المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب: نكتة يستدل بها على استعمال عموم الخطاب في السنن والكتاب وعلى إباحة ترك ظاهر العموم للاعتبار بالأصول - جامع بيان العلم وفضله - جـ ٢

[ابن عبد البر]

فهرس الكتاب

- ‌بَابُ الْعِبَارَةِ عَنْ حُدُودِ عِلْمِ الدِّيَانَاتِ وَسَائِرِ الْعُلُومِ الْمُتَصَرِّفَاتِ بِحَسَبِ تَصَرُّفِ الْحَاجَاتِ وَسَائِرِ الْعُلُومِ الْمُنْتَحِلَاتِ عِنْدَ جَمِيعِ أَهْلِ الْمَقَالَاتِ. قَالَ أَبُو عُمَرَ رضي الله عنه: " حَدُّ الْعِلْمِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ فِي هَذَا الْمَعْنَى هُوَ مَا اسْتَيْقَنْتَهُ وَتَبَيَّنْتَهُ وَكُلُّ مَنِ اسْتَيْقَنَ شَيْئًا وَتَبَيَّنَهُ فَقَدْ عَلِمَهُ

- ‌بَابٌ مُخْتَصَرٌ فِي مُطَالَعَةِ كُتُبِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالرِّوَايَةِ عَنْهُمْ

- ‌بَابُ مَنْ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُسَمَّى فَقِيهًا أَوْ عَالِمًا حَقِيقَةً لَا مَجَازًا، وَمَنْ يَجُوزُ لَهُ الْفُتْيَا عِنْدَ الْعُلَمَاءِ

- ‌بَابُ مَا يَلْزَمُ الْعَالِمَ إِذَا سُئِلَ عَمَّا لَا يَدْرِيهِ مِنْ وُجُوهِ الْعِلْمِ

- ‌بَابُ اجْتِهَادِ الرَّأْيِ عَلَى الْأُصُولِ عِنْدَ عَدَمِ النُّصُوصِ فِي حِينِ نُزُولِ النَّازِلَةِ

- ‌بَابٌ: نُكْتَةٌ يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى اسْتِعْمَالِ عُمُومِ الْخِطَابِ فِي السُّنَنِ وَالْكِتَابِ وَعَلَى إِبَاحَةِ تَرْكِ ظَاهِرِ الْعُمُومِ لِلِاعْتِبَارِ بِالْأُصُولِ

- ‌بَابٌ فِي خَطَأِ الْمُجْتَهِدِينَ مِنَ الْحُكَّامِ وَالْمُفْتِينَ

- ‌بَابُ نَفْيِ الِالْتِبَاسِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الدَّلِيلِ " وَالْقِيَاسِ وَذِكْرِ مَنْ ذَمَّ الْقِيَاسَ عَلَى غَيْرِ أَصْلٍ وَمَا يَرُدُّهُ مِنَ الْقِيَاسِ أَصْلٌ قَالَ أَبُو عُمَرَ رحمه الله: " لَا خِلَافَ بَيْنَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ وَسَائِرِ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَهُمْ أَهْلُ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ فِي نَفْيِ الْقِيَاسِ فِي التَّوْحِيدِ وَإِثْبَاتِهِ فِي الْأَحْكَامِ إِلَّا دَاوُدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ

- ‌بَابُ جِامِعِ بَيَانِ مَا يَلْزَمُ النَّاظِرَ فِي اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ قَالَ أَبُو عُمَرَ: " اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي هَذَا الْبَابِ عَلَى قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْأَئِمَّةِ، رحمهم الله، رَحْمَةٌ وَاسِعَةٌ وَجَائِزٌ لِمَنْ نَظَرَ فِي اخْتِلَافِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَأْخُذَ بِقَوْلِ

