المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب رتب الطلب وكشف المذهب قال أبو عمر رحمه الله: " طلب العلم درجات ومناقل ورتب لا ينبغي تعديها ومن تعداها جملة فقد تعدى سبيل السلف رحمهم الله ومن تعدى سبيلهم عامدا ضل، ومن تعداه مجتهدا زل فأول العلم حفظ كتاب الله عز وجل وتفهمه وكل ما يعين على فهمه - جامع بيان العلم وفضله - جـ ٢

[ابن عبد البر]

فهرس الكتاب

- ‌بَابُ الْعِبَارَةِ عَنْ حُدُودِ عِلْمِ الدِّيَانَاتِ وَسَائِرِ الْعُلُومِ الْمُتَصَرِّفَاتِ بِحَسَبِ تَصَرُّفِ الْحَاجَاتِ وَسَائِرِ الْعُلُومِ الْمُنْتَحِلَاتِ عِنْدَ جَمِيعِ أَهْلِ الْمَقَالَاتِ. قَالَ أَبُو عُمَرَ رضي الله عنه: " حَدُّ الْعِلْمِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ فِي هَذَا الْمَعْنَى هُوَ مَا اسْتَيْقَنْتَهُ وَتَبَيَّنْتَهُ وَكُلُّ مَنِ اسْتَيْقَنَ شَيْئًا وَتَبَيَّنَهُ فَقَدْ عَلِمَهُ

- ‌بَابٌ مُخْتَصَرٌ فِي مُطَالَعَةِ كُتُبِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالرِّوَايَةِ عَنْهُمْ

- ‌بَابُ مَنْ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُسَمَّى فَقِيهًا أَوْ عَالِمًا حَقِيقَةً لَا مَجَازًا، وَمَنْ يَجُوزُ لَهُ الْفُتْيَا عِنْدَ الْعُلَمَاءِ

- ‌بَابُ مَا يَلْزَمُ الْعَالِمَ إِذَا سُئِلَ عَمَّا لَا يَدْرِيهِ مِنْ وُجُوهِ الْعِلْمِ

- ‌بَابُ اجْتِهَادِ الرَّأْيِ عَلَى الْأُصُولِ عِنْدَ عَدَمِ النُّصُوصِ فِي حِينِ نُزُولِ النَّازِلَةِ

- ‌بَابٌ: نُكْتَةٌ يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى اسْتِعْمَالِ عُمُومِ الْخِطَابِ فِي السُّنَنِ وَالْكِتَابِ وَعَلَى إِبَاحَةِ تَرْكِ ظَاهِرِ الْعُمُومِ لِلِاعْتِبَارِ بِالْأُصُولِ

- ‌بَابٌ فِي خَطَأِ الْمُجْتَهِدِينَ مِنَ الْحُكَّامِ وَالْمُفْتِينَ

- ‌بَابُ نَفْيِ الِالْتِبَاسِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الدَّلِيلِ " وَالْقِيَاسِ وَذِكْرِ مَنْ ذَمَّ الْقِيَاسَ عَلَى غَيْرِ أَصْلٍ وَمَا يَرُدُّهُ مِنَ الْقِيَاسِ أَصْلٌ قَالَ أَبُو عُمَرَ رحمه الله: " لَا خِلَافَ بَيْنَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ وَسَائِرِ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَهُمْ أَهْلُ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ فِي نَفْيِ الْقِيَاسِ فِي التَّوْحِيدِ وَإِثْبَاتِهِ فِي الْأَحْكَامِ إِلَّا دَاوُدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ

- ‌بَابُ جِامِعِ بَيَانِ مَا يَلْزَمُ النَّاظِرَ فِي اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ قَالَ أَبُو عُمَرَ: " اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي هَذَا الْبَابِ عَلَى قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْأَئِمَّةِ، رحمهم الله، رَحْمَةٌ وَاسِعَةٌ وَجَائِزٌ لِمَنْ نَظَرَ فِي اخْتِلَافِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَأْخُذَ بِقَوْلِ

- ‌بَابُ ذِكْرِ الدَّلِيلِ مِنْ أَقَاوِيلِ السَّلَفِ عَلَى أَنَّ الِاخْتِلَافَ خَطَأٌ وَصَوَابٌ «يَلْزَمُ طَالِبُ الْحُجَّةِ عِنْدَهُ، وَذِكْرُ بَعْضِ مَا خَطَّأَ فِيهِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَأَنْكَرَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ عِنْدَ اخْتِلَافِهِمْ، وَذِكْرُ مَعْنَى قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم» أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ

- ‌بَابُ ذِكْرِ مَنْ ذَمَّ الْإِكْثَارَ مِنَ الْحَدِيثِ دُونَ التَّفَهُّمِ لَهُ وَالتَّفَقُّهِ فِيهِ

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي ذَمِّ الْقَوْلِ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى بِالرَّأْيِ وَالظَّنِّ وَالْقِيَاسِ عَلَى غَيْرِ أَصْلٍ وَعَيْبِ الْإِكْثَارِ مِنَ الْمَسَائِلِ دُونَ اعْتِبَارٍ

- ‌بَابُ حُكْمِ قَوْلِ الْعُلَمَاءِ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ

- ‌بَابُ تَدَافُعِ الْفَتْوَى وَذَمِّ مَنْ سَارَعَ إِلَيْهَا

- ‌بَابُ رُتَبِ الطَّلَبِ وَكَشْفِ الْمَذْهَبِ قَالَ أَبُو عُمَرَ رحمه الله: " طَلَبُ الْعِلْمِ دَرَجَاتٌ وَمَنَاقِلُ وَرُتَبٌ لَا يَنْبَغِي تَعَدِّيهَا وَمَنْ تَعَدَّاهَا جُمْلَةً فَقَدْ تَعَدَّى سَبِيلَ السَّلَفِ رحمهم الله وَمَنْ تَعَدَّى سَبِيلَهُمْ عَامِدًا ضَلَّ، وَمَنْ تَعَدَّاهُ مُجْتَهِدًا زَلَّ فَأَوَّلُ الْعِلْمِ حِفْظُ كِتَابِ اللَّهِ عز وجل وَتَفَهُّمُهُ وَكُلُّ مَا يُعِينُ عَلَى فَهْمِهِ

- ‌بَابٌ فِي الْعَرْضِ عَلَى الْعَالِمِ وَقَوْلِ: أَخْبَرَنَا وَحَدَّثَنَا وَاخْتِلَافِهِمْ فِي ذَلِكَ وَفِي الْإِجَازَةِ وَالْمُنَاوَلَةِ

- ‌بَابٌ فِيمَنْ تَأَوَّلَ الْقُرْآنَ وَتَدَبَّرَهُ وَهُوَ جَاهِلٌ بِالسُّنَّةِ قَالَ أَبُو عُمَرَ: «أَهْلُ الْبِدَعِ أَجْمَعُ أَضْرَبُوا عَنِ السُّنَّةِ وَتَأَوَّلُوا الْكِتَابَ عَلَى غَيْرِ مَا بَيَّنَتِ السُّنَّةُ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْخُذْلَانِ وَنَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ وَالْعِصْمَةَ بِْرَحْمَتِهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم التَّحْذِيرُ عَنْ ذَلِكَ فِي

- ‌بَابُ فَضْلِ السُّنَّةِ وَمُبَايَنَتِهَا لِسَائِرِ أَقْوَالِ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ

- ‌بَابُ ذِكْرِ بَعْضِ مَنْ كَانَ لَا يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَّا وَهُوَ عَلَى وُضُوءٍ

- ‌بَابٌ فِي إِنْكَارِ أَهْلِ الْعِلْمِ مَا يَجِدُونَهُ مِنَ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ

الفصل: ‌باب رتب الطلب وكشف المذهب قال أبو عمر رحمه الله: " طلب العلم درجات ومناقل ورتب لا ينبغي تعديها ومن تعداها جملة فقد تعدى سبيل السلف رحمهم الله ومن تعدى سبيلهم عامدا ضل، ومن تعداه مجتهدا زل فأول العلم حفظ كتاب الله عز وجل وتفهمه وكل ما يعين على فهمه

‌بَابُ رُتَبِ الطَّلَبِ وَكَشْفِ الْمَذْهَبِ قَالَ أَبُو عُمَرَ رحمه الله: " طَلَبُ الْعِلْمِ دَرَجَاتٌ وَمَنَاقِلُ وَرُتَبٌ لَا يَنْبَغِي تَعَدِّيهَا وَمَنْ تَعَدَّاهَا جُمْلَةً فَقَدْ تَعَدَّى سَبِيلَ السَّلَفِ رحمهم الله وَمَنْ تَعَدَّى سَبِيلَهُمْ عَامِدًا ضَلَّ، وَمَنْ تَعَدَّاهُ مُجْتَهِدًا زَلَّ فَأَوَّلُ الْعِلْمِ حِفْظُ كِتَابِ اللَّهِ عز وجل وَتَفَهُّمُهُ وَكُلُّ مَا يُعِينُ عَلَى فَهْمِهِ

فَوَاجِبٌ طَلَبُهُ مَعَهُ وَلَا أَقُولُ: إِنَّ حِفْظَهُ كُلَّهُ فَرْضٌ وَلَكِنِّي أَقُولُ: إِنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ لَازِمٌ عَلَى مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا فَقِيهًا نَاصِبًا نَفْسَهُ لِلْعِلْمِ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْفَرْضِ "

ص: 1129

2222 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ، نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، نا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ، ثنا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، ثنا مَيْمُونٌ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الضَّحَّاكِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ} [آل عمران: 79] قَالَ: «حَقٌّ عَلَى كُلِّ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ أَنْ يَكُونَ فَقِيهًا»

⦗ص: 1130⦘

2223 -

وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ أَبِي الدَّرْدَاءَ لَنْ تَفْقَهَ كُلَّ الْفِقْهِ حَتَّى تَرَى لِلْقُرْآنِ وُجُوهًا

2224 -

وَقَالَ مُجَاهِدٌ رَبَّانِيِّينَ فُقَهَاءُ

2225 -

وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَأَبُو رَزِينٍ وَقَتَادَةُ عُلَمَاءٌ حُلَمَاءٌ قَالَ أَبُو عُمَرَ «الْقُرْآنُ أَصْلُ الْعِلْمِ فَمَنْ حَفِظَهُ قَبْلَ بُلُوغِهِ ثُمَّ فَرَغَ إِلَى مَا يَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى فَهْمِهِ مِنْ لِسَانِ الْعَرَبِ كَانَ ذَلِكَ لَهُ عَوْنًا كَبِيرًا عَلَى مُرَادِهِ مِنْهُ، وَمِنْ سُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ يَنْظُرُ فِي نَاسِخِ الْقُرْآنِ وَمَنْسُوخِهِ وَأَحْكَامِهِ وَيَقِفُ عَلَى اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ وَاتِّفَاقِهِمْ فِي ذَلِكَ وَهُوَ أَمْرٌ قَرِيبٌ عَلَى مَنْ قَرَّبَهُ اللَّهُ عز وجل عَلَيْهِ، ثُمَّ يَنْظُرُ فِي السُّنَنِ الْمَأْثُورَةِ الثَّابِتَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَبِهَا يَصِلُ الطَّالِبُ إِلَى مُرَادِ اللَّهِ عز وجل فِي كِتَابِهِ وَهِيَ تَفْتَحُ لَهُ أَحْكَامُ الْقُرْآنِ فَتْحًا، وَفِي سِيَرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَنْبِيهٌ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ فِي السُّنَنِ وَمَنْ طَلَبَ السُّنَنَ فَلْيَكُنْ مُعَوَّلُهُ عَلَى حَدِيثِ الْأَئِمَّةِ الثِّقَاتِ الْحُفَّاظِ الَّذِينَ جَعَلَهُمُ اللَّهُ عز وجل خَزَائِنَ لْعِلْمِ دِينِهِ وَأُمَنَاءَ عَلَى سُنَنِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم كَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ الَّذِي قَدِ اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ طُرًّا عَلَى صِحَّةِ نَقْلِهِ وَنَقَاوَةِ حَدِيثِهِ وَشِدَّةِ تَوَقُّفِهِ وَانْتِقَادِهِ وَمَنْ جَرَى مَجْرَاهُ مِنْ ثِقَاتِ عُلَمَاءِ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ وَالشَّامِ كَشُعْبَةَ بْنِ الْحَجَّاجِ، وَسُفْيَانَ

⦗ص: 1131⦘

الثَّوْرِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَابْنِ عُيَيْنَةَ، وَمَعْمَرٍ وَسَائِرِ أَصْحَابِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ الثِّقَاتِ، كَابْنِ جُرَيْجٍ، وَعَقِيلٍ، وَيُونُسَ، وَشُعَيْبٍ وَالزُّبَيْدِيِّ، وَاللَّيْثِ، وَحَدِيثُ هَؤُلَاءِ عِنْدَ ابْنِ وَهْبٍ وَغَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ، وَأَمْثَالُهُمْ مِنْ أَهْلِ الثِّقَةِ وَالْأَمَانَةِ، فَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ أَئِمَّةُ حَدِيثٍ وَعِلْمٍ عِنْدَ الْجَمِيعِ وَعَلَى حَدِيثِهِمُ اعْتَمَدَ الْمُصَنِّفُونَ لِلسُّنَنِ الصِّحَاحِ كَالْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ وَمَنْ سَلَكَ سَبِيلَهُمْ كَالْعُقَيْلِيِّ وَالتِّرْمِذِيِّ، وَابْنِ السَّكَنِ وَمَنْ لَا يُحْصَى كَثْرَةً، وَإِنَّمَا صَارَ مَالِكٌ وَمَنْ ذَكَرْنَا مَعَهُ أَئِمَّةً عِنْدَ الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّ عِلْمَ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم وَالتَّابِعِينَ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ انْتَهَى إِلَيْهِمْ لِبَحْثِهِمْ عَنْهُ رحمهم الله، وَالَّذِي يَشِذُّ عَنْهُمْ نَذْرٌ يَسِيرٌ فِي جَنْبِ مَا عِنْدَهُمْ»

