المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ما كتب على النزهة من شروح وحواش - حاشية الخرشي منتهى الرغبة في حل ألفاظ النخبة - جـ ١

[الخرشي = الخراشي]

الفصل: ‌ما كتب على النزهة من شروح وحواش

نزهة النظرِ شرح نخبة الفكر

لخاتمة الحفاظ

أحمد بن علي بن حجر رحمه الله

يُعدُّ كتابُ «نُخْبةِ الفِكَرِ وشَرحُهُ نُزهةِ النَّظرِ» لمُصنِّفه من أكثرِ كُتُبِ المُصطلحِ رَواجًا عند المُتأخِّرين من أهلِ هذا الفنِّ، فمنذُ فراغِ مُصنِّفِهِ سنةَ ثمانِ عشرةَ وثمانمائةٍ

(1)

إلى وقتنا هَذا لا يُحْصى ما كتبَ عَلَيها من شُروحٍ وحواشٍ حتَّى وصل ما كتبَ عَليْه إلى مائةٍ وثمانية عنوانًا، وَما يَعْنينا منها هو ما كُتِبَ على نُزهةِ النَّظرِ.

‌ما كتب على النزهة من شروح وحواش

(2)

ذُكر للنُّزهةِ وَحدهَا خمسٌ وعشرون عنوانًا ما بين شرحٍ وحاشيةٍ، إليكَ بيان أَصْحابِها:

1 -

إبراهيم بن عمر بن حسن الرباط برهان الدين البقاعي الشافعي، المتوفى سنة (885 هـ)، وهو من تلاميذ الحافظ ابن حجر.

لَه حواشٍ على «النُّزهةِ» ، نَسبَها إلَيه اللقانيُّ في «قَضاء الوَطرِ» .

2 -

قاسم بن قطلوبغا بن عبد الله المصري، المتوفى سنة (879 هـ)، وهو من تلاميذ الحافظ ابن حجر.

لَه حاشيةٌ على «النُّزهةِ» ، تُعدُّ مِن أهمِّ الحواشي المُؤلَّفة عَليْها؛ لمَا احْتوَتهُ من تعليقاتٍ للحافظِ ابن حجرٍ على ما كَتبَه فيها، لذَا أكثرُ مَن جاءَ بعده من شُرَّاحِ «النُّزهةِ» ، من النَّقل عنها، كَما فعلَ عليٌّ القاري، والمُناويُّ، واللقاني، والخرشيُّ في شُرُوحِهم.

(1)

«الجواهر والدرر» (2/ 678).

(2)

مختصر من مقدمة أخينا الشيخ الفاضل شادي آل نعمان -حفظه الله- لتحقيق كتاب «قضاء الوطر» .

ص: 11

وقد ذَكر رضيُّ الدِّين الحلبيُّ في «قَفْو الأثرِ»

(1)

، أنَّ ابنَ قطلوبغا سمَّى حاشيتَه هذه بـ:«القَولِ المُبتكرِ على شَرحِ نُخبةِ الفِكَرِ» .

وقَد طُبعَتْ هذه الحاشيةُ في دارِ الوطنِ بالرياض بتحقيق الدُّكتور إبراهيم الناصر، سنة (1420 هـ).

3 -

محمد بن محمد بن أبي بكر بن علي بن مسعود بن رضوان المري، كمال الدين المقدسي الشافعي، المعروف بابن أبي شريف، المتوفى سنة (906 هـ)، وهو مِن تلاميذِ الحافظِ ابن حجرٍ.

لَه حاشيةٌ على «نُزهةِ النظرِ» ، تُعدُّ من أهمِّ الحواشي المُؤلَّفةِ على «النُّزهةِ» ؛ لِمَا احتوَتْه من تعليقاتٍ للحافظِ ابنِ حجرٍ على نُزهتِهِ، نَقلها عنه تلميذُهُ الكمالُ ابن أبي شريف حالَ المُدارسةِ، وقَد طُبعَتْ هذه الحاشيةُ عن دارِ الوطن بالرياض، بتحقيق الدُّكتور إبراهيم الناصر، سنة (1420 هـ).

4 -

عبد الرحمن بن كمال الدين أبي بكر بن محمد بن سابق الدين، جلال الدين أبو الفضل السيوطي الشافعي، المتوفى سنة (911 هـ).

لَه نُكتٌ على «النُّزهةِ» ، نَسبَها إليهِ البغداديُّ في «هديَّةِ العارفينَ»

(2)

.

5 -

محمد بن إبراهيم بن يوسف بن عبد الرحمن رضي الدين أبو عبد الله الحنفي، المعروف بابن الحنبلي، المتوفى سنة (971 هـ)

(3)

.

لَه حواشٍ على «النُّزهةِ» ، سمَّاها:«مِنَح النغبةِ على شَرحِ النُّخبةِ» ، ذَكرَها في

(1)

(ص 44).

(2)

(1/ 543).

(3)

ترجمته في: «الكواكب السائرة» (3/ 42)، و «شذرات الذهب» (8/ 365)، و «الأعلام» (6/ 193)، وغيرها.

ص: 12

كتابِه «قَفْو الأثرِ»

(1)

.

6 -

إبراهيم بن حسن الكوراني الشهرزوري الكردي الشافعي، أبو العرفان برهان الدين، المتوفى سنة (1101 هـ).

ذَكرَه صاحبُ «الفهرس الشامل»

(2)

.

7 -

إبراهيم بن سليمان بن إبراهيم الكردي الكيلاني الشهير بالحلبي، المتوفى سنة (1101 هـ).

ذَكرَها صاحبُ «الفهرسِ الشاملِ»

(3)

.

8 -

علي بن محمد بن سلطان محمد الهروي القاري، المتوفى سنة (1014 هـ).

لَه شرحٌ على «النُّزهةِ» ، على طريقةِ المَزْجِ، طُبع عدَّة طبعاتٍ.

