الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صورة النسخ الخطيّة
صورة طرة النسخة (أ)
صورة الورقة الأولى من النسخة (أ)
صورة الورقة الأخيرة من النسخة (أ)
صورة طرة النسخة (ب)
صورة الورقة الأولى من النسخة (ب)
صورة الورقة الأخيرة من النسخة (ب)
صورة طرة النسخة (هـ)
صورة الورقة الأولى من النسخة (هـ)
صورة الورقة الأخيرة من النسخة (هـ)
بسم الله الرحمن الرحيم
(1)
الحمد لله الذي علَّمَنا مِن تأويل الأحاديثِ وفضَّلَنا بأنواع العلوم على كثير ممَّن خَلق تفضيلًا، والشُّكرُ له على [نِعَمِه]
(2)
جملةً وتفصيلًا، وأشهد أنْ لا إله إلَّا اللهُ وحْدَه لا شريكَ له المَلِكُ العلَّام، وأشهد أنَّ سيدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه المختصُّ بالعلوم الجَمَّة وفصاحةِ الكلام، وأُصلي وأسلِّم على سيِّدنا محمدٍ وعلى آله وأصحابه الغُرِّ الكرام، صلاةً وسلامًا دائميْنِ متلازمين إلى يوم قيامِ الخَلقِ بيْن يدَيِ [الملِك العلَّام]
(3)
، ذي الجلال والإكرام.
وبعدُ؛
فإنَّ الفقيرَ محمدَ بن جمال الدِّين عبد الله بن علي الخَرَشيِّ البُحَيْرِيَّ
(4)
، الشهيرَ نَسَبُه ونسبُ عصابتِه بأولاد صباح الخير، جمَع في أوراق مستكثِرة فوائدَ وأبحاثًا تتعلق بـ:«نُخْبَة الفِكَر في مصطلح أهل الأَثَر» ، تأليف مولانا العالم العلَّامة ابنِ حَجَرٍ العَسْقلانيِّ، جعلتُها لنفسي تذكرةً؛ فأردتُ عَزْوَها [لقائليها]
(5)
، ثم إنِّي
(1)
افتتح في (هـ) و (ب) بعد البسملة: [وصلى الله على سيدنا محمد]، وزاد في (ب)[وعلى آله وصحبه وسلم].
(2)
في (هـ): [نعم].
(3)
زيادة من (ب) و (هـ).
(4)
قال في تاج العروس (17/ 180): (وأَبو خَرَاشٍ، كسَحَابٍ: قَريةٌ بالبُحَيْرة من أَعْمَالِ مِصْرَ).
(5)
في (هـ): [لناقليها].
رأيتُ ألا تَكمُلَ الفائدةُ إلَّا إذا ضُمَّ إليها ما تَفرَّق، [ممَّا]
(1)
تحتاج إليه كلُّ مسألة، من شرح وتقْييد، فشَرَعْتُ في ذلك بعد الاستخارة، وسميتُه:«مُنْتَهى الرَّغبة في حَلِّ ألفاظ النُّخبة» .
ولخَّصْتُه مِنَ الحواشي الموضوعة عليه للشيخ قاسم الحَنَفيِّ تلميذِ المؤلِّف
(2)
، وللبِقَاعيِّ، وللشيخ عليٍّ الأُجْهُوري
(3)
، [وللعلامة شيخِنا]
(4)
إبراهيم اللَّقَّاني
(5)
، ورمزتُ
(6)
للأوَّل ما صُورتُه (ق)، وللثاني (ب)، وللثالث (ج)، وللرابع (هـ).
وأرجو من الله تعالى أنْ يُتمِّمَ هذا التعليق، ويُغنينا به عن الشروح والحَواشي المتداوَلَة بين أيدي أهل هذا العصر، بحيث يجدُها الطالب في المحَلِّ الواحد، فأقول -وهو حسبي ونِعَم الوكيلُ، راجيًا مِنَ الله الكريم المَعُونةَ على [ذلك]
(7)
، والنفعَ به، وقَبولَه بمنِّه وكرمه-:
افتتح المؤلف كغيره:
(1)
في (هـ): [ما].
(2)
طبع في دار الوطن بتحقيق د: إبراهيم الناصر.
(3)
طبع في دار ابن حزم بتحقيق د: بشار القيسي.
(4)
في (ب): [وللعلامة الشيخ شيخنا].
(5)
طبع في المكتبة الأثرية بتحقيق شادي النعمان.
(6)
وقد رمز اللَّقَاني في شرحه بنفس هذه الرموز لابن قُطْلُوبُغا والبقاعي (1/ 325).
(7)
رسمت في (أ)[ذالك].
بسم الله الرحمن الرحيم
[بسم الله الرحمن الرحيم]
(1)
:
اقتداءً بالكتاب العزيز، والآثارِ النبويَّة والإجماع؛ لافتتاحِ الكتاب بها، وقولِه عليه الصلاة والسلام:«كلُّ أمرٍ ذِي بَالٍ لا يُبْدَأُ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم» ، كما في روايةٍ:«فهو أَبتَرُ» ، أو:«أَقْطعُ» ، أو:«أجْزَمُ»
(2)
، أي: ناقصٌ وقليلُ البَرَكة، والباء للاستعانة متعلِّقة بمحذوفٍ تقديرُه: أؤلِّف، ونحوه، وهو يَعمُّ جميعَ أجزاء التأليف؛ فيكون أوْلى مِن: أَفتتِح، ونحوِه؛ لإيهام قَصْرِ التَّبرُّك على الافتتاح فقط.
و «الله» : عَلَمٌ للذات الواجب الوجود؛ فَيَعمُّ الصفاتِ أيضًا.
«الرحمن» : المُنعم بجلائل النِّعم، كَميَّة أو كيفيَّة.
و «الرحيم» : المُنعم بدقائِقها كذلك، وقُدِّم الأول؛ لدَلالته على الذات، ثم الثاني؛ لاختصاصه به، ولأنَّه أبلَغُ من الثالث؛ فقُدِّم عليه ليكونَ له كالتَّتِمَّة، وليس من باب الترقِّي المقتضي لتقديم الأدنى على الأعلى، على حُكم قاعدة وأسلوب اللغة العربية، نحو: فلان عالم نِحْرير
(3)
، وجَوَاد فَيَّاض، وإيضاحُ
(1)
زيادة من (أ) و (ب).
(2)
أخرجه الرهاوي في الأربعين كما في الجامع الصغير للسيوطي (2/ 158)، والخطيب في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع:(2/ 69) بلفظ: أبتر، والسبكي في طبقات الشافعية الكبرى (1/ 12) بلفظ: أقطع، وراجع الكلام على لفظ أجزم بالضعيفة (902)، قال الحافظ في الفتوحات الربانية (3/ 290): في سنده ضعف.
(3)
قال أحمد بن عبد الكريم الأشموني كما في هامش النسخة (أ): النحرير -بكسر النون- هو الذي له نظر دقيق في تقدير الكلام، قيل: النون فيه زائدة، فيكون النحرير من حرّر الكلام: إذا أمعن النظر فيه ودققه، وقيل: أصلية من النحر، وهو الصدر، فكأن معناه: صدر في التحرير، وكل منهما يدل على مبالغة العالم الذي يزين الكلام بتقديره وتحريره، ومنه سُمِّي علماء التورية المحققون أحبارًا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ذلك: أنَّ الأبلغ إذا كان أخصَّ ممَّا دونَه، ومُشتملًا على مفهومه؛ تَعيَّن [هنا كطريقة]
(1)
الترقي؛ إذ لو قُدِّم الأبْلَغ كان ذِكرُ الآخَرِ عاريًا عن الفائدة، كما في المثالين المذكورين؛ فإنَّ النِحْريرَ والفَيَّاض مشتملان على مفهومَي العالِم والجَوَادِ مع زيادة، وأمَّا إذا لم يكن الأبْلَغُ مشتملًا على مفهوم الأدنى كالرحمن الرحيم، إذا أُريدَ بالأول جلائلَ النعم، وبالثاني دقائقَها، جاز سلوكُ كلُّ واحد من طريق التتميم والترقي؛ نظرًا إلى مقتضى الحال، ولَما كان المنظورُ إليه بالقصد الأول في مقام العظمة والكبرياء جلائل النعم وأصولها دون دقائقها؛ قُدِّم «الرحمن» وأُردِف «الرحيم» كالتَّتمة؛ تنبيهًا على أنَّ الكل منه، وأنَّ عنايتَه سبحانه وتعالى شاملةٌ لذوات الوجود؛ فلا
(2)
يُتَوهَّمُ أن حَقيراتِ الأمور لا تَليق بذاته، فيُحتَشَم معه
(3)
سؤالُها
(4)
.
(1)
في (أ): [هناك طريق].
(2)
في (هـ): [كما].
(3)
في (هـ): [من].
(4)
ملخصا من تفسير البيضاوي (1/ 27)، والتفسير الكبير للرازي (1/ 149)، وأنسب ما قيل في هذا المبحث أنه قدّم لفظ الجلالة «الله» على «الرحمن الرحيم» لأن الله اسم ذات في الأصل، والرحمن الرحيم اسما صفة في الأصل، والذات متقدمة على الصفة، وقدم «الرحمن» على «الرحيم» لأن الرحمن خاص بالله تعالى بخلاف الرحيم، وأما قول بني حنيفة في مسيلمة الكذاب: رحمان اليمامة؛ وقول شاعرهم:
وأنت غيث الورى لا ذلت رحمانا
فأجاب عنه الزمخشري بقوله: «هذا من تعنتهم بالكفر» . ينظر: غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب (1/ 16).
الحمدُ للهِ الذي لَمْ يَزَلْ عَليمًا قديرًا، حيًّا قيُّومًا، سَميعًا بَصيرًا، وأَشهدُ أَنْ لا إِله إِلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، وأُكبِّرُه تَكبيرًا.
[قوله]
(1)
: «الحمد لله» :
لمَّا افتَتَح بالبسملة افتتاحًا حقيقيًّا، افتتح بالحَمْدَلة افتتاحًا إضافيًّا، وهو ما يُقَدَّم على الشروع في المقصود بالذات؛ جمعًا بين حديثَي البسملة والحمد لله.
[و]
(2)
الحمد لغةً هو: الثناء على الفعل الجميل الاختياريِّ على جهة [التفخيم]
(3)
و [التبجيل]
(4)
والتعظيم، سواءٌ أكان في مقابَلة نِعْمةٍ أم لا.
[و]
(5)
اصطلاحًا: فِعلٌ يُنْبئ عن تعظيم المنعِم بسبب كونه منعِمًا، سواءٌ كان ذلك الفعلُ اعتقادًا بالجَنان، أو قولًا باللسان، أو عملًا بالأركان، وهل الأداة
(6)
فيه للاستغراق، أو للجنس، أو للعَهد؟ أقوال مبسوطة في المُطَوَّلات
(7)
.
[و]
(8)
ذُكر معه الاسم الكريم الجامع لمعاني الأسماء والصفات؛ إذ يُضاف إليه
(1)
زيادة من (أ) و (ب).
(2)
زيادة من (هـ).
(3)
زيادة من (ب).
(4)
زيادة من: (أ) و (ب).
(5)
زيادة من (هـ).
(6)
يقصد بالأداة: الألف واللام.
(7)
ينظر: البحر المحيط، لأبي حيان (1/ 35)، حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي (1/ 85)، التحرير والتنوير، لابن عاشور. (1/ 160)، أضواء البيان، للشنقيطي (6/ 276).
(8)
زيادة من (هـ).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
غيرُه، ولا يضاف إلى غيرِه، فيُقال: الرحمن -مثلًا- اسم الله، ولا يُقال: الله اسم الرحمن؛ إشارة لاستحقاقه -تعالى- الحمدَ لذاته ولصفاته.
قولُه: «الذي لم يَزَلْ عالِمًا» :
أي: بجميع الكليَّات والجزئيَّات؛ وذلك لأنَّ ما احتوى عليه العالَمُ من دقائق الصُّنع وعجائبِ الأسرار التي تَعْجِزُ العقول عن الإحاطة بمادَّتها يستحيل صدورُها عن الجاهل بها (أ/2) على سبيل الاتِّفاق.
وقال ابن عربي
(1)
:
(1)
في النسخ الخطية [ابن العربي] وهو خطأ.
وابن عربي هو: محمد بن علي بن محمد الطائي الأندلسي فيلسوف، صوفي من أئمة المتكلمين، ولد سنة (560 هـ) وخلف كثيراً من المؤلفات أوصلها الزركلي إلى نحو أربعمائة كتاب ورسالة، أشهرها (الفتوحات المكية) و (فصوص الحكم) وتوفي ابن عربي سنة (638 هـ)، يقول تقي الدين الفاسي رحمه الله:(سمعت صاحبنا الحافظ الحجة، القاضي شهاب الدين أحمد بن على بن حجر، الشافعي يقول: جرى بيني وبين بعض المحبين لابن عربي، منازعة كثيرة في أمر ابن عربي، حتى نلت منه لسوء مقالته، فلم يسهل ذلك بالرجل المنازع لي في أمره، وهددني بالشكوى إلى السلطان بمصر، بأمر غير الذى تنازعنا فيه، ليتعب خاطري. فقلت له: ما للسلطان في هذا مدخل، ألا تعال نتباهل، فَقَلّ أن تباهل اثنان، فكان أحدهما كاذبا، إلا وأصيب. قال: فقال لي: بسم الله. قال: فقلت له: قل اللهم إن كان ابن عربي على ضلال، فالعني بلعنتك، فقال ذلك. وقلت أنا: اللهم إن كان ابن عربي على هدى، فالعني بلعنتك، وافترقنا. قال: ثم اجتمعنا في بعض متنزهات مصر في ليلة مقمرة. فقال لنا: مر على رجلي شيء ناعم، فانظروا. فنظرنا فقلنا: ما رأينا شيئا. قال: ثم التمس بصره، فلم ير شيئا. هذا معنى ما حكاه لي الحافظ شهاب الدين بن حجر العسقلاني). راجع: العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين (2/ 299).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
«لا يَشكُّ مؤمنٌ ولا غيرُ مؤمن في كمال عِلمِ الله تعالى، حتى الذين قالوا: «إنَّ عِلمه لا يتعلق بالجزئيَّات» ، فإنهم لم يريدوا نفيَ العلم بها عنه تعالى، وإنما قصدوا بذلك أنَّ الحق تعالى لا يتجدد له علمٌ نفْسي، بل علمه بالجزئيَّات مُندرِجٌ في علمه بالكليَّات، لا يَحتاج علمُه بها إلى تفصيل كما هو شأن الخلْق، وأثبتوا له تعالى العلمَ بها، مع كونهم غيرَ مؤمنين، وقصدوا تنزيهَه في ذلك وأخطؤوا في [التعبير]
(1)
» انتهى.
(2)
وفي كتابة أخرى
(3)
:
اعلمْ أنَّ تعلُّق علمِه -تعالى- بالكليات وجزئياتِها واحدة [لا]
(4)
يختلف بخلاف تعلُّقِ علمِنا بهما، وحينئذٍ فمرادُ مَن قال: «[الله]
(5)
لا يعلم الجزئيات»، أنَّه لا يعلمها على وجهٍ موافِق لعِلمنا، بل في ضِمن الكليات؛ فلا إشكال.
(6)
(1)
في (أ) و (ب)[التفسير] والتصويب من الفتوحات المكية.
(2)
الفتوحات المكية (2/ 82).
(3)
كذا في النسخ الثلاث وهي من تصرف الناسخ.
(4)
زيادة من (ب).
(5)
في (ب)[أنه].
(6)
إنكار علم الله تعالى بالجزئيات مسألة بدعية، يقول ابن تيمية رحمه الله:(وحقيقة هذا القول إنكار علمه بها؛ فإن كل موجود في الخارج فهو معين جزئي: الأفلاك كل معين منها جزئي وكذلك جميع الأعيان وصفاتها وأفعالها فمن لم يعلم إلا الكليات لم يعلم شيئا من الموجودات والكليات إنما توجد كليات في الأذهان لا في الأعيان)، مجموع الفتاوى (11/ 227)، ويقول رحمه الله:(وهؤلاء المتفلسفة الدهرية عندهم أن الله لا يفعل شيئا بمشيئته ولا يجيب دعاء الداعي، بل ولا يعلم الجزئيات ولا يعرف هذا الداعي من هذا الداعي ولا يعرف إبراهيم من موسى من محمد وغيرهم بأعيانهم من رسله، بل منهم من ينكر علمه مطلقا كأرسطو وأتباعه، ومنهم من يقول: إنما يعلم الكليات كابن سينا وأمثاله.) الجواب الصحيح (1/ 353).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
قوله: «قديرًا» :
أي: ذا قدرة تامَّة، وهي صفةٌ تؤثِّر في [المقدور]
(1)
عند تعلُّقها به، والمراد بالمقدور: الممكن؛ فالمستحيل والواجب كلٌّ منهما لا تتعلق به القُدرةُ، لا لقصورٍ وعجْز فيها، بل لعدم قابليَّتِها لها؛ فلم يَصلُحا محِلًّا لتعلُّقها بهما
(2)
.
وعدَلَ عن: «قادر» إلى «قدير» ؛ للسجع، ولا يقال: لقصد التنبيه على تمام القدرة؛ لئلَّا يَرِدَ عليه أنَّه ينبغي إبدال: «عالمًا» بـ «عليم» .
وقوله: «الذي
…
إلخ»
(3)
:
نعْتٌ لله، ولا يخفاك أنَّ هذا النعتَ يصحُّ أن يكون محمودًا به ومحمودًا عليه؛ إذ هُما في بعض المواضع قد يتَّحِدان ذاتًا، ويختلفان اعتبارًا، كما قالوا في حمْدِنا له تعالى على ذاته وعلى صفاته الذاتيَّة.
(1)
في (هـ): [المقدورات].
(2)
الأصلُ عدمُ التعرُّضِ لمِثْلِ هذا، فالله سبحانه وتعالى قادرٌ على أَنْ يخلق كُلَّ شيءٍ بدون استثناءٍ ممَّا يَسبِقُه العدمُ القابلُ للخِلْقَة، وهو ما يُسَمَّى بالمُمْكِنِ الجائز كالعالَمِ وسائرِ أجزائه، والمستحيلُ لذاته ليس بشيءٍ في الخارج وإنما في الذهن، فالحاصل أنَّ قدرة اللهِ تعالى لا تتعلَّقُ بالمستحيلات ولا تَليقُ به سبحانه على جهةِ الفعل؛ لأنَّ المستحيل والمعدومَ ليس بشيءٍ ولا وجودَ له حتَّى يكون مشمولًا بقوله تعالى:{وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [المائدة: 120].
علمًا أنه لا يَمتنِعُ على إرادة الله وقدرتِه شيءٌ على جهةِ العجز، سواءٌ كانَتْ مُمْكِناتٍ أو متضادَّاتٍ أو مُتقابِلاتٍ أو مستحيلاتٍ، وإنما لا تتعلَّق قدرةُ الله بالمستحيلات ولا تَليقُ به مِنْ جهةِ الفعل؛ لأنها ليسَتْ بشيءٍ ولا وجودَ لها؛ فنُثْبِتُ لله سبحانه الإرادةَ والقدرةَ المُطْلَقتين؛ وننفي عنه ما لا يَليقُ به سبحانه.
(3)
تقديم وتأخير من الشارح، والأصل أن تؤخر قبل قول الماتن (عليما).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
تنبيه
(1)
:
ليس في ذِكر هذه الأسماء براعةُ استهلال
(2)
، ولا يضرُّ ذلك في بلاغة المؤلف؛ لقصده بذلك التنبيهَ على جواز ترك الأَولى؛ لئلَّا يَتوهَّمَ القاصِرُ لزومَه [بلاغةً]
(3)
، أو لأنَّه يَرى [كراهة]
(4)
السجع المتكلَّف.
وبراعةُ الاستهلال: عبارة عن أن يأتيَ المتكلِّمُ في مَطلَع كلامه بما يشير إلى مجامعِ المؤلَّف فيه؛ كقول البعض: الحمد لله الذي علَّمنا من تأويل الأحاديث، ونحو ذلك.
[قوله]
(5)
: «حيًّا» : أي: ذا حياةٍ أزليَّة، أي: صفةٍ أزليَّة تُوجِب صحةَ قيامِ العِلم والقدرة وغيرِهما، ممَّا يَتوقَّف عليهما ممن قامتْ به.
[قوله]
(6)
: «قيُّومًا» : أي: قائمًا بالموجودات في ذاتها وصفاتها وتدبيرها وحِفظِها ورزقها قيامًا مستمرًّا. وقيل: القيُّوم: القائم بنفسه، المُقيم لغيره
(7)
. ووجه (هـ/2) المبالغة على الوجهين زيادة الكَمِّ والكَيف في المتعلَّقات.
(1)
قضاء الوطر (1/ 344).
(2)
في قضاء الوطر (1/ 344)[إلا بتعسف يكدي].
(3)
في (هـ): [بالغة].
(4)
في (أ)[بكراهة].
(5)
زيادة من: (أ) و (ب).
(6)
زيادة من: (أ) و (ب).
(7)
قال ابن القيم رحمه الله: معنى اسمه القيوم، وهو الذي قام بنفسه فلم يحتج إلى أحد، وقام كل شيء به، فكل ما سواه محتاج إليه بالذات، وليست حاجته إليه معللة بحدوث، كما يقول المتكلمون، ولا بإمكان، كما يقول الفلاسفة المشاءون، بل حاجته إليه ذاتية، وما بالذات لا يعلل. مدارج السالكين (2/ 111).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وفي المصباح: «وهذا قَوَامه -بالفتح والكسر-، وتُقلب الواوُ ياءً جوازًا مع الكسر، أي:[عِماده]
(1)
الذي يقوم به، ومنهم مَن يقتصر على الكسر، ومنه قوله تعالى:{الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} [النساء: 4]، والقِوام -بالكسر-: ما يُقيم الإنسانَ من القُوت، وبالفتح: العدل والاعتدال، قال تعالى:{وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: 67]، أي: عَدْلًا، وهو حسَن»
(2)
.
[قوله]
(3)
: «سميعًا بصيرًا» : أي: لكل موجود مما يُسمَعُ ويُبصَر. وأجمع العلماء قاطِبةً من المتكلمين والحكماء وغيرِهم على كونه تعالى عالمًا قديرًا، وهذا في جميع الصفات، لكنهم يختلفون في كون الصفات: عينَ الذات، أو غيرَ الذات، أو لا عينٌ ولا غيرُ. ومذهب أهلِ السُّنة: أنها زائدة على الذات. قالوا: وقول المعتزلة: «إنَّ في هذا استكمالًا بالغير، وتكثيرًا للقدماء» ممنوع؛ لأنها لا عينٌ ولا غيرُ، والكفر إنَّما يَلزَم مَنْ دلَّ مَقالُه على تعدُّد الذات القديمة كما لزِم النصارى، لا مَن دلَّ مقالُه على تعدُّد الصفات، أي: لأنَّ قِدَمَها إنما هو تابعٌ لِقِدَم الذات
(4)
.
[قوله]
(5)
: «وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ» : أي: أَعلَمُ [وأتيقن]
(6)
.
(1)
في (أ): [غماده]، والصواب ما أثبته كما في المصباح المنير (2/ 520).
(2)
المصباح المنير في غريب الشرح الكبير (2/ 520).
(3)
زيادة من: (أ) و (ب).
(4)
وهذا قول أبي الحسن الأشعري، وجمهور أهل الحديث والسنة كالإمام أحمد وغيره قالوا: هذا الكلام فيه إجمال، وأن لفظ «الغير» فيه إجمال، ومن ثَمَّ فلابد من التفصيل، فلا يقال عن الصفة: إنها الموصوف، ولا يقولون: إنها غيره، ولا يقولون: ليست هي الموصوف ولا غيره فالمقصود أنه لا ينبغي الإطلاق: نفياً وإثباتاً، وهم تركوا إطلاق اللفظين لما في ذلك من الإجمال.
(5)
زيادة من: (أ) و (ب).
(6)
في (ب) و (هـ)[وتيقن].
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
قوله: «وَحْدَه» : حالٌ لتأكيد توحيد الذات.
قوله: «لا شَريكَ له» : توكيدٌ لتوحيد الصِّفات، وهو ردٌّ على المعتزلة. ثم زاد مقامَ الخَطابةِ بالثَّناء عليه بالكبرياء بقوله:«وأُكَبِّرُه تكبيرًا»
(1)
:
أي: أُعظِّمُه تعظيمًا، وأَتى به؛ امتثالًا لقوله تعالى:{وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا} [الإسراء: 111]، وأَتى بالتشهُّد لحديث أبي داودَ وغيرِه:«كُلُّ خُطْبَةٍ لَيْسَ فِيهَا تَشَهُّدٌ فَهِيَ كَالْيَدِ الْجَذْمَاءِ»
(2)
، أي: المقطوعةِ البَرَكة، وعطَفَ الجملة الفعليةَ على الاسميَّة محافظةً على الصيغة المتعبَّدِ بها في الحمد والتشهد في الصلاة والذكرِ خارجَها في الخطب وغيرها، وجهةُ الوصل بينهما أنَّ كلًّا منهما إنشائية، وذِكْرُ الله وكذا قوله:«صَلَّى اللهُ» جملة فعلية إنشائية، وَرَدَ بهذه الصيغة آخر القُنوت في رواية النَّسائي
(3)
.
وفي كتابة أخرى
(4)
:
لا شَكَّ أنَّ القصد [بقوله: «وأشهد
…
إلخ»]
(5)
الإخبارُ عمَّا انطوى عليه الاعتقاد، وجَزَم به القلبُ [حينئذٍ]
(6)
مع الإذعان، فإنْ كانت جملةُ الحمدِ إنشائيةً فالواو [للاستئناف]
(7)
، وإلا فهي للعطف.
(1)
هذه الفقرة شرحت مرتين في النسخ الثلاث.
(2)
أخرجه أحمد (8018)، و أبو داود (4841)، والترمذي (1132)، قال ابن القيم في زاد المعاد:(1/ 182): ثابت، وقال ابن رجب في فتح الباري:(5/ 489): رجاله ثقات.
(3)
النسائي (1746).
(4)
كذا في النسخ الخطية، وهي من تصرف الناسخ كما سبق ونبهنا عليه.
(5)
في مطبوع قضاء الوطر [بهذه الجملة].
(6)
زيادة من: (ب) و (هـ)، سقطت من مطبوع قضاء الوطر.
(7)
في (أ): [وللاستئناف].
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وتَخالُفُ الجملتين في الاسمية والفعلية خِلافُ الأَولى (أ/2) فقط، على أنَّ عطفَ الخبر على الإنشاء وعكسَه فيه خلافٌ؛ منعَه البيانيُّون وبعضُ النحْويين، وأجازه بعضُهم بتفصيلٍ ودونِه. (هـ)
(1)
.
قوله: «وحدَه» :
حالٌ من «الله» ، مؤكِّدة لمضمون انحصار الألوهيَّة فيه تعالى، وهو مِن الألفاظ المعرَّفةِ لفظًا المنكَّرةِ [معنًى]
(2)
؛ فلذا لم تَمنع إضافَتها لمعرفةٍ حاليَّتُها
(3)
.
وقوله: «لا شريكَ له» :
تفسيرٌ لمعنى الوَحدة، ومدلولُه نفيُ الشريكِ مُطلقًا، ويمكِنُ على بُعْدٍ جعلُ أحدِهما للتوحيد بالذات، والأخرى للتوحيد بالأفعال
(4)
.
وقوله: «وأكبِّره تَكْبِيرًا» :
أي: وأُعظِّم اللهَ تعظيمًا، عطفٌ على «أَشهد»؛ قُصِد به الامتثالُ لقوله تعالى:{وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا} [الإسراء: 111]. وأَسْقَطَ الشهادة مِن المَتْن حملًا لحديث: «كلُّ خطبةٍ ليس فيها شهادةٌ فهي كاليَدِ الجَذْمَاء»
(5)
، على خُطبة الجمعة، وذَكَرها في الشرح لاحتمال إبقائه على عمومه
(6)
.
(1)
قضاء الوطر (1/ 345).
(2)
في (هـ): [هنا].
(3)
قضاء الوطر (1/ 345).
(4)
قضاء الوطر (1/ 345).
(5)
سبق تخريجه.
(6)
قضاء الوطر (1/ 346).
وصلَّى اللهُ عَلى سَيدِنا مُحَمَّدٍ الذي أَرْسَلَهُ إِلى النَّاسِ كافةً بَشيرًا ونَذيرًا، وعلى آلِ محمدٍ، وصَحْبِهِ، وسَلَّمَ تَسْليمًا كثيرًا.
[قوله]
(1)
السيد: المُتولِّي للسَّواد، أي: الجماعةِ الكثيرة، ويُنسَبُ إلى ذلك؛ فيُقال: سيِّدُ القوم، ولا يُقال: سيِّد الثوب، وسيِّد الفرَس، ولمَّا كان من شرط مُتَولِّي الجماعة الكثيرةِ أنْ يكون زكيَّ النفْس، مُطَهَّرَ الطَّبْع، قيل لكلِّ مَنْ كان فاضلًا في نفْسه. (هـ/5)
و «محمَّد» : بدَلٌ من «سَيِّدنا» ، لا يُقال: جَعْلُه بدلًا يقتضي أنْ يكون إثباتُ السِّيادةِ له عليه الصلاة والسلام غيرَ مقصود أصلًا، مع أنه ليس كذلك؛ لأنَّا نقول: المراد بكون المُبدَلِ منه في نيَّة الطرح
(2)
أنه غير مقصود بالذات، بل ذُكر توطئةً للبدل، وتمهيدًا له، وهو هنا كذلك؛ إذِ المقصود بالذات الصلاةُ على محمد، ويجوز أنْ يكون عطفَ بَيان، جيء به للمدح؛ نظرًا إلى أنَّ إثباتَ السيادة له عليه الصلاة والسلام بالصراحة مقصودٌ.
قوله: «الذي أَرسلَه للناسِ كافَّةً» :
بمعنى الجماعةِ، والناس: يعُمُّ الإنسَ وغيرَهم ممَّا يتحرك، بِناءً على أنَّه مِن ناسَ يَنُوسُ، إذا تحرَّك، وأصل النَّاس: أُناس -بضم الهمزة- حُذفت، وعُوِّض عنها حرفُ التعريف؛ ولذلك لا يكاد يُجمَع بينهما، وهو اسمُ جمع [إذ]
(3)
لم يَثبُتْ فُعَال في أبنية الجمع، مأخوذ من: أنِسَ؛ لأنهم يستأنسون بأمثالهم، أو
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
في هامش (أ): قال أحمد بن عبد الكريم الأشموني: قوله في نية الطرح أي: بالنسبة للعامل.
(3)
في (أ) و (ب): (إذا).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[مِن]
(1)
: آنَسَ، ولكونِهم ظاهرين مُبصَرين سُمُّوا بشرًا، كما سُمِّي الجنُّ جِنًّا لاجتنانِهم، أي: استتارِهم، كما في البَيْضاوي
(2)
.
فقوله: «وهو» أي: أُناس، اسم جمع، وقوله:«مأخوذ مِن أنِسَ» -بكسر النون- يُقال: أَنِسْتُ به أُنْسًا وأَنِيسةً وأَنَسَةً، وهو خلاف الوَحْشَة، وفيه لغةٌ وهي: أَنَسْتُ به أُنْسًا، على مثال: كَفَرْتُ به كُفرًا.
وقوله: «أو آنَسَ» -بمدِّ الهمزة- بمعنى أَبْصرَ، يقال: آنَسَ يُؤانِسُ إيناسًا، سُمِّيَ بنو آدم ناسًا؛ لأنهم ظاهِرون مُبصَرون
(3)
.
قوله: «الَّذي أرسَلَه» :
نعتٌ لمحمد، واقتصارُه على الناس مع كونِه مفهوم لقب ليس للتَّخصيص، بل للاهتمام بشرف المُرسَل إليهم، مع الاتِّفاق في الجنسية، أو يُجعل مِن النَّوْسِ وهو التحرُّك فيَعُمُّ الجن، وإلا فلا خلاف في عموم الرسالة إلى الإنس والجن، والأكثر على عدم بَعثتِه إلى الملائكة.
وقوله: «كافَّةً» :
قال ابن برهان: «إنَّ كافَّة لا تُستعمَلُ إلا حالًا» ،
(4)
والظاهر أنَّه حال من الناس، ويجوز -على بُعْدٍ- جَعلُه حالًا من محمد، والتاء فيه للمبالغة لا للتأنيث
(1)
زيادة من: (أ) و (هـ).
(2)
تفسير البيضاوي (1/ 44).
(3)
و في (أ) زيادة: [وفي كتابة]، وهي من تسطير الجامع، كما سبق.
(4)
نقله عن ابن برهان رحمه الله الصبان كما في حاشيته على شرح الأشمونى لألفية ابن مالك (2/ 264)، والجرجاوي في شرح التصريح على التوضيح (1/ 590).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
على ما جوَّزه الزَّجَّاج، وردَّه ابنُ مالك بأنَّ إلحاقَ التاء للمبالغة مقصورٌ على السماع، ولا يتأتَّى غالبًا إلَّا في أبنية المبالغة كعلَّامة، وكافَّة بخلاف ذلك.
[قوله]
(1)
: «بشيرًا ونذيرًا» :
قال تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [الأنعام: 48]، أي: مبشِّرينَ للمؤمنين ومنذِرينَ للكافرين، ويمكن أن يقال: البِشارةُ للفريقين، أمَّا المؤمنين فظاهر، وأمَّا الكفارُ فبتقدير أنْ يؤمنوا، وأمَّا جَريان النِّذارة فيهما فأمْرٌ مكشوف.
فإن قلتَ: ما هذا الحصر مع أنَّ أحوال النُّبوَّة والرسالة لا تنحصر فيهما؟
قلتُ: أجاب المفسِّرون بأنَّه حصر إضافيٌّ، أي: لا [ليقترح]
(2)
عليهم، وتُطلَب منهم الأمور [وتنتهي]
(3)
بهم.
وفي قوله: «بشيرًا ونذيرًا» من أنواع البديع: الطِّبَاقُ، وهو الإتيان بلفظين متقابلين في الجملة، وقدَّم الوصف بالبِشارة على النِّذارة؛ إشارةً إلى سَبْق الرحمة للغضب
(4)
.
[قوله]
(5)
: «وعلى آلِه» :
المراد بهم في هذا المقام أتباعُه؛ فذِكْرُ الصَّحْب بعدَهم مِن عطف العامِّ على الخاصِّ، والصَّحْب: اسم جمْعٍ لصاحب بمعنى الصَّحابيِّ.
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
في (هـ): [تقترح].
(3)
في (أ): [وينتهي].
(4)
ينظر: الطراز لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز (2/ 197).
(5)
زيادة من: (أ) و (ب).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وهو لغةً: مِن صَحِب غيرَه، أي: رآه وجالسَه، ويُطلَق مجازًا على مَن تَمَذْهَبَ بمذهب مِن مذاهب الأئمة؛ فيُقال: أصحاب الشافعيِّ مثلًا.
واصطلاحًا: مَنْ لَقِيَ الرسول عليه الصلاة والسلام يقظةً بعد النبوة وقبل وفاته، مسلِمًا ومات على ذلك؛ فيخرج مَن رآه بيْن الموت والدفن كأبي ذئب
(1)
.
[قوله]
(2)
: «وَسَلَّمَ تسليمًا كثيرًا» :
(أ/3) أَتى بالصلاة والسلام معًا؛ خروجًا مِن كراهة إفراد أحدِهما عن الآخر على ما فيه.
وقوله: «وسلَّمَ» :
بصيغة الماضي، عطفٌ على «صلَّى» (هـ/6) بمعنى: طَلَبَ [باب]
(3)
السلامةَ من الآفات والنقائص، أو التحية والتعظيم، وهذا أَولى. ولم يؤكِّد الصلاة وأكَّد السلام؛ تبَعًا للآية الشريفة. وعقَّب التسليمَ بـ «كثيرًا» ولم يفعل مثلَه مع الصلاة؛ لذِكرِها قبل ذِكر المشارك له عليه الصلاة والسلام فيها، بخلاف السلام؛ لتأخُّره عن ذِكر المشارك المتعدِّد المناسب له طلبُ الكثرة مِن التسليم بحسَب الكثرة، فليتأمل.
(1)
ينظر: مقدمة ابن الصلاح (ص 291)، وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث (4/ 85).
(2)
زيادة من: (أ) و (ب).
(3)
زيادة من (ب).
أَمَّا بَعْدُ:
فإِنَّ التَّصانيفَ في اصْطِلاحِ أَهلِ الحَديثِ قَدْ كَثُرَتْ للأئمةِ في القديمِ والحَديثِ: فَمِن أَوَّلِ مَن صَنَّفَ في ذَلكَ: القَاضي أَبو مُحمَّدٍ الرَّامَهُرْمُزِيُّ في كتابِهِ: «المُحدِّث الفَاصل» ، لَكنَّه لَمْ يَسْتَوْعِبْ.
[قوله]
(1)
: «أمَّا بَعدُ» :
«أمَّا» حرف فيه معنى الشرط، بدليل لزوم الفاء لجوابه غالبًا، نحو: أمَّا زيد فمُنطلقٌ.
و «بَعدُ» ظرف مكان مقطوعٌ عن الإضافة لفظًا لا معنًى؛ ولذا بُني على الضمِّ، أي: بعد البَسملة والحمدلة والصلاة على رسوله، وتُستعمل في الخُطب والكلام الفصيح؛ لقَطْعِ ما قبلها عمَّا بعدها، وفي أول مَن نطق بها اختلافٌ
(2)
، وتُستعمل مع «أمَّا» كما هنا؛ فدخول الفاء بعدها مع «أمَّا» واضح لِما تضمَّنته «أمَّا» مِن معنى الشرط، ومع عدمها [فإمَّا]
(3)
على توهُّم «أمَّا» والواو استئنافية؛ وعليه فالعامل في «بعد» الفعلُ المقدَّر، أي: بعد كذا وكذا فأقولُ. أو على تقدير «أمَّا» في نَظْم الكلام، والواو عِوضٌ منها أو دون تعويض؛ وعليه فعامل «بَعد»:«أمَّا» المحذوفة؛ لنيابتها عن فعل الشرط، أو فعل الشرط نفسه المقدَّر بـ: مهما يكنْ من شيء بعد البسملة والحمدلة والصلاة على النبيِّ فإنَّ
…
إلخ.
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
ينظر: فتح الباري، لابن رجب (8/ 251)، فتح الباري، لابن حجر (2/ 404).
(3)
في (هـ): [مع].
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وفي عبارة: أصل «أمَّا بَعدُ» : مهما يكن مِن شيء بعدَ الحمد والصلاة والسلام على مَن ذُكِر فإنَّ
…
إلخ.
فـ «مَهْمَا» مبتدأ، ومعناه: ما لا يَعقِل غير الزمان مع تضمُّن معنى الشرط، وخبره: فعلُ الشرط، أو الجواب، أو مجموعهما على الخلاف في ذلك، و «يكن» تامَّة، بمعنى: يوجد، وفاعلُه ضميرٌ يعود على «مهما» ، و «مِن شيء» بيان له، وفائدةُ هذا البيان: عمومٌ مهما، وأَنَّه ليس عبارةً عن خصوص زمان أو مكان أو غيرِهما. وقيل:«مِن» زائدة، و «شيء» فاعل «يكن» ، ورُدَّ بلزوم خُلُوِّ خبرِ المبتدأ مِن عائد، ثم حُذف «مهما» و «يكن» ، وأُقيمت «أمَّا» مقامَها تخفيفًا، وفائدتها: الاختصار، واستدرار إصغاء السامع، وتفصيل المجمَل الواقع في ذهنه، وحين وقعت موقعَ اسمٍ هو المبتدأ، وفعلٍ هو الشرط، وتضمنت معناهما؛ أُلزِمت لُصوقَ الاسم والفاء، وعَمِلت في الظرف؛ قضاءً لحق ما كان، وإبقاءً له بقدر الإمكان، والمراد مِن بيان أصل «بعد» المعدولة عنه تعليقُ هذا المؤلَّف على وجود شيء في الكون مِن حمدٍ وغيرِه وجوده محقَّق، فوجود هذا المؤلَّف محقَّق.
[قوله]
(1)
: «فإنَّ التَّصانيفَ في اصطِلاحِ أهلِ الحديثِ قد كَثُرتْ» :
«التَّصانيف» جمْعُ تصنيف، بمعنى المُصنَّف -بفتح النون-؛ بدليل الجمع هنا وفيما [يأتي]
(2)
؛ فالمراد: المصنَّفات، أي: المجعولُ كلُّ واحدٍ منها أصنافًا، جمع «صِنف» ، وهو المقول على كثيرين متفقين بالحقيقة وبعضِ الأعراض؛ فهو أَخَصُّ مِن «النوع» المقول على كثيرين متفقين بالحقيقة مطلقًا، ومِن «الجنس» المقول على كثيرين مختلفين بالحقيقة.
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
زيادة من (ب).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
والتصنيف والتأليف واحد في المعنى، مُختلِفان في اللفظ كسائر المترادفات. وقيل: مختلفان؛ فالتصنيف: اختراع عِلم واصطلاح مِن عند نفْسه، والتأليف: جمع كلامِ الغَير.
والاصطلاح: هو مصدر اصطلح على كذا، فهو من باب الافتِعال؛ أُبدِلت تاؤه طاءً؛ لتعسُّر النطق بها بعد حرف الصفير، وهو بمعنى المفعول كما يأتي تعبيرُ المتن به، أي: المُصطلَح عليه بين أهل الحديث مِن استعمال الألقاب الخاصة في مُسمَّياتها الخاصَّة؛ كالمُرسَل والموقوف، وكالإجازة والسَّماع، وكالآحاد والمُتواتر، وكالجَرْح والتعديل، مُستَعمَلات في معانٍ عرفيَّة خاصَّة تنصرف إليها بيْنهم عند الإطلاق، وهذا معنى قول القائل:«الاصطلاح: اتِّفاق قومٍ على تسمية الشيء باسمٍ نُقل عن موضوعه الأول» ، ثم المراد أنَّ الكتُب المذكورةَ اشتملت على الاصطلاح لا أنَّها قُصِرتْ عليه؛ لاشتمالها على أحوال الرِّجال والعِلَل، وغيرِ ذلك، ولا يخفى أنَّ «في» هنا مستعارةٌ للدَّلالة بأن شبه الارتباط الذي بين الدالِّ والمدلول بالارتباط الذي بين الظرف والمظروف، ثم استُعملت فيه لفظة «في» ، وأشار السَّعْدُ
(1)
في بعض تعاليقه إلى تقدير مضافٍ بعدها، أي: في بيان علم اصطلاح؛ مبالغةً، كأنَّ البيان عمَّ جميعَه حتى صار ظرفًا للتصانيف.
وفي كتابة أخرى:
«الاصطلاح: اتِّفاق قوم على تسمية الشيء باسم ما يُنقل عن موضوعه الأول» ، وليس المراد هنا مجردَ الاصطلاح (أ/4) المذكور، بل مع المشتَمِل على أحوال الرجال والعِلل، ونحو ذلك مما يصير به الرجل نَقَّادًا كما يأتي،
(1)
سعد الدين التفتازاني (المتوفى: 792 هـ) وكتابه هو شرح لتلخيص مفتاح العلوم لجلال الدين القزويني.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ويُطلق على ألفاظ مخصوصةٍ لأهل فنٍّ مِن الفنون العلمية يتداولونها بينهم للدَّلالة على مقاصدهم، وهذا هو اللائق بهذا المحلِّ.
[قوله]
(1)
: «للأئمَّة في القديمِ والحديثِ» : الأئمَّة جمْع إمام، مِن أَمَّكَ إذا صار أمامَك، أي: متقدِّمًا عليك بحق أو بباطل، إنسانًا كان أو كتابًا مثلًا، وصفَهم بذلك؛ لتقدُّمِهم على كثير، ووزْنُه:
أَفْعِلَة، كأَرْغِفَة، نُقلت حركة الميم إلى الهمزة الثانية قبلها فقُلبت ياءً،
وأُدغمت الميم فيما بعدها فقيل: أئمة، وهو شاذٌّ، والقياس قلْبُها ألِفًا؛ لأن الهمزتين إذا الْتَقَتا وثانيتهما ساكنة وجب قلبُها بحرف حركة ما قبلها وهو هنا الألْف؛ فالقياس: آمَّةً، كطامَّة.
وقوله: «في القديم والحديث» ، كِلاهما [صفة]
(2)
للزمن المقدَّر، فالمراد مِن القِدَم معناه اللُّغويُّ، وفيه طِباق، ثم إنَّ الكثرة في مجموع الزمانين؛ فلا يَرِدُ أنها في الزمن الأولِ أكثرُ من الثاني.
قوله: «فمِنْ أوَّل مَن صنَّف في ذلك القاضي أبو محمد» : اسمه: الحسَنُ بنُ عبدِ الرحمنِ بنِ خَلَّاد
(3)
.
وقوله: «الرَّامَهُرْمُزِيُّ»
(4)
: نسبة إلى رامَهُرْمُزَ، وهو مِن المركَّب المَزْجي، واعلم أنَّ عند النحاة في النسب إلى المركب المزجي خمسةَ أوجُهٍ:
(1)
سقط من (هـ).
(2)
في (ب): [نعت].
(3)
ينظر في ترجمته: الأنساب (6/ 52)، العبر (2/ 321)، تذكرة الحفاظ (3/ 905)، سير أعلام النبلاء (16/ 73).
(4)
رسمت في (أ): [الرام هرمزي].
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الأول: مَقيس اتفاقًا، وهو أن تَنسب إلى صدره، وعليه اقتصر ابن مالك
(1)
، فيقال في النسب إلى بَعْلَبَكَّ: بَعْليٌّ، وإلى رام هُرْمُزَ: رَامِيٌّ.
الثاني: أنْ تَنسب إلى عَجُزِه، فتقول: بَكِّيٌّ، وهُرْمُزِيٌّ، وهذا الوجه أجازه الجَرْمِيُّ
(2)
، ولا يُجيزه غيرُه؛ إذْ لم يُسمع النسب إلى العَجُزِ مُقتصَرًا عليه.
الثالث: أنْ تنسُب إليهما معًا مواليًا تركيبهما فتقول: بعليٌّ بكيٌّ، و: راميٌّ هُرْمُزيٌّ، وهذا الوجه أجازه قوم
(3)
.
الرابع: أن تنسب إلى مجموع المركب فتقول: بَعْلبَكِّيٌّ ورامَهُرْمُزِيٌّ.
الخامس: أنْ تبنيَ مِن جزئَيِ المركَّب اسمًا على وزن فَعْلَلَ -بفتح الفاء وسكون العين وفتح اللَّامينِ- وتنسبَ، فتقول في النسب إلى حضرموت: حَضْرَمِيٌّ، وهذان الوجهان شاذَّان يُقتصر فيهما على ما سُمع.
إذا عرَفت هذا؛ فاعرف أنَّ «رامَهُرْمُزَ» كُورةٌ من كُوَر الأهواز من بلاد خُوزَستان
(4)
، وأنَّ قياس النسبة إليها رامِيٌّ على المختار؛ لأن المركب إنما يُنسب إلى صدره عليه، وإنْ راعيتَ ما أجازه الجَرميُّ قلت: هُرمُزِيٌّ، وجاءت النسبة هنا إلى الجزئين على النُّدرة والشذوذ
(5)
.
(1)
ينظر: شرح التسهيل (1/ 231)، وتسهيل الفوائد وتكميل المقاصد (ص 281).
(2)
إمام العربية أبو عمر، صالح بن إسحاق الجرمي البصري. وفيات الأعيان (299).
(3)
أبو حاتم السجستاني كما في: قضاء الوطر (1/ 396).
(4)
معجم البلدان (2/ 404).
(5)
قضاء الوطر (1/ 397).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وفي كتابة أخرى:
(هـ/7) الرَّامَهُرْمُزي -بفتح الراء والميم الأولى وضم الهاء والميم الثانية- وأخرى زاي نسبة إلى رامَ هُرمُزَ، كُورةٌ من كُوَر الأهواز من بلاد خُوزَستان -بضم الخاء وسكون الواو وفتح الزاي المعجمة ثم سين مهملة ثم مُثَنَّاة فوق- بلاد بين فارسَ والبصرة، ويقال لها الخُوز، يقال: إنَّ سلمان الفارسيَّ كان منها وقد وَلِيَ قضاءها.
[قوله]
(1)
: «في كتابه: المحدِّث الفاصل، لكنَّه لم يَستوعِب» :
وإنما لم يحذف «في» ؛ للإشارة إلى أنَّ ذلك بعضُ كتابه المذكور، و «المحدِّث» بتشديد الدال المكسورة، و «الفاصل» بالصاد المهملة، سمَّى أبو محمد كتابه:«المحدِّث الفاصل بين الراوي والواعي» ، «لكنه لم يَستوعِب» أي: لم يستكمل جميع مسائل أنواع الحديث؛ لكونه أولَ مَن اخترَع ذلك ووضَعه.
والاستيعاب: الأخذ للشيء جميعًا، يُقال: وَعَبَ يَعِبُ -كوَعد يَعِدُ- استوفى، و «في كتابه: المحدِّث الفاصل» هذا جزء الاسم، وتمامه:«بين الراوي والواعي» ؛ ففيه الاقتصار على جُزء العَلَم، وتردَّد فيه بعض الأكابر، والمأخوذ من فعل العلماء قديمًا وحديثًا جوازُه، ولا يُنافيه قولُ بعض أهل الأصول:«إنَّ العَلَميَّة تحفظ الاسمَ عن التصرُّف فيه» ؛ لأنَّ المراد: عن التصرُّف فيه بالمجاز والاستعارة.
وضبَط بعضُهم [«الفاصل» بالصاد المهملة]
(2)
، وهو المشهور على الألسنة كما هو في كثير من النسخ
(3)
.
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
في المخطوطات الثلاث [«الفاضل» بالضاد المعجمة] والتصويب من مطبوع قضاء الوطر.
(3)
قضاء الوطر (1/ 397).
والحَاكِمُ أبو عبدِ اللهِ النَّيْسَابوريُّ، لكنَّه لم يُهَذِّبْ، ولم يُرَتِّبْ.
وتَلَاه أَبو نُعَيْم الأَصْبَهانِيُّ، فعَمِلَ على كتابهِ:«مُسْتَخْرَجًا» ، وأَبْقَى أَشياءَ للمُتَعَقِّبِ.
[قوله]
(1)
: «والحاكمُ أبو عبدِ الله النَّيْسابوريُّ، لكنَّه لم يُهذِّبْ ولم يُرتِّبْ» :
هذا عطفٌ على «القاضي» ، فهو مِن أول مَن [صنَّف]
(2)
أيضًا، وهو: أبو عبدِ اللهِ محمدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ حَمْدَويْه الضَّبِّيُّ، الإمامُ الرحَّال الشافعي، المعروف بابن [البَيِّع]
(3)
، أحد الأعلام، ثِقةٌ ثَبْتٌ، كان يسُبُّ معاوية.
قال السُّبْكِيُّ: «والإنصاف أنَّه ليس برافضيٍّ كما زعمه ابن الطاهر»
(4)
.
«لكنَّه لم يُهذِّبْ» كتابَه الذي ألَّفه في أنواع علوم الحديث، «ولم يُرتِّبْ» أبوابَه. والتهذيب: التصفية والتخليص، وهذَّبه أي: نقَّاه وأخلصه، بل ذكر فيه أشياءَ مُستغنًى عنها، وأمورًا متداخِلَة مختلطة المسائل، وتهذيب الذهب: تصفيتُه وتخليصه. والترتيب: وضعُ كلِّ شيء في مرتبته، والضمير لكل، ومقابلة الجمع بالجمع تقتضي انقسامَ الآحاد على الآحاد فلا فساد؛ إذ المعنى وضعُ كل فردٍ (أ/5) في مرتبته اللائقة به دون غيرها
(5)
.
وفي كتابة:
الحاكم: هو مَن أحاط بجميع الأحاديث متنًا وإسنادًا، أو جَرْحًا وتعديلًا وتاريخًا، ويليهِ الحُجَّة: وهو مَن أحاط بثلاث مئةِ ألْفِ حديث، ويليه الحافظ: وهو مَن أحاط بمئة ألف حديث. والحاكم هذا هو المستَدرِك على الصحيحين،
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
في (هـ): [وصف].
(3)
في المخطوط: [ايسع] وهو تصحيف، والتصويب من طبقات الشافعية الكبرى للسبكي (4/ 155).
(4)
طبقات الشافعية الكبرى، للسبكي (4/ 155).
(5)
قضاء الوطر (1/ 399).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وأما الحاكم [أبو أحمد]
(1)
فمتقدِّمٌ عليه، والنَّيْسابوري: بفتح النون وسكون المثنَّاة التحتية فمُهملة فألف ليِّنة وضم الباء الموحدة، نسبة إلى «نَيْسابور» ، أحسن مُدن خراسان وأجمعها للخيرات، سُمِّيَت بذلك؛ لأنَّ «سابُورَ ذا الأكتاف» أحدَ ملوكِ الفرس المتأخرة لَما رأى أرضها قال:«يَصلُحُ أنْ تكون هنا مدينةٌ» ، وكانت قصبًا فأمر بقطعه، وأنْ تُبنى مدينة، فقيل:«نَيْسابور» . واحترز عما شاركه في الشهرة بـ: «الحاكم» كأبي أحمدَ محمدِ بن محمد بن محمد بن أحمد محدِّث خراسانَ، وهو نَيْسابوري أيضًا، مُتقدِّم على أبي عبد الله
(2)
.
[قوله]
(3)
: «وتَلاه أبو نُعيم الأصبَهانيُّ، فعَمِل على كتابه مُستخرَجًا، وأبقى أشياء للمتعقِّب» : أي: جاء بعده الحافظُ «أبو نُعَيم» بضم النون وفتح العين، مُصغَّر: نَعِيم، ضد: العَذاب، وهو:(هـ/8) أحمد بن عبد الله بن أحمد الصوفيُّ، الفقيه الشافعيُّ الحافظ، أخذ عن الطَبَرانيِّ وغيرِه
(4)
، «الأصبَهانيُّ» نسبة إلى «أصبهان» ، بلد معروف، هي أشهر بلدة بالجبال
(5)
.
فيه: [الفاء والباء]
(6)
، وفتح الهمزة وكسرها، ممنوع من الصرف؛ للعلمية وزيادة الألف والنون
(7)
.
(1)
في (هـ): [أبو حمد].
(2)
(الحاكم الكبير) له: شعار أصحاب الحديث، وعوالي مالك، وفوائد أبي أحمد الحاكم توفي (378 هـ). ينظر: تذكرة الحفاظ (3/ 976)، العبر (3/ 9).
(3)
زيادة من: (أ) و (ب).
(4)
ينظر: معجم البلدان (1/ 247)، وتذكرة الحفاظ (3/ 1092)، وسير أعلام النبلاء (16/ 281).
(5)
في (أ) زيادة [وهي جموع عساكر الأكاسرة].
(6)
في (هـ) بدل [الباء] = [الياء]، وهو خطأ والمثبت من (أ) و (ب)، فإنه يقال فيها: أصبهان وأصفهان، وإصبهان وإصفهان، وهو الموافق لمطبوع قضاء الوطر.
(7)
قضاء الوطر (1/ 399).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
فعمِل على كتاب الحاكم المسمَّى بـ «علوم الحديث» : «مستخرَجًا» ، وجمع شيئًا كثيرًا بالنسبة لمَنْ تقدَّمَه، ولكنَّه «أبقى شيئًا للمتعقِّب» ؛ لكونه لم يستوعِب، والمراد: أنَّه فاتَه جمْعُ أشياءَ يُتعقَّبُ ويُعترَض باستدراكها عليه ممَّن يريد الاستيعاب.
وقوله: «أَبقَى» عطفٌ على «عَمِل» .
وفي كتابة أخرى: «الأصبَهانيُّ» بفتح الهمزة وكسرها، وبفتح الباء، ويُقال بالفاء، قاله بعضُهم، وبعبارة: بكسر الهمزة وفتحِها، وبالباء وبالفاء، وكلٌّ منهما في [لسان]
(1)
الفُرْس، كما في الكِرْمانيِّ
(2)
، وهو الإمام الحافظ الكبير: أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاقَ، المحدِّث الجليل الصوفيُّ، صاحب «حِلْية الأولياء» وغيرِها من التآليف البديعة.
وأما الخطيب أبو بكر فهو: أحمد بن عليِّ بن ثابت، حافظ المشرق، عَصْرِيُّ [ابنِ عبد البر]
(3)
حافظ المغرب.
وقوله: «مُستخرَجًا» : بصيغة اسم مفعول.
مفعول: «عَمِل» ، وفاعله:«أبو نُعَيم» ، وهو مشتَقٌّ مِن الاستخراج، وهو: إيراد المحدِّث أحاديثَ كتابٍ من الكتب بأسانيدَ لنَفْسه، مِن غير طريق ذلك الكتاب إلى أنْ يَلتقي مع صاحب ذلك الكتابِ في شيخه أو في مَن فوقه، بحيث لا يصل إلى شيخٍ أبعدَ مع وجود سَنَدٍ يوصِّله إلى الأقرب إلا لغرض؛ مِن: علُوٍّ، أو زيادة حُكم، أو نحوِه، وإلا فلا يُسمَّى مُستخرَجًا.
(1)
في (هـ): [السان].
(2)
الكواكب الدراريُّ في شرح صحيح البخاري (2/ 98)، وقال:(وأهل المشرق يقولون أصفهان بالفاء وأهل المغرب يقولون أصبهان بالباء).
(3)
في (هـ): [ابن عبد الله البر] وهو تصحيف.
ثمَّ جَاءَ بَعْدَهم الخَطيبُ أبو بَكْرٍ البَغْدَاديُّ، فَصنَّفَ في قَوَانينِ الرِّوايَةِ كتابًا سَمَّاه:«الكفايةَ» ، وفي آدَابِهَا كتابًا سَمَّاه:«الجَامعَ لآدابِ الشَّيْخِ والسَّامِعِ» .