- ‌بَابُ ذِكْرِ الدَّلِيلِ مِنْ أَقَاوِيلِ السَّلَفِ عَلَى أَنَّ الِاخْتِلَافَ خَطَأٌ وَصَوَابٌ «يَلْزَمُ طَالِبُ الْحُجَّةِ عِنْدَهُ، وَذِكْرُ بَعْضِ مَا خَطَّأَ فِيهِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَأَنْكَرَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ عِنْدَ اخْتِلَافِهِمْ، وَذِكْرُ مَعْنَى قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم» أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ

- ‌بَابُ ذِكْرِ مَنْ ذَمَّ الْإِكْثَارَ مِنَ الْحَدِيثِ دُونَ التَّفَهُّمِ لَهُ وَالتَّفَقُّهِ فِيهِ

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي ذَمِّ الْقَوْلِ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى بِالرَّأْيِ وَالظَّنِّ وَالْقِيَاسِ عَلَى غَيْرِ أَصْلٍ وَعَيْبِ الْإِكْثَارِ مِنَ الْمَسَائِلِ دُونَ اعْتِبَارٍ

- ‌بَابُ حُكْمِ قَوْلِ الْعُلَمَاءِ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ

- ‌بَابُ تَدَافُعِ الْفَتْوَى وَذَمِّ مَنْ سَارَعَ إِلَيْهَا

- ‌بَابُ رُتَبِ الطَّلَبِ وَكَشْفِ الْمَذْهَبِ قَالَ أَبُو عُمَرَ رحمه الله: " طَلَبُ الْعِلْمِ دَرَجَاتٌ وَمَنَاقِلُ وَرُتَبٌ لَا يَنْبَغِي تَعَدِّيهَا وَمَنْ تَعَدَّاهَا جُمْلَةً فَقَدْ تَعَدَّى سَبِيلَ السَّلَفِ رحمهم الله وَمَنْ تَعَدَّى سَبِيلَهُمْ عَامِدًا ضَلَّ، وَمَنْ تَعَدَّاهُ مُجْتَهِدًا زَلَّ فَأَوَّلُ الْعِلْمِ حِفْظُ كِتَابِ اللَّهِ عز وجل وَتَفَهُّمُهُ وَكُلُّ مَا يُعِينُ عَلَى فَهْمِهِ

- ‌بَابٌ فِي الْعَرْضِ عَلَى الْعَالِمِ وَقَوْلِ: أَخْبَرَنَا وَحَدَّثَنَا وَاخْتِلَافِهِمْ فِي ذَلِكَ وَفِي الْإِجَازَةِ وَالْمُنَاوَلَةِ

- ‌بَابٌ فِيمَنْ تَأَوَّلَ الْقُرْآنَ وَتَدَبَّرَهُ وَهُوَ جَاهِلٌ بِالسُّنَّةِ قَالَ أَبُو عُمَرَ: «أَهْلُ الْبِدَعِ أَجْمَعُ أَضْرَبُوا عَنِ السُّنَّةِ وَتَأَوَّلُوا الْكِتَابَ عَلَى غَيْرِ مَا بَيَّنَتِ السُّنَّةُ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْخُذْلَانِ وَنَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ وَالْعِصْمَةَ بِْرَحْمَتِهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم التَّحْذِيرُ عَنْ ذَلِكَ فِي

- ‌بَابُ فَضْلِ السُّنَّةِ وَمُبَايَنَتِهَا لِسَائِرِ أَقْوَالِ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ

- ‌بَابُ ذِكْرِ بَعْضِ مَنْ كَانَ لَا يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَّا وَهُوَ عَلَى وُضُوءٍ

- ‌بَابٌ فِي إِنْكَارِ أَهْلِ الْعِلْمِ مَا يَجِدُونَهُ مِنَ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ

الفصل: ‌باب: نكتة يستدل بها على استعمال عموم الخطاب في السنن والكتاب وعلى إباحة ترك ظاهر العموم للاعتبار بالأصول

‌بَابٌ: نُكْتَةٌ يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى اسْتِعْمَالِ عُمُومِ الْخِطَابِ فِي السُّنَنِ وَالْكِتَابِ وَعَلَى إِبَاحَةِ تَرْكِ ظَاهِرِ الْعُمُومِ لِلِاعْتِبَارِ بِالْأُصُولِ

