الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ جِامِعِ بَيَانِ مَا يَلْزَمُ النَّاظِرَ فِي اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ قَالَ أَبُو عُمَرَ: " اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي هَذَا الْبَابِ عَلَى قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْأَئِمَّةِ، رحمهم الله، رَحْمَةٌ وَاسِعَةٌ وَجَائِزٌ لِمَنْ نَظَرَ فِي اخْتِلَافِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَأْخُذَ بِقَوْلِ
مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ، كَذَلِكَ النَّاظِرُ فِي أَقَاوِيلِ غَيْرِهِمْ مِنَ الْأَئِمَّةِ مَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ خَطَأٌ فَإِذَا بَانَ لَهُ أَنَّهُ خَطَأٌ لِخِلَافِهِ نَصَّ الْكِتَابِ أَوْ نَصَّ السُّنَّةِ أَوْ إِجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ لَمْ يَسَعْهُ اتِّبَاعُهُ، فَإِنْ لَمْ يَبِنْ لَهُ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ جَازَ لَهُ اسْتِعْمَالُ قَوْلِهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ صَوَابَهُ مِنْ خَطَئِهِ وَصَارَ فِي حَيِّزِ الْعَامَّةِ الَّتِي يَجُوزُ لَهَا أَنْ تُقَلِّدَ الْعَالِمَ إِذَا سَأَلَتْهُ عَنْ شَيْءٍ وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ وَجْهَهُ، هَذَا قَوْلٌ يُرْوَى مَعْنَاهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رضي الله عنه وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ إِنْ صَحَّ عَنْهُ وَقَالَ بِهِ قَوْمٌ وَمِنْ حُجَّتِهِمْ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:
1684 -
«أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ فَبِأَيِّهِمُ اقْتَدَيْتُمُ اهْتَدَيْتُمْ» ، وَهَذَا مَذْهَبٌ ضَعِيفٌ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَقَدْ رَفَضَهُ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ وَأَهْلُ النَّظَرِ وَنَحْنُ نُبَيِّنُ الْحُجَّةَ عَلَيْهِمْ فِي هَذَا الْبَابِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى مَا شَرَطْنَاهُ مِنَ التَّقْرِيبِ
وَالِاخْتِصَارِ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ عَلَى أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ مُتَقَدِّمِينَ وَمُتَأَخِّرِينَ يَمِيلُونَ إِلَيْهِ
1685 -
وَقَدْ نَظَمَ أَبُو مُزَاحِمٍ الْخَاقَانِيُّ ذَلِكَ فِي شِعْرٍ أَنْشَدَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ قَالَ: أَنْشَدَنَا يَحْيَى بْنُ مَالِكٍ قَالَ: أَنْشَدَنَا الدِّعْلِجِيُّ قَالَ: أَنْشَدَنَا أَبُو مُزَاحِمٍ مُوسَى بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ يَحْيَى بْنِ خَاقَانَ، لِنَفْسِهِ:
[البحر الوافر]
أَعُوذُ بِعِزَّةِ اللَّهِ السَّلَامِ
…
وَقُدْرَتِهِ مِنَ الْبِدَعِ الْعِظَامِ
أُبَيِّنُ مَذْهَبِي فِيمَنْ أَرَاهُ
…
إِمَامًا فِي الْحَلَالِ وَفِي الْحَرَامِ
كَمَا بَيَّنْتُ فِي الْقُرَّاءِ قَوْلِي
…
فَلَاحَ الْقَوْلُ مُعْتَلِيًا أَمَامِي
فَلَا أَعْدُو ذَوِي الْآثَارِ مِنْهُمْ
…
فَهُمْ قَصْدِي وَهُمْ نُورُ التَّمَامِ
أَقُولُ الْآنَ فِي الْفُقَهَاءِ قَوْلًا
…
عَلَى الْإِنْصَافِ جَدَّ بِهِ اهْتِمَامِي
أَرَى بَعْدَ الصَّحَابَةِ تَابِعِيهِمْ
…
لِذِي فُتْيَاهُمْ بِهِمُ ائْتِمَامِي
عَلِمْتُ إِذَا اعْتَزَمْتُ عَلَى اقْتِدَائِي
…
بِهِمْ أَنِّي مُصِيبٌ فِي اعْتِزَامِي
وَبَعْدَ التَّابِعِينَ أَئِمَّةٌ لِي
…
سَأَذْكُرُ بَعْضَهُمْ عِنْدَ انْتِظَامِ
فَسُفْيَانُ الْعِرَاقِ وَمَالِكٌ فِي
…
احْتِجَازِهُمُ وَأَوْزَاعِيٌّ شَامِي
أَلَا وَابْنُ الْمُبَارَكِ قُدْوَةٌ لِي
…
نَعَمْ وَالشَّافِعِيُّ أَخُو الْكِرَامِ
وَسَامِ بِذِكْرَى النُّعْمَانِ فِيهِمْ
…
فَنِعْمَ فَتًى بِهِ سَامِي الْمَسَامِي
⦗ص: 900⦘
وَمِمَّنِ ارْتَضِي فَأَبُو عُبَيْدٍ
…
وَأَرْضَى بِابْنِ حَنْبَلٍ الْإِمَامِ
فَآخُذُ مِنْ مَقَالِهِمُ اخْتِيَارِي