9 -

محمد عبد الرؤوف ابن تاج العارفين بن علي ابن زين العابدين المناوي، القاهري الشافعي، المتوفى سنة (1031 هـ).

لَه شرحٌ على «النُّزهةِ» ، سمَّاه:«اليَواقيت والدُّرر شَرح شَرح نُخبةِ ابن حَجر»

(4)

، وقد طُبع هذا الكتابُ بتحقيق ربيع بن محمد السعودي عن دار الرشد بالرياض، سنة (1411 هـ)، ثمَّ طُبعَ بتحقيق الدُّكتور المُرتضى الزين أحمد، عن دار الرشد بالرياض، سنة (1420 هـ)

(5)

.

(1)

(ص 45).

(2)

(2/ 694 - حديث).

(3)

(2/ 694 - حديث).

(4)

كما في مقدمته (1/ 116).

(5)

وقد وقع اسم الكتاب على غلاف هذه الطبعة: «اليواقيت والدرر في شرح نخبة ابن حجر» ، وهو خطأٌ، إلا أن المحقق قد ذكر اسم الكتاب على الصواب في مقدمة تحقيقه (1/ 3).

ص: 13

10 -

برهان الدين إبراهيم بن إبراهيم اللقاني، المتوفى سنة (1041 هـ).

لَه الشَّرحُ المعروفُ بـ «قَضاءِ الوَطرِ في نُزهةِ النَّظرِ في تَوضيحِ نُخبةِ الفِكَرِ في مُصْطلحِ أهلِ الأثرِ» ، ضَمَّنه حَاشيتي برهان الدين البقاعي، وقاسم بن قطلوبغا -رحمهما الله-، وهُوَ مطبوعٌ في الدارِ الأثريَّةِ بتحقيق: شادي بن محمد آل نعمان.

11 -

علي بن محمد بن عبد الرحمن الأجهوري، المتوفى سنة (1066 هـ).

لَه شرحٌ على «النُّزهةِ» ، نَسبَها إلَيهِ المحبي في «خُلاصةِ الأثرِ»

(1)

، وعبد الحي الكتاني في «فهرسِ الفَهارسِ»

(2)

.

وقَد طُبعَ هذا الكتابُ بتحقيقِ د/بشار مجيد خليل القيسي عن دار ابن حزم.

12 -

غضنفر بن جعفر.

لَه حَاشيةٌ عَلى «النُّزهةِ» ، وَهيَ مَذكورةٌ في «فهارسِ دارِ الكتبِ المصريَّةِ»

(3)

.

13 -

محمد بن إبراهيم الدروري سري الدين المصري الحنفي، المعروف بابن الصائغ، المتوفى سنة (1069 هـ)

(4)

.

لَه حاشيةٌ على «النُّزهةِ» ، نَسبَها إلَيه البغداديُّ في «هَديَّةِ العَارفينَ»

(5)

.

14 -

محمد بن عبد الله الآمدي، الشهير بهينلي زاده، المتوفى سنة (1097 هـ).

لَه حاشيةٌ على «النُّزهةِ» ، نَسبَها إلَيه البغداديُّ في «هَديَّةِ العَارفينَ»

(6)

، وكحالة

(1)

(3/ 157).

(2)

(2/ 783).

(3)

(1/ 216).

(4)

وفي بعض المصادر (1066 هـ).

(5)

(2/ 691).

(6)

(2/ 299).

ص: 14

في «مُعجمِ المؤلفين»

(1)

.

15 -

محمد بن إسماعيل بن صلاح بن محمد الكحلاني، ثم الصنعاني، المعروف بالأمير، المتوفى سنة (1182 هـ).

لَه تَعْليقاتٌ على مبحثِ الجرحِ والتَّعديلِ من «النُّزهةِ» ، سمَّاها:«ثَمراتِ النَّظرِ في عِلمِ الأثرِ»

(2)

.

وقَد طُبعَ الكتابُ في الرِّياض سنة (1417 هـ)، عن دارِ العاصمةِ بتحقيق رائد بن صبري.

16 -

محمد بن صادق السندي، أبو الحسن الصغير، المتوفى سنة (1187 هـ)

(3)

.

وَاسمُ شرحِهِ: «بهجةُ النَّظرِ على شَرحِ نُخبةِ الفِكَرِ» ، وهو مطبوعٌ بتحقيق علي بن صادق الكندي.

17 -

محمد أكرم بن عبد الرحمن النصربوري السندي

(4)

.

وَاسمُ شَرحِهِ: «إمعانُ النَّظرِ شرحُ شرحِ نُخبةِ الفِكَرِ» ، وهو مطبوعٌ بتحقيق غلام مصطفى القاسمي الباكستاني.

18 -

الحسين آبادي.

ذَكرَه أصحابُ «الفهرسِ الشاملِ»

(5)

.

19 -

عبد الحكيم الأفغاني القندهاري، المتوفى سنة (1326 هـ).

لَه تقريراتٌ على «النُّزهةِ» ، نَسبَها إليه كحالة في «مُعجمِ المؤلفينَ»

(6)

.

(1)

(10/ 201).

(2)

انظر: «ثمرات النظر» (ص 92).

(3)

انظر ترجمته في «الأعلام» (6/ 160)، و «فهرس الفهارس» (1/ 149).

(4)

ترجمته في «الثقافة الإسلامية في الهند» (ص 159).

(5)

(2/ 694 - حديث).

(6)

(5/ 94).

ص: 15

20 -

عبد الله بن حسين خاطر السمين العدوي المالكي الشاذلي الأزهري، من علماء القرن الرابع عشر.

لَه شَرحٌ على «النُّزهةِ» ، سمَّاه:«لَقْط الدُّرر بشرحِ متنِ نُخبةِ الفِكَرِ» ! وقد طُبعَ هذا الشرحُ في مطبعةِ مصطفى البابي الحلبي سنة (1356 هـ).

21 -

محمد بن عبد الله التونكي الحنفي الهندي.

لَه حاشيةٌ على «النُّزهةِ» ، طُبعتْ في الهند عام (1339 هـ).