2226 -

أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ بَكْرِ بْنِ عِمْرَانَ الْمَوْصِلِيُّ، نا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ أَحْمَدَ الْأَزْدِيُّ، حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ عِيسَى، نا أَبُو قِلَابَةَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّقَاشِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الْمَدِينِيِّ يَقُولُ: دَارَ عِلْمُ الثِّقَاتِ عَلَى سِتَّةٍ: اثْنَيْنِ بِالْحِجَازِ وَاثْنَيْنِ بِالْكُوفَةِ وَاثْنَيْنِ بِالْبَصْرَةِ فَأَمَّا اللَّذَانِ بِالْحِجَازِ فَالزُّهْرِيُّ، وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، وَاللَّذَانِ بِالْكُوفَةَ أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ، وَالْأَعْمَشُ، وَاللَّذَانِ بِالْبَصْرَةِ قَتَادَةُ، وَيَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، ثُمَّ دَارَ عِلْمُ هَؤُلَاءِ عَلَى ثَلَاثَةَ عَشْرَ رَجُلًا: ثَلَاثَةٌ بِالْحِجَازِ وَثَلَاثَةٌ بِالْكُوفَةِ وَخَمْسَةٌ بِالْبَصْرَةِ وَوَاحِدٌ بِوَاسِطَ وَوَاحِدٌ بِالشَّامِ فَالَّذِينَ بِالْحِجَازِ ابْنُ جُرَيْجٍ، وَمَالِكٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، وَالَّذِينَ بِالْكُوفَةِ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَإِسْرَائِيلُ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، وَالَّذِينَ بِالْبَصْرَةِ شُعْبَةُ، وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، وَهِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ، وَمَعْمَرٌ، وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، وَالَّذِي بِوَاسِطَ هُشَيْمٌ، وَالَّذِي بِالشَّامِ الْأَوْزَاعِيُّ «

⦗ص: 1132⦘

قَالَ أَبُو عُمَرَ لَمْ يُذْكَرْ حَمَّادَ بْنَ زَيْدٍ فِيهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ اسْتِنْبَاطٌ فِي عِلْمِهِ وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ وَشُعْبَةُ مِثْلُهُ، وَذِكْرُ شُعْبَةَ فِي الْبَصْرِيِّينَ وَهُوَ وَاسِطِيٌّ قَدْ سَكَنَ الْبَصْرَةَ» وَمِمَّا يُسْتَعَانُ بِهِ عَلَى فَهْمِ الْحَدِيثِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْعَوْنِ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ عز وجل وَهُوَ الْعِلْمُ بِلِسَانِ الْعَرَبِ وَمَوَاقِعِ كَلَامِهَا وَسَعَةِ لُغَتِهَا وَأَشْعَارِهَا وَمَجَازِهَا وَعُمُومِ لَفْظِ مُخَاطَبَتِهَا وَخُصُوصِهِ وَسَائِرِ مَذَاهِبِهَا لِمَنْ قَدَرَ فَهُوَ شَيْءٌ لَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ، وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه يَكْتُبُ إِلَى الْآفَاقِ أَنْ يَتَعَلَّمُوا السُّنَّةَ وَالْفَرَائِضَ وَاللَّحْنَ يَعْنِي النَّحْوَ كَمَا يُتَعَلَّمُ الْقُرْآنُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ هَذَا الْخَبَرِ عَنْهُ فِيمَا سَلَفَ مِنْ كِتَابِنَا "

ص: 1129

2227 -

وَحَدَّثَنَاهُ أَيْضًا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَكَمِ، قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، ثنا أَبُو خَلِيفَةَ الْفَضْلُ بْنُ الْحُبَابِ قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، ثنا شُعْبَةُ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ: كَانَ فِي كِتَابِ عُمَرَ رضي الله عنه: تَعَلَّمُوا الْعَرَبِيَّةَ "

ص: 1132

2228 -

وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، ثنا عَبْدُ اللَّهِ، ثنا بَقِيٌّ، ثنا

⦗ص: 1133⦘

أَبُو بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ثنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ ثَوْرِ عَنْ عُمَرَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ إِلَى أَبِي مُوسَى: أَمَّا بَعْدُ فَتَفَقَّهُوا فِي السُّنَّةِ وَتَفَقَّهُوا فِي الْعَرَبِيَّةِ "

ص: 1132

2229 -

وَبِهِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ:«أَنَّهُ كَانَ يَضْرِبُ وَلَدَهُ عَلَى اللَّحْنِ»

2230 -

وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: «النَّحْوُ فِي الْعِلْمِ كَالْمِلْحِ فِي الطَّعَامِ لَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ» ،

2231 -

وَقَالَ شُعْبَةُ: «مَثَلُ الَّذِي يَتَعَلَّمُ الْحَدِيثَ وَلَا يَتَعَلَّمُ اللَّحْنَ مَثَلُ بُرْنُسٍ لَا رَأْسَ لَهُ» ،

2232 -

وَقَالَ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ:

[البحر الخفيف]

أَيُّ شَيْءٍ مِنَ اللِّبَاسِ عَلَى ذِي السِّرِّ

أَبْهَى مِنَ اللِّسَانِ الْبَهِيِّ

يَنْظِمُ الْحُجَّةَ الشَّتِيَّةَ فِي السِّلْكِ

مِنَ الْقَوْلِ مِثْلَ عُقْدِ الْهَدِيِّ

وَتَرَى اللَّحْنَ بِالْحَسِيبِ أَخِي الْهَيْئَةِ

مِثْلَ الصَّدَى عَلَى الْمَشْرَفِيِّ

فَاطْلُبُوا النَّحْوَ لِلْحِجَاجِ وَلِلشِّعْرِ

مُقِيمًا وَالْمُسْنَدِ الْمَرْوِيِّ

⦗ص: 1134⦘

وَالْخِطَابِ الْبَلِيغِ عِنْدَ جَوَابِ الْقَوْلِ

يُزْهَى بِمِثْلِهِ فِي النَّدِيِّ"

ص: 1133

2233 -

أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ الْمَعْرُوفُ بِالشَّافِعِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ الْحَسَنُ بْنُ حَبِيبٍ الدِّمَشْقِيُّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ مُحَمَّدَ بْنَ إِدْرِيسَ يَقُولُ: «مَنْ حَفِظَ الْقُرْآنَ عَظُمَتْ قِيمَتُهُ وَمَنْ طَلَبَ الْفِقْهَ نَبُلَ قَدْرُهُ وَمَنْ كَتَبَ الْحَدِيثَ قَوِيَتْ حُجَّتُهُ، وَمَنْ نَظَرَ فِي النَّحْوِ رَقَّ طَبْعُهُ، وَمَنْ لَمْ يَصُنْ نَفْسَهُ لَمْ يَصُنْهُ الْعِلْمُ»

2234 -

وَيَلْزَمُ صَاحِبَ الْحَدِيثِ أَنْ يَعْرِفَ الصَّحَابَةَ الْمُؤَدِّينَ لِلدِّينِ عَنْ نَبِيِّهِمْ صلى الله عليه وسلم وَيُعْنَى بِسِيَرِهِمْ وَفَضَائِلِهِمْ وَيَعْرِفَ أَحْوَالَ النَّاقِلِينَ عَنْهُمْ وَأَيَّامَهُمْ وَأَخْبَارَهُمْ حَتَّى يَقِفَ عَلَى الْعُدُولِ مِنْهُمْ مِنْ غَيْرِ الْعُدُولِ وَهُوَ أَمْرٌ قَرِيبٌ كُلُّهُ عَلَى مَنِ اجْتَهَدَ فَمَنِ اقْتَصَرَ عَلَى عِلْمِ إِمَامٍ وَاحِدٍ وَحَفِظَ مَا كَانَ عِنْدَهُ مِنَ السُّنَنِ وَوَقَفَ عَلَى غَرَضِهِ وَمَقْصِدِهِ فِي الْفَتْوَى حَصَلَ عَلَى نَصِيبٍ مِنَ الْعِلْمِ وَافِرٍ وَحَظٍّ مِنْهُ حَسَنٍ صَالِحٍ، فَمَنْ قَنَعَ بِهَذَا اكْتَفَى وَالْكِفَايَةُ غَيْرُ الْغِنَى، وَالِاخْتِيَارُ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ إِمَامَهُ فِي ذَلِكَ إِمَامَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ دَارِ الْهِجْرَةِ وَمَعْدِنِ السُّنَّةِ، وَمَنْ طَلَبَ الْإِمَامَةَ فِي الدِّينِ وَأَحَبَّ أَنْ يَسْلُكَ سَبِيلَ الَّذِينَ جَازَ لَهُمُ الْفُتْيَا نَظَرَ فِي أَقَاوِيلِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْأَئِمَّةِ فِي الْفِقْهِ إِنْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ نَأْمُرُهُ