…
وَمَا أَنَا بِالْمُبَاهِي وَالْمُسَامِ
وَأَخْذِي بِاخْتِلَافِهِمُ مُبَاحٌ
…
لِتَوْسِيعِ الْإِلَهِ عَلَى الْأَنَامِ
وَلَسْتُ مُخَالِفًا إِنْ صَحَّ لِي عَنْ
…
رَسُولِ اللَّهِ قَوْلًا بِالْكَلَامِ
إِذَا خَالَفْتُ قَوْلَ رَسُولِ رَبِّي
…
خَشِيتُ عِقَابَ رَبٍّ ذِي انْتِقَامِ
وَمَا قَالَ الرَّسُولُ فَلَا خِلَافٌ
…
لَهُ يَا رَبِّ أَبْلِغْهُ سَلَامِي
قَالَ أَبُو عُمَرَ: " قَدْ يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ: فَآخُذُ مِنْ مَقَالِهِمُ اخْتِيَارِي وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ مَذْهَبُهُ فِي ذَلِكَ كَمَذْهَبِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَمَنْ تَابَعَهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الِاخْتِلَافَ سَعَةٌ وَرَحْمَةٌ، وَالْوَجْهُ الْآخَرُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ آخُذُ مِنْ مَقَالِهِمُ اخْتِيَارِي أَيْ أَصِيرُ مِنْ مَقَالِهِمْ إِلَى مَا قَامَ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ فَإِذَا بَانَ لِي صِحَّتُهُ اخْتَرْتُهُ وَهَذَا أَوْلَى مِنْ أَنْ يُضَافِ إِلَى أَحَدٍ الْأَخْذُ بِمَا أَرَادَهُ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى بِغَيْرِ بُرْهَانٍ وَنَحْنُ نُبَيِّنُ هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى"
1686 -
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ، ثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ، ثنا الْوَلِيدُ بْنُ شُجَاعٍ، ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَحْيَى، ثنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ، ثنا سُحْنُونُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَا: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَنْبَأَنِي أَفْلَحُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنِ
⦗ص: 901⦘
الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: «لَقَدْ نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِاخْتِلَافِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي أَعْمَالِهِمْ، لَا يَعْمَلُ الْعَالِمُ بِعَمَلِ رَجُلٍ مِنْهُمْ إِلَّا رَأَى أَنَّهُ فِي سَعَةٍ وَرَأَى أَنَّهُ خَيْرٌ مِنْهُ قَدْ عَمِلَهُ»
1687 -
وَرَوَاهُ هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَيْلِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَلَّامٍ الْآيِلِيِّ، عَنْ أَفْلَحِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ:«لَقَدْ أَوْسَعَ اللَّهُ عَلَى النَّاسِ بِاخْتِلَافِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، أَيُّ ذَلِكَ أَخَذْتَ بِهِ لَمْ يَكُنْ فِي نَفْسِكَ مِنْهُ شَيْءٌ»
1688 -
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، ثنا قَاسِمٌ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ، ثنا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ قَالَ: نا ضَمْرَةُ، عَنْ رَجَاءِ بْنِ جَمِيلٍ قَالَ: اجْتَمَعَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ رضي الله عنهما فَجَعَلَا يَتَذَاكَرَانِ الْحَدِيثَ، قَالَ: فَجَعَلَ عُمَرُ يَجِيءُ بِالشَّيْءِ يُخَالِفُ فِيهِ الْقَاسِمَ قَالَ: وَجَعَلَ ذَلِكَ يَشُقُّ عَلَى الْقَاسِمِ حَتَّى تَبَيَّنَ فِيهِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: «لَا تَفْعَلْ فَمَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِي بِاخْتِلَافِهِمْ حُمْرَ النَّعَمِ»
1689 -
وَذَكَرَ ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ نَافِعِ بْنِ أَبِي نُعَيْمٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
⦗ص: 902⦘
الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ: لَقَدْ أَعْجَبَنِي قَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رضي الله عنه «مَا أُحِبُّ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَخْتَلِفُوا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ قَوْلًا وَاحِدًا كَانَ النَّاسُ فِي ضِيقٍ وَإِنَّهُمْ أَئِمَّةٌ يُقْتَدَى بِهِمْ وَلَوْ أَخَذَ رَجُلٌ بِقَوْلِ أَحَدِهِمْ كَانَ فِي سَعَةٍ» ، وَقَالَ أَبُو عُمَرَ رحمه الله:«هَذَا فِيمَا كَانَ طَرِيقُهُ الِاجْتِهَادَ»
1690 -
وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ دُحَيْمِ بْنِ خَلِيلٍ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمَّادِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ، ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: سَأَلْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ، عَنْ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فِيمَا لَمْ يَجْهَرْ فِيهِ فَقَالَ:«إِنْ قَرَأْتَ فَلَكَ فِي رِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ، وَإِذَا لَمْ تَقْرَأْ فَلَكَ فِي رِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ»
1691 -
وَذَكَرَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي
⦗ص: 903⦘
اللَّيْثُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ:«مَا بَرِحَ الْمُسْتَفْتُونَ يُسْتَفْتَوْنَ فَيُحِلُّ هَذَا وَيُحَرِّمُ هَذَا فَلَا يَرَى الْمُحَرِّمُ أَنَّ الْمُحَلِّلَ هَلَكَ لِتَحْلِيلِهِ وَلَا يَرَى الْمُحَلْلَ أَنَّ الْمُحَرِّمَ هَلَكَ لِتَحْرِيمِهِ» قَالَ أَبُو عُمَرَ: " فَهَذَا مَذْهَبُ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَمَنْ تَابَعَهُ وَقَالَ بِهِ قَوْمٌ، وَأَمَّا مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رضي الله عنهما وَمَنْ سَلَكَ سَبِيلَهُمَا مِنْ أَصْحَابِهِمَا وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ وَجَمَاعَةِ أَهْلِ النَّظَرِ أَنَّ الِاخْتِلَافَ إِذَا تَدَافَعَ فَهُوَ خَطَأٌ وَصَوَابٌ، وَالْوَاجِبُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ طَلَبُ الدَّلِيلِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ عَلَى الْأُصُولِ عَلَى الصَّوَابِ مِنْهَا وَذَلِكَ لَا يُعْدَمُ فَإِنِ اسْتَوَتِ الْأَدِلَّةُ وَجَبَ الْمَيْلُ مَعَ الْأَشْبَهِ بِمَا ذَكَرْنَا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَإِذَا لَمْ يَبِنْ ذَلِكَ وَجَبَ التَّوَقُّفُ وَلَمْ يَجُزِ الْقَطْعُ إِلَّا بِيَقِينٍ فَإِنِ اضْطُرَّ أَحَدٌ إِلَى اسْتِعْمَالِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ جَازَ لَهُ مَا يَجُوزُ لِلْعَامَّةِ مِنَ التَّقْلِيدِ وَاسْتَعْمَلَ عِنْدَ إِفْرَاطِ التَّشَابُهِ وَالتَّشَاكُلِ وَقِيَامِ الْأَدِلَّةِ عَلَى كُلِّ قَوْلٍ بِمَا يُعَضِّدُهُ قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم:
1692 -
⦗ص: 904⦘
هَذَا حَالُ مَنْ لَا يُنْعِمُ النَّظَرَ وَلَا يُحْسِنُهُ وَهُوَ حَالُ الْعَامَّةِ الَّتِي يَجُوزُ لَهَا التَّقْلِيدُ فِيمَا نَزَلَ بِهَا وَأَفْتَاهَا بِذَلِكَ عُلَمَاؤُهَا، وَأَمَّا الْمَفْتُونُ فَغَيْرُ جَائِزٍ عِنْدَ أَحَدٍ مِمَّنْ ذَكَرْنَا قَوْلَهُ لِأَحَدٍ أَنْ يُفْتِيَ وَلَا يَقْضِيَ إِلَّا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ وَجْهُ مَا يُفْتِي بِهِ مِنَ الْكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ أَوِ الْإِجْمَاعِ أَوْ مَا كَانَ فِي مَعْنَى هَذِهِ الْأَوْجُهِ "
1693 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ذَكْوَانَ، ثنا مُجَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ، ثنا الشَّعْبِيُّ قَالَ: اجْتَمَعْنَا عِنْدَ ابْنِ هُبَيْرَةَ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ قُرَّاءِ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ فَجَعَلَ يَسْأَلُهُمْ حَتَّى انْتَهَى إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ فَجَعَلَ يَسْأَلُهُ فَيَقُولُ: قَالَ فُلَانٌ كَذَا وَقَالَ فُلَانٌ كَذَا وَقَالَ فُلَانٌ كَذَا فَقَالَ لَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ: «قَدْ » أَخْبَرْتَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ فَبِأَيِّ قَوْلٍ آخُذُ؟ " قَالَ: اخْتَرْ لِنَفْسِكَ، فَقَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ:«قَدْ سَمِعَ الشَّيْخَ عِلْمًا لَوْ أُعِينَ بِرَأْيٍ» وَذَكَرَ تَمَامَ الْخَبَرِ