22 -

الخلواتي.

ذَكرَ له أصحابُ «الفهرسِ الشاملِ» حاشيةً على «النُّزهةِ» ، وذَكرُوا أنَّ لَه نسخةً في دارِ الكتبِ المصريَّةِ، برقم (330)

(1)

.

23 -

الخوافي.

ذَكرَ لَه أصحابُ «الفهرسِ الشاملِ» حاشيةً على «النُّزهةِ» ، وذَكرُوا أنَّ له نسخةً في مكتبةِ سالارجنك برقم (2/ 4 U - H)

(2)

.

24 -

محمد ناصر الدين الألباني، المتوفى سنة (1420 هـ).

لَه حاشيةٌ على «النُّزهةِ» ، أَوْردَها تلميذُهُ علي الحلبي كاملةً في ثنايا «نُكتِهِ على نُزهةِ النَّظرِ» .

25 -

محمد بن صالح بن محمد بن عثيمين، المتوفى سنة (1421 هـ).

لَه شرحٌ على «نُزهةِ النَّظرِ» ، مطبوعٌ متداولٌ.

26 -

علي بن حسن بن علي بن عبد الحميد الحلبي، حفظه الله تعالى.

لَه حاشيةٌ على «نُزهةِ النَّظرِ» ، سمَّاها:«النُّكَت على نُزهةِ النَّظرِ» ، وهُو مطبوعٌ متداولٌ.

فهذِهِ جملةُ ما تَوقَّفتُ عليه من شُروحٍ لنُزهةِ النَّظرِ.

(1)

(2/ 694 - حديث).

(2)

(2/ 694 - حديث).

ص: 16

ترجمة صاحب المتن المشروح

الحافظ

أحمد بن علي ابن حجر العسقلاني رحمه الله

(1)

اسمه، ولقبه، ونسبه:

هُوَ شهابُ الدِّين أبو الفضل، أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن محمد بن علي بن محمود بن أحمد بن حجر، الكناني، العسقلاني، المصري المولد، والمنشأ، والدار، والوفاة.

قَالَ السَّخاويُّ رحمه الله:

«وكُنِّي بذَلكَ تَشبيهًا بقاضي مكَّة أبي الفضل مُحمَّد بن أحمد بن عبد العزيز، العقيلي، النويري جَد صاحبنا خطيب مكَّة الآن، كَانَ الله لَه، إِذْ كان مع أبيهِ وهو طفلٌ هُنَاك»

(2)

.

مولده:

وُلِدَ في الثَّاني والعشرين من شعبان سنة (773 هـ)، عَلى شَاطئِ النِّيلِ بمصر القديمة «الفُسطاطِ» فِي منزلٍ بالقُربِ من دارِ النَّحاسِ، والجامعِ الجديدِ

(3)

.

(1)

«الجواهر والدرر» ، للسخاوي (1/ 65 وما بعدها)، و «البدر الطالع» (1/ 88)، و «الضوء اللامع» (2/ 36)، و «نظم العقيان» (ص 45). «لحظ الألحاظ» (ص 326)، و «القلائد الجوهرية» (2/ 454)، و «المنهل الصافي» (2/ 19).

(2)

«الجواهر والدرر» (1/ 102)، وراجع:«إنباء الغمر» (1/ 175).

(3)

على خلافٍ في يوم ولادته، راجع:«رفع الإصر» (ص 62)، و «البدر الطالع» (1/ 88)، و «الضوء اللامع» (2/ 36).

ص: 17

نشأته العلمية:

بَدَأ في حفظِ القرآنِ وعُمره خمسُ سنينَ، وأتمَّ حفظَه ولَه تسعُ سنين

(1)

، وَفي سنةِ (785 هـ) حينما كَانَ مُجاورًا بمكَّةَ مع وَصيِّه زكي الدِّين الخروبي، فسَمعَ هناكَ غالبَ «صحيحِ البخاريِّ» على أحدِ كبارِ مُسْندي الحجازِ، وشَاركَ في البحثِ في الأحكامِ من خلالِ كتابِ:«عُمدةِ الأحكامِ» ، على أحدِ الحُفَّاظِ المَكيِّينَ، ثمَّ اجتمعَ بحافظِ العصرِ زَين الدِّين العراقيِّ، فلازمَهُ عشرةَ أعوامٍ، وتخرَّج به في عُلومِ الحديثِ، وانتفعَ بمُلَازمتِه، وَقرَأ عليهِ الألفيَّةَ، ثم قرأَ عَليهِ نُكتَه على ابنِ الصَّلاحِ، وبعضَ الكُتبِ والأجزاءِ، وهو أوَّلُ مَن أذنَ له بالتَّدريسِ في علومِ الحديثِ، وذَلكَ في سنةِ سبعٍ وتسعينَ.

رحلاته في طلب العلم:

ثمَّ لَمْ يكتفِ ابنُ حجرٍ بتَحصيلِ العلمِ في موطنِه بمصرَ، فتَنقَّل في البلدانِ حتَّى إنَّه وَفدَ على أكثرَ من خمسينَ بلدًا.

وقَد كَانتْ أُولَى رحلاتِهِ في سنةِ (793 هـ)، إلى بلادِ الصَّعيدِ، ثمَّ رَحلَ إلى الإسكندريَّةِ في أواخرِ سنةِ (797 هـ)، وإلى اليمنِ عن طَريقِ البحرِ سنة (799 هـ)، ثمَّ عَاد إلى القَاهرةِ بعد ذَلكَ، ثمَّ رَحلَ إلى اليمنِ ثانيةً سنة (806 هـ) بعد أَنْ جَاورَ بمكَّةَ وحجَّ، وهذه الرحلةُ هي الَّتي غَرقتْ فيها كتبُهُ، وأمتعتُهُ، وواجَه فيها مِحنًا، ثمَّ تكرَّر قدومُهُ إلى الحجازِ للحجِّ والمُجاورةِ والزِّيارةِ بين سنةِ (800 هـ)، وسنةِ (824 هـ)، عدَّة مرَّاتٍ، ثمَّ رحلَ إلى الشَّامِ سنةَ (802 هـ)،

(1)

انظر: «رفع الإصر» (ص 62)، و «الجواهر والدرر» (1/ 121).