وَقَلَّ فَنٌّ مِن فُنُونِ الحَدِيثِ إِلَّا وقَدْ صَنَّفَ فيهِ كتابًا مُفْرَدًا، فكانَ كَمَا قَالَ الحَافظُ أبو بكرِ بنُ نُقْطَةَ:«كلُّ مَنْ أَنْصَفَ، عَلِمَ أَنَّ المحَدِّثينَ بعدَ الخَطيبِ عِيالٌ على كُتُبِهِ» .
ثمَّ جاءَ بعدَهُم بَعضُ مَن تَأَخَّرَ عنِ الخطيبِ، فأَخَذَ مِن هذا العلمِ بنَصيبٍ:
فجمَع القاضي عِياضٌ كتابًا لطيفًا سمَّاهُ: «الإِلْماع» .
[قوله]
(1)
: «ثم جاء بعدَهم الخطيبُ أبو بكر البَغداديُّ فصنَّف في قوانين الرواية كتابًا سماه: الكِفاية» : أي: ثم جاء بعد جميعِهم الحافظُ الخطيب أبو بكر أحمد بن عليِّ بن ثابت البغداديُّ الفقيه [الشافعي]
(2)
، فصنَّف في قواعد الرواية كتابًا سماه:«الكفاية في قوانين الرواية» .
«وفي آدابها كتابًا» آخَرَ «سماه: الجامع لآداب الشيخ والسامع» أي: سماه بمجموع الموصوف والصفة، «وقَلَّ فنٌّ» أي: نوع [إلا تفرع]
(3)
، «من فُنون الحديث إلَّا وقد صنَّف فيه كتابًا مفردًا» حتى زادت تصانيفه على الخمسين؛ «فكان كما قال الحافظ أبو بكر بن نُقْطة:» بضم النون وسكون القاف، «كلُّ مَن أَنصَفَ» من الإنصاف، وهو:«العدل في القول والفعل» ، «عَلِمَ» أي: اعتقَد اعتقادًا جازمًا مطابقًا، «أنَّ المُحَدِّثين» الذين وُجدوا، «بَعدَ الخطيب عِيَالٌ على كُتبه» أي: محتاجون لمن يعطيهم كفايتهم ويقوم بهم في هذا الشأن، وقد كفاهم مُؤنَةَ ذلك؛ حيث لم يَحتاجوا مع وجود كُتبه إلى غيرها، وعالَ اليتيمَ: إذا قام بكفايته.
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
في (هـ): [الشامي].
(3)
زيادة من (هـ) و (ب).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
فقوله: «في قوانين» جمع قانون، وهو الأصل والقاعدة: ألفاظٌ مترادفة، معناها:«قضيةٌ كليَّة يُتعرَّف منها أحكامُ جزئياتِ موضوعها» ، والكُتُب مِن الكَتْب، وهو الضمُّ والجمع، وعُرِّفَ بـ:«ضم الحروف بَعضها إلى بعضٍ بالخط» ، وهو في الأصل:«اسمٌ للصحيفة مع المكتوب فيها» .
قوله: «وقد صَنَّف
…
إلخ»: جملة حاليَّة مستثناةٌ مِنْ أعمِّ الأحوال استثناءً [مفرغًا]
(1)
؛ [لمجيء]
(2)
، قَلَّ وقَلَّما وأقلَّ بمعنى النفي، كأنه قيل: لا يوجد فنٌّ متلبِّسًا بحال ووصف إلا [يوصف]
(3)
بكونه صنَّف فيه.
وقوله: «فكان كما قال
…
إلخ»: يجوز أنْ يكون اسمَ كان ضميرًا عائدًا إلى «الخطيب» ، وجملة «كلُّ مَن أَنصَفَ
…
إلخ»، خبرها، بتأويل: مقولًا في حقِّه، أو بتقدير مضافين في الاسم والخبر؛ أي: فكان حاله، أي: الخطيب، مضمون كل من أنصف
…
إلخ. (أ/6)
وقولُه: «كما قال» حالٌ من قوله: «كلُّ مَن أنصَفَ» ، أي: على إرادة لفظه؛ فيكون (هـ/9) في حكم [المفرد]
(4)
، وجعل «ما» موصولة محذوفة العائد، ويجوز أن يكون اسمُها: ضميرَ الشأن، وخبرُها: «كلُّ مَن أنصَفَ
…
إلخ».
[وقوله]
(5)
: «كما قال» على ما مرَّ، و «نُقْطَة» اسمُ جاريةٍ [رَبّت]
(6)
والد الحافظ أبي بكر؛ فنُسِب إليها، وتقدَّم أنَّه -بضم النون وسكون القاف- عَلَمٌ، كما في القاموس.
(1)
في (هـ): [مفرع].
(2)
في (هـ): [لمجيئه].
(3)
في (هـ): [بوصف].
(4)
في (أ): [الفرد].
(5)
في (هـ): [قول].
(6)
في (هـ): [رثت]، ولم تتبين لي في (أ) و (ب)، والمثبت من مطبوع قضاء الوطر (1/ 397).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وقال ابن عبد الحق في فنِّ الحديث من «شرح النقاية» : «نَقْطة: بفتح النون»
(1)
انتهى؛ فيُحتمل أنْ يكون [أحدهما]
(2)
سهوًا، ويحتمل أنْ يكون لهم «نقطة» بالضم، وآخر بالفتح، لم يقف عليه صاحب القاموس، وهو الأظهر
(3)
.
أي: ثم جاء بعضُ مَن تأخر في الزمان عن الخطيب، فأخَذَ مِن هذا العلم بحظٍّ «فجمع» ، أي: ضَمَّ ما شأنُه الافتراقُ والتنافُرُ بتقريب بعضِه من بعض، القاضي عِياضٌ المالكيُّ الإمام المشهور، كتابًا صغيرَ الحجم حسَنَ النَّظمِ، سَمَّاه:«الإِلْمَاع» بكسر الهمزة، أصلُه الإشارة بالثوب للإنذار
(4)
، واستعمله القاضي لمطْلَق الإشارة.
وقوله: «فجمَعَ القاضي» : هو وما بعده تفصيل المبعَّض المتأخِّرِ عن الخطيب.
والقاضي عِياضٌ هو: ابن عمرو بن موسى بن عياض اليَحْصُبيُّ السَّبْتي -بفتح السين المهملة وسكون الموَحَّدة- نسبة إلى «سَبْتة» بلد بالأندلس، الإمام الحافظ الكبير، صاحب التصانيف الشهيرة كـ:«المشارق» و «الإكمال شرح مسلم» و «الشِّفاء» ، وكتابه الذي ذكره هنا [كتاب]
(5)
: «الإلْماع إلى [أصول]
(6)
الرواية والسماع».
(1)
لم أقف على شرحه، ولم يذكر هذا الوجه في مراصد الاطلاع على اسماء الامكنة والبقاع (1/ 407).
(2)
في (هـ): [أحدها].
(3)
ينظر في ضبطه: توضيح المشتبه (1/ 472)، وفيات الأعيان (4/ 393).
(4)
في (ب) كلمة زيدت لم أستطع قراءتها ولعلها [وبالسيف].
(5)
في (هـ): [وكتاب].
(6)
في (أ)[وصول].
وأبو حَفْصٍ المَيَانَجِيُّ جُزءًا سمَّاه: «ما لا يَسَعُ المُحَدِّثَ جَهْلُهُ» .
وأَمثالُ ذَلك مِنَ التَّصانيفِ الَّتي اشْتُهِرَتْ وبُسِطَتْ ليتوفَّرَ عِلْمُها، واخْتُصِرَتْ ليَتيسَّرَ فَهْمُها.
[قوله]
(1)
: «وأبو حفصٍ المَيَانَجِيُّ جزءًا سمَّاه: ما لا يَسَعُ المحدِّثَ جَهْلُه، وأمثالُ ذلك من التصانيف التي اشْتُهِرت وبُسِطت؛ ليتَوَفَّرَ علمها، واختُصِرَتْ؛ [ليَتَيَسَّرَ]
(2)
فَهمُها»:
أي: وجمَعَ «أبو حفص المَيَانَجِيُّ» بمثنَّاة تحتية مخففة وفتح النون وآخره جيم
(3)
.
نسبة إلى «مَيانَجة» بفتح الميم والنون في آخره جيم، بلدة بأَذْرَبِيجانَ
(4)
.
وهو أحدُ الفضلاء المشهورين، والفقهاء الشافعية المتورِّعين، «جُزءًا» لطيفًا -أيضًا-، «سماه: ما لا يَسَع المُحدِّثَ جَهْلُه، وأمثال ذلك من التصانيف التي اشتُهِرت» بين أهل الحديث، «وبُسِطت» ؛ ليَكثُرَ العلم المستفاد منها، «واختُصرت؛ [ليَتيَسَّر]
(5)
فهمها».
وفي كتابة أخرى: «الميَانَجِيُّ» نسبة إلى «مَيانَجة» بلدة بأَذَرْبِيجَان، ولفظ ابن
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
في (هـ): [لتيسر].
(3)
هو الميانشي عمر بن عبد المجيد قال الذهبي: وكان محدِّثًا متقِنًا صالحًا، صنَّف جزءًا فِي «ما لا يسع المحدث جهله» تاريخ الإسلام ت بشار (12/ 736).
(4)
قضاء الوطر (1/ 397)، وقيل بل ينسب لـ «مَيّانِش» بالفتح، وتشديد الثاني، وبعد الألف نون مكسورة، وشين معجمة: قرية من قرى المهدية بإفريقية صغيرة. ينظر: معجم البلدان (5/ 239).
(5)
في (هـ): [لتيسر].
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الأثير في «اللُّباب»
(1)
قال السمعاني: «ذكره أبو الفضل المقدسي، ولستُ أعرف أيَّ موضع هو؟ نُسِب إليه أبو بكر يوسف بن القاسم المَيَانَجِيُّ، سمِع محمدَ بن عبد الله السَّمَرْقَنْديَّ بالمَيَانَجِ، روى عنه أبو الحسن محمد بن عوف الدمشقيُّ. والثاني: منسوب إلى مَيانَة
(2)
، بلدة بأَذْرَبِيجانَ، منها جماعةٌ؛ أحدهم: القاضي أبو الحسن على بن الحسن بن علي المَيَانَجِيُّ، أحدُ الفضلاء المشهورين
(3)
، تفقَّه على القاضي أبو الطيب الطبري
(4)
، وكان رفيقَ الشيخ أبي إسحاقَ الشِّيرازيِّ، سمِع أبا الحسنِ القَزْوِينيَّ، وأبا محمدٍ الخَلَّالَ، وغيرَهما، وروى عنه: أبو نصر محمد بن محمد بن الحسين الصائغُ، وابنُه [أبو بكر]
(5)
محمد بن عليٍّ وغيرهما»
(6)
.
وقوله: «ما لا يَسَعُ المُحدِّثَ جَهْلُه» :
يصحُّ أن يكون «المحدِّث» فاعلًا، وأن يكون مفعولًا؛ أمَّا الأوَّل فالمعنى: أنَّه لا يكون «المحدِّثُ» ظرفًا لـ «جَهْلَه» ، بل لا بدَّ أن يَضيقَ عن جَهلِه؛ فيكونَ جَهْلُه
(1)
اللباب في تهذيب الأنساب (2/ 277).
(2)
في (أ): [مَيانَجة] والتصويب من اللباب.
(3)
في اللباب زيادة [وَالْفُقَهَاء الشَّافِعِيَّة].
(4)
في (أ): [ابن الطيب] والتصويب من اللباب.
(5)
زيادة من (ب).
(6)
اللباب في تهذيب الأنساب، لابن الأثير (3/ 279)، وينظر: الأنساب، للسمعاني (12/ 513).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
خارجًا عنه؛ فيكونَ ظرفًا لعِلمِه؛ فيكونَ عِلمُه قائمًا به ووصفًا له، يعني: أنَّ المحدِّثَ لا يَستغني عنه، وإنْ جَهِلَه لم يكُن مُحدِّثًا. (هـ/10)
وأما الثاني فالمعنى: أنَّ «جَهْلَه» لا يكونُ ظرفًا لـ «المُحدِّث» محيطًا به، بلْ لا بدَّ أن يكون «المحدِّث» خارجًا عن جَهْله؛ فيكونَ ظرفًا لعِلمِه.
وقوله: «وأمثالُ» :
بالرفع على الابتداء، وتقديرُ الخبر أي: كثيرة، أو بالنصب بتقدير: واذْكُر أمثالَ ذلك، أو بالجرِّ عطفًا على المعنى، كأنَّه قيل: كمُصَّنَف أبي محمد، ومصنَّفِ فلان وفلان، وأمثالِ ذلك.
وقوله: «وبُسِطتْ ليَتَوفَّر عِلمُها» :
المراد بالبَسْط: الإطْناب، وبالاختصار: الإيجاز، سواء أَخذتَ مِن أكثرَ أم لا، والإيجاز:«أداءُ المقصود بأقلَّ مِن عبارة المُتعارَف» .
يعني
(1)
:
مُتعارَف الأوساط مِن كلامهم في مَجْرى عرفهم في تأدية المعاني، والمراد بالأوساط: الذين ليسوا في غاية البلاغة ولا في غاية الفَهامة والإطناب، إذِ المقصود بأكثرَ مِن عبارة المتعارَف، وكما يطلَق الإيجاز على ما ذُكر يطلَق -أيضًا- على ما يكون أقلَّ مما يقتضيه المَقام بحسَب الظاهر.
(1)
النص للّقاني. قضاء الوطر (1/ 404).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
قال السعد
(1)
: «وإنما قلنا بحسَب الظاهر؛ لأنه لو كان أقلَّ مما يقتضيه المقام ظاهرًا وتحقيقًا لم (أ/7) يكن في شيء مِن البلاغة مثال الإطلاق الثاني: قوله تعالى: [قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا]{مريم: 4} ، فإنه إطنابٌ بالنسبة إلى المتعارَف، أعني قولنا: يا ربِّ شِخْتُ، وإيجاز بالنسبة إلى مقتضى المقام ظاهرًا؛ لأنَّه في مقام بيانِ انقراض الشباب وإلمام المَشيب، فينبغي أن يُبسَط فيه الكلامُ غايةَ البَسْط، وأما بالنسبة لتعارف الأوساط فمُساواة، وحينئذ فالإيجاز له عنده معنيان بينهما عموم وجهيٌّ، واختيار صاحب [التلخيص]
(2)
-بعد اعتراضه على السكَّاكيِّ- أن يُقال: المقبول مِن طرق التعبير عن المراد تأديةُ أصلِه بلفظٍ مساوٍ، أو بلفظٍ ناقص عنه وافٍ به، أو بلفظٍ زائد عليه لفائدة؛ فالمساواة: أنْ يكون اللفظُ بمقدار أصل المراد، والإيجاز: أنْ يكون ناقصًا عنه وافيًا به، والإطنابُ: أنْ يكون زائدًا عليه لفائدة. ثم الإيجاز ضربان:
-إيجاز القصر: وهو ما ليس بحذفٍ.
-إيجاز الحذف.
فمثال المساواة: {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ] {فاطر: 43} ، ومثال النوع الأول من الإيجاز:{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ] {البقرة: 179} .
(1)
مختصر المعاني، لسعد الدين التفتازاني (ص 170).
(2)
في (هـ): [التأنيس] وهو وهم، والمراد تلخيص المفتاح للقزويني ينظر:(ص 54)، وجاء على الصواب في مطبوع قضاء الوطر.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وأما النوع الثاني: منه فقد يكون بـ: حذف جملة، أو جزء منها، أو غيرها، نحو:{فَانْفَجَرَتْ] {البقرة: 60} ، إنْ قدِّر: فضربه بها، {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ] {يوسف: 82}، أي: أهلها، و:
أَنَا ابنُ جَلَا. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(1)
أي: رَجُلاً جَلا.
ومثال الإطناب: {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي] {طه: 25} ، فإنَّ:{اشْرَحْ لِي] {طه: 25} يفيد طلبَ الشرح لشيء [ما]
(2)
، و {صَدْرِي] {طه: 25} يُفيد تفسيرَه، إلى غير ذلك مِنْ طرق الإطناب.
وحملنا البَسط على الإطناب؛ لأجْل تصريحه في الشرح بعِلَّته، وهي توفُّر العِلم، أي: تكثُّره، مِن: الوَفْر، وهو الكثرة، ومنه:
لقد عَلِمَ الأقوامُ لو أنَّ حاتمًا
…
أراد ثَراءَ المالِ كانَ له وَفْرُ
(3)
وذلك يقتضي تكثيرَ الفائدة؛ إذ التطويل: «أنْ يزيد اللفظُ على أصل المراد لا لفائدةٍ، ولا يكون اللفظُ الزائدُ متعيِّنًا» ، نحو:
وقدَّدَتِ الأديمَ لِراهِشَيهِ
…
وأَلْفَى قولَها كذِبًا ومَيْنا
(4)
(1)
البيت لسُحَيْمُ بن وثيلٍ الرِّيَاحيُّ كما في الحماسة البصرية (1/ 102).
أَنَا ابنُ جَلَا وطَلَّاعُ الثَّنَايَا
…
متَى أضَعِ العِمامَةَ تَعرِفُوني
(2)
في (هـ): [ما له].
(3)
البيت لحاتم الطائي كما في ديوان حاتم الطائي (ص 202).
(4)
البيت لعديّ بن زيد كما في مختصر المعاني في البلاغة (ص 252).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وخرج بقولنا: «ولا يكون الزائد متعينًا» الحشوُ؛ لأنَّه ما ذُكِر مع الزيادة المتعينة.
وهو على قسمين:
-غيرُ مُفسِد، نحو:
وأعلم عِلْمَ اليومِ والأمسِ قَبْلَهُ
…
ولكنَّني عن عِلمِ ما في غَدٍ عَمِي
(1)
إذْ لفظةُ «قَبْلَه» حشوٌ غيرُ مفسِد.
-ومفسد، كالنَّدى في قوله:
ولا فضْلَ فيها للشَّجاعة والنَّدى
…
وصبْرِ الفتى لولا لِقاءُ شَعُوبِ
(2)
وضمير «فيها» للدنيا. وحملْنا الاختصارَ على الإيجاز؛ لمساواته له في عُرفهم. والفَهم: قيل: «قوة من شأنها أنْ تُعِدَّ النفْسَ لاكتساب الآراء والمطالب» ، والذكاء:«جودة تلك القوة» ، (هـ/11). والذِّهْن: قيل: يُرادف الفهم، والحق: أنَّه تلك القوةُ، والفَهم: استعمالها، ثُمَّ المراد من الفهم هنا الإدراك، لا جودة الذهن المهيِّئة له لاقتناص ما يَرِدُ عليه من المطالب». انتهى
(3)
.
وفي كتابة: ولا بُدَّ مع قوله: «واخْتُصِرَتْ ليتيسَّرَ فَهْمُها» من حذف مضاف، أي: ليَتيسَّر طريقُ فَهمِه، وهو حفظها؛ إذ الحفظ مما يُتيسَّر به الفَهْمُ، وبه يندفع ما أُورد على المؤلف: أنَّ الاختصار ليَتيسَّرَ الحفظُ لا لتَيسيرِ الفَهم.
(1)
البيت لزهير بن أبي سُلمى كما في ديوانه (1/ 70)، ونصه:
وأعلم ما في اليومِ، والأمسِ، قبلهُ
…
ولكِنّني عَن عِلْمِ ما في غَدٍ عَمِ
(2)
البيت لأبي الطيب المتنبي، كما في اللامع العزيزي شرح ديوان المتنبي (ص 48).
(3)
قضاء الوطر (1/ 408).
إِلى أَنْ جاءَ الحافِظُ الفقيهُ تقيُّ الدِّينِ أَبو عَمْرٍو عُثْمانُ بنُ الصَّلاحِ عبدِ الرحمنِ الشَّهْرَزُوريُّ، نزيلُ دمشقَ، فجَمَعَ -لمَّا وَلِيَ تدريسَ الحديثِ بالمدرَسَةِ الأشرفيَّةِ- كتابَه المَشهورَ، فهَذَّبَ فنونَهُ، وأَملاهُ شيئًا بعدَ شيءٍ.
[قوله]
(1)
هذا غايةٌ لمقدَّر، أي: واستمَّر التأليف على هذين الوجهين المذكورين من البسط والاختصار، «إلى أنْ جاء الحافظُ الفقيه تقيُّ الدين أبو عمرٍو عثمان بن الصَّلاح
(2)
عبد الرحمن -نَزيل دِمشقَ- فجمَع كتابه المشهور» أي: الفاشي بين الناس، فأنْقاه وخلَّصه من الشوائب، «وأمْلاه شيئًا بَعْدَ شيءٍ» على حسَب الدروس. والإملاءُ: إلقاء ما يشتمل عليه الضمير إلى اللسان قولًا، وعلى الكتاب رسمًا.
قال في الصِّحاح: «وأملَيْتُ الكتابَ أُمْلِيه، وأَمْلَلْتُه أُمْلِلْه، [لغتان]
(3)
جاء بهما القرآنُ المجيد»
(4)
، قال في المختار:«قلتُ: أراد به قولَه تعالى: {فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً] {الفرقان: 5}، وقولَه تعالى: {وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ] {البقرة: 282}»
(5)
.
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
في (هـ) و (ب) زيادة: [الدين].
(3)
في (هـ): [اللغتان].
(4)
ينظر: الصحاح (6/ 2497).
(5)
مختار الصحاح (ص 299).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
واستمْلاه الكتابَ: سأله أن يُمليَه عليه، قاله (ج)
(1)
.
وفي كلام المؤلِف تقديمُ اللقب على الكُنية، و «عثمان»: اسمه، و «عبد الرحمن»: بدلٌ من «ابن الصلاح»
(2)
وبَيانٌ له، وكان الواجب تأخيرَ اللقب عن الاسم، كما هو القاعدة في اجتماع هذه الأمور مِن جواز تقديم الكنية على الاسم واللقب وتأخيرها عنهما، وامتناع تقديم (أ/8) اللقب عليه، خلافًا للمؤَرِّخين في جواز تقديمه، [وإياه]
(3)
اعتمد هنا؛ والظاهر أنَّ «الصلاح» أصله: صلاح الدين، كما أنَّ الظاهر: أنَّ «الشَّهْرُزُوريّ» نعتٌ لـ: «تقي الدين» ، ويحتمل لـ:«عبد الرحمن» ، وفي هذه النسبة نظيرُ ما مرَّ، حَرفٌ بِحرفٍ.
وفي كتابة أخرى: «ابن الصلاح» هو مُخَفَّف مِن اسم والده صلاح الدين أبي القاسم عبدالرحمن بن عثمان المَوصِليِّ، فقوله:«عبد الرحمن» بالجرِّ عطفُ بيانٍ للصَّلاح، وقوله:«الشَّهْرُزُوريُّ» بفتح المعجمة وسكون الهاء وضم الراء الأولى والزاي وسكون الواو، في آخره راءٌ أخرى، نسبة إلى «شَهرُزورَ»: بلدة بين المَوصِلِ وهَمْدَانَ، بناها: زُور بن الضَّحَّاك؛ فقيل: «شَهرُزور» ، معناها: مدينة زُور، كذا في اللباب
(4)
.
(1)
حاشية الأجهوري على شرح نخبة الفكر (ص 84).
(2)
في (هـ): [الصلاح].
(3)
زيادة من (ب).
(4)
اللباب في تهذيب الأنساب (2/ 216)، وقال الشيخ المعلمي رحمه الله: كذا ذكره أبو سعد وتبعه ابن الأثير، وقال ياقوت بفتح الراء وضم الزاى، لأن الراء كانت في أصلها ساكنة في «شهر» بمعنى مدينة أو بلد) الأنساب للسمعاني (8/ 179).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[وقوله]
(1)
: «نَزيلُ دِمشقَ» في نسخة صحيحة: «قاضي دِمشقَ» ، كلاهما صحيح؛ إذ هو كان قاضَيها ونزيلَها، وفي ميم دمشق -بكسر الدال-: الفتح والكسر، وهي تحت الشام.
وقوله: «تَدريسَ» تفعيل، أي: فعل الدراسة والدرس، وهو لغةً: القراءةُ بسرعة وقدرةٍ عليها، كأنَّك تَجْعل الشيءَ تقرؤه مذلَّلًا، لأنَّ أصل الدَّرس: الموطئ والتذليل
(2)
.
وأمَّا عُرفًا: إلقاء العِلمِ ولو إقرارًا إلى أهله، لا على طريق الإلزام والتخصيص. ودخل بقولنا:«إقرار» تحَمُّلُ الرواية بقراءة القارئ، كما خرج بـ:«إلقاء العلم» إقراءُ القرآن مُجردًا عن الحكم، وبقولنا:«والتخصيص» الإفتاء؛ وأما إقراءُ القرآن بالقراءات فهو داخل؛ لأنَّ المقصود حينئذ العِلمُ. و «المدرسة» مَفْعَلة؛ اسمٌ للمكان الذي يَكْثُرُ فيه التدريس، كما هو قاعدة بناءِ مَفْعَلَةٍ من المكان الذي يكثُر فيه الشيءٌ.
و «الأشرَفيَّةِ» : نسبة إلى السلطان شعبان الأشرَف رحمه الله؛ لأنَّه أَنشأها بدمشق، ورتَّب (هـ/12) جِهاتِها ووظائفَها.
و «الفنون» : الأنواع، جمعُ فنٍّ
(3)
.
(1)
النص للّقاني.
(2)
قال مرتضى الزَّبيدي (طريق مدروس إذا كثر أخذ الناس فيه) تاج العروس (16/ 72)، وقال أبو بكر الأنباري (والدرس، معناه في كلامهم: الرياضة والتذليل) الزاهر في معاني كلمات الناس (2/ 129).
(3)
قضاء الوطر (1/ 404)، وفيه بعض اختصار.
فلهذا لمْ يَحْصُلْ ترتيبُهُ على الوضعِ المُتناسِبِ، وَاعْتَنى بتصانيفِ الخَطيبِ المُتفرِّقةِ، فَجمَعَ شَتاتَ مقاصِدِها، وَضمَّ إِلَيْها مِن غَيْرِها نُخَبَ فوائِدِها، فاجتَمَعَ في كتابِهِ ما تفرَّقَ في غيرهِ.
[قوله]
(1)
: «فلهذا لمْ يَحْصُلْ ترتيبُه على الوضعِ المُتناسِبِ» :
أي: ولأجْلِ الإملاء شيئًا بعد شيءٍ، يعني في أزمنةٍ غيرِ مُتَتالية، وما كان كذلك يَبعُدُ فيه العَهدُ، وتغيبُ فيه رعايةُ التناسُب، وفي هذا تعريضٌ بمختصَر ابنِ الصلاح بأنَّه غير متناسِبِ الوضع يحتاج للتلخيص؛ فلهذا سأَلوه في تلخيصه، فلخَّصه، كما يأتي
(2)
.
[قوله]
(3)
: «واعتنى بتصانيفِ الخَطيبِ المفرَّقةِ، فجمَعَ شَتاتَ مقاصِدِها
(4)
، وضَمَّ إِليها مِن غَيْرِها نُخَبَ فوائِدِها، واجتَمَعَ في كتابِه ما تفرَّقَ في غيرِه»:
الاعتناء: الاهتمام بالشيء. وضَمَّ إلى ما اشتَملَت عليه تلك الكتبُ مِن غيرها زُبَدَ فوائدِ تصانيفِ غيرِها، والنُخَبُ جمع نُخْبة، وهي: الشيء المختار، والفوائد: فواعلُ، غيرُ منصرِفةٍ، جمع فائدة، من الفُؤاد؛ لأنها تُعقَل به، وهي لغةً: ما استُفيد من عِلمٍ أو مال؛ «واجتمع في كتابه ما تفرَّق في غيرِه» في الكتب الكبيرة المستكثِرة بحيث لا يوجد في كل كتاب غيرِه إلا بعضُها، وراعَى لفظَ «ما» ؛ فأفرد ضمير «تفرق» ، وفي «النهاية»:«التفرق والافتراق سواء»
(5)
، ومنهم من يجعل
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
بنصه من قضاء الوطر (1/ 413).
(3)
زيادة من: (أ) و (ب).
(4)
في (ب) زيادة: [وكم].
(5)
النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير (3/ 439).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
التَّفرقة بالأبدان والافتِراقَ في الكلام، يُقال: فرَّقتُ بين الكلامَين فافْتَرقا، وفرَّقتُ بين الرجلين فتفرَّقا، وعبَّر بعضُهم بدلَ الكلام بالمَعاني.
و «شَتاتَ» مصدر شَتَّ، وهو مِن إضافة الصفة للموصوف، والمراد: مقاصِدها [المتشتَّتة]
(1)
، أي: المتفرّقة، وفي هذا [تَعرُّض]
(2)
للسبب الذي لأجله اعتَنَى ابن الصلاح بتلخيص كتب الخطيب، ولم يتركها للمستفيدين على حالها، أقحمَه هنا؛ لسكوته عن القدح فيها فيما مرَّ.
والـ «نُخَبَ» بوزن الزُّمَر، جمع نُخبة، بمعنى خيار الشيء، مِن: انتخبتُ كذا من كذا، أي: اخترتُه منه.
و «الفوائد» مجرور قطعًا؛ لإضافته، جمع فائدة، وهي لغةً: ما استُفيد مِن مالٍ أو عِلم، وعُرفًا: ما يصير به الشيءُ أحسنَ حالًا منه بدونه، وراعى في «غير» معنى الجَمْعية، أو اكتسابه التأنيث من المضاف إليه؛ فأنَّث الضميرَ العائد إليه من فوائده، وإلَّا فالواجبُ تذكيره؛ لأنَّ «غير» اسمٌ لمفردٍ مذكرٍ
(3)
.
وقوله: «ما [تفرق في غيره]
(4)
» أي: الفنون المتفرِّقة في غيره
(5)
.
(1)
كذا في مطبوع قضاء الوطر (1/ 413)، ووقع في النسخ الثلاث [المشتتة]، وكلاهما صحيح لغة، والأنسب لقوله [المتفرَقة] ما أثبته، وينظر: القاموس المحيط (ص 154)، أفادها الشيخ الحبيب أحمد إسحاق -حفظه الله-.
(2)
في (أ): [تفريط]، ووقع في مطبوع قضاء الوطر [تعريض].
(3)
قضاء الوطر (1/ 414).
(4)
زيادة من مطبوع قضاء الوطر.
(5)
قضاء الوطر (1/ 413).
فلهذا عَكَفَ النَّاسُ عليهِ، وَسَاروا بسَيْرِهِ، فلا يُحْصى كم ناظِمٍ له ومُختَصِرٍ، ومستَدْرِكٍ عليهِ ومُقْتَصِرٍ، ومُعارِضٍ لهُ ومُنْتَصِرٍ!
[قوله]
(1)
أي: فلأجْل اجتماع ما تفرَّق في غير كتاب ابن الصلاح فيه؛ «عَكَف الناسُ عليه» أي: التزَموه على وجه التعظيم له بالانشغال به، والنظر فيه، والاستفادة منه،
(2)
وحاذَوْه ونسجوا على مِنْواله في جمع المقاصد دون الترتيب، إذ قدَّم أنه لم يوضع على التناسب فلا يُعَد إلا بضَبْط، ولا يُحاط بكثرةِ مَن نَسَج على مِنواله في (أ/9) التصنيف نظمًا ونَثرًا مع الاقتصار والانتشار، ويشير بهذا الكلام إلى كثرة جُملة مَنِ اشتغل به نَظمًا لا كثرة كلٍّ مِن الناظمين والمختصِرين ومَن ذُكر منهم. فمِمَّن نظمه: القاضي الخويِّي؛
(3)
بضم الخاء المعجمة وتشديد الياء التحتيَّة مثل ياء
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
تواتر الثناء على هذا الكتاب المبارك على ألسنة جَمْع من المحدثين، يقول الإمام النووي:«هو كتاب كثير الفوائد، عظيم العوائد، قد نبَّه المصنِّف رحمه الله في مواضع من الكتاب وغيره، عَلَى عظم شأنه، وزيادة حسنه وبيانه، وكفى بالمشاهدة دليلاً قاطعاً، وبرهاناً صادعاً» . إرشاد طلاب الحقائق إلى معرفة سنن خير الخلائق (ص 108)، وقال ابن جماعة:«واقتفى آثارهم الشَّيْخ الإمام الحافظ تقي الدين أبو عمرو بن الصلاح بكتابه الذي أوعى فيه الفوائد وجمع، وأتقن في حسن تأليفه ما صنع» . المنهل الروي (ص 26)، وقال الزركشي:«وجاء بعدهم الإمام أبو عَمْرو بن الصَّلَاح فجمع مفرّقهم، وحقّق طرقهم، وأجلب بكتابه بدائع العجب، وأتى بالنكت والنخب، حَتَّى استوجب أن يكتب بذوب الذهب» . النكت (1/ 9)، وقال الأبناسي:«وأحسن تصنيف فِيْهِ وأبدع، وأكثر فائدة وأنفع: علوم الْحَدِيْث للشيخ العلاّمة الحافظ تقي الدين أبي عمرو بن الصلاح فإنّه فتح مغلق كنوزه، وحلّ مشكل رموزه» . الشذا الفياح (1/ 63)، وقال ابن الملقن:«ومن أجمعها: كتاب العلامة الحافظ تقي الدين أبي عمرو بن الصلاح -سقى الله ثراه، وجعل الجنة مأواه - فإنه جامع لعيونها ومستوعب لفنونها» المقنع (1/ 39).
(3)
محمد بن أحمد بن خليل بن سعادة الخويي، شهاب الدين، أبو عبد الله: قاضي دمشق، وابن قاضيها. مولده ووفاته فيها. ولي قضاء القدس سنة 657 ثم قضاء حلب، فقضاء الديار المصرية، ونقل إلى قضاء الشام. وكان فقيها شافعيا، توفي يوم الخميس الخامس والعشرين من رمضان سنة ثلاث وتسعين وستمائة، وصلي عليه بالجامع المظفري ودفن عند والده بتربته بالجبل رحمه الله. ينظر ترجمته في تاريخ الإسلام (15/ 771)، الأعلام للزركلي (5/ 324)، هدية العارفين (2/ 137)، ونظمه المشار إليه يسمى «أقصى الأمل والسُّول في علم حديث الرسول صلى الله عليه وسلم» طبع بالكويت بدراسة وتحقيق: نواف عباس حبيب المناور.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
النِّسبة،
(1)
وممن اختصره: العلاء التُّرْكُمانيُّ شيخ العراقيِّ، والإمامُ النَّوَويُّ في:«التقريب والتيسير» ، وفي:«الإرشاد» غالبًا، وبعضهم استدرك في مواضع يسيرة وكان ابن دَقيقِ العِيدِ كذلك، كالبُلْقينيِّ، في شيء من الاصطلاح، وبعضهم انتصر لابن الصلاح؛ فأجاب عن بعض الاستدراكات.
(2)
(1)
نسبة إلى «خوى» من أعمال أذربيجان.
(2)
كتب على مقدمة ابن الصلاح أنواع من المصنفات، فمنها:
المختصرات كـ «إرشاد طلاب الحقائق إلى معرفة سنن خير الخلائق» للإمام النووي وله أيضاً التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير، وهو اختصار لكتابه السابق، والمنهل الروي، لبدر الدين بن جماعة، واختصار علوم الحديث، للحافظ ابن كثير، والمنتخب في علوم الحديث لابن التركماني».
وممن نظمها: العراقي رحمه الله في التبصرة والتذكرة في علوم الحديث، وعليها عدة شروح منها: شرح التبصرة والتذكرة للناظم، وفتح المغيث بشرح ألفية العراقي للسخاوي، والنكت الوافية للبقاعي، وفتح الباقي لزكريا الأنصاري، وشرح التبصرة للسيوطي، و أيضا ممن نظمها السيوطي رحمه الله في نظم الدرر في علم الأثر، وعليها عدة شروح: البحر الذي زخر في شرح ألفية أهل الأثر للناظم، ومنهج ذوي النظر شرح ألفية مصطلح أهل الأثر للترمسي، وشرح ألفية السيوطي لمحي الدين عبد الحميد، وشرح ألفية السيوطي لأحمد شاكر، وإسعاف ذوي الوطر بشرح نظم الدرر في علم الأثر لمحمد على آدم الإتيوبي.
ولمحمد بن أحمد الخويي نظم -كما سبق- يسمى بـ «أقصى الأمل والسُّول في علم حديث الرسول صلى الله عليه وسلم» ، ولا أعلم له شرحا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وقوله: «ومستَدْرِكٍ» أي: زائدٍ عليه.
تنبيه:
اعلمْ أنَّ: «كَمْ» اسمٌ لعددٍ مُبهم الجنس والمقدار، وليست مركَّبةً خلافًا للفَرَّاء والكِسائيِّ؛ فإنَّها مركبة عندهما مِن: كاف التشبيه وما الاستفهامية محذوفة الألف، وسُكِّنت (هـ/13) ميمُها لكثرة الاستعمال. و «كَمْ» قسمان: استفهاميَّة وخبريَّة، وكلٌّ منهما مُفتقِرٌ إلى تمييز؛ فتمييز الأولى مفردٌ منصوب، نحو: كم شخصًا سمَا؟ وتمييز الخبرية قسمان؛ لأنها تُستعملُ استعمالَ عشَرةٍ، فتُميَّزُ بجمع مجرور، نحو:
كم رجالٍ جاؤوك. وتستعمل استعمال مئةٍ؛ فتُميَّزُ بمفردٍ مجرور، نحو: كَمْ غُلامٍ مَلَكْت. وإفراد تمييزها أكثرُ وأفصحُ مِن جمعه. والصحيح: أنَّ الجر بعدها بإضافتها إلى التمييز؛ إذ لا مانع مِن الإضافة، وكلٌّ منهما يلزمان الصدرَ؛ أما الاستفهامية فواضحٌ، وأما الخبرية فللحَمْلِ على «رُبَّ» ، فلا يعمل فيهما ما قبلهما إلا المضاف وحرف الجر. وحكى الأَخفَشُ أنَّ لغة بعضِ العرب تقديمُ العامل على «كَمْ» الخبرية، وعليها فيجوز أنْ يُقالَ: مَلَكْت كَمْ غلامٍ. فقيل: هي من القلة بحيث لا يقاس عليها، والصحيح: أنَّه يجوز القياس عليها؛ لأنها لغة.
إذا عَرَفتَ هذا عَرَفتَ أنَّ المؤلف اعتمد ما حكاه الأخفشُ؛ فقدَّم عليها العاملَ وهو «يُحْصى» ، ولو اعتمد طريق الجمهور لأخَّره عن «كَمْ» وعن تمييزها جميعًا، وعرَفتَ أنَّ «ناظِم» وما بعده مجروراتٌ بإضافة «كَمْ» إليها، بعضُها بالأصالة وبعضُها بالتَّبَعيَّة. والمرادُ بالـ «مُقتَصِر»: مَن يَرتضي كلامَه من غير زيادة ولا نقص، والمراد بالـ «مُعارِض»: من يَرُدُّ بعضَ ما فيه ببيانِ خلَلِه أو ضَعْفِه. والمرادُ بالـ «مُنْتَصِر» : مَن يَلتَمِسُ عن ذلك جوابًا كالعِراقيِّ، ولا يخفَى أنَّ العراقيَّ: نظَمَ واختصر، واستدرَكَ واقتصَرَ في بعض المواضع، وعارَضَه في بعضها، وانتصر له في أُخَر، وكأنَّ هذا -والله أعلم- هو الحكمة في عطف هذه المذكورات بالواو الصالحة للجمع دون «أو» التي الحاصل فيها منْعُ الجمع والخُلُوِّ.
فسأَلَني بَعْضُ الإِخوانِ أَنْ أُلَخِّصَ لَهُ المُهِمَّ مِنْ ذَلكَ، فلخَّصْتُهُ في أوراقٍ لطيفةٍ، سمَّيْتُها:«نُخْبَةَ الفِكَر في مُصْطَلحِ أَهلِ الأثَر» على تَرْتيبٍ ابْتَكَرْتُهُ، وَسَبيلٍ انْتَهَجْتُهُ، مع ما ضمَمْتُهُ إِليهِ مِن شوارِدِ الفرائِدِ، وزَوائدِ الفوائدِ.
[قوله]
(1)
: «فسأَلَني بَعْضُ الإِخوانِ أَنْ أُلَخِّصَ لهُ المُهِمَّ مِنْ ذَلكَ» :
لَمَّا كان كثرة التصانيف في الفنِّ الواحد -وخصوصًا مع بسْطها ومعارضتها ونحو ذلك- مَظِنَّةَ الاختلاف ومحلَّ التبايُنِ [وعدَم]
(2)
الائتلاف، وكان المبتدِئُ لا قدرةَ له على تمييز الصواب أو الأَوْلى مِن غيره؛ سألَه القاصرون، أو الماهرون؛ [شفقةً على الغير]
(3)
؛ لكمال النصيحة لهم، وليُحِبُّوا لهم ما يُحِبُّون لأنفسهم، على أنهم -أيضًا- رُبَّما انتفعوا بذلك؛ إذْ فوقَ كلِّ ذي حكمةٍ حكيمٌ، وفوقَ كلِّ ذي عِلمٍ عليمٌ، وعدمُ مباشرةِ المتأهِّل لذلك بنفْسِه إمَّا لعدم قَبولِه منه في ظنِّه، وإما لعدم كفايته فيه، فلا يَرِدُ: أنَّه إيثارٌ بالقُرَب
(4)
.
قال الفاكهانيُّ: «[السؤال أو الالتماس]
(5)
يكونان بين المتماثلين، والدعاء من الأدنى للأعلى، والأمر عكسُه» انتهى. وقال صاحب الجُمَل
(6)
: «اللفظُ المُركَّبُ إنْ دلَّ بالقصد الأوَّلِ على طلب الفعل كان مع الاستعلاء أمرًا، ومع الخضوع سؤالًا، ومع التساوي التماسًا» انتهى. وأهل الأصول جعَلوا هذا التفصيلَ ضعيفًا، بل «افعل»: أمر، و «لا [تفعل]
(7)
» نهيٌ مُطْلَقًا، واعتمَدَ النحاة ما ضَعَّفوه، ولكلٍّ وِجهةٌ.
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
في (ب): [ومحل عدم].
(3)
في مطبوع قضاء الوطر [شفقة عليهم].
(4)
قضاء الوطر (1/ 419).
(5)
في هامش (أ): السؤال والالتماس.
(6)
الجمل في المنطق، للخونجي (ص 1).
(7)
في (ب) و (هـ): [لا يعقل].
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
و «الإِخوانِ» : جمع أخٍ، أصله: المساوي لآخَرَ في الولادة، ثم استُعمل هنا في غير أخي النسبِ للتوسع فيه باستعماله في المشاركة في: المودَّة، أو الحِرفة، أو في الدين، وهو مما جُمع تكسيرًا بالزيادة وتبديل الشَّكل، ولا شَكَّ في صِدْق كلامه بالواحد.
و «التلخيص» : استيعاب المقاصد بلفظٍ مُوجَز مع التبيين لفظًا ومعنًى، وفي الكلام حذفٌ، أي: لأجْل انتفاعِه ولو بالتسهيل عليه وخِفَّةِ المراجعة، وهذا هو المفعول الثاني لـ «سَأَل» ، وفي بعض النسخ:«لهم» ، أي:«الإخوان» .
وقوله: «المُهِمَّ مِنْ ذَلكَ» :
مفعول «أُلخِّص» ، واسمُ الإشارة راجعٌ للتصانيف الكثيرة في (هـ/14) الاصطلاح المذكور، مبسوطة ومختصَرة بتأويلها بمتقدِّم، ويُحتمَلُ أنَّ اسم الإشارة/ راجعٌ لكتاب ابن الصلاح؛ فيكون ممن: اختَصر واستدرَكَ وعارَضَ وانتصر.
والأول: مدحٌ والثاني أَظْهرُ.
و «المُهِمّ» : اسمُ فاعل، مِن: أهمَّه كذا إذا صار همَّه وعنايتَه؛ فتوجَّهتْ همَّتُه إليه وأقبَلَ بكُلِّيَّته (أ/11) عليه.
[وقوله]
(1)
: «فلخَّصْتُهُ في أوراقٍ لطيفةٍ» :
أي: أجبْتُه
(2)
فلخَّصتُه، والإتيان بـ:«لخَّصته» الأخصِّ؛ لدَلالتِه على الاستيفاء مِن: «اختصرتُ» ؛ لصدقه بالبعض للمبالغة، أو أنَّه استوفى المهمَّ بحسَب فَهمِه، وهذا لا ينافي المهِمَّ بالنسبة للسائلين. والمراد مِن تلخيص المهمِّ: تلخيصُ ما يدُلُّ عليه؛ لأجْل قوله: «في أوراقٍ» ، [إذ]
(3)
الذي فيها إنما هو الخط الدالُّ على اللفظ
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
في (ب): [فاجبته].
(3)
في (هـ): [الذ].
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الدالِّ على ما في الذهن وهو العلم والمعلوم، ويحتمل أنْ يُعرَبَ الجارُّ والمجرورُ حالًا من فاعل لخَّص أو مفعوله، أي: راقِمًا أو مَرقومًا ما يدُل عليه في أوراق، وأتى بها جمعَ قِلَّة، ووصفها باللَّطافة وهي في الأصل: صِغَر الحجم وكون الحجم مكتنِزًا، أو: رِقَّة القَوام، [وكونه]
(1)
شفَّافًا لا يحجُب ما وراءه كالهواء؛ مبالغةً في قِلَّتها، وترغيبًا في الإقبال عليها لسُهولَة حِفظها.
وقوله في المَتْن: «فسأَلَني بَعْضُ الإِخوانِ أَنْ أُلَخِّصَ لهُ المُهِمَّ مِنْ ذَلكَ» ، وقال في الشرح:«فلخَّصْتُهُ» ، إلى أنْ قال:«فرَغِبَ إِليَّ ثانيًا أَنْ أَضَعَ» ، إلى أن قال في المَتْن:«فأجَبْتُه إلى سؤاله» ، قلتُ: «يلوح من هذا تنكيتٌ، وهو أن عبارة المتن بحسَب ما [شُرح]
(2)
[تفيدُ]
(3)
أنَّه ألَّف بعضَ المَتْن بعد الشرح» انتهى، قاله (ق)
(4)
.
زاد (هـ)
(5)
: «وهو ذُهول من أنَّ المؤلف مَزَج الشرح بالمتن حتى صار كالشيء الواحد، وخَرَجت ضمائر أحدِهما عن عوْدِها إليه إلى عَودِها على الآخَر، وتحوَّلت المَعاني فأحْرى المَباني، وحينئذ فالمراد: «فأَجَبْتُه إِلى سُؤالِهِ» في وضع الشرح المذكور، لا في إتمام المتن بعد وضع الشرح أخذًا من الفاء؛ إذ هو بظاهره غرور، {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ] {النور: 40}» انتهى، ويأتي عند قوله:«فأَجَبْتُه» شيءٌ مما يتعلق بذلك.
(1)
كررت في (هـ).
(2)
في (هـ) و (ب): [نشرح].
(3)
في (ب): [يفيد].
(4)
حاشية ابن قُطْلُوبُغا على شرح نخبة الفكر (ص 25).
(5)
قضاء الوطر (1/ 374).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[قوله]
(1)
: سمَّيْتُها: «نُخْبَةَ الفِكَر في مُصْطَلحِ أَهلِ الأثَر» :
أي: سميتُها بمجموع الموصوف والصفة. و «الفِكَر» : بكسر ففتح، جمعُ فِكْر بالكسر.
وقال في المختار في فصل «فكر»
(2)
: «التفكُّر: التأمل، والاسم: الفِكَر، والفَكرة في المصدر بالفتح، وبابه «نصَر» ، وأَفْكَر في الشيء وفكَّر فيه -بالتشديد- وتفكَّرَ فيه، بمعنًى».
وقال غيرُه: «الفِكْر: تردُّدُ القلب بالنظر والتدبُّرِ لطلب المعاني»
(3)
أو «ترتيب أمورٍ معلومة [للتأدّي]
(4)
إلى مجهولة
(5)
»
(6)
، وسمَّى ودعا وكنَى [ولقَّب]
(7)
تتعدى لواحد بنفْسِها، والثاني: إمَّا بنفْسها كما هنا، وإمَّا بالباء.
وقال (هـ)
(8)
: «لا شَكَّ في [أَسبقيَّة]
(9)
المتن للشرح، أو تحقق وجوده خارجا قبل وجوده فالمضي في:«لخَّصتُه» و «[سميتها]
(10)
» على ظاهره، كما يَشهد له: «فرَغِبَ إِليَّ ثانيًا
…
إلخ»؛ فيكون هذا إخبارًا بأنَّه سمَّاها بما ذَكَر سابقًا، وإن لم يَنُصَّ على ذلك في مَتْنها؛ لعدم اشتراطه.
(1)
زيادة من: (أ).
(2)
مختار الصحاح (ص 242).
(3)
المصباح المنير في غريب الشرح الكبير (2/ 479).
(4)
زيادة من: (أ).
(5)
في (هـ) زيادة [المتأدَّى].
(6)
التعريفات (ص 168).
(7)
زيادة من: (ب).
(8)
قضاء الوطر (1/ 425) وما بعدها.
(9)
في (هـ): [سبقية]، وكذا وقع في المطبوع.
(10)
في (هـ): [وسيل].
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ألا ترى مالكًا سمَّى كتابه بـ: «المُوطَّأ» ولم يَنُصَّ فيه على تسميته بذلك، والبخاريَّ سمَّى كتابه بـ:«الجامع الصحيح»
…
الخ مع عدم نَصِّه فيه على ذلك.
وكلام الشارح الذي جعل التسميةَ للأوراق اللطيفة الملخَّص فيها ما ذُكِر لا يجري على واحد من مسمَّى الكتب والفصول، ونحو ذلك من التراجم: هل الألفاظ المعَيَّنةُ الدالَّةُ على المعاني المخصوصة؟ أو النقوش الدالَّة عليها بتوسُّط دَلالتِها على تلك الألفاظ؟ أو المعاني المخصوصة مِن حيث إنها مدلولةٌ لتلك العبارات أو النقوش؟
…
إلخ.
فإنْ أردتَ ردَّه إليها جعلتَه مِن باب المَجازِ المُرسَل الذي عَلاقتُه المجاورةُ، إمَّا بواسطةٍ كما في الاحتمال الأول، فإن الألفاظ تجاور المعنى ولو باعتبار التخيُّل، تلك النقوش المجاورة حقيقة للأوراق؛ إذ يُتخيَّل مجاورة الدالِّ لمدلوله فيُنتقل منه إليه، والثالث: فإنَّ المعاني (هـ/15) تجاور كذلك ألفاظَها المجاورة للنقوش المجاورة حقيقة للأوراق أو بغير واسطة كما في الاحتمال الثاني، وإمَّا [على]
(1)
حذف مضافين، أي: سميتُ مدلولَ مُودَعِها أو مدلول مشمولها، والمراد: تسميةُ نوعِ ما ذَكر وحقيقته الكلية إنْ كانت العلمية جنسيةً، لكنْ بقيْدِ وجودها في ضمن فردٍ ما ضرورةَ أنه لا يتحقق الجنس إلا فيه، أو شخص ما ذُكِر إن كانت شخصية، ولا يَقدَح فيه تعدُّد محلِّ مسمَّاه؛ لأنه لا يُخرجه عن الاتحاد، ولو سُلِّم فهو شِبْهُ عروض الاشتراك.
وقوله: «في مُصْطَلحِ» إنْ كان أصلُه: مصطلَحٌ عليه لهم؛ فقد سلَكَ سبيلَ الحذف والإيصال، وفي اطِّراده وقَصْره على السماع خلاف، وإنْ كان مصدرًا بمعنى الاصطلاح فهو مطَّرِدٌ من هذا الباب وغيره من المزيد على وزن مفعول.
(1)
زيادة من: (هـ).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
و «الأثَر» على المذهب المرتضى يُطلق (أ/11) على المرويِّ مُطلقًا، سواءٌ كان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عن صحابيٍّ. وقيل: هو ما يُضاف إلى الصحابي موقوفًا عليه، والخبر: هو المرفوع.
تنبيه:
جميع ما ذكرْناه في مفردات هذا الاسم إنما هو بالنظر لأصله قبل العَلَمية، أما ما بعدها فلا معنى لشيء مِن مفرداته؛ إذْ صار مدلولُ المجموعِ شيئًا واحدًا هو المُسمَّى بهذا اللقب المشعِر بالمدح المطابق لمدلوله. وتقدم الكلام على حقيقة الاصطلاح.
[قوله]
(1)
أي: اخترعتُه؛ لأنَّه: إيجاد الشيء على غير مثال سبَق، يُحتمل أنَّه متعلِّق بـ:«لخَّصتُه» ، ولا يضرُّ الفصلُ بتسميتها؛ لأنَّه صفةُ «أوراق» المعمولة بواسطة حرف الجر له، فلم يقع الفصلُ بين العامل ومعمولِه بأجنبي بِناءً على الراجح مِن أنَّ العامل في التابع هو العامل في المتبوع إلا في البدل؛ فإن عامله مقدَّرٌ، والظاهر أنَّه حال مِن:«سمَّيتُها: نخبة الفِكَر» ، والابتكار: الاختراع، والظاهر أنَّ [التَّفعُّلَ]
(2)
هنا بمعنى فَعَل؛ فيكون بمعنى أصل الفعل، وهو نعتُ ترتيب.
[قوله]
(3)
: «وسبيلٍ انتهجتُه» :
عطفٌ على «ترتيب» ، أي: وعلى طريقٍ، يُذَكَّر كما في قوله تعالى:{لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ] {الحجر: 76} ، ويؤنَّث كما في قوله تعالى:{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي] {يوسف: 108} ،
(1)
سقط من: (هـ).
(2)
في (هـ): [انفعل].
(3)
سقطت من: (هـ).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ومعنى انتهجته: أوْضحتُه لسالكيه مبالِغًا في إيضاحه لا متكلِّفًا له؛ فهو افتعَلَ مِن نَهَجَ الأمرُ: وضُحَ، والمِنْهاج في الأصل: الطريق الواضح.
[قوله]
(1)
الظاهر أيضًا: أنَّه لغو متعلِّق بـ: «لخَّصتُه» ، ومرجع الضميرين واحد وهو «المهم» ، ويُحتمل: أنَّه حال من مفعول «لخَّصته» وعائد «ما» محذوف، أي: ضممْته،
(2)
وفي الكلام مبالغة؛ حيث جعل المهم من تلك الكتب تابعًا لِما ضَمَّه إليه من الفرائد الشاردة، والفوائد الزائدة؛ لأن ما بعد «مع» هو المتبوع غالبًا.
[قوله]
(3)
: «مِن شوارد [الفرائد]
(4)
»:
هو مِن إضافة الصفة إلى الموصوف. «الفرائد» : جمع فريدة، وهي الدُّرة واللؤلؤة القيِّمةُ لنَفاسَتها، انفردَتْ في ملْك أو إقليم، وشَرَد البعيرُ إذا نَفَر، والمراد: أنَّ المسائل التي هي لنفاسَتها كالدُّرِّ، ولعُسر تحصيلها على غيره كالإبل [الشوارد]
(5)
[إذ]
(6)
لم يَتنزَّل لذِكرها من القوم إلا القليلُ.
وفي كتابة: الـ: «شوارد» جمع شاردة، أي: نافِرة، والمراد بها هنا: ما ذُكر في غير مَظِنَّة، و «الفرائد»: جمع فريدة، وهي: واسطة العِقد المنفردة في حُسْنها.
(1)
سقطت من: (هـ).
(2)
في (أ) زيادة [والشرط موجود].
(3)
سقطت من: (هـ).
(4)
في (هـ): [الفوائد].
(5)
في (هـ): [السوارد].
(6)
في (هـ): [إن].
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[قوله]
(1)
: «وزوائد الفوائد» :
هو من إضافة الصفة للموصوف، جمعُ زائدة، بمعنى عائدة، [زائدة]
(2)
سمِّيَت بذلك؛ لتعلُّق الفؤاد بها، وجعلَها زائدةً بالنظر إلى أنها مستنبَطة بنَظَره؛ هضْمًا لنفْسه، وهذا المعنى الذي حملْنا كلامه عليه؛ لأجْل إتيانه مع الفوائد بـ:«الزوائد» المناسب للهضْم الأَولى به (هـ/16) النفس من الغير، ومع الشوارد بـ:«الفرائد» المناسب لمزيد المدح الأولى به الغير من النفس، وما ذكرناه مبنيٌّ على أنَّ الأول بالراء والثاني بالواو. ويوجد في بعض النسخ عكسُه، وهو [الصواب]
(3)
الأنْسَب [لقول]
(4)
صاحب التلخيص: «وأضفْتُ إلى ذلك فوائد [عَثَرْتُ]
(5)
في بعض كتبِ القوم عليها، وزوائدَ لم أظفَرْ في كلام أحدٍ بالتصريح بها ولا الإشارةِ إليها»
(6)
.
(1)
سقطت من: (هـ).
(2)
في (هـ): [مزائدة].
(3)
زيادة من: (ب).
(4)
في (هـ): [بقول].
(5)
في (هـ): [عشرة]، وهو تصحيف.
(6)
ينظر: عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح (1/ 53).
فَرَغِبَ إِليَّ جَماعةٌ ثانيًا أَنْ أَضعَ عَليها شرحًا يحُلُّ رموزَها، ويفتحُ كنوزَها، ويُوضِّحُ ما خَفِيَ على المُبْتَدئ من ذَلكَ، فأَجَبْتُهُ إِلى سُؤالِهِ؛ رجاءَ الاندِراجِ في تلكَ المسالِكِ.