⦗ص: 1135⦘

بِذَلِكَ كَمَا أَمَرْنَاهُ بِالنَّظَرِ فِي أَقَاوِيلِهِمْ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ، فَمَنْ أَحَبَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى أَقَاوِيلِ عُلَمَاءِ الْحِجَازِ اكْتَفَى إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَاهْتَدَى، وَإِنْ أَحَبَّ الْإِشْرَافَ عَلَى مَذَاهِبِ الْفُقَهَاءِ مُتَقَدِّمِهِمْ وَمُتَأَخِّرِهِمْ بِالْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ وَأَحَبَّ الْوُقُوفَ عَلَى مَا أَخَذُوا وَتَرَكُوا مِنَ السُّنَنِ وَمَا اخْتَلَفُوا فِي تَثْبِيتِهِ وَتَأْوِيلِهِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ كَانَ ذَلِكَ لَهُ مُبَاحًا وَوَجْهًا مَحْمُودًا إِنْ فَهِمَ وَضَبَطَ مَا عَلِمَ، أَوْ سَلِمَ مِنَ التَّخْلِيطِ نَالَ دَرَجَةً رَفِيعَةً وَوَصَلَ إِلَى جَسِيمٍ مِنَ الْعِلْمِ وَاتَّسَعَ وَنَبُلَ إِذَا فَهِمَ مَا اطَّلَعَ، وَبِهَذَا يَحْصُلُ الرُّسُوخُ لِمَنْ وَفَّقَهُ اللَّهُ وَصَبَرَ عَلَى هَذَا الشَّأْنِ وَاسْتَحْلَى مَرَارَتَهُ وَاحْتَمَلَ ضِيقَ الْمَعِيشَةِ فِيهِ، وَاعْلَمْ رَحِمَكَ اللَّهُ أَنَّ طَلَبَ الْعِلْمِ فِي زَمَانِنَا هَذَا وَفِي بَلَدِنَا قَدْ حَادَ أَهْلُهُ عَنْ طَرِيقِ سَلَفِهِمْ وَسَلَكُوا فِي ذَلِكَ مَا لَمْ يَعْرِفْهُ أَئِمَّتُهُمْ وَابْتَدَعُوا فِي ذَلِكَ مَا بَانَ بِهِ جَهْلُهُمْ وَتَقْصِيرُهُمْ عَنْ مَرَاتِبِ الْعُلَمَاءِ قَبْلَهُمْ فَطَائِفَةٌ مِنْهُمْ تَرْوِي الْحَدِيثَ وَتْسَمُعُهُ، قَدْ رَضِيَتْ بِالدَّءُوبِ فِي جَمْعِ مَا لَا تَفْهَمُ وَقَنَعَتْ بِالْجَهْلِ فِي حَمْلِ مَا لَا تَعْلَمُ فَجَمَعُوا الْغَثَّ وَالسَّمِينَ وَالصَّحِيحَ وَالسَّقِيمَ وَالْحَقَّ وَالْكَذِبَ فِي كِتَابٍ وَاحِدٍ، وَرُبَّمَا فِي وَرَقَةٍ وَاحِدَةٍ وَيَدِينِونَ بِالشَّيْءِ وَضِدِّهِ وَلَا يَعْرِفُونَ مَا فِي ذَلِكَ عَلَيْهِمْ قَدْ شَغَلُوا أَنْفُسَهُمْ بِالِاسْتِكْثَارِ عَنِ التَّدَبُّرِ وَالِاعْتِبَارِ فَأَلْسِنَتُهُمْ تَرْوِي الْعِلْمَ وَقُلُوبُهُمْ قَدْ خَلَتْ مِنَ الْفَهْمِ، غَايَةُ أَحَدِهِمْ مَعْرِفَةُ الْكُنْيَةِ الْعَرَبِيَّةِ وَالِاسْمِ الْغَرِيبِ وَالْحَدِيثِ الْمُنْكَرِ وَتَجِدُهُ قَدْ جَهِلَ مَا لَا يَكَادُ يَسَعُ أَحَدًا جَهْلُهُ مِنْ عِلْمِ صَلَاتِهِ وَحَجِّهِ وَصِيَامِهِ وَزَكَاتِهِ، وَطَائِفَةٌ هِيَ فِي الْجَهْلِ كَتِلْكَ أَوْ أَشَدُّ لَمْ يُعْنَوْا بِحِفْظِ سُنَّةٍ وَلَا الْوُقُوفِ عَلَى مَعَانِيهَا وَلَا بِأَصْلٍ مِنَ الْقُرْآنِ وَلَا اعْتَنَوْا بِكِتَابِ اللَّهِ عز وجل فَحَفِظُوا تَنْزِيلَهُ وَلَا عَرَفُوا مَا لِلْعُلَمَاءِ فِي تَأْوِيلِهِ، وَلَا وَقَفُوا عَلَى أَحْكَامِهِ، وَلَا تَفَقَّهُوا فِي حَلَالِهِ وَحَرَامِهِ، قَدِ اطَّرَحُوا عِلْمَ السُّنَنِ وَالْآثَارِ وَزَهِدُوا فِيهَا، وَأَضْرَبُوا عَنْهَا فَلَمْ يَعْرِفُوا الْإِجْمَاعَ مِنَ الِاخْتِلَافِ وَلَا فَرَّقُوا بَيْنَ التَّنَازُعِ وَالِائْتِلَافِ بَلْ عَوَّلُوا عَلَى حِفْظِ مَا دُوِّنَ لَهُمْ مِنَ الرَّأْيِ وَالِاسْتِحْسَانِ الَّذِي كَانَ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ آخِرَ الْعِلْمِ وَالْبَيَانِ، وَكَانَ الْأَئِمَّةُ يَبْكُونَ عَلَى مَا سَلَفَ وَسَبَقَ لَهُمْ مِنَ الْفَتْوَى فِيهِ، وَيَوَدُّونَ أَنَّ حَظَّهُمُ