ص: 18

بتحريضٍ من شيخِهِ ابنِ الجَزريِّ (ت: 833 هـ)، ثمَّ رحلَ إليها ثانيةً سنةَ (836 هـ)، وكانَ يقيمُ في بعضِ مدارسِ الشَّامِ، فأَفاد واستفَادَ

(1)

.

شيوخه:

اعْتنَى الحَافظُ رحمه الله بذِكرِ شُيوخِهِ في الكثيرِ من كُتبِهِ، بَل إنَّه أَفْردَهم في كِتابَينِ:

الأوَّل: «المجمع المُؤسِّس للمُعْجم المُفَهرس» ، وتَرْجمَ فيه لشيوخِهِ، وذكرَ فيه مرويَّاتِه عنهم بالسَّماعِ، أَو الإجازةِ، أَو الإفادةِ.

الثَّاني: «المُعْجم المُفَهرس» ، وهو عبارةٌ عن فِهرسٍ للكتبِ والمَرويَّاتِ الَّتي تلقَّاها، وذكرَ فيه شيوخَهُ من خلالِ ذِكْرهِ لأسانيدِهِ في الكتبِ والمسانيدِ والمَرويَّاتِ

(2)

.

تلامذته:

ولقَد عدَّد السَّخاويُّ أسماءَ جماعةٍ من الآخِذينَ عنه دِرايةً ورِوايةً، فذَكر (626) شخصًا

(3)

.

مؤلفاته:

تَركَ الحَافظُ رحمه الله ورَاءَه ثروةً علميَّةً ضَخمةً أَثْرى بها المكتبةَ الإسلاميَّةَ في جَوانبَ كَثيرةٍ من جوانبِ العِلْمِ والمعرفةِ، وقَد اخْتُلفَ في عَددِ مُصنَّفاتِه، فذَكر السَّخاويُّ له ما يزيدُ على (273) عنوانًا

(4)

.

(1)

«المعجم المؤسس» (3/ 227)، و «إنباء الغمر» (4/ 73).

(2)

«ابن حجر العسقلاني» ، لشاكر (1/ 92).

(3)

«الجواهر والدرر» (3/ 1064 - 1179).

(4)

«الجواهر والدرر» (2/ 659 - 695).

ص: 19

وَعدَّد عبدُ السَّتَّار الشَّيخ مُصنَّفاتِهِ، فأَوْصلَها إلى (289) مُصنَّفًا

(1)

.

وأمَّا الدُّكتور شاكر، فقَد ذكرَ بأنَّ عددَها (282) مُصنَّفًا

(2)

، وأضافَ (38)، مُصنَّفًا تحتَ عُنوانِ: الكُتبُ المنسوبةُ إليهِ.

وفاته:

ابْتدَأ المَرضُ بالحافظِ رحمه الله في ذِي القَعدةِ سنةَ (852 هـ)، وفي لَيلةِ السَّبتِ الثَّامن عشرَ من ذِي الحِجَّةِ سنةَ (852 هـ)، بعد صلاةِ العشاءِ بنحو ساعةٍ انتقلَ إلى ربِّه، وصُلِّي عليهِ من الغدِ قُبيلَ صَلاةِ الظُّهرِ بمُصلَّى سبيلِ المنوني خارجَ القاهرةِ، وصلَّى عَليهِ الخليفةُ، وحَملَ نعشَه، وحضرَ الصَّلاةَ عليهِ السُّلطانُ فمَنْ دُونَه، وقَدَّر بعضُ الأَذكياءِ مَنْ حَضرَ جنازتَه بأَكْثرَ مِن خمسين ألفَ إنسانٍ، فرحمه رحمةً واسعةً، وغفرَ له مغفرةً جامعةً

(3)

.

(1)

«الحافظ ابن حجر العسقلاني أمير المؤمنين في الحديث» (ص 375 - 489).

(2)

«ابن حجر العسقلاني» ، لشاكر (1/ 173 - 386).

(3)

«الجواهر والدرر» (3/ 1185)، «ابن حجر العسقلاني» ، لشاكر (1/ 119 - 126)، و «ابن حجر العسقلاني أمير المؤمنين في الحديث» (ص 615 - 621)، مستفادة من مقدمة «فتح الباري» ، تحقيق: نظر الفريابي.

ص: 20

ترجمة صاحب الشرح

محمد بن عبد الله الخرشي

(1)

اسمه ونسبه:

الفَقيهُ، الأُصُوليُّ، المُتكلِّمُ، المُحدِّثُ، النَّحْويُّ أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن علي، المَنسوبُ لقريةٍ يُقَالُ لَها: أبو خراش، التَّابعة لمَركزِ شبراخيت، بمحافظةِ البُحيرةِ بمصرَ.

الصحيح في نسبته:

اختُلفَ في نسبتِهِ على أقوال:

أولا: الخَراشيُّ -بالفتح-

(2)

.

قَالَ المُرتضى الزَّبيديُّ رحمه الله:

«وأَبو خَراشٍ؛ كسَحابٍ: قريةٌ بالبُحيرةِ من أعمالِ مصرَ، ومنها مِنَ المُتأخِّرين: شَيخُ مَشايِخِنا أَبو عبدِ اللهِ مُحمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ الخراشيُّ الإمام، شَارحُ مُختصرِ الشَّيخِ خليلٍ -رحمهما الله-»

(3)

.