[قوله]
(1)
عطفٌ على «لخصته» ، وقرنه بالفاء؛ إشارةً إلى قِصَر ما بين زمانَي التلخيص وسؤالِ الشرح، وعبَّر بـ:«رَغِب» دون سأل إشارةً إلى أنَّه سأل سؤالًا آكَدَ وأشدَّ مِن الأول؛ لنفاسَة الملخَّص وعِزةِ وجوده في غير تلك الأوراق، وضَمَّن «رغِب» معنى العَوْد أو [لإنهاء]
(2)
، فعدَّاه بإلى، أي: فرغِب عائدًا إلىَّ بالسؤال حالَ كوْن السؤال ثانيًا، أو مُنْهِيًا إليَّ سؤالًا ثانيًا. ويُحتمل أنَّ:«ثانيًا» صفةُ زمان محذوف معمول لـ: «رغب» ؛ فيكون ظَرفًا له، أي: رغِب إلىَّ في الشرح في زمانٍ ثانٍ، بعد رغبته إليَّ في التلخيص في زمانٍ أوَّلَ أنْ أضع عليها شرحًا يُزيل تعقيدَ ألفاظِ عباراتها ويُظهر مسائلَها، «ويوضِّحُ ما خَفِيَ على المبتديء من ذلك» وهو: مَن لم يَستقِلَّ بتصوُّر مسائلِ الفنِّ الذي شرَع فيه، وإلا فمتْنُه: إنِ [استحضر]
(3)
غالبَ أحكامه وأَمْكنَه الاستدلال عليها، وإلا فمتوسط.
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
كذا في النسخ الثلاث.
(3)
في (هـ): [اصتحضر]، وهو تصحيف.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وقوله: «أنْ أضَعَ عليها» :
هو على حذْف حرفِ الجر، وهو «في»؛ لاطِّراده في مثل الموضع؛ لأنَّ «رغب» يتعدَّى للمرغوب عنه بـ:«عن» ، و [للمرغوب]
(1)
فيه بـ: «في» ، وضمير:«عليها» لنخبة الفِكَر.
والشرح لغةً: التوسيع، ومنه: شرحْتُ الدارَ؛ وسَّعتُها، وشرْحُ الصدرِ: توسِعتُه بالعلوم والمعارف (أ/13)، والمراد هنا: المشروح به وهو الألفاظ المخصوصة الدالةُ على المعاني المخصوصة المتعلِّقة بالتراكيب المخصوصة بوصفه للأوصاف الآتية؛ إذْ هي به أنسَبُ منه بالمعنى المصدريِّ.
وقوله: «يحُلُّ رموزَها» :
أي: يُزيل تعقيدَ بعضِ ألفاظ عبارتها التي [لخفاء]
(2)
دَلالتِها على المراد شبيه الرمز، الذي هو: الإيماءُ بِعَيْنٍ أو حاجِب معه، ولا يخفى ما فيه مِن الاستعارة التبعيَّة وهو ناظرٌ إلى ما فيها مِن زوائد الفوائد.
قوله: «ويفتَحُ كنوزَها» :
أي: يُظهِرُ مسائلَها التي تُشبهُ الكنوزَ؛ لنفاستها والانتفاعِ بها، وهو ناظرٌ إلى شوارد الفرائد.
[قوله]
(3)
: «يوضِّح
…
إلخ»:
هو ناظرٌ إلى ما لخَّصه من كلام الأئمة مبسوطًا كان أو مختصرًا، ففي
(1)
في (هـ): [المرغوب].
(2)
في (أ): [بخفاء].
(3)
زيادة من: (أ) و (ب).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الكلام: لفٌّ ونشرٌ مشوّش.
[قوله]
(1)
أي: وافقت البعضَ الراغبَ إليَّ ثانيًا في وضع الشرح على المتن بعد إكماله على بَذْلِ مطلوبه، فهذه السجعةُ خارجةٌ عمَّا يتعلق بالمتن، وإنما هي متعلِّقة بالشرح، وبه يُعلُمُ ما أورده (ق)
(2)
. وضَمَّنَ أجاب معنى التوجُّهِ فعدَّاه بـ: «إلى» ، أي: أجبتُه ولو بالوعد متوجِّهًا بالامتثال إلى سؤاله لآتي به طِبْق ما اقترح، ويمكن جعل «إلى» بمعنى «على» ، والإجابة معناها: الموافقة، كما أشرنا إليه.
[قوله]
(3)
: «رجاءَ الاندراجِ في تلك المسالكِ» :
مفعولٌ لأجله، و «المسالك» أي: الطُّرُق، جمع مَسلَك، اسمُ محَلِّ السلوك، والمراد بها: وجوبُ خِدمة السُّنَّةِ المطهَّرَة، ولِيُعَدَّ مِن أئمتها. ويُحتمل أنْ يراد بـ:«المسالك» طُرُقُ البَسط والاختصار، فبالأصل يَندرِج في عِدَاد المختصرين، وبالشرح يَندرِج في [أعداد]
(4)
الباسطين، وربما يُبعُد هذا: أنَّه لو أراده لقَدَّم عليه: «وظهر [لي]
(5)
إيرادُه على صورة البسطِ ألْيَقُ»، والإشارة على الأول لغير مذكور، وعلى الثاني المذكور. (هـ/17)
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
حاشية ابن قطلوبغا على شرح نخبة الفكر (ص 25 - 26).
(3)
زيادة من: (أ) و (ب).
(4)
في (هـ): [عداد].
(5)
زيادة من: (أ) و (ب).
فَبَالغتُ في شَرْحِها في الإِيضاحِ والتَّوجيهِ، ونبَّهْتُ عَلى خَبايا زَوَاياها؛ لأنَّ صاحِبَ البَيْتِ أَدْرَى بِما فيهِ، وظَهَرَ لي أَنَّ إِيرادَهُ على صُورةِ البَسْطِ أَلْيَقُ، ودَمْجَها ضِمْنَ تَوضيحِها أَوْفَقُ، فَسَلكْتُ هذِهِ الطَّريقَةَ القَليلةَ المسالِكِ.
[قوله]
(1)
: «فبالَغْتُ في شرحها في الإيضاح» : العطفُ على قوله: «فشرحت» المقدَّر الذي أشعَرَ به: «فأجبْته
…
إلخ»، [وضميرُ]
(2)
«شرحِها» لنخبة الفكَر، والظاهر: أنَّه بالمعنى الاسميِّ، والإيضاح معناه: الإبانة، غيرَ أنه يَلزَمُ تعديةُ عاملٍ واحد بحرفين بمعنًى واحدٍ، وهو ممتنِع على ما قاله الرَّضِيُّ وغيره، وتقدير عامل في الثاني، أي: بالغتُ في شرحها وبالغت في الإيضاح؛ فيكون بدلًا، وكذا تقدير حال يتعلق بها، أي: غيرُ مقصِّر في الإيضاح، لا طائلَ تحته؛ لتكلُّفه، ومن التكلُّف: تنزيلُ الشرحِ منزلةَ الظَّرف الأعمِّ، والإيضاحِ منزلةَ الظَّرف الأخصِّ الاعتبار فيهما، نحو: جلست في البلد في السوق، واعتكفت في رمضان في العشر الأخير منه، وأقْرَبُ منه جعلُه حالَ فاعل «بالغت» ، أي: حالَ كَونِ [مبالغتِه]
(3)
فيه في الإيضاح
…
إلخ.
[قوله]
(4)
: «والتَّوجيهِ» : أي: [إبداء]
(5)
وجْهِ الكلامِ و [تعليله]
(6)
والنصِّ على دليله
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
في (هـ): [فضمير].
(3)
في (هـ): [مبالغتي].
(4)
زيادة من: (أ) و (ب).
(5)
في (هـ): [ابتدأ].
(6)
في (هـ): [تعليقه].
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[قوله]
(1)
: «ونبَّهت على خبايا زواياها» :
أي: على مسائلها وأحكامِها الدقيقة المأخوذة من إطلاقٍ أو الراجعة لمفهوم أو المستنبطة من اقتصار وتخصيص بالذِّكر؛ إذ الخبايا جمع خبيئة بمعنى مخبوءَة، والزوايا جمع زاوية، وهي لُغةً: أحَدُ أركان البيتِ، وهو المراد هنا؛ لقرينة ما بعْدَه.
وأشار بقوله: «لأنَّ صاحِبَ البيتِ أدْرَى [بما]
(2)
فيه»:
[إلى المثل المشهور وهو: صاحب البيت أدرى بما فيه]
(3)
، وهذا يُسمَّى عندهم: تلميحًا، وهو الإشارة إلى قصة أو مَثَل، وعليه فلم يُغيِّر المَثل، وهذا التعليل الأولى رجوعُه لكلٍّ مِن:«أجبْت» [بالغت]
(4)
، ونبَّهْتُ [بأنَّه]
(5)
.
أتمُّ فائدةً وإن احتمل كما هو الظاهر تخصيصه بـ: «نبَّهت» . و «أدرى» معناه: أعْلَم، مِن: الدراية، وهي العلم على وجْه البَصارة.
[قوله]
(6)
: «وظَهر لي أنَّ [إبرازَه]
(7)
على صورةِ البسطِ ألْيَقُ»:
ضمير «إبرازه» للشرح المذكور، وإضافة الصورة للبيان، وإنما كان بَسْطُه
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
في (هـ): [فيما].
(3)
هكذا في (هـ)، وعلى هامش (أ).
(4)
في (أ) و (هـ): [وبلغت].
(5)
في (هـ): [لأنه].
(6)
زيادة من: (أ) و (ب).
(7)
في مطبوع النزهة [إيراده].
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ألْيَقَ من اختصاره؛ لأنه يكون مفيدًا للقاصر والماهر والعاجز عن التحقيق، فيكون أعمَّ نفعًا، [ولِيَجمَعَ]
(1)
بين طرَفَي البَسط والاختصار كما أشرنا له سابقًا، والواو فيه لعطف هذه الجملة على جملة «أَجَبت» ، وتأخُّرُ الإخبار عن الإجابة وظهور ما ذَكَرَ له لا يُوجب تأخرَهما عن الشروع؛ فلذا ارتكَبَ البسط والدمْج مِن أول الشروع.
[قوله]
(2)
: «ودَمْجَها ضِمْنَ توضيحِها أَوْفَقُ» :
أي: إدخالَها، مِن: دمجْتُ الشيءَ في الشيء: أدخلتُه فيه، و «ضِمنَ» أي: في أثناء توضيحِها الذي هو شرْحُها، بحيث لا يميِّزها منه عند اتحاد المراد إلا الماهرُ، ولا يدرك الفرقَ بينهما إذ ذاك إلا جيِّد القريحة، وإنما كان «أوْفق» أي: أشدَّ موافقةً؛ لأنَّ الكلام حينئذ (أ/14) يأخذ بعضُه بحُجْزَةِ بعض حتى يصير أرواحًا واحدة في جسد؛ فلا يَتشتَّتُ ضميره ولا تَلْتَبسُ أوائله ومقاطعُه، وفي كلامه إيماءٌ إلى أنَّ شرح النخبة يسمَّى:«التوضيح» .
[قوله]
(3)
: «[فسلكْنا]
(4)
هذه الطريقَ القليلةَ المَسالكِ»:
أي: طريق المبالغة في الإيضاح والتوجيه، والتنبيه على الدقائق والنِّكات مع المزج والدمج، «القليلة المَسالك» لصعوبتها إلا على المتمكنين في ذلك الفنِّ، الماهرين فيه، العارفين به.
(1)
في (هـ): [للجمع].
(2)
زيادة من: (أ) و (ب).
(3)
زيادة من: (أ) و (ب).
(4)
في مطبوع النزهة [فسلكت].
فأَقُولُ طَالِبًا مِنَ اللهِ التَّوفيقَ فيما هُنالِكَ:
«الخَبَرُ» عندَ عُلَماءِ هذا الفنِّ مرادفٌ للحَديثِ.
[قوله]
(1)
: «فأقولُ طالبًا مِنَ اللهِ التوفيقَ فيما هُنالك» :
أتى به مضارعًا مع أنَّ الألْيق بكلامَيِ المتن والشرح على ما عَرَفتَ: أنْ يأتي به ماضيًا؛ قاصدًا لإحضار عظمةَ حالة الشروع مع اختلاف وصفهم للمبدوء به تلك الكتب، ولإفادة إيرادِه قولًا يدوم عليه؛ إذ المضارع يفيد الاستمرار التجدديَّ، وللإشارة إلى أنَّ بعض تلك الأفعال الواقعة في المَتْن بصيغة المُضِيِّ أُوْقِعَ في الحقيقة موضع المضارع؛ مبالغةً في الإجابة؛ لإدخال السرور على السائل، وللتفاؤل بتحقُّق المأمول (هـ/18)، ولتنزيل المحقَّق ولو بوثوق الرجاءِ منزلةَ الواقع. فإنْ قلتَ: هلَّا جعلْتَه معطوفًا على الأخص له المهم وهو مستقبَل، فيكون منصوبًا، وإذا أمكن مراعاة اللفظ والمعنى تعيَّن ارتكابُها؟ قلتُ: منَع منه غيرَ كونِه في حيِّز الإجابة دون السؤال لزومُ أنْ يكون مسؤولًا لبعض الإخوان؛ فيرجع المتعلمُ معلِّمًا والمعلِّمُ متعلِّمًا بالنظر لمقول القول، وفيه من إساءة الأدب ما يَنهى عن ارتكابه أهلُ الأدب، مع نُبُوُّه عن المقام. فإنْ قلتَ: أمستأنَفٌ هو؟ قلتُ: يمكن أنْ تكون كذلك، والظاهر: أنَّه معطوف الآن على جملة: «فسلكتُ
…
الخ» عطفَ الجُمَل، وقد كانت هذه الجملةُ معطوفةً على جملة:«فأجَبْتُه» ، وعلى كل حال زمان الفعلين متَّحِدٌ بردِّ أحدِهما إلى الآخَر.
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وقوله: «طالبًا
…
إلخ»: حالٌ من فاعل «أقول» . والتوفيق لغةً: جعْلُ الأسبابِ متوافقةً غيرَ متخالفة، بحيث يكون الفعلُ موافِقًا للصواب، وعُرفًا: خلْقُ قدرةِ الطاعة في العبد بألَّا يقعَ منه إلا الطاعةُ دون المعصية، لا بمعنى امتناع المعصية عليه؛ فتلك العصمة، بل بمعنى جواز حِفْظِ الله له مِن ملابسة المعاصي ومِن الإصرار عليها بأنْ يوفِّقَه للتوبة إنْ لابَسها، وهذا التعريف للأشعري، واعترضه إمام الحرمين بما يعلم الوقوف عليه
(1)
.
واسم الاشارة الموضوع للمكان البعيد مع اللام والكاف عائدٌ على تلك المصنَّفات التي قصدي تلخيص ما فيها، فـ:«ما» واقعة على ما ينقُله منها، أي: في [نقل]
(2)
ما هنالك مِن الأحكام والشروط والقيود، ويُحتمل أنَّها واقعة على ما ظهَرَ له أنه الأوْفقُ والألْيق، ويُحتمل أنها واقعة على ما يؤلِّفه، والأَولى جعْلُها واقعةً على كل ذلك، وهو لغْوٌ متعلِّق بـ:«التوفيق» .
[قوله]
(3)
: «الخَبَرُ» :
قِسمٌ مِن أقسام الكلام، يقسم الكلام إلى خبر واستخبار، وهو: الاستفهام
(1)
قال السفاريني رحمه الله: (والتوفيق هو إرادة الله من نفسه أن يفعل بعبده ما يصلح به العبد بأن يجعله قادرا على فعل ما يرضيه مريدا له محبا مؤثرا على غيره، ويبغض إليه ما يسخطه ويكرهه)((لوامع الأنوار البهية)) (2/ 451). فالتوفيق على الحقيقة أن لا يوكل العبد إلى نفسه، والله أعلم. وينظر: نظم الفرائد (ص 24 - 25).
(2)
في (هـ): [فعل].
(3)
زيادة من (أ).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وأمرٌ ونهيٌ وتنبيه، وهو المسمَّى بـ:«الإنشاء» ، قال به البعض، ومَن جعَلَ الإنشاء شاملًا لِما عدا الخبرَ مِن أقسام الكلام، بأنْ جعَل ما احتمل الصدق والكذب هو:«الخبر» ، وما لا يحتمله هو:«الإنشاء» ؛ يكونُ الكلامُ عنده قسميْن فقط.
وقولُه يأتي في تعريفه ما يعرَّف به الكلام، أي على اختلاف أساليبهم في تعريفه لم يخرج عنه ما عدَاه من الكلام باحتماله الصدقَ والكذب وانتفاء ذلك فيما عداه، ثم إنَّ قوله: قِسمٌ إلى قوله -وهو ساقط مِن نسخة تلميذه الأنصاري، والموجود هكذا-: «الخبر عند علماء هذا الفن
…
إلخ» وثابتٌ في نسخة تلميذه ابن أبي شريف.
وفي كتابةٍ: «الخَبَر» يُطلق لغةً بالمعنى المصدري، أي: الإخبار، نحو قولهم
(1)
: خَبَرُ الفاسقِ لا يُقبَلُ، وبالمعنى الاسميِّ، وهو: ما يُنقَل ويُتحدَّثُ به، وفي عُرف أهل المعاني: ما له نسبةٌ خارجية تطابقه أو لا تطابقه، وفي عُرف أهل الأصول: ما يحتمل الصدق والكذب لِذاتِه مع قطْع النظر عن قائله وعن خصوص الطرفين؛ فدخَلَ المقطوعُ بصِدقه كخبر الله، والمقطوعُ بكَذِبه كخبر مُسيلمةَ الكذاب، [وكقولنا]
(2)
: النقيضان يجتمعان أو يرتفعان، والمراد بالاحتمال: هو التجويز العقليُّ؛ فإنَّ الخبر لا يدل على الكَذِب وضعًا البتَّةَ، وإنما هو احتمال عقْليٌّ، والصدق: مطابَقة حُكمِ الخَبر للواقع، والكذِبُ: عدَمُ مطابقته للواقع، وهذا محترَز.
(1)
في (ب) زيادة: [الأخبار].
(2)
في (هـ): [وقوله].
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
قوله: «عِنْدَ عُلَماءِ هذا الفَنِّ» :
أي: بحسَبِ عُرْفِهم ومُتَفاهَمِ خطابِهم
(1)
، حالٌ من ضمير «مرادف» ، أو لغوٌ [متعلقٌ]
(2)
به، أو بالنسبة الكلاميَّةِ من غير اعتبار لفظٍ على ما جَوَّزه بعضُ المحقِّقين في نظيره، وجَعْلُه حالًا من المبتدأ يأباه غيرُ سيبَوَيهِ، على أنَّ (أ/15) بعضهم قيَّدَ الخلاف بمبتدأٍ لا يصلح للعمل في الحال، وإلا جاءت الحال منه اتِّفاقًا، (هـ/19) ودعوى أنَّه جَرى مَجْرى العلم كالحديث -إنْ [سلَّمته]
(3)
- لا تَمنعُ مراعاةَ أصلِه، ولا يَخْفَاكَ أنَّ المراد: عند جمهور علماء هذا الفنِّ بقرينة المقابل، وبعبارة:«وَالْخَبَرُ عِنْدَ عُلَماءِ هذا الفَنِّ مُرَادِفٌ لِلْحَدِيثِ على الصَّحِيحِ» ، كما أفاده الشارح؛ فيأتي في تعريفه من الخلاف ما جرى في تعريف الحديث، والقولُ بأنَّ الحديثَ أخصُّ من الخبرِ -وهو القول الثالث في كلام الشارح- أشهرُ.
وحَدُّ علم الحديثِ روايةً:
علمٌ يُعْرَفُ به أقوالُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وأفعالُه، وأحوالُه.
وموضوعه:
ذاتُ النبيِّ عليه الصلاة والسلام.
(1)
أي: ما يفهمه بعضُهم من بعضٍ.
(2)
: تكررت [متعلق] في (هـ).
(3)
في (هـ): [سلمت].
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وغايته:
الفوز بسعادة الدارين.
وحَدُّه دِرايةً:
وهو المراد عند الإطلاق، كما قال العِراقيُّ:«فهو عِلمٌ يُعرَفُ به حالُ الراوي والمَرويِّ من حيثُ القَبولُ والردُّ، وما يتعلقُ بذلك من مَعرفة اصطلاحِ أهلِه»
(1)
.
وقيل: هو القواعدُ الكليةُ المعَرِّفَةُ لحال الراوي والمَرويِّ، أي: من حيثُ القَبولُ والردُّ.
وغايتُه:
معرفةُ المقبولِ والمردودِ.
وموضوعه:
الراوي والمرويُّ.
واعلمْ أنَّ السُّنَّةَ إنما تُطلَق على المرفوع اتِّفاقًا، ثم إنَّه جَرَى خلافٌ في تخصيص الحديث بما جاء عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: هل يشملُ تقريرَه؛ فتكونَ السنَّةُ مرادِفةً له؟ أو لا؛ فتكونَ السنَّةُ أعمَّ مِنه؟ أي: من الحديث المرادِف للخبر، وما ذَكَره في «جمع الجوامع» من أنَّ: «السنَّة قولُ النبيِّ عليه الصلاة والسلام، وفعلُه، وتقريرُه،
(1)
شرح التبصرة والتذكرة ألفية العراقي (1/ 97).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[وهَمُّهُ]
(1)
. انتهى»
(2)
؛ يقتضي أنَّ الحديثَ أعمُّ من السنَّة، وهو خلافُ ما مرَّ، ويأتي لهذا مزيدٌ عند قوله:«مرادف للحديث» .
وقوله: «مُرَادِفٌ لِلْحَدِيثِ» :
أي: وللأثر. قال السَّخَاويُّ في قول العِراقيِّ: «الأثري» : «الأثر اصطلاحًا: الأحاديثُ مرفوعةً كانت أو موقوفةً، على المعتمد»
(3)
. وذكر مثله الأنصاريُّ
(4)
.
والسنَّة أَخَصُّ؛ لاختصاصها بما أُضيف إليه صلى الله عليه وسلم قولًا، أو فعلًا، أو تقريرًا؛ فلا يَشملُ الموقوفَ.
وعند أهلِ الأصول: الخبرُ والسنَّةُ مترادِفان، والمراد بهما: قولُه صلى الله عليه وسلم أو فعلُه أو تقريرُه، والحديثُ: قولُه عليه الصلاة والسلام خاصة.
[وسُمِّيَ]
(5)
الحديثُ متْنًا إمَّا من المُماتَنَة، وهي: المباعَدة في الغاية؛ لأنَّ المتْن غايةُ السَّنَد. أو من المتْن، وهو: ما صَلُبَ وارتفعَ من الأرض؛ لأنَّ راوي الحديثِ يُقَوِّيه بالسَّنَد، ويرفعُه إلى قائله.
والسَّنَدُ: طريقُ المتْن، أي: أسماءُ الرواة الذين يَصل إلينا بهم.
والإسناد: حكاية السَّنَد. أي: ذِكْرُ أسماءِ الرواة وكيفيةِ أدائهم المتْنَ إلينا.
(1)
في (أ): [وهمته].
(2)
ينظر: تشنيف المسامع بجمع الجوامع (2/ 899)، الغيث الهامع شرح جمع الجوامع (ص 384).
(3)
فتح المغيث بشرح ألفية الحديث (1/ 17).
(4)
في شرحه: فتح الباقي بشرح ألفية العراقي (1/ 87).
(5)
في (هـ): [مسمى].
وَقيلَ: «الحَديثُ» : ما جَاءَ عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وعلى آلهِ وسلَّمَ. و «الخَبَرُ» : ما جاءَ عن غَيْرِهِ، وَمِنْ ثَمَّ قيلَ لمَنْ يَشْتغلُ بالتَّواريخِ وما شاكَلَها: الإخبارِيُّ، ولمَنْ يشتغلُ بالسُّنَّةِ النَّبويَّةِ: المُحَدِّثُ.
[قوله]
(1)
: «وَقِيلَ: الْحَدِيثُ: مَا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ. وَالْخَبَرُ: مَا جَاءَ عَنْ غَيرِهِ» :
فلا يُطلقُ الحديثُ إلَّا على ما كان مرفوعًا؛ بقرينة المقابل، وبقرينة قوله: «ومِن ثَمَّةَ
…
إلخ»، وعلى هذا قيل: بينهما تباينٌ؛ فلا يُطلق الحديثُ على غير المرفوع إلَّا بشرط التقْيِيد، فيُقال: هذا حديثٌ موقوفٌ، أو مقطوعٌ. وعُزِيَ هذا القولُ لكثيرين.
تنبيه:
تركُ الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم عند ذِكْرِهِ هنا خطأٌ؛ فلعله أَتى بهما لفظًا
(2)
.
وعمومُ قولِه: «والحديثُ ما جاء عن النبيِّ» يشملُ: الكلمةَ والكلامَ، كما يشملُ: القولَ والفعلَ، والتقريرَ والصفةَ، بل يَصْدُقُ على الحركات الإعرابيَّةِ والبنائيَّةِ، والإعلالاتِ الصَّرفيَّةِ كالسَّكَناتِ أيضًا.
[قوله]
(3)
: «وَمِنْ ثَمَّةَ قِيلَ لِمَنْ يَشْتَغِلُ بِالتَّوَارِيخِ وَمَا [يُشَاكِلُهَا]
(4)
: الْأَخْبَارِيُّ. وَلِمَنْ يَشْتَغِلُ بِالسُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ: الْمُحَدِّثُ»:
أي: ومن أجْل التبايُن بين الحديث والخبر؛ «قيل لمن يشتغل بـ -علم- التواريخ» جمع تاريخ، وهو: التعريفُ بوقتٍ يُضبَطُ به ما يُراد ضبطُه من نحو: وِلادةٍ ووفاةٍ وما يشاكِلُها من القَصص (هـ/20) والحكايات والمناقب التي لا تَرجع للنبيِّ عليه الصلاة والسلام بوجهٍ، بقرينة السابق واللاحق.
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
وهي ثابتة في مطبوع النزهة.
(3)
زيادة من: (أ) و (ب).
(4)
في مطبوع النزهة [شاكلها].
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
«الأخباريُّ» [أي]
(1)
: أُطلق عليه هذا الفعل مخصوصًا به؛ فهو نائبُ فاعلٍ، قيل: وإنْ كان مفردًا لإرادةِ لفظِهِ، مثل:{يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ] {الأنبياء: 60} على الراجح، ولا يَخْفَاك أنَّ فيه النسبةَ إلى الجمعِ، وذلك صحيحٌ هنا؛ لأنَّ الجمعَ ثلاثةُ أقسامٍ:
قسمٌ أُهْمِلَ وَاحِدُهُ كعَبَادِيد، وقسمٌ له واحدٌ شاذٌّ كمَلامِح، وقسمٌ له واحدٌ قياسي؛ فالأول يُنسب إلى لفظه كعباديديّ، ونَسب أبو زيد [محمد]
(2)
الثاني إلى لفظه كالأول أيضًا فقال: مَلاميحيّ، وغيره نَسب فيه إلى واحده الشاذ، فقال: لمحيٌّ؛ لأنَّ واحده لَمْحَة، والثالث: إنْ غُلِّب يُنسَب إلى [لفظه]
(3)
، فيقال في النسب إلى [الأنصار]
(4)
والأبناء -وهم قوم من أبناء فارس-: أنصاريّ، وأبنائيّ، وإن لم يُغَلَّب نُسِب إلى واحِدِه؛ فيقال في النسب إلى الفرائض: فَرَضِيّ. وإن كان الأصل: فَرِيضِيّ.
والظاهر على هذا القول: إنَّ الأَخبار مما غُلِّب.
وشَمِل قولُه: «السنَّة النبويَّة» الروايةَ والدرايةَ، (أ/16) والظاهرُ أن النعت كاشفٌ؛ إذ لا تُطلَقُ عُرفًا إلا كذلك.
تنبيه:
كلامُه هنا فيه العطفُ على مَعمُولَي عاملٍ واحدٍ: «فلمن يشتغل» عطف على: «لمن يشتغل» ، و:«المحدثُ» عطف على: «الأخباريُّ» ، وكلاهما معمول لـ:«قيل» ، وهو جائز.
وقوله: «ومِن ثَمَّةَ» -بفتح المثلثة- أصله اسم إشارة للمكان البعيد، زيدت عليه التاءُ لتأنيثِ اللفظ، ثم استُعِيرَ للتعليل.
(1)
في (هـ): [أن].
(2)
زيادة من (ب).
(3)
في (هـ): [لفظه منه]، وفي (ب):[لفظه منه إلى].
(4)
في (هـ): [إلى الأرض نصار].
وقيلَ: بَيْنهما عُمُومٌ وخُصُوصٌ مُطْلقٌ، فَكُلُّ حَديثٍ خبرٌ من غيرِ عَكْسٍ.
وَعبَّرْتُ هنا بالخَبَرِ؛ ليكونَ أشملَ، فهو باعتبارِ وصولِهِ إِلينا إِمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ طُرُقٌ، أَيْ: أسانيدُ كثيرةٌ؛ لأنَّ «طُرُقًا» جمعُ «طريقٍ» ، و «فعيلٌ» في الكثرةِ يُجْمَعُ على «فُعُلٍ» -بضَمَّتَينِ- وفي القِلَّةِ على «أَفْعِلَةٍ» .
[قوله]
(1)
: «وَقِيلَ: بَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مُطْلَقٌ؛ فَكُلُّ حَدِيثٍ خَبَرٌ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ» : «فكل حديث خبر من غير عكس» أي: لُغويٌّ، وإلَّا فالصناعيُّ [صحيحٌ]
(2)
؛ إذ لو قيل: بعضُ [الخبرِ]
(3)
حديثٌ كان صحيحًا.
[قوله]
(4)
: «وَعَبَّرَ هُنَا بِالْخَبَرِ؛ لِيَكُونَ أَشْمَلَ» : أي: ليكونَ التقسيمُ أشملَ؛ إذ يُستفادُ منه جَريانُه فيما جاء عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وفيما جاء عن غيره، أمَّا على [الترادف]
(5)
فظاهرٌ، وكذا على الثالثِ؛ إذ كلُّ ما ثَبَتَ للأعم يثبُتُ للأخصِّ كما ذكرهُ المؤلف، واعتراض (ق)
(6)
عليه غيرُ ظاهرٍ، وأَمَّا على الثاني فلأنَّه إذا اعْتُبِرَتْ هذهِ الأمورُ في الخبرِ -الذي هو واردٌ عن غير النبيِّ عليه الصلاة والسلام فلأنْ يُعْتَبَرَ [ذلك]
(7)
فيما وَرَدَ عنه -وهو الحديث- أَوْلَى، وأَمَّا رُجُوعُ ضميرِ «ليكون» [للتعبير]
(8)
ففيه نظرٌ؛ إذ الخبرُ على القولين الأَولَينِ ليس بأشملَ من الحديث؛ لأنَّ المرادِفَ للشَّيء والمباينَ لهُ لا يقال:
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
في ب: [خير].
(3)
زيادة من (ب).
(4)
زيادة من: (أ) و (ب).
(5)
في (هـ): [المترادفة].
(6)
حاشية ابن قطلوبغا على شرح نخبة الفكر (ص 26).
(7)
في (ب) و (هـ): [يتيسر].
(8)
في (هـ): [للتعسير].
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
إنَّه أشملُ مِنه. انظر (ج)
(1)
.
[قوله]
(2)
: «فَهُوَ بِاعْتِبَارِ وُصُولِهِ إِلَيْنَا» :
قُيِّدَ بذلك لأجْل تقسيمِه باعتبار انحصارِ طُرُقِه في عددٍ معينٍ وَعَدَمِه؛ إذ ليس ذلك إلَّا بالنَّظر لوصوله إلينا، لا باعتبار ذاته، ولا باعتبار معناهُ.
[قوله]
(3)
: «إَمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ طُرُقٌ
…
إلخ»:
يَشملُ: الطُّرقَ المتفِقةَ لفظًا ومعنًى، أو معنًى فقط؛ فالأولُ هو [التواترُ]
(4)
اللفظيُّ، والثاني هو [التواترُ]
(5)
المعنويُّ، وضابطُه: أنْ يختلفوا في اللفظ والمعنى بوجهٍ ما مع الاتفاقِ على وجود معنًى كليٍّ، كما إذا أَخبر واحدٌ عن حاتمٍ بأنَّه أَعطَى دينارًا، وآخرُ بأنَّه أَعطَى فرَسًا، وهَلُمَّ جَرًّا؛ إذ قد اتَّفَقوا على وجود معنًى كليٍّ هو الإعطاءُ المُنْبِئُ عن الكرَمِ.
[قوله]
(6)
: «لِأَنَّ طُرُقًا جمع طريقٍ» :
علةُ لإفادة [طُرقٍ]
(7)
القلةَ، وطريق: يُذَكَرُ ويُؤَنَثُ، وهو فَعِيلٌ بمعنى مَفْعُولٌ، أي: مَطْرُوقٌ، بمعنى مَمَرُور فيه، إذ هو محل الاسْتِطْرَاقِ.
(1)
حاشية الأجهوري على شرح نخبة الفكر (ص 96).
(2)
زيادة من: (أ) و (ب).
(3)
زيادة من: (أ) و (ب).
(4)
في (هـ): [المتواتر].
(5)
في (هـ): [المتواتر].
(6)
زيادة من: (أ) و (ب).
(7)
في (أ): [طرقا].
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[قوله]
(1)
: «وَفَعِيلٌ فِي الْكَثْرَةِ يُجمَع على فُعُل -بضمتين-» :
لا خصوصية له بذلك، بل الشرط: أنْ يكون اسمًا رُباعيًّا، فيه مَدٌّ قبل آخِرِهِ، صحيحَ اللَّامِ، نحو: قَضِيب وقُضُب، وعَمُود وعُمُد. فإن كانت المدَّةُ ألِفًا اشْتُرط مع ذلك: ألَّا يكونَ مُضاعَفًا، نحو: قَذَال وقُذُل؛ ليَخرُجَ نحو: بَتَات، (هـ/21) وزِمَام، فلا يقال فيها: بُتُت، ولا زُمُم. فلو كان وصفًا فإن كان على فَعُول لا بمعنى مَفْعول نحو: صَبُور وصُبُر. جازَ جَمْعُه على فُعُل وإلا فلا، كما هو مَبسوطٌ في مَحِلِّه، ومُرادُهم بالاسم: مقابِلُ الصِّفة؛ فلا يَرِدُ: كريم، ونحوه.
تنبيه:
ما ذكرناه مِنْ أنَّ التعليل لوَجْهِ إفادة «طُرُقٍ» الكثرةَ ودِلالَتِها عليها ناقش فيه (ق)
(2)
بأنَّ: هذا الدليل إنما يفيدُ المُدَّعَى إذا كان لطريق جمعَ قلةٍ، وإمَّا إذا لم يكن لطريق جمعَ قلةٍ فلا يفيدُ ذلك؛ لأنَّه حينئذٍ يُستَعمَل فيهما، فلا يَدُلُّ استعمالُه على الكَثْرة، قال:«فلو استُدِلَّ بجعل التنوين للتعظيم والتكثير كان ظاهرًا. انتهى» ؛ ورُدَّ بأنَّ أئمة اللغة كالجوهريِّ قالوا: «إنَّه يُجْمَعُ في القلة على أَطْرِقَة»
(3)
.
قلتُ
(4)
: هو لم يُنكِر جَمعَه في القلة على أَطْرِقَة كما هو بَيِّنٌ، نعم يَتَوَجَّهُ الرّدُّ عليه: بأنَّ أئمةَ اللغةِ مَنَعَتْ مجيء طُرُقًا للقلة -كما لا يخفى-، ولعل الرَّادَّ
(5)
فَهِمَ [عند]
(6)
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
حاشية ابن قطلوبغا على شرح نخبة الفكر (ص 25 - 26).
(3)
الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (4/ 1513).
(4)
أي اللقاني والنقل من قضاء الوطر كما سوف يأتي.
(5)
وهو المناوي رحمه الله.
(6)
سقط من مطبوع قضاء الوطر.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الاستغناء الوضعيِّ وليس كذلك، إنَّما أراد الاستغناء الاستعماليَّ مع القرينة، ولا شك أنَّ احتمالَه قادحٌ في الدِلالَة، ألا تَراُه يقول:«فلو استُدِلَّ بجعل التنوين للتكثير والتعظيم كان ظاهرًا» ، [وممن]
(1)
وصرحَ بالاستغناء الوضعيِّ والاستعماليِّ: ابنُ مالك في التسهيل
(2)
، وسلَّمه المُرَاديُّ
(3)
والأُشمُونيُّ
(4)
وغيرُهما.
قال الشاطبيُّ: «وحقيقةُ الاستغناء الوضعيِّ: أنْ تكون العربُ لم تضع أحد البنائين استغناءً عنه بالآخر، وحقيقةُ الاستعمالي: أنْ [تكون]
(5)
وضعتهما معًا ولكنها استغنت في بعض المواضع عن أحدهما بالآخر».
(6)
كما قاله (هـ)
(7)
.
[قوله]
(8)
: «وَفِي الْقِلَّةِ عَلَى أَفْعِلَةٍ» : أي: ويُجمَعُ فَعِيل وبابُه في حال إرادةِ القلة على أَفْعِلَة، كرَغيف وأَرْغِفَة، وطَريق وأَطْرِقَة، كما حَكَى جَمْعَهُ على أَطْرِقَةٍ جمعٌ، منهم: الجوهريُّ في صِحاحه
(9)
، والمَجدُ في قاموسه
(10)
، وغيرُهما.
(1)
زيادة من المطبوع.
(2)
شرح التسهيل لابن مالك (2/ 100).
(3)
ينظر: توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك (1/ 207).
(4)
ينظر: شرح الأشمونى لألفية ابن مالك (1/ 266)، (2/ 21).
(5)
في (هـ): [يكون].
(6)
الظاهر أنه أبو إسحق إبراهيم بن موسى الشاطبي (المتوفى 790 هـ)، وانظر هذا المبحث في المقاصد الشافية (4/ 379).
(7)
قضاء الوطر (1/ 459)، باختلاف يسير.
(8)
زيادة من: (أ) و (ب).
(9)
الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (4/ 1513).
(10)
القاموس المحيط (ص 903).
والمُرَادُ بالطُّرُقِ: الأسانيدُ، وَالإِسنادُ حكايةُ طريقِ المَتْنِ.
وتلكَ الكثرَةُ أَحدُ شُروطِ التَّواتُرِ إِذَا وَرَدَتْ بِلَا حَصْرِ عَددٍ مُعَيَّنٍ، بل تكونُ العادةُ قد أَحَالتْ تَوَاطُؤهُم على الكذِبِ، وكذا وقوعُهُ منهُم اتِّفاقًا مِن غيرِ قصدٍ.
فلا مَعْنى لِتعْيينِ العَدَدِ على الصَّحيحِ، وَمِنْهُم مَنْ عيَّنَهُ في الأربعةِ. وقيلَ: في الخَمْسةِ. وقيل: في السَّبعةِ. وقيلَ: في العشرةِ. وقيلَ: في الاثنَيْ عَشَر. وقيلَ: في الأربعينَ. وقيلَ: في السَّبعينَ، وقيلَ غيرُ ذلك.
[قوله]
(1)
: «وَالْمُرَادُ بِالطُّرُقِ: الْأَسَانِيدُ» :
في بعض النسخ زيادة هنا، ولو أبدل الواو بالفاء تفريعًا على تفسيره الطرقَ بالأسانيدِ إفادةً لإرادَتِها عند الإطلاقِ كان أَوْلَى، وله تتمةٌ فيما بعدُ. (أ/17)
[قوله]
(2)
: «[وَالْإِسْنَادُ:]
(3)
حِكَايَةُ طَرِيقِ الْمِتْنِ»:
طريقُهُ المحكيَّةُ عن الرواة الذين وصل إلينا بهم، والحكايةُ: ذِكْرُ أسمائِهم وكيفيةِ أدائهم المتنَ إلينا.
[قوله]
(4)
: «وَتِلْكَ الْكَثْرَةُ أَحَدُ شُرُوطِ التَّواتُرِ إِذَا وَرَدَتْ بِلَا حَصْرِ عَدَدٍ مُعَيَّنٍ» :
أي: بلا شرطِ حصرِ عددٍ معيَّنٍ، وإلَّا فالطرق متناهيةٌ قطعًا، فهي في نفْسها معيَّنةٌ، فالمراد: ألَّا يُؤخَذَ في مفهومه التعيِين لا أنْ يؤخذ عدمُ التعيِين، فالمعتبَر: بلُوغُهم حَدًّا يَمتنِعُ معه عند العقلِ تواطُؤُهم على الكذب، والضابطُ: حُصولُ العلم، أي: بنفْسه؛ ليَخْرُجَ ما إذا حصَلَ له العلمُ بالقرائن، أو بموافقةِ دليلٍ عقليٍّ، أو غير ذلك؛ لأنَّ المفيدَ هو مع غيره، والأصحُّ: أنَّه لا يُشترطُ في المتواترِ
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
زيادة من: (أ) و (ب).
(3)
في (هـ): [الأسانيد]، وهي الموافقة لمطبوع النزهة.
(4)
زيادة من: (أ) و (ب).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
إسلامٌ في راويه، ولا عدمُ احتواءِ بلدٍ عليهم؛ فيجوز أن يكونوا كفَّارًا، أو [أنْ]
(1)
يحويَهُم بلدٌ، وقيل: لا يجوز ذلك؛ لجواز تواطُئِ الكفَّار وأهلِ بلدٍ على الكذِب؛ فلا يفيد [خبرُهم]
(2)
العِلمَ.
وفي قوله: «بَلْ تَكُونُ العَادَةُ قَدْ أَحَالَتْ تَوَاطُؤَهُمْ عَلَى الْكَذِبِ» :
إشارةٌ إلى أنَّ المعتبَرَ الاستحالةُ العاديَّةُ لا العقليَّةُ، وأنَّ مَنْ أَسند الاستحالة للعقل كأنْ يقول: يُحيلُ العقل تواطؤهم
…
إلخ، أراد أنَّ العقلَ لا يُجَوِّزُ ذلك من حيثُ الإسنادُ للعادةِ، وإلَّا فالتجويزُ العقليُّ لا يَرتَفِعُ وإن بلغَ العددُ ما عسى أنُ يَبلُغَ.
[وقوله]
(3)
: «تَوَاطُؤَهُمْ» : أي: توافُقُهم في [الإخبار بخبرٍ]
(4)
غيرِ مطابقٍ بأنْ يَتوارَدوا عليه، لا توافُقُهم على أنَّ كلًّا منهم يُخْبِرُ بكذا.
[قوله]
(5)
: «وَتِلْكَ الْكَثرَةُ» : أي: المعتبَرةُ شرطًا في طرقِ المتواتر، وبه ظَهَرَ أنَّ قوله: «بِلَا حَصْرِ
…
إلخ» (هـ/22) شرطٌ في جزء مدلول طرق، لكنْ لا ضرورةَ إليه؛ لجواز كونه شرطًا في نفس الطرقِ الكثيرة، والظاهرُ أنَّ:«بلْ» هنا للانتقال؛ لأنَّ سلبَ الحصر عن العدد المعيَّن لا يفيدُ ضابطًا مُطَّرِدًا بخلافِ ما بعدَ: «بلْ» ، وإحالةُ العادةِ التواطؤَ لا يَضرُّ معه مُجرَّدُ التجويزِ العقليِّ بخلافه.
(1)
زيادة من (ب).
(2)
في (ب): [جزم].
(3)
هذه الفقرة قدمت في المخطوط على فقرة شرحها ولعلها سبق من الناسخ والله أعلم.
(4)
في (هـ): [الانجاز بخير].
(5)
زيادة من: (أ) و (ب).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
تنبيه:
في كلامه إخراجُ خبر الآحاد المفيد العلم
…
إلخ. بالقرائنِ الخارجيَّة؛ فإنَّ [العادة]
(1)
لم تساعدْ على ذلك بلِ القرائنُ.
وقوله: «وَكَذَا وُقُوعُهُ مِنْهُمُ اتِّفَاقًا عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ» :
هذا مِمَّا زاده [على]
(2)
الكثير [المقتصرين]
(3)
على ما قبْلَه فقط، والظاهرُ إِغْناءُ الأولِ عنه، وأنَّ العادةَ متى أحالتِ الأولَ أحالتِ الثانيَ؛ فليست الزيادةُ ضروريَّةً.
وقوله: «اتِّفاقًا» يُغْني عن [قوله: «عن]
(4)
غير قصد».
و [لك]
(5)
أنْ تقولَ: المقصودُ بالذاتِ بوضع هذه المقدمة وشرحِها إنَّما هو المبتدئُ، ولا يَدفَع الاشتباهَ عن قوله:«اتِّفاقًا» عنده إلا تعقبُه «عن غير قصد» تفسيرًا له كما هو بيِّنٌ.
وقوله: «فلا مَعْنَى لِتَعْيِينِ العَدَدِ على الصَّحِيحِ» :
بل على الصواب، هو صفة لموصوف محذوف: القولِ أو المذهبِ.
[قوله]
(6)
أي: ومِنَ العلماء مطلقًا؛ لتكلُّم أرباب الفنون على المتواتر، وضمير «عيَّنَهُ» راجع للعدد لا لقيدٍ، والمرادُ: عيَّنَ أقلَّ عدده كما يأتي.
(1)
في (هـ): رسمت [الهادة]، وهو تصحيف.
(2)
زيادة من (ب).
(3)
في (هـ): [للتنظيرين].
(4)
زيادة من (ب) و (هـ).
(5)
في (أ) و (ب) و (هـ): [ولكن]، ولعل ما أثبتناه الأنسب.
(6)
زيادة من: (أ) و (ب).
وتَمَسَّكَ كُلُّ قائلٍ بدليلٍ جَاءَ فيه ذِكرُ ذلكَ العَدَدِ، فأفَادَ العِلْمَ، وليسَ بِلَازِمٍ أَنْ يَطَّرِدَ في غَيْرِهِ؛ لاحْتِمَالِ الاخْتِصَاصِ.
[قوله]
(1)
: «تَمَسَّكَ كُلُّ قَائِلٍ بِدَلِيلٍ جَاءَ فِيهِ ذِكْرُ ذَلِكَ الْعَدَدِ، فَأَفَادَ الْعِلْمَ» :
فتَمَسَّكَ القائلُ بكفاية الأربعة بثبوتِ الزنا بشهادتهم، فلولا أنَّ خبرَهم مُحَصِّلٌ للعلم لوجبتْ الزيادةُ فيه عليهم؛ صَونًا لنفْس المسلم عن التلف بالظنِّ.
وَرُدَّ بوجوب التزكية، وجواز أنَّها المحصِّلة للعلم بذلك.
وتَمَسَّكَ القائلُ بكفاية الخمسة: بأنَّها ارتفعت عن رتبةٍ أعظم ممَّا يَحْتَاجُ إلى التزكية.
وَرُدَّ بأنَّ زيادة الواحدِ لا تُوجِبُ عِلْمًا؛ ولذا قلنا لا بُدَّ في التزكية مِنْ عَدْلَين.
وتَمَسَّكَ القائلُ بكفاية السبعة: باشتمالها على ثلاثة أنصبةِ الشهادةِ.
وَرُدَّ بأنَّ هذه الأنصبةَ ليس فيها إلا ضَمُّ ظنِيٍّ لظنيٍّ، فإنَّ الواجب على الحاكم العملُ بغلبة الظنِّ، ولا شكَّ في حصولِها بشهادة مَن ذُكِرَ، وإن تفاوتت قوَّةً وضعفًا، لا العِلْم؛ لعدم اعتبارِه في كثيرٍ من أحكام الشَّرع.
وتَمَسَّكَ القائلُ بكفاية العَشَرة: بأنَّها ارتفعت عن مرتبة الآحادِ وهي ما دونها، أو لأنَّها ارتفعت عن جموع القلة.
وكلاهما ضعيفٌ.
وتَمَسَّكَ القائلُ بكفاية الاثنَيْ عَشَرَ: بأنَّه عدد النقباء في قوله تعالى: {وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا] {المائدة: 12} ، بُعثوا كما قال أهل التفسير للكَنْعانيين بالشام طليعةً لبني إسرائيل -المأمورين بجهادهم فَرْضًا- ليخبروهم بحالهم الذي لا يُرْهَبُ؛ [فكونهم]
(2)
على هذا العدد ليس إلَّا أنَّه أقلُّ ما يفيدُ العلمَ المطلوبَ في مثل ذلك.
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
في (هـ): [فكرتهم].
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وتَمَسَّكَ القائلُ بكفايةِ الأربعينَ: بأنَّ الله تعالى قال: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ] {الأنفال: 64} (أ/18) وكانوا كما قال أهلُ التفسير: أربعين، كمَّلَهُم عُمَرُ بدعوة النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فإخبارُ اللهِ عنهم بأنهم كَافُوا نبيَّه يستدعي إخبارَهم عن أنفسهم بذلك ليطمئنَّ قلبُه؛ فكونهم على هذا العدد ليس إلَّا لأنَّه أقلُ ما يفيدُ العلمَ المطلوبَ (هـ/23) في مثل ذلك.
[وتَمَسَّكَ القائلُ بكفاية السبعين: بأنَّ الله قال: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا]{الأعراف: 155} ، أي: للاعتذار إلى الله تَعَالَى من عبادة العجل، ولسماعِهم كلامَه من أمرٍ ونهي، ليُخبِروا قومَهم بما يسمعونه؛ فكونهم على هذا العدد ليس إلَّا لأنَّه أقلُّ ما يفيدُ العلمَ المطلوبَ في مثل ذلك.
وتَمَسَّكَ القائلُ بكفاية العشرين: بأن الله تَعَالَى قال: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ] {الأنفال: 65} ، فيتوَقَّفُ بعثُ عشرينَ لمائتينِ على إخبارهم بصبرهم؛ فكونُهم على هذا العدد ليس إلا لأنَّه أقلُّ ما يفيدُ العلمَ المطلوبَ في مثل]
(1)
ذلك.
وتَمَسَّكَ القائل بكفاية الثلاثِمائة وبِضْعةَ عشَرَ: بأنَّهم عددُ أهلِ غزوة بدر، والبِضْعُ -بكسر الباء وقد تفتح-: ما بيْن الثلاثِ إلى التِّسْعِ، وزاد أهل السِّيَرِ زيادةً فيها: وهي البطشة الكبرى التي أعزَّ اللهُ بها الإسلام؛ ولذلك قال المصطفى لعُمَرَ فيما رواه الشيخان: «وَمَا يُدْرِيكَ؟! لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ»
(2)
؛ وهذا لاقتضائه زيادةَ احترامِهم يستدعي التنقيبَ عنهم ليُعرَفُوا، وإنما يُعرَفُون بأخبارهم؛ فكونُهم على هذا العدد
(1)
هذه الفقرة زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
البخاري (3007)، ومسلم (2494).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[المذكور]
(1)
ليس إلَّا لأنَّه أقلُّ ما يُفيدُ العلمَ المطلوبَ في مثل ذلك.
وأُجيبَ بمنع الليْسِيَّة في الجميع، كما أشار إليه الشارح بقوله:«وَلَيْسَ بِلَازِمٍ أَنْ يَطَّرِدَ فِي غَيْرِهِ» .
أي: في غير ما [أفاد]
(2)
فيه ذلك الدليلُ العلمَ، وفي عبارة أي: وليس تمسُّكه به بشيء؛ لأن ذلك العددَ وإن أفاد العلم في أمرٍ ما فليس بلازم أنْ يَطَّرِدَ في غيره.
تنبيه:
ما ذكرْناه في التمسُّكات هو في: «شرح مِنهاج الأصول»
(3)
و «جمع الجوامع»
(4)
باللفظ، وبه يسقط قول (ق)
(5)
: «لم يُرِدِ الأربعة والخمسة والسبعة والعشرة والأربعون في دليل إفادة العلم أصلًا؛ فلا يصحُّ أن يُقال في هذه: «وليس بلازم أن يطرد في غيره» . انتهى»، على أنَّ قولَ الشارحِ: «وليس بلازم
…
إلخ» جوابٌ على التَنَزُّلِ وعدمِ التسليمِ، وهو مُشْعِرٌ بمنعِ إفادةِ الواردِ العلمَ إلا بدعوى القائلِ؛ فلا تكن من الغافلين، ولا يُحتاج [مع]
(6)
هذا لقولك: إنَّ المؤلف مِنَ الحفاظ
(7)
المتقِنين.
وقوله: «لاحتِمالِ الاخْتِصاصِ» :
علةٌ لعدَم الاضطِّراد، لا يُقال: الأصل عدم الخصوصية؛ لأنَّا نقول: هذا لا ينفي الاحتمال، قاله (هـ)
(8)
.
(1)
من هنا بداية سقط من النسختين (أ) و (هـ)، وتكرر في (ب) من قوله [تنبيه: في كلامه إخراج خبر الآحاد] إلى هنا مع زيادة بآخره [وإحالة العادة التواطؤ لا يضر معه مجرد التجويز العقلي بخلافه].
(2)
في (هـ): [أفاد عند].
(3)
تيسير الوصول إلى منهاج الأصول (4/ 279).
(4)
تشنيف المسامع بجمع الجوامع (2/ 948).
(5)
حاشية ابن قطلوبغا على شرح نخبة الفكر (ص 27).
(6)
زيادة من (ب).
(7)
في (ب) زيادة [من].
(8)
قضاء الوطر (1/ 472).
فإذا وَرَدَ الخَبَرُ كَذلكَ، وانْضافَ إليهِ أَنْ يَسْتَويَ الأمْرُ فيهِ في الكثرةِ المَذْكورةِ من ابتدائِهِ إلى انتهائِهِ -والمُرَادُ بالاستواءِ أَلَّا تَنْقُصَ الكَثْرَةُ المَذكورةُ في بعضِ المَواضِعِ لا أَلَّا تَزيدَ؛ إذ الزِّيادَةُ هُنا مَطْلوبةٌ مِن بابِ أَوْلَى- وأَنْ يكونَ مُسْتَنَدُ انتهائِهِ الأمرَ المُشاهَدَ أَو المَسْموعَ، لَا مَا ثَبَتَ بِقَضِيَّةِ العَقْلِ الصِّرْفِ.
[قوله]
(1)
: «فإذا وَرَدَ الخَبَرُ كذلك» :
أي: بطُرُق كثيرةٍ. وقولُه الآتي: «فهذا هو المتواتر» جوابٌ لـ: «إذا» الثانية، والثانية وجوابُها جوابُ لـ:«إذا» هذه، انظر شرح (ج)
(2)
.
[قوله]
(3)
: «وانْضافَ إليهِ أَنْ يَستويَ الأمْرُ فيهِ في الكثرةِ المذكورةِ مِنَ ابتدائِهِ إلى انتهائِهِ» :
[قوله]
(4)
: «إليهِ» : أي: إلى وارِدِهِ كذلك، والمراد بالأمر: الشأنُ والحال، و «أنْ يَستويَ»: فاعلُ «انضاف» ، والمراد من الابتداء [طُرُق]
(5)
وصولِه إلينا، وبالانتهاءِ المحسوسُ الذي هو مستنَدُ الإخبار، وهذا هو المتواتر الذي يَنصرِف إليه الاسمُ عند الاطلاق، وهو المتواتر في جميع طبقاته، وأمَّا متواتر الأول فقط، أو متواتر الآخر فقط، أو الوسط فقط، أو اثنين منها؛ فلا يُطلَقُ عليه ذلك إلا مقيدًا بما ذُكر.
[قوله]
(6)
: «والمرادُ بالاستواءِ: أَلَّا تَنْقُصَ الكَثْرَةُ المذكورةُ
…
إلخ»:
وهي عند الجمهور: بلوغُ العدد [حدًّا]
(7)
يَمتنعُ معه التواطؤُ على الكذب
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
حاشية الأجهوري على شرح نخبة الفكر (ص 107).
(3)
زيادة من: (أ) و (ب).
(4)
زيادة من: (أ) و (ب).
(5)
في (أ): [طرف].
(6)
زيادة من: (أ) و (ب).
(7)
زيادة من (أ).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ووقوعُه من غير قصد، وعند غيرهم: بلوغُ الأعداد التي عَيَّنوها، والحق: أنَّها التي إذا نقَصَ العددُ عنها جَوَّزت العادةُ وقوعَ [الكذب]
(1)
على نقَلَتِه على المشهور؛ [فلا يَرِدُ نقصان إلّا يزيد عنها إليها]
(2)
، وفي هذا إشارةٌ إلى أنَّ الأعداد المعيِّنة لعدد التواتر عند القائلين بها ليست بيانًا إلَّا لأقلِّ عددٍ يحصُلُ به العلم عند ذلك القائل، وأمَّا أكثرُه فلا حد له.
تنبيهان:
الأول: تعبيرُه هنا وفيما قبْله بالكثرة معرَّفًا بـ «الـ» العهديةِ صريحٌ في اعتبار الكثرة المُشترَطة من غير اعتبار عددِ معيَّن؛ فيَصدُقُ بأيِّ كثرةٍ كانت، سواءٌ كانت أقلَّ مراتبِ دَلالةِ جمع الكثرة أو لا؛ إذ الكثرة
(3)
والقِلَّةُ أمران نسبيان، والكلام في اعتبار الكثرة، لا في اعتبار الجموع؛ [فالحُكمُ]
(4)
على المِتْن والشرح بالتناقض لاعتباره كثرة مدلولِه للجمع، وأقلُّها عشَرةٌ ثم أوردها
(5)
في هذه المواضع كلِّها، مع قوله:«بلا حَصرٍ» النافي لكل عدد معين ساقطٌ بهذا. (هـ/24)
الثاني: جزَمَ صاحب «جمع الجوامع»
(6)
بأنَّه: لا يكفي الأربعة في عدد نَقَلةِ المتواتر، وأنَّ (أ/19) ما زاد على الأربعة صالحٌ لأنْ يكفيَ [في]
(7)
عدد نقلته من غير ضبط بعدد معين، فتَوقَّفَ القاضي أبو بكرٍ الباقلانيُّ في الخمسة [هل
(1)
زيادة من (أ).
(2)
كذا (أ).
(3)
في مطبوع قضاء الوطر (فالكثرة).
(4)
في (هـ): [والحكم].
(5)
في مطبوع قضاء الوطر (إيرادها).
(6)
الغيث الهامع شرح جمع الجوامع (ص 408)، تشنيف المسامع بجمع الجوامع (2/ 947).