1694 -
أَخْبَرَنَا قَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا مُحَمَّدٌ قَالَ: نا خَالِدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ فُطَيْسٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَ: سَمِعْتُ أَشْهَبَ يَقُولُ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ اخْتِلَافِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «خَطَأٌ وَصَوَابٌ فَانْظُرْ فِي ذَلِكَ»
1695 -
وَذَكَرَ يَحْيَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ فرين قَالَ: حَدَّثَنِي أَصْبَغُ قَالَ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، سَمِعْتُ مَالِكًا، وَاللَّيْثَ، يَقُولَانِ فِي اخْتِلَافِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْسَ كَمَا قَالَ نَاسٌ:«فِيهِ تَوْسِعَةٌ لَيْسَ كَذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ خَطَأٌ وَصَوَابٌ»
1696 -
قَالَ يَحْيَى، وَبَلَغَنِي أَنَّ اللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ قَالَ:«إِذَا جَاءَ الِاخْتِلَافُ أَخَذْنَا فِيهِ بِالْأَحْوَطِ»
1697 -
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَحْيَى، ثنا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ زَيَّانَ، ثنا الْحَارِثُ بْنُ مِسْكِينٍ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ قَالَ:«فِي اخْتِلَافِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُخْطِئٌ وَمُصِيبٌ فَعَلَيْكَ بِالِاجْتِهَادِ»
1698 -
أَخْبَرَنِي خَلَفُ بْنُ الْقَاسِمِ قَالَ: أنا أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ شَعْبَانَ قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمَّادٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ لِي مَالِكٌ: " يَا عَبْدَ اللَّهِ أَدِّ مَا سَمِعْتَ وَحَسْبُكَ وَلَا تَحْمِلْ لِأَحَدٍ عَلَى ظَهْرِكَ وَاعْلَمْ أَنَّمَا هُوَ خَطَأٌ وَصَوَابٌ فَانْظُرْ لِنَفْسِكَ، فَإِنَّهُ كَانَ يُقَالُ: أَخْسَرُ النَّاسِ مَنْ بَاعَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَاهُ وَأَخْسَرُ مِنْهُ مَنْ بَاعَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَا غَيْرِهِ "
1699 -
وَذَكَرَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ فِي كِتَابِهِ الْمَبْسُوطِ، عَنْ أَبِي ثَابِتٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ الْقَاسِمِ يَقُولُ: سَمِعْتُ مَالِكًا وَاللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ، يَقُولَانِ فِي اخْتِلَافِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَذَلِكَ أَنَّ أُنَاسًا يَقُولُونَ: فِي ذَلِكَ تَوْسِعَةٌ فَقَالَ: «لَيْسَ كَذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ خَطَأٌ وَصَوَابٌ» قَالَ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي: إِنَّمَا التَّوْسِعَةُ فِي اخْتِلَافِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَوْسِعَةٌ فِي اجْتِهَادِ الرَّأْيِ فَأَمَّا أَنْ يَكُونَ تَوْسِعَةً لِأَنْ يَقُولَ النَّاسُ بِقَوْلٍ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ عِنْدَهُ فِيهِ
⦗ص: 907⦘
فَلَا وَلَكِنَّ اخْتِلَافَهُمْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمُ اجْتَهَدُوا فَاخْتَلَفُوا. قَالَ أَبُو عُمَرَ: كَلَامُ إِسْمَاعِيلَ هَذَا حَسَنٌ جِدًّا
1700 -