ص: 864

1630 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ أَحْمَدَ الْوَرَّاقُ بِبَغْدَادَ قَالَ: نا الْخَضِرُ بْنُ دَاوُدَ، نا أَبُو بَكْرٍ الْأَثْرَمُ، ثنا الْقَعْنَبِيُّ، ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَهُوَ يُصَلَّى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«يَا أُبَيُّ» ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ وَلَمْ يُجِبْهُ وَصَلَّى وَخَفَّفَ ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«يَا أُبَيُّ مَا مَنَعَكَ أَنْ تُجِيبَنِي إِذْ دَعَوْتُكَ؟» فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كُنْتُ أُصَلِّي، قَالَ:" أَفَلَمْ تَجِدْ فِيمَا أَوْحَى اللَّهُ إِلَيَّ أَنِ {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [سورة: الأنفال، آية رقم: 24] قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَا أَعُودُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى"

⦗ص: 865⦘

1631 -

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ، ثنا قَاسِمٌ قَالَ: نا بَكْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى قَالَ: كُنْتُ أُصَلِّي فَمَرَّ بِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ هَذِهِ الْقِصَّةِ الْمَرْوِيَّةِ فِي أُبَيٍّ

⦗ص: 866⦘

1632 -

وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودِ، أَنَّهُ جَاءَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ فَسَمِعَهُ يَقُولُ:«اجْلِسُوا» فَجَلَسَ بِبَابِ الْمَسْجِدِ فَرَآهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ: «تَعَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ» ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي كِتَابِ الْجُمُعَةِ مِنَ السُّنَنِ

⦗ص: 867⦘

1633 -

وَسَمِعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، وَهُوَ بِالطَّرِيقِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَقُولُ:«اجْلِسُوا» فَجَلَسَ فِي الطَّرِيقِ فَمَرَّ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «مَا شَأْنُكَ؟» فَقَالَ: سَمِعْتُكَ تَقُولُ: «اجْلِسُوا» فَجَلَسْتُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«زَادَكَ اللَّهُ طَاعَةً» .

1634 -

وَيَدْخُلُ فِي هَذَا الْبَابِ قَوْلُ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ لِلَبِيدِ بْنُ رَبِيعَةَ حِينَ سَمِعَهُ يُنْشِدُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ:

[البحر الطويل]

أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللَّهَ بَاطِلُ

فَقَالَ عُثْمَانُ: صَدَقْتَ فَقَالَ لَبِيدٌ:

وَكُلُّ نُعَيْمٍ لَا مَحَالَةَ زَائِلُ

فَقَالَ: كَذَبْتَ. وَإِنَّمَا صَدَّقَهُ فِي الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ عُمُومٌ لَا يَلْحَقُهُ خُصُوصٌ وَكَذَّبَهُ فِي الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ نَعِيمَ الْجَنَّةِ دَائِمٌ لَا يَزُولُ وَكَانَ لَبِيدٌ حِينَئِذٍ كَافِرًا وَهَذَا الْبَابُ كَثِيرٌ جِدًّا لَا سَبِيلَ إِلَى تَقَصِّيهِ؛ لِكَثْرَتِهِ"

ص: 864

1635 -

أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسَدٍ، ثنا أَبُو عَلِيٍّ سَعِيدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ السَّكَنِ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ قَالَ: نا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْأَحْزَابِ:«لَا يُصَلِّي أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ» فَأَدْرَكَهُمْ وَقْتُ الْعَصْرِ فِي الطَّرِيقِ