(7)
زيادة من (ب).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
يكفي أم لا]
(1)
مع جزمه بأنَّ الأربعة لا تكفي؛ لاحتياجهم إلى التزكية.
وفيه نظرٌ لوجوب التزكية فيما لو شَهِد خمسة بالزنا- أيضًا-، إلَّا أنْ يقول: إنَّ وجوب التزكية في هذه الحالة لتُعلمَ عدالةُ أربعة منها؛ لأنَّ الخمسة قد يُفيد خبرُها العلمَ فلا تجب التزكيَّة، وقد لا يفيد فيُعلَم كذِبُ واحدٍ، فعند الاحتمال وَجَبت التزكية ليُعلم عدالةُ الأربعة وصدقُهم، بخلاف الأربعة؛ فإنَّه إذا كذَبَ واحد منهم لم يَبق نصابُ شهادة الزنا.
وقد يُجاب عن أصل استدلال القاضي بأنَّ أمر الشهادة أضيقُ، وبالاحتياط أجدر، كذا في العضد
(2)
والسعد في حاشيته قاله (هـ)
(3)
.
وقوله: «إذِ الزِّيادةُ هُنا مَطلوبةٌ
…
إلخ»:
عبارة فيها حَزازَة
(4)
، والأليقُ أن يُقال: إذ الزيادة هنا أَولى في حصول المقصود، أو أبلغُ في حصول المقصود، مثلًا.
[قوله]
(5)
: «وأَنْ يَكونَ مُسْتَنَدُ انتهائِهِ الأمرَ المُشاهَدَ أو المَسموعَ، لا مَا ثَبَتَ بِقَضِيَّةِ العَقْلِ الصِّرْفِ» : عطفٌ على «أَنْ يَستويَ الأمْرُ فيهِ» ، والمراد بالأمر هنا: المخبَر عنه، والمراد بالـ:«المشاهَدَ» ما يدرك بالحواسِّ الخمس الظاهرة غير السمع؛ بدليل عطفه عليه، وخرَجَ ما كان مستندُ الإخبار فيه: الخبر؛ لجواز وقوعه عنه بالاجتهاد.
(1)
زيادة من مطبوع قضاء الوطر.
(2)
عضد الدين الإيجي، عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الغفار، أبو الفضل. راجع: الدرر الكامنة (2/ 324) وما بعدها.
(3)
قضاء الوطر (1/ 473 - 474).
(4)
أي نُفرة. ينظر: لسان العرب (5/ 335).
(5)
زيادة من: (أ) و (ب).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وفي كتابةٍ: قيل: وإنما خص «المُشاهَد» و «المسموع» بالذِّكر؛ اعتبارًا بالغالب، وإلَّا فالشرط انتهاؤه إلى مُطلَق الحسِّ الشامل للحواسِّ الخمس الظاهرة. وقيل: لأن الكلام في المتواتر من أقوال الرسول [و]
(1)
أفعاله [أو تقاريره]
(2)
، وما ذُكر منحصرٌ فيها، أو ترك غيرها للمُقايسة. وقيل: المراد بالمشاهدة ما يقابل الغَيبة؛ فيَعُمُّ أنواعَ الإحساس، وتخصيص المسموع بعد التعميم؛ لتعلُّقِ أكثر الأخبار به.
وقوله: «لا مَا ثَبَتَ بِقَضِيَّةِ العَقْلِ الصِّرْفِ» : عطفٌ على الأمر الموصوف بما ذُكِر، والمراد بـ:«الصرف» الخالص، وهو قيد للإدخال؛ إذ لولاه لخرج المتواتر؛ إذ لا بُدَّ فيه من معونة العقل وإدراكِه كما يأتي، فقول بعضهم
(3)
: «الأولى إسقاطه» ذهولٌ، قاله (هـ)
(4)
.
وما قاله المؤلف هنا أقعَدُ من قول بعضِهم: «لا ما ثبت بإخبار عن مُجتهَدٍ فيه بأنْ يكونَ مستنَدُ الإخبار عنه: الاجتهادَ فيه، والاستدلال عليه» ؛ لأنَّ المجتهَدَ فيه قد يُدرَكُ بالإحساس أيضًا؛ فليس من المتواتر؛ لجواز الغلط فيه.
(1)
في (هـ): [إذ].
(2)
في (هـ): [تقريره].
(3)
اليواقيت والدرر (1/ 244).
(4)
قضاء الوطر (1/ 474).
فَإِذَا جَمَعَ هذهِ الشُّروطَ الأَرْبَعةَ، وَهِيَ:
- عَدَدٌ كثيرٌ أَحَالَتِ العَادةُ تَوَاطُؤهُمْ وَتَوافُقَهُم على الكَذِبِ.
- رَوَوْا ذَلكَ عن مِثْلِهِم منَ الابتداء إلى الانتهاءِ.
- وَكَانَ مُسْتَنَدُ انْتِهائِهِمُ الحِسَّ.
- وَانْضَافَ إلى ذَلكَ أَنْ يَصْحَبَ خَبَرَهُمْ إِفَادَةُ العِلْمِ لِسامِعِهِ.
[قوله]
(1)
: «فإذا جَمَعَ هذهِ الشُّروطَ الأربعةَ
…
إلخ»:
هذه الجملةُ كالفَذْلَكةِ
(2)
لِما تقدَّم، وهي: ذِكرُ الشيء مجمَلًا بعد ذكره مفصَّلًا؛ تسهيلًا للضبط، وتقريبًا للحفظ وزيادة البيان؛ فيَخرج عن التَّكرار لا لفائدة على حد قوله تعالى:{وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً] {الأعراف: 142} ، ومن هنا أثبت بعض النحاة:«فاء الفَذْلَكة»
(3)
ومثَّلها بهذه الآية. وفاعل «جَمعَ» : «الخبرُ» لا «المتواتر» كما يُعلم بأدنى التفات.
[قوله]
(4)
: «عَدَدٌ كثيرٌ أَحَالَتِ العادةُ تواطُؤَهُمْ وتوافُقَهُم على الكَذِبِ» :
هذان شرطان من الأربعة المذكورة؛ أحدُها: العدد الكثير ولو فُسَّاقًا أو كفارًا، وأهل بلد واحد، ودِين واحد، ونَسَبٍ واحد، وإنْ لم يكن لهم إمامٌ معصوم، وإنْ لم يَكثُروا بحيث لا يحويهم بلد ولا يَحصُرهم عدد، كما اقتضى
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
في هامش (أ): بالفاء والذال المعجمتين.
(3)
تعليق الفرائد على تسهيل الفوائد، للدماميني (4/ 204).
(4)
زيادة من: (أ) و (ب).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
كلَّ ذلك إطلاقُ المؤلف هنا، خلافًا لزاعمي اشتراطِ شيء من ذلك؛ لأنَّ الكثرة مانعةٌ من التواطؤ على الكذب ولو من الكفار، ولا يُشكِل -على الأصح-: أخبارُ اليهود (هـ/25) قاطبةً عن تأييد دين موسى، وعدمِ نَسخِه؛ لأنَّ ذلك ليس إخبارًا مُستنِدًا لمحسوس، فإنَّ موسى ما قال لهم ذلك، وإنَّما كذبَت أساقِفَتُهُم وأحبارُهم، بل قيل: إنَّه من تلقينات ابن الرَّاوَنْدِيِّ
(1)
على عادته في تعليم الفِرَق الشُّبَه طلبًا للدنيا، على أنَّ بُخْتَ نَصَّرَ كان قد استأصَل ساقَهم، أي: جميعَهم، حتى الأجنَّةَ في بطون الحوامل، وقد انقطع التواتر في بعض طبقاتهم.
وأشار إلى ثانيهما بقوله: «أَحَالَتِ العادةُ
…
إلخ» ومعناه: أنَّ كل عاقلٍ نظَرَ إلى جريان العادة حكَمَ باستحالة تواطُئِهم على الكذب؛ فإسناد الإحالة للعادة من المجاز. وعطفُ «توافقهم» على «تواطؤهم» : تفسيريٌّ.
وأشار إلى الثالث بقوله: «رَوَوْا ذلك
…
إلخ»:
والمراد بالمماثلة في إفادة العلم لا في العدد.
وقوله: «من الابتداء» : متعلق بـ: «مثلهم» ؛ لِما فيه من رائحة المماثلة الكافية في تعلُّق الجارِّ والمجرور؛ (أ/20) فأفاد أنَّه لابد من المماثلة في جميع الطبقات.
(1)
أبو الحسن أحمد بن يحيى بن إسحاق، المعروف باسم ابن الراوندي، كان في بداياته من علماء المعتزلة في القرن الثالث الهجري، ولكنه تحوَّل عن المعتزلة وانتقدها بشدَّة في كتاب «فضيحة المعتزلة» ، ثم اعتنق لبرهة وجيزة الإسلام الشيعي، وله كتاب «الإمامة» من آثار تشيعه القصير، ثم التقى بأبي عيسى الوراق الذي كان ملحدًا فتحوَّل بعدها إلى الإلحاد ليصبح واحدًا من أشهر الزنادقة في التاريخ الإسلامي. ينظر: تاريخ الإلحاد في الإسلام (ص 89) عبد الرحمن بدوي.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وأشار إلى الرابع بقوله: «وكان مُستَنَدُ انتِهائِهِمُ الحِسَّ» :
بالفعل لا ما شأنُه [أنْ]
(1)
يُحَسَّ، نعَمْ، المعتبرُ في العلم الحاصل من المتواتر: أنَّه عِلم من شأنه أنْ يحصل بالإحساس، ولم يقُلْ: وكان مستندُ إخبارهم؛ لجواز أن يكون مستنَدُ إخبارهم حِسًّا مجتهَدًا فيه، على ما أشرنا إليه آنفا؛ فالمراد بالمستند: الواقعة المخبَرُ عنها وبوقوعها، سواءٌ كانت بعينها مُفادَ إخبار كل واحد منهم، وسمِّي الخبر: متواترًا تواترًا لفظيًّا، أو قدرًا مُشترَكًا بين أخبارهم ويُسمَّى حينئذٍ: متواترًا تواترًا معنويًّا، كما مرَّ مثاله؛ فالانتهاء إلى المخبَر عنه: إمَّا الانتهاء إليه بنفْسه، وإمَّا الانتهاء إلى أفراده التي يجمعها كما مرَّ، وقد يكون المتواتر نسبيًّا؛ بأنْ يَتواتَرَ عند قوم دُونَ غيرِهم.
تنبيه:
ما مَثَّلنا به «المتواتر المعنوي» هو تمثيلُ غير المحدِّثينَ، ويمكن تمثيله لهم بقول بعضِهم: «مَثَّلوا له بأحاديثَ، منها: أخبار رفع اليدين في الدعاء؛ فقد ورد عن المصطفى مئةُ حديثٍ فيها رفع يديه في الدعاء، لكن في قضايا مختلفة، فكلُّ
قضيةٍ منها لم تتواتَر، والقَدْرُ المشترك فيها -وهو الرفع عند الدعاء- مُتواتِرُ المجموع» قاله (ج)
(2)
.
[قوله]
(3)
: «وانْضافَ إلى ذلك: أَنْ يَصْحَبَ خَبَرَهُمْ إِفَادَةُ العِلْمِ لِسامِعِهِ» :
اسم الإشارة راجع إلى مجموع الشروط الأربعة، أو للمذكور أو المتقدم منها فهو صحيح، وإنْ كان المَحِلُّ لهذه، ثمَّ إنَّه ليس المرادُ اتِّصافَ المصاحبة
(1)
زيادة من (أ).
(2)
حاشية الأجهوري على شرح نخبة الفكر (ص 107).
(3)
زيادة من: (أ) و (ب).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
على وجه الشرطية؛ لأنَّ حصول العِلْمِ أمارةٌ ودليل على تحقُّق المتواتر، وهو متأخِّرٌ عنه، فلا يكونُ شرطًا له؛ لوجوب تقدُّمِه عليه حينئذٍ، فالمراد: ويجامع تلك الشروطَ دليلُ اجتماعها، وهو حصول العلم.
تنبيه:
قيل: الصواب حذف لفظ «أربعة» ، وإثبات «ثلاثة» أو «خمسة» بدلها؛ بِناءً على أنْ المحقِّقين لم يعدُّوها إلَّا ثلاثة، وعلى أنَّ: «و [انضاف]
(1)
» من جُملتها.
قلتُ: وهو سهوٌ ظاهرٌ؛ لِمَا [بيَّنَّاه]
(2)
من تعدُّد عدد الأربعة، وجعل قوله: «وانْضافَ
…
إلخ» تابعًا له غير معدود منها لِمَا ذكرناه، وإجمال المحقِّقين الأربعة في ثلاثة لا يخالف تفصيل المؤلف الثلاثة إلى الأربعة فلا تكن من الغافلين. قاله (هـ)
(3)
، وبهذا يسقط اعتراض مَن قال: «إنَّ قوله «وانْضافَ
…
إلخ» حكمٌ للمتواتر؛ فلا يصح جعله شرطًا وهو جلي»، نعَمْ: إفادةُ الخبرِ العِلْمَ الضروريَّ بمضمونه [في كونه]
(4)
علامة أنَّه جمَعَ شروط المتواتر، ويجابُ بأنَّه شرطٌ للعِلْمِ بأنَّه متواترٌ لا شرط لتحقُّق التواتر
…
إلخ. (هـ/26)
(1)
في (هـ): [اتصاف] وهو خطأ.
(2)
في (هـ): [بينه].
(3)
قضاء الوطر (1/ 480).
(4)
زيادة من (ب).
فهذا هو المُتَواتِرُ، وَما تَخَلَّفَتْ إِفَادَةُ العِلْمِ عنهُ كانَ مَشْهورًا فقَط، فَكلُّ مُتَواتِرٍ مشهورٌ من غيرِ عَكْسٍ.
[قوله]
(1)
أي: إذا جمَعَ مفهومَ كُلِّيِّ هذه الشروطِ وأمارة اجتماعها على ما أشرنا آنفًا فهذا المفهوم الكلي الجامع لِما ذكِر هو الخبر المتواتر؛ فالفاء فصيحةٌ داخلةٌ في جوابِ شرط مقدَّرٍ، واسم الإشارة عائدٌ على ما أشعَر السِّياقُ بحضوره وإثبات حسِّيَّتِه مُبالَغةً.
[قوله]
(2)
: «وما تَخَلَّفَتْ إِفَادَةُ العِلْمِ عنهُ كانَ مَشْهورًا
…
إلخ»:
أي: والخبر الذي تخلَّفت إفادةُ العلم عنه مع جَمْعِه تلك الشرائطَ ظاهرًا؛ كان مشهورًا فقط، فهذا شروعٌ في الفرق بين المتواتر والمشهور في بعض أحواله؛ لأنَّه جعَلَ مَناطَ الفرق: إفادةَ العلمِ وعدمَهَا، ولا يُحتاج لهذا إلَّا في المشهور في المعنى المتواتر في الظاهر، وبقولنا: «مع جَمْعِه
…
إلخ» يَسقُطُ قولُ (ق)
(3)
: «ولا بُدَّ وأن يَزيدَ [عمَّا]
(4)
رُوي بحصْرِ عدَدٍ معين، وإلا لصَدَق المشهورُ على الجميع، أي: من المتواتر والمشهور، هذا ينافيه بعد هذا: أنَّ المشهور ما رُوي مع حَصْر عددٍ بما فوق الاثنين» انتهى، وهو مبني على أنَّه [فرَّق]
(5)
بين المتواتر ومُطْلَقِ المشهور، وليس كذلك، كما أشرنا إليه أولًا، مع أنه غَفْلةٌ أيضًا عن قول الشارح: وخِلافه، أي: المتواتر قد يَرِدُ بلا حَصْرٍ أيضًا ومع حَصْر بما فوق الاثنين، [فقد جَعل غير المتواتر]
(6)
ما عُدِمَ فيه الحَصْرُ في عددٍ معيَّنٍ أيضًا.
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
زيادة من: (أ) و (ب).
(3)
ينظر: حاشية ابن قُطْلُوبُغا على شرح نخبة الفكر (ص 33 - 34).
(4)
في (هـ): [ما].
(5)
في (هـ): [فوق].
(6)
في (أ): [فقد جعل من ما صدقات غير المتواتر] وأظنه تصحيف.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[قوله]: «فكلُّ متواتِرٍ مشهورٌ من غيرِ عَكْسٍ» :
أي: لأنَّه أخصُّ من المشهور، وحيث وُجِدَ [الأخصُّ وُجِدَ]
(1)
الأعَمُّ من غير عكس، أي: لُغوي، فليس كلُّ مشهور متواترًا؛ لأنَّه أعمُّ منه، ولا يلزمُ من وجود الأعمِّ وجودُ الأخصِّ، ألَا ترى أنَّ الإنسان أخصُّ من الحيوان ويلزم من وجود الإنسانِ وجودُ الحيوان، ولا يلزم من وجود الحيوان وجودُ الإنسان، كما في: الحمار، وبما قرَّرْناه مِن جَعْلِ الشارح هنا أي: الفرق بين المتواتر والمشهور- إنَّما هو إفادة العلم وعدمها يظهر لك أنَّ ما قاله البعض: «كيف يكون المشهور أعمُّ؟ وهو يُشتَرط فيه (أ/21) القصور عن إفادة العلم، بل هو مباينٌ للمتواتر» انتهى، مبنيٌّ على أن الآحاد لا تفيد العلم، فإن أراد بالنظر لذات الآحاد؛ فمُسلَّمٌ، لكننا لا نريد ذلك، وإن أراد: ولا بالنظر إلى القرائن أيضًا؛ فهو غير مُسلَّمٍ، والأصحُّ أنَّها [قد]
(2)
تفيده بالقرائن؛ فصار المشهور: تارةً يفيد العلم، وتارة لا يفيده، وذلك يحقِّق أعمِّيَّتَه من المتواتر الذي لا بد أن [يفيدَه
(3)
على ما يأتي. فإنْ قلتَ: التباين حاصلٌ من جهة أنَّ العادة تُحيلُ الكذب على نَقَلةِ المتواتر، ولا كذلك المشهور؟ قلتُ: هذا مما يحقِّقُ الأعَمِّيَّة أيضًا. فإنْ قلتَ: مبدأ المشهور محصور بخلاف المتواتر، قلتُ: الجوابُ على أنَّك ستسمع أنْ [للمشهور]
(4)
فردَينِ كما قاله (هـ)
(5)
.
(1)
زيادة من (ب).
(2)
زيادة من (أ).
(3)
في (أ) و (ب): [يقيده [.
(4)
في (هـ): [المتواتر].
(5)
قضاء الوطر (1/ 485).
وقَدْ يُقَالُ: إِنَّ الشُّروطَ الأربعةَ إِذا حَصَلَتْ، اسْتَلْزَمَتْ حُصولَ العِلْمِ، وهُوَ كَذَلكَ في الغالِبِ، لَكنْ قد تَتَخَلَّفُ عنِ البَعْضِ لمانعٍ، وقد وَضَحَ بهذا تَعْريفُ المُتواتِرِ.
[قوله]
(1)
[قوله]
(2)
: «اسْتَلْزَمَتْ حُصولَ العِلْمِ» أي: بصِدقِ مضمون الخبر، يريد: بحسَبِ العادة، يعني فلا حاجة إلى التصريح بقيدِ إفادته العلمَ [إلَّا بالنَّظر]
(3)
لغير الغالب، «لكنْ قد يَتخَلَّفُ» يعني: أنَّ بعضَ أفراد المتواتر قد يَتخَلَّفُ حصولُ العلم عنه؛ لمانع، ومن الموانع: عَدمُ علْمِ الناظر فيه بتلك الشروط، وحصول العلم بغيره قبْله؛ إذ يَمْتنع تحصيل الحاصل، وبالجملة: فحصول العلْم بالفعل من المتواتر غير معتبر فيه، وبذلك ظهر لك أنَّ قول بعضٍ: «إنَّه متى (هـ/27) حصلت الشروط الأربعة التي من جملتها: «إفادةُ السامعِ العلْم
…
إلخ» حَصَل العِلْم؛ فكيف يَتخَلَّف حصوله لا لعادة تحيل الكذب؟» غيرُ واردٍ، على أنَّه مبنيٌّ على حصولها في الظاهر ونفْسِ الأمر، ونحن لا نُسَلِّمُه، جاز أنْ يريد في الظاهر فقط، على أنَّ إحالة الكذب عادةً شرطٌ، ولا يَلزمُ من وجود الشرط وجودُ المشروط.
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
زيادة من: (أ) و (ب).
(3)
زيادة من (ب).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[قوله]
(1)
: «وقد وَضَحَ بهذا تَعْريفُ المُتواتِرِ» :
أي: ظهر بهذا تعريف المتواتر. اسم الإشارة راجع للتقدير المتقدِّمِ من حيث إنَّه ميَّز فيه الشروطَ، وهي الخارجة عن الماهِيَّة، وعن الأركان وهي الداخلة فيها.
والتواتر لغةً: التتابع، وهو كونُ الشيء بعد الشيء بفترة، فالمتواتر لغةً: المتتابع مع فترة
(2)
.
واصطلاحًا: خبرٌ من شأنه كونه بحيث يوجب بنفسه العلْم بصِدق مضمونه لسامعه عادةً.
وشرطه: أنْ يَرِد على لسان قوم يمتنع تواطؤُهم على الكذب عادةً من غير حصر في عددٍ معيَّن عن مثلهم إلى أن يستند خبرُهم لمحسوس، وقضية هذا [الكلام]
(3)
أنَّ قوله الآتي: «وهو يُفيد العلْمَ اليقينيَّ» بيانٌ لحُكمٍ من أحكامه، لا بيانٌ لحقيقته وهو المتبادر. والتعريف يَعُمُّ:«الحدَّ» ، وهو ما كان بالذاتيَّات، و «الرَّسْمُ» وهو ما كان بالعَرَضيَّات، وآثرَه على حدِّه؛ لأنَّ ما قَدَّم من ذاتيَّاته التي أشرنا إلا النَّزْر، بل جملة ما تعرض لبيانه شروطه.
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
لسان العرب (5/ 275)، تاج العروس (14/ 338).
(3)
في (هـ): [الكلا [.
وخِلافُهُ قدْ يَرِدُ بِلَا حَصْرٍ أَيضًا، لَكنْ مع فَقْدِ بعضِ الشُّروطِ، أَو مَعَ حَصْرٍ بِما فَوْقَ الاثْنَيْنِ، أَيْ: بثَلَاثةٍ فَصاعِدًا ما لمْ يَجْمَعْ شُرُوطَ المُتواتِرِ، أو بِهِما، أَيْ: باثْنَيْنِ فَقَطْ، أَوْ بواحِدٍ فَقَطْ.
[قوله]
(1)
: «وخِلافُهُ
…
إلخ»:
أي: المتواتر، وهو الآحاد، وقد يَرِدُ بلا حصْر -أي: لطُرُقه- في عدد معين أيضًا كالمتواتر، وحينئذٍ فالفارقُ بينه وبين المتواتر: فَقْدُ بعضِ شروطه الباقية؛ بألَّا تُحِيلَ العادةُ تواطؤَهم على الكذب، أو لا يكون مستنَدُ إخبارهم محسوسًا؛ فقول (ب):«إنَّ ما يَرِد بلا حصْرٍ هو المشهور، وإن لم يَكُنْهُ فهو قِسمٌ آخَرُ؛ فما اسمُه؟» ونحوه قول (ق)
(2)
في هذا: «يُقال عليه: فماذا يسمَّى؟» ؛ ليس على ما ينبغي؛ إذ ما عدا المتواتر فهو يسمَّى آحادًا كما يصرح به المؤلف بقوله الآتي: «وكلُّها ما سوى الأوَّل -وهو المتواتر- آحادٌ» وله تَتِمَّةٌ تسمعها هناك، هذا إنْ أراد السؤالَ عن الاسم العامِّ، وإنْ أراد الاسم الخاصَّ فهو أحد قسمَيِ المشهور، بل أقسامه، وقول (ق)
(3)
: «هو المشهور» ممنوع، بل نوعٌ من المشهور وزيادة.
[و]
(4)
قوله: «مع فَقْدِ بعضِ الشُّروطِ» :
يُغْني عنها قوله: «مالمْ تَجْمَعْ شُروطَ المُتواتِرِ» . وقد يُقال: إنَّه نَبَّه عليه هنا؛
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
حاشية ابن قطلوبغا على شرح نخبة الفكر (ص 37).
(3)
المصدر السابق.
(4)
زيادة من (أ).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
لأنَّه قد يَشْتَبه بالمتواتر حيث ورد بلا حصرٍ لطرق في عدد معين، بل قد تحَيَّرَ البعضُ فيه بماذا يُسمَّى؟ كما مَرَّ.
[قوله]
(1)
: «أَو مَعَ حَصْرٍ بِما فَوْقَ الاثنيْنِ أي [والثلاثةِ]
(2)
فصاعِدًا مالمْ تَجْمَعْ شُروطَ المُتواتِرِ»:
هذا بيانٌ للمشهور الذي هو قَسيم المتواتر، فإنَّ المشهور [يطلق]
(3)
على هذا، أو على ما هو أعمُّ من المتواتر، وهو المراد في قوله قبلُ:«فكل متواتر مشهور» ، وأمَّا السَّخَاويُّ رحمه الله فذكر أنَّ المشهور قد يرتقي للمتواتر وقد لا يرتقي؛ فلا يكون المتواتر إلا مشهورًا، ويوجَد المشهور ولا يوجَد المتواتر، فإنَّه قال:«المشهور قسمان: قِسمٌ لم يَرتقِ إلى المتواتر وهو الأغلب فيه، وقسمٌ يرتقي إليه»
(4)
؛ فمعنى قول (أ/22) المؤلف: «كلُّ متواترٍ مشهورٌ» أنَّه لا يرتقي إلى المتواتر إلا بعدَ الشهرة، وقوله:«ولا عكس» أي: أنَّ الشهرة توجَدُ ولا يوجَد التواتر، وهو لا يُفيد أنَّ المشهور يقابل التواتر؛ لأنَّه حيث لم يَرتقِ إلى المتواتر فلا يقابل المتواتر؛ لأنَّه يَصْدُقُ عليه صِدْقَ الأعمِّ على الأخصِّ، وحيث ارتقى إليه فواضحٌ عدَمُ تقابلهما، فقول مَن قال: «إنَّ كلام السَّخَاويِّ يحصل به الجمع
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
في مطبوع النزهة [بثلاثة].
(3)
في (هـ): [يطلب. [
(4)
ينظر: فتح المغيث بشرح ألفية الحديث (4/ 15).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
بين كلامي الشارح» (هـ/28) فيه نظرٌ، ونحو ما للسَّخَاويِّ -من كون المشهور أعمُّ مطلقًا- للعراقيِّ فإنه قال
(1)
:
…
[وَمِنْهُ]
(2)
-أي من المشهور- ذُوْ تَوَاتُرٍ مُسْتَقْرَا
فِي طَبَقَاتِهِ كَمَتْنِ «مَنْ كَذَبْ»
…
وقوله: «أَو مَعَ حَصْرٍ بِما فَوْقَ الاثنيْنِ» : لا يَصلُحُ عطفه على قوله: «بلا حَصْر عَدَدٍ» ؛ إذ يصير التقدير: أو يكون له طرقٌ -أي: كثيرة- مع حَصْرٍ بما فوق الاثنين، وقد علِمتَ أنَّ مُرادَه بالطرق الكثيرة: الأربعةُ وما زاد عليها، وقوله: «مَعَ حَصْرٍ
…
إلخ» يَصْدُق بثلاثة وهي لا تُجامِع طرقًا كثيرةً، وإنْ قُطِع النَّظر عن [كثيرة]
(3)
. وقيل: إنَّها صادقة بالثلاثة مع وصفها بالكثرة كان قِسمًا لـ[ما]
(4)
قبله لا [قسيمًا]
(5)
له، وأَشْكَلُ منه قوله:«أو بِهما؛ أو بواحِدٍ» ، ويُجاب بـ: أنَّ المعطوف هو من قوله: «أو مع حصر
…
إلخ» أى: أن يكون له أكثر من طريقين، أو طريقان، أو واحد، فكأنَّه قال: إمَّا أنْ يكون له طرقٌ كثيرةٌ، أو أكثر من طريقين، أو طريقان، أو طريقٌ واحدٌ؛ فرُوعي في المعطوف معناه؛ فصَحَّ عطفُه، وعلى هذا فالمعطوف عليه:
(1)
ألفية العراقي (ص 160)، ونصه:
قنوته بعد الركوع شهرا
…
ومنه ذو تواتر مستقرا
في طبقاته كمتن من كذب
…
ففوق ستين رَوَوْه والعجب
(2)
في (أ): [ومن] والتصحيح من الألفية.
(3)
في (هـ): [كثير [.
(4)
في (هـ): [لا [.
(5)
في (هـ): [قسما].
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
«طرق» . ويُحتمل أنْ يُقدَّر عامل لقوله: «أو مع حَصْر» ، ولقوله:«أو بهما» ، وعامل لقوله:«أو بواحِدٍ» كما قال (ج)
(1)
، وقال عند قول المؤلِّف سابقًا: «الخبرُ إمَّا أنْ يكون له طرقٌ بلا حَصْر
…
إلخ» ما نصُّه: «واعلمْ أنْ في قوله: «الخبَر .. إلخ» أمورًا:
الأول: أنَّه جعل المشهور قسيمَ المتواتر، وقسيم الشيء ما كان مُباينًا له ومندرجًا [معه
(2)
تحت شيءٍ آخَرَ، وذكر في الشرح: أنَّ المشهور أعمُّ من المتواتر، وهو تَنافٍ ظاهرٌ.
الثاني: لم يذكر في شروط التواتر: أنَّ الصحيح أنَّه لا بُدَّ أنْ تزيد عدَدُ رُواته على أربعٍ مع أنَّه لا بُدَّ منهم؛ فهو باعتبار أوَّلِه محصورٌ بما فوق] الأربعة
(3)
كما في المشهور [باعتبار أوله محصور بما فوق الاثنين، وبهذا تَبيَّن أنَّ كلًّا من المشهور والمتواتر محصورٌ]
(4)
باعتبار أوَّلِه، وغيرُ محصورٍ باعتبار ما فوق آخره، غير أنَّه يُعتبر في التواتر ما يفيد أنَّه أخَصُّ من المشهور، فليس المشهور قسيمًا للمتواتر كما علمت من أنَّ قسيم الشيء ما كان مباينًا ومندرِجًا معه تحت شيء آخَرَ، وقد أشار إلى ما يفيد ذلك في الشرح، ولكنَّ ظاهِرَ المَتْنِ خلافُه، وأنَّ المشهور قسيمُ المتواتر إذا اعتُبر في مفهوم المتواترِ: عدمُ الحَصْر، وفي مفهوم المشهور: الحَصْرُ،
(1)
حاشية الأجهوري على شرح نخبة الفكر (ص 113).
(2)
في (هـ): [له].
(3)
في (هـ): [إلا الله [.
(4)
زيادة من (ب).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وهذا يقتضي تبايُنَهما، ولكن يجب حمله على ما يوافق كلام الشرح» إلى أنْ قال: «السادس: قوله: «أو مع حصر
…
إلخ» لا يصلُح أنْ يكون قسيمًا لقوله: «لهُ طرقٌ كثيرة» ؛ لأن ما حُصر بما فوق الاثنين يدخل فيما له طرقٌ كثيرة؛ بِناءً على أنْ لفظ: «كثيرة» لا يمنع صِدقَ قوله: «طرق» على ثلاثة، وإلا فيدخل فيه بعضُ ما يَصدُقُ عليه: «أو مع حصر [بما]
(1)
فوق الاثنين»، والقَسيمُ مباينٌ لقَسميهِ؛ فلا يندرج في قسيمه شيء مما يَصدُقُ عليه. الثامن: قوله: «أو مع حَصْر
…
إلخ» لا يصلُح عطفُه على قوله: «بلا حَصْر
…
إلخ»؛ إذ المعنى: أو يكون له طرقٌ كثيرةٌ مع حَصْرٍ [بما
(2)
فوق الاثنين، وهذا غير صحيح؛ إذ قوله: «أو مع حصر
…
إلخ» يصدُقُ بثلاثة، ولا يجتمع مع قوله:«له طرقٌ كثيرة» على أحد الوجهين، وأَشْكَلُ منه قولُه:«أو بِهما، أو بواحِدٍ» ، والمخلِّصُ من هذا أنْ يقالَ: إنَّ قوله: «أو مع حَصْر» متعلِّقٌ بمقدَّرٍ، أي: أو يتعدد طريقُه مع حَصْرٍ بما فوقَ الاثنين أو بهما، و] قوله]
(3)
: «وبواحِدٍ» متعلِّقٌ بمحذوفٍ أيضًا، أي:[أو يتعدد]
(4)
طريقه بواحد، فلو قال:
الخبر الوارد مِن أكثرِ مِن طريق إنْ زادت طُرُقُه على أربع، و [أحالت]
(5)
العادةُ وُقوعَ الكذب من رواته، وكان مستنَدُه الحسَّ، واستوت طبقاته فيما له أكثرُ من طبقة في إحالة العادة وُقوعَ الكذب منهم، فإن اختلف عددهم فمتواتر، وإلا
(1)
في (هـ): [عما].
(2)
في (هـ): [مما].
(3)
في (هـ): [وقول].
(4)
في (أ): [وتلبس].
(5)
في (هـ): [كانت].
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
فمشهور (هـ/ 29)، ومنهما: عَزيز، ومن [واحد]
(1)
: غريب؛ لَسَلِمَ من جميع ما مَرَّ» انتهى باختصار
(2)
.
وقال (هـ)
(3)
: «أو مع حصرٍ بما فوق الاثنين» أي: فيما فوقَهما، ومشى على تذكير الطريق وإلَّا لقال: اثنتين.
وقوله: «أي: بثلاثة فصاعِدًا» : بيانٌ لِما فوقَ الاثنين من غير تَعيينِ مرتبةٍ من مراتب الزيادة، وَ (أ/23) يَدخُلُ في كلامه الصحابة في جميع هذه الأمور، وهو كذلك كما يأتي عند قوله:«ثُمَّ الغرابة إلخ» ، ثُمَّ [إنَّ]
(4)
الحصر باعتبار المَبدأِ، أو إن خلا باعتبار الغاية، والمتواتر القسيمُ للآحاد خلا عن الحصر مَبدأً وغايةً، وبهذا يُرَدُّ قولُ مَن قال:«الحَصْر إنَّما يكون في شيء بعَينِه، كما مرَّ في تلك الأقوال التي هي: أربعة خمسة سبعة» إلى آخِرِ ما قاله، وأمَّا: «ثلاثة فصاعَدًا فليس بحَصْر
…
إلخ». ونَصَبَ «فصاعدًا» على الحاليَّة، أي: فذهب العدد من الاثنين صاعدًا، قال الرَّضِيُّ: «من المواضع التي يُحذَفُ فيها عامل الحال على الوجُوب قياسًا إن تعيَّن الحالُ: ازدياد ثَمَنٍ أو غيرِه شيئًا فشيئًا مقرونة بالفاء أو بثُمَّ، تقول في الثَمَن: بِعْتُه بدرهم فصاعِدًا، أو: ثُمًّ زائدًا، أي: فذهَبَ الثَّمَنُ
(1)
في (هـ): [واحده].
(2)
ينظر: حاشية الأجهوري على شرح نخبة الفكر (ص 113)، وما بعده.
(3)
قضاء الوطر (1/ 493).
(4)
في (هـ): [إلا].
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
صاعِدًا، أو زائدًا، أي: في الازدياد، يُقال هذا في ذي أجزاء بِيعَ بعضُها [بدرهم]
(1)
والبواقي بأكثَرَ، وتقول في غير الثَّمَن: قرأتُ كلَّ يوم جزءًا من القرآن فصاعِدًا، أو: ثُمَّ زائدًا، أي: فذهبَتِ القراءةُ زائدةً، أي: كانت كلَّ يوم في زيادة».
و «ما» من قوله: «ما لمْ يَجْمَعْ شُروطَ المُتواتِرِ» مصدريَّةٌ ظرفيَّة، وهذا القيد [دلَّ
(2)
عليه المقابلةُ والتقسيم؛ فلذا ترَكَه من المَتْنِ ونبَّه عليه في الشرح؛ لأنَّ المبتدئَ مَظِنَّةُ الغفلة وهو المخاطَبُ بهذا الكتاب أولًا وبالذات.
«أو بهما» أي: فيهما، أي:[باثْنَيْن]
(3)
.
وَقوله: «فقَطْ» :
قَيَّد الاثنين بالنظر إلى ما نقص عنهما لا بالنظر إلى ما زاد عليها، كما يُعلَمُ من قوله: «فإِنْ وَرَدَ بأَكْثَر
…
إلخَ».
وقوله: «أو لواحِدٍ
…
إلخ»:
أي: في واحد.
تنبيه:
حَمَلْنا الاثنين والواحد على الطُّرق؛ ليُناسِبَ ما ذُكِر في المتواتر، ولو حُمِل على الراويَينِ والرواة والراوي لَصَحَّ؛ [لأنَّ]
(4)
هذا المصَرَّح به، وهو بمعنى ما ذكرنا كما يُعلم من تفسيره الطريقَ بأنَّه: سَنَد المَتْنِ المُوَصِّلُ له؛ فالمعنى واحد.
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
في (أ) و (ب): [دله].
(3)
في (أ)[الاثنين].
(4)
زيادة من (ب).
والمُرادُ بقَوْلِنا: «أَنْ يَرِدَ بِاثْنَيْنِ» : ألَّا يَرِدَ بأَقلَّ مِنْهُما، فَإِنْ وَرَدَ بأَكْثَرَ في بعضِ المَواضِعِ مِنَ السَّنَدِ الواحِدِ لا يَضُرُّ؛ إِذِ الأقلُّ في هذا العِلْمِ يَقْضي على الأكْثَرِ.
[قوله]
(1)
: «والمرادُ بقَولِنا: أَنْ
(2)
تَرِدَ باثْنَيْنِ:
…
إلخ»:
أي: المراد منه ظاهرُه المشار إليه بقولنا ولكن يجري على كلٍّ مقتضاه، فهو من بابِ بيان الواقع، وسيأتي مثالُ الزيادة على أكثر من اثنين [عند]
(3)
شرح قوله: «وليس شرطًا للصحيح
…
إلخ».
قال (ب)
(4)
: «في قول المؤلِّف: «في بعض المواضع» دليلٌ على أنَّه لو وَرَد في كلِّها لا يُسمَّى عَزيزًا بل مشهورًا؛ فليس بيْنهما عُمومٌ مُطْلَقٌ، فشرط تسمية الحديث: أنْ يرد فيه اثنان ولو في موضعٍ واحدٍ» انتهى.
و [معنى]
(5)
قوله: «لا يضر في تسميته عزيزًا» [بمعنى]
(6)
أنَّه لا يَنقُلُه عن صحة إطلاق هذا اللقب عليه.
تنبيه:
جزَمَ العِراقيُّ
(7)
في النظم بأنَّه لا يُشترط في راوي العزيزِ الانفرادُ عن إمامٍ من
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
في (ب) زيادة [أي: يرد ما نثبت].
(3)
في (هـ): [أن عن عند [.
(4)
ينظر: قضاء الوطر (1/ 490).
(5)
زيادة من (ب)، وثبتت على هامش (أ).
(6)
في (أ) و (هـ): [المعنى].
(7)
ألفية العراقي (ص 160).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
شأنه أن يُجْمَعَ حديثُه كمالك وابنِ شِهابٍ وقَتادةَ، خلافًا لِما يقوله ابنُ مَنْدَه.
وفي كتابةٍ: قولُه: «فإِنْ رُوي بأَكْثَر» ، وما بعده من قوله: «إذ الأقلُّ
…
إلخ» يفيد أنَّ العزيز ما كانت بعضُ طِباقِه اثنين، وإنْ كانت كلُّ طبقة من بقية الطِباق أكثرَ من ذلك، وَأنَّ العزيز ما كان بعضُ طِباقِه واحدًا، وإنْ كانت كلُّ واحدة من باقيها أكثرَ من ذلك. ومعنى قوله:«إذ الأقلُّ في هذا العِلْمِ يَقْضي على الأكْثَرِ» كون الإسناد لا يُعطَى حكمَ الأكثر، ولا يُسمَّى بالاسم الموضوع له.
وقال (ج)
(1)
: «انظر قوله: «إذ (هـ/30) الأقلُّ
…
إلخ» / مع قول شارح نظم العراقيِّ
(2)
: «وقد يكون الحديثُ عزيزًا مشهورًا كحديث: «نحنُ الآخِرونَ السَّابِقونَ يومَ القيامةِ»
(3)
؛ فهو عزيزٌ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ إذ رواه عنه حذيفة وأبو هريرة، ومشهور عن أبي هريرة [إذ]
(4)
رواه عنه سبعة: أبو سلمة بن عبد الرحمن، وأبو حازم، وطاوسٌ، والأعرج، وهَمَّام، وأبو صالح، وعبد الرحمن مَولى أمِّ بُرثُن» انتهى
(5)
، وذَكَر غيره نحوه أيضًا. قلتُ: قد يُقال ما ذكره هنا من حيث الحكم،
(1)
حاشية الأجهوري على شرح نخبة الفكر (ص 115).
(2)
يقصد زكريا الأنصاري في شرحه المسمى فتح الباقي بشرح ألفية العراقي.
(3)
البخاري (6624) واللفظ له، ومسلم (855، 1655).
(4)
في (هـ): [أو].
(5)
فتح الباقي بشرح ألفية العراقي (2/ 156).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وما ذكره في شرح الألفية من حيث التسميَّة؛ فلا مُخالفة» انتهى.
وقوله: «مِن السَّنَدِ الواحِدِ» : وأولى من سندين فلا يَضُرُّ.
وقال (هـ)
(1)
: «إذ الأقل في هذا -[أي:]
(2)
العلم- يَقْضي، أي: يُغلَّبُ حكمه على الأكثر، حتى إذا وُجِد في بعض [الطبقات
(3)
ما يَنقص عن الشرط خرج عن المتواتر» كما قاله (ق)
(4)
، وهذا التوجيه يوجب قَصْرَ هذا الحكم على المتواتر، وكأنه استشعر ما قدَّمْناه من كون الحديث عزيزًا مشهورًا أو غريبًا عزيزًا؛ فحمَلَ الكلامَ [على]
(5)
هذا؛ حذرًا من المخالفة. ويمكن التلخيص بأنَّ معنى: «قضى الأقل على الأكثر» أنْ يُجعَلَ الحُكمُ له والإطلاق، و (أ/24) لا يجريحكم الأكثر إلا مُقيَّدًا، كقولنا: حديث «نحنُ الآخِرونَ
…
إلخ» عَزيز، ولا تَزِدْ
(6)
، بخلاف قولنا فيه: مشهور، فإنَّه لا يسوغ حتى نقول: عن أبي هريرة، وهَلُمَّ جرًا
(7)
.
(1)
قضاء الوطر (1/ 498) وما بعدها.
(2)
زيادة من (ب).
(3)
في (هـ): [الطباق [
(4)
حاشية ابن قطلوبغا على شرح نخبة الفكر (ص 30).
(5)
في (هـ): و] على].
(6)
في (أ) و (ب): [ترد].
(7)
قضاء الوطر (1/ 499).
* فَالأوَّلُ: المُتَواتِرُ، وهو المُفيدُ للعِلْمِ اليَقينِيِّ، فأخرَجَ النَّظريَّ على ما يَأْتي تَقريرُهُ بِشروطِهِ، أَيْ: الَّتي تَقَدَّمَتْ.
[قوله
(1)
: «فالأوَّلُ: [المُتواتِر]
(2)
»:
[أي:
(3)
فالقسم الأول من التقسيم السابق، وهو ما له طُرُقٌ بلا حصر عدد معيَّن هو المُسمَّى بالمتواتر، وهو في اللغة [هـ]
(4)
: المتتابِع مع فُتور وتَراخ، سمِّي بذلك؛ لِما أنَّه لا يقع دَفعة، وأنَّ الذي يقع دَفعة العلمُ الحاصل عنه. وقيل: لتواتر رجاله حيث جاؤوا واحدًا بعد واحد بفترة
(5)
.
[قوله]
(6)
أي: وهو خبرٌ مِن شأنه أنْ يفيد بنفْسه، أي: يوجِب عادةً حصولَ العلْم لسامعه بصِدْقِ مضمونه، وإنْ تخلَّف عنه حصولُ العلم بذلك بالفعل لمانعٍ، كحصوله بغيره؛ إذ يَمْتنع تحصيلُ الحاصل، فإنَّ حُصول العلْم بالفعل غيرُ معتبَر فيه؛ فخرَجَ بإيجابه العلْمَ بالمعنى المذكور: ما لا يوجبه كذلك، وبقولنا: بنفْسه، ما لا يوجبه بنفسه بل إمَّا بواسطة القرائن الزائدة على القرائن التي لا ينفك عنها الخبر عادةً، وإما بغير القرائن كالعلْم بمضمون الخبر بالضرورة، كقولنا: الواحد
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
في (هـ): [المتواترون [.
(3)
زيادة من: (أ) و (ب).
(4)
زيادة من (ب)، وهو إشارة للّقاني في حاشيته.
(5)
قضاء الوطر (1/ 502) وما بعدها.
(6)
زيادة من: (أ) و (ب).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
نصف الاثنين، أو بالنظر كقولنا: العالم حادث؛ فلا يكون شيء مما ذُكِر متواترًا، بخلاف ما يوجِب العلْمَ بواسطة القرائن التي لا ينفك الخبر عنها عادةً، وهي ما يلزمه عادةً من أحوالٍ في نفْس الخبر كالهيئات المقارنة الموجِبة لتَحَقُّقِ مضمونه، وفي المخبِر، أي: المتكلم، ككونه [موسومًا]
(1)
بالصدق، مباشرًا للأمرِ الذي أَخبَرَ به.
تنبيه:
قوله: «وهو» قدَّره الشارح؛ ليَدُلَّ على أنَّ هذا تعريفٌ للمتواتر، أو ليَدُلَّ به على جواز قطع مثل [هذا]
(2)
النعت المعلوم المنعوت بدونه، إذ قد عرَفَ حقيقتَه [خاصُّ]
(3)
أهلِ فنِّه وعامَّتُهم، وتُقدَّر عندهم: أنَّه مفيد للعلم من حيث هو كذلك، والأظهر: أنَّه قدَّره ليُخرجَ النعت عن إيهام أنَّ للمتواتر قسمين: أحدهما: يفيد العلْمَ اليقينيَّ، والآخر بخلافه، [بِناءً على]
(4)
[اعتبار مفهوم النعت فتعين أنَّه كاشف]
(5)
فإنْ قلتَ: هذا الإضمار في حالة القطع واجبٌ أو يجوز التصريح به؟ قلتُ: يجب الإضمار إذا قُطع النعتُ لمجرد مدح أو ذمٍّ أو ترحُّم، ويجوز فيما سوى ذلك
(6)
.
وفي كتابةٍ: «وهو المفيد (هـ/31) للعلْم
…
إلخ»: هذا تعريفٌ آخَرُ للمتواتر،
(1)
في (هـ): [موصوفا [.
(2)
في (أ) و (ب): [لهذا [.
(3)
في (هـ): [الخاص [.
(4)
في (هـ): [فتأمل [.
(5)
في المخطوطات الثلاث [اعتبار مفهوم النعت متعيِّن؛ فأفاد أنَّه كاشف]. والتصويب من مطبوع قضاء الوطر.
(6)
قضاء الوطر (1/ 505).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وفيه أنَّه [حينئذٍ]
(1)
يستلزم الدَّورَ
(2)
؛ إذ المتواتر حينئذٍ توقَّفت معرفته على معرفة العلْم، وإفادة العلْم تحصل من المتواتر، فهي متوقِّفة عليه! وأُجيب
(3)
: بأنَّ استفادة العلم متوقِّفةٌ على نفْس الخبر الخاصِّ لا بقيد وَصْفِه بالمتواتر، والمتوقِّف على إفادة العلم هو عِلمُنا بكونِه متواترًا، أي: أن علمنا بكونه متواترا يتَوقَّفُ على عِلمنا بأنَّه يفيد العلْمَ، ثُمَّ إنَّ العلْم الضروريَّ (هـ)
(4)
الحاصلَ من المتواتر في قول منقول عن الرسول أو غيره هو العلْمُ بتلك الألفاظ، وكونها كلامَ مَن أُسنِدت إليه، وأمَّا العلْمُ بثبوت مدلوله في الواقع فهو استدلال؛ ولذلك قيل في القرائن: إنَّه قطعي المَتْنِ وإنْ كان بعضُه ظنيَّ الدَّلالة، وهذا يوافِقُ قولَ الشارح فيما يأتي:«أفاد العلْمَ اليقينيَّ بصحته إلى قائله» وهو ظاهرٌ، بخلاف قول مَن قال: إنَّه يفيد العلم بمضمون الخبر، فالمتبادر منه معناه كما قاله (ج)
(5)
.
وفي كتابة: أراد بـ: «اليقينيِّ»
الضروريَّ؛ بدليل قوله فيما يأتي: «والمعتمد: أنَّ خبر التواتر يفيد العلمَ الضروريَّ، وإلا فاليقينيُّ يُطلَق على النظريِّ» ، ويدُلُّ على أنَّ مرادَه به الضروريُّ.
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
هذا الإيراد للبقاعي كما في قضاء الوطر (1/ 505).
(3)
كذا جاء النص بالمخطوطات الثلاث وهو تصرف من الشارح رحمه الله وتتمة الكلام للكمال ابن أبي شريف راجع حواشي ابن أبي شريف (ص 19)، و قضاء الوطر (1/ 505).
(4)
قضاء الوطر (1/ 505).
(5)
حاشية الأجهوري (ص 118 - 119).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[قوله]: «فأخرَجَ النَّظريَّ» :
وإطلاق اليقينيِّ مرادفًا للضروريِّ اصطلاحٌ، وقال (هـ):«أراد باليقيني الذي لا يكون إلَّا يقينًا لا ما شأنُه ذلك، ولا شكَّ أنَّ الذي لا يكون إلا يقينًا ليس إلَّا الضروريَّ؛ إذ النظريُّ يكون ظنيًّا تارةً، ويقينًا أخرى، والقرينة على ذلك أكمل جعل «ال» في النعت والمنعوت للكمال، ولا شكَّ أنَّ الكامل في هذه النسبة: هو الذي لا ينفك عن اليقينيَّة، مأخوذ من: يَقِنَ الماءُ: ثَبَتَ ودام ولم يتغير، وبهذا يُرَدُّ قولُ مَن قال: أراد باليقينيِّ الضروريَّ
(1)
.
[قوله]
(2)
: «فأخرَجَ النَّظريَّ
…
إلخ»:
قيل: فيه نظر؛ لأنَّ مجرد ذِكْرِ اليقينيِّ لا يُخرِجه لانطلاقه على العلْم الحاصل بالنظر والاستدلال، فانطلاقه على الحاصل بالضرورة، وهو مبنيٌّ على الاعتراض السابق؛ فلا بُدَّ من رعاية ما أجبْنا به عنه، ولا شك أنَّه لو أبْدَل «اليقينيَّ» بـ:«الضروريِّ» كان أَولى.
[قوله]
(3)
: «بِشُروطِهِ
…
إلخ»:
ضميره للمتواتر، وهو متعلِّقٌ بالمفيد، و «الباء» للآلة أو للسببيَّة، ومن هنا عرَفتَ (أ/25) صحة ما قررنا به قوله فيما مَرَّ:«وَانضَافَ إلى ذلك أنْ يَصحَبَ خبَرَهم إفادةُ العِلمِ» [إذ
(4)
جعَلَ هنا إفادتَه العلْم ثابتةً بشروطها، ومُرَتَّبةً على حصولها، ويُحتمَلُ أنَّه للعلْم، أي: مع شروط حصِوله.
(1)
قضاء الوطر (1/ 506) وما بعدها.
(2)
زيادة من: (أ) و (ب).
(3)
زيادة من: (أ) و (ب).
(4)
في (هـ): [أو [.
وَاليَقينُ: هُوَ الاعْتقَادُ الجَازِمُ المُطابِقُ، وَهَذا هو المُعْتَمَدُ: أَنْ الخَبَرَ المُتواتِرَ يُفيدُ العِلْمَ الضَّروريَّ، وَهُوَ الذي يَضْطرُّ الإِنْسانُ إليهِ بحيثُ لا يُمْكِنُهُ دَفْعُهُ.
[قوله]
(1)
: «واليَقينُ: هو الاعتقادُ الجازِمُ المُطابِقُ» :
[يعني]
(2)
اصطلاحًا، ولا شكَّ أنَّ الاعتقاد -كما مرَّ- جنسٌ، والجازِم مُخرِجٌ للظنِّ وما دُونه، والمطابق أي: للواقع، مخرجٌ للجهل والتقليدِ الفاسد، ولا شكَّ في شموله للتقليد الصحيح، وليس من أقسام اليقين؛ فلو زاد -كغيره-: الثابت بضرورة أو برهان، كان تامًّا.
وفي كتابة: «هو الاعتقاد .. إلخ» فيه شيء، لأنَّه غير مانع لدخول الاعتقاد الذي ليس لموجِب كاعتقاد المقلد، فكان حقه أنْ يقول: لموجِب مِن حسٍّ أو عقلٍ أو عادةٍ، ويمكِن أنْ يريد بالجازم: ما لا احتمال [فيه]
(3)
، ولا يزول بتشكيك المُشكِّك فلا حاجة لزيادة لموجِب
…
إلخ.
[قوله]
(4)
: «وهذا هو المُعْتَمَدُ أَنْ الخَبَرَ
…
إلخ»:
هذه العبارة عند التأمل طويلة لا تظهر إلَّا بجَعل «أنَّ خبر التواتر
…
إلخ» بدلًا من الجملة، أو من اسم الإشارة، أو [المعتمد]
(5)
، أو تجعل مِن البيانية لاسم الإشارة مقدَّرة قبل أنَّ، وهو مطَّردٌ في مثله، ولو قال: والمعتمد أن المتواتر يفيد العلم، كان أظهَرَ وأخصر.
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
زيادة من: (أ) و (ب).
(3)
في (هـ): [معه [.
(4)
زيادة من: (أ) و (ب).
(5)
زيادة من: (أ) و (ب).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[قوله]
(1)
: «وهو الذي يضْطُّرُ
…
إلخ»:
اعلم أنَّ الضروريَّ: ما لا يَحتاج إلى نظر واستدلال، سواءٌ (هـ/32) احتاج إلى شيء آخَرَ من حَدْسٍ أو تجرِبةٍ أو غيرِ ذلك، أو لم يَحتَجْ، أي: بعد توجُّهِ العقل إليه إلى شيء، والبَديهيُّ يُطلَق على ذلك تارةً، وتارةً على ما لا يَحتاج بعد توجه العقل إليه إلى شيء أصلًا؛ فيكون أخصَ من الضروري. انتهى. أشار إلى ذلك السيد في «حاشية الشمسية» ، ونحوه للسعد في شرحها.
وقال (هـ)
(2)
: «وقوله: «بحيثُ
…
إلخ» تفسير لـ: «يضطر الإنسانُ إليه» .
تنبيه
(3)
:
اعترض بعضُهم كلامَ الشارح بأنَّه غير قوي؛ لأنَّ النظريَّ بعد مباشرة الأسباب كذلك، والضروريَّ قبل مباشرتها [يمكن]
(4)
دفْعُه بالانصراف عنه. انتهى، قلتُ: معنى قوله: «بحيث لا يمكنه دفْعُه» يُشعِر بأنَّه لا سبب له في أصل حصوله؛ فلا يَرِدُ النظريُّ بعد مباشرة سببه، كما أنَّ قوله:«يضْطُّر الإنسانُ إليه» يُشعِر [بهجومه
(5)
، بمعنى أنَّ مِن شأنه ذلك؛ فلا يُنافيه التخلُّصُ عنه بالصَّرف المذكور
(6)
.
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
قضاء الوطر (1/ 509).
(3)
اليواقيت والدرر (1/ 256) أفاده محقق قضاء الوطر.
(4)
في (هـ): [يمكنه [.
(5)
في (هـ): [هجرته [.
(6)
التنبيه بنصه من قضاء الوطر (1/ 509).
وقيلَ: لا يُفيدُ العلمَ إِلَّا نَظَرِيًّا! وليس بشيءٍ؛ لأنَّ العِلْمَ بالتَّواتُرِ حاصِلٌ لمَن ليس لهُ أَهليَّةُ النَّظرِ كالعامِّيِّ؛ إذ النَّظرُ: ترتيبُ أُمورٍ معلومةٍ أَوْ مَظْنونةٍ يُتَوَصَّلُ بها إلى عُلُومٍ أَو ظُنونٍ، وليس في العامِّيِّ أهلِيَّةُ ذَلكَ، فلَوْ كان نَظَرِيًّا لَمَا حَصَل لَهُم.
[قوله]
(1)
: «وقيلَ: لا يُفيدُ العِلمَ
…
إلخ»:
مقابل المُعتمَد، أي: وقال بعض العلماء كالرازيِّ وإمام الحرمين: «إنَّ المتواتر لا يُفيد السامعَ العِلْمَ بمضمونه إلَّا في حال نظرتيه»
(2)
ولو قال: إلَّا نظرًا وأسقط ياء النسبة كان أخصَرَ وأظهَرَ، وليس هذا القيلُ بشيء معتدٍّ به أو طائل فلا تَناقُضَ.
[قوله]
(3)
: «بأنَّ العِلْمَ بالتَّواتُرِ
…
إلخ»:
لو قال: لأنَّ العلْم بمضمون الخبر المتواتر حاصلٌ
…
إلخ؛ كان بَيِّنًا، فيدُلُّ بمضمون ذي التواتر، مثل {مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ] {طه: 96} أي: من أثرِ حافرِ فرسِ الرسولِ، وكان (ق)
(4)
لخَّص ما قلناه فقال: «الأَولى أنْ يقول: لأنَّ العلْم بالمتواتر» انتهى، وهو غير تامٍّ كما أشار إليه (هـ)
(5)
.