وَفِي سَمَاعِ أَشْهَبَ سُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ أَخَذَ بِحَدِيثٍ حَدَّثَهُ ثِقَةٌ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَتُرَاهُ مِنْ ذَلِكَ فِي سَعَةٍ؟ فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ حَتَّى يُصِيبَ الْحَقَّ وَمَا الْحَقُّ إِلَّا وَاحِدٌ، قَوْلَانِ مُخْتَلِفَانِ يَكُونَانِ صَوَابًا جَمِيعًا وَمَا الْحَقُّ وَالصَّوَابُ إِلَّا وَاحِدٌ "
1701 -
وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ حَارِثٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّاسٍ النَّحَّاسُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَدَّادُ، ثنا أَبُو خَالِدٍ الْخَامِيُّ قَالَ: قُلْتُ لِسُحْنُونَ، تَقْرَأُ لِي كِتَابَ الْقِسْمَةِ؟ فَقَالَ «عَلَى أَنِّي لَا أَقُولُ فِيهِ إِلَّا بِخَمْسٍ»
1702 -
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ ثنا الْمَيْمُونُ بْنُ حَمْزَةَ الْحُسَيْنِيُّ بِمِصْرَ ثنا أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ، ثنا أَبُو إِبْرَاهِيمَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ يَحْيَى الْمُزَنِيُّ، ح
⦗ص: 908⦘
وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَحْيَى، ثنا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: نا أَبُو عَلِيٍّ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ شُعَيْبِ بْنِ زِيَادٍ الْمَدَائِنِيُّ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ يَحْيَى الْمُزَنِيُّ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ " فِي اخْتِلَافِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَصِيرُ مِنْهُمَا إِلَى مَا وَافَقَ الْكِتَابَ أَوِ السُّنَّةَ أَوِ الْإِجْمَاعَ أَوْ كَانَ أَصَحَّ فِي الْقِيَاسِ وَقَالَ فِي قَوْلِ الْوَاحِدِ مِنْهُمْ: إِذَا لَمْ يُحْفَظْ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْهُمْ صِرْتُ إِلَيْهِ وَأَخَذْتُ بِهِ إِذَا لَمْ أَجِدْ كِتَابًا وَلَا سُنَّةً وَلَا إِجْمَاعًا وَلَا دَلِيلًا مِنْهَا هَذَا إِذَا وَجَدْتُ مَعَهُ الْقِيَاسَ، قَالَ: وَقَلَّ مَا يُوجَدُ ذَلِكَ " قَالَ الْمُزَنِيُّ: " فَقَدْ بَيَّنَ أَنَّهُ قَبِلَ قَوْلَهُ بِحُجَّةٍ فَفِي هَذَا مَعَ اجْتِمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّ الْعُلَمَاءَ فِي كُلِّ قَرْنٍ يُنْكِرُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ قَضَاءٌ بَيِّنٌ عَلَى أَنْ لَا يُقَالَ إِلَّا بِحُجَّةٍ وَأَنَّ الْحَقَّ فِي وَجْهٍ وَاحِدٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
1703 -
قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَقَدْ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي كِتَابِ أَدَبِ الْقُضَاةِ أَنَّ الْقَاضِيَ وَالْمُفْتِيَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ وَيُفْتِيَ حَتَّى يَكُونَ عَالِمًا بِالْكِتَابِ وَبِمَا قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِهِ وَعَالِمًا بِالسُّنَنِ وَالْآثَارِ وَعَالِمًا بِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ، حَسَنَ النَّظَرِ صَحِيحَ الْأَوَدِ وَرِعًا مُشَاوِرًا فِيمَا اشْتُبِهَ عَلَيْهِ وَهَذَا كُلُّهُ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَسَائِرُ فُقَهَاءِ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مِصْرٍ يَشْتَرِطُونَ أَنَّ الْقَاضِيَ وَالْمُفْتِيَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إِلَّا فِي هَذِهِ الصِّفَاتِ "، وَاخْتَلَفَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله فِي هَذَا الْبَابِ، فَمَرَّةً قَالَ: أَمَّا أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَآخُذُ بِقَوْلِ مَنْ شِئْتُ مِنْهُمْ وَلَا أَخْرُجُ عَنْ قَوْلِ جَمِيعِهِمْ وَإِنَّمَا يَلْزَمُنِي النَّظَرُ فِي أَقَاوِيلِ مَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ وَمَنْ دُونَهُمْ " قَالَ أَبُو عُمَرَ: «قَدْ جَعَلَ لِلصِّحَابَةِ فِي ذَلِكَ مَا لَمْ يَجْعَلْ لِغَيْرِهِمْ وَأَظُنُّهُ مَالَ إِلَى ظَاهِرِ حَدِيثِ