⦗ص: 1136⦘

السَّلَامَةُ مِنْهُ، وَمِنْ حُجَّةِ هَذِهِ الطَّائِفَةِ فِيمَ عَوَّلُوا عَلَيْهِ أَنَّهُمْ يَقْصُرُونَ وَيَنْزِلُونَ عَنْ مَرَاتِبِ مَنْ لَهُ الْمَرَاتِبُ فِي الدِّينِ؛ بِجَهْلِهِمْ بِأُصُولِهِ، وَأَنَّهُمْ مَعَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِمْ لَا يَسْتَغْنُونَ عَنْ أَجْوِبَةِ النَّاسِ فِي مَسَائِلِهِمْ وَأَحْكَامِهِمْ؛ فَلِذَلِكَ اعْتَمَدُوا عَلَى مَا قَدْ كَفَاهُمُ الْجَوَابَ فِيهِ غَيْرُهُمْ، وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ لَا يَنْفَكُّونَ مِنْ وُرُودِ النَّوَازِلِ عَلَيْهِمْ فِيمَا لَمْ يَتَقَدَّمْهُمْ فِيهِ إِلَى الْجَوَابِ غَيْرُهُمْ، فَهُمْ يَقِيسُونَ عَلَى مَا حَفِظُوا مِنْ تِلْكَ الْمَسَائِلِ وَيُفَرِّطُونَ الْأَحْكَامَ فِيهِ وَيَسْتَدِلُّونَ مِنْهَا وَيَتْرُكُونَ طَرِيقَ الِاسْتِدْلَالِ مِنْ حَيْثُ اسْتَدَلَّ الْأَئِمَّةُ وَعُلَمَاءُ الْأُمَّةِ فَجَعَلُوا مَا يَحْتَاجُ أَنْ يُسْتَدَلَّ عَلَيْهِ دَلِيلًا عَلَى غَيْرِهِ وَلَوْ عَلِمُوا أُصُولَ الدِّينِ وَطُرُقَ الْأَحْكَامِ وَحَفِظُوا السُّنَنَ كَانَ ذَلِكَ قُوَّةً لَهُمْ عَلَى مَا يَنْزِلُ بِهِمْ، وَلَكِنَّهُمْ جَهِلُوا ذَلِكَ فَعَادُوهُ وَعَادُوا صَاحِبَهُ فَهُمْ يُفْرِطُونَ فِي انْتِقَاصِ الطَّائِفَةِ الْأُولَى وَتْجِهِيلِهِا وَعَيْبِهَا وَتِلْكَ تَعِيبُ هَذِهِ بِضُرُوبٍ مِنَ الْعَيْبِ، وَكُلُّهُمْ يَتَجَاوَزُ الْحَدَّ فِي الذَّمِّ وَعِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ خَيْرٌ كَثِيرٌ وَعِلْمٌ كَبِيرٌ، أَمَّا أُولَئِكَ فَكَالْخُزَّانِ الصَّيْدَلَانِيِّينَ وَهَؤُلَاءِ فِي جَهْلِ مَعَانِي مَا حَمَلُوهُ مَثَلُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَالْمُعَالِجِينَ بِأَيْدِيهِمْ لِعِلَلٍ لَا يَقِفُونَ عَلَى حَقِيقَةِ الدَّاءِ الْمُوَلِّدِ لَهَا وَلَا حَقِيقَةِ طَبِيعَةِ الدَّوَاءِ الْمُعَالَجِ بِهِ؟ فَأُولَئِكَ أَقْرَبُ إِلَى السَّلَامَةِ فِي الْعَاجِلِ وَالْآجِلِ، وَهَؤُلَاءِ أَكْثَرُ فَائِدَةً فِي الْعَاجِلِ وَأَكْبَرُ غُرُورًا فِي الْآجِلِ، وَإِلَى اللَّهِ تَعَالَى نَفْزَعُ فِي التَّوْفِيقِ لِمَا يُقَرِّبُ مِنْ رِضَاهُ وَيُوجِبُ السَّلَامَةَ مِنْ سَخَطِهِ فَإِنَّمَا نَنَالُ ذَلِكَ بِرَحْمَتِهِ وَفَضْلِهِ، وَاعْلَمْ يَا أَخِي أَنَّ الْمُفَرِّطَ فِي حِفْظِ الْمُوَلَّدَاتِ لَا يُؤْمِنُ عَلَيْهِ الْجَهْلُ بِكَثِيرٍ مِنَ السُّنَنِ إِذَا لَمْ يَكُنْ تَقَدَّمَ عِلْمُهُ بِهَا، وَأَنَّ الْمُفَرِّطَ فِي حِفْظِ طُرُقِ الْآثَارِ دُونَ الْوُقُوفِ عَلَى مَعَانِيهَا وَمَا قَالَ الْفُقَهَاءُ فِيهِ لَصِفْرٌ مِنَ الْعِلْمِ وَكِلَاهُمَا قَانِعٌ بِالشَّمِّ مِنَ الطَّعَامِ وَمِنَ اللَّهِ التَّوْفِيقُ وَالْحِرْمَانُ وَهُوَ حَسْبِي وَبِهِ أَعْتَصِمُ،

⦗ص: 1137⦘

وَاعْلَمْ يَا أَخِي أَنَّ الْفُرُوعَ لَا حَدَّ لَهَا تَنْتَهِي إِلَيْهِ أَبَدًا؛ فَلِذَلِكَ تَشَعَّبَتْ فَلِذَلِكَ مَنْ رَامَ أَنْ يُحِيطَ بِآرَاءِ الرِّجَالِ فَقَدْ رَامَ مَا لَا سَبِيلَ لَهُ وَلَا بِغَيْرِهِ إِلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَزَالُ يَرِدُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَسْمَعُ وَلَعَلَّهُ أَنْ يَنْسَى أَوَّلَ ذَلِكَ بِآخِرِهِ لِكَثْرَتِهِ فَيَحْتَاجُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الِاسْتِنْبَاطِ الَّذِي كَانَ يَفْزَعُ مِنْهُ وَيَجْبُنُ عَنْهُ تَوَرُّعًا بِزَعْمِهِ أَنَّ غَيْرَهُ كَانَ أَدْرَى بِطَرِيقِ الِاسْتِنْبَاطِ مِنْهُ فَلِذَلِكَ عَوَّلَ عَلَى حِفْظِ قَوْلِهِ، ثُمَّ إِنَّ الْأَيَّامَ تَضْطَرُّهُ إِلَى الِاسْتِنْبَاطِ مَعَ جَهْلِهِ بِالْأُصُولِ فَجَعَلَ الرَّأْيَ أَصْلًا وَاسْتَنْبَطَ عَلَيْهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِنَا هَذَا كَيْفَ وَجْهُ الْقَوْلِ وَاجْتِهَادُ الرَّأْيِ عَلَى الْأُصُولِ عِنْدَمَا يَنْزِلُ بِالْعُلَمَاءِ مِنَ النَّوَازِلِ فِي أَحْكَامِهِمْ مُلَخَّصًا فِي أَبْوَابٍ مُهَذَّبَةٍ مَنْ تَدَبَّرَهَا وَفَهِمَهَا وَعَمِلَ عَلَيْهَا نَالَ حَظَّهُ وَوُفِّقَ لِرُشْدِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ تَكُنْ مُنَاظَرَةٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَوْ جَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ إِلَّا لِتَفَهُّمِ وَجْهِ الصَّوَابِ فَيُصَارُ إِلَيْهِ وَيُعْرَفُ أَصْلُ الْقَوْلِ وَعِلَّتُهُ فَيَجْرِي عَلَيْهِ أَمْثِلَتُهُ وَنَظَائِرُهُ، وَعَلَى هَذَا النَّاسُ فِي كُلِّ بَلَدٍ إِلَّا عِنْدَنَا كَمَا شَاءَ رَبُّنَا، وَعِنْدَ مَنْ سَلَكَ سَبِيلَنَا مِنْ أَهْلِ الْمَغْرِبِ، فَإِنَّهُمْ لَا يُقِيمُونَ عِلَّةً وَلَا يَعْرِفُونَ لِلْقَوْلِ وَجْهًا وَحَسْبُ أَحَدِهِمْ أَنْ يَقُولَ رِوَايَةً لِفُلَانٍ وَرِوَايَةً لِفُلَانٍ وَمَنْ خَالَفَ عِنْدَهُمُ الرِّوَايَةَ الَّتِي لَا يَقِفُ عَلَى مَعْنَاهَا وَأَصْلِهَا وَصِحَّةِ وَجْهِهَا فَكَأَنَّهُ قَدْ خَالَفَ نَصَّ الْكِتَابِ وَثَابِتَ السُّنَّةِ، وَيُجِيزُونَ حَمْلَ الرِّوَايَاتِ الْمُتَضَادَّةِ فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، وَذَلِكَ خِلَافُ أَصْلِ مَالِكٍ وَكَمْ لَهُمْ مِنْ خِلَافِ أُصُولٍ خِلَافَ مَذْهَبِهِمْ مِمَّا لَوْ ذَكَرْنَاهُ لَطَالَ الْكِتَابُ بِذِكْرِهِ، وَلِتَقْصِيرِهِمْ عَنْ عِلْمِ أُصُولِ مَذْهَبِهِمْ صَارَ أَحَدُهُمْ إِذَا لَقِيَ مُخَالِفًا مِمَّنْ يَقُولُ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، أَوِ الشَّافِعِيِّ، أَوْ دَاوُدَ بْنِ عَلِيٍّ، أَوْ غَيْرِهِمْ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَخَالَفَهُ فِي أَصْلِ قَوْلِهِ بَقِيَ مُتَحَيِّرًا وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ أَكْثَرُ مِنْ حِكَايَةِ قَوْلِ صَاحِبِهِ فَقَالَ: هَكَذَا قَالَ فُلَانٌ، وَهَكَذَا رُوِّينَا،

