفَهْ

⦗ص: 896⦘

أَتَيْنَاهُمْ بِمِقْيَاسٍ صَحِيحٍ

صَلِيبٍ مِنْ طِرَازِ أَبِي حَنِيفَهْ

إِذَا سَمِعَ الْفَقِيهُ بِهِ وَعَاهُ

وَأَثْبَتَهُ بِحِبْرٍ فِي صَحِيفَهْ

قَالَ أَبُو عُمَرَ: " اتَّصَلَتْ هَذِهِ الْأَبْيَاتُ بِبَعْضِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالنَّظَرِ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الزَّمَانِ فَقَالَ:

[البحر الوافر]

إِذَا ذُو الرَّأْيِ خَاصَمَ عَنْ قِيَاسٍ

وَجَاءَ بِبِدْعَةٍ مِنْهُ سَخِيفَهْ

أَتَيْنَاهُمْ بِقَوْلِ اللَّهِ فِيهَا

وَآثَارٍ مُصَحَّحَةٍ شَرِيفَهْ

فَكَمْ مِنْ فَرْجِ مُحَصَّنَةٍ عَفِيفَةٍ

أُحِلَّ حَرَامُهَا بِأَبِي حَنِيفَةْ

قَالَ أَبُو عُمَرَ رحمه الله: هَذَا تَحَامُلٌ وَجَهْلٌ وَاغْتِيَابٌ وَأَذًي لِلْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ لَهُ فِي النَّازِلَةِ كِتَابٌ مَنْصُوصٌ وَأَثَرٌ ثَابِتٌ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ بِغَيْرِ ذَلِكَ فَيُخَالِفُ النَّصَ وَالنَّصُّ مَالَا يَحْتَمِلُهُ التَّأْوِيلُ وَمَا احْتَمِلَهُ التَّأْوِيلُ عَلَى الْأُصُولِ وَاللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ كَانَ صَاحِبُهُ مَعْذُورًا

ص: 895

1683 -

أنشدنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ: أنشدنا أَبُو مُحَمَّدٍ قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ: أنشدنا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ بِبَغْدَادَ عَلَى بَابِ أَبِي مُسْلِمٍ الْكَشِّيِّ قَالَ: قَالَ لِي غُلَامُ خَلِيلٍ: أَنْشَدَنِي بَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ لِبَعْضِ شُعَرَائِهِمْ يَهْجُو أَبَا حَنِيفَةَ وَزُفَرَ بْنَ الْهُذَيْلِ

[البحر الكامل]

إِنْ كُنْتِ كَاذِبَةً بِمَا حَدَّثْتِنِي

فَعَلَيْكِ إِثْمُ أَبِي حَنِيفَةَ أَوْ زُفَرِ

الْوَاثِبِينَ عَلَى الْقِيَاسِ تَعَدِّيًا

وَالنَّاكِبِينَ عَنِ الطَّرِيقَةِ وَالْأَثَرِ

خَلَتِ الْبِلَادُ فَارْتَعُوا فِي رَحْبِهَا

ظَهَرَ الْفَسَادُ وَلَا سَبِيلَ إِلَى الْغِيَرِ"

قَالَ لَنَا أَبُو الْقَاسِمِ: قَالَ لَنَا قَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَلَدُ مُحَمَّدِ بْنِ وَضَّاحٍ وَكَانَ أَدْرَكَ غُلَامَ خَلِيلٍ وَمَاتَ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ وَضَّاحٍ بِجَزِيرَةِ إِقْرِيطُشَ" قَالَ أَبُو عُمَرَ: " بَلَغَنِي أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيَّ أَنْشَدَ هَذِهِ الْأَبْيَاتَ:

فَعَلَيْكَ إِثْمُ أَبِي حَنِيفَةَ أَوْ زُفَرِ

فَقَالَ: «وَدِدْتُ أَنَّ لِيَ أَجْرَهُمَا وَحَسَنَاتِهِمَا وَعَلَيَّ إِثْمُهُمَا وَسَيِّئَاتُهُمَا، وَكَانَ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِسِيَرِ الْقَوْمِ وَأَخْبَارِهِمْ؛ لِأَنَّهُ كَانَ كُوفِيَّ الْمَذْهَبِ وَكَانَ عَالِمًا بِجَمِيعِ مَذَاهِبِ الْفُقَهَاءِ رحمه الله وَقَدْ رُوِّيَتْ فِي ذَمِّ الرَّأْيِ وَالْقِيَاسِ آثَارٌ كَثِيرَةٌ وَسَنُورِدُ لَهَا بَابًا فِي كِتَابِنَا هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى»

ص: 897