⦗ص: 909⦘
»
1704 -
أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ «وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَإِلَى نَحْوِ هَذَا كَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رحمه الله يَذْهَبُ»
1705 -
ذَكَرَ الْعُقَيْلِيُّ، قَالَ: ثنا هَارُونُ بْنُ عَلِيٍّ الْمُقْرِئُ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الصَّيْرَفِيُّ قَالَ: قُلْتُ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، إِذَا اخْتَلَفَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَسْأَلَةٍ هَلْ يَجُوزُ لَنَا أَنْ نَنْظُرَ فِي أَقْوَالِهِمْ لِنَعْلَمَ مَعَ مَنِ الصَّوَابُ مِنْهُمْ فُنَتَّبِعَهُ؟ فَقَالَ لِي:«لَا يَجُوزُ النَّظَرُ بَيْنَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» فَقُلْتُ: فَكَيْفَ الْوَجْهُ فِي ذَلِكَ؟ قَالَ: «تُقَلِّدْ أَيَّهُمْ أَحْبَبْتَ» قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَلَمْ نَرَ النَّظَرَ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ خَوْفًا مِنَ التَّطَرُّقِ إِلَى النَّظَرِ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ وَحَارَبَ فِيهِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا "
1706 -
وَقَدْ رَوَى السَّمْتِيُّ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ:" أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلَيْنِ لِلصِّحَابَةِ: أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ خَطَأٌ وَالْمَأْثَمُ فِيهِ مَوْضُوعٌ "
1707 -
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ حَكَمَ فِي طَسْتٍ تَمْرٍ ثُمَّ غَرِمَهُ لِلْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ فَلَوْ كَانَ لَا يَشُكُّ أَنَّ الَّذِيَ قَضَى بِهِ هُوَ الْحَقُّ لَمَا تَأَثَّمَ عَنِ الْحَقِّ الَّذِي لَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَلَكِنَّهُ خَافَ أَنْ يَكُونَ قَضَى عَلَيْهِ بِقَضَاءٍ أَغْفَلَ فِيهِ، فَضَمِنَ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُ فَتَوَرَّعَ، فَاسْتَحَلَّ ذَلِكَ بِغُرْمِهِ لَهُ؛ لَأَنَّ الْمَالَ إِذَا اسْتُهْلِكَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً وَجَبَ ضَمَانُهُ، وَقَدْ جَاءَ عَنْهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ فِي مِثْلِ هَذَا قَدْ مَضَى الْقَضَاءُ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُزَنِيُّ حُجَجًا فِي هَذَا أَنَا أَذْكُرُهَا هَا هُنَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى،
⦗ص: 910⦘
1708 -
قَالَ الْمُزَنِيُّ: " قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: 82] فَذَمَّ الِاخْتِلَافَ وَقَالَ: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا} [آل عمران: 105] الْآيَةَ، وَقَالَ: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59] "
1709 -
وَعَنْ مُجَاهِدٍ، وَعَطَاءٍ، وَغَيْرِهِمَا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ قَالُوا:«إِلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ» قَالَ الْمُزَنِيُّ: «فَذُمَّ اللَّهُ الِاخْتِلَافَ وَأُمِرَ عِنْدَهُ بِالرُّجُوعِ إِلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَلَوْ كَانَ الِاخْتِلَافُ مِنْ دِينِهِ مَا ذَمَّهُ، وَلَوْ كَانَ التَّنَازُعُ مِنْ حُكْمِهِ مَا أَمَرَهُمْ بِالرُّجُوعِ عِنْدَهُ إِلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ» قَالَ:
1710 -
وَرُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «احْذَرُوا زَلَّةَ الْعِلْمِ» ،
⦗ص: 911⦘
1711 -
وَعَنْ عُمَرَ، وَمُعَاذٍ، وَسَلْمَانَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي التَّخْوِيفِ مِنْ زَلَّةِ الْعَالِمِ، قَالَ: وَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَخَطَّأَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَنَظَرَ بَعْضُهُمْ فِي أَقَاوِيلِ بَعْضٍ وَتَعَقَّبَهَا، وَلَوْ كَانَ قَوْلُهُمْ كُلُّهُ صَوَابًا عِنْدَهُمْ لَمَا فَعَلُوا ذَلِكَ،