(1)

ينظر في ترجمته: «الأعلام» للزركلي (6/ 240)، «شجرة النور الزكية في طبقات المالكية» (1/ 459)(1252)، «تاج العروس» (17/ 181)، «سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر» (4/ 62)، «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» ، للجبرتي (1/ 166)، «كنز الجوهر في تاريخ الأزهر» (ص 124، 125)، «مقدمة شرح الخرشي على خليل» ، ط: الأميرية بولاق، وينظر:«معجم المؤلفين» (10/ 210)، «صفوة ما انتشر من أخبار صلحاء القرن الحادي عشر» (ص 205)، «الخطط التوفيقية» (4/ 31، 8/ 22).

(2)

كما وقع في «سلك الدرر» (4/ 62): (الخراشي)، وجزم به في «تاج العروس» (17/ 180)، وينظر:«حاشية الأعلام» للزركلي (6/ 240).

(3)

«تاج العروس» (17/ 180).

ص: 21

وكَذا قالَ مُحمَّد خليل الحسيني

(1)

، ود. محمد عبد المنعم خفاجي

(2)

.

الثاني: الخِرَشيُّ -بكَسر الخاء-

(3)

.

كما قال الحضيكي رحمه الله:

«الخِرَشي - بكسر الخاء المعجمة-نسبة لخِرشة قرية من قرى مصر»

(4)

.

الثالث: الخَرَشيُّ -بفتحتينِ- كَما هو بخطِّه

(5)

.

ويَذهبُ إلى ضبطِهِ بـ الخَرَشيِّ: الجبرتي

(6)

، وابن سالم مخلوف

(7)

، والشيخ أبو الفيض الصديقي

(8)

، وإسماعيل الباباني

(9)

، والزركلي

(10)

، وجُمهورُ أصحابِهِ المالكيَّة.

قلتُ:

فلَوْ صحَّ ضبطُ اسمِهِ بيدِهِ، فالمُرجَّحُ قطعًا حينَها أنْ يُضبطَ بـ «الخَرَشي» -وهُو المشهورُ عندَ أصحابِهِ المالكيَّةِ- وإذا عَمِلْنا بقَواعدِ النَّسبِ، فَعَلى ما قالَه الزَّبيديُّ رحمه الله.

(1)

«سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر» (4/ 62).

(2)

الأزهر في ألف عام (1427)(1/ 237).

(3)

«مناقب الحضيكي» (2/ 77)، وينظر:«حاشية الأعلام» للزركلي (6/ 240).

(4)

كما وقع في «مناقب الحضيكي» (2/ 77): «الخِرَشي، بكسر الخاء» ، وينظر:«حاشية الأعلام» للزركلي (6/ 240).

(5)

كما وقع في مخطوطة الزيتونة (4/ 316 - 319)، وهو بخطه كما في «حاشية الأعلام» للزركلي (6/ 240).

(6)

«تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار» (1/ 113).

(7)

«شجرة النور الزكية في طبقات المالكية» (1/ 459).

(8)

«فيض الملك الوهاب المتعالي بأنباء أوائل القرن الثالث عشر والتوالي» (ص 635).

(9)

الأنساب المتفقة (ص 156)

(10)

«الأعلام» للزركلي (6/ 240)

ص: 22

والَّذي أَميلُ إلَيه في ضبطِهِ هو: «الخَرَشيُّ» ؛ لعدَّةِ أسبابٍ:

أوَّلًا: لأنَّه المشهورُ نقلًا عن أصحابِهِ المالكيَّةِ، فهُم أعلمُ بضبطِ اسمِهِ من غَيرِهم.

ثانيًا: أنَّ هذا غَالبُ اختيارِ مَن تَرجَم له.

ثالثًا: أنَّه المُثبتُ في أغلبِ مُصنَّفاتِهِ المَخطوطَةِ.

رابعًا: ولأنَّه المُثْبتُ في المَخطوطاتِ الَّتي اعْتَمدتُها في تَحقيقي.

وأمَّا ما رجحه الزَّبيديُّ، فيقولُ خيرُ الدِّين الزركلي رحمه الله:

«التَّاج، في هذا وأمثاله ثقة إلا عند تعارضه مع الخط، ولتراجع مخطوطة الزيتونة»

(1)

فالله أعلم

أخلاقه والثَّناء عليه، وطرفًا من أقواله وأخباره:

هُو شيخُ المَالكيَّةِ، وإمامُ السَّالكين، وخَاتمةُ العلماءِ العَامِلينَ في زمانِهِ، وأولُ مَن تولَّى مشيخةَ الأزهرِ، وَانتهَتْ إليهِ الرِّئاسةُ في مصرَ، حتَّى إنَّه لم يبقَ في مصرَ أواخرَ عُمرهِ إلا طلبتُهُ وطلبةُ طلبتِهِ.

قالَ الجبرتي رحمه الله:

الإمامُ العَلَّامةُ، والحَبْرُ الفهَّامةُ شيخُ السَّلامِ والمسلمينَ، وارثُ عُلومِ سيِّدِ المُرسلينَ الشَّيخ مُحمَّد الخرشي المالكيُّ شارحُ خليلٍ وغيرِهِ

(2)

.

وقَالَ ابنُ سالم مخلوف رحمه الله:

الفقيهُ العلَّامةُ، البَركةُ القُدوةُ الفهَّامةُ، شيخُ المالكيَّةِ، وإمامُ السَّالكينَ،

(1)

«الأعلام» للزركلي (6/ 241).

(2)

«تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار» (1/ 113).

ص: 23

وخاتمةُ العلماءِ العَاملينَ، إليهِ انتهَت الرِّئاسةُ بمصرَ

(1)

.

وقال مُحمَّد خليل الحسيني، أبو الفضل رحمه الله:

الإمامُ الفقيهُ ذو العُلومِ الوهبيَّة، والأخلاقِ المَرضيَّةِ، المُتَّفقُ على فضلِهِ، وولايتِهِ، وحُسنِ سِيرتِهِ

(2)

.

وقال الشَّيخُ أبو الفيض الصديقي الهندي رحمه الله:

انْتهَتْ إليهِ الرِّئاسةُ في مصرَ، حتَّى لم يبقَ بها في آخر عُمرهِ إلَّا طلبتُهُ. وقَد اشتُهِرَ اشتهارًا كبيرًا

(3)

.