وفي كتابة: والاعتراض على العبارة مبنيٌّ على تَوَهُّم كونِ «الباء» صلةَ العلْم، وهو فاسد على كلٍّ من العبارتين؛ لأن [المتنازَع]
(6)
في كونه ضروريًّا إنَّما هو
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
لم أقف على تحرير الرازي وينظر: المحصول للرازي (1/ 84)، والبرهان (506).
(3)
زيادة من: (أ) و (ب).
(4)
حاشية ابن قطلوبغا على شرح نخبة الفكر (ص 39).
(5)
قضاء الوطر (1/ 512).
(6)
في (هـ): [التنازع [.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
العلْم بمضمون المتواتر لا به ولا بالمتواتر، وأنَّ «الباء» سببيَّة، وحينئذٍ فالتعبير بالتواتر أَولى؛ لأنَّه هو السبب في الحقيقة كما أشار له بعض المتأخِّرين.
[قوله]
(1)
: «كالعامِّيِّ» :
فيه شيءٌ؛ إذ العاميُّ فيه أهليَّةُ النَّظر؛ إذ المعتبَرُ النَّظر ولو على طريق العوامِّ؛ فلا يَصلُح تمثيلًا،] فكأن
(2)
يقول: كالبُلْهِ والصبيان، كما عبَّر] به]
(3)
الجلال [المحلِّي]
(4)
، ولذا قال (هـ)
(5)
[قوله]
(6)
: «[إذ]
(7)
النَّظرُ: ترتيبُ
…
إلخ»:
«ترتيب» مصدر مضاف لمفعوله، أي: ترتيب النَّفْس أمورًا فوق الواحد، كترتب التغير والحدوث على وجه مخصوص ينتقل منها إلى العلم بحدوث العالَم مثلًا، ومنه يُستفادُ أنَّ مَحل وقوع الحركة الفكرية هو المعلوماتُ لا العلوم، وهذا مذهب الجمهور، وذهب الإمام الرازيُّ إلى أنَّه العلوم لا المعلومات.
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
في (هـ): [مكان].
(3)
زيادة من: (أ) و (ب).
(4)
زيادة من (هـ).
(5)
قضاء الوطر (1/ 513).
(6)
زيادة من: (أ) و (ب).
(7)
في (هـ): [إذا [.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وقوله: «إلى عُلومٍ أو ظُنونٍ» :
من باب اللَّف والنَّشر المُرتَّب، لكن قوله:«إلى عُلومٍ» هو عند المحقِّقين في التصورات والتصديقات، وقوله «أو ظُنون» خاصٌّ بالتصديقات؛ بِناءً على أنَّ التصوراتِ لا نقائض لها، على ما هو مختار المحقِّقين فلا يكون إلَّا] علوما]
(1)
لذلك.
وفي كتابة: قوله: «إلى عُلومٍ» راجعٌ لقوله: «معلومةٍ» ، وقوله:«أو ظنون» راجعٌ له (أ/26) ولقوله: «مَظْنونةٍ» فإنَّ المعلوم يفيد الظنَّ كاستفادة ظنِّ المطر من العلم بوجود السَّحاب المخصوص، واستفادة الظنِّ من الظنِّ كاستفادة] ظنِّ]
(2)
وجود المطر من ظنِّ وجود السَّحاب عند رؤية الدخَان في جوِّ] السحاب]
(3)
.
[قوله]
(4)
: «وليس في العامِّيِّ أهلِيَّةُ ذلك» :
أي: الترتيب المذكور، إنْ أراد تفصيلًا فمُسلَّمٌ، لكن يَمنع شرطيَّتَه، وإنْ أراد إجمالًا فممنوع، وقد أشرنا إليه آنفًا. (هـ/33)
[قوله]
(5)
: «فلو كان
…
إلخ»:
أي: العلْمُ الحاصل بالخبر المتواتر، وضمير «كله» راجع لـ «مَنْ» مِنْ قوله:«حاصلٌ لِمَنْ ليس له أهليَّةُ النظر» مُراعًى فيه معناها الشاملُ للصبيان والبُلْهِ وأربابِ البَلادة بعد مراعاة لفظها.
(1)
في (أ): [على ما].
(2)
هكذا في هامش (أ).
(3)
في (هـ): [السماء].
(4)
زيادة من: (أ) و (ب).
(5)
زيادة من: (أ) و (ب).
وَلاحَ بهذا التَّقريرِ الفَرْقُ بين العِلْمِ الضَّرورِيِّ والعِلْمِ النَّظَرِيِّ؛ إِذ الضَّرورِيُّ يُفِيدُ العِلْمَ بِلَا اسْتِدلَالٍ، والنَّظَريُّ يُفيدُهُ لَكِنْ مَعَ الاسْتِدْلَالِ عَلَى الإِفَادةِ، وأنَّ الضَّروريَّ يحْصُلُ لِكُلِّ سامعٍ، والنَّظَرِيَّ لا يَحْصُلُ إِلَّا لِمَنْ فِيهِ أهليَّةُ النَّظَرِ.
[قوله]
(1)
: «ولاحَ» :
أي: ظهر، ولو عبر بـ:«الفاء» كان أسلسَ
(2)
.
[قوله]
(3)
: «بهذا التَّقريرِ
…
إلخ»:
وهو أنَّ التقرير يَحتمل أي: المقرر، و] هو]
(4)
أنَّ الضروريَّ: ما لا يُمْكِنُ الإنسانَ دفعُه عن نفْسه؛ كالعلْم الحاصل بإحدى الحواسِّ إلخ، والنظريَّ: ما يحصل بواسطة ترتيب أمور إلخ، ويَحتمل بيان ذلك فلا
(5)
تأويل، وفي نسخةٍ:«التعريف»
(6)
.
[قوله]
(7)
: «إذ الضَّروريُّ
…
إلخ»:
الظاهر أنَّه تعليلٌ لظهور الفرْق لا للفرْق كما لا يخفى، وهو تعليلٌ للشيء بصورته.
قال (ق)
(8)
: «هذه العبارة تفيد أنَّ العلْم الضروريَّ يُفيد العلْمَ بلا استدلال، وأنَّ العلْم النظريَّ يفيد العلمَ بالاستدلال، ولا يَخفى فسادُه؛ فصواب
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
قضاء الوطر (1/ 517).
(3)
زيادة من: (أ) و (ب).
(4)
في (هـ): [ذكر [.
(5)
في (هـ): [بلا]، والمثبت موافق لمطبوع قضاء الوطر.
(6)
أي وفي نسخة بدل «التقرير» = التعريف. قضاء الوطر (1/ 517).
(7)
زيادة من: (أ) و (ب).
(8)
حاشية ابن قطلوبغا على شرح نخبة الفكر (ص 31).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
العبارة أنْ يقول: الضروريّ: العلْمُ الحاصل بلا استدلال، والنظريّ: هو المُفادُ بالاستدلال على المطلوب نفْسِه، وهو العلم بالمدلول لا علْمُ إفادتِه التي هي وصف للدليل، كما لا يخفى.
وقال (هـ)
(1)
تنبيه:
قال (ق)
(2)
: «الضروريُّ هنا صفة العلْم؛ فيصير معنى التركيب أنَّ العلم الضروريَّ يُفيد العلمَ بلا استدلالٍ، ولا يَخفى ما فيه» ، وقال (ب): «العلْم الضروريُّ يستفاد بلا استدلال، والنظري] يُستفاد]
(3)
بالاستدلال، هذا صواب العبارة» انتهى.
ولا يَخفى كما أشار إليه الثاني -أنَّ النظريَّ- أيضًا -: صفة العلْم؛ فيلزم أنَّ الشيء] مفيدٌ]
(4)
لنفسه، فيتوجه الصوابيَّة المذكورة عليه أيضًا.
قلتُ
(5)
: ويُمكِنُ أن يُقال: إنَّ الضروريَّ والنظريَّ ليسا صفتين للعلْم، وإنَّما هما صفتان للإدراك المفهوم مما مَرَّ؛ فيصيرُ المعنى: إنَّ الإدراكَ الضروريَّ المُعَنونَ بهذا العُنوانِ يُفيد العلْمَ الضروريَّ.
أي: المُعنون بهذا العُنوان، وقِسْ عليه الإدراكَ النظريَّ يفيد] العلمَ]
(6)
النظريَّ؛
(1)
يراجع: قضاء الوطر (1/ 517).
(2)
حاشية ابن قطلوبغا على شرح نخبة الفكر (ص 31).
(3)
في (هـ): [يفاد [، والمثبت هو الموافق لمطبوع قضاء الوطر.
(4)
في (هـ): [مقيد [، وفي مطبوع قضاء الوطر [يفيد].
(5)
الكلام للّقاني رحمه الله.
(6)
زيادة من: (أ) و (ب).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
لأنَّ الشيء يختلف باختلاف عُنوانه، على نحو ما قيل في واجب الوجوب موجود وحقائق الأشياء موجودة،] ولئنْ]
(1)
سُلِّمَ أنَّ [العلْم]
(2)
الموصوفَ في الموضوعين العلْم، فهو مُجمَّل ذهنًا ومُفصَّل خارجًا، فيُخيَّلُ إلي ما حاصله: أنَّ العلم من حيث إجمالُه مفيدٌ لنفْسه من حيث تفصيلُه،] و]
(3)
مثله يكفي في دفع الخطأ، على أنَّه يمكن على أنْ] نمنع]
(4)
تقدير الموصوف، ويُراد بكلٍّ من الضروريِّ والنظريِّ لفظُه، ويُراد بالإفادة الدَّلالةُ، ولا إشكال حينئذٍ، غايته الانتقال من الفساد إلى البعد، وهو سهل، واعترَض الكَمال
(5)
قوله: «على الإفادة» بأنَّ: «المستدِلّ إنَّما يَستدِلُّ على الحكم لا على الإفادة» انتهى، ويمكن الجواب بأنَّ المراد على ثمرة الإفادة وتابعها وهو الحكم؛ إذ هو تابع للعلْم المفاد] بالنظر]
(6)
ومأخوذٌ منه.
[قوله]
(7)
: «وأنَّ الضَّروريَّ يحْصُلُ لكُلِّ سامعٍ
…
إلخ»:
بفتح همزة «أنَّ» ؛ لعَطفها على «الفرْق» وهو فاعل «لاح» ، وفيه نظرٌ؛ لأنَّه من الفرْق، فلا يحسُن عطفُه عليه، ويظهر عطفه على معنى «إذ» مشاركًا له في تعليل ظهور الفرق، تأمل.
(1)
في (هـ): [لمن [
(2)
زيادة من (ب).
(3)
زيادة من: (أ) و (ب).
(4)
في (هـ): [يمنع].
(5)
حاشية ابن أبي شريف (ص 80).
(6)
في (هـ): [النظري [.
(7)
زيادة من: (أ) و (ب).
وإِنَّما أَبْهَمْتُ شُرُوطَ التَّواترِ في الأَصْلِ؛ لأنَّهُ عَلَى هَذِهِ الكيفيَّةِ ليسَ مِنْ مباحِثِ عِلْمِ الإِسْنَادِ؛ إِذ عِلْمُ الإِسْنَادِ يُبْحَثُ فِيهِ عن صِحَّةِ الحَدِيثِ أَوْ ضَعْفِهِ؛ لِيُعْمَلَ بِهِ، أَو يُتْرَكَ مِن حيثُ صفاتُ الرِّجَالِ، وصِيَغُ الأدَاءِ، والمُتَواتِرُ لا يُبْحَثُ عَنْ رجالِهِ، بل يَجبُ العملُ بِهِ مِنْ غيرِ بَحْثٍ.
[قوله]
(1)
: «وإِنَّمَا أَبْهَمْتُ شُروطَ
…
إلخ»: هذا يقتضي أنَّه لا يُتعرَّض له في هذا الفنِّ، ولو قال: وإنما ذكرت المتواتر على الوجه المذكور تتميمًا لأقسام طرق الحديث؛ لكان في ذلك بيانٌ لوجه إيراده مِن هذا الفنِّ في الجملة.
وقال (هـ)
(2)
: «وإنَّما [أبهَمتُ]
(3)
شروط المتواتر في الأصل» يعني المَتْنَ، بل إنَّما تعرَّض للمتواتر من أصله تتميمًا لفائدة التقسيم الذي ذَكَره للخبر، ولا يخفى أنَّ هذا جوابُ أنْ يُقال: حيث كان للمتواتر في إفادته العلْمَ شروطٌ كان الواجب عليه في المتن ذكرها؛ لِما تقرر من امتناع الإجمال في مَحلِّ التعليم»، وقال (ب):«بل يجب بيان شروطه؛ ليَتَميَّزَ من غيره؛ فإنَّ (هـ/34) شروطه مأخوذة في تعريف المشهور» انتهى، ولعلَّ مرادَهُ: مأخوذ عَدَمُها، كما صرَّح به قول الشارح فيما مرَّ:«أي: ثلاثة فصاعِدًا مالم يَجْمَعْ شروط المتواتر» .
وفي نسخة: «في تعريف المشهور» فلا إشكال. (أ/27)
والجواب عن أصل الإشكال: أنَّه فعَلَ ذلك اعتمادًا على التوقيف والتعليم، وكثير لم يُميِّزوه منه، بل جعلوه فردًا من المشهور، كالعراقيِّ
(4)
.
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
قضاء الوطر (1/ 519) وما بعده.
(3)
في (هـ): [ألهمت [.
(4)
التبصرة (ص 317).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
و «المباحث» جمع مبحث، وهو لغةً: مكان البحث وهو التفتيش. واصطلاحًا: مكان إثبات النسبة الإيجابيَّة أو السلبيَّة بطريق الاستدلال.
[قوله]
(1)
: «إِذ عِلمُ الإِسْنادِ» : هو علم الحديث.
[قوله]
(2)
: «يُبْحَثُ فيهِ عن صِحَّةِ الحديثِ أَوْ ضَعْفِهِ؛] لِيُعْمَلَ]
(3)
بِهِ»:
إن كان صحيحًا أو حسَنًا وُجوبًا أو نَدْبًا، أو يُترَكَ وجوبُ العمل في الأحكام إن كان ضعيفًا، فلا يُنافي نَدْب العمل في الفضائل
(4)
.
[قوله]
(5)
: لا يُبْحَثُ عَنْ رجالِهِ، بل يجبُ العملُ بهِ مِن غيرِ بَحْثٍ»: يعني: [لأنَّه]
(6)
يُفيد علْمًا ضروريًّا، ولأنَّ غاية رجاله أنْ يكونوا كفارًا كما مَرَّ.
قال (ق)
(7)
: «هذا يؤيد ما قلناه من أنَّه لا دخل لصفات المخبِرين في باب المتواتر
(8)
» انتهى.
قلتُ
(9)
: يجب أنْ يُحْمَلَ كلامُ الشارح هنا على ما إذا وُجدت الكثرةُ السابقة في نَقَلته، أما إنْ لم توجد فيقوم مقامها الصفاتُ العالية المحصِّلة للعلْم الضروريِّ بمضمونه.
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
زيادة من: (أ) و (ب).
(3)
في (هـ): [فيعمل [.
(4)
قضاء الوطر (1/ 520).
(5)
زيادة من: (أ) و (ب).
(6)
زيادة من: (أ) و (ب).
(7)
حاشية ابن قطلوبغا على شرح نخبة الفكر (ص 32)، ورمز له في مطبوع قضاء الوطر بـ (ب)، وهو تصحيف.
(8)
وتتمة كلامه «ويحفظ هذا، فسيأتي ما يحال به عليه أيضا» .
(9)
النص للّقاني، قضاء الوطر (1/ 520).
فَائِدَةٌ:
ذَكَرَ ابنُ الصَّلاحِ أَنَّ مِثَالَ المُتَواتِرِ عَلى التَّفسيرِ المُتَقَدِّمِ يَعِزُّ وُجُودُهُ إِلَّا أَنْ يُدَّعَى ذَلكَ في حَدِيثِ: «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» .
[قوله]
(1)
: «فائدةٌ» :
تقدم أنَّها لغةً: ما استُفيدَ من علْم أو مال أو غيره، واصطلاحًا: ما يكون به الشيءُ أحسنَ حالًا منه بغيره، ألا ترى أنَّ مبحث المتواتر بما تضمنته هذه الفائدة أحسَنُ حالًا منه بدونه؟
(2)
وفي كتابة: الظاهر في مثلها أنْ تكون مَبْنيَّةً على السكون؛ لعدم التركيب؛ إذ الغرض من ذِكره إخطاره بالبال عند الشروع فلا يُقدَّر له ما يكون معه من جملة. وهي لغةً: ما حصلتَ من علْم أو مال، مشتقةٌ من الفَيْد، بمعنى استحداث المال أو الخير. وقيل: اسم فاعل من فأدْتُه: إذا أصبتَ فؤادَه، وفي العُرف: المصلحة المرتبة على فعل من حيث هي ثمرتُه ونتيجته، ومن حيث هي في طرف الفعل تُسمَّى: غايةً، ومن حيث إنَّها مطلوبة للفاعل بالفعل تُسمَّى:] غرَضًا]
(3)
، ومن حيث إنَّها باعثة له على الإقدام عليه: علة غايته؛ فالفائدة والغاية والغرض والعلة بالذات واحد، وإن اختلفت العبارات باختلاف الاعتبارات.
[قوله]
(4)
هو الحافظ العلامة تقيُّ الدين أبو عمرٍو عثمان بن الصلاح عبد الرحمن بن
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
قضاء الوطر (1/ 525).
(3)
في (هـ): [عرضا [.
(4)
زيادة من: (أ) و (ب).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
عثمان بن موسى الكُرديُّ، الشَّهْرُزُوريُّ،] الموصليُّ]
(1)
الشافعيُّ، وُلد سنة سبع وسبعين وخمس مئة، وتُوفِّيَ سادسَ عشرَ ربيع الآخر سنة ثلاث وأربعين وستِّ مئة، ودُفِن بدِمَشقَ
(2)
.
[قوله]
(3)
«المِثال» : جُزْئيٌّ يُذكَرُ لإيضاح القاعدة، و «الشاهد»: جُزْئيٌّ يُذْكَر لإثباتها، ولا يُشترط في المثال أن يكون صحيحًا، بل يُستحسَنُ فقط بخلاف الشاهد، إلَّا أنَّ النزاع هنا إنَّما هو في مِثالٍ مطابق، وحينئذ فالمراد بالمِثال: فردٌ من الحقيقة مطابق لضابطه؛ فهو بمعنى الشاهد.
و قوله: «عَلى التَّفسيرِ المُتَقَدِّمِ» :
حالٌ من: «المثال» ، و «التفسير المتقدِّم» أنْ يرويَهُ جمعٌ عن جمع يُؤمَنُ تواطؤُهم على الكذب عادةً إلى أنْ ينتهي إخبارُهم لمحسوس، واحتَرز به عن المتواتر اللُّغويِّ؛ فإنَّه لا يَعِزُّ وجوده
(4)
.
[قوله]
(5)
: «يَعِزُّ وُجودُهُ» :
من عَزَّ يَعِزُّ بكسر عين المضارع، بمعنى: يَقِلُّ، لا بفتحها؛ لأنَّه بمعنى قَوِيَ، ومنه:{فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ] {يس: 14} ، والمراد يَعِزُّ وجوده في الأحاديث بدليل ما بعد لا
(1)
في (هـ): [المتوصلي [، وهو تصحيف.
(2)
قضاء الوطر (1/ 526).
(3)
زيادة من: (أ) و (ب).
(4)
قضاء الوطر (1/ 527).
(5)
زيادة من: (أ) و (ب).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
مُطْلقًا؛ لأنَّ الخبر عن وجود مكةَ وبَعثتِه عليه الصلاة والسلام متواتر
(1)
.
[قوله]
(2)
: «إِلاَّ أَنْ يُدَّعَى ذلك» :
يَحتمل مِثال المتواتر على معنى تحقُّقِه في حديث: «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ»
(3)
، ويَحتمل التواتر المفهوم من المتواتر، ويَحتمل التفسير المتقدِّم، والأظهر: وجود المتواتر، وما ادعاه من تواتر حديث:«مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ» تابعه عليه العراقيُّ في [ألفيته]
(4)
، فقد رواه فوق [تسعين]
(5)
صحابيًّا (هـ/35) كما قاله شيخ الإسلام الأنصاريُّ
(6)
.
وفي كتابة: قوله: «إلَّا
…
إلخ» الاستثناء منقطع، أي: لكنْ «يُدَّعَى ذلك في حَديثِ: «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ» لا يصح جعله متصلًا؛ لأنَّه يقتضي أنَّه إذا ادعى ذلك لا يضر وجوده، وأنت خبير بأنْ وجودَ هذا الفرد منه لا يخرجه عن كونه عزيزَ الوجود، فإنْ قلتَ: ما فائدة] الاستثناء]
(7)
على جعله منقطعًا؟ قلتُ: بيان أنَّه وُجِد في هذا الفرد الخاصِّ لا في غيره.
(1)
في قضاء الوطر (1/ 526)، زيادة [ووجود الإسكندر] ولعلها من نقض الشارح، وهو الصحيح، وفي هامش النسخة (أ):[حاصله أن عز بمعنى قَلّ مضارعه يعز بكسر العين وعز بمعنى قوي مضارعه يعز بفتح العين ومنه «فعززنا بثالث»].
(2)
سقطت من النسخة (هـ).
(3)
سبق تخريجه.
(4)
في مطبوع قضاء الوطر [التقييد]، ينظر: التقييد والإيضاح (ص 20)، وراجع أيضًا: فتح المغيث بشرح ألفية الحديث (4/ 16).
(5)
في المخطوطات الثلاث [ستين].
(6)
فتح الباقي (2/ 160).
(7)
في (هـ): [الإنشاء].
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وفي كتابة أخرى: لا وجه للاستثناء إلَّا بجَعْل العزَّة بمعنى القلة، وجَعْل القلة بمعنى النفي، أي: لا يوجد في حال إلَّا في حال الادعاء، وإلا فقِلَّتُه لا تنافي ادعائه في حديث واحد، إلَّا أنْ يُقال: معناه ما ادعاه معبرًا عنه بلفظ العِزَّة، وادعى غيره معبرًا بلفظ العدم، وفيه (أ/28) بُعْدٌ. وقد رويَ حديثُ:«مَنْ كَذَبَ .. إلخ» ] عن]
(1)
اثنين وستين صحابيًّا، ومنهم العشرةُ المبشَّرة بالجنَّة.
قال ابن الصَّلاح: «ولا نَعرف حديثًا اجتمع على روايته العشرة إلَّا هذا، ولا حديثًا يروى عن أكثر من ستين صحابيَّا إلَّا هذا»
(2)
.
وقد تُعُقِّب بحديث مسح الخفين؛ إذ رواه فوق ستين صحابيًّا منهم العشرةُ، بل روي أنَّ الحسن البصريَّ قال: حدثني سبعون به، وجعله ابن عبد البر
(3)
متواترًا، وكذا حديث رفع اليدين في الصلاة، فإنَّ ابن منده نسَبَه إلى العشرة، وبأحاديث كثيرة؛ فلذلك ردَّ المؤلِّف ما ادَّعاه ابن الصَّلاح بقوله:«وما ادعاه من العِزَّة ممنوع» ، وقد يُقال: لعل ابن الصَّلاح ممن يَشترِط في المتواتر عدادًا لا يُوجَد كالثلاثمائة وسبعةَ عشرَ مثلًا.
(1)
في (هـ): [من].
(2)
مقدمة ابن الصلاح (ص 373).
(3)
قال ابن عبد البر: (وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم المسح على الخفين نحو أربعين من الصحابة واستفاض وتواتر). التمهيد (11/ 137).
وَمَا ادَّعَاهُ مِنَ العِزَّةِ مَمْنُوعٌ، وَكَذَا مَا ادَّعاهُ غَيرُهُ مِنَ العَدَمِ؛ لأنَّ ذَلكَ نَشَأَ عَنْ قِلَّةِ الاطِّلاعِ عَلَى كَثْرَةِ الطُّرُقِ، وأَحْوالِ الرِّجالِ، وَصِفَاتِهِمُ المُقتَضِيَةِ لإِبعادِ العَادَةِ أَنْ يَتَواطَؤوا عَلى كَذِبٍ، أو يَحْصُلَ مِنْهُمُ اتِّفاقًا.
[قوله]
(1)
: «[مَمْنوعٌ]
(2)
…
إلخ»: أي: لا دليل عليه، بل هو مجرد دعوى خالية [عن]
(3)
الدليل، فعلى مَن يقول بها إثباتها بالدليل، وبهذا سقط قول (ق)
(4)
: «ذكر بعضُ المحقِّقين أنَّ المَنْع المجرد مع الميت لا يُقبل؛ لأنَّ المَنْع معناه طلب الدليل، ولا طلب ممَّن مات» انتهى، ولا يَخفاك أن] المذاهب]
(5)
لا تموت بموت أربابها؛ فلا تَغفُل
(6)
.
[قوله]
(7)
: «وكذا مَا ادَّعاهُ غَيْرُهُ مِنَ العَدَمِ» : أي: غير ابن الصَّلاح كابن جَمَاعةَ، أمر ممنوع لذلك
(8)
.
[قوله]
(9)
: «لأنَّ ذلك
…
إلخ»: أي: المذكورَ من دعواهم العِزَّةَ والعدم نشأ
…
إلخ
(10)
، كذا قاله بعضهم، أي: فلم يَقصد المؤلِّف به التعليل، وإنَّما قَصد به
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
في (أ): [أمر مَمْنوعٌ].
(3)
في (هـ): [من] وهو الموافق لمطبوع قضاء الوطر.
(4)
لم أقف على النص في الحاشية وينظر: حاشية ابن قطلوبغا على شرح نخبة الفكر (ص 32 - 33)، وأفاد محقق قضاء الوتر لفظه في اليواقيت والدرر (1/ 266).
(5)
في (هـ): [المذهب [.
(6)
قضاء الوطر (1/ 541)، ومراد الحافظ عدم الدليل على الدعوى لا مطالبة ابن الصلاح رحمه الله بعد موته فلا يتوجه النقد حينها.
(7)
زيادة من: (أ) و (ب).
(8)
قضاء الوطر (1/ 541).
(9)
زيادة من: (أ) و (ب).
(10)
قضاء الوطر (1/ 541).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
بيان سَنَد المَنْع المذكور، فكأنَّه يقول:
وسنَدُه أنَّ ما قالاه دعوى خاليةٌ عن الدليل: أن الكتب المشتملة على طرق الأحاديث كثُر اشتمالها على شروط نقلة المتواتر، وبلوغها مرتبة إفادة العلم إمَّا بذاتها، وإما بأحوال رجالها وصفاتها، وبهذا يُرَدُّ اعتراضُ (ق)
(1)
المرتَّب على كونه علةً، ونصُّه قوله:«لأنْ ذلك علة لما قبله ولا يظهر تعلقه إلَّا لممنوع؛ فالكلام حينئذ فاسد؛ لأنَّ قلة الاطلاع ليست علة لامتناع دعواهم، وإنَّما هي علة لوقوعهم فيما ادعوه» ، وصواب العبارة أن يقول: وإنَّما صَدَرت هذه الدعوى ممن صَدَرت منه؛ لأنَّ ذلك لشيء
…
إلخ.
[قوله]
(2)
: «وأَحْوالِ الرِّجالِ، وصفاتِهِم» : ينبغي عطفه على الطرق، فالكثرة معتبَرة فيه
(3)
.
والذي يظهر: أنَّ الواو بمعنى أوْ الإضرابية، ولو عبَّر بها كان أَولى؛ لأنَّ كلامَه في كُتُبه كالمصرح بأنَّ الشرط في ثبوت تواتر المتواتر على [ما قرره]
(4)
أحد أمرين: إمَّا بلوغ نقلته الكثرةَ السابقة، أو اشتمالهم على أوصاف عاليَّة تقوم مقامَ تلك الكثرة في حصول العلْم، ولا شكَّ أنَّ هذه طريقة حررها الشارح منفردًا بها، بانيًا عليها الاستدراك على القوم المصرحين بإلغاء صفات رجال المتواتر حتى الإسلام [معولين
(5)
على اعتبار خصوص الكثرة،] فالاعتراض]
(6)
عليه بعد هذا
(1)
لم أقف على النص في الحاشية وينظر: (ص 32 - 33).
(2)
زيادة من: (أ) و (ب).
(3)
قضاء الوطر (1/ 543).
(4)
في (أ) و (ب): [قدره].
(5)
في (هـ): [فقولي].
(6)
في (هـ): [في الاعتراض].
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
بمخالفة القوم (هـ/36) في اعتبار الصفات تصور وتقصير. فإنْ قلتَ: هل يُمكِن الجمع بين كلامهم حيث لم يعتبروا أوصاف نَقَلتهم، وكلامِ الشارح حيث اعتبرها؟ قلتُ: نعم، بارتكاب التخصيص؛ بأنْ يُحمل كلامُ القوم على ما إذا وُجِد العددُ والكثرةُ السابقة، فإن فُقدت تلك الكثرة قامت مقامَها الأوصافُ [العالية]
(1)
التي يُؤْمَن التواطؤ على الكذب معها عادةً؛ ولذا حمَلْنا كلامه على أنَّ الشرط عنده أحد الأمرين، أو بارتكاب أنَّه قاس وجود الصفات العالية التي يحصل معها العلْم الضروريُّ ويَرتفِع معها احتمالُ التواطؤ على الكذب عادةً على وجود تلك الكثرة في ذلك قياسًا أخرويًّا. فإنْ قلتَ: يَتَّجِهُ على اعتبار الأوصاف العالية أنَّه إذا خالف أحدٌ من أرباب المذاهب كمالك والشافعي حديثًا وُجدت في نقَلَته تلك الأوصافُ دون الكثرة المشار إليها: أنْ يكون في ذلك مخالفةً للمتواتر المفيد للعلْم الضروريِّ؛ فيلزم مخالفة مثل أبي حنيفة للعلْم الضروريِّ، وهو غير لائق بمقاماتهم؟ قلتُ: تَوَهُّمُ لزومِ ما ذكرتَ ظاهرٌ، ويمكن الجواب بمَنع كونِه عنده كذلك وقت المخالفة، وهو كافٍ في تسويغها، وبمَنع وقوع مخالفة أحد منهم لما ثبت في نقلته تلك الأوصاف حال المخالفة، وبفرض وجود أوصاف عالية نَمنَع أنَّها ممَّا يقوم مقام تلك الكثرة في حصول العلم الضروريِّ لسامعه. فإنْ قلتَ: قد يتوجه على الشارح ما أورده شيخ أستاذنا على القوم في اعتبارهم الكثرةَ (أ/29) المشارَ إليها من أنَّ قضية كلامهم: أنَّ الأربعة الأئمة إذا رَوَوْا حديثًالم يشاركهم فيه غيرُهم لم يكن متواترًا، وإنْ صلح التواتر [و]
(2)
أنَّ السُّوقة إذا رَوَوْهُ بالِغينَ الكثرة كان متواترًا؟
(1)
في (هـ): [الغالبة].
(2)
زيادة من (هـ).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
قلتُ]: لا
(1)
، ولعلَّ هذا من موجبات العُدول له عن ظاهر طريقتهم، وعلى كلام الشارح يكون قولهم: إنَّ الأربعة صالحٌ للتواتر معناه: حيث لم توجد الصفاتُ العالية، وإلَّا كان الشرط موجودًا بالفعل، وبما قررناه يندفع اعتراضُ تلميذ المؤلف (ق)
(2)
، وأطبق من ينسب نفْسَه إلى العلم من أهل العصر على ارتضاء كلامه تقليدًا له من غير تنبُّهٍ للفرق بين الطريقتين! ولا عجب؛ فإنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
وبعبارة: قوله: «وأحوال الرجال وصفاتهم» :
قال (ق)
(3)
: «تقدَّم أنَّ المتواتر ليس من مباحث علْم الإسناد، وأنَّه لا يُبحث عن رجاله، وحينئذٍ فلو سُلِّم قلةُ اطلاع مَن ذَكَرهم المؤلِّف] على]
(4)
أحوال الرجال وصفاتهم لم يوجِب ما ذكره» - يعني من كثرة وجود المتواتر
(5)
-» انتهى.
وهو كما نبهناك عليه سابقًا وقوفٌ مع ظاهر كلام القوم، ولكن الشارح رأى أنَّ المَدار على حُصول العلم الضروريِّ من الخبر؛ فمتى حَصَل ثَبت تواتره، وإن تخلفت الكثرة المشار إليها ظاهرًا أو متى لم تحصل لم يثْبُت تواتره، وإنْ وجدت شروطه في الظاهر، وبه جزَمَ بعضُ مَن كتب على شرح العقائد للسعد من محققي العجم، وأنَّ الصفات والأحوال العالية المقتضية لامتناع الكذب عادةً تَقُوم مقامَ بُلوغ العدد الكثرةَ
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
حاشية ابن قطلوبغا على شرح نخبة الفكر (ص 30).
(3)
حاشية ابن قطلوبغا على شرح نخبة الفكر (ص 32).
(4)
في (هـ): [عن].
(5)
من كلام اللقاني، قضاء الوطر (1/ 543).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
المذكورة، غايةُ ما فيه أنَّه خالف ظاهِرَ كلامهم، وكمْ له ممَّا لم يُسبَق إليه ممَّا [يُعوَّلُ]
(1)
عليه
(2)
، وأمَّا ما أشار إليه أولًا من التناقض في كلام الشارح حيث صرَّح بعدم اعتبار الصفات ثم باعتبارها فقد صرَّحوا به» انتهى، باختِصار من كلام (هـ)
(3)
.
[قوله]
(4)
: «المُقتَضِيَةِ لإِبعادِ العادَةِ أَنْ يَتَواطَؤوا عَلى كَذِبٍ أو يَحْصُلَ منهُمُ اتِّفاقًا» : الذي قدَّمه اعتبار إحالة العادة ما ذكر لا إبعاده فيُرَدُّ المطلَق للمُقيَّد، ولا بدَّ من الاستحالة.
وفي كتابة: هذا إشارة (هـ/37) إلى أنَّ المراد من الأحوال: ما له دخل في معرفة المتواتر من تباين أوطانهم ومذاهبهم، وطبائعِهم/ وقبائلهم، وأصنافهم وروايتهم، مما يُفْضي إلى الوقوف على كثرة الطرق، وإحالة تواطئِهم على الكذب، لا ما يتعلق بعلم الإسناد من العدالة والجرح، والضبط وعدَمِه؛ فسقَطَ ما تُوهِّم من أنَّه ينافي ما مَرَّ من أنَّه لا يُبحث في المتواتر عن رجاله؛ إذ المراد من حيث العدالةُ والضبط ومقابليهما.
(1)
في (أ) و (ب): [يقول]، وفي مطبوع قضاء الوطر [يعود].
(2)
تتمته وفي مطبوع قضاء الوطر [وليس هذا إلا حجرا في النقل وإيجاب للتقليد، وخلودا إلى القصور عن المزيد].
(3)
قضاء الوطر (1/ 543)، وما بعده.
(4)
زيادة من: (أ) و (ب).
وَمِنْ أَحْسَنِ مَا يُقَرَّرُ بِهِ كَوْنُ المُتَواتِرِ مَوْجودًا وُجُودَ كَثْرةٍ في الأَحاديثِ: أَنَّ الكُتُبَ المَشْهورةَ المُتَداوَلَةَ بأَيدي أَهْلِ العِلْمِ -شَرْقًا وَغَرْبًا- المَقْطوعَ عِنْدَهُمْ بِصِحَّةِ نِسْبَتِها إلى مُصَنِّفيها، إذا اجْتَمَعَتْ على إِخراجِ حَدِيثٍ، وتَعدَّدَتْ طُرُقُه تَعدُّدًا تُحِيلُ العادةُ تَواطُؤهُمْ عَلَى الكَذِبِ إِلى آخِرِ الشُّرُوطِ، أَفادَ العِلْمَ اليَقينيَّ بصحَّتِهِ إِلى قائِلِهِ، ومِثْلُ ذَلكَ في الكُتُبِ المَشْهُورَةِ كَثيرٌ.
[قوله]
(1)
: «ومِن أَحْسَنِ مَا يُقَرَّرُ بِهِ كونُ المُتواتِرِ مَوجودًا وُجودُ كَثْرةٍ في الأَحاديثِ
(2)
…
إلخ»: اعترضه (ق)
(3)
بأنَّ: «البحث في وجود المتواتر لا في طريق إمكان وجوده، وبأنَّ قوله: «المقطوع
…
إلخ» إنْ سُلِّم ما ذَكَره من القطع فهو بنفْس النسبة لا بصحتها، وقوله:«ومِثْلُ ذلكَ كثير» دعوى مجردةٌ؛ فلا تفيد في محل النزاع» انتهى.
[قوله]
(4)
: «فهو بنَفْسِ النِّسبة لا بصحتها» : فيه نظرٌ؛ إذ القطع بنفْس النِّسبة مفيدٌ للقطع بصحتها، واعتراضه بأنَّ: البحث في وجود المتواتر لا في طريق إلخ، فيه نظرٌ؛ إذ كلام المؤلف يفيد أنَّ البحث في وجوده؛ لقوله:«إذا اجتمعت على إخراج حديث» وإذا للتحقيق، ولقوله:«ومِثْلُ ذلكَ في الكُتُبِ المَشْهُورَةِ كَثيرٌ» ، وأمَّا اعتراضه على قوله: «ومِثْلُ ذلكَ
…
إلخ» بأنَّه مجرد دعوى، فهو اعتراض صحيح، وعليه يَترَتَّبُ أنَّ دليله غيرُ مثبتٍ لدعواه؛ إذ هي: وجود ذلك -أي: المتواترِ- وجود كثرة.
وقوله: «وتعدَّدَتْ طُرُقُه
…
إلخ»: أي وكان المصنِّفون في طبقة واحدة وتعدَّدوا بحيث تُحيل العادةُ تواطؤَهم
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
في بعض ما شرحه من متن النزهة اختلاف.
(3)
حاشية ابن قطلوبغا على شرح نخبة الفكر (ص 33).
(4)
زيادة من: (أ) و (ب).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
على الكذب، أو وقوعَه منهم اتفاقًا، ووصَل منهم إلينا بطريق التواتر، فلا بدَّ من هذه الأمور في تحقيق ما ادَّعاه من وجود المتواتر وجودَ كثرة، وكلٌّ منها في محل المنع، وقد أشار ابن أبي شريف إلى البحث في كلام الشارح بما يهدي إلى هذا، فإنه قال
(1)
وقوله: «في الأحاديثِ» : تصريحٌ بمحِل النزاع؛ إذ وُجودُه بكثرة في غيرها متفَق عليه.
وقال (هـ)
(2)
: «ولا شكَّ أنَّ المستفاد من هذا الكلام وما بعده دعوى أنَّ المتواتر موجودٌ لا دعوى أنَّه ممكن الوجود» .
(1)
حاشية ابن أبي شريف (ص 34)، وما بعدها.
(2)
قضاء الوطر (1/ 544) وما بعدها.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
فقول (ق)
(1)
: «فيه لقائل أنْ يقول: البحث في وجود المتواتر لا في طريق إمكان وجوده» غيرُ لائق بالذائق، خصوصًا مع قوله:«ومِثْلُ ذلكَ في الكُتُبِ المَشْهُورَةِ كَثيرٌ» . فإنْ قلتَ: بل الكلام دالٌّ على الإمكان، وإلَّا لأوْرَد ممَّا ادَّعى وجودَه عدة أمثلة، قلتُ: قد نقَلْنا من كلامه ذلك آنفًا، على أنَّك قد صدَّقته حينئذٍ عند المقالة في دعواه قلة الاطلاع.
[قوله]
(2)
: «بِصِحَّةِ نِسْبَتِها إلى مُصَنِّفيها» : تصريح بأنَّ المقطوع به صحة نسبتها إلى أربابها ومؤلفيها، (هـ/38) وهو كذلك؛ إذ لا شكَّ/ بين علماء الإسلام في صحة النِّسبة، بل هي عندهم بالقطع الذي لا شكَّ فيه. إذا عرَفتَ هذا فقول (ق)
(3)
: «إنْ سُلِّم القطع فهو بنفْس النِّسبة لا بصحتها على ما لا يَخفى» انتهى، يعني أنَّه لا يلزم من نسبة شيء لشيء صحةُ نسبته إليه، غير مسموع؛ [لأنَّه]
(4)
منه في مقابلة القطع، فليُتأمل.
[قوله]
(5)
: «وتعدَّدَتْ طُرُقُه» : بحيث كان مذكورًا في بعضها بطريق وفي غيره بآخَرَ، أو بطريقين وفي الآخر بغيرهما، أو] بطُرق]
(6)
وفي الآخر بغيرها، وحاصله: أنَّ الاشتراط في تلك الكثرة أنْ توجد باعتبار سندٍ معيَّنٍ [والله أعلم]
(7)
،
(8)
.
(1)
حاشية ابن قطلوبغا على شرح نخبة الفكر (ص 33).
(2)
زيادة من: (أ) و (ب).
(3)
حاشية ابن قطلوبغا على شرح نخبة الفكر (ص 33).
(4)
في (هـ): [بأنه].
(5)
زيادة من: (أ) و (ب).
(6)
في (هـ): [بطريق].
(7)
زيادة من مطبوع قضاء الوطر.
(8)
قضاء الوطر (1/ 546).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وقوله: «تعدُّدًا تُحيلُ العادةُ
…
إلخ»:
معمول لـ: «تعدَّدت» منصوب به على المصْدرية المبَيِّنة للنوع، على حد: ضربتُه ضربَ الأمير، ومراده هنا بالتعدد الذي تحيل العادة معه التواطؤَ على الكذب: ما بلغ الكثرة السابقة، أو ما وجِد في طرقه المتعددة في الجملة من الأوصاف العالية ما يقوم مقام تلك الكثرة في حصول العلم الضروريِّ بمضمونه، والقرينة على هذا ما سبق، ولا بدَّ من تقدير عائد بعد «تُحيل» مثلًا؛ ليَرْبط الصفة وهي: «تُحيل
…
إلخ» بالموصوف، وهو «تعدد» كما أشرنا إليه في التقرير
(1)
.
[قوله]
(2)
: «اليَقينيَّ» :
مراده به الضروريّ، وقد مَرَّ ما فيه، وقال بعضهم: النظريّ، وهو خلاف الصحيح في العلْم الحاصل من المتواتر
(3)
.
قوله: «بصِحَّتِه إلى قائِلِه» :
أصله: بصحة نسبته إلى قائله من حيث إنَّه قاله، يعني: مثلًا، [وإلا فسائر وجوه الإحساس الظاهرة كذلك على ما مر صدر البحث ولعل هذا مراد (ب) بقوله:] «فليس القول قيدًا، بل لو كان الحديث فعليًّا كان كذلك»
(4)
.
(1)
قضاء الوطر (1/ 547).
(2)
زيادة من: (أ) و (ب).
(3)
قضاء الوطر (1/ 547).
(4)
قضاء الوطر (1/ 547).
وَالثَّاني، وَهُو أَوَّلُ أَقْسَام الآحَادِ: مَا لَهُ طُرُقٌ مَحْصُورةٌ بأَكثرَ مِنَ اثْنَيْنِ، وَهُوَ المَشْهُورُ عندَ المُحَدِّثينَ، سُمِّيَ بذَلكَ لوُضُوحِهِ، وهُوَ المُسْتَفيضُ عَلَى رَأْيِ جَمَاعةٍ مِن أَئمَّةِ الفُقَهاءِ، سُمِّيَ بذَلكَ لانْتشارِهِ، وَمِنْ فَاضَ الماءُ يَفيضُ فيضًا.
[قوله]
(1)
: «والثَّاني -وهُو أَوَّلُ أقسام الآحادِ-» :
بالمَد، يعني: بحسَب تقسيمه السابق في هذا الكتاب لا مُطْلَقًا، وإنَّما قَدَّم المتواترَ؛ لتوقُّفِ مفاهيم الآحاد عليه؛ إذ قد اعتبر منها عدم بلوغها حدَّه
(2)
.
[قوله]
(3)
: «ما لَهُ طُرُقٌ مَحْصورةٌ بأَكثرَ مِنَ اثْنَيْنِ» :
أي: ما له أسانيدُ محصورةٌ باعتبار مبدئها بأكثرَ من اثنين، وهذا صحيح، فقول (ب):«تقدم ما في ذلك من أنَّ الحصر إنَّما يكون في معين» انتهى، يعني: وأكثر من اثنين لا تعيُّن فيه لعدد معين غفلة عما أشرنا إليه؛ إذ ما فوق الاثنين معيَّن بالنسبة لمُطلَق العدد
(4)
.
[قوله]
(5)
: «وهُو المَشْهورُ عندَ المُحَدِّثينَ» :
يُستفاد منه حيث أتى بصيغة العموم أنَّ الخلاف بعده ليس إلَّا لغيرهم.
[قوله]
(6)
: «سُمِّيَ بذلك» :
أي: سُمِّي المفهوم الكليُّ بلفظ المشهور، أو المشهور من حيث مفهومُه.
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
قضاء الوطر (1/ 549).
(3)
زيادة من: (أ) و (ب).
(4)
قضاء الوطر (1/ 547).
(5)
زيادة من: (أ) و (ب).
(6)
زيادة من: (أ) و (ب).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وقوله: «لوُضوحِهِ» : علة لقوله: «سُمِّي» أي: للمناسبة المصححة لنقله من المعنى [اللُّغويِّ]
(1)
إلى الاصطلاحيِّ، [قيل]
(2)
: «لو قال: لظهوره، كان أتْبَعَ لأهل اللغة؛ لأنَّهم قالوا: الشهرة الظهور» انتهى، وأنتَ (أ/31) خبير بأنَّه لم يأتِ عنهم بما يدل على مرجوحيَّة استعمال المرادِف
(3)
.
وفي قوله: «عندَ المُحَدِّثينَ» إشارةٌ إلى أنَّ كون المتواتر قِسْمًا من المشهور ليس من اصطلاح المحدِّثين؛ لِما قدَّمه من أنَّ المتواتر لا يُبحث عنه من علْم الإسناد، بل هو اصطلاح أصوليٌّ، والمشهور عند المحدِّثين هو مقابِل المتواتر، كما يُنبِئ عنه التقسيمُ في كلام المؤلِّف؛ فهذا أخصُّ من المشهور عند الأصوليين، وهذا خلاف ما جرى عليه ابن الصَّلاح
(4)
من أنَّ المتواتر قسم من المشهور، وعلى هذا] فقصد]
(5)
شيخنا بالمشهور في التقسيم: ما يُسمَّى مشهورًا فقط، لا ما يُسمَّى مشهورًا ومتواترًا على ما قدَّمه، حيث قال: «] فكل
(6)
متواتر مشهورٌ من غير عكس» كما قاله الكمال ابن أبي شريف
(7)
.
وفي كتابة: واعلم أنَّ ما جرى عليه المؤلِّفُ من أنَّ أقلَّ عدد المشهور ثلاثةٌ، هو ما اقتضاه كلامُ ابن (هـ/39) الصَّلاح، لكن] اختار
(8)
ابن الحاجب
(9)
تبعًا
(1)
سقطت من مطبوع قضاء الوطر.
(2)
في قضاء الوطر [قال (ب)].
(3)
قضاء الوطر (1/ 551).
(4)
مقدمة ابن الصلاح (ص 267).
(5)
في (هـ): [فمقصد].
(6)
في (هـ): [لكل].
(7)
حاشية ابن أبي شريف (37)، وينظر: قضاء الوطر (1/ 551).
(8)
في (هـ): [اخبار].
(9)
رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب (2/ 308).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
للآمديِّ
(1)
والغزاليِّ
(2)
: أنَّ أقله ما زادت نَقَلَتُه على ثلاثة ما لم يبلغ حدَّ التواتر، وهو رأيٌ مأثور عن النَّظَّام، وجزَمَ به البُلْقِينيُّ
(3)
، ومال إليه الكمال ابن أبي شريف
(4)
وقال: «القول أنَّه الثلاثة غريبٌ» ، قال: «ولا يُقال: هذا اصطلاح أهل الأصول دون المحدِّثين؛ لأنَّا نقول: ممنوع، فقد جَزَم الجَزَريَّ في منظومته التي نظمها في هذا العلم بأنَّه مشهور في اصطلاح أهل الحديث، حيث قال:
واصطلَحوا المشهور ما يرويه
…
فوقَ ثلاثة عن الوَجيه
أي: عن راوٍ ذي وجاهة» انتهى
(5)
.
وعليه فيكون ما في طبقةٍ من طبقاته ثلاثةٌ من العزيز؛] لِما]
(6)
علمتَ، ولأنَّ في كلامهم ما يُفيد أنَّه ليس من الغريب، وفي ألفية العراقيِّ نحو ما لابن الصَّلاح وللمؤلِّف، انظر حاشية (ج)
(7)
واشتراط روايته عن وجيه ضعيف؛ [إذ]
(8)
لا فرْق بين الوَجيه وغيره.
[قوله]
(9)
: «عَلى رأْيِ جماعةٍ
…
إلخ»:
«رأي» منوَّنًا قبل الشرح، وصار معه مضافًا، وقد مَرَّ لنا بيانُ جوازه، وبه يُرَدُّ
(1)
الإحكام في أصول الأحكام للآمدي (2/ 35).
(2)
المستصفى (ص 116).
(3)
محاسن الاصطلاح» مع مقدمة ابن الصلاح (ص 453).
(4)
ينظر: حاشية ابن أبي شريف (ص 83).
(5)
الغاية شرح منظومة الهداية في علم الرواية، للسخاوي (ص 71).
(6)
في (هـ): [كما].
(7)
حاشية الأجهوري على شرح نخبة الفكر (ص 137).
(8)
في (هـ): [بل. [
(9)
زيادة من: (أ) و (ب).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
قولُ من قال: «كان اللائق أن يقول: على رأي، وهو رأي جماعة» ، ثم الرأي المذكور اختاره المؤلف في «الإصابة»
(1)
، وجزم في «جمع الجوامع»
(2)
بمرجوحيَّته بقوله: «قد يُسَمَّى المستفيضُ مشهورًا» .
[قوله]
(3)
مرادُه بهم: الفقهاء وأهل أصول الفقه، بل وعَزاه بعضهم لبعض المحدِّثين
(4)
.
[قوله]
(5)
أي: مشتق من مادة فاض، بِناءً على رأي البصرييِّن: أنَّه لا اشتقاق إلَّا من المصدر، مستعمَلًا كان أو مقدَّرًا.
أو من نَفْس فاض، بِناءً على رأي الكوفيين: أنَّ الاشتقاق -ولبعضٍ: المشتقات- من الماضي، أو مأخوذ من فاض؛ فيجري على المذهبين بِناءً على أنَّ دائرة الأخذ أوسع من دائرة الاشتقاق
(6)
.
(1)
لم أقف على كلامه بعد البحث.
(2)
الغيث الهامع شرح جمع الجوامع (ص 415).
(3)
زيادة من: (أ) و (ب).
(4)
قضاء الوطر (1/ 552).
(5)
زيادة من: (أ) و (ب).
(6)
قضاء الوطر (1/ 552).
وَمِنْهُمْ مَنْ غَايَرَ بينَ المُسْتَفيضِ والمَشْهُورِ بأَنَّ المُسْتَفيضَ يَكونُ في ابْتِدائِهِ وانْتِهائِهِ سَوَاءً، والمَشْهُورَ أَعَمُّ مِنْ ذَلكَ.
وَمِنْهُمْ مَنْ غَايَرَ على كَيفيَّةٍ أُخْرى، وليسَ مِنْ مَباحِثِ هذا الفَنِّ.
[قوله]
(1)
: «ومِنْهُم» : أي: من أئمة الفقهاء بالمعنى السابق.
[قوله]
(2)
: «في ابْتِدائِهِ وانْتِهائِه» : أي: وفيما بيْنهما أيضًا، «سواءٌ» أي: أنْ تَستويَ طِباقُه في العدد، وحَقُّ التعبير أنْ يقولَ: ابتدائه إلى انتهائه، كما فعل الأنصاريُّ.
وقوله: «والمشهورُ أعَمُّ من ذلك» :
أي: مع مراعاة معناهُ السابقِ، وهو ما له طرُقٌ محصورة بأكثرَ من اثنين؛ فيُطْلَقُ على ذلك، وعلى ما اختلف طِباقه في العدد بأنْ يكون عددُ طِباقه ثلاثةً وأخرى أربعة مثلًا، ويُحتمل أنْ يريد أنَّه أعَمُّ مع عدم مراعاة تعريفه السابق؛ فيَصْدُقُ بما إذا كان بعضُ طِباقه واحدًا، وعليه شرح بعضهم فقال:«والمشهور أعَمُّ من ذلك، بحيث يَشمل ما كان أوَّلُه منقولًا عن واحد، كحديث: «الأعمالُ بالنِّيَّاتِ» ، وإنِ اعترض ابنُ الصَّلاح التمثيلَ؛ لأنَّ الشهرة فيه نسبيَّةٌ» انتهى، لكنْ يُقالُ: إذا أريدَ أنَّه أعَمُّ مع عدم مراعاة تعريفه السابق شَمِل ذلك ما ليس له إسنادٌ أصلًا، وما له سنَد واحدٌ، حينئذٍ فلا فائدة لقوله: «ثمَّ المَشْهورُ يطلق
…
إلخ»؛ إذ هو مستفاد من هذا، وجوابه: أنَّ قوله: «ثمَّ المَشْهورُ
…
إلخ» أفاد به أنَّ إطلاقه على غير ما قدَّره هنا مقيَّدٌ باشتهاره على الألسنة، وقوله:«والمَشْهور أَعَمُّ مِن ذلكَ» ليس فيه مراعاةُ هذا
(3)
القيد، تأمَّلْ.
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
زيادة من: (أ) و (ب).
(3)
زيادة من: (أ) و (ب).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[قوله]
(1)
: «ومِنهُمْ مَن غايَرَ» : أي: بيْنهما، في هذا البعض إجمالٌ] يُعلَم]
(2)
مما في الذي قبله، والكيفيَّة الأخرى هي أنَّ المستفيض: هو الشائع عن الأصل كيف كان، والمشهور: ما زادت رُواته عن (أ/32) ثلاثة، وقيل: المستفيض ما تلقَّتْه الأئمة بالقَبول دون اعتبار عدد؛ ولذا قيل: إنَّه هو والمتواتر بمعنًى واحدٍ، بل قال الماوَرْديُّ:«إنَّه أقوى من المتواتر» .
وقال (هـ)
(3)
: «والكيفية الأخرى هي أنَّه قال: المستفيض هو الشائع عن أصل؛ فخرج الشائع لا عن أصل، وبه قطع السُّبْكيُّ
(4)
، ولو (هـ/40) كانت نَقَلته دون رواة المشهور؛ فأقل رُواة المستفيض اثنان كما قاله الشيخ في التنبيه، وقال ابن الحاجب
(5)
: «المستفيض ما زادت نقلته على ثلاثة» ، وقيل: المستفيض ما تلقَّتْه الأئمة] بالقَبول]
(6)
دون اعتبار عدد، وهذا لا ينبغي أن يُفسَّر به الكيفيةُ الأخرى؛ لأنَّ هذا ما أشار إليه المؤلِّف بقوله: «من ابتدائه
…
إلخ»، والأصح أنَّه لا يفيد -كالمشهور- العلْم النظريَّ إلَّا بقرينة، وكذا سائر الآحاد
(7)
.
[قوله]
(8)
: «وليس مِن مَباحِثِ هذا الفَنِّ» : اسمُ «ليس» عائدٌ على «المستفيض» على الظاهر، ويُحتمل أنَّه عائدٌ على التَّغاير بينه وبين المشهور، بل ويُحتمل على الترادف، أي: وليس المستفيض، أو التغاير أو الترادف بينه وبين المشهور، «من مَباحِثِ هذا الفنِّ» ، وإنَّما هو من مباحث الأصول الفقهيَّة، أي: وهذا زيادة بيان مع قوله: «على رأي جماعةٍ من الفقهاء» .
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
في (هـ): [فيعلم].
(3)
قضاء الوطر (1/ 553).
(4)
سبق عزوه.
(5)
بيان المختصر شرح مختصر ابن الحاجب (1/ 654)، الردود والنقود شرح مختصر ابن الحاجب (1/ 632).
(6)
في (هـ): [فالقبول].
(7)
قضاء الوطر (1/ 554).
(8)
زيادة من: (أ) و (ب).
ثمَّ المَشْهُورُ يُطْلَقُ على مَا حُرِّرَ هُنَا، وعَلَى ما اشْتُهِرَ على الأَلْسِنَةِ، فَيَشْمَلُ ما لَهُ إِسنادٌ واحِدٌ فَصَاعِدًا، بل ما لا يوجَدُ لهُ إِسنادٌ أَصْلًا.
[قوله]
(1)
: «ثمَّ المَشْهورُ» :
عند المحدِّثينَ قِسمان:
الأول: أنَّه «يُطْلَقُ على مَا حُرِّرَ هُنا» ، قال السَّخَاويُّ
(2)
: وهذ القسم مُلحَقٌ بالمتواتر عند المحدِّثين، يُفيد العلْمَ النظريَّ إذا كانت طرُقُه متباينةً، سالمةً من ضعف الرُّواة، ومن الشذوذ والعلَّة، لكنَّه يُفارِق المتواتر في أنَّه يُشترط عدالةُ نَقَلته؛ فإنَّ المشهور قد يكون أُحاديَّ الأصل ثم يَشتهر بعد الصحابة في القرن الثاني] ممن]
(3)
بعدهم، وفي أنَّ المشهور لا يُحَصِّل العلْم به إلا العالم بالحديث مُستبْحِر فيه، عارف بأحوال الرُّواة، مطَّلِع على العلل، بخلاف المتواتر؛ فإنَّه يحصُل به لكل سامع.
الثاني: أنَّه يُطلَق «على ما» أي: على الحديث، الذي «اشتُهر على الألسنة» أي: دار عليها مُتكلَّمًا به، كان له أصلٌ] أو]
(4)
لا، من هنا قال (ب):«المراد أنَّه اشتُهر على الألسنة لُغةً لا اصطلاحًا» ؛ «فيَشمَل: ما له إسناد واحد فصاعِدًا» وإنْ لم يكن صحيحًا، قال ابن أبي شريف:«أي: فيكون مُحتمِلًا للأنواع الأربعة: المتواتر والمشهور، والعزيز والغريب» ، و «ما لا يُوجَد له إسنادٌ أصلًا» ، وأنتَ
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
بمعناه من فتح المغيث بشرح ألفية الحديث (1/ 72).