⦗ص: 868⦘

فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا نُصَلِّي حَتَّى نَأْتِيَهَا وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ نُصَلِّي وَلَمْ يُرَدْ مِنَّا ذَلِكَ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يُعَنِّفْ وَاحِدَةً مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ قَالَ أَبُو عُمَرَ: «هَذِهِ سَبِيلُ الِاجْتِهَادِ عَلَى الْأُصُولِ عِنْدَ جَمَاعَةِ الْفُقَهَاءِ؛ وَلِذَلِكَ لَا يَرُدُّونَ مَا اجْتَهَدَ فِيهِ الْقَاضِي وَقَضَى بِهِ إِذَا لَمْ يُرَدَّ إِلَّا إِلَى اجْتِهَادٍ مِثْلِهِ وَأَمَّا مَنْ أَخْطَأَ مَنْصُوصًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ سُنَّةِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم بِنَقْلِ الْكَافَّةِ أَوْ نَقْلِ الْعُدُولِ فَقَوْلُهُ وَفِعْلُهُ عِنْدَهُمْ مَرْدُودٌ إِذَا ثَبَتَ الْأَصْلُ فَافْهَمْ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ»

ص: 867

بَابٌ مُخْتَصَرٌ فِي إِثْبَاتِ الْمُقَايَسَةِ فِي الْفِقْهِ " قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ اجْتِهَادِ الرَّأْيِ وَذَكَرْنَا فِي ذَلِكَ الْبَابِ حَدِيثَ مُعَاذٍ وَغَيْرِهِ وَهُوَ الْحُجَّةُ فِي اجْتِهَادِ الرَّأْيِ وَإِثْبَاتِ الْقِيَاسِ إِذَا عُدِمَ النَّصُّ عِنْدَ جَمِيعِ الْفُقَهَاءِ الْقَائِلِينَ بِهِ وَهُمُ الْجُمْهُورُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [سورة: المائدة، آية رقم: 95] وَهَذَا تَمْثِيلُ الشَّيْءِ بِعِدْلِهِ وَمِثْلِهِ وَشِبْهِهِ وَنَظِيرِهِ وَهَذَا نَفْسُ الْقِيَاسِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ،

1636 -

وَرُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ لَهُ رَجُلٌ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ وَغَيْرِهِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي حَدِيثٍ ذَكَرُوهُ، أَيَقْضِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيُؤْجَرُ؟ قَالَ:«أَرَأَيْتَ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ يَأْثَمُ؟» قَالَ: نَعَمْ قَالَ: «فَكَذَلِكَ يُؤْجَرُ أَفَتُجْزَوْنَ بِالشَّرِّ وَلَا تُجْزَوْنَ بِالْخَيْرِ؟»

ص: 869

1637 -

وَمِنْ هَذَا الْبَابِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا مِنْ فَزَارَةَ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: إِنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلَامًا أَسْوَدَ، الْحَدِيثَ؛ لِأَنَّهُ بَيَّنَ لَهُ فِيهِ أَنَّ الْحُمْرَ مِنَ الْإِبِلِ قَدْ تُنْتِجُ الْأَوْرَقَ إِذَا نَزَعَهُ عِرْقٌ فَكَذَلِكَ الطِّفْلُ يُولَدُ أَسْوَدَ وَإِنْ كَانَ أَبُوهُ أَبْيَضَ إِذَا نَزَعَهُ عِرْقٌ.

1638 -

وَقَالَ صلى الله عليه وسلم لِعُمَرَ: حِينَ سَأَلَهُ عَنْ قُبْلَةِ الصَّائِمِ امْرَأَتَهُ: «أَرَأَيْتَ لَوْ تَمَضْمَضَ بِمَاءٍ وَمَجَّهُ وَهُوَ صَائِمٌ؟» فَقَالَ عُمَرُ: لَا بَأْسَ قَالَ: " فَكَذَلِكَ هَذَا:

ص: 870

1639 -

«وَفِي حَدِيثِ الْخَثْعَمِيَّةِ فِي الْحَجِّ عَنْ أَبِيهَا» أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيكِ دَيْنٌ فَقَضَيْتِيهِ أَكَانَ يَنْفَعُهُ ذَلِكَ؟ " قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ:«فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ»

1640 -

وَقَالَ: صلى الله عليه وسلم: «مُحَرِّمُ الْحَلَالِ كَمُسْتَحِلِّ الْحَرَامِ»

1641 -

وَقَالَ: «يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ» ،

1642 -

وَفِي كِتَابِ عُمَرَ رضي الله عنه إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ: «. . . . . . فَاعْرِفِ الْأَشْبَاهَ وَالْأَمْثَالَ وَقِسِ الْأُمُورَ» .