ويقول د. محمد عبد المنعم خفاجي رحمه الله:

وكَانَ مُتواضعًا، عفيفًا، واسعَ الخُلق، كثيرَ الأدبِ والحياءِ، كريمَ النَّفسِ، حُلوَ الكلامِ، كثيرَ الشَّفاعاتِ عند الأُمراءِ، مَهيبَ المَنظرِ، دائمَ الطَّهارةِ، كثيرَ الصَّمتِ، كثيرَ الصِّيامِ والقيامِ، زاهدًا ورعًا، مُتقشِّفًا في مَأكلِهِ ومَلبسِهِ ومَفرشِهِ، وكَانَ لا يُصلِّي الصُّبحَ صيفًا وشتاءً إلَّا بالجامعِ الأزهرِ، وكانَ يَقضي مصالحَهُ من السُّوقِ بيدِهِ، ومصالحَ بيتِهِ في منزلِهِ، يَتعمَّمُ بشَملةٍ صوفٍ بيضاءَ، وكَانتْ ثيابُهُ قصيرةً على السُّنةِ المُحمديَّةِ، وَاشتُهِرَ في بلادِ الأرضِ من بلادِ الغربِ والتكرورِ والشَّامِ والحجازِ والرُّومِ واليمنِ، وكَانَ يُعِيرُ من كُتبِهِ من خِزَانةِ الوقفِ بيدِهِ لكلِّ طَالبٍ مع السُّهولةِ؛ إيثارًا لوجهِ اللّهِ تعالَى، ولا يَملُّ في درسِهِ من سؤالِ سائلٍ،

ص: 24

وكانَ أكثرُ قراءتِهِ بالأقبغاويةِ، وَكانَ لَه في منزلِهِ خَلوةٌ للعبادةِ

(1)

.

جاءَ في مُقدِّمةِ شرحِهِ على خليل

(2)

:

«كَانَ إمامًا في العلومِ والمعارفِ، مُتواضعًا عفيفًا، لا يكادُ جليسُهُ يَملُّ من مُجالستِهِ، انْتَهتْ إليهِ الرِّياسةُ في العِلمِ، وَوَقفَ الناسُ عندَ فَتاويهِ، وَكانَ مُتقشِّفًا في مَأكلِهِ ومَلبسِهِ ومَفرشِهِ، وكانَ لا يُصلِّي الصُّبحَ صيفًا وشتاءً إلَّا بالجامعِ الأزهرِ.

وَكانَ خلقُهُ واسعًا، إذا تَجادلَ عندَه الطَّلبةُ يشتغلُ هو بالذِّكرِ حتَّى يفرغَ الجدالُ، وكانَ يَقْضي بعضَ مصالحِهِ بيدِه من السُّوقِ، ويَحملُها ويَتعاطَى مصالحَ بيتِهِ في منزلِهِ أيضًا، وكانَ كثيرَ الأَدبِ والحياءِ، كريمَ النَّفسِ، جميلَ المُعاشرةِ، حُلوَ الكَلامِ.

وكَانَ كثيرَ الشَّفاعاتِ عندَ الأُمراءِ وغَيرِهم، وَكانوا يَهابُونهُ ويُجلُّونَه، ويَقبلُونَ شَفاعتَه، وكانَ مَهيبَ المَنظرِ، عَليهِ سَمْتُ العُلماءِ العَاملينَ، والأَولياءِ الصَّالحينَ، وكانَ دائمَ الطَّهارةِ، كثيرَ الصَّمتِ، زاهدًا وَرِعًا، كثيرَ الصِّيامِ، طويلَ القيامِ، وَكانَ لَه تَهجُّدٌ عظيمٌ في اللَّيلِ، وَكانَ نهارُهُ كلُّه في طاعةٍ؛ إمَّا في عِلْمٍ، أو قراءةِ قرآنٍ، أو وِرْدٍ.

يَقُولُ بعضُ مَنْ عايَشه:

ما ضَبَطْنا عَليه قطُّ ساعةً هو فيها غافلٌ عن مَصالحِ دُنياهُ أو آخرتِهِ، وَكانَ يتعمَّمُ بشَملةٍ بَيضاءَ صوفٍ، ولَهُ سُبحةٌ ألفُ حَبَّةٍ، وَكانَت ثيابُهُ قصيرةً على السُّنة المُحمَّديةِ.

وكانَ كثيرَ الذِّكرِ للهِ تعالَى، لا يَكادُ يغفُلُ عن قولِ «لَا إلَه إلَّا اللهُ» في حالِ

(1)

«الأزهر في ألف عام» (1427)(1/ 235).

(2)

«مقدمة شرح الخرشي على خليل» (1/ 1)، وهو كلام علي الصعيدي العدوي رحمه الله.

ص: 25

درسِهِ، وفي حالِ عملِه، وكَانَ لا يُسْمعُ منه قطُّ مُذاكرةُ أحدٍ بسوءٍ، وكانَ النُّورُ يَخفِقُ عَلى وجهِهِ يدركُهُ.

وَكانَ إذا ركبَ حمارَه، ومرَّ في السُّوقِ، يَقْتتلُ النَّاسُ عَليه، وكانَ قَد اشْتُهِرَ في أقطارِ الأرضِ كالغربِ والشَّامِ والحجازِ والرُّومِ واليمنِ، وصَاروا يَضربُونَ به المثلَ، وأَذْعنَ له عُلماءُ مصرَ؛ الخاصُّ منهم والعامُّ، وكانَ دائمَ الطَّهارةِ، لا يُحْدثُ إلَّا ويتوضَّأُ، هكذَا قالَ أصحابُهُ، وكانَ لا يَذكرُ أحدًا بغِيَبةٍ، ولَا يَحسُدُ أَحدًا من أقرانِه على ما آتاه اللهُ من عِلمٍ، أَو جاهٍ، أو إقبالٍ من الناسِ، بَلْ يَقُولُ: لَولَا أنَّه يستحقُّ ما أعطاهُ اللهُ تعالَى، وما كانَ قطُّ يُزاحمُ علَى شيءٍ من الدُّنيا، ولا يَتردَّدُ إلى أحدٍ مِن الوُلاةِ إلَّا لِضَرورةٍ شرعيَّةٍ من شفاعةٍ لمَظْلومٍ، ونحو ذَلكَ.