⦗ص: 1138⦘

وَلَجَأَ إِلَى أَنْ يَذْكُرَ فَضْلَ مَالِكٍ وَمَنْزِلَتَهُ، فَإِنْ عَارَضَهُ الْآخَرُ بِذِكْرِ فَضَائِلِ إِمَامِهِ أَيْضًا صَارَ فِي الْمَثَلِ كَمَا قَالَ الْأَوَّلُ:

[البحر المتقارب]

2235 -

شَكَوْنَا إِلَيْهِمْ خَرَابَ الْعِرَا

قِ فَعَابُوا عَلَيْنَا لُحُومَ الْبَقَرْ

فَكَانُوا كَمَا قِيلَ فِيمَا مَضَى

أُرِيهَا السُّهَا وَتُرِينِي الْقَمَرْ

2236 -

وَفِي مِثْلِ ذَلِكَ يَقُولُ مُنْذِرُ بْنُ سَعِيدٍ رحمه الله:

[البحر الطويل]

عَذِيرِيَ مِنْ قَوْمٍ يَقُولُونَ كُلَّمَا

طَلَبْتُ دَلِيلًا هَكَذَا قَالَ مَالِكُ

وَإِنْ عُدْتُ قَالُوا هَكَذَا قَالَ أَشْهَبٌ

وَقَدْ كَانَ لَا تَخْفَى عَلَيْهِ الْمَسَالِكُ

فَإِنْ زِدْتُ قَالُوا قَالَ سُحْنُونُ مِثْلَهُ

وَمَنْ لَمْ يَقُلْ مَا قَالَ فَهُوَ آفِكُ

فَإِنْ قُلْتُ قَالَ اللَّهُ ضَجُّوا وَأَكْثَرُوا

وَقَالُوا جَمِيعًا أَنْتَ قَرْنٌ مُمَاحِكُ

وَإِنْ قُلْتُ قَدْ قَالَ الرَّسُولُ فَقَوْلُهُمْ

ائْتِ مَالِكًا فِي تَرْكِ ذَاكَ الْمَالِكُ

وَأَجَازُوا النَّظَرَ فِي اخْتِلَافِ أَهْلِ مِصْرَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْمَغْرِبِ فِيمَا خَالَفُوا فِيهِ مَالِكًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْرِفُوا وَجْهَ قَوْلِ مَالِكٍ وَلَا وَجْهَ قَوْلِ مُخَالِفِهِ، مِنْهُمْ وَلَمْ يُبِيحُوا النَّظَرَ فِي كُتُبِ مَنْ خَالَفَ مَالِكًا إِلَى دَلِيلٍ يُبَيِّنُهُ وَوَجْهٌ يُقِيمُهُ لِقَوْلِهِ وَقَوْلِ مَالِكٍ جَهْلًا فِيهِمْ وَقِلَّةَ نُصْحٍ وَخَوْفًا مِنْ أَنْ يَطَّلِعَ الطَّالِبُ عَلَى مَا هُمْ فِيهِ مِنَ النَّقْصِ وَالْقَصْرِ فَيَزْهَدُ فِيهِمْ، وَهُمْ مَعَ مَا وَصَفْنَا يَعِيبُونَ مَنْ خَالَفَهُمْ وَيَغْتَابُونَهُ وَيَتَجَاوَزُونَ الْقَصْدَ فِي ذَمِّهِ؛ لِيُوهِمُوا السَّامِعَ لَهُمْ أَنَّهُمْ عَلَى حَقٍّ وَأَنَّهُمْ أَوْلَى بِاسْمِ الْعِلْمِ وَهُمْ {كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا} [النور: 39] ، وَإِنَّ أَشْبَهَ الْأُمُورِ بِمَا هُمْ عَلَيْهِ مَا

2237 -

قَالَهُ مَنْصُورٌ الْفَقِيهُ رحمه الله:

⦗ص: 1139⦘

[البحر الخفيف]