ص: 871

1643 -

وَقَايَسَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه فِي الْمُكَاتَبِ. وَقَايَسَهُ أَيْضًا فِي الْجَدِّ وَاتَّفَقَا فِي أَنَّهُ لَا يُحْجَبُ الْإِخْوَةُ فَقَاسَهُ عَلِيٌّ وَشَبَّهَهُ بِسَيْلٍ انْشَعَبَتْ مِنْهُ شُعْبَةٌ ثُمَّ انْشَعَبَ مِنَ الشُّعْبَةِ شُعْبَتَانِ وَقَاسَهُ زَيْدٌ عَلَى شَجَرَةٍ انْشَعَبَ مِنْهَا غُصْنٌ وَانْشَعَبَ مِنَ الْغُصْنِ غُصْنَانِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُمَا فِي الْجَدِّ وَاحِدٌ فِي أَنَّهُ يُشَارِكُ الْإِخْوَةَ وَلَا يَحْجُبُهُمْ.

1644 -

وَقَاسَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْأَضْرَاسَ بِالْأَصَابِعِ وَقَالَ: «عَقْلُهُمَا سَوَاءٌ» اعْتَبَرَهَا بِهَا

1645 -

وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: «أَنَا نَأْخُذُ فِي زَكَاةِ الْبَقَرِ فِيمَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِينِ بِالْمَقَايِيسِ» .

1646 -

وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: «مَا كُلُّ شَيْءٍ نُسْأَلُ عَنْهُ نَحْفَظُهُ، وَلَكِنَّا نَعْرِفُ الشَّيْءَ بِالشَّيْءِ وَنَقِيسُ الشَّيْءَ بِالشَّيْءِ» ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ قِيلَ لَهُ:" أَكُلُّ مَا تُفْتِي بِهِ النَّاسُ سَمِعْتَهُ؟ قَالَ: لَا وَلَكِنْ بَعْضَهُ سَمِعْتُ وَقِسْتُ مَا لَمْ أَسْمَعْ عَلَى مَا سَمِعْتُ "،

1647 -

وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ: «إِنِّي لَأَسْمَعُ الْحَدِيثَ وَأَقِيسُ عَلَيْهِ مِائَةَ شَيْءٍ.

1648 -

وَقَالَ» الْمُزَنِيُّ: " الْفُقَهَاءُ مِنْ عَصْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى يَوْمِنَا وَهَلُمَّ جَرًّا اسْتَعْمَلُوا الْمَقَايِيسَ

ص: 872

فِي الْفِقْهِ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ مِنْ أَمْرِ دِينِهِمْ، قَالَ: وَأَجْمَعُوا أَنَّ نَظِيرَ الْحَقِّ حَقٌّ وَنَظِيرَ الْبَاطِلِ بَاطِلٌ؛ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ إِنْكَارُ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّهُ التَّشْبِيهُ بِالْأُمُورِ وَالتَّمْثِيلُ عَلَيْهَا "