1712 -
وَقَدْ جَاءَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودِ فِي غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أَنَّهُ قَالَ: «أَقُولُ فِيهَا بِرَأْيِي فَإِنْ يَكُ صَوَابًا فَمِنَ اللَّهِ وَإِنْ يَكُ خَطَأً فَمِنِّي وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ»
1713 -
وَغَضِبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه مِنَ اخْتِلَافِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ فِي الصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ، قَالَ أُبَيٌّ:«إِنَّ الصَّلَاةَ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ حَسَنٌ جَمِيلٌ» ، وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ:«إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ وَالثِّيَابُ قَلِيلَةٌ» فَخَرَجَ عُمَرُ مُغْضَبًا فَقَالَ: «اخْتَلَفَ رَجُلَانِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَمَنْ يُنْظَرُ إِلَيْهِ وَيُؤْخَذُ عَنْهُ، وَقَدْ صَدَقَ أُبَيٌّ وَلَمْ يَأْلُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَلَكِنِّي لَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا يَخْتَلِفُ فِيهِ بَعْدَ مَقَامِي هَذَا إِلَّا فَعَلْتُ بِهِ كَذَا وَكَذَا
1714 -
وَعَنْ عُمَرَ» فِي الْمَرْأَةِ الَّتِي غَابَ عَنْهَا زَوْجُهَا وَبَلَغَهُ عَنْهَا أَنَّهُ يُتَحَدَّثُ عِنْدَهَا فَبَعَثَ إِلَيْهَا مَنْ يَعِظُهَا وَيُذَكِّرُهَا وَيُوعِدُهَا إِنْ عَادَتْ فَمَخَضَتْ فَوَلَدَتْ غُلَامًا فَصَوَّتَ ثُمَّ مَاتَ فَشَاوَرَ أَصْحَابَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالُوا: وَاللَّهِ مَا نَرَى عَلَيْكَ شَيْئًا مَا أَرَدْتَ بِهَذَا إِلَّا الْخَيْرَ وَعَلِيٌّ حَاضِرٌ فَقَالَ: مَا تَرَى يَا أَبَا حَسَنٍ؟ فَقَالَ: قَدْ قَالَ هَؤُلَاءِ فَإِنْ يَكُ خَيْرًا جَهْدُ رَأْيِهِمْ فَقَدْ قَضَوْا مَا عَلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانُوا قَارَبُوكَ فَقَدْ غَاشُّوكَ، أَمَّا الْإِثْمُ فَأَرْجُو أَنْ يَضَعَهُ اللَّهُ عَنْكَ بِنِيَّتِكَ وَمَا يَعْلَمُ مِنْكَ وَأَمَّا الْغُلَامُ فَقَدْ وَاللَّهِ غَرِمْتَ فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ وَاللَّهِ صَدَقْتَنِي أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ لَا تَجْلِسُ حَتَّى تَقْسِمَهَا عَلَى بَنِي أَبِيكَ " يُرِيدُ بِقَوْلِهِ بَنِي أَبِيكَ أَيْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ رَهْطِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
1715 -
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ: نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، ثنا ابْنُ وَضَّاحٍ، ثنا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ قَالَ: نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ قَالَ: أنا خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ فِي قَوْلِهِ:{شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى: 13] قَالَ: «إِقَامَةُ الدِّينِ إِخْلَاصُهُ» {وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى: 13] يَقُولُ: «لَا تَتَعَادَوْا عَلَيْهِ وَكُونُوا عَلَيْهِ إِخْوَانًا» قَالَ: ثُمَّ ذَكَرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَحَذَّرَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا بِسُنَّتِهِمْ، قَالَ:{وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ} [الشورى: 14] فَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: «بَغْيًا عَلَى الدُّنْيَا وَمُلْكِهَا وَزُخْرُفِهَا وَزِينَتِهَا وَسُلْطَانِهَا» {وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ} [الشورى: 14] قَالَ: «مِنْ هَذَا الْإِخْلَاصِ»