خَالَفُونِي وَأَنْكَرُوا مَا أَقُولُ

قُلْتُ لَا تَعْجَلُوا فَإِنِّي سَؤُولُ

مَا تَقُولُونَ فِي الْكِتَابِ فَقَالُوا

هُوَ نُورٌ عَلَى الصَّوَابِ دَلِيلُ

وَكَذَا سُنَّةُ الرَّسُولِ وَقَدْ

أَفْلَحَ مَنْ قَالَ مَا يَقُولُ الرَّسُولُ

وَاتِّفَاقُ الْجَمِيعِ أَصْلٌ وَمَا

يُنْكِرُ هَذَا وَذَا وَذَاكَ الْعُقُولُ

وَكَذَا الْحُكْمُ بِالْقِيَاسِ فَقُلْنَا

مِنْ جَمِيلِ الرِّجَالِ يَأْتِي الْجَمِيلُ

فَتَعَالَوْا نَرُدُّ مِنْ كُلِّ قَوْلٍ

مَا نَفَى الْأَصْلُ أَوْ نَفَتْهُ الْأُصُولُ

فَأَجَابُوا فَنُوظِرُوا فَإِذَا الْعِلْمُ

لَدَيْهِمْ هُوَ الْيَسِيرُ الْقَلِيلُ

فَعَلَيْكَ يَا أَخِي بِحِفْظِ الْأُصُولِ وَالْعِنَايَةِ بِهَا وَاعْلَمْ أَنَّ مِنَ عَنَى بِحِفْظِ السُّنَنِ وَالْأَحْكَامِ الْمَنْصُوصَةِ فِي الْقُرْآنِ وَنَظَرَ فِي أَقَاوِيلِ الْفُقَهَاءِ فَجَعَلَهُ عَوْنًا لَهُ عَلَى اجْتِهَادِهِ وَمِفْتَاحًا لِطَرَائِقِ النَّظَرِ وَتَفْسِيرًا لِجُمَلِ السُّنَنِ الْمَحْتَمِلَةِ لِلْمَعَانِي، وَلَمْ يُقَلِّدْ أَحَدًا مِنْهُمْ تَقْلِيدَ السُّنَنِ الَّتِي يَجِبُ الِانْقِيَادُ إِلَيْهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ دُونَ نَظَرٍ، وَلَمْ يُرِحْ نَفْسَهُ مِمَّا أَخَذَ الْعُلَمَاءُ بِهِ أَنْفُسَهُمْ مِنْ حِفْظِ السُّنَنِ وَتَدَبُّرِهَا وَاقْتِدَائِهِمْ فِي الْبَحْثِ وَالتَّفَهُّمِ وَالنَّظَرِ وَشَكَرَ لَهُمْ سَعْيَهُمْ فِيمَا أَفَادُوهُ وَنَبَّهُوا عَلَيْهِ وَحَمِدَهُمْ عَلَى صَوَابِهِمُ الَّذِي هُوَ أَكْثَرُ أَقْوَالِهِمْ وَلَمْ يُبَرِّئْهُمْ مِنَ الزَّلَلِ كَمَا لَمْ يُبَرِّئُوا أَنْفُسَهُمْ مِنْهُ فَهَذَا هُوَ الطَّالِبُ الْمُتَمَسِّكُ بِمَا عَلَيْهِ السَّلَفُ الصَّالِحُ وَهُوَ الْمُصِيبُ لِحَظِّهِ وَالْمُعَايِنُ لِرُشْدِهِ وَالْمُتَّبِعُ سُنَّةَ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم وَهَدْيِ صَحَابَتِهِ رضي الله عنهم وَعَمَّنِ اتَّبَعَ بِإِحْسَانٍ آثَارَهُمْ، وَمَنْ أَعَفَى نَفْسَهُ مِنَ النَّظَرِ وَأَضْرَبَ عَمَّا ذَكَرْنَا وَعَارَضَ السُّنَنَ بِرَأْيِهِ وَرَامَ أَنْ يَرُدَّهَا إِلَى مَبْلَغِ نَظَرِهِ فَهُوَ ضَالٌّ مُضِلٍّ، وَمَنْ جَهِلَ ذَلِكَ كُلَّهُ أَيْضًا وَتَقَحَّمَ فِي الْفَتْوَى بِلَا عِلْمٍ فَهُمْ أَشَدُّ عَمًى وَأَضَلُّ سَبِيلًا:

[البحر الوافر]

لَقَدْ أَسْمَعْتَ لَوْ نَادَيْتَ حَيًّا

وَلَكِنْ لَا حَيَاةَ لِمَنْ تُنَادِي.

[البحر الرجز]

وَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّنِي لَا أَسْلَمُ

مِنْ جَاهِلٍ مُعَانِدٍ لَا يَعْلَمُ.

⦗ص: 1140⦘

[البحر الطويل]

وَلَسْتُ بِنَاجٍ مِنْ مَقَالَةِ طَاعِنٍ

وَلَوْ كُنْتُ فِي غَارٍ عَلَى جَبَلٍ وَعْرِ

وَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْجُو مِنَ النَّاسِ سَالِمًا

وَلَوْ غَابَ عَنْهُمْ بَيْنَ خَافِيَتَيْ نَسْرِ

وَاعْلَمْ يَا أَخِي أَنَّ السُّنَنَ وَالْقُرْآنَ هُمَا أَصْلُ الرَّأْيِ وَالْعِيَارُ عَلَيْهِ وَلَيْسَ الرَّأْيُ بِالْعِيَارِ عَلَى السُّنَّةِ بَلِ السُّنَّةُ عِيَارٌ عَلَيْهِ، وَمَنْ جَهِلَ الْأَصْلَ لَمْ يُصِبِ الْفَرْعَ أَبَدًا،

2238 -

وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ أَنَّ إِيَاسَ بْنَ مُعَاوِيَةَ قَالَ لِرَبِيعَةَ: إِنَّ الشَّيْءَ إِذَا بُنِيَ عَلَى عِوَجٍ لَمْ يَكَدْ يَعْتَدِلُ قَالَ مَالِكٌ: يُرِيدُ بِذَلِكَ الْمُفْتِيَ الَّذِي يَتَكَلَّمُ عَلَى غَيْرِ أَصْلٍ يَبْنِي عَلَيْهِ كَلَامَهُ"

2239 -

قَالَ أَبُو عُمَرَ: " وَلَقَدْ أَحْسَنَ صَالِحُ بْنُ عَبْدِ الْقُدُّوسِ حَيْثُ يَقُولُ:

[البحر السريع]

يَا أَيُّهَا الدَّارِسُ عِلْمًا أَلَا

تَلْتَمِسُ الْعَوْنَ عَلَى دَرْسِهِ

لَنْ تَبْلُغَ الْفَرْعَ الَّذِي رُمْتَهُ

إِلَّا بِبَحْثٍ مِنْكَ عَنْ أُسِّهِ

2240 -

وَلِمَحْمُودٍ الْوَرَّاقِ:

[البحر السريع]

الْقَوْلُ مَا صَدَّقَهُ الْفِعْلُ

وَالْفِعْلُ مَا صَدَّقَهُ الْعَقْلُ

لَا يَثْبُتُ الْفَرْعُ إِذَا لَمْ يَكُنْ

يَقِلْهُ مِنْ تَحْتِهِ الْأَصْلُ

2241 -

وَمِنْ أَبْيَاتٍ لِابْنِ مَعْدَانَ رحمه الله:

وَكُلُّ سَاعٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ

فَرُشْدُهُ غَيْرُ مُسْتَبَانِ

وَالْعِلْمُ حَقٌّ لَهُ ضِيَاءٌ

فِي الْقَلْبِ وَالْعَقْلِ وَاللِّسَانِ"

2242 -

وَقَالَ أَبُو الْعَتَاهِيَةَ:

[البحر البسيط]

وَإِنَّمَا الْعِلْمُ مِنْ عَيَانٍ

وَمِنْ سَمَاعٍ وَمِنْ قِيَاسِ

ص: 1134

2243 -

قَرَأْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ

⦗ص: 1141⦘

مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَهُمْ، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي حَسَّانَ، ثنا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، ثنا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ حَبِيبٍ، ثنا الْأَوْزَاعِيُّ، ثنا حَسَّانُ بْنُ عَطِيَّةَ، أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ، كَانَ يَقُولُ:«لَنْ تَزَالُوا بِخَيْرٍ مَا أَحْبَبْتُمْ خِيَارَكُمْ وَمَا قِيلَ فِيكُمُ الْحَقُّ فَعَرَفْتُمُوهُ فَإِنَّ عَارِفَهُ كَفَاعِلِهِ»