1649 -

وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: " وَمِنَ الْقِيَاسِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ صَيْدُ مَا عَدَا الْكِلَابِ مِنَ الْجَوَارِحِ قِيَاسًا عَلَى الْكِلَابِ لِقَوْلِهِ {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} [سورة: المائدة، آية رقم: 4] وَقَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [سورة: النور، آية رقم: 4] فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ الْمُحْصَنُونُ قِيَاسًا، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الْإِمَاءِ {فَإِذَا أُحْصِنَّ} [سورة: النساء، آية رقم: 25] فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ الْعَبِيدُ قِيَاسًا عِنْدَ الْجُمْهُورِ إِلَّا مَنْ شَذَّ مِمَّنْ لَا يَكَادُ يُعَدُّ خِلَافًا، وَقَالَ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ الْمَقْتُولِ فِي الْحَرَمِ {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} [سورة: المائدة، آية رقم: 95] فَدَخَلَ فِيهِ قَتْلُ الْخَطَأِ قِيَاسًا عِنْدَ الْجُمْهُورِ إِلَّا مَنْ شَذَّ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَا لَا يَمْلِكُ قِيَاسًا عَلَى مَا لِغَيْرِهِ إِذَا أَتْلَفَهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً، وَقَالَ:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [سورة: الأحزاب، آية رقم: 49] فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ الْكِتَابِيَّاتُ قِيَاسًا فَكُلُّ مَنْ تَزَوَّجَ كِتَابِيَّةً وَطَلَّقَهَا قَبْلَ الْمَسِيسِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا عِدَّةٌ، وَالْخِطَابُ قَدْ وَرَدَ بِالْمُؤْمِنَاتِ، وَقَالَ فِي الشَّهَادَةِ فِي الْمُدَايَنَاتِ {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [سورة: البقرة، آية رقم: 282] فَدَخَلَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ {إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [سورة: البقرة، آية رقم: 282] قِيَاسًا عَلَى الدَّيْنِ الْمَوَارِيثُ وَالْوَدَائِعُ وَالْغُصُوبُ وَسَائِرُ الْأَمْوَالِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى تَوْرِيثِ الْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَيْنِ قِيَاسًا عَلَى الْأُخْتَيْنِ وَهَذَا كَثِيرٌ جِدًّا يَطُولُ الْكِتَابُ بِذِكْرِهِ،

ص: 873

وَقَالَ فِيمَنْ أُعْسِرَ بِمَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنَ الرِّبَا {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [سورة: البقرة، آية رقم: 280] فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ كُلُّ مُعْسِرٌ بِدَيْنٍ حَلَالٍ وَثَبَتَ ذَلِكَ قِيَاسًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَمِنْ هَذَا الْبَابِ تَوْرِيثُ الذَّكَرِ ضِعْفَيْ مِيرَاثِ الْأُنْثَى مُنْفَرِدًا وَإِنَّمَا وَرَدَ النَّصُّ فِي اجْتِمَاعِهَا بِقَوْلِهِ {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [سورة: النساء، آية رقم: 11]، وَقَالَ:{وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [سورة: النساء، آية رقم: 176] وَمِنْ هَذَا الْبَابِ أَيْضًا قِيَاسُ التَّظَاهُرِ بِالْبِنْتِ عَلَى التَّظَاهُرِ بِالْأُمِّ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ أَنْ يَكُونَ الْمُتَظَاهِرُ بِهَا رَحِمًا مُحَرَّمًا، وَقِيَاسُ الرَّقَبَةِ فِي الظِّهَارِ عَلَى الرَّقَبَةِ فِي الْقَتْلِ بِشَرْطِ الْإِيمَانِ، وَقِيَاسُ تَحْرِيمِ الْأُخْتَيْنِ وَسَائِرِ الْقَرَابَاتِ مِنَ الْإِمَاءِ عَلَى الْحَرَائِرِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُنَّ فِي التَّسَرِّي وَالنِّكَاحِ، وَهَذَا لَوْ تَقَصَيَّنَاهُ لَطَالَ بِهِ الْكِتَابُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ

ص: 874

1650 -

وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْيَزِيدِيُّ فِي الْقِيَاسِ وَذَلِكَ فِيمَا حَدَّثَنَا شَيْخُنَا أَبُو الْأَصْبَغِ عِيسَى بْنُ سَعِيدِ بْنِ سَعْدَانَ الْمُقْرِئُ ثنا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ مِقْسَمٍ قَالَ: أنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْمُنَادِي قَالَ: أَنْشَدَنِي أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْعُمَرَيُّ الْمَوْصِلِيُّ خَالُ أَبِي عَلِيٍّ الْبَيَاضِيِّ الْهَاشِمِيِّ قَالَ: أَنْشَدْتُ لِأَبِي مُحَمَّدٍ الْيَزِيدِيِّ قَوْلَهُ فِي الْقِيَاسِ:

[البحر الخفيف]

مَا جَهُولٌ لِعَالِمٍ بِمُدَانِ

لَا وَلَا الْعِيُّ كَائِنُ الْبَيَانِ

⦗ص: 875⦘

فَإِذَا مَا عَمِيتَ فَاسْأَلْ تُخَبَّرْ

أَنَّ بَعْضَ الْأَخْبَارِ مِثْلُ الْعِيَانِ

ثُمَّ قِسْ بَعْضَ مَا سَمِعْتَ بِبَعْضٍ

وَائْتِ فِيمَا تَقُولُ بِالْبُرْهَانِ

لَا تَكُنْ كَالْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا

كَمَا قَدْ قَرَأْتَ فِي الْقُرْآنِ

إِنَّ هَذَا الْقِيَاسَ فِي كُلِّ أَمْرٍ

عِنْدَ أَهْلِ الْعُقُولِ كَالْمِيزَانِ

لَا يَجُوزُ الْقِيَاسُ فِي الدِّينِ إِلَّا

لِفَقِيهٍ لِدِينِهِ صَوَّانِ

لَيْسَ يُغْنِي عَنْ جَاهِلٍ قَوْلُ مُفْتٍ

عَنْ فُلَانٍ وَقَوْلُهُ عَنْ فُلَانِ

إِنْ أَتَاهُ مُسْتَرْشِدًا أَفْتَاهُ

بِحَدِيثَيْنِ فِيهِمَا مَعْنَيَانِ

إِنَّ مَنْ تَحَمَّلَ الْحَدِيثَ وَلَا

يَعْرِفُ فِيهِ التَّأْوِيلَ كَالصَّيْدَلَانِ

حِينَ يُلْقَى لَدَيْهِ كُلُّ دَوَاءٍ

وَهْوَ بِالطِّبِّ جَاهِلٌ غَيْرُ وَانِ

حَكَّمَ اللَّهُ فِي الْجَزَاءِ ذَوَيْ عَدْلٍ

مِنَ الصَّيْدِ بِالَّذِي يَرَيَانِ

لَمْ يُوَقِّتْ وَلَمْ يُسَمِّ وَلَكِنْ

قَالَ فِيهِ فَلْيَحْكُمِ الْعَدْلَانِ

وَلَنَا فِي النَّبِيِّ صَلَّى عَلَيْهِ

اللَّهُ وَالصَّالِحُونَ كُلَّ أَوَانِ

أُسْوَةٌ فِي مَقَالَةٍ لِمُعَاذٍ

اقْضِ بِالرَّأْيِ إِنْ أَتَى الْخَصْمَانِ

وَكِتَابُ الْفَارُوقِ يَرْحَمُهُ اللَّهُ

إِلَى الْأَشْعَرِيِّ فِي تِبْيَانِ

قِسْ إِذَا أَشْكَلَتْ عَلَيْكَ أُمُورٌ

ثُمَّ قُلْ بِالصَّوَابِ لِلرَّحْمَنِ"

وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: " الْقِيَاسُ وَالتَّشْبِيهُ وَالتَّمْثِيلُ مِنْ لُغَةِ الْعَرَبِ الْفَصِيحَةِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ} [سورة: الرحمن، آية رقم: 58] وَقَوْلِهِ تَعَالَى {كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ} [سورة: يونس، آية رقم: 24] وَقَوْلِهِ {مَثَلُ نُورِهِ} [سورة: النور، آية رقم: 35] يَعْنِي فِي قَلْبِ الْمُؤْمِنِ {كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ} [سورة: النور، آية رقم: 35] وَقَوْلِهِ عز وجل {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ} [سورة: الأحقاف، آية رقم: 35] وَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ

⦗ص: 876⦘

النُّشُورُ} [سورة: فاطر، آية رقم: 9] وَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ} [سورة: ق، آية رقم: 11] وَمَا كَانَ مِثْلَهُ مِنْ ضَرْبِهِ جَلَّ وَعَزَّ الْأَمْثَالَ لِلِاعْتِبَارِ وَحُكْمِهِ لِلنَّظِيرِ بِحُكْمِ النَّظِيرِ وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَمَا كَانَ مِثْلَهُ الِاشْتِبَاهُ فِي بَعْضِ الْمَعَانِي وَهُوَ الْوَجْهُ الَّذِي جَرَى عَلَيْهِ الْحُكْمُ؛ لِأَنَّ الِاشْتِبَاهَ لَوْ وَقَعَ مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ كَانَ ذَلِكَ الشَّيْءَ بِعَيْنِهِ وَلَمْ يُوجَدْ تَغَايُرٌ أَبَدًا، أَلَا تَرَى أَنَّ النُّشُورَ لَيْسَ كَإِحْيَاءِ الْأَرْضِ بَعْدَ مَوْتِهَا إِلَّا مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَهَى الَّتِي جَرَى إِلَيْهَا الْحُكْمُ وَالْمُرَادُ، وَكَذَلِكَ الْجَزَاءُ بِالْمِثْلِ مِنَ النَّعَمِ لَا يُشْبِهُ الصَّيْدَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ فِي الْكُفَّارِ {كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ} [سورة: المدثر، آية رقم: 51] وَ {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ} [سورة: الفرقان، آية رقم: 44] وَقَعَ التَّشْبِيهُ مِنْ جِهَةِ عَمَى الْقُلُوبِ وَالْجَهْلِ وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ

1651 -

وَرَوَى الْخُشَنِيُّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ: قَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ:

[البحر البسيط]

احْكُمْ بِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ مُقْتَدِيًا

وَبِالنَّظَائِرِ فَاحْكُمْ وَالْمَقَايِيسِ،

1652 -

وَأَنْشَدَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى لِقُسِّ بْنِ سَاعِدَةَ وَأَنْشَدَهَا غَيْرُهُ لِلْأَقْيَسِ الْأَسَدِيِّ وَالْقَوْلُ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ:

[البحر السريع]

يَا أَيُّهَا السَّائِلُ عَمَّا مَضَى

مِنْ رَيْبِ هَذَا الزَّمَنِ الذَّاهِبِ

إِنْ كُنْتَ تَبْغِي الْعِلْمَ أَوْ أَهْلَهُ

فِي شَاهِدٍ يُخْبِرُ عَنْ غَائِبِ

فَاعْتَبِرِ الشَّيْءَ بِأَشْبَاهِهِ

وَاعْتَبِرِ الصَّاحِبَ بِالصَّاحِبِ،

⦗ص: 877⦘

1653 -

وَقَالَ ابْنُ مَنْصُورٍ:

[البحر السريع]

تَأَنَّ فِي الْأَمْرِ إِذَا رُمْتَهُ

تَبَيَّنُ الرُّشْدَ مِنَ الْغَيِّ

لَا تَتَّبِعَنَّ كُلَّ نَارٍ تَرَى

فَالنَّارُ قَدْ تُوقَدُ لِلْكَيِّ

وَقِسْ عَلَى الشَّيْءِ بِأَشْكَالِهِ

يَدُلُّكَ الشَّيْءُ عَلَى الشَّيْءِ،

1654 -

وَقَالَ غَيْرُهُ:

[البحر الوافر]

إِذَا أَعْيَا الْفَقِيهَ وُجُودُ نَصٍّ

تَعَلَّقَ لَا مَحَالَةَ بِالْقِيَاسِ،

1655 -

وَلِأَبِي الْفَتْحِ الْبُسْتِيِّ:

[البحر الرمل]

أَنْتِ عَيْنُ الْحَوْرِ نَصًّا وَقِيَاسًا

وَبَيَانُ الْحَقِّ نَصٌّ وَقِيَاسُ

ص: 874