(3)
في (هـ): [فمن].
(4)
في (هـ): [أم].
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
خبيرٌ بأنَّ هذا لا مَدخل له في شيء من تلك الألقاب الستة، وإنما ذُكِر تتميمًا للفائدة على سبيل الاستطراد.
تتمة:
من القسم الأول: ما له إسنادٌ صحيح: «إنَّ اللهَ لا يَقبِضُ العِلمَ انتِزاعًا يَنتزِعُه»
(1)
و «مَن أتى الجُمُعةَ فلْيَغتَسِلْ»
(2)
، وما له منه إسنادٌ حسَنٌ:«طَلَبُ العِلمِ فريضةٌ على كلِّ مُسلِمٍ»
(3)
أفاد المِزِّيُّ أنَّ طُرُقَه ترتقي إلى الحُسْن، وما له منه إسنادٌ ضعيف:«الأُذُنانِ مِنَ الرَّأسِ»
(4)
، ومن القسم الثاني وهو: ما لا إسناد له: «عُلماء أمَّتي أفضل من أنبياء بني إسرائيلَ»
(5)
و «وُلِدتُ في زمان الملِكِ العادلِ كِسْرى»
(6)
. قال بعضهم: وينقسم المشهور أيضًا إلى مشهور عند المحدِّثين فقط، وإلى مشهور بينهم وبين غيرهم، مثال الأول: حديث محمد بن عبد الله الأنصاري، عن سليمانَ التَّيمِيِّ، عن أبي مِجْلَزٍ، عن أنسٍ: أنَّ المصطفى قَنَتَ شهرًا بعد الركوع
(7)
، فهذا مشهور بين المحدِّثين، ورواه التَّيميُّ عن أنسٍ أيضًا، وأمَّا غيرُهم فيَستغرِبُه من جهة التَّيميِّ يروي عن أنسٍ بلا واسطة.
(1)
البخاري (100)، ومسلم (2673).
(2)
البخاري (877)، ومسلم (844).
(3)
ابن ماجه (224).
(4)
أبو داود (134)، والترمذي (37)، وابن ماجه (440).
(5)
ذكره ابن مفلح في الاداب (2/ 37): وقال لم أجد له أصلًا.
(6)
ذكره السخاوي في المقاصد الحسنة (532) وقال لا يصح.
(7)
مسلم 299 - (677) من طريق المعتمر عن أبيه.
والثَّالِثُ: العَزيزُ، وهُوَ أَلَّا يَرْويَهُ أَقَلُّ مِن اثْنَيْنِ عنِ اثْنَيْنِ، وسُمِّيَ بذلك إِمَّا لِقِلَّةِ وُجودِهِ، وإِمَّا لكونِهِ عَزَّ -أَي: قَوِيَ- بمَجيئِهِ مِن طَريقٍ أُخْرى.
[قوله]
(1)
: «والثَّالِثُ: العَزيزُ، وهُو: ألَّا يَرْويَهُ أَقَلُّ مِنَ اثْنَيْنِ عنِ اثْنَيْنِ» :
أي: وهو ذو «ألَّا يَرويَهُ» أي: وحالُهُ ألَّا يرويَه، فحُذف المضافُ وأقيمَ المضاف إليه مُقامَه فانفصَل وارتفع؛ فلا بدَّ من تقديرٍ لصحة الحمل: إمَّا مع المبتدأ، وإمَّا مَع الخبر، وقد يدَّعى أنْ لا حَذفَ ولا تقدير، غايةُ الأمر أنَّ المصدر مؤوَّلٌ باسم المفعول، أي: وهو غير المروي بأقلَّ من اثنين عن اثنين، لكنْ يَرِدُ عليه بكل حالٍ: أنَّه يَصْدُق حتى بالمتواتر فضلًا عن المشهور، ولو زاد هنا في الثاني: عن أقلَّ من اثنين؛ لكان أوضَح؛ حتى لا يَصُدق بالغريب في الجملة. و «أنْ» هنا هي الناصبة للمضارع لا المخففة لفقد العلْم وما يجري مجراه.
تنبيه:
(هـ/41) قيل: «عن اثنين» نعت لـ: «اثنين» قبله لا متعلق بـ «يروي» . انتهى، قلتُ: بل هو متعلِّق به لا نَعت، والنفي مُسلَّطٌ على الأقلية التي هي وصف معمول «يروي» بلا شبهة، وبه يسقط أنَّ (أ/33) إثبات أقلَّ في الثاني أوضح؛ إذ هو مبني على فَهمِ أنَّ النفي مُسلَّطٌ على العامل، قاله/ (هـ)
(2)
.
وفي كتابة: قوله «ألَّا يَرْويَهُ
…
إلخ» صادق بصوَر؛ إحداها: أنْ يرويَه اثنان عن كلِّ واحدٍ من الاثنين. ثانيها: أنْ يرويه عن كلِّ واحد من الاثنين اثنان.
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
قضاء الوطر (1/ 557).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[الثالثة]
(1)
: أنْ يرويَه اثنان عن واحدٍ وواحدٌ عن واحدٍ. الرابعة: أنْ يرويَه واحدٌ من الاثنين عن واحدٍ من الاثنين والآخرُ عن الآخر. الخامسة: أنْ يرويَه اثنان عن واحدٍ من اثنين، ثُمَّ في كلٍّ إمَّا أنْ يكون طَرَفُ الإسناد الأعلى وهو الصحابيُّ اثنين أو واحدًا، ووجْه صِدقِه بذلك أنَّ قوله:«أَقَلُّ مِنَ اثْنَيْنِ» في قوَّة قوله: «واحد» ؛ فكأنَّه قال: ألَّا يرويَه واحد عن اثنين، ولا شك في صِدقه بما ذُكِر، والصورة الأولى والثانية من العَزيز عند الحاكم وغيره، وأمَّا الصورة الثالثة فمقتضى قوله: «وأَمَّا صُورَةُ العَزيز
…
إلخ» أنَّها] مُرادُة]
(2)
، ومقتضى قول الحاكم:«كالشهادة على الشهادة» أنَّها غير مرادة، وهكذا يقال في الرابعة والخامسة، والحاصل أنَّه لا بُدَّ في العزيز من التعدد حتى في الصحابيِّ، وهو مقتضى قول المؤلِّف:«أو بهما» ، ومقتضى قول الشارح عن ابن العربي قلنا: قد خطب به عُمر
…
إلخ، وهو أيضًا مقتضى ما ذكره (ق)
(3)
عن المؤلِّف عند قوله: «ثم الغرابة
…
إلخ» وهو الموافِق لِما ذَكَرَه شارح ألفيَّة العراقيِّ
(4)
، ويجب أنْ يَجريَ مِثلُه في الغريب والمشهور كالعزيز، أو المُعتبَر التعدد [الخاصُّ]
(5)
.
(1)
في (أ): [الثالث].
(2)
في (أ): [مراده].
(3)
حاشية ابن قطلوبغا على شرح نخبة الفكر (ص 43).
(4)
فتح الباقي بشرح ألفية العراقي (2/ 150).
(5)
في (هـ): [والخاص].
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
فيمَن بعد الصحابيِّ، وهو مقتضى ما ذكره الحاكم، والحاصل: أنَّه اختُلف في العزيز: هل لا بُدَّ ألَّا تنقُصَ طبقةٌ من طِباقه عن اثنين حتى في الأولى؟ أو يُكتفى في الطبقة الأولى بواحدٍ فقط؟ وإلى هذا الثاني ذهب الحاكم، وهو الموافق لتفسير
(1)
الشارح له بقوله: «وهو: أَلَّا يَرْويَهُ أَقَلُّ] مِن]
(2)
اثْنَيْنِ] عن اثنين]
(3)
»، والأول هو مقتضى كلام المؤلِّف، وما ذَكَره الشارح عن ابن العربيِّ، وهو أيضًا مقتضى ما ذَكَره (ق)
(4)
عن المؤلِّف عند قوله: «ثم الغرابة
…
إلخ»، وعلى كلٍّ فيَشمَلُ] كلامُه]
(5)
الصوَرَ الخمسَ المتقدمة، لكنْ على الأول يَجري في الطبقة الثانية وما بعدها، وعلى الثاني يَجري في الطبقة الثالثة وما بعدها؛ فهو أنْ يرويَ أول طبقة فيها اثنان عن كلِّ واحدٍ اثنان، أو اثنان عن أحدهما ثم عن الآخر، أو اثنان عن أحدهما فقط، أو اثنان واحدٌ عن أحدهما وآخُرُ عن الآخر، أو اثنان عن أحدهما وواحدٌ عن الآخر، والصورتان الأُوليان من العزيز عند الحاكم وعند غيره، وما عداهما فمقتضى كلام الحاكم أنَّها ليست من العَزيز، ومقتضى كلام غيره أنَّها منه» انتهى، مع بعض حذف من حاشية (ج)
(6)
.
(1)
في (ب)[لتفسير الحاكم].
(2)
في (هـ): [عن اثنين].
(3)
زيادة من (ب) وألحقت بهامش (أ).
(4)
حاشية ابن قطلوبغا على شرح نخبة الفكر (ص 43).
(5)
في (هـ): [كلامهم].
(6)
حاشية الأجهوري على شرح نخبة الفكر (ص 145).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وفي كتابة أخرى: «وهو: ألَّا يرويَه أقلُّ
…
إلخ» يجب أنْ يُزاد: ولا يصل إلى حدِّ التواتر والشهرة؛ لأخارجهما لإخراجهما، ثُمَّ الظاهر أنْ قوله:«عن اثنين» مستغنًى عنه؛ فإنَّ المستفاد من كلام العراقيِّ أنَّ ما وقع في سنَده واحدٌ فغريبٌ، أو اثنان أو ثلاثةٌ فعَزيزٌ، وفوق ذلك فمشهورٌ، ثُمَّ إنَّ قوله:«ألَّا يرويَه» فيه توجيهات؛ إمَّا بتقدير مضاف في المبتدأ، أي: حالهُ، أو في الخبر، أي: ذو ألَّا يرويَه، وإمَّا بتأويل أنْ والفعل بمصدر وتأويل المصدر باسم المفعول على قياس توجيه صاحب المغني قولَه تعالى:{وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى] {يونس: 37} ، وإمَّا بحَمل المصدر مبالغةً، كقول الخنساء: فإنَّما هي إقبال وإدبار.
[قوله]
(1)
: «وسُمِّيَ بذلك» :
أي: بلفظ] العَزيز]
(2)
، ويجمع على] عِزاز]
(3)
، وأعزة، وبه يَسقط ما يتوهَّمه القاصرون من اتحاد المُسمَّى به والمُسمَّى.
[قوله]
(4)
: «إِمَّا لِقِلَّةِ وُجودِهِ» :
بِناءً على أنَّه من: عَزَّ يعِزُّ -بكسر عين المضارع- عُز أو عِزازة إذا قَلَّ، و (هـ/42) قوله:«وإمَّا لكونه عَزَّ أي: قوي بمجيئه من طرق أخرى» بِناءً على أنَّه
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
في (هـ): [الغزيز]، وهو تصحيف.
(3)
في (هـ): [غزاز]، وهو تصحيف.
(4)
زيادة من: (أ) و (ب).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
من عَزَّ يَعَزُّ -بفتح عين المضارع- عَزازة إذا اشتد وقوي، ومنه:{فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ] {يس: 14} ، أي: قوَّينا وشدَدْنا، وجمْع العَزيز: عِزاز، ككريم وكرام، والآية نزلت في رُسُل عيسى الذينوجَّههم إلى أنطاكية للتبليغ
(1)
، {إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ] {يس: 14}، وهو شَمعون، وأهْل أنطاكية كانوا عبدة أصنام فأرسَل إليهم عيسى عليه الصلاة والسلام
(2)
اثنين يدعونهم إلى الإسلام بعيسى وعبادة الله وحْدَه، فلما قرِبا من (أ/34) المدينة رأيا حبيب النجَّار يرعى غنمًا فسألهما فأخبراه الخبَرَ؛ فقال: أَمَعَكُما آية؟ فقالا: نَشفي المريض ونبرئ الأكمه والأبرصَ، وكان له ولدٌ مريضٌ فمسَحَاه فبرئ؛ فآمَن حَبيب، ونشأ الخبر فشُفي على أيديهما خلقٌ، وبَلَغ حديثُهما إلى مَلك المدينة فدعا بهما، وقال لهما: ألنا إلهٌ سوى آلهتنا؟ قالا: مَن أوجدك] والقَتل]
(3)
، فقال: قُوما حتى أنظر في أمركما؛ فحبسهما، وبَلَغ الخبرُ عيسى عليه الصلاة والسلام فبعث شمعون، فدخل متنكِّرًا وعاشر أصحاب المَلك حتى استأنسوا به وأوصلوه إلى الملك فأنِس به، فقال له يومًا: سمعتُ أنَّك حَبستَ رجلين، فقال له: هل سمِعتَ ما يقولانه؟ قال: لا، فدعاهما، فقال شمعون: مَن أرسلكما؟ قالا: الله الذي خلق كل
(1)
في الهامش (أ): قصة أصحاب القرية وهي أنطاكية.
(2)
في (هـ): عليه السلام.
(3)
في (هـ): [والهتك].
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
شيء وليس له شريكٌ، فقال: صِفاه وأوْجزا؟ قالا: يفعل ما يشاء ويحكم، قال: وما آياتكم؟ قالا: ما يتمنى المَلِك؛ فدعا بغُلام مَطموس العينين فدعَوَا الله تعالى حتى انشق له بصره، وأخذا بندقتين فوضعاهما في حَدَقَتيه فصارتا مُقلتين ينظر بهما، فقال له شمعون: أرأيتَ لو سألتَ إلهك هل يصنع مثل هذا حتى يكون لكَ وله الشرف؟ قال: ليس لي عندك شر، آلهتُنا لا تبصر ولا تسمع ولا تضر ولا تنفع، ثم قال: إنْ قَدَرَ إلهكُمَا على إحياء ميت آمنَّا به، فدَعُوا بغلام مات منذ سبعة أيام، فدَعَوَا فقام، وقال: إني أُدخلت سبعة أودية من النار وأنا أحذركم ما أنتم فيه فآمِنوا، وقال: فُتِحت أبواب السماء فرأيت شابًّا حسنًا يشفع لهؤلاء الثلاثة شمعون وهذان، فلما رأى شمعون أنَّ قوله قد أثَّر في المَلك نصحه فآمَنَ في جَمْعٍ، ومن لم يؤمن ممَّن سواهم صاح عليهم جبريل عليه الصلاة والسلام فهُلكوا، ولَمَّا كان إرسالُ عيسى الرسُلَ إنَّما هو بأمر الله تعالى أضافه سبحانه وتعالى إليه فقال:{أَرْسَلْنَا} و {فَعَزَّزْنَا} {يس: 14} .
تنبيه:
قوله: «أخرى» بالتأنيث صفة لـ: «طريق» صحيح؛ لجواز تذكيره وتأنيثه -كما مَرَّ
(1)
.
(1)
قضاء الوطر (1/ 561).
ولَيْسَ شَرْطًا للصَّحيحِ خِلافًا لمَنْ زعَمَهُ، وهُوَ أَبو عَليٍّ الجُبَّائيُّ مِنَ المُعْتزلةِ، وإِليهِ يُومِئُ كَلامُ الحاكِمِ أَبي عبد اللهِ في «علومِ الحديثِ» ، حيثُ قال:«الصَّحيحُ أَنْ يَرْوِيَهُ الصَّحابِيُّ الزَّائِلُ عنهُ اسمُ الجَهَالةِ بأَنْ يكونَ لهُ رَاوِيانِ، ثمَّ يَتَداوَلَهُ أَهلُ الحَدِيثِ إِلى وَقْتِنِا؛ كالشَّهادَةِ عَلى الشَّهَادَةِ» .
[قوله]
(1)
: «وليس شرطًا للصحيح خلافًا] لِمَنْ]
(2)
زَعَمَه»:
اسم «ليس» عائدٌ على «العَزيز» من حيث تعدُّدُ رُواتِه، لا من حيث ذاتُه ولا وصفُه بالعِزَّة؛ لئلا يُوهِم كَلامُه أنَّ هناك مَن يَشترط العَزيز في صحة الحديث الصحيح، وليس كذلك، وإنَّما المُشترَط فيها -على القول به- التعدُّدُ الذي [في]
(3)
[رُواة]
(4)
العزيز، وهو: ألَّا يَرويَه أقلُّ من اثنين عن أقلَّ من اثنين، وأَولى منه عَوْدُه على التعدد المُشعِرِ به «العزيز» ، ونصب «خلافًا» على أنَّه مفعول مطلق عامله محذوف على ما هو المنصور من جواز حذف عامل المؤكِّد خلافًا لابن مالك
(5)
، واللام بعده للتبيين، والأصل: خالفنا في عدم اشتراط ما ذَكَر الأدنى خلافًا لمن زَعمه، على حدِّ: سقيا لزيد ورعيًا له، وإنْ كان واقعًا في الخبر.
وفي كتابة أخرى: وليس شرطًا في الصحيح أنْ يكون عَزيزًا وما فوقَه؛ لأنَّ الغريب منه الصحيح، قال العراقيُّ لَمَّا ذكر أنَّ الحاكم فسَّر الشَّاذَّ بما تَفرد به ثقة
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
في (هـ): [من].
(3)
في (هـ): [عن].
(4)
في (هـ): [رواه].
(5)
شرح ابن عقيل (1/ 563).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
من الثقات: وليس أصل متابَع لذلك الثقة، وأن أبا يعلى الخليليَّ فسَّره بما له إسنادٌ واحد سواء [ثقة كان أم لا]
(1)
، وأنَّ الشافعيَّ فسَّره بما يخالِف الثقةُ فيه النَّاسَ (هـ/44).
قال ابن الصَّلاح: «وما ذكره الشافعيُّ لا إشكال فيه، وأمَّا ما ذكره غيره فمُشْكِلٌ بما ينفرد به العدلُ الضابط، كحديث: «إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّاتِ»
(2)
…
ثم قال: وأوضَحُ من ذلك حديث عبد الله بن دينار، عن ابن عُمرَ: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بَيعِ الولاءِ وهِبَتِه
(3)
؛ تفرَّد به عبد الله بن دينار، وحديثُ مالك، عن [ابن شِهاب]
(4)
، عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنَّه دخل مكة وعلى رأسه المِغفَرُ
(5)
…
وكلُّ هذه مخرَّجةٌ في الصحيحين، مع أنَّه ليس له إسناد واحدٌ انفرد به الثقة»
(6)
.
[قوله]
(7)
بل هو رئيس المعتزلة في وقته، اسمه: محمد بن عبد الوهاب بن سَلام، منسوب إلى جُبَّي -بضم الجيم وتشديد الباء الموحدة- قرية من قرى البصرة.
(1)
في (ب)[كان ثقه أم لا].
(2)
أخرجه البخاري (1) واللفظ له، ومسلم (1907).
(3)
البخاري (2535)، مسلم (1506).
(4)
في (أ): [أبي هريرة] وهو خطأ والتصويب من المراجع.
(5)
البخاري (1846)، مسلم (1357).
(6)
مقدمة ابن الصلاح (ص 164)
(7)
زيادة من: (أ) و (ب).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ومعنى «يومِئ» يشير بخفاء. وأبدل من «الحاكم» : «أبي عبد الله» ؛ ليَخرُجَ الحاكمُ أبو أحمدَ.
قال شيخ شيخنا النَّجْم: «ومَحِل الإشارة قوله: كالشهادة على الشهادة» انتهى
(1)
.
وهو ظاهرٌ في أنَّه من كلام الحاكم، وعليه فلا اعتراض على الشارح؛ إذ غايتُه أنَّه عوَّل على (أ/35) كلام الحاكم في «علوم الحديث»
(2)
وإنْ خالف كلامه/ في «المدخل»
(3)
، فليُحرر هذا اللفظ؛ فإنِّي ما وقفت على هذا الكتاب [المسمى بـ:«علوم الحديث» ]
(4)
.
وفي كتابة: «وليس» اشتراط العدد بألَّا يرويَه أقلُّ من اثنين عن اثنين، «شرطًا للصحيح» أي: للحديث الصحيح، «خلافًا لمن زعمه، وهو: أبو عليٍّ الجُبَّائيُّ» حيث قال: «لا يُقبَلُ خبرُ العدل الواحِد إلا إذا انضمَّ إليه آخَرُ، أو عَضَّدهُ موافقةُ الكتاب، أو ظاهرُ خبر آخر، وانتشر بين الصحابة، أو عَمِلَ به بعضهُم» بل نُقل عنه أنَّه اشتَرَط أربعةً، وإليه يومِئ كلام أبي عبد الله -من أكابر المحدِّثين- في كتابه الذي ألفه في علوم الحديث المسمى بـ:«المدخل» ، حيث: «قال الصحيح
…
إلخ»
(5)
، ووافقه على ذلك من المحدِّثين أيضًا: ابنُ الأثير في مقدمة
(1)
قضاء الوطر (1/ 567).
(2)
علوم الحديث (ص 242).
(3)
المدخل (ص 73).
(4)
سقط من مطبوع قضاء الوطر (1/ 567).
(5)
المدخل (ص 73).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
«جامع الأصول» ، ووافقهما على ذلك من الفقهاء: إبراهيم ابن عُلَيَّةَ، والمَيَانَجِيُّ من المحدِّثين، بل زاد أنَّ شرط الشيخين: أنْ يرويَه عن المصطفى اثنان فأكثرُ، ويرويَه عن كلٍّ منهما أربعةٌ، ويرويَه عن كلٍّ منهم أكثر من أربعة! وردَّه المؤلِّف لأنَّه لو قيل له: إنَّه ليس في الصحيحين حديثٌ واحدٌ بهذه الصِّفة لم يَبْعُد، قال شيخ شيخنا الغَيطِيُّ: «والإيماء في كلام الحاكم مِن قوله:
«كالشهادة على الشهادة» فإنَّه يقتضي: أنْ يكون الحديثُ رواه اثنان عن اثنين عن الصحابي الذي زال عنه اسمُ الجهالة إلينا، لكنه لم يَشترط أن يرويَه اثنان عن النبيِّ عليه الصلاة والسلام كما اشترطه غيرُه» انتهى، وبذلك عُلِم أنَّ اشتراط العدد ليس خاصًّا ببعض المعتزلة، بل عليه جماعةٌ من المحدِّثين وغيرهم؛ فقول المؤلِّف في نُكَته على ابن الصلاح:«إنَّه خاصٌّ ببعض المعتزلة» غيرُ صحيح، فقوله: «الصحيحُ: أن يرويَه
…
إلخ» معناه: الحديث الصحيح ذو أنْ يرويه، أو حال الحديث الصحيح، أو شرط الحديث الصحيح: أن يرويَه
…
إلخ، ويجوز أنْ يؤوَّلَ المصدرُ باسم المفعول، أي: الحديث الصحيح مَرويُّ الصحابيِّ الزائل عنه اسمُ الجهالة عن رُواته بأنْ يكون مشهورًا بالرواية عمَّن روى عنه
(1)
.
[قوله]
(2)
أي: لذلك الصحابيِّ لا للحديث «راوِيانِ» ، سواءٌ رَوَيَا ذلك الحديثَ عنه أم
(1)
قضاء الوطر (1/ 564)، وما بعدها.
(2)
زيادة من: (أ) و (ب).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
لا، هذا بالنَّظر لكلام الحاكم، وأمَّا بالنَّظر لِمَا فهمه الشارح عنه فالضمير للحديث، وإلَّا لم يبقَ فيه اشتراطُ وصفِ العَزيز في صحة الصحيح، و «باؤه» للسببية متعلقة بـ:«زائل» ، وللتصوير، أي: الزائل عنه الجهالة مُصَوَّرٌ بأنْ يكون له راويان.
[قوله]
(1)
: «ثمَّ يَتدَاوَلَهُ أَهلُ الحَديثِ إِلى وَقْتِنِا» :
أي: «ثم يَتدَاولَه أهل الحديث» الزائل عنهم [اسم]
(2)
الجهالة أيضًا كذلك، كما يُرشد له قولُه «كالشَّهادةِ عَلى الشَّهادةِ» ؛ إذْ لا بُدَّ فيها من زوال الجهالة بثبوت (هـ/44) العدالة للناقل كالمنقول عنه، وأنْ يَنقل اثنان عن الأصل، وكذا عن كلِّ ناقلٍ عنه، ثم كذلك، وقد مَرَّ أنْ هذا يقتضي ما فهِمه الشارح، وأنَّ مذهبَ الحاكِم ليس كذلك، وقد حرَّرناه بما لا مزيد عليه آنفًا، ونصُّه عند قوله: «الصَّحيحُ أَنْ يَرْوِيَهُ الصَّحابِيُّ
…
إلخ». قال (ب): «ليس مرادُ الحاكم أنَّ الراويَيْنِ للحديث، بل لراوي الحديث حتى لا يكون مجهولًا، قال النواوي في مقدمة «شرح مسلم»
(3)
:
قال في «المدخل» : الصحيح من] الحديث]
(4)
عَشَرةُ أقسام: خمسة متفق عليها، وخمسة مختلف فيها؛ فالأول من المتفق عليه: اختيار البخاريِّ ومسلمٍ، وهو الدرجة الأولى من الصحيح، وهو ألَّا يَذْكُرا إلا ما رواه صحابيٌّ مشهورٌ
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
زيادة من (ب).
(3)
شرح النووي على مسلم (1/ 27).
(4)
في (هـ): [حديث].
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
بالرواية عن النبيِّ]صلى الله عليه وسلم
(1)
له راويان ثقتان فأكثَرُ، ثم يرويه عنه تابعيٌّ مشهورٌ بالرواية عن الصحابيِّ له أيضًا راويان ثقتان فأكثر، ثم يرويه عنه مِن أتباع الأتباع الحافظُ المتقِنُ المشهور. زاد غير النووي: وله رُواةٌ ثقات من الطبقة الرابعة، ثم يكون شيخ البخاريِّ ومسلمٍ متصفًا مشهورًا بالعدالة، ثم رُواته على ذلك الشرط، ثم كذلك. قال الحاكم: الأحاديث المرْوية بهذا الشرط لا يبلغ عددها عشرة آلاف حديث» انتهى.
فقوله: ثم يرويه [عنه]
(2)
تابعيٌّ، يعني أنَّ الراويين للصحابيِّ مُطلقًا لا للحديث؛ لأنه لو كان للحديث لقال: تابعيَّان أو راويان ونحو ذلك، وكذا ما بعده وهو واضح.
وقال النووي في أوائل التوحيد من «شرح مسلم»
(3)
في حديث وفاة أبي طالب (أ/36): «إنَّ الشيخين اتفقا عليه من رواية سعيد بن المسيِّب عن أبيه، ونُقل عن الحافظ أنَّه لم يرو عن المسيب رضي الله عنه
(4)
إلا ابنه سعيد، قال: وفيه ردٌّ على الحاكم في قوله: «لم يُخَرِّج البخاريُّ ولا مسلمٌ عن أحدٍ لم يَرو عنه إلا واحدٌ» ، قال: ولعلَّه أراد من غير الصحابة» انتهى.
وحاصلُه: أنَّ مذهبَ الحاكِم أنَّ الصحيح لا بُدَّ من زوال الجهالة عن راويه،
(1)
في (هـ): عليه السلام.
(2)
زيادة من (ب).
(3)
شرح النووي على مسلم (1/ 213).
(4)
زيادة من (ب).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
بأنْ يكون مشهورًا بالرواية عمَّن روى عنه، فإنْ كان صحابيًّا روى عنه صلى الله عليه وسلم فلا بُدَّ من شهرته بالرواية عنه عليه الصلاة والسلام، ويكون له راويان عنه سواءٌ رَوَيَا ذلك الحديثَ أو غيَره، وهكذا فيمن بعده إلى أن يصل إلينا، فما رواه من ليس له إلَّا راوٍ واحدٍ ليس واقعًا في الصحيحين.
قال النواوي بعد نقله إثر كلام الحاكم كلامَ الجُبَّائيِّ وقد قال إثره
(1)
: «وسنتكلم عليه بعد حكاية قول الجُبَّائيِّ ما لفظه: وأما قول الحاكم: إنَّ من لم يرو عنه إلَّا راوٍ واحدٌ فليس هو من شرط الشيخين، فمردود غلَّطه الأئمة] فيه]
(2)
بإخراجهما حديث المسيِّب بن حَزْن، والد سعيد بن المسيِّب رضي الله عنه في وفاة أبي طالب، ولم يَرو عنه غير ابنِه سعيدٍ، وبإخراج البخاريِّ حديثَ عمرو بن تَغْلِب:«إني لأُعطي الرَّجُلَ والَّذي أَدَعُ أحَبُّ إليَّ»
(3)
، ولم يرو عنه غيرُ الحسن، وحديثَ قيس بن أبي حازم عن مِرْدَاسٍ الأَسْلَميِّ: «يَذهَبُ الصالحون
…
إلخ»
(4)
ولم يَروِ عنه غيرُ قَيسٍ، وبإخراج مسلم حديثَ رافع بن عمرو الغِفاري
(5)
ولم يَرو عنه غير عبد الله بن الصامت، وحديث ربيعة بن كعب الأسلمي
(6)
ولم يرو عنه غير أبي سلمة، ونظائر في الصحيحين لهذا كثيرةٌ [واقعة]
(7)
والله أعلم» انتهى.
(1)
شرح النووي على مسلم (1/ 62).
(2)
زيادة من (هـ).
(3)
البخاري (923).
(4)
البخاري (6434).
(5)
مسلم (1067).
(6)
مسلم (489).
(7)
زيادة من (ب).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وهو صريحٌ فيما فهِمه المُحَشِّي من كلام الحاكم، وأما ما نقله المُحَشِّي عن النووي من تأويل كلام الحاكم في أوائل التوحيد فهو كما] قاله]
(1)
ذكره في ترجمة: الدليل على صحة إسلام من حضره الموت ما لم يَشرع في النزع وهو الغرغرة
…
إلى آخر الترجمة.
وهو تأويل حسنٌ نافٍ للغلط الذي قضى به عليه ابن الصَّلاح وغيره، وتبِعهم العراقيُّ في ألفيَّته، وقد ظهر بهذا [كلِّه
(2)
مخالفةُ مذهبِ الحاكِم لظاهر ما فهِمه الشارح عنه، على ما يُشعر به ظاهر قوله:«كالشَّهادةِ على الشَّهادةِ» ؛ إذ لا بُدَّ أنْ ينقلها عن الأصل اثنان، فإن احتجنا لنقلٍ ثانٍ فلا بد أنْ يَنقل عن (هـ/45) كل واحدٍ منها اثنان، ثم كذلك، وقد نقل/ المُحَشِّي
(3)
عن الشارح
(4)
فيما علَّقه على شرح ألفيَّة العراقيِّ له ما يوهم نحو ظاهر كلامه هنا أيضًا، حيث قال
(5)
:
«قال شيخنا -يعني: ابنَ حجر-: وبعضُ أهل الحديث يَشترط العددَ في الرواية، حتى ادعى ابنُ العربي في أوائل «شرح البخاري» أنَّ ذلك شرطُ البخاريِّ، وتعقَّبه ابن رُشَيد في كتابه «ترجمان التراجم» ، وحكاه أبو محمد الجُوَيْنيُّ عن أصحاب الحديث، وحكى الحازِميُّ عن الحاكم وهو مِن أجَلِّ علماء الحديث: أنَّ شرط الشيخين العدد، وقال الحافظ أبو حفص المَيَانجي:
(1)
في (هـ): [قالة].
(2)
في (هـ): [بهذا اللهم كله].
(3)
يقصد اللقاني رحمه الله.
(4)
يقصد البقاعي رحمه الله.
(5)
النكت الوافية (1/ 83).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
شرطهما ألَّا يُدخِلا فيه إلا ما صحَّ، وهو ما رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنان فصاعدًا، وما نقله عن كلِّ واحدٍ من الصحابة أربعةٌ من التابعين فأكثر، وأن يكون نَقَلَه عن كلِّ واحدٍ من التابعين أكثرُ من أربعة؛ فقد عُلم بهذا: أنْ اشتراط العدد ليس خاصًّا ببعض المعتزلة» انتهى
(1)
.
ثم رأيتُ الغزي كالنووي نقلًا عن البَيْهَقيِّ في رسالته لأبي محمد الجُوَيْنيِّ ما نصُّه: «الذي عندنا من مذهب الإمامين: أنَّهما إنَّما يشترطان أنْ يكون للصحابيِّ الذي يَروي الحديث راويان فأكثر؛ ليَخْرُجَ بذلك عن حدِّ الجهالة، وكذلك مَن دُونه، ثُمَّ إنِ انفرد أحد الراويَينِ عنه بحديث وانفرد الآخر بحديثٍ] آخَر]
(2)
قُبِل» انتهى
(3)
.
ولأجْل هذا سيأتي لنا صَرْفُ كلام ابن العربيِّ عن موافقة كلام الحاكم، وأنَّه يَشترط التعدُّد حتى عن النبيِّ عليه الصلاة والسلام، ويَدُلُّ له جوابُه؛ حيث ضمَّنه الأمرين، أعني: التعدُّدَ عن النبيِّ عليه الصلاة والسلام، والتعدُّد عن [الراوي]
(4)
عنه، وبهذا يسقط الاعتراض الآتي، قاله (هـ)
(5)
.
(1)
قضاء الوطر (1/ 571)، وينظر: فتح المغيث بشرح ألفية الحديث (1/ 67)، تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي (1/ 134)، توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار (1/ 98).
(2)
زيادة من: (أ) و (ب).
(3)
رسالة البيهقي للجويني (ص 84).
(4)
في (هـ): [الرواة].
(5)
قضاء الوطر (1/ 573).
وَصَرَّحَ القَاضي أَبُو بَكْرٍ بنُ العَربيِّ في «شَرْحِ البُخَاريِّ» بأَنَّ ذَلكَ شَرْطُ البُخاريِّ، وأَجابَ عَمَّا أُورِدَ عَليهِ مِنْ ذَلكَ بِجَوَابٍ فِيهِ نَظرٌ؛ لأَنَّهُ قَالَ:«فَإِنْ قيلَ: حَديثُ: «الأَعْمَالُ بالنِّيَّاتِ» فَرْدٌ، لم يَرْوِهِ عَنْ عُمَرَ إِلَّا عَلْقَمَةُ!
(أ/37)[قوله]
(1)
(2)
:
بتنوين «بَكْر» وتركه، وهذا ابن العربي باللام، وأمَّا محمد بن عبد الله الحاتميُّ الطائيُّ الصُوفيُّ فابن عربي بدون لام كما في القاموس.
[قوله]
(3)
: «بأَنَّ ذلك» :
أي: وجودَ وصْفِ العَزيز في الحديث الصحيح كما أشرنا إليه، وليس اسمُ الإشارة راجعًا لِما شَرَطَه الحاكم؛ لأنَّه غير طريق ابن العربي كما نبَّهْناك عليه آنفًا، ثمَّ ذلك لأصل الكلامين من خارجٍ مع قطع النَّظر عمَّا فهِمه الشارح، أمَّا بالنَّظر لِما فهمه الشارح عنهما فاسمُ الإشارة لِمَا شرطه الحاكم؛ لاتِّحاد كلامهما عنده، كما قاله (هـ)
(4)
.
[قوله]
(5)
: «شَرْطُ البُخاريِّ» :
أي: مشروطه المأخوذ من صَنيعِه وتتبُّع كلامه؛ لأنَّه لم يوجَد عنه تصريحٌ بشرط معيَّن، وإنَّما يُؤخَذ ذلك من معنى [تسمية]
(6)
الكتاب، فإنَّه سمَّاه: «الجامع الصحيح
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
في الهامش (أ): من أهل الأندلس ولد سنة ستين وخمس مئة، ونشأ بها، ثم انتقل إلى اشبيلية أقام بها إلى سنة ثمان وسبعين، ثم دخل بلاد الشرق وطَرف بلاد الشام وذيل بلاد الروم، مات سنة ثمان وثلاثين وست مئة.
(3)
زيادة من: (أ) و (ب).
(4)
قضاء الوطر (1/ 574).
(5)
زيادة من: (أ) و (ب).
(6)
في (هـ): [تسميته].
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
المسند المختصر من أمور رسول الله عليه الصلاة والسلام وسننِه»، فعرَفنا بقوله:«الجامع» أنَّه لم يختصَّ بصِنف دون صِنف، ولهذا أورَدَ فيه: الأحكام والفضائل والأخبارَ المحْضة عن الأمور الماضية والأمور الآتية، وغيرَ ذلك من الآداب والرقائق.
وبقوله: «الصحيح» أنَّه ليس فيه ضعيفٌ عنده، وإنْ كان فيه مواضعُ قد انتقدَها غيره، وحصل الاعتناء بالجواب عن ذلك في مقدمة «الشرح الكبير» ، ويصرح بذلك قولُه:«ما أدخلتُ في الجامع إلا ما صَحَّ» . [وبقوله]
(1)
: «المسنَد» أنَّ مقصوده الأصليَّ يُخَرِّج الأحاديث التي اتصل إسنادها ببعض الصَّحابة عن النبيِّ عليه الصلاة والسلام، سواءٌ كانت من قول النبيِّ أو فعله أو تقريره، وأنَّ ما وقع فيه مما يخالف ذلك فإنَّما وقع فيه تبعًا وعَرَضًا، لا أصلًا وقَصْدًا.
[قوله]
(2)
: «وأَجاب» :
أي: القاضي أبو بكر بن العربي، «عما أُورِد عليه من ذلك» أمَّا اسمُ الإشارة فعائدٌ إلى البخاريِّ بمعنى الكتاب، وأمَّا ضمير «عليه» فيُحتمل أنَّه راجع إلى ابن العربي، ومعنى «أُورِد عليه» (هـ/46) بالبناء للمفعول، أي: على زَعمه من أنَّ ذلك شرطُ البخاري، ويُحتمل أنَّه راجعٌ إلى الشرط الذي زعمه، ويُحتمل أنَّه عائد على البخاريِّ بمعنى الشخص المُشترِط لِما ذُكِر، والكلُّ صحيح، والمراد: عمَّا أُورِد من الأحاديث التي ذُكرت في الجامع خاليةً عن ذلك الشرط.
(1)
في (هـ): [وبقول].
(2)
زيادة من: (أ) و (ب).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[قوله]
(1)
: «فيهِ نَظرٌ» :
أي: بحث، ولو أبدل قوله: «لأَنَّهُ قال
…
إلخ» بـ: لفظُهُ أو نصُّهُ، لكان أظهر؛ إذ لا يظهر لهذا التعليل وجهٌ إلَّا بتكلف، وجعْله تعليلًا لكينونة النَّظر في جوابه يتأكده توجه النظر على جوابه، سواءٌ قال هذا المجموع أو لا، فإنْ قلتَ: النَّظر في الجواب، فما قاله ضَمَّ له السؤال، قلتُ: محافظةً على الظهور والإيضاح من بيان حَيْثيَّةِ ارتباط الجواب به.
[قوله]
(2)
: «فَرْدٌ» :
بالرفع خبر: «حديث» ، ويجوز إضافة «حديث» لـ:«الأعمال بالنِّيَّات» إضافةً بيانيةً فلا يُنوَّنُ حديث، وقَطْعُه عنها فيُنوَّنُ ويرفع «الأعمالُ بالنِّيَّاتِ» على أنَّه: بدلٌ منه أو بيانٌ.
[وقوله]
(3)
: «لم يَرْوِهِ عَنْ عُمَرَ إِلَّا عَلْقَمَةُ» :
نعتٌ مفسِّر] لفرْدٍ]
(4)
كاشفٌ عن حقيقته، وفي بعض النسخ:«إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّاتِ» والإعراب كما قلناه لا يَختلف.
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
زيادة من: (أ) و (ب).
(3)
زيادة من: (أ) و (ب).
(4)
في (هـ): [لمفرد [.
قالَ: قُلْنا: قَدْ خَطَبَ بِهِ عُمَرُ رضي الله عنه عَلَى المِنْبَرِ بحَضْرةِ الصَّحابَةِ، فلَوْلَا أَنَّهُمْ يَعْرِفونَهُ لأنْكَرُوهُ!»، كَذَا قَالَ.
[قوله]
(1)
: «قالَ: قُلْنا» : لا حاجة إلى إعادة «قال» ؛ لإغناء «قال» المحكي بها كلامه أولًا عنها، وفي نسخة (ق)
(2)
إسقاطه.
[وقوله]
(3)
: «عَلى المِنْبَرِ» : من النَّبرَة وهي الارتفاع، سمِّي بذلك؛ لارتفاعه عن الأرض، أو لارتفاع الخطيب عليه، والمراد: مِنبَرُ المدينة.
[قوله]
(4)
: «بحَضْرةِ الصَّحابَةِ» : أي: بحضور جمعٍ منهم لا جميعهم؛ لانتشارهم في البلدان وأنواع الولايات، ومعنى:«لولا أنَّهم يَعرِفون» لولا أنَّهم كانوا عارفين به قبل سماعه من عُمر، ولولا ذلك لأنكروه.
وقوله: «كذا قالَ» : مستغنًى عنه كما مَرَّ.
وفي كتابة قوله: «قلنا
…
إلخ» لا يُلاقي السؤال؛ لأنَّ حَقَّ الإيراد: تفرد بهِ عَلَقْمة عن عُمر، ولا يَلزم من خطبة عمر به أنْ يكون رواه غيرُ علقمة؛ إذ لا يلزم من السماع الرواية.
وقوله: «ولولا
…
إلخ» إنَّما يلاقي السؤال أنْ لو كانت جملةُ الإيراد: تفرَّد به عمر عن النبيِّ عليه الصلاة والسلام، وبتقدير ذلك أيضًا فالتعقُّب المذكور متَّجهٌ.
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
حاشية ابن قطلوبغا على شرح نخبة الفكر (ص 45).
(3)
زيادة من: (أ) و (ب).
(4)
زيادة من: (أ) و (ب).
وتُعُقِّبَ بأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِم سَكَتُوا عَنْهُ أَنْ يَكُونوا سَمِعوهُ مِنْ غَيْرِهِ، وبأَنَّ هَذَا لَو سُلِّمَ في عُمَرَ، مُنِعَ في تَفَرُّدِ عَلْقَمَةَ عنهُ، ثمَّ تَفَرُّدِ مُحَمَّدِ بنِ إِبْراهيمَ بِه عَنْ عَلْقَمَةَ، ثُمَّ تَفَرُّدِ يَحْيَى بنِ سَعيدٍ بهِ عَنْ مُحَمَّدٍ، عَلى مَا هُوَ الصَّحيحُ المَعْرُوفُ عِنْدَ المُحَدِّثينَ.
[قوله]
(1)
: «وتُعُقِّبَ» :
بضم أوله مبنيًّا للمفعول، وضميره لابن العربي، وضمير «أنَّه» للشأن، والتعقُّب معناه: الاعتراض، والمتعقِّب له: ابن رُشيد في «ترجمان التراجم» كما مَرَّ، قال (ق)
(2)
قلتُ
(3)
: قد علِمتَ الصواب من كلام الحاكم (أ/38) في الصحابيِّ وفيمن بعده، لا كما قاله، وأمَّا ابنُ العربيَّ فجوابه مصرِّحٌ باشتراط التعدُّد في الصحابيِّ ومَن بعدَه؛ فالتعقُّب خاصٌّ به في الواقع لا بحسَب كلام الشارح؛ إذ هما عنده سواء كما قدمناه، كما قاله (هـ)
(4)
.
[قوله]
(5)
: «سَكَتُوا عنهُ» :
أي: عن إنكاره، «أن يكونوا سمِعوه» أي: الحديثَ، «مِنْ غَيرِه» وهذا مُؤَوَّلٌ
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
حاشية ابن قطلوبغا على شرح نخبة الفكر (ص 35).
(3)
القائل اللقاني رحمه الله.
(4)
قضاء الوطر (1/ 579).
(5)
زيادة من: (أ) و (ب).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
بمصدر فاعل «يَلزم» المنفيِّ، وإنما انتفى لزومُ ما ذُكر؛ لجواز أنْ يكون تركهم الإنكارَ -إن سُلِّم- انتفاؤه بالقلب لأجْل قَبول خبر الواحد العَدل، وكفايته في وجوب العمل بمقتضاه
(1)
.
وفي كتابة: قوله: «مِنْ غَيْرِهِ» أي: من غَير عُمرَ بأنْ سمِعوه من النبيِّ أو من صحابيٍّ عنه؛ إذ يُحتمل احتمالًا ظاهرًا أنَّهم قَبِلوه عن عُمرَ لعلوِّ مرتبته في الدين وفي الصُّحبة.
وقال (ج)
(2)
: وكلامه يقتضي أنَّه لو عُلِم أنَّهم سمِعوه من غيره بقرينةٍ أو بقولهم] صحة]
(3)
كلام ابن العربيِّ، وليس كذلك؛ إذ هذا لا يوجِب عدمَ تفرُّد عَلْقَمةَ الذي رواه عن عمرَ؛ فالجواب الذي ذَكَره فيه نظرٌ؛ ولهذا قال (ق)
(4)
: حاصل السؤال: أنَّه لم يَروِه عن عمرَ إلا واحدٌ، وحاصل الجواب: أنَّه رواه عُمرُ وغيرُه، فلا يُلابِس هذا الجوابَ السؤالُ.
[قوله]
(5)
: «وبأَنَّ هذا» :
أي: وتعُقِّب ابنُ العربي أيضًا، «بأنَّ هذا الجواب لو سُلِّم» جريانُه وصحتُه، «في (هـ/47) عُمَر، مُنِع في تفرُّد عَلْقمةَ» : ابنِ أبي وقَّاصٍ الليثيِّ من كبار التابعين عن عُمر بروايته عنه
(6)
.
(1)
قضاء الوطر (1/ 581).
(2)
حاشية الأجهوري على شرح نخبة الفكر (ص 147).
(3)
في (هـ): [صحكم [.
(4)
لم أقف عليه في الحاشية، وينظر: الحاشية (ص 45).
(5)
زيادة من: (أ) و (ب).
(6)
قضاء الوطر (1/ 581).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[قوله]
(1)
: «ثمَّ تَفَرُّدِ مُحَمَّدِ بنِ إِبْراهيمَ بِه عَنْ عَلْقَمَةَ» :
هو محمد بن إبراهيم بن الحارث خالد التَّيْميُّ، من أوساط التابعين
(2)
.
[قوله]
(3)
هو الأنصاريُّ، اسمُ جدِّه: قيس بن عَمرو، وهو صحابيٌّ، ويحيى من صِغار التابعين
(4)
.
[قوله]
(5)
: «عَنْ مُحَمَّدٍ» :
هو ابن إبراهيمَ السابق، «على ما هُو الصَّحيحُ المُعْروفُ عِندَ المُحَدِّثينَ» متعلِّقٌ بـ:«تفرُّد» الأولِ وما بعده، وهو الظاهر، ويُحتمل أنَّه متعلق بمحذوفٍ دلَّ عليه السياق، أي: بَنَيْنا مَنْعَ جريان الجواب في تفرُّد مَن ذُكِر بعد عُمرَ على ما هو القول الصحيح المعروف عند المحدِّثين؛ لأنَّ المتابَعاتِ لهم عليه لا يُعتبَرُ بها
(6)
.
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
قضاء الوطر (1/ 581).
(3)
زيادة من: (أ) و (ب).
(4)
قضاء الوطر (1/ 582).
(5)
زيادة من: (أ) و (ب).
(6)
قضاء الوطر (1/ 582).
وقَدْ وَرَدَتْ لَهُمْ مُتَابعاتٌ لا يُعْتَبَرُ بِهَا لِضَعْفِهَا.
وَكَذَا لا نُسَلِّمُ جَوَابَهُ في غَيْرِ حَدِيثِ عُمَرَ رضي الله عنه.
[فقوله]: «وقَدْ وَرَدَتْ
…
إلخ»: بيان المقابل [القول]
(1)
الصحيح، وقوله: «وقَدْ وَرَدَتْ
…
إلخ» جوابُ سؤالٍ مقدَّر، وستأتي المتابَعات والشواهد والأفراد، وقد رأيتُ أنْ أذكر هنا كلامًا للنواوي فيه شرحُ هذا الكلام منطوقًا ومفهومًا، ولفظُه في مقدمة مسلم: «فصل في معرفة الاعتبار والمتابَعات والشواهد والأفراد والشَّاذِّ والمنكَر:
فإذا رَوَى حمادٌ مثلًا حديثًا، عن أيوبَ، عن ابن سِيرينَ، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبيِّ عليه الصلاة والسلام: يُنظر: هل رواه ثقةٌ غيرُ حمادٍ عن أيوبَ؟ أو عن ابنِ سِيرينَ غيرُ أيوبَ؟ أو عن أبي هريرة غيرُ ابنِ سِيرينَ؟ أو عن النبيِّ عليه الصلاة والسلام غيرُ أبي هريرة؟ فأيُّ ذلك وُجد عُلِم أنَّ له أصلًا يرجع إليه، فهذا النظر والتفتيش يُسمَّى: اعتبارًا، وأمَّا المتابَعة بأنْ يَرويَه عن أيوبَ غيرُ حمادٍ، أو عن ابن سيرين غير أيوب، أو عن أبي هريرة غير ابن سيرين، أو عن النبيِّ غير أبي هريرة، فكل واحد من هذه الأقسام يسمَّى] متابعَةً]
(2)
، وأعلاها: الأُولى وهي متابعة حمادٍ في الرواية عن أيوب، ثُمَّ ما بعدها على الترتيب، وأمَّا الشاهد بأنْ يُروى حديثٌ آخَرُ بمعناه، وتسمَّى المتابعةُ شاهدًا، ولا يسمَّى الشاهدُ متابعةً، وإذا قالوا في نحو هذا: انفرد به: أبو هريرة أو ابنُ سيرين أو أيوبُ أو حمادُ كان مُشعِرًا بانتفاء وجودِ المتابَعاتِ كلِّها. واعلَمْ أنَّه يدخل في المتابعات والاستشهاد روايةُ بعض الضعفاء ولا يصلح لذلك ضعيف، وإنَّما يفعلون هذا لكون المتابَع لا اعتماد عليه، وإنَّما الاعتماد على ما قبله، وإذا
(1)
زيادة من (ب).
(2)
في (هـ): [لله [.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
انتفت المتابَعات وتمحَّض فردًا فله أربعة أحوال: حالٌ يكون مخالفًا لرواية مَنْ هو أحفظُ منه؛ فهذا ضعيف، ويسمى: شاذًّا ومُنكَرًا، وحالٌ لا يكون مخالِفًا ويكون هذا الراوي: حافظًا ضابطًا متقنًا؛ فيكون صحيحًا، وحالٌ يكون قاصِرًا عن هذا ولكنه قريب من درجتهِ؛ فيكون حديثه حَسَنًا، وحالٌ يكون بعيدًا عن حاله؛ فيكون شاذًّا مُنكَرًا مردودًا، فجَعَل أنَّ الفرد قسمان: مقبول ومردود، والمقبول ضربان: فردٌ لا يخالَف وراويه كامل الأهْليَّة، وفردٌ من هو قريب منه، والمردود (أ/39) أيضًا ضربان: فردٌ مخالِف للأحفظ، وفردٌ ليس في راويه من الحفظ والإتقان ما يَجْبُر تفرُّدَه»
(1)
.
و] كل هذا]
(2)
يأتي في كلامه مَتْنًا وشرحًا، ومُلَخَّصُه: أنَّ المتابعة مُشاركَةُ راوٍ معتبَرٍ به لراوي الحديث في رواية ذلك الحديث في شيخه أو شيخ شيخه وهَلُمَّ جَرًّا، والمعتبَرُ هو الذي يَصلُح أنْ يُخَرَّج حديثُه كالاعتبار والاستشهاد به.
وقال (ق)
(3)
: «وأشار بقوله هذا -يعني بقوله: «لا يُعْتَبَرُ بها» - إلى أنَّ المتابَعاتِ التي وردت لهذا الحديث لا تُخْرِجُه عن كونه فردًا لضعفها»، قلت: وهو جواب عن مَنْع التفرُّد، وحاصله: أنَّ المتابعة الواهية كالعدم.
[قوله]
(4)
: «وكَذا» :
التشبيه في المَنع؛ فقوله: «لا نُسَلِّمُ جَوابَهُ» تصريحٌ بوجه الشَّبه في «غير حديث عُمرَ» ، كما في آخِرِ حديث في البخاريِّ. (هـ/48)
(1)
شرح النووي على مسلم (1/ 34).
(2)
زيادة من: (أ) و (ب).
(3)
حاشية ابن قطلوبغا على شرح نخبة الفكر (ص 36).
(4)
زيادة من: (أ) و (ب).
قَالَ ابْنُ رُشَيْدٍ: «ولَقَدْ كَانَ يَكْفي القاضيَ في بُطْلانِ مَا ادَّعَى أَنَّهُ شَرْطُ البُخاريِّ أَوَّلُ حَديثٍ مَذْكُورٍ فيهِ» .
[قوله]
(1)
: «ابنُ رُشَيْدٍ» : هو بضم الراء وفتح المعجمة وسكون الياء، منقولٌ من مصغر: رُشدة، أو رَشيد ضد سفيه
(2)
.
وهو: محمد بن عمر بن محمد عمر بن محمد بن إدريس، السَّبْتيُّ الأندلسيُّ المالكيُّ، المتوفَّى سنة اثنين وعشرين وسبع مئةٍ بفاس، عن خمس وستين.
[قوله]
(3)
:] «ولَقَدْ]
(4)
كانَ يَكْفي
…
إلخ»: فاعل «يكفي» : «أولُ حديث» ، و «القاضي» بالنصب مفعول:«يكفي» ، و «أنه شرطُ البخاري» مفعول:«ادَّعى» وعائد «ما» المضاف إليها «بُطلان» : محذوف إنْ لم تُجعل مصدريَّة، والظاهر جَرُّ «مذكور» صفةً لحديث، ويجوز رفعه صفة لـ:«أول» ، وحاصله: رمْيُه بالغفلة عن ما هو في أول] مشروحه]
(5)
.
[قوله]
(6)
: «مَذكورٍ فيهِ» : فإنَّه رُوي بالآحاد حديثُ الأعمال، وكذا آخِرُ حديثٍ مذكور فيه؛ فإنَّ أبا هريرة تفرَّد به عن الرسول، وتفرَّد به عنه أبو زُرعة، وتفرَّد به عنه عُمارَة بن القَعْقَاع، وتفرَّد به عنه محمد [بن فُضَيل]
(7)
، وعنه اشتُهر فرواه عنه ابن إشْكابَ وغيرُه، وهذا وجه قول الترمذيِّ: إنَّه غريبٌ.
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
قضاء الوطر (1/ 587).
(3)
زيادة من: (أ) و (ب).
(4)
في (هـ): [وبعد [.
(5)
في (أ): [شروحه [.
(6)
زيادة من: (أ) و (ب).
(7)
صحف في (أ) الى [بن نهيك].
وادَّعَى ابنُ حِبَّانَ نقيضَ دَعْواهُ، فَقَالَ:«إِنَّ رِوَايَةَ اثْنَيْنِ عَنِ اثْنَيْنِ إِلَى أَنْ يَنْتَهِيَ، لَا تُوجَدُ أَصْلًا» .
[قوله]
(1)
: «وقال ابنُ] حِبَّانَ]
(2)
»: بكسر المهملة وتشديد الموحدة وترك التنوين؛ لأنه بزِنَة «فِعْلان» ، الحافظ المشهور صاحب المسنَد، وهو: أحمد بن سِنان القَطَّان
(3)
، و] حبَّان]
(4)
بالفتح والضم كثيرون.
[قوله]
(5)
: «نقيضَ دَعْواهُ» : أي: نقيض دعوى ابن العربيِّ، لكنْ بطريق اللزوم؛ لأنَّه إذا نفى وجود العَزيز البتَّةَ لزِم أنَّه غير موجودٍ في البخاريِّ، وهو يرفع دعوى أنَّه شرط البخاريِّ، وليس بخارج عنه، ولو عاد ضمير:«دعواه» [للجُبَّائي]
(6)
لصحَّ، لكنْ بعيدٌ وخلافُ الواقع، إلَّا أنَّ المناقضة عليه على ظاهرها، ولو جعل ضمير:«دعواه» لمن ذَكَر شَملَهما، ولكن الحال فيه كالذي قبله.
[قوله]
(7)
: «إِنَّ رِوايَةَ اثنَيْنِ عَنِ اثنَيْنِ» :] صادقٌ بصوَر]
(8)
،] قوله: بأنْ يرويَ]
(9)
عن كلِّ واحد من الأوَّلَينِ واحدٌ من الاثنين الباقيين، وبأن يرويَ الاثنان عن كلِّ واحدٍ من الأولين، وبأنْ يرويَ أحدُهما عن أحدِهما والآخر عن الاثنين جميعًا، وقوله: لا يوجَد في شيء من الجوامع ولا المسانيد وغيرها.
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
في (هـ): [حيان [.
(3)
المشهور: محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ بن معبد بن سهيد. ينظر: سير أعلام النبلاء (16/ 92).
(4)
في (هـ): [حيان [.
(5)
زيادة من: (أ) و (ب).
(6)
في (هـ): [البخاري [.
(7)
زيادة من: (أ) و (ب).
(8)
في (هـ): [غدر [.
(9)
زيادة من: (أ) و (ب).
قُلْتُ: إِنْ أرَادَ بِهِ أَنَّ رِوايَةَ اثْنَيْنِ فَقَطْ عَنِ اثْنَيْنِ فَقَطْ لا تُوجَدُ أَصْلًا، فيُمْكِنُ أَنْ يُسَلَّمَ، وأَمَّا صُورَةُ العَزيزِ الَّتي حَرَّرْناها فمَوْجودَةٌ بأَلَّا يَرْوِيَهُ أَقَلُّ مِن اثْنَيْنِ عَنْ أَقَلَّ مِنَ اثْنَيْنِ.