ص: 1140

2244 -

وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ مَالِكٍ: سَمِعْتُ رَبِيعَةَ يَقُولُ: «لَيْسَ الَّذِي يَقُولُ الْخَيْرَ وَيَفْعَلُهُ بِخَيْرٍ مِنَ الَّذِي يَسْمَعُهُ وَيَقْبَلُهُ» قَالَ مَالِكٌ: وَقَالَ ذَلِكَ لِلثَّنَاءِ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه مَا كَانَ بِأَعْلَمِنَا وَلَكِنَّهُ كَانَ أَسْرَعَ رُجُوعًا إِذَا سَمِعَ الْحَقَّ"

2245 -

قَالَ أَبُو عُمَرَ: " رَحِمَ اللَّهُ الْقَائِلَ:

[البحر الطويل]

لَقَدْ بَانَ لِلنَّاسِ الْهُدَى غَيْرَ أَنَّهُمْ

غَدَوْا بِجَلَابِيبِ الْهُدَى قَدْ تَجَلْبَبُوا

ص: 1141

2246 -

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ، ثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ، نا أَبِي، نا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيِّ قَالَ: خَطَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ: إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ مَنْصُورَةً حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ عز وجل»

⦗ص: 1142⦘

2247 -

وَقَالَ أَبُو الْعَتَاهِيَةِ:

[البحر الوافر]

إِذَا اتَّضَحَ الصَّوَابَ فَلَا تَدَعْهُ

فَإِنَّكَ كُلَّمَا ذُقْتَ الصَّوَابَا

وَجَدَّتَ لَهُ عَلَى اللَّهَوَاتِ بَرْدًا

كَبَرْدِ الْمَاءِ حِينَ صَفَا وَطَابَا

وَلَيْسَ بِحَاكِمٍ مَنْ لَا يُبَالِي

أَأَخْطَأَ فِي الْحُكُومَةِ أَمْ أَصَابَا.

2248 -

وَقَالَ أَبُو الْعَتَاهِيَةِ:

[البحر الهزج]

رَأَيْتُ الْحَقَّ مُتَّضِحًا

وَلَا تَخْفَى شَوَاكِلُهُ

لَعَمْرُكَ مَا اسْتَوَى فِي الْأَمْـ

رِ عَالِمُهُ وَجَاهِلُهُ

ص: 1141

2249 -

وَقَرَأْتُ عَلَى أَحْمَدَ بْنِ قَاسِمٍ أَنَّ مُحَمَّدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَهُمْ ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الصُّوفِيُّ، ح، وَنا خَلَفُ بْنُ قَاسِمٍ، نا ابْنُ الْمُفَسِّرِ، نا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ سَعِيدٍ قَالَا: نا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، ثنا الْأَشْجَعِيُّ، عَنْ مُوسَى بْنِ ثَرَوَانَ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ:" إِنَّ أَزْهَدَ النَّاسِ فِي عَالِمٍ أَهْلُهُ وَشَرُّ النَّاسِ أَوْ قَالَ: شَرُّ الْأَهْلِ أَهْلُ مَيِّتٍ يَبْكُونَ عَلَيْهِ وَلَا يَقْضُونَ دَيْنَهُ "

ص: 1142

2250 -

وَقَرَأْتُ عَلَى عَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ سُفْيَانَ، أَنَّ قَاسِمَ بْنَ أَصْبَغَ حَدَّثَهُمْ ثنا

⦗ص: 1143⦘

مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْغَازِ، ثنا عِيسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثنا ابْنُ عَنْبَسَةَ، قَالَ:«كَانَتْ لِلنَّاسِ جِلَّةٌ وَنَابِتَةٌ وَكَانَتِ النَّابِتَةُ تَأْخُذُ عَنِ الْجِلَّةِ فَذَهَبَتِ الْجِلَّةُ وَالنَّابِتَةُ ثُمَّ جَاءَ قَوْمٌ يَسْمَعُونَ تِلْكَ الْأَخْلَاقَ كَأَنَّهَا أَحْلَامٌ»

ص: 1142

2251 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ نا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ نا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ ثنا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ نا الْمَسْعُودِيُّ نا عَوْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَانَ يُقَالُ: «أَزْهَدُ النَّاسِ فِي عَالِمٍ أَهْلُهُ»

ص: 1143

2252 -

حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ أَحْمَدَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَحْيَى قَالَا: نا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ نُعْمَانَ بِالْقَيْرُوَانِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مَرْوَانَ الْبَغْدَادِيُّ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ ثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، ثنا وَكِيعٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ يُقَالُ: «أَزْهَدُ النَّاسِ فِي عَالِمٍ أَهْلُهُ»

ص: 1144

2253 -

وَحَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ أَحْمَدَ، نا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ، نا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، نا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ قَالَ: سَمِعْتُ حَمَّادَ بْنَ أُسَامَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ يَقُولُ: «تَفْسِيرُ الْحَدِيثِ خَيْرٌ مِنْ سَمَاعِهِ»

ص: 1144

2254 -

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَحْيَى، ثنا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ، ثنا أَبُو سَعِيدٍ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ، ثنا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، ثنا أَبُو الْأَشْهَبِ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ: «إِنْ أَجَبْنَاهُمْ أَكْثَرُوا عَلَيْنَا وَإِنْ تَرَكْنَاهُمْ تَرَكْنَاهُمْ إِلَى عِيٍّ طَوِيلٍ»

⦗ص: 1145⦘

2255 -

وَقَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ لِقَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ: " كَيْفَ رَأْيُكُمْ فِي أَبِي مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيِّ؟ فَذَكَرُوا شَيْئًا فَقَالَ كَعْبٌ: أَزْهَدُ النَّاسِ فِي عَالِمٍ أَهْلُهُ "

2256 -

وَيُرْوَى أَنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عليه السلام قَالَ لَهُ بَعْضُ الْيَهُودِ: أَلَسْتَ ابْنَ يُوسُفَ النَّجَّارِ؟ وَأُمُّكَ بَغِيٌّ؟ فَقَالَ: «إِنَّهُ لَا يُسَبُّ النَّبِيُّ وَلَا يُحَقَّرُ إِلَّا فِي مَدِينَتِهِ وَبَلَدِهِ وَبَيْتِهِ»

ص: 1144

2257 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ ثنا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ ثنا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ ثنا أَبُو أُمَيَّةَ عَمْرُو بْنُ هِشَامٍ الْحَرَّانِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحِيمِ عَنْ عُيَيْنَةَ اللَّخْمِيِّ عَنْ أَبِي الدَّهْمَاءَ قَالَ: لَقِيَ أَبُو مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيُّ أَبَا مُسْلِمٍ الْخَلِيلِيَّ فَقَالَ الْخَلِيلِيُّ لِلْخَوْلِانِيِّ كَيْفَ مَنْزِلَتُكَ عِنْدَ قَوْمِكَ؟ قَالَ: إِنَّهُمْ لَيَعْرِفُونَ لِي حَقِّي وَيَعْرِفُونَ شَرَفِي، فَقَالَ الْخَلِيلِيُّ مَا هَكَذَا تَقُولُ التَّوْرَاةُ، قَالَ الْخَوْلَانِيُّ وَمَا تَقُولُ التَّوْرَاةُ، قَالَ: تَقُولُ إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ بُغْضًا لِلْمَرْءِ الصَّالِحِ قَوْمُهُ وَمَنْ هُوَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، وَإِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ لَهُ حُبًّا أَبْعَدُ النَّاسِ مِنْهُ فَقَالَ أَبُو مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيُّ صَدَقَتِ التَّوْرَاةُ وَكَذَبَ أَبُو مُسْلِمٍ

ص: 1145