وكانَ إذا حضرَ إلَيهِ جماعةٌ ممَّن يَحسُدُونهُ، يُجلُّهم ويُكرمُهم في غَيْبتهم وحُضُورِهم، ولا يُؤَاخذُ أحدًا منهم عَلى ما وقعَ منه في حقِّهِ، بَل هو كثيرُ الاحتمال للأذى بطيبةِ نفسٍ، وكانَ يُعِيرُ مِن كُتبِهِ، ومِن خِزانتِهِ الكُتبَ الغريبةَ العزيزةَ من جَميعِ الفُنونِ، فَضاعَ له بذَلكَ جملةٌ من الكُتبِ.

وكانَ يَأتيهِ الطَّالبُ ببَراءةٍ فيها اسمُ كتابٍ يطلبُه، فيُخرجُهُ مِن الخِزانةِ، فيُعطِي لَه منه من غيرِ مَعرفةِ اسمِهِ، واسمِ أبيهِ، أو بلدِهِ، فيُقيِّد بَعدَما يتوجَّه من عندِه:«أَخذَ منِّي الكتابَ الفلانيَّ الرجلُ الطَّويلُ، أو القصيرُ، أو لحيتُهُ كبيرةٌ، أو صغيرةٌ، أو أبيضُ، أو أسودُ، أو نحو ذَلكَ» ، وكانَ منهُ في ذلكَ العجبُ العُجابُ؛ إيثارًا لوَجهِ اللهِ تَعالَى.

لازَم القُرَّاءَ سيَّما بعد شيخِهِ البُرهانِ اللقانيِّ، فكانَ يَقرأُ إلى الضُّحى قراءةَ

ص: 26

تحقيقٍ وتدقيقٍ، ثمَّ يقومُ يُصلِّي الضُّحى، ويتوجَّهُ إلى بيتِهِ، وربَّما مَشى بعدُ لِشَفاعةٍ في أَمرِ النَّاسِ، أو يُصلحُ بينَ النَّاسِ، ثمَّ يرجعُ إلى المَسجدِ يُصلِّي الظُّهرَ بمجلسِهِ بالابتغاويَّة، ثمَّ يأتي إلى الدَّرسِ بجوارِ المِنبرِ بالمَقصورَةِ، فيَقرأُ دَرْسَهُ من «مُختصرِ خَليلٍ» ، ثمَّ يتوجَّهُ إلى مجلسِهِ المذكورِ، أو إلَى بيتِهِ.

وكانَ يَقْسمُ مَتْنَ خليلٍ نِصفينِ: نِصفٍ يَقرؤُه في مجلسِهِ بالابتغاويَّة، ونصفٍ يَقرؤُه بعدَ الظُّهرِ عندَ المِنْبرِ، وَكانَ يُمازحُ الطَّلبةَ في درسِهِ، ويَقولُ لهُمْ:«أنتُمْ جُهَلاءُ، ولا يَعْقلُها إلَّا العَالِمونَ» .

ويَقُولُ لَهُمْ: «إنَّما أَقولُ لَكُمْ ذَلكَ؛ لأجلِ أَنْ تَبذلُوا هِمَمَكُمْ لطَلبِ العِلْمِ ومُطالعتِهِ» .

وَكانَ في درسِهِ إذا قرأَ شَرْحَه الصَّغيرَ بحَضرةِ الطَّلبةِ، يَقولُ لَهم:«هَذَا شَرحٌ نفيسٌ، ما أَحْسنَه!» .

يَقُولُ بعضُ مَن عَايَشه:

لَازمتُهُ ما يَنوفُ عن عِشرينَ سنةً في درسِهِ بالمَقْصورةِ خارجَ الدَّرسِ فَما أظنُّ أنَّ كاتبَ الشِّمالِ كتبَ عَليه شيئًا وإنْ وقَع أنَّه عرضَ لأحدٍ على وجهِ التَّنفيرِ، فَذلكَ من بابِ النُّصحِ للأُمَّةِ لا لحظِّ نفسِهِ، فَرَحِمَهُ اللهُ رحمةً واسعةً.

أوَّل شيخٍ للأزهرِ:

كانَ مَن يتولَّى شُئونَ الأزهرِ في أوَّلِ عهدِهِ يُسمَّى: مُشْرفًا، ثمَّ جاءَ عهدُ المَماليكِ، فَكانَ مَن يتولَّى أَمْرَه يسمَّى: نَاظرًا.

مِنهُم: الأميرُ الطواشيُّ بهادر، وَلِيَ نَظرَه في سنة 874 هـ.

ص: 27

ومِنهُم: الأميرُ سودوب القاضي، وَلِيَ نظرَه سنةَ 818 هـ.

أمَّا تلك الرِّياسةُ الدِّينيَّةُ العلميَّةُ، فَعرفَها الأزهرُ في العهدِ التُّركيِّ بلقبِ «شَيخِ الأَزهرِ» .