مثالُهُ: ما رَوَاهُ الشَّيْخانِ مِنْ حَديثِ أَنَسٍ، والبُخاريُّ مِن حديثِ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِليهِ مِنْ وَالِدِهِ ووَلَدِهِ
…
»، الحديث.
وَرَوَاهُ عَنْ أَنَسٍ: قَتادَةُ، وَعَبدُ العزيزِ بنُ صُهَيْبٍ، ورَوَاهُ عَنْ قتادَةَ: شُعْبَةُ وَسعيدٌ، ورَوَاهُ عَنْ عبدِ العزيزِ: إِسماعيلُ بنُ عُلَيَّةَ، وَعَبدُ الوارِثِ، ورَوَاهُ عن كُلٍّ جَماعةٌ.
[قوله]
(1)
: «وأَمَّا صُورَةُ العَزيزِ الَّتي حَرَّرْناها» : يعني في قوله: «والمرادُ بقولِنا: «أَنْ يَرِدَ باثْنَيْنِ» أي: لا يَرِدَ بأقَلَّ مِنهُما، فإنْ وَرَدَ بأَكثَرَ في بعضِ المَواضِعِ مِن السَّنَدِ الواحِدِ لا يَضُرُّ؛ إذ الأقلُّ في هذا يَقْضي على الأكْثَرِ»، ثُمَّ لا يَخْفَاك أنَّ قوله: «وأَمَّا صُورَةُ العَزيزِ
…
إلخ» في قوَّة: وإنْ أراد الصورة التي حررناها فهو ممنوع؛ ولذا أسقَط ذِكرَ الشِّق الثاني من الترديد، وأنَّ قوله: «بألَّا يرويَه
…
إلخ» متعلِّقٌ بـ «حرَّرْناها» ؛ فلا تَغفُل كما قاله (هـ)
(2)
.
[قوله]
(3)
: «مثالُهُ
…
إلخ»: اعتَرض هذا الشيخُ [نجم الدين]
(4)
بأنَّه: «كان ينبغي أنْ يأتيَ براويين عن أبي هريرة وأنس، لا عن أنسٍ فقط كما فَعَل، [وكذا]
(5)
يأتي براويين
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
قضاء الوطر (1/ 590).
(3)
زيادة من: (أ) و (ب).
(4)
في مطبوع قضاء الوطر [نجم الملة والدين] كما سوف يأتي نصه.
(5)
زيادة من (أ).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
عن الراويين عنهما، وهكذا؛ فاقتصاره على هذا الوجه غير جيدٍ» انتهى.
وما ذَكَره هو المطابق لقوله: «كالشهادة على الشهادة» ، لكنْ قد علِمتَ أنَّ هذه طريقةُ الحاكم، بل طريقه أخصُّ من هذا كما يُعلَم ممَّا قدَّمناه، لكن أجاب عن هذا (هـ)
(1)
ونصُّه:
«تنبيهان:
الأول: ذِكرُه سعيد -يعني: ابنَ أبي عَروبةَ- مقبول؛ لأنَّه عَدْلٌ ثقة ضابط حافظ؛ فلا يُلتَفت لقول السَّخاويِّ: «لم نقف عليه بعد التتبع والكشف»
(2)
.
الثاني: اعترض شيخ شيخنا نجم الملة والدين بأنَّ تمثيله لا يطابق الصورة المردودة ولا الصورة] المحرَّرة
(3)
، لأنَّه كان ينبغي على مطابقة المردودة: أنْ يَذْكُر راويًا عن أبي هريرة وراويًا عن أنس، لا براويَيْنِ عن أنسٍ فقط كما فعل، ثُمَّ يأتي براويَيْنِ عن الراويَيْنِ عنهما وهكذا، وعلى مطابقة (أ/40) الصورة المحرَّرةِ: أنْ يَذْكُرَ عن كلٍّ عن أنسٍ وأبي هريرة راويَينِ فأكثرَ، ثُمَّ عن الراويَيْنِ عنهما راويَيْنٍ، [وهَلُمَّ جَرًّا، لكنَّه ذَكَر عن أنسٍ راويَيْن، وعن أحد الراويَيْن عنه راويَيْن]
(4)
ثمَّ كذلك لا يُوجد عَزيز هكذا، قلتُ: ويَرُدُّه أنَّ قوله: «ورواه عن كلٍّ (هـ/49) جماعةٌ» راجعٌ للجميع؛ فوُجدت المطابقةُ بلا تردُّدٍ» انتهى.
(1)
قضاء الوطر (1/ 591).
(2)
فتح المغيث (3/ 389).
(3)
في (هـ): [المجوزة].
(4)
زيادة من (ب).
* والرَّابِعُ: الغَريبُ، وَهُوَ ما يَتَفَرَّدُ بِرَوايَتِهِ شَخْصٌ وَاحِدٌ في أَيِّ مَوْضِعٍ وَقَعَ التَّفَرُّدُ بِهِ مِنَ السَّنَدِ عَلَى مَا سيقسمُ إِليهِ؛ الغَريبُ المُطْلَقُ، والغَريبُ النِّسبيُّ.
وكُلُّها -أَيْ: الأَقْسَامُ الأَرْبَعَةُ المَذْكُورَةُ سِوَى الأَوَّلِ وهُوَ المُتواتِرُ- آحَادٌ، ويُقَالُ لكُلٍّ مِنْها: خَبَرُ واحِدٍ.
[قوله]
(1)
: «وهُو: ما يَتَفَرَّدُ بِروايَتِهِ شَخْصٌ واحِدٌ
…
إلخ»:
ويوجَد في بعض النسخ هنا: يعني في اصطلاح المحدِّثين، لفظ:«ما» فيه عموم؛ فيَشمَل كلَّ المتْنِ وبعضَه وبعضَ السَّنَد، فالأول: كانفراد عبد الله بن دينار بحديث النهي عن بيع الوَلاءِ وهِبَتِه عن ابن عمر
(2)
؛ فإنَّه لم يصحَّ إلَّا من حديثه، والثاني: كانفراد مالكٍ بزيادة: «] من]
(3)
المسلمين» في حديث زكاة الفطر عن سائر رُواته
(4)
، ومثال الثالث:[انفراد]
(5)
الدَّراوَرْدِيِّ برواية حديث أمِّ زَرْعٍ عن هشام عن أبيه بلا واسطة
(6)
، والمحفوظ فيه: رواية عيسى بن يونسَ وغيرِه، عن هشام بن عروة، عن أخيه عبدِ الله، عن] أبيهما]
(7)
.
تنبيه:
لم يُبين مرتبة الشيخ الذي انفرد راوي الغريب بروايته عنه؛ فظاهره سواء كان من
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
سبق تخريجه.
(3)
في (هـ): [عن].
(4)
الموطأ (553).
(5)
زيادة من (ب).
(6)
سبق تخريجه.
(7)
الطبراني في الكبير (18789).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
شأنه أنْ يُجمَع حديثه لجلالته أو لا، وهو الراجح، وقيَّده ابنُ مَنْدَهْ بشيخ شأنه أنْ يُجمَع حديثه سواءٌ جُمع بالفعل كمالكٍ، أو لم يُجمَعْ كابن شِهاب وقَتادةَ.
ولَمَّا ذَكَر المؤلِّف المتواترَ من جملة الأقسام تتميمًا للفائدة وإنْ لم يكن من مبحوثات علم الإسناد ناسَبَ أنْ يضُمَّ إليه ما يَشتبه به وهو المشهور، ثم يضُمَّ للمشهور ما يَقرُب منه وهو العَزيز، وبالضرورة يختم بالغريب؛ فعلى هذا سلك طريق التدلي والترقِّي، والطريقان جائزٌ ارتكابُهما، وبهذا يندفع قول مَن قال: اللائق أنْ يقدِّم الغريب على العَزيز، والعَزيز على المشهور؛ لأنَّ الغريب من العَزيز بمنزلة البسيط من المركب، كما أن العزيز من المشهور.
وكذلكَ [قوله]
(1)
: «في أَيِّ مَوْضِعٍ وَقَعَ التَّفَرُّدُ بِهِ مِنَ السَّنَدِ» سواءٌ كان في أوله أو وسَطه أو آخره، في جميع طباقه أو بعضِها، بأنِ انفرد به الصحابيُّ ثم التابعيُّ وهَلُمَّ جَرًّا وفي بعضها، وبهذا عرَفتَ أنَّ كلامَه ينطبق على الغريب المُطْلَق والنِّسبيِّ، وسيأتي التفصيل، ويظهر أنَّه حالٌ من:«ما ينفرد» و «الهاء» من: «به» عائدةٌ عليها، وضمير الموصوف بجملة «وَقَع» محذوف أي: فيه يقدر بعد به، و «من السَّنَد» حالٌ من:«موضع» أو صفة له.
[قوله]
(2)
: «على ما سيُقْسَمُ إِليهِ الغَريبُ المُطْلَقُ والغَريبُ النِّسبيُّ» :
هذا يقتضي أنَّ كُلًّا من الغريب المطلَق والغريبِ النِّسبيِّ مقسَّم، وليس كذلك؛
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
زيادة من: (أ) و (ب).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
بل هما قسمان للغريب، فكان ينبغي أنْ يقول: من الغريب المطلق والغريب النِّسْبي؛ لأنَّ الذي يأتي هو تقسيم الغريب إلى فرْدٍ مُطلَقٍ وفرْدٍ نِسبيٍّ. انتهى.
وقد يُوجَّه بأنَّ التقدير: مقسَّمًا على ما سيقَسَّم هو إليه، ثم أبدِل من:«ما» بدل مُفصَّل من مُجمَل.
قوله: «الغَريبُ
…
إلخ» مجْروران على اللفظ، أو منصوبان على المَحِل.
وقال (هـ)
(1)
: قوله: «عَلى مَا سَيُقْسَّمُ
…
إِلخ» متعلِّق بمحذوف تقديره: بِناءً على ما سيقسَّم، أي]: ببناء]
(2)
هذا التعميم على شموله لمَا سيقسَّم من الغريب المطلَق والغريب النِّسْبيِّ.
اعلم أنَّ الغريب المطلَق عند المؤلِّف هو: الذي انفرد به عن الصحابيُّ راوٍ واحدٌ، والغريبَ النِّسْبيَّ: ما وقع تفرُّد راويه به في أثناء إسناده في أيِّ مَوضعٍ كان، والذي جرى عليه العراقيُّ: أنَّ الغريبَ المطلقَ هو: الذي ينفرد بروايته راوٍ واحدٍ متْنًا وإسنادًا وشيخًا، وأن الغريب النسبيَّ هو: غريب الإسناد فقط بأن يكون متْنُه معروفًا برواية جماعة من الصحابة ينفرد به راوٍ من حديث صحابيٍّ آخَرَ؛ فهو من جهته غريب، مع أنَّ متْنه غيرُ غريبٍ، ومنه: غرائب الشيوخ في متون الأحاديث الصحيحة، كما قاله ابن الصَّلاح
(3)
.
تنبيه:
الفرْدُ قسمان أيضًا: فرْدٌ مطلَق، وهو: ما انفرد به الراوي عن غيره، وفرْد نسْبيٌّ، وهو: ما قُيِّد بثقةٍ (هـ/50) أو بلد أو شخصٍ معيَّن،] كلمْ يَقُلْهُ إلَّا فلان
(1)
قضاء الوطر (1/ 595).
(2)
في (هـ): [تبيينا].
(3)
مقدمة ابن الصلاح (ص 271).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[أو
(1)
(2)
لم يروه إلا أهل البصرة، أو لم يروه عن فلان إلَّا فلانٌ؛ فمن هنا قيل: لا فرق بين الغريب والفرد، لكنْ قال ابن الصَّلاح: «وليس كلُّ] ما يُعَدُّ
(3)
(أ/41)
(4)
من أنواع الأفراد معْدودًا من أنواع الغريب، كما في الأفراد المضافة إلى البلاد كأهل البصرة» انتهى، ولعل حاصلَ كلامِه: أنَّ بينهما عمومًا وخصوصًا، وهو خلاف ما يأتي للمؤلِّف من ترادُف الفرد والغريب، والذي جرى عليه شيخ الإسلام
(5)
هو الأول حاكيًا الثاني بقيل، ويمكن كونُ الخلاف لفظيًّا بأنْ يريد المؤلِّفُ بالغريب: الذي ينصرِف إليه الاسمُ عند الإطلاق، والأفراد المضافة للبلدان ليست كذلك؛ فكلُّ غريب فردٌ وكلُّ فردٍ غريبٌ بهذا المعنى.
[قوله]
(6)
: «وكُلُّها أي: الأقسامُ الأرْبَعَةُ المَذْكورةُ سِوى الأوَّلِ، وهو المُتواتِرُ، آحادٌ» :
اعلم أنَّ الكلَّ على قسمين: مجموعي: وهو: ما كان الحُكم فيه على مجموع الأفراد من حيث هو مجموعٌ، نحو: كلُّ رجال البلد يحملون الصخرة العظيمة.
وجميعي: وهو: ما كان الحُكم فيه على كل فرد فرْد من حيث انفرادُه، نحو: كلُّ رجلٍ يُشبعه رغيفان.
(1)
زيادة من (أ).
(2)
في (هـ): [أن].
(3)
زيادة من (ب).
(4)
في (هـ): [أبع].
(5)
فتح الباقي (1/ 158).
(6)
زيادة من: (أ) و (ب).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
والظاهر أنَّ كلام المؤلف من الأول لا الثاني؛ لأجْل قوله في الشرح: «ويُقال لكلِّ واحد منهما]: خبر]
(1)
واحد»؛ لأنَّه ظاهر في إرادته بالمعنى الأول، ولو حُمِل على الثاني كان صحيحًا أيضًا، ويكون المعنى: أنَّ كلَّ فرْدٍ منهما يُقال له: آحادٌ، أي: خبر آحاد، ويكون العطفُ في قوله:«ويقال إلخ» تفسيريًّا
(2)
.
[قوله]
(3)
: «آحادٌ» :
أي: أخبار آحاد، كما يُعلَم من كلامه، والأصل: أوحاد؛ لأن الجموع ترُدُّ الأشياء إلى أصولها، ثُمَّ قلبت الواو همزة، ثُمَّ أُبدِلت الهمزة ألفًا من جنس حركة حرف ما قبلها، ويُحتمل أنَّه جمع: أحد؛ فأُبدلت الهمزة ألِفًا، ومحل ردِّ الجمع الأشياء إلى أصلها إذا كان مستعملًا، وبالجملة: هو أفعال، كفرس وأفراس
(4)
.
[قوله]
(5)
: «ويُقالُ لكُلٍّ منها: خَبَرُ واحِدٍ» :
أي: اصطلاحًا، فهي تسمية عرفيَّة، فيُقال للمشهور والعَزيز: خبر واحدٍ، مع أنَّ أقلَّ رُواة الأول: ثلاثةٌ، وأقلَّ رُواة الثاني: اثنان، وقوله:«لكلٍّ منها» أي: لكلِّ واحدٍ من آحادٍ بانفراده.
(1)
في (أ): [جزء].
(2)
قضاء الوطر (1/ 599).
(3)
زيادة من: (أ) و (ب).
(4)
قضاء الوطر (1/ 599).
(5)
زيادة من: (أ) و (ب).
وَخَبَرُ الواحِدِ في اللُّغَةِ: ما يَرْويهِ شَخْصٌ وَاحِدٌ.
وَفِي الاصْطِلَاحِ: ما لَمْ يَجْمَعْ شُرُوطَ المُتواتِرِ.
وَفيها -أَيْ: في الآحَادِ- المَقْبولُ، وهو ما يَجِبُ العَمَلُ بِهِ عِنْدَ الجُمْهُورِ.
[قوله]
(1)
: «وخَبَرُ واحِدٍ» :
أي: ومدلول هذا اللفظ لغةً من غير اعتبار مفهوم المضاف إليه جزءًا من مفهومه، على حدِّ قولهم: العَمى عدم البصر، فلا يُتوهم ورود الدَّوْرِ
(2)
.
وقوله: «ما» :
أي: خبرٌ «يرويه شخص واحد» فقط؛ فلا يَصْدُق بحسَبه عرفًا إلا على الغريب، فإنْ قلتَ: ما النكتةُ في تعرُّضه لبيان خبر الواحد لغةً وليس من مبحوثات الفن؟ قلتُ: هي بيان المناسبة التي لأجْلها سُمِّي غيرُ المتواتر بالآحاد، وهي أنَّه يَطرُقه ما يَطرُق خبرَ الواحد حينئذٍ من احتمال الصدق والكذب، قاله (ب)
(3)
.
[قوله]
(4)
: «وفي الاصطِلاحِ» :
أي: عُرْف المحدِّثين أنَّ مدلول خبر الواحد، «ما» أي: خبر، «لم يجمع شروط التواتر» في كلامه العطف على معموليْ عاملين مختلفين؛ لأنَّ «في الاصطلاح»: عطف على «في اللغة» ، وهو حالٌ إمَّا من المبتدأ عند سيبويه، والخبر عند غيره، وعامله: الاستقرار المقدر، و «ما لم يجمع»: عطف على «ما يرويه» ، وعامله المبتدأ بِناءً على الراجح منْ أنَّ المبتدأ عامل في الخبر، فلعله ممن يرى جوازه مطلقًا،
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
قضاء الوطر (1/ 600).
(3)
قضاء الوطر (1/ 600).
(4)
زيادة من: (أ) و (ب).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
لا يُقال: أو يراه إذا تقدَّم المجرور؛ لأنَّا نقول: شرطُه ألَّا يُعادَ الجارُّ مع الثاني كما هنا، بل يكون مثل: في الدار زيد والحُجْرة عمرو، كما قاله (هـ)
(1)
.
«وفيها -أي: الآحاد-: المقبولُ» وكان الأولى منها: ومنها؛ إذ مِنْ هي التي عُهد استعمالها في التقسيم دون في، كقوله تعالى:{فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ] {النور: 45} الآيةَ، ولا يخفى أنَّ المراد: القَبول والرَّد من حيث صفاتُ ناقليها كما يُعلم من تقريره الآتي، لا من حيث نسبتُها وإضافتها (هـ/51) إليه صلى الله عليه وسلم؛ إذ ليس حالها من تلك الحيثيَّةِ إلا القَبول، كما أنَّ المراد بالقَبول والرَّد من حيث الظاهرُ لا القطع؛ إذ يُحتمل أن يكون المقبولُ مردودًا وعكسه فيما عند الله ونفْسِ الأمر.
[قوله]
(2)
: «وهو: ما يَجِبُ العَمَلُ بِهِ عِنْدَ الجُمْهورِ» :
ظاهره أنَّه تعريف للمقبول، وحينئذٍ يَلزم الدَّوْرُ؛ لأنَّ هذا حكمُ المقبول، وأخذ الحكم في التعريف يوجب الدَّوْرَ، مع أنَّه لا يَحسُن تعريف المقبول بهذا، وتعريف مقابله:] بما]
(3)
لم يَرجَح صدق المخبر به.
وفي كتابة: «ما يجِب العمل به» بيانٌ لحكم المقبول، لا تعريف له (أ/42) بحكمه؛ اكتفاءً بفَهْمِ تعريفه من تعريف ضدِّه وهو المردُود؛ إذ يؤخذ منه تعريفُه بأنَّه: ما رَجَح صِدقُ المخبر به.
وقوله: «يَجِبُ العَمَلُ بِهِ» : أي: بالنظر إلى إسناده وإنْ تعذر لعارضٍ، [كمعارضته
(4)
بمثله، أو ورود ناسخٍ، فلا ينافي ما يأتي من أنَّ من المقبول
(1)
قضاء الوطر (1/ 601).
(2)
زيادة من: (أ) و (ب).
(3)
في (هـ): [من ما].
(4)
في (هـ): [كمقارضته].
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
غيرَ معمول به، أي: لعارضٍ، و] قال]
(1)
(هـ)
(2)
:
«وهو ما يجب العمل به» قال (ق)
(3)
: هذا حكم المقبول وهو أثرُه المرتب عليه؛ فلا يصح تعريفه، وقد ادَّعَوُا الدَّوْرَ في دون هذا؛ فكان الأَولى أنَّ المردود حيث كان هو: الذي لم يترجح صِدْقُ المخبِر به، أنْ يكون المقبول هو: الذي يترجح صِدْقُ المخبِر به» انتهى.
و [قال]
(4)
(ب): «قال قاضي القضاة -يعني: المؤلف-: حَذفتُ حدَّ المقبول للعلم به من التصريح بحد المردود» انتهى. قلتُ: فالأول بنى اعتراضه على أن ما ذُكِرَ تعريفًا للمقبول، وقد بَنى الثاني على أنَّه ليس تعريفًا له، وإنَّما هو بيان حُكم من أحكامه، وبه سقط ما يُقال:«من المقبول ما يجب العمل به، ومنه ما يُندب العمل به، كما أنَّ منه ما يدل على تحريم العمل وكراهته» . وإنْ أمكن أنْ يجاب بتقدير تسليم إرادة التعريف بأنَّه رسمٌ لفظيٌّ ببعض خواصِّ المقبول، بِناءً على رأي المتقدمين من تجويز التعريف بالأخصِّ، وبأنَّه على تقدير مضاف في الكلام دلَّ عليه المَقام، أي: ما يجب] اعتقاد]
(5)
مشروعيَّة العمل والفعل به، والدالُّ على النَّدب يجب اعتقاد مشروعية العمل به وإن لم يوجِب عملًا، نعم لا بُدَّ من رعاية تأويل العمل بالفعل لِيَصْدُقَ على الترك في النهي، بِناءً على أنَّه فِعلُ حبْسِ النفْس وكفِّها عن المنهيِّ عنه.
(1)
في (هـ): [فقال].
(2)
قضاء الوطر (1/ 604).
(3)
حاشية ابن قطلوبغا على شرح نخبة الفكر (ص 37).
(4)
في (هـ): [قال به].
(5)
في (هـ): [اغتفار].
وَفيها المَرْدُودُ، وَهُوَ الَّذي لَمْ يَتَرَجَّحْ صِدْقُ المُخْبِرُ بِهِ؛ لتَوقُّفِ الاستدلالِ بِهَا عَلَى البَحْثِ عَنْ أَحْوَالِ رُوَاتِها دُونَ الأوَّلِ، وهو المُتَواتِرُ.
[قوله]
(1)
: «وفيها المَرْدُودُ، وهُو الَّذي لَمْ يرَجَّحْ صِدْقُ المُخْبِرِ بِهِ» : يشمل ما إذا ثَبَت كذِبُ الناقل، أو ترجَّح كذِبُه، أو لم يَثبت كذبه ولا صدقه، وهو ما تُوُقِّفَ فيه، وهذا يخالف ما يأتي من أنَّ المردود: ما ثَبَت كَذِبُ ناقله، وأنَّ ما تُوقِّف فيه إذا لم توجَد قرينةٌ تُلحِقه بأحد الاسمين؛ فإنه مُلحَقٌ بالمردود لا أنَّه مردُودٌ حقيقة، ويجاب بأنَّ قوله: «وهو الذي
…
إلخ» محمول على ما ثَبَت كَذِبُ ناقله؛ بدليل ما ذكره بعده في التقسيم في قوله: «صار كالمردود» ، وحَمْلُ الكلام على خلاف ظاهره لقرينة لا مانع منه ولا [خَلَل]
(2)
فيه، ثُمَّ لا بُدَّ في تعريف المردود من زيادة على ما ذهب إليه مالك ومَن وافقه مِن تقديم عمَلِ أهل المدينة على خبر الآحاد المشتمل على المقبول؛ فيُقال عقب تعريفه كما تقدم: أو رَجَح صدقُه وعارَضَه عمَلُ أهل المدينة عند مالك.
[قوله]
(3)
: «لتَوقُّفِ الاستدلالِ
…
إلخ»:
قال (ب): «علةٌ لاشتمال الآحاد] على]
(4)
المقبول والمردود»، قلتُ: الذي يظهر أنَّه علة لدخول القَبول والرَّدِّ في الآحاد دون المتواتر، مع رعاية دَلالةِ المقام على أنَّ رواتها عند البحث عن أحوالهم يتبين: إمَّا اتِّصافُهم بصفات القَبول، وإمَّا اتصافُهم بصفات الرَّدِّ، وإمَّا ألَّا يتبينَ شيءٌ أصلًا، وهذا أحسَنُ مِن قول المُحَشِّي المذكور؛ لإيهامه أنَّه تعليل للتقسيم، وهو من باب التصورات، وهي لا يُستدل عليها
(5)
.
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
في (هـ): [خلاف].
(3)
زيادة من: (أ) و (ب).
(4)
تكررت في (هـ).
(5)
قضاء الوطر (1/ 609).
فكُلُّهُ مَقْبولٌ؛ لإِفادَتِهِ القَطْعَ بِصِدْقِ مُخْبِرِهِ بِخلافِ غَيْرِهِ مِنْ أَخبارِ الآحادِ.
لكنْ، إِنَّما وَجَبَ العَمَلُ بالمَقْبولِ مِنها؛ لأَنَّها إِمَّا أَنْ يُوجَدَ فِيهَا أَصلُ صِفَةِ القَبُولِ -وهُوَ ثُبُوتُ صِدْقِ النَّاقِلِ- أَوْ أَصلُ صِفَةِ الرَّدِّ -وهُو ثُبُوتُ كَذِبِ النَّاقِلِ- أَوْ لَا:
فكُلُّهُ مَقْبولٌ؛ لإِفادَتِهِ القَطْعَ بِصِدْقِ مُخْبِرِهِ بِخلافِ غَيْرِهِ مِنْ أَخبارِ الآحادِ.
لكنْ، إِنَّما وَجَبَ العَمَلُ بالمَقْبولِ مِنها؛ لأَنَّها إِمَّا أَنْ يُوجَدَ فِيهَا أَصلُ صِفَةِ القَبُولِ -وهُوَ ثُبُوتُ صِدْقِ النَّاقِلِ- أَوْ أَصلُ صِفَةِ الرَّدِّ -وهُو ثُبُوتُ كَذِبِ النَّاقِلِ- أَوْ لَا:
فَالأوَّلُ: يَغْلِبُ على الظَّنِّ ثُبُوتُ صِدْقِ الخَبَرِ؛ لِثُبُوتِ صِدْقِ ناقِلِهِ، فَيُؤخَذُ بِهِ.
والثَّانِي: يَغْلِبُ على الظَّنِّ كَذِبُ الخَبَرِ؛ لِثُبُوتِ كَذِبِ نَاقِلِهِ، فيُطْرَحُ.
والثَّالِثُ: إِنْ وُجِدَتْ قَرينَةٌ تُلْحِقُهُ بأَحَدِ القِسْمَيْنِ، الْتَحَقَ، وإِلَّا فَيُتَوَقَّفُ فيهِ، وإِذا تُوُقِّفَ عَنِ العَمَلِ بهِ، صارَ كالمَرْدودِ، لا لِثُبوتِ صِفَةِ الرَّدِّ، بل لكَوْنِهِ لَمْ تُوجَدْ فيهِ صفةٌ توجِبُ القَبُولَ، واللهُ أَعْلَمُ.
وقد يَقعُ فيها -أَيْ: في أَخْبارِ الآحَادِ المُنْقَسِمَةِ إِلى مَشْهورٍ، وَعَزيزٍ، وغَريبٍ- مَا يُفيدُ العِلْمَ النَّظريَّ بالقَرائِنِ عَلى المُختارِ خِلافًا لِمَنْ أَبى ذلك.
[قوله]
(1)
: «فكُلُّهُ مَقْبولٌ» : أي: كل فرد فرد من أفراد المتواتر مقبول من حيث حصولُ العلم بمضمونه، (هـ/52) من غير احتياج إلى قرينة.
وقوله «مُخْبِرِهِ» : أصله: المُخبِر به.
وقوله: «بِخلافِ غَيْرِهِ
…
إلخ» [أي]
(2)
: فإنَّه لا يُقطع بصِدْق مخبِره إلا لقرينة.
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
زيادة من: (أ) و (ب).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[قوله]
(1)
: «لكنْ؛ إِنَّما وَجَبَ العَمَلُ
…
إلخ»:
قال (ق)
(2)
: «في كلامه نظرٌ من وجهين؛ الأول: أنَّ قوله: «إنما وجب العمل بالمقبول
…
إلخ»، ظاهر السَّوق أنَّ قوله: «لأنها
…
إلخ» دليل وجوب العمل بالمقبول، وليس كذلك، إنَّما هو دليل انقسامها إلى: المقبول والمردود»، قال:«ولو كان لي من الأمر شيءٌ لقلتُ بعد قوله الأول: فإن وُجد فيهم ما يُغلّب صدقهم فالأول، وإلَّا فإنْ ترجَح عدم الصِّدق فالثاني، وإن تساوى الطرفان فالثالث» انتهى، وفي قوله:«ولو كان لي من الأمر شيء» إشارةٌ إلى أنَّ المراد بوجود صفة القَبول ووجود صفة الرد أنْ يغلُب على الظنِّ وجودُ كلٍّ منهما، لا تحقُّق وجودهما، «الثاني: أنَّ قوله: «أو أصلُ صفة الردِّ وهو ثبوت كذب الناقل» يخالف ما قدمه في تفسير المردود؛ (أ/43) فهو تناقضٌ» [انتهى]
(3)
.
[ويمكن]
(4)
الجواب عن الأول بما فيه تكلفٌ؛ وذلك لأنَّ دليل انقسامها إلى المقبول وغيره يتضمن دليلَ وجوب العمل بالمقبول، ففي الكلام حذفُ مضاف، أي: لتضمن قوله: «إنها إمَّا أنْ يوجَد فيها
…
إلخ»، وقوله في الثاني:«إنَّه تناقضُ» ؛ لأنَّ ما ذكره في تعريف المردود يَشملُ الثالثَ، مع أنَّه] جعله]
(5)
ثالثًا؛ فيقتضي أنَّه مباينٌ له؛ لأنه قَسِيمه، وقَسِيمُ الشيء مباينٌ له، ثُمَّ إنَّ مالم يترجَّح صِدْقُ ناقله يشمل ما ترجح كَذِبُه؛ فهو بظاهره يشمل ثلاثةَ أقسام، وتقدم ما يفيد
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
حاشية ابن قطلوبغا على شرح نخبة الفكر (ص 32).
(3)
زيادة من: (أ) و (ب).
(4)
في (هـ): [لكن].
(5)
في (هـ): [جعل].
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الجوابَ عن هذا، قاله (ج)
(1)
.
وقال (هـ)
(2)
: [قوله]
(3)
: «لكن إنما وجب
…
إلخ» كلامٌ فيه غموض وخفاء؛ فإن التعليل الواقع فيه [لَمَّا]
(4)
أنتَج وجوبَ العمل أنتَج وجوب الردِّ والوقف، فهو تعليلٌ بالأعمِّ، وهو لا يلزم أنْ يَصْدق بالأخص؛ فلا يفيد ثبوتَ خصوصَ الحكم المعيَّن المعلل الذي هو وجوب العمل بالمقبول، وأشار (ق)
(5)
إلى الاعتراض، وهو حقٌّ، وأمَّا الجواب بأنَّه تعليل للانقسام إلى ما ذُكِر فبعيدٌ، بل فاسدٌ، أمَّا أولًا: فلا نقص له عن حُكمه ووقوعه بإزاء حُكمٍ آخَرَ، وأمَّا ثانيًا: فالتقسيم من باب التصورات وهي لا يُستدل عليها، وأمَّا ثالثًا: فإنْ جعله علةً للحكم بالانقسام إلى ما ذكر بمعنى الجزم باشتمالها على ما ذُكر، يعني عند قوله: «قيل: لتوقف الاستدلال بها على البحث
…
إلخ».
[قوله]
(6)
: «لأَنَّها
…
إلخ»:
أي: لأن شيئًا من الآحاد، «إمَّا أنْ يوجَد» فيه [شيء]
(7)
؛ إذ المدار على وجود «أصل صفة القَبول» في فردٍ معيَّن منها بلَغَنا عِلمُه، لا في وجود فيها في الجملة من [حيث]
(8)
هي كذلك، وبما ذَكَره علِمتَ أنَّ المراد بأصل صفة
(1)
حاشية الأجهوري على شرح نخبة الفكر (ص 156 - 157).
(2)
قضاء الوطر (1/ 609).
(3)
زيادة من: (أ) و (ب).
(4)
في (هـ): [كما].
(5)
حاشية ابن قطلوبغا على شرح نخبة الفكر (ص 38).
(6)
زيادة من: (أ) و (ب).
(7)
زيادة من (هـ).
(8)
زيادة من: (أ) و (ب).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
القَبول: ما مَدارُ القَبول عليه أو لا، وبالذات] بحسَب]
(1)
[القصد]
(2)
الأول بحيث لا يعتبر وجود غيره إلا بعد وجوده وتحقُّقِه، وهو الصدق كما ذكره؛ وحينئذٍ فمعنى كونِ أصل صفة الردِّ الكذب: أنَّ مع تحققه في الجملة لا يُعتبر ثبوت زائدٍ عليه، لا أنَّ غيره من القوادح لا يُعتبر إلا بعد وجوده.
تنبيه
(3)
:
يمكن حَمل كلام الشارح على أنَّه استئناف قُصد به بيان كيفيَّة البحث عن أحوال رُواة الآحاد إجمالًا، وفي كلامه اكتفاءٌ، والأصل: وإنما وجب العملُ بالمقبول وتركُ العمل بغيره؛ لأنها
…
إلخ. وهذا الحكم وإنْ تقدم لكنْ لمحافظته على ربط بعض الكلام ببعض لم يتمكن من بيان كيفيَّة البحث عن أحوال رواتها؛ فأعاده] ليرتبط]
(4)
به ذلك، غايتُه أنَّ «لكن» وقعت في غير موقعها، و [ربما]
(5)
يُقر بها: أنَّهم قدروا بها الاستثناء المنقطع، وبه يسقُط الاعتراض الأول من كلام (ق)
(6)
، ويسقُط من كلامنا وكلام (ب) أيضًا.
[قوله]
(7)
: «وهُو ثُبوتُ صِدْقِ
…
إلخ»:
أي: أصل صفة القَبول، والظاهر أنَّه من إضافة الصفة للموصوف؛ لأن صفة
(1)
في (هـ): [بحسبه].
(2)
في (هـ): [فقد].
(3)
قضاء الوطر (1/ 610).
(4)
في (هـ): [ليربط].
(5)
في (هـ): [إنما].
(6)
ينظر: حاشية ابن قطلوبغا على شرح نخبة الفكر (ص 33).
(7)
زيادة من: (أ) و (ب).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الناقل: الصِّدْقُ الثابت لا ثبوتُه، وهكذا يُقال فيما بعده
(1)
.
(هـ/53)[قوله]
(2)
: «أَوْ لَا» : أي: أو لا يوجَد في شيء معيَّنٍ منها أصلُ صفة القَبول، ولا أصل صفة الردِّ، وليس فيه حذف المعطوف، بل حذف جُزئه
(3)
.
[قوله]
(4)
: «صِدْقُ الخَبَرِ» : هذا هو رابط الجملة الواقعة خبرًا بالمبتدأ؛ لمرادفته للأول، نحو: أبو سعيد الذي رَوَيت عن الخدْري، وكذا القول فيما بعده إنْ لم يجعل] يَغْلِب]
(5)
في المواضع [مُضعَّفًا]
(6)
وضميره للمبتدأ، وإلا كان ضميره هو الرابط
(7)
.
وفي قوله: «يغلِب صدْق الخبر» وضع ظاهر [موقع]
(8)
المضمر، أي: صدقه، وكذا قوله: «والثاني
…
إلخ».
[قوله]
(9)
: «الْتَحَقَ» : بالجزم؛ لأنه جواب الشرط، أي: التحَق بما قامت القرينةُ على التحاقه به.
[قوله]
(10)
: «وإِلَّا فَيُتَوَقَّفُ فيهِ» : أي: وإن لم يوجَد] منه]
(11)
قرينةٌ تُلحِقه بأحدهما فيُتوقف في قَبوله، أي: يُمْسَك عن، وقرْنُهُ المضارع الصالح لمباشرة
(1)
قضاء الوطر (1/ 612).
(2)
زيادة من: (أ) و (ب).
(3)
قضاء الوطر (1/ 612).
(4)
زيادة من: (أ) و (ب).
(5)
في (هـ): [يقل].
(6)
في (هـ): [متفقا].
(7)
قضاء الوطر (1/ 612).
(8)
في (هـ): [موضع].
(9)
زيادة من: (أ) و (ب).
(10)
زيادة من: (أ) و (ب).
(11)
في (هـ): [فيه].
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الأداة بالفاء جارٍ على أحد الوجهين الجائزين عند ابن الحاجب في المضارع المثبَت أو المنفي بلا، نحو:{وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ] {المائدة: 95} ، واختاره الرَّضيُّ، والفعل في كلامه مبنيٌّ للمجهول.
[قوله]
(1)
: «وإِذا تُوُقِّفَ عَنِ العَمَلِ بهِ» : أي: بالخالي عما يُلحقه بأحد القسمين، والظاهر أنَّ هذا (أ/44) جوابُ سؤالٍ تقديرُه: قد بان بما ذكره في التقسيم أنَّ أقسام الآحاد ثلاثة: مقبول ومردود ومتوقف فيه، فما ارتكبه في الأصل من التقسيم غير حاصرٍ؛ فيكون باطلًا، وملخص الجواب: أنَّه مندرِجٌ في أحد القسمين من حيث الحكمُ وإنْ خرج عنه من حيث الذات؛ فالتقسيم الواقع في الأصل تقسيم للآحاد من حيث حُكمُها، والواقع في الشرح تقسيم لها من حيث ذاتُها
(2)
.
[قوله]
(3)
: «لا لِثُبوتِ صِفَةِ الرَّدِّ» : قال (ق)
(4)
: «وهو: ثبوت كذِب الناقل، وهذا يُخالف ما مَرَّ في تفسير المردود» انتهى، ويعني بما مَرَّ: أنَّ المردود ما لم يَرْجَحْ صدْقُ المخبِر به، وهذا موجود فيما لم يوجَد فيه قرينةٌ تُلحِقه بأحد القسمين؛ فلا يصح نفيُ صِدق الردِّ عنه»، قلتُ: أَشْكَلَ على المُحَشِّي الكلامُ باشتماله على حذفٍ يسيرٍ دلَّ عليه السِّياق والسِّبَاق، أي: لثبوت أصلِ صفةِ الردِّ؛ لأنه المحكوم عليه بالوجود والانتفاء، وتقدَّم أنَّ أصل صفة الردِّ: الكذِب الثابت، وفرْقٌ بين صفة الرد: وهي ما لم يرْجَح
…
إلخ، وأصلِ صفة الرد؛
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
قضاء الوطر (1/ 612).
(3)
زيادة من: (أ) و (ب).
(4)
حاشية ابن قطلوبغا (ص 38).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
لعموم الأُولى وخصوص الثانية، ولا يَلْزمُ من نفي الأخصِّ نفيُ الأعمِّ، كما أنَّ صفة القَبول: ما لم تَرْجَح
…
إلخ، وأصلها: الصدقُ الثابت
…
إلخ؛ فقوله: «وهُو ثُبوتُ
…
إلخ» ممنوع، بل هو اشتباه الشيء بأصله؛ فلا تكن من الغافلين.
[قوله]
(1)
: «وقد يَقَعُ فيها
…
إلخ»: لعله من باب الكناية؛ فأطلق الوقوع اللازم له الورود من مكان عالٍ إلى مكانٍ سافل دُون قَصدٍ على لازمه، وهو مطلق الورود، فكأنَّه قال: ويَرد من الآحاد «ما يُفيد العلْمَ النظريَّ بالقرائن» ، و «قد» للتكثير لا للتقليل.
وقوله: «المُنْقَسِمةِ
…
إلخ» نعت لـ: «أخبار» أو لـ: «آحاد» ، فيُوهم تقييد محل الخلاف في كونه قطعيًّا أو ظنيًّا، وليس كذلك؛ فخبر الآحاد مطلقًا جرى فيه الخلاف، وهل يفيد العلمَ أم لا؟ ومحصِّل المسألة من أصلها: أنَّ خبر الواحد يفيد العلْمَ مع القرينة عند الإمامين: والغزالي
(2)
والآمِديِّ
(3)
، وابنِ الحاجب
(4)
والبَيْضاويِّ
(5)
، حيث قالوا: خبر الواحد لا يفيد العلْمَ إلا بقرينة، كإخبار الرجل بموت ولده المُشرِف على الموت، مع قرينة خروج الناعيات
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
المنخول (ص 240).
(3)
الإحكام (2/ 32).
(4)
رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب (2/ 55).
(5)
النكت على كتاب ابن الصلاح لابن حجر (1/ 377)، شرح نخبة الفكر للقاري (ص 215)، توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار (1/ 31).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وإحضار الكفن، وغير ذلك مما جرت العادة ألَّا] يُفعل]
(1)
لغير] ولده]
(2)
، وقال الأكثرون: لا يفيده، وما ذُكِر من القرينة قد يوجد مع حصول الإغماء مثلًا، واعتُرِض بأنَّ: هذا قدحٌ في المثال الجزئيِّ، ولا يَلزم منه القدح في المدَّعَى الكليِّ، ودُفِعَ بما هو مبسوط في المطوَّلات، (هـ/54) وقال أحمد: يفيد العلم بلا قرينةٍ بشرط العدالة؛ لإيجابه العمل بمقتضاه، ولا يجب العمل إلَّا بما يفيد العلم؛ لقوله تعالى:{وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ] {الإسراء: 36} ، {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ] {النجم: 28}.
وأُجيبَ: بأنَّ ذلك فيما يُطلب فيه اليقينُ من العقائد لا ما ثبت من وجوب العمل بالظنِّيَّات في الفروع، وقال ابن فُورَك والأستاذ: يفيد المستفيضُ من خبر الواحد علمًا نظريًّا، قال المحقِّق المحَليُّ
(3)
: جَعَلاه واسطةً بيْن: المتواتر المفيد للعلم الضروري، والآحادِ المفيد للظنِّ، ومثَّلَهُ الأستاذ بما] يتفق]
(4)
عليه أئمةُ الحديث، إذا علِمتَ هذا علمتَ أن في قصر الخلاف على المشهور والعزيز والغريب نظرًا، وعلمتَ أنَّ الخلاف في المسألة حقيقيٌّ لا لفظيٌّ، وعلمتَ أنَّ المراد بالعلم المُفاد منها بالقرائن: العلْمُ اليقينيُّ لا الظنيُّ؛ إذ قد لا يتوقف إفادةُ بعضها إيَّاه على قرينة،] يمكن]
(5)
الجواب بأنَّه: إنَّما خصها بذلك؛ نظرًا] للفنِّ]
(6)
، وللقرائن
(1)
في (هـ): [يفعله].
(2)
في (هـ): [والده].
(3)
حاشية المحلى على جمع الجوامع (4/ 223).
(4)
في (هـ): [تيقن].
(5)
في (هـ): [ولكن].
(6)
في (هـ): [للفة].
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الآتية الخاصَّةِ به، وأنَّ الخلاف [الحقيقيَّ]
(1)
غيرُ اللفظيِّ المراد هنا -وهو إفادة ما أخرجه الشيخان أو أحدُهما العلْمَ- هل المرادُ منه القطعُ أو الظنُّ؟ فقيل: القطعيُّ، وقيل: الظنيُّ
…
إلخ ما يأتي، قاله (هـ)
(2)
.
وفي كتابة: «الباءُ» في قوله: «بالقرائن» للسببية؛ وحينئذٍ يَرد أن كلامَه يقتضي: أنَّ الآحاد مع القرائن قد تفيد العلمَ وقد لا تفيده، وهو خلافُ ما في «جمع الجوامع» ومَن وافَقَه، مِن أنَّه إذا حُفَّ بالقرائن أفاد العلمَ في أحد الأقوال، وهذا خلاف ما ذكره المؤلِّف هنا، وأراد بالنظريِّ: حقيقتَه، وهو ما يتوقف على النظر، وهو ترتيب] أمور]
(3)
[إلخ]
(4)
، لا ما يتوقف حصولُه على نظر أو غيره من حَدْس أو تجرِبة وغيرِهما كما استظهره (ج)
(5)
. (أ/45)
[قوله]
(6)
أي: إكسابَها وإفادتها العلم النظريَّ بالقرائن. وتقدَّم إعراب: خلافًا لكذا
(7)
.
(1)
زيادة من (ب).
(2)
قضاء الوطر (2/ 617)، وما بعده.
(3)
في (هـ): [أمور لهما].
(4)
زيادة من: (أ) و (ب).
(5)
حاشية الأجهوري على شرح نخبة الفكر (ص 158).
(6)
زيادة من: (أ) و (ب).
(7)
قاله اللقاني كما في قضاء الوطر (2/ 865).
والخِلافُ في التَّحْقيقِ لَفْظيٌّ؛ لأنَّ مَنْ جَوَّزَ إِطلاقَ العِلْمِ، قَيَّدَهُ بِكونِهِ نَظَريًّا، وهُو الحاصِلُ عن الاسْتِدلالِ، ومَنْ أَبى الإِطلاقَ، خَصَّ لَفْظ العِلْمِ بالمُتواتِرِ، وما عَداهُ عِنْدَهُ كُلُّهُ ظَنِّيٌّ، لكنَّهُ لا يَنْفِي أَنَّ ما احْتفَّ بالقرائِنِ أَرْجَحُ ممَّا خَلا عَنها.
[قوله]
(1)
: «والخِلافُ
…
إلخ»:
لا يَنْهَضُ ما تضمنه من الاستدلال عَلى المدَّعى وهو كونُ الخلاف لفظيًّا؛ لأن كون ما احتفَّ بالقرائن أرجَحَ مما خلا عنها لا يستلزم إفادتَه العلمَ، فقد يكون مفادُه الظنَّ الراجح على الظن الحاصل بخبرٍ] خالٍ]
(2)
عن القرينة لا العلم؛ فالخلاف معنوي.
وقال (هـ)
(3)
: مُراده بالتحقيق: الحقيقةُ ونفْسُ الأمر وهذه طريق له كما مَرَّ، كأنَّه استدراك منه على المختلفِين، ومعنى قوله:«لَفْظيٌّ» أنَّه عائد] على]
(4)
اللفظ والتسمية.
وقوله: «لأنَّ مَنْ جَوَّزَ
…
إلخ»:
بيانٌ للفظيَّةِ الخِلاف، وحاصله أنَّه يقول: لا خلاف في إفادة خبرِ الآحاد العلمَ النظريَّ بالقرائن، وإنما الخلاف: هل يُطلَقُ على ما أفاده بواسطة القرائن لفظُ العلْمِ أم لا؟ فمَن قال: لا يُطلَق لفظُ [العلْم]
(5)
على ما كان ضروريًّا أو بديهيًّا
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
في (هـ): [غير خال].
(3)
قضاء الوطر (2/ 620).
(4)
في (هـ): [إلى].
(5)
في (ب) و (هـ)[الأعلى]، والتصويب من هامش (أ).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
مَنَع إطلاقه على ما أفاده خبرُ الآحاد، ومَن قال: بل يُطلَق على يقين كان كَسْبيًّا أو غيرَه جَوَّز إطلاقه عليه؛ فالآحاد المحتَفُّ بالقرائن يتَّفَق على إفادته العلْمَ، وإنَّما الخلاف في جواز إطلاق لفظ العلْم عليه، وقد اعترضه (ب) بأنَّ الخلاف معنويٌّ؛ لأنَّ من أَطلَق عليه العلْم هو عنده يفيد اليقين بالنَّظريِّ، ومن أَبى إطلاقه العلْم فإنَّه وإنْ لم يَنْفِ] أرجحيَّتَه]
(1)
لا يُرقِّيه عن غلبة الظنِّ؛ فلم يَصِلْ عنده إلى اليقين، وهو مخالفٌ لِمَن يقول بإفادته في المعنى بلا ريبٍ.
و [قال]
(2)
(ق)
(3)
: أيضًا بأنَّ التحقيق خلافُ هذا التحقيق
(4)
.
وقوله: «بالمُتواتِرِ» أي:] بمفيد]
(5)
المتواتر.
[قوله]
(6)
: «لَكِنَّهُ» :
أي: مَن أبى إطلاقَ لفظ العلْم على الحاصل من الآحاد، «لا ينفي] أن]
(7)
ما» أي: الخبر الذي «احتف بالقرائن» جمع قرينة، وهي أمرٌ يدلُّ لا بالوضع، والمراد بها هنا: الجنسُ؛ فيَصدُقُ بالواحد فأكثر.
(1)
في (هـ): [حجيته].
(2)
زيادة من مطبوع قضاء الوطر.
(3)
حاشية ابن قطلوبغا على شرح نخبة الفكر (ص 38 - 39).
(4)
قضاء الوطر (1/ 620).
(5)
في (هـ): [ألا بمفيد].
(6)
زيادة من: (أ) و (ب).
(7)
في (هـ): [إذ].
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[قوله]
(1)
: «أَرْجَحُ» :
أي: في إفادة الظنِّ الراجح لا العلْم كما هو ظاهر كلامه؛ ليتمَّ له قولُه: «والخلاف في التحقيق لفظيٌّ
…
إلخ»، لكنْ قد علِمتَ ما فيه.
وقال (هـ)
(2)
: أرجحُ] ممَّا]
(3)
خلا عنها، أي: عن جنسها، (هـ/55).
قال (ق)
(4)
: «قلتُ: نعم، ومع أنَّه أرجح لا يفيد العلْمَ؛ فالحاصل عند مَن يقول: إنَّ الآحاد لا تفيد العلْمَ أنَّ الدليل الظنيَّ على طبقات، وليس منها ما يفيد العلم» انتهى. أي: فيبطُلُ كونُ الخلاف لفظيًّا، ونعني به أنَّه مَعنويٌّ، وهو جيد، على أنَّ الخلاف في إفادته العلْمَ لا في الرجحان، نعمْ إنْ أراد مَنْ أبى الإطلاقَ بالعلْم الذي يفيده المتواتر وهو الضروريُّ؛ كان الخلاف لفظيًّا، لكنْ لا دليل على إرادته ذلك، بل ولا قرينة.
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
قضاء الوطر (2/ 321) وما بعده.
(3)
في (هـ): [ما].
(4)
حاشية ابن قطلوبغا على شرح نخبة الفكر (ص 39).
وَالخَبَرُ المُحْتَفُّ بالقَرائِن أنواعٌ:
مِنْها: مَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخانِ في «صَحيحَيْهِما» ممَّا لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ المتواتِرِ، فإِنَّهُ احْتُفَّتْ بِهِ قرائِنُ؛ منها:
* جَلالتُهُما في هذا الشَّأْنِ.
* وتَقَدُّمُهُمَا في تَمْييزِ الصَّحيحِ على غيرِهما.
* وتَلَقِّي العُلماءِ كِتابَيْهِما بالقَبُولِ، وهذا التَّلقِّي وحدَهُ أَقوى في إِفادةِ العلمِ مِن مُجَرَّدِ كَثْرَةِ الطُّرُقِ القاصرةِ عَنِ التَّواتُرِ.
[قوله]
(1)
: «والخَبَرُ المُحْتَفُّ بالقَرائِن» :
أي: والخبر المفيد للعلم المصحوب بالقرائن [المتصلة]
(2)
حالية
(3)
كانت أو مَقاليَّة
(4)
.
[قوله]
(5)
: «مِنْها مَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخانِ» :
هذا على مذهب ابن الصَّلاح
(6)
دُون النووي
(7)
كما يأتي.
[قوله]
(8)
: «ممَّا لَمْ يَبْلُغِ حدَّ التَّواتُرِ» :
مبنيٌّ على وجود المتواتر في الصحيح، وهو كذلك عند (هـ)
(9)
كما سبق؛
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
في مطبوع قضاء الوطر [المنفصله].
(3)
في (أ) و (ب): [خالية].
(4)
قضاء الوطر (1/ 622).
(5)
زيادة من: (أ) و (ب).
(6)
مقدمة ابن الصلاح (ص 28).
(7)
ينظر: تدريب الراوي (1/ 142).
(8)
زيادة من: (أ) و (ب).
(9)
قضاء الوطر (2/ 622).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
فلا تغفُل، وفيه رَدٌّ على من أوهم كلامُه قصرَ الخلاف على ما أخرجاه أو أحدهما، [ويمكن
(1)
حَمْلُ [كلامه
(2)
عليه بقرينة ما مَرَّ، وعلى كلِّ حالٍ: المراد: أخرجاه اجتماعًا أو انفرادًا، أو ليُحمل كلُّه بعدَه على نمطه من ضمائر وغيرها، ولو أبدَل:«أخرجاه» بـ: «أسْنَداه» كان محرَّرًا.
[قوله]
(3)
: «منها» :
أي: من القرائن.
«جَلَالَتُهما» : أي عظَمَتُهما وتمكُّنُهما، ورفعةُ] قَدْرِهما
(4)
في] إتقان]
(5)
هذا الفن.
و [منها:]
(6)
«تقدُّمُهما
…
إلخ»، و «وتَلَقِّي العُلماءِ لكتابهما بالقَبُولِ» أي: تصريح العلماء بأنَّ مستَنَد ما ذهبوا إليه في الجملة من الأحكام ما ذكراه أو أحدهما، ومما بيَّن أنَّه ليس في الكتابين حديث أجمعت
(7)
الأمة على تركه وعدم
(1)
في (هـ): [لكن].
(2)
في هامش (أ): [الكلام].
(3)
زيادة من: (أ) و (ب).
(4)
في (هـ): [قدرها].
(5)
في (هـ): [اتفاق].
(6)
زيادة من: (أ) و (ب).
(7)
في (هـ): [اجتمعت].
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
العمل به، بل لا بُدَّ من] قائل]
(1)
[بما]
(2)
فيهما في الجملة، وهذا لا يَستلزِم اتفاقَ أرباب المذاهب على كلِّ ما فيهما؛ إذ من أرباب أحدٍ إلا وقد ترَكَ الأخذَ بكثير مما فيهما سالكًا في ذلك طريق التأويل والترجيح، فحرَّر العبارة حيث جَعل المُتلَقَّى بالقَبول الكتابين لا كلَّ ما فيهما؛ إذ بعضه منتقَدٌ كما يُعلم مما بعده
(3)
.
[قوله]
(4)
: «وهذا» :
أي: تلقِّي العلماء بالقَبول -على تسليم صحته- وإن كان عن ظنٍّ من كلِّ المجتهدين؛ لأنَّ ظنَّ مجموعهم لعصمتهم عن الخطأ لا يُخطئ؛ فيفيد القطع بالصحة، وهو العِلْم.
] قوله]
(5)
: «مِن مُجَرَّدِ
…
إلخ»:
يعني إذا كانت واقعةً في غير الصحيحين، وهو متعلق بـ] «أقوى» ]
(6)
.
(1)
في (هـ): [تأويل].
(2)
زيادة من: (أ) و (ب).
(3)
قضاء الوطر (1/ 623).
(4)
زيادة من: (أ) و (ب).
(5)
زيادة من: (أ) و (ب).
(6)
زيادة من (هـ)، وثبت على هامش (ب):[قوله من مجرّد إلخ يعني إذا كانت واقعة في غير الصحيحين وهو متعلق بأقوى].
إِلَّا أَنَّ هَذا مُخْتَصٌّ بِمَا لَمْ يَنْقُدْهُ أَحدٌ مِنَ الحُفَّاظِ مِمَّا في الكِتابينِ، وبِما لَمْ يَقَعِ التَّجاذُبُ بينَ مَدْلولَيْهِ مِمَّا وَقَعَ في الكِتابينِ، حيثُ لا تَرْجيحَ لِاستِحالَةِ أَنْ يُفيدَ المُتناقِضانِ العِلْمَ بصِدْقِهِما من غيرِ ترجيحٍ لأَحدِهِما على الآخرِ.
[قوله]
(1)
أي: ما يفيد العلْمَ ممَّا أخرجاه أو أحدُهما، «يختص» أي: يفيد بغير ما انتقده (أ/46) الناسُ عليهما؛ إذ قد انتُقد عليهما: مائتان وعَشَرةٌ من [الأحاديث
(2)
، يُختصُّ البخاريُّ منها بثمانين إلا اثنين، ومسلمٌ بمئة، ويشتركان في اثنين وثلاثين، وهذه وإن كانت كثيرةً في نفْسها لكنَّها بالنِّسبة لِما يُنتقَد عليهما يسيرة؛ فلا يُنافي قولَ ابن الصِّلاح
(3)
: «سِوى أحرفٍ يسيرة تكلَّم بعض أهل النقد عليها» .
قال العراقيُّ في «النكت»
(4)
: «وقد أجاب عنها العلماء، وقد جمَعْتُها في تصنيف مع الجواب عنها» .
[قوله]
(5)
: «وبِما لَمْ يَقَعِ التَّجاذُبُ بَيْنَ مَدْلُولَيْهِ» :
أي: التجاذُبُ الذي لا يمكن معه الجمعُ، ويَحصُلُ معه التناقضُ، حيث لم يكن أحدهما ناسخًا للآخر.
وقال (هـ)
(6)
: «وبما لم يَقَع التجاذُب بين مَدلولَيه» معطوف على: «لم يَنتقِده أحدٌ» والمراد بـ «التجاذب» : التعارضُ والتخالف، سواءٌ كان له مدلولان أو
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
في (هـ): [الآحاد].
(3)
مقدمة ابن الصلاح (ص 29).
(4)
التقييد والإيضاح (ص 44).
(5)
زيادة من: (أ) و (ب).
(6)
قضاء الوطر (2/ 624).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
مدلولات، ولا بُدَّ من نفي الترجيح، ومن نفي الجَمع بينهما، وتعليل الشارح ذلك بـ:«استحالَته أنْ يُفيد المتناقضان العِلْمَ بصِدْقِهِما» أي:] بِصِدْق]
(1)
مدلوليهما صحيحٌ، كما هو موضوع المبحث من أنَّ المتواتر: يُفيد العلْمَ بمدلوله، والآحادَ: لا يُفيد العلْمَ بمدلوله إلا بقرينة الخبر، فقول (ق)
(2)
في قوله: «وبِما لَمْ يَقَعِ التَّجاذُبُ بيْنَ مَدْلُولَيْهِ» لقائل أنْ يقول: لا حاجة إلى هذا؛ لأنَّ الكلام (هـ/56) في إفادة العلْم بالخَبر، لا في إفادة العلْم بمضمونه، فيه نظرٌ، [غرَّه]
(3)
فيه قولُ الشارح: «وما عدا ذلك/ فالإجماع حاصل على تسليم صحته» ، وما علِم أنَّه [تسلم
(4)
الصحة معه العلْم -كما يأتي-.