لمَّا دَخلَ الأتراكُ العُثمانيُّون مصرَ، سَارُوا على نَهجِ مَن سَبقَهم مِن سَلاطينِ مصرَ وأُمرائِها، فَحافَظُوا على الأَوضاعِ المَرعيَّةِ في الأزهرِ، وَاهْتَموا برعايةِ شؤونِهِ، والسَّهرِ على مصالحِ أهلِه، واقتدَى الوُلاةُ العُثمانيُّون بسَلاطينِ آلِ عثمانَ، فَعرفُوا لهذا المَعهدِ العلميِّ الدِّينيِّ الإسلاميِّ حقَّه من الرِّعايةِ والتَّقديرِ، وجَدَّدوا به كلَّ دارسٍ، وزَادوا في عمارتِهِ، ووَسَّعوا من رُقعتِهِ، وأَوْقفَ الأُمراءُ، والوُلاةُ، وكبارُ رجالِ الدَّولةِ، والأعيانُ، الكثيرَ مِنَ الأموالِ والأملاكِ، والعَقاراتِ على علمائِهِ وطلبتِهِ، فَاتَّسعتْ إدارتُهُ، وتَشعَّبت مصالحُ أهلِهِ، وأَصبحَت الحَاجةُ ماسَّةً إلى وُجودِ شخصٍ يتفرَّغُ للإشرافِ على شُؤونِ هذا المَعهدِ؛ الدِّينيَّةِ والإداريَّةِ معًا، ويكونُ رئيسًا لشُيوخِ المَذاهبِ والأَرْوقةِ، وَسائرِ عُلماءِ الأزهرِ وطُلَّابهِ، ومَسؤولًا مباشرةً أمامَ الوُلاةِ والسَّلاطينِ، وحَلقةَ اتِّصالٍ بينَ الحُكومةِ وأقسامِ الأزهرِ، فَاسْتَحسنت الدَّولةُ العليَّةُ قُبيلَ نهايةِ القرنِ الحادي عشرَ الهجريِّ أن يُعيِّنَ للأزهرِ شيخَ عمومٍ، يُديرُ شُؤونَه، ويُراقبُ أُمورَه مِن تَعاليمَ وغَيرِها، ويُلقَّبُ: بـ «شَيخِ الجامعِ الأزهرِ» .

ومُنذُ العهدِ التُّركيِّ العثمانيِّ والجامعُ الأزهرُ يحتفظُ بهذه الوَظيفَةِ، الَّتي تطوَّرت مَظاهرُها، واتَّسعَت اختصاصَاتُها على حسَب تَطوُّراتِ الزمنِ، ومُقتَضياتِ الظُّروفِ والأَحوالِ، حتَّى آلَتْ إلى ما هي عَلَيه الآن، ولقَد تَوالَى على هذِهِ الرِّياسةِ منذ إِنْشائِهَا حتَّى الآن خَمسُونَ شيخًا، وأَوَّلُهم الشَّيخُ الخرشيُّ رحمه الله

(1)

.

(1)

الأزهر في ألف عام (1427)(1/ 237).

ص: 28

قَالَ الشَّيخُ أبو الفيض الصديقيُّ الهنديُّ رحمه الله:

وَفي القرنِ الحادي عشرَ جعلَ الشَّيخُ الخرشيُّ له شيخًا؛ لِكَثرةِ الوَاردينَ على الأزهرِ، فَصارَ شيخُ الأزهرِ بمَنزلةِ شَيخِ الإسلامِ بدارِ الخِلَافةِ، وهُو يَقومُ بشُؤونِ جميعِ أهلِ الأزهرِ، ومَنُوطٌ به إقامَةُ شعائرِ الدِّينِ في جميعِ الأنحاءِ في القُطرِ المصريِّ.

فأَوَّلُ مَن تولَّى مَشْيخةَ الأزهرِ: الإمامُ أبو عبدِ الله مُحمَّد بن عبد الله الخرشيُّ المالكيُّ

(1)

.

من شيوخِهِ:

والدُهُ عبدُ الله، والبُرهان اللقاني، والنُّور الأجهوري، والشَّيخ يُوسُف القيشي، والشَّيخ عبد المعطي البصير، وغَيرهم.

قَالَ المُرتَضى الزَّبيدي:

«أَخذَ عَن والدِهِ، وعَن البُرهانِ اللقانيِّ، وأَجازَ الهيتنوكيَّ وَصَاحبَ المِنحِ، وهُمَا من شُيوخِ مَشايِخِنا، وعبد اللهِ محمَّد بن عامرٍ القاهريِّ، أجازَه سنةَ وفاتِهِ، وَهي سُنَّةٌ، وهُوَ من شُيوخِنا»

(2)

.

ومن تلاميذِهِ:

قَالَ الشَّيخُ عليٌّ الصعيديُّ العدويُّ رحمه الله:

تَخرَّجَ عليهِ جماعةٌ حتَّى وصلَ مُلازمُوه نَحوَ مائةٍ

(3)

.

ص: 29

فَمِنْهم: الشَّيخُ علي النوري، ومُحمَّد عبد الباقي الزرقاني، وأحمد الشرفي الصَّفاقسي، وعلي بن خليفة المساكني، وعلي اللقاني، وشمس الدِّين اللقاني، وأخوه داود، وأحمد الشبرخيتي، والفيومي -أحدُ شُيوخِ الأزهرِ- وعبد السلام بن صالح حفيد الشَّيخ عبد السَّلام الأسمر، ومُحمَّد النَّفراوي وأخوه أحمد، وأبو عبد الله السلموني، وغيرهم.

ومِن أهمِّ مُصنَّفاتِهِ:

1 -

الشَّرح الكبير على متن خليل (المعروف بشرح الخرشي).

2 -

الشَّرح الصَّغير على متن خليل أيضًا.

3 -

الفوائد السَّنيَّة في شرح المقدِّمة السُّنوسيَّة.

4 -

منتهى الرَّغبة في حلِّ ألفاظ النُّخبة لابن حجر، وهو كتابنا.

وفاتُهُ:

تُوفِّي رحمه الله في صَبيحةِ يومِ الأحدِ 27 من ذي الحِجَّة سنةَ 1101 هـ.

يقول د. محمَّد عبد المنعم خفاجي رحمه الله:

ودُفِنَ معَ والدِهِ بقُربِ مَدفنِ سيِّدي محمَّد البنوقري بواسطةِ قرافة المُجَاورين

(1)

، فَرحمه الله رحمةً واسعةً، وأَسْكنَه فَسيحَ جنَّاتِهِ.

(1)

الأزهر في ألف عام (1427)(1/ 235).

ص: 30