[قوله]
(5)
: «مِن غيرِ تَرجيحٍ لأحَدِهِما على الآخَرِ» :
قال بعضُهم: لا يَخفى أنَّهما إذا كان في أحدهما ترجيحٌ لا يفيدان العلْم بصدقهما.
قلتُ
(6)
: وتعليقه [بالمتناقضان]
(7)
كذلك، وعندي أنَّ المفهوم مفيد؛ لإفادة الراجح العلْمَ وحْدَه، وأنَّه متعلق بـ «يُفيد» وهذا المعنى منه] مستفيد]
(8)
،
(9)
.
(1)
في (هـ): [صدق].
(2)
حاشية ابن قطلوبغا على شرح نخبة الفكر (ص 40).
(3)
في (هـ): [غيره].
(4)
في (هـ): [تسليم].
(5)
زيادة من: (أ) و (ب).
(6)
الكلام للّقاني رحمه الله.
(7)
في (هـ): [بالمتتان].
(8)
في (هـ): [مستقبل].
(9)
قضاء الوطر (1/ 626).
وما عَدَا ذلك فالإِجماعُ حاصِلٌ على تَسْليمِ صِحَّتِهِ.
فَإِنْ قِيلَ: إِنَّما اتَّفَقوا على وُجوبِ العَمَلِ بِهِ لا عَلى صِحَّتِهِ، مَنَعْنَاهُ.
وسَنَدُ المَنْعِ أَنَّهُمْ مُتَّفِقونَ عَلى وُجوبِ العَمَلِ بِكُلِّ مَا صَحَّ ولوْ لَمْ يُخْرِجْهُ الشَّيْخانِ، فلمْ يَبْقَ للصَّحيحينِ في هذا مَزيَّةٌ، والإِجماعُ حاصِلٌ على أَنَّ لهُما مَزِيَّةً فيما يَرْجِعُ إِلى نَفْسِ الصِّحَّةِ.
[قوله]
(1)
: «وما عَدا ذلك؛ فالإِجماعُ
…
إلخ»:
والإجماع عن مجتهدي الأمَّةِ على أنَّه صحيح، وإنْ قالوا ذلك عن ظنٍّ؛ فإنَّه لعصمتهم عن الخطأ لا يَخفى
(2)
.
فقوله: «على تَسْليمِ صِحَّتِهِ» :
[أي]
(3)
: تسليم القطع بها، إن قلتَ: يَرِد على عمومه التعليقُ الذي لم يَجْزِما به فإنَّه لم يُجمع على صحته، قلتُ: هو داخل فيما انتقدَه العلماء عليهما ولو إجمالًا، ولو سُلِّم خروجُه عنه فالكلام كان مفروضًا فيما أخرجاه بالإسناد المتصل؛ فلا يصدُق على ما] ذُكِر]
(4)
. فإنْ قلتَ: الكلام] مفروض]
(5)
في إفادة ما فيهما العلْم لا في صِحة ما فيهما وعدمها، فوجْهُ الكلام: فالإجماع حاصلٌ على إفادته العلم، قلت: العُذر في العدول أنَّه لم ينعقد إجماع على إفادة ما فيهما بالمعنى السابق العِلْم،
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
في (هـ): [لا يخطئ].
(3)
في (هـ): [إلى].
(4)
في (هـ): [ذكرت].
(5)
في (هـ): [مفروضا].
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
نعمْ تسليم القطع بالصحة معه إفادة العِلْم كما [سيأتي]
(1)
.
] قوله]
(2)
: «فإِنْ قِيلَ:
…
إلخ»:
هذا مفرَّعٌ على قوله: «وما عَدا ذلك؛ فالإِجماعُ
…
إلخ»، فالضمير في:«به» راجع لـ: «ما» في قوله: «وما عَدا ذلك» أي: وجوب العمل به لا يقتضي صحته؛ [إذ]
(3)
الحسَنُ يجبُ العملُ به.
وقوله: «مَنَعْنَاهُ» أي: منعنا قوله، «لا عَلى صِحَّتِهِ» وحاصل الجواب: أنَّ ما صح أو حَسُنَ وجب العمل به وإنْ لم يكن من مرويِّهما، وقد ثبت أنَّ لهما مزيةً، وهي: كونُ ما فيهما من الحسن في أعلى رُتَبِ الحُسْن؛ فيكون من الصحيح، فمزيَّتهما كونُ حَسَنِهما من الصحيح؛ لكونه أعلى الحَسَن، هكذا أشار غير واحدٍ ممن كتب عليه، فقوله:«فكل ما صَحَّ» أي: أو حَسُنَ.
وقوله: «فلمْ يَبْقَ للصَّحِيحَينِ في هذا مَزيَّةٌ» :
مع أنَّ المزيَّةَ ثابتةٌ لهما، وهي كونُ حَسَنهما من الصحيح؛ لعُلُوِّ مرتبته في الحُسْن، فثبت من هذا: أنَّ كل ما فيهما ممَّا عدا المنتقَدَ ومتجاذب المدلول صحيحٌ، وما ذكرناه من أنَّ: حَسَنَهما صحيحٌ يخالف ما يأتي من أنَّ الحسَن إنَّما يصير صحيحًا إذا جاء من طرق أخرى لا] بغير]
(4)
ذلك، وبهذا لا يتم قوله: «فالإجماع
…
إلخ». قلتُ: وقد يُقال: إنَّ مزيَّتهما كونُ ما خرَّجاه معًا أو أحدُهما
(1)
في (هـ): [يأتي].
(2)
زيادة من: (أ) و (ب).
(3)
في (هـ): [أو].
(4)
في (هـ): [لغير].
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
صحيحًا، وليست] هي]
(1)
أنَّ حَسَنَهما أو أحدَهما صحيح، وسيأتي.
[قوله]
(2)
: [«و يُحتمل
…
إلخ»:
«ويُحتمل أنْ يُقال» هي القطع بصحة ما أسنداه، أو أسنده أحدهما على ما ذهب إليه ابن الصَّلاح قاله (ج)
(3)
(4)
.
[قوله]
(5)
: «أَنَّهُمْ مُتَّفِقونَ» :
أي: العلماء مجمعون، فالاتفاق لُغَويٌّ.
[قوله]
(6)
: «ولوْ لَمْ يُخْرِجْهُ الشَّيْخانِ» :
فيه تَكرارٌ معنويٌّ، فالأَولى: مما لم يخرِّجه الشيخان.
[قوله]
(7)
: «في هذا» :
أي: وجوب العمل بما فيهما. والواو من قوله: «والإجماع» واو الحال.
[قوله]
(8)
أي: المستلزمة للعلم بمدلول ما صحَّ ممَّا سلف.
(1)
في (هـ): [في].
(2)
زيادة من: (أ) و (ب).
(3)
حاشية الأجهوري على شرح نخبة الفكر (ص 162).
(4)
هكذا قدم التعليق على هذه الفقرة في الشرح.
(5)
زيادة من: (أ) و (ب).
(6)
زيادة من: (أ) و (ب).
(7)
زيادة من: (أ) و (ب).
(8)
زيادة من: (أ) و (ب).
ومِمَّن صَرَّحَ بإِفادَةِ مَا خَرَّجَهُ الشَّيْخانِ العِلْمَ النَّظَرِيَّ: الأُسْتاذُ أَبو إِسْحاقَ الإِسْفَرايِينِيُّ، ومِن أَئِمَّةِ الحَديثِ: أَبو عبدِ اللهِ الحُمَيْدِيُّ، وأَبو الفَضْلِ بنُ طاهِرٍ، وَغيرُهُما.
ويُحْتَمَلُ أَنْ يُقالَ: المَزِيَّةُ المَذْكُورَةُ كَوْنُ أَحادِيثِهِما أَصَحَّ الصَّحيحِ.
ومِنها: المَشْهورُ، إِذا كانَتْ لهُ طُرُقٌ مُتبايِنَةٌ سَالِمَةٌ مِنْ ضَعْفِ الرُّواةِ والعِلَلِ.
وَممَّن صَرَّحَ بإِفادَتِهِ العِلْمَ النَّظَرِيَّ: الأُسْتاذُ أَبو مَنْصورٍ البَغْدادِيُّ، والأُسْتاذُ أَبو بَكْرِ بنُ فُورَكٍ - بضم الفاء -، وَغَيْرُهُما.
[قوله]
(1)
: «الأسْتاذُ» :
بالذال المعجمة، و «الإِسْفَرايِينِيُّ» بفتح الفاء والراء بعدها ألفٌ بعده مثناة من أسفل مكسورة بعدها نون وياء آخر الحروف، وبكسر الفاء وفتح الراء بعدها ألف لينة بعدها همزة مكسورة يليها ياء مثناة آخر الحروف بعدها نون وياء كذلك
(2)
.
[قوله]
(3)
: «أَصَحَّ (أ/47)[الصَّحِيحَينِ]
(4)
»:
وهو يتضمن صحة ما فيهما [ويُحتمل أيضًا تلقي الناس لكلامهما]
(5)
بالقَبول، ويُحتمل أيضًا أنْ ما قالاه يفيد القطع بصحته
…
إلخ ما تقدمت الإشارة لذلك.
[قوله]
(6)
: «ومنها» :
أي: من أنواع الخبر المحتفِّ بالقرائن المفيدة للعلم: «المشهورُ» أي:
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
قضاء الوطر (1/ 632).
(3)
زيادة من: (أ) و (ب).
(4)
كذا بنسخة المؤلف وفي مطبوع نزهة النظر [الصحيح].
(5)
في (ب): [ويحتمل أنهما أيضًا تلقي لكثرة الناس لكلامهما].
(6)
زيادة من: (أ) و (ب).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الحديث المسمى عند المحدِّثين (هـ/57) بهذا اللقب
(1)
.
وقوله: «متباينة» :
يُحتمل أنَّه نعت كاشفٌ لبيان الواقع؛ إذ لا تكون الطرق إلَّا متباينةً، وإلا ارتفع التعدُّد، ويُحتمل أنَّه للاحتراز عمَّا إذا رجعت أو بعضُها لشخصٍ واحدٍ يدور عليه الحديث، وهو الظاهر
(2)
.
وقوله: «سالمة» :
يجوز نصبه على الحال من «طرق» لوصفها بـ: «مُتباينة» أي: كل طريق منها تباينُ الآخرَ، ويجوز] رَفعُه]
(3)
على أنَّه نعتٌ ثانٍ. وقوله: «من ضعف الرواة» كالكذب وجهل الحال.
وقوله: «والعلل» :
ينبغي أنْ تختَصَّ بالخفية كما يُعلم مما يأتي، وإلا كان فيه نوعُ تَكرار مع ضعف الرواة، [تأمل]
(4)
.
[قوله]
(5)
: «النَّظَرِيَّ» :
أي: المستفادَ بالنظر والاستدلال.
(1)
قضاء الوطر (1/ 633).
(2)
قضاء الوطر (1/ 633).
(3)
في (هـ): [لو منعه].
(4)
في قضاء الوطر (1/ 633): [فتدبره].
(5)
زيادة من: (أ) و (ب).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[قوله]
(1)
: «ابنُ فُورَكَ» :
بضم الفاء أوله، فارسيٌّ، والكاف في آخره للتصغير في لغة الفُرس، ومعناه بالعَربيَّة: فُوَير، تصغير فار، يظهر من هذا أنَّه لا ينصرف للعلميَّة والعجمة كما قاله ابن أبي شريف، لكن نظر في الضبط ومَنَع الصرفَ بَعضُ من كتب على المقدمة.
وقال (هـ)
(2)
: «ابن فُورَك: محمَّد بنُ الحسَن بن فُورَك -بضم الفاء وفتح الراء-، أعجميٌّ ممنوع من الصرف للعلميَّة والعُجمة» ، ونقل (ق)
(3)
عن المؤلف أنَّه قال: «فُورَك ممنوع من الصرف، فإنهم يُدخلون الكافَ عِوضَ ياءِ التصغير، ومثله: زَبْرك، قلتُ: هذا ليس علةَ مَنْعِ الصَّرف على ما عُرف في العربيَّة» انتهى.
ويمكن أنْ يقال: إنه لا يُخالِف ما في العربيَّة، ومعنى قوله:«يدخلون الكاف إلخ» أنَّ أصل الاسم عربيٌّ؛ لأنَّه] الفُور]
(4)
فنقلوه إلى الأعجمي بزيادة الكاف عوضًا عن ياء التصغير في لغتهم، فيرجع إلى أنَّ المانع من الصرف: العلميَّة والعُجمة
(5)
.
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
قضاء الوطر (2/ 634).
(3)
حاشية ابن قطلوبغا على شرح نخبة الفكر (ص 42).
(4)
في (هـ): [المفور].
(5)
قضاء الوطر (1/ 634).
وَمِنْهَا: المُسَلْسَلُ بالأئمَّةِ الحُفَّاظِ المُتْقِنينَ، حيثُ لا يكونُ غَريبًا؛ كالحَديثِ الَّذي يَرْويهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ مَثلًا، ويُشارِكُهُ فيهِ غَيْرُهُ عَنِ الشَّافِعِيِّ، ويُشارِكُهُ فيهِ غَيرُهُ عَنْ مالِكِ بنِ أَنسٍ؛ فَإِنَّهُ يُفِيدُ العِلْمَ عندَ سَامِعِهِ بِالاستِدْلالِ مِن جِهَةِ جَلالَةِ رُواتِهِ، وأَنَّ فيهِمْ مِنَ الصِّفاتِ اللاَّئِقَةِ المُوجِبَةِ للقَبولِ مَا يقومُ مَقامَ العَدَدِ الكَثيرِ مِنْ غَيْرِهِم.
ولا يَتَشَكَّكُ مَنْ لَهُ أَدْنَى مُمارَسَةٍ بالعِلْمِ وأَخْبارِ النَّاسِ أَنَّ مَالِكًا -مَثلًا- لو شَافَهَهُ بخَبَرٍ أَنَّهُ صَادِقٌ فيهِ، فَإِذَا انْضافَ إِليهِ مَنْ هُو في تِلْكَ الدَّرَجَةِ؛ ازْدَادَ قُوَّةً، وبَعُدَ عَمَّا يُخْشَى عليهِ مِنَ السَّهْوِ.
وكَوْنُ غيرِهِ لا يَحْصُلُ لهُ العِلْمُ بصِدْقِ ذَلكَ لِقُصورِهِ عَن الأَوْصافِ المَذكورَةِ- لا يَنْفي حُصولَ العِلْمِ للمُتَبَحِّرِ المَذْكورِ، واللهُ أَعلمُ.
[قوله]
(1)
: «ومِنها: المُسَلْسَلُ
…
إلخ»:
ما مثَّل به لا يجري فيما رواه الشيخان؛ لأنَّ الشافعيَّ لا رواية له في الصحيحين [كما]
(2)
ذكَره الكمال
(3)
.
وفي كتابة: مراده المسلسل بالأئمة الحفَّاظ مع كونه في الصحيحين وطرقه متعددة لا خصوص الأئمة الذين مثَّل بهم؛ لأنَّ الشافعيَّ لا رواية له فيها. وظاهر قوله: «فلا يَبْعُدُ
…
إلخ» أنَّ وجود واحدٍ من الثلاثة يَبْعُدُ معه القطع بالصِّدْق؛ لأنَّ المخالفة في إفادته القطع تمتنع إفادة تلك القرينة، والقرائن القطع.
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
في (هـ): [لما].
(3)
ينظر: حاشية ابن أبي شريف (ص 93) وما بعدها.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وقال (هـ)
(1)
: «أي: ومن أنواع الخبر المحتف بالقرائن المفيدة للعلم:
المسَلسل، من [التسليس]
(2)
، وهو التتابع، سُمِّيَ بذلك؛ لتتابع نقلته على وصفٍ ما، يَرجِع [لهم]
(3)
ويَرجِع للسَّنَد، وإفادة هذا النوع العلْمَ مبنيَّةٌ على ما مرَّ له من أنَّ الصفاتِ العَليَّةَ تقوم مقام العدد، وستعرف حقيقة المسَلسَل بعد ذلك».
[قوله]
(4)
: «المتقنين» :
لعلَّ المُراد بالإتقان: معرفةُ ما يُراد من الحديث إطلاقًا وتقييدًا، وتعميمًا وتخصيصًا، لا مقابل الشك والتردد لأغنى] للحفظ]
(5)
عنه، على أنَّ مراتب الحفظ متفاوتة كما لا يَخْفى، وقد يُحتمل أنَّه وصفٌ كاشفٌ
(6)
.
[قوله]
(7)
الظاهر أنَّه حيثيَّةُ تقييدٍ، لا حيثيَّة تعليل ولا إطلاق. وقوله: «عندَ سَامِعِهِ
…
إلخ» متعلقان بـ «يفيد»
(8)
.
(1)
قضاء الوطر (2/ 635).
(2)
في (هـ): [التسلسل].
(3)
في (هـ): [للراو].
(4)
زيادة من: (أ) و (ب).
(5)
في (هـ): [الحفظ].
(6)
قضاء الوطر (1/ 635).
(7)
زيادة من: (أ) و (ب).
(8)
قضاء الوطر (1/ 635).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[قوله]
(1)
: «مِن جِهَةِ] جَلالَةِ]
(2)
…
إلخ»:
لو أسقط: «جهة» ، وأدخل:«مِن» على] جلالة]
(3)
، وجَعَلَها تعليليَّةً، أو أبدلها بلام العلة لكان أخصرَ وأظهرَ؛ لأنَّ] إضافة]
(4)
«جهة» بيانيَّة.
[قوله]
(5)
: «وأنَّ فيهم
…
إلخ»:
عُطِفَ على مدخول الفاء، ويصح عَطْفُه على:«جلالة رُواته» .
وفي كتابة: [الواو للعطف التفسير]
(6)
«لجلالة رُواته» ، و «اللائقة» المراد بها: العالية السابقة، و «الموجِبة»: نعتُ «الصِّفات» ، واسم «أنَّ»:«ما يقوم» ، والمراد بالإيجاب: العُرْفيُّ الشرعيُّ.
[قوله]
(7)
: «مِن غَيْرِهِم» :
أي: غيرِ هؤلاء الرُّواة
(8)
.
[قوله]
(9)
: «ولا يتشكك
…
إلخ»:
هذا شروع في بيانِ إفادة هذا المسَلسل العلْمَ بطريق الوِجْدان، أي: لما يقبل
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
في (هـ): [جلاله].
(3)
في (هـ): [جلاله].
(4)
في (هـ): [لإضافة].
(5)
زيادة من: (أ) و (ب).
(6)
في (هـ): [للعطف الواو تفسيري].
(7)
زيادة من: (أ) و (ب).
(8)
قضاء الوطر (1/ 636).
(9)
زيادة من: (أ) و (ب).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
التشكيك من أي شخص كان. والممارسة: المخالطة للشيء مع التمرن عليه، والمُشَافَهة: المكالَمة والمخاطَبة.
تنبيه: (هـ/58)
قوله: «أَنَّ مالِكًا» [فيه]
(1)
مقدرة متعلقة بتشكيك.
وقوله: «أَنَّهُ صادِقٌ» يَظهر أنَّه معمول] لأنه]
(2)
تشكك [المحذوف]
(3)
الواقع جوابا لـ: «لَوْ» ، ويَحتمل -على بُعدٍ- أنَّه بَدَلٌ من: «أنَّ (أ/48) مالكًا
…
إلخ» وضمير «إليه» : راجعٌ إلى مالك، و «تلك الدَّرجة» المراد بها اتِّصافُه بالصفات اللائقة الموجبة للعلم، وضمير «عليه»: راجعٌ لمالك مثلًا، ويُحتمل رجوعه للخبَر، وأنتَ خبيرٌ بأنَّ الأنواع المذكورةَ ثلاثةٌ.
وقوله: «منها
…
إلخ»:
متعلِّق بتحصيل ويُحتمل أنَّه حالٌ من الخبر، أي: حال كونه بعضها، وهو المطابق] لقولِه]
(4)
: «ويمكن اجتماع
…
إلخ»، وعلى كلِّ حالٍ ضمير «منها»: هو الرابط لجملة الخبر بالمبتدأ وهو: «هذه الأنواع» .
تتمتان:
الأُولى: قال (ق)
(5)
في قوله: «أنَّه صادقٌ» إنْ أراد أنَّه لم يتعمد الكذب؛
(1)
في (أ)[في معه] وهو تصحيف في نظري، والله اعلم.
(2)
في (هـ): [لا].
(3)
في (هـ)[تكررت هذه الكلمة].
(4)
في (هـ): [بقوله].
(5)
حاشية ابن قطلوبغا على شرح نخبة الفكر (ص 42).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
فليس محلَّ النزاع، وإنْ أراد أنَّه لا يجوز عليه السهو والغفلة؛ فمحلُّ تأمُّل» انتهى. قلتُ: لا نختار الأول ولا الثاني، بل نختار احتمالًا ثالثًا وهو: أنَّ الأغلب في مجاري العادة؛ فمَنْ جَمَع تلك الصفاتِ وانضاف إلى مَن جمَعها أيضًا الصِّدقُ بحيث يَبْعُدُ صدورُ الكذب منه سهوًا أو نسيانًا فضلًا عن تعمُّده عادةً، وكفى بهذا موجِبًا للعلْم بحسَب] مجاري]
(1)
العادات، ألا ترى إلى قوله:«وَبعُدَ ما يُخشى عليه من السهو» ؛ فإنه صريح في ذلك.
الثانية: قال (ق)
(2)
أيضًا قوله: «وهذه الأنواع
…
إلخ» يُقال عليه: لو سُلِّم حصولُ ما ذُكر لم يكن محل النِّزاع؛ إذ الكلام فيما هو سببُ العلْمِ للخلْق لا لبعض الأفراد» انتهى. قلتُ:] نريد]
(3)
بعامَّة الخلق لا «لخصوص العالم بالحديث المتبحر فيه العارف
…
إلخ» كما اعترف به الشارح، ولا يَخفاك أنَّ هذا الخاطر سرى له [ما]
(4)
وقع في أوائل مقدمات العقائد من التكلم على العلْم للخلْق و [وذلك غير لازم]
(5)
؛ فإنَّه كان كلامهم في أسباب حصول العلْم لكلِّ مَن شأنه أن يخاطَبَ بالتوحيد والعقائد، وليس الكلام هنا إلَّا فيمن يَستدل
(1)
في (هـ): [المجاري].
(2)
حاشية ابن قطلوبغا على شرح نخبة الفكر (ص 42).
(3)
في (هـ): [يريد].
(4)
في (هـ): [مما].
(5)
في (أ) و (ب): [غير ذلك لازم].
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
بالأدلة السمعيَّةِ على المطالب الشرعيَّة، وهم المجتهدون ومَن جرى مجراهم؛ فالحكم على أحد الفريقين بما أصَّله الفريقُ الآخَرُ خلطٌ
(1)
.
[قوله]
(2)
«المتبحِّر» :
أي: الواسع الاطلاع الذي صار -لِسَعَتِه- كالبَحر، والمراد بـ «أحوال الرُّواة»: أحوال القَبول والرَّد عدالةً وجَرحًا وغيرهما. والمراد من «العِلَل» : العِلَلُ الخفيَّة؛ فإنها المتبادرة عند الإطلاق، وقد يُطلقُونها على كل قادحٍ، حتى إنَّ بعضَ المحقِّقين ربَّما سَمَّى النَّسخَ علةً؛ لكونه مانعًا من العمل بالمنسوخ، ولا مانع من حمْلها على هذا المعنى
(3)
.
[قوله]
(4)
: «وكَوْنُ» :
بالرفع مبتدأٌ، خبرُه: «لا يَنفي
…
إلخ»، وهو جواب سؤالٍ مقَدَّرٍ ظاهر التقدير.
[قوله]
(5)
: «بصِدْقِ ذلك» :
أي: المذكورِ من الأنواع الثلاثة، وظاهره نفيًا وإثباتًا شُمول مرويِّ الصحيحين، وهو بَيِّن.
(1)
قضاء الوطر (1/ 638).
(2)
زيادة من: (أ) و (ب).
(3)
قضاء الوطر (1/ 638).
(4)
زيادة من: (أ) و (ب).
(5)
زيادة من: (أ) و (ب).
ومُحَصَّلُ الأَنْواعِ الثَّلاثَةِ الَّتي ذَكَرْناها:
أنَّ الأَوَّلَ يَخْتَصُّ بالصَّحيحينِ.
والثَّانِي بِما لَهُ طُرُقٌ مُتَعَدِّدَةٌ. والثَّالِثُ بِما رَوَاهُ الأئمَّةُ.
ويُمكِنُ اجْتماعُ الثَّلاثةِ في حَديثٍ واحِدٍ، فلا يَبْعُدُ حِينَئذٍ القَطْعُ بِصِدْقِهِ، واللهُ أَعْلمُ.
[قوله]
(1)
: «ومُحَصَّل الأنواع» :
أي: ما يَتَحَصَّل منها، ويرجع إليه على سبيل الإجمال؛ ولذا أهمل شروطها هنا لعلمها تفصيلًا مما مَرَّ
(2)
.
[قوله]
(3)
: «ويمكن
…
إلخ»:
أي: باعتبار أنَّ الأخير مسَلسَلٌ بإطلاق الأئمة الحفَّاظ لا بقَيد مَنْ مَثَّل به؛ فإنَّ الشافعيَّ لا رواية له في الصحيحين، قاله الكمال الشريف
(4)
.
[قوله]
(5)
أي: حينئذٍ اجتمعت الأنواع الثلاثة في حديثٍ واحدٍ «القطع بصِدقه» [بيِّن]
(6)
، ولو قلنا بمذهب مَنْ يرى أنَّ كلَّ واحدٍ منها بمفرده إنَّما يُفيد الظنَّ؛ فلا يُنافي ما مَرَّ له من كلِّ واحدٍ منها عنده يفيد العلم
(7)
.
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
قضاء الوطر (1/ 638).
(3)
زيادة من: (أ) و (ب).
(4)
حاشية ابن أبي شريف (ص 47).
(5)
زيادة من: (أ) و (ب).
(6)
زيادة من (ب).
(7)
قضاء الوطر (1/ 639).
ثمَّ الغَرابَةُ إِمَّا أَنْ تَكُونَ في أَصلِ السَّنَدِ؛ أَيْ: في الموضعِ الَّذي يَدُورُ الإِسنادُ عليهِ ويَرْجِعُ، ولو تَعَدَّدَتِ الطُّرقُ إِليهِ، وهو طرَفُهُ الَّذي فيهِ الصَّحابيُّ، أَوْ لَا يَكونُ كَذَلكَ بأَنْ يَكونَ التَّفَرُّدُ في أَثنائِهِ، كأَنْ يَرْوِيَهُ عَنِ الصَّحابيِّ أَكثَرُ مِنْ واحِدٍ، ثمَّ يَتَفرَّدَ بروايَتِهِ عَنْ واحِدٍ مِنْهُم شَخْصٌ واحِدٌ.
[قوله]
(1)
: «ثُمَّ الغَرَابةُ
…
إلخ»:
تنبيهات:
الأول: قَسَّم الغَرابة إلى هذين القسمين، ولم يُقَسِّمِ العِزَّةَ ولا الشُّهرة إليها؛ فأمَّا العِزَّةُ فلا يتأتَّى فيها ذلك، وأما الشُّهرة فقد قَسَّموها إلى قسمين أيضًا: شهرةٌ مُطْلَقةٌ بيْن المحدِّثين وغيرِهم؛ كحديث مسْلم: «المُسْلِمُ مَن سَلِمَ المُسْلِمونَ مِن لِسانِه ويَدِهِ»
(2)
، وشهرةٌ مقصورةٌ على المحدِّثين؛ (هـ/59) كحديث أنسٍ:«أنَّ النبيَّ عليه الصلاة والسلام قَنَتَ بعد الركوع شهرًا يدعو على رِعْلٍ وذَكْوانَ»
(3)
؛ فإنَّه مشهور عند المحدِّثين عن التَّيميِّ، عن أبي مِجْلَز، عن أنس، أما غيرُهم فيَستَغرِبُ رواية التَّيميِّ عن أنس بواسطة، بل المعروف لهم إنَّما هو روايته عنه بلا واسطة.
الثاني: اعلمْ أنَّ كُلًّا من المشهور والعَزيز والغريبِ ينقَسِم ثلاثةَ أقسام: صحيحٌ وحسَنٌ وضعيفٌ؛ فمجموع الأقسام تسعة كما قاله المحقِّقون، وإنْ لم
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
البخاري (10)، مسلم (40).
(3)
سبق تخريجه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
يُعرِّج ابن الصَّلاح بانقسام العزيز إلى: صحيح وضعيف، وقد ذَكَر العراقيُّ أمثلتها في شرح ألفيَّته فراجِعه
(1)
، وسيأتي أنَّ كلام المؤلِّف منطبقٌ على الجميع، المقبول منها في أقسام المقبول، والمردود منها في أقسام المردود، كما نُبيِّنه (أ/49) عند المرور به إن شاء الله.
الثالث: سُمِّي الحديث الموصوفُ بالغرابة غريبًا؛ لانفراد راويهِ عن غيره، كالغريب الذي شأنُه الانفراد عن وطنه.
الرابع: الغرائب وإنِ انقسَمت إلى: صحيحٍ وحسَنٍ وضعيفٍ، لكن الغالب عليه عدمُ الصحة، بخلاف الأوَّلَينِ، فلا يُعمل بأكثره إلَّا في الفضائل، ومِن هنا كَرِه جمعٌ من الأئمة تتبُّعَ الغرائب، منهم: أحمد؛ فقال: لا تكتبوها؛ فإنَّها مَناكيرُ، وعامَّتها في الضعيف
…
إلخ
(2)
.
[قوله]
(3)
قال (ق)
(4)
(1)
التبصرة (1/ 318).
(2)
قضاء الوطر (1/ 643).
(3)
زيادة من: (أ) و (ب).
(4)
حاشية ابن قطلوبغا على شرح نخبة الفكر (ص 43).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وقال (ب): «المُراد بالنِّسبة إلى التابعيِّ بألَّا يرويَ عن الصحابيِّ إلا تابعيٌّ واحدٌ، ولا يُتوهَّمُ أنَّه بالنِّسبة إلى الصحابيِّ؛ لأنَّ تفرُّدَ الصحابيِّ لا يلحق فيه شيء من الوهَن، قاله [المؤلِّف]
(1)
»
(2)
.
[قوله]
(3)
: «و يرجع
…
إلخ»:
عطف تفسير على:] يدور]
(4)
.
[قوله]
(5)
: «وهو» :
أي: الموضع المذكور «طَرَفُه الذي فيه الصحابيُّ» ، ولو قال: الذي يَتَّصِلُ بالصحابيِّ؛ كان أظهر، فتُجعل «في» بمعنى:«عند» توسُّعًا.
وفي كتابة: طرَفه الذي فيه الصحابيُّ، قال المؤلِّف:«أي: الذي يروي عن الصحابيِّ وهو التابعي، وإنَّما يُتكلم في الصحابيِّ؛ لأنَّ المقصود ما يترتب عليه من القَبول والرَّدِّ، والصحابة كلُّهم عدول، وهذا بخلاف ما مرَّ في حدِّ العَزيز والمشهور، حيث قالوا: إن العَزيز لا بُدَّ فيه ألَّا يَنُقصَ عن اثنين من الأول إلى الآخر، وأنَّ إطلاقه يتناول ذلك، ووجْهُه: أنَّ الكلام هناك في وصف السَّنَد بذلك، وهنا فيما يتعلق بالقَبول والرَّدِّ» انتهى، ومُفاد كلامه: أنَّ الصحابي في
(1)
في مطبوع قضاء الوطر [المصنف].
(2)
قضاء الوطر (1/ 644).
(3)
زيادة من: (أ) و (ب).
(4)
في (هـ): [ندور].
(5)
زيادة من: (أ) و (ب).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
العَزيز والمشهور حُكمُه حُكمُ مَن بعده من الطِّباق؛ فلا بُدَّ في المشهور: أنْ يَزيد عددُه على اثنين، وفي العزيز: أنْ يكون اثنين فأكثر؛ فحُكمُه حُكم الطِّباق الذي بعده، والفرْق: أنَّ الكلام في العزيز والمشهور بالنِّسبة لوصف السَّنَد بذلك، وهنا بالنِّسبة للقَبول والرَّدِّ. قلتُ: وفيه نظرٌ؛ من وجوهٍ:
الأول: أنَّه حينئذٍ يكون لنا قِسْمٌ خارجٌ عما ذَكَره المؤلِّف، ولا يُدرى اسمُه، وهو: ما كان كلُّ طبقة من طِباقه ما عدا طبقة الصحابيِّ لا يَنقص عن اثنين، وهنا طبقة الصحابيِّ نَقصت عنهما، وليس] بغريب]
(1)
؛ لأنَّ المُعتبَر في] الغريب]
(2)
أنْ يكون في طبقةٍ من طِباقه عدا طبقةِ الصحابيِّ واحدٌ، وليس بمشهور، وهو واضحٌ، ويَجري مِثلُ ذلك في المشهور، فإذا كانت كلُّ طبقة من طِباق الحديث ثلاثةً فأكثر ما عدا طبقةَ الصحابيِّ، وطبقة الصحابيِّ واحدٌ؛ لم يكن عَزيزًا ولا غريبًا ولا مشهورًا.
الثاني: أنَّ قوله: «ووجْهُه: أنَّ الكلام هنا
…
إلخ» غيرُ ظاهرٍ، بل الكلام هنا أيضًا في وصف السَّنَد بالغرابة والفرْديَّة المُطلَقةِ والنِّسبية، وهو ظاهر. (هـ/60)
الثالث: أنَّه على ما ذَكَره يكون قوله: «مع حَصْر] بما]
(3)
فوق الاثنين أو بهما» يجري حتى في الصحابيِّ، وقوله:«أو بواحد» أي:] فيمن]
(4)
بعد الصحابيِّ؛
(1)
في (هـ): [بعزيز].
(2)
في (هـ): [العزيز].
(3)
في (هـ): [مما].
(4)
في (هـ): [فيهن].
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ففيه توزيعٌ لا قرينة عليه، والمُخلِّصُ مِن هذا كلِّه أنْ يُقالَ باستواءِ الغريب والعَزيز والمشهور في أنَّه لا يُنظر لتعدُّد الصحابيِّ، ولا لعدم ذلك في الجميع، وحينئذٍ يُراد بآخر السَّنَد: مَنْ يروي عن الصحابيِّ وهو التابعيُّ، وفي كلام بعضِهم إشارةٌ إليه، أو يُقال: إن الصحابيَّ حُكمُه في كلِّ واحدٍ منها حُكم ما بَعدَه من الطِّباق، والأول هو ظاهر كلام بعضهم، قاله (ج)
(1)
.
[قوله]
(2)
أي: أو لا تكون الغرابةُ في أصل السَّنَد بالمعنى المذكور.
وقوله: «بأنْ يكون التفرُّد في أثنائه» :
«الباء» فيه للسببيَّة متعلِّقة بالنفي، [أي]
(3)
: عدم كون الغرابة بالمعنى المذكور أولًا، بسبب كون التفرد في أثنائه فقط، ثُمَّ مثَّل بقوله: «كأنْ يرويَه عن الصحابيِّ أكثرُ من واحدٍ
…
إلخ».
قال (ق)
(4)
: «قال المؤلِّف: «إنْ روى عن الصحابيِّ تابعيٌّ واحدٌ فهو: الفرْد المُطلَق، سواءٌ استمرَّ التفرُّدُ أم لا بأنْ رواه عنه جماعة، وإن رَوى عن الصحابيِّ أكثرُ من واحدٍ ثُمَّ تفرَّد عن أحدهم واحدٌ فهو: الفرْد النِّسْبيُّ، ويُسمَّى مشهورًا؛ فالمَدار على أصله» انتهى. قلتُ: يُستفاد من هذا أنَّ قوله فيما مَرَّ: «أو مع حَصْرِ
(1)
حاشية الأجهوري على شرح نخبة الفكر (ص 168 - 169).
(2)
زيادة من: (أ) و (ب).
(3)
في (هـ): [وفي [
(4)
حاشية ابن قطلوبغا على شرح نخبة الفكر (ص 44).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
عددٍ بما فوق الاثنين» ليس بلازم في الصحابيِّ (أ/50) والله أعلم» انتهى.
قلتُ: يريد بقوله: «] روى]
(1)
عن الصحابيِّ أكثرُ من واحدٍ» ما فوق اثنين، وهذا في هذا المَحلِّ سُمِّي مشهورًا، وفي مَحلِّ التفرُّد يُسمَّى فردًا.
وقوله: «فالمَدار على أصله»
(2)
يعني: في الفرْديَّة المطْلَقة والفرْديَّة النَّسْبيَّة لا في الشهرة؛ إذ لا يختلف حالها في اعتبار التعدُّد في رُواة حديثها بما فوق [اثنين]
(3)
لا بالنِّسبة لصحابيٍّ ولا بالنِّسبة لغيره. وقوله: «ويُسمَّى مشهورًا» يعني: في مَحلِّ زيادة رُواته بما فوق اثنين؛ فقوله فيما مَرَّ: «أوْ مع حَصْر بما فوق اثنين» صحيح الإطلاق، مُلتزم الظاهر في الصحابيِّ وغيره، ولو يُحمل على ما قاله ناقَض ما نقلَه عنه آنفًا من قوله: «وهذا بخلاف العَزيز والمشهور
…
إلخ»، وحَمْله على الاتفاق دون اللزوم ممَّا لا يُسمِنُ ولا يغني من جوع؛ فأحسِن التأمُّل ولا تكن من الغافلين، قاله (هـ)
(4)
.
(1)
في (هـ): [راو].
(2)
أي ما نقله عنه ابن قطلوبغا في كلامه السابق.
(3)
في (هـ): [الاثنين].
(4)
قضاء الوطر (2/ 645)، وما بعدها.
فَالأوَّلُ: الفَرْدُ المُطْلَقُ؛ كَحديثِ النَّهْيِ عَنْ بيعِ الوَلاءِ، وعَنْ هِبَتِهِ، تَفرَّدَ بهِ عبدُ اللهِ بنُ دِينَارٍ، عنِ ابنِ عُمرَ.
وقَدْ يَتَفَرَّدُ بِهِ رَاوٍ عَنْ ذَلكَ المُتفرِّدِ؛ كحديثِ شُعَبِ الإِيمانِ؛ وقد تَفرَّدَ بهِ أَبو صَالِحٍ عَنْ أَبي هُريرةَ، وتَفرَّدَ بهِ عبدُ اللهِ بنُ دِينَارٍ، عَنْ أَبي صَالحٍ.
وقَدْ يَسْتَمِرُّ التفرُّدُ في جميعِ رواتِهِ أَوْ أَكْثَرِهمْ، وَفِي «مُسْنَدِ البَزَّارِ» ، وَ «المُعْجَم الأَوْسَط» للطَّبرانيِّ أَمثلةٌ كثيرةٌ لذَلكَ.
[قوله]
(1)
: «فالأوَّلُ: الفَرْدُ المُطْلَقُ» :
أي: فالقِسم الأول وهو: ما كانت الغَرابة في أصل سنَده «الفرْدُ المُطْلَقُ» أي: يُسَمَّى عندهم بذلك، كما يُسمَّى بالغريب، وحَمْل الفرْد المطابِق عليه مُشْعِرٌ باتخاذ الغريب والفرْد] مطلقه بمطلقه]
(2)
و [نِسبِيِّه بنِسبِيِّه]
(3)
، وهو كذلك كما يُصرِّح به قريبًا، وقدَّمنا أنَّ كلام ابن الصَّلاح مُشْعِرٌ بأنَّ بينهما عمومًا وخصوصًا مُطْلَقًا؛ فكلُّ غريبٍ فرْدٌ وليس كلُّ فرْدٍ غريبًا على مَا مَرَّ
(4)
.
[قوله]
(5)
: «كحديث النَّهيِ
…
إلخ»:
تجوز فيه الإضافة البيانيَّة وتركها فيُنَوَّن «حديث» ، وما بعده: بدلٌ منه أو
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
في (هـ): [مطلقة بمطلقة].
(3)
في (هـ): [نسبية بنسبية].
(4)
قضاء الوطر (1/ 647).
(5)
زيادة من: (أ) و (ب).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
عطفُ بيانٍ عليه، وهذا مثالُ] الغريب]
(1)
المُطلَق، ومثالُ الغريب النِّسْبيِّ حديث:«أنَّ النبيَّ عليه الصلاة والسلام أَوْلَمَ على صَفيَّة بسَويقٍ وتَمْرٍ»
(2)
؛ فإنَّه لم يروِه عن بكر إلا أبوه: وائل بن داود، ولم يروِه عن وائلٍ إلا ابنُ عُيَيْنَةَ؛ فهذا غريبٌ؛ ولذا قال الترمذيُّ: إنَّه حسنٌ غريبٌ
(3)
، ولا يَلزم من تفرُّد وائلٍ به عن ابنه بكر تفرُّدُهُ به مُطلَقًا؛ فقد ذَكَر الدارقُطنيُّ في علله
(4)
: أنَّه رواه محمد بن الصَّلت التَّوَّزي، عن ابن عُيَيْنةَ، عن زياد بن] سعد]
(5)
، عن الزُّهْريِّ، قال:«ولم يُتابَع عليه، والمحفوظ عن ابن عُيَيْنةَ، عن وائلٍ، عن ابنه، ورواه جماعة عن ابن عُيَيْنةَ، عن الزُّهْريِّ بلا واسطةٍ» .
(1)
في (هـ): [للغريب].
(2)
أبو داود (3744)، الترمذي (1095).
(3)
سنن الترمذي (1095)
(4)
علل الدارقطني (11/ 177)(12/ 172)، وراجع أطراف الغرائب (1057).
(5)
في (هـ): [سفه]، وهو تصحيف.
والثَّانِي: الفَرْدُ النِّسْبِيُّ، سُمِّيَ نسبيًّا؛ لكونِ التفرُّدِ فيهِ حصلَ بالنسبةِ إِلى شخصٍ مُعيَّنٍ، وإِنْ كَانَ الحَديثُ في نفسِهِ مشهورًا.
[قوله]
(1)
: «والثاني» :
أي: والقِسْمُ الثاني من قِسْمَيِ الغريب ما يُسمَّى بالفرْد النِّسبيِّ؛ فقوله: «سُمِّي نِسبِيًّا» (هـ/61) معناه: أنَّ هذا المجموع المرَكَّبَ تركيبًا توصيفيًّا نُقِل وجُعِل عَلَم جنسٍ لهذه الحقيقة الخاصَّةِ عُرْفًا. ومن الفرْد النِّسبيِّ أنْ يَنفرِد أهلُ بلدٍ -كالبَصرة مثلًا- بنقل حديث لم يشاركْهم فيه غيرُهم، مثالُه: حديث أبي داود، عن أبي الوليد الطَّيالِسيِّ، عن هَمَّام، عن قَتادةَ، عن أبي نَضْرةَ، عن أبي سعيد الخُدْريِّ قال:«أمرَنا الرسولُ أنْ نقرأَ بفاتحةِ الكِتابِ وما تَيَسَّرَ»
(2)
؛ فإنَّه لم يروِ هذا الحديثَ غيرُ أهل البَصرة، فقد قال الحاكم
(3)
: «إنهم تفرَّدوا بذِكْر الأمر فيه من أول الإسناد» .
ومثالُه في أهل مصر: حديث عبد الله بن زَيدٍ في صفة وُضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم
(4)
، حيث قال الحاكم فيه
(5)
: «إنَّ قوله: «ومَسَحَ رأسَه بماءٍ غيرِ فَضْلِ يَدِه» تفرَّد به أهل مصر».
قلتُ
(6)
: ومن الفرْد النِّسبيِّ أنْ ينفرد ثقةٌ برواية الحديث من بين سائر رُواته، ومثالُه قول القائل في حديثٍ:«قرأ النبيُّ عليه الصلاة والسلام في الأضحى والفطر بقاف واقتربت» ؛ فإنَّه لم يروه ثقةٌ إلَّا ضَمْرَةُ بن سعيد المازنيُّ، فقد انفرد به عن عبيد الله
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
أبو داود (818).
(3)
معرفة علوم الحديث (ص 319).
(4)
البخاري (185)، ومسلم (235).
(5)
المرجع السابق.
(6)
الكلام للّقاني رحمه الله.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ابن عبد الله، عن أبي واقدٍ اللَّيْثيِّ، عن النبيِّ عليه الصلاة والسلام، رواه مسلم وغيره
(1)
، وَإنما قُيِّد بالثقة لرواية الدارقطني له من رواية ابن لَهِيعةَ
(2)
-وقد ضعَّفه الجمهور-، عن خالد بن يزيد، عن الزُّهْريِّ، عن عُروةَ، عن عائشة رضي الله عنها.
تنبيه:
الأفراد النسبيَّة كيف كانت لا ضَعفَ فيها من حيث التفرُّدُ، نعمْ إذا قالوا: لم يروه ثقةٌ إلا فلانٌ نُظِرَ في فلانٍ: هل بلغ رتبة مَن يُحتج بتفرُّده أم لا؟ وفي غير الثقة -وإنْ كانت روايتُه كلا روايةٍ- هل بَلَغ رُتبة مَن يُعتبَر حديثُه أم لا؟
(3)
فائدتان:
الأولى: مِنَ الفرْد المُطلَق قولُهم: هذا من أفراد البصريين مثلًا، مريدين أنَّه تفرَّد به بعضُهم تَجوُّزًا في الإضافة، كما يُضاف فِعلُ واحد من [قبيلة]
(4)
إليها مجازًا، نحو حديث:«كلوا البلح بالتمر»
(5)
، فقد قال (أ/51) الحاكم
(6)
: «هو من أفراد البصريين/ عن] المدنيين]
(7)
». وأراد واحدًا منهم.
الثانية: قال ابنُ دَقيقِ العِيدِ
(8)
: إذا قيل في حديثٍ: تفرَّدَ به فلانٌ عن فلانٍ،
(1)
مسلم (891)، والنسائي في «الكبرى» (11487) من طريق فليح بن سليمان، عن ضمرة بن سعيد، عن عبيد الله بن عبد الله، عن أبي واقد الليثي.
(2)
الدارقطني (1720).
(3)
قضاء الوطر (1/ 651).
(4)
في (أ): [قبيله].
(5)
ابن ماجه (2729).
(6)
معرفة علوم الحديث (ص 329).
(7)
في هامش (أ): تفرد به أبو زكير عن هشام بن عروة فجعله من أفراد البصريين.
(8)
الاقتراح في بيان الاصطلاح (ص 18).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
احتمَل أنْ يكون تفرُّدًا مُطلَقًا، وأنْ [يكون تفرَّد به عن هذا المعيَّنُ]
(1)
خاصَّةً، ويكون مرويًّا عن غير ذلك المعيَّن؛ فليُتنبَّه لذلك.
[قوله]
(2)
: «بالنِّسبةِ إِلى شخصٍ معيَّنٍ» :
وقد يكون بالنِّسبة إلى بلدٍ معيَّن، كأنْ يُقال: هو من أفراد الكوفيِّينَ أو الشاميين، فإن أراد قائلُ ذلك أنَّه رواه واحدٌ منهم فهو من الفرْد المُطْلَق، فإنْ قلتَ: الفرْدُ المُطْلَق حَصَل فيه التفرُّدُ بالنِّسبة إلى شخصٍ معيَّن، قلتُ: قد لا يحصُل ذلك؛ لأنَّه قد يَقع التفرُّد في جميع السَّنَد، والحاصل: أنَّ النِّسبة في الفرْد النِّسبيِّ لازمةٌ، وليست بلازمةٍ في الفرْد المُطْلَق، وأيضًا مُناسبة التسمية لا يَلزم اطِّرادُها، مثال التفرُّد بالنسبة إلى شخصٍ معيَّن ما يأتي في حديث النهي عن بيع الوَلاء وهِبَتِه، ومثال التفرُّد في جميع السَّنَد ما رواه أصحاب السنن الأربعة من طريق سُفْيانَ بنِ عُيَيْنةَ، عن وائل بن داود، عن [ابنه]
(3)
بكر بن وائل، عن الزُهْريِّ، عن أنس:«أنَّ المصطفى أْوْلَمَ على صَفيَّةَ بسَويقٍ وتمرٍ»
(4)
، قال ابن طاهر
(5)
: «تفرَّد به وائل عن ابنه، ولم يَروِه عنه غيرُ سُفيانَ» .
[قوله]
(6)
: «في نَفْسِه» :
أي: في حد ذاته.
(1)
في (هـ): [أن تكون مقرونة عن هذا المعنى].
(2)
زيادة من: (أ) و (ب).
(3)
في (هـ): [ابيه].
(4)
أبو داود (3744)، والترمذي (1120) و (1121)، والنسائي في الكبرى (6566)، وابن ماجه (1909).
(5)
ينظر: التقييد والإيضاح (1/ 258).
(6)
زيادة من: (أ) و (ب).
ويقلُّ إِطلاقُ الفَرْدِيَّةِ عليهِ؛ لأنَّ الغَريبَ والفَرْدَ مُترادِفانِ لُغةً واصْطِلاحًا إِلَّا أَنَّ أَهْلَ الاصطِلاحِ غَايَروا بَيْنَهُما من حيثُ كَثْرَةُ الاستِعمالِ وقِلَّتُهُ.
فَالفرْدُ أَكْثَرُ ما يُطْلِقونَهُ على الفَرْدِ المُطْلَقِ.
وَالغَريبُ أَكثرُ ما يُطْلِقونَهُ عَلى الفَرْدِ النِّسْبيِّ.
[قوله]
(1)
: «ويَقِلُّ
…
إلخ»:
أي: ويَقِلُّ استعمال ذي الفرديَّة فيه، وهو لفظ «فرْد» المأخوذ من:«الفرْدية» ، بأنْ يُقال فيه: إنَّه فرْد من غير تقييد بالنِّسبيَّة، فالإطلاق بمعنى الاستعمال، و «على» بمعنى:«في» ، مثله:{وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا] {القصص: 15} . ويُمكن أنْ يُراد بالإطلاق: الحَمْل؛ فـ: «على» باقيةٌ على حالها، أي: ويَقِلُّ حمل ذي الفرْدية عليه، بأنْ يُقال: هذا فرْد، (هـ/61) من غير تقييد أيضًا بالنِّسبيَّة، والأول أقْرَب، وبهذا يسقط الاعتراض بخفاء العبارة في إفادة المراد، قاله (هـ)
(2)
.
[قوله]
(3)
: «لأنَّ الغَريبَ والفَرْدَ مُترادِفانِ لُغةً واصْطِلاحًا» :
فيه نظرٌ من وجهين:
الأول: أنَّ كلامَ أهل اللغة يفيد عدَّم التَّرادُف؛ لاختلاف] مفهوميهما]
(4)
، وأنَّ بيْنهما: إمَّا عموم وخصوص مُطْلَق، أو من وجهٍ.
قال ابن فارس في «المُجْمَل»
(5)
: «غَرُبَ: بَعُدَ، والغَرَابة: الاغتراب عن الوَطن،
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
قضاء الوطر (2/ 652).
(3)
زيادة من: (أ) و (ب).
(4)
في (هـ): [معهم مبهما].
(5)
(2/ 695).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
والفرْد: الوتر، والمفرد: المنفرد»، هذا كلام أهل اللغة، وليس فيه ما يقتضي التَّرادُف ولا ما يوهِمه، انتهى.
الثاني: أنَّ كون الغريب والفرْدِ مترادِفَينِ لا يصلح علةً لقوله: «ويَقِلُّ إطلاقُ الفرْد عليه» ، وقد أشار] بعضُهم إلى هذا]
(1)
مع زيادة، فقال: إنْ كان هذا التعليل لقلة إطلاق الفرْد عليه لم يَصِحَّ؛ لأنَّ التَّرادُفَ إنْ لم يَقتضِ التسوية في الإطلاق لم يقتض ترجيحَ أحد المترادفين فيه، وإنْ كان تعليلًا لإطلاق الفرْد المُطْلَق والفرْد النِّسبيِّ على الغريب لم يَصِحَّ أيضًا؛ لأنَّ التَّرادُف إنَّما هو بَيْن: مُطْلَقِ الفرد ومُطْلَقِ الغريب، لا بَيْن: الفرْد المقيَّد بالإطلاق أو بالنِّسبة وبَيْن الغريب؛ فأمعِن النظر فيه، قاله (ج)
(2)
.
وقد يُقال: التَّرادُف بحسَب اللغة صحيحٌ؛ لأن الغُربة والاغترابَ فيهما انفراد عن الوَطن، والوتر والمنفرد فيهما انفراد عن الزوجية والغَير؛ فقد تَساويا في حاصل المعنى ومآلِ الاستعمال؛ فجاء الترادف بمعنى التساوي، كما هو الشائع بين الأقدمين في إطلاق الترادف على التساوي في كثير من المواضع. وقال (هـ)
(3)
: «قال ابن الصَّلاح
(4)
: الحديث الذي ينفرد به بعضُ الرواة يوصف بالغريب، وكذا الحديث الذي ينفرد فيه بعضهم بأمر لا يذكره فيه غيرُه: إما في مَتْنه، وإما في إسناده. قال العراقي
(5)
: ورُوينا عن أبي عبد الله بن
(1)
في (هـ): [إلى هذا بعضهم].
(2)
حاشية الأجهوري على شرح نخبة الفكر (ص 171 - 172).
(3)
قضاء الوطر (2/ 656).
(4)
مقدمة ابن الصلاح (ص 270).
(5)
شرح التبصرة (2/ 72).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
مَنْدَهْ أنه قال: الغريب من الحديث كحديث الزُّهْريِّ وقَتادةَ وأشباهِهما من الأئمَّةِ ممن يُجْمَع حديثُهم إذا انفرد الرجل عنهم بالحديث يُسمَّى: غريبًا، فإذا رَوى عنهم رجلان أو ثلاثةٌ واشتركوا يُسمَّى: عَزيزًا، فإذا روى الجماعة عنهم حديثا سُمِّي: مشهورًا، وهكذا قال محمد بن طاهر المقدسيُّ، وكأنَّه أخَذَه من كلام] ابن منده
(1)
» انتهى.
قلتُ: حاصلُ كلام] ابن منده
(2)
أنَّ الغريب: ما انفرد به الراوي عن إمامٍ مِن شأنه أن (أ/52) يُجْمعَ حديثُه؛ فهو أخصُّ مُطْلَقًا من كلام ابن الصَّلاح الذي اعتمده المؤلِّف، وبه صدَّر العراقيُّ
(3)
.
[قوله]
(4)
: «مِنْ حيثُ كَثْرَةُ
…
إلخ»:
الظاهر أنَّها حَيثيَّةُ تقييد، وما [بعدها]
(5)
من معطوف عليه ومعطوف: مرفوعان، والخبر محذوف، بِناءً على مذهب الجمهور] من]
(6)
وجوب إضافة «حَيْثُ» إلى الجملة، خلافًا للكِسائيِّ حيث جَوَّز إضافتها إلى المفرد؛ وعليه فيجوزُ جرُّها أيضًا، و «ما» من قوله:«أَكْثرُ ما» في الموضعين مصدريَّة.
(1)
في (هـ): [مندة].
(2)
في (هـ): [مندة].
(3)
كذا (أ) و (ب) و (هـ) ولم يتم كلام العراقي رحمه الله.
(4)
زيادة من: (أ) و (ب).
(5)
في (أ): [بعد ياء].
(6)
زيادة من: (أ) و (ب).
وَهَذَا مِن حيثُ إِطلاقُ الاسمِ عَلَيْهِما.
وأَمَّا مِنْ حيثُ استِعْمالُهم الفِعْلَ المُشْتَقَّ، فلا يُفَرِّقونَ، فَيقولونَ في المُطْلَقِ والنِّسْبيِّ: تَفَرَّدَ بِهِ فُلانٌ، أَوْ: أَغْرَبَ بِهِ فُلانٌ.
[قوله]
(1)
: «وهذا
…
إلخ»:
لو قال بدله: من حيث إطلاقُ الاسم، كما في بعض النسخ كان أَولى؛ إذ الذي أطلقوه عليهما حَمْلًا واستعمالًا إنَّما هو الاسم لا الاسميَّة.
[قوله]
(2)
: «الفِعْلَ المُشْتَقَّ» :
لا يخفى أنَّ «المُشتَق» هنا من باب الوصف الكاشف، ثُمَّ يَحتمل الظاهر، ويَحتمل أنَّ المراد: المشتق من مصدرَي الاسمين المذكورين، وهما: الفرْديَّة والغَرَابة.
[قوله]
(3)
: «فلا يَفْرُقون» :
بسكون الفاء وضم الراء مخففة، وبفتح الفاء وكسر الراء مُشدَّدة، وأكثر ما يستعمل التشديد في الذوات، والتخفيف في المعاني.
[قوله]
(4)
: «فيقولون
…
إلخ»:
أي: من غير تقييد بإطلاق ولا نسبة.
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
زيادة من: (أ) و (ب).
(3)
زيادة من: (أ) و (ب).
(4)
زيادة من: (أ) و (ب).
وَقَريبٌ مِن هَذَا اختِلافُهُم في المُنْقَطِعِ والمُرْسَلِ؛ وهَلْ هُمَا مُتَغايِرانِ أَوْ لَا؟
فأَكْثَرُ المُحَدِّثينَ عَلَى التَّغايُرِ، لَكنَّهُ عِنْدَ إطلاقِ الاسمِ، وأمَّا عندَ اسْتِعمَالِ الفِعْلِ المُشْتَقِّ فيَسْتَعْمِلونَ الإِرسالَ فقَطْ، فيَقولونَ: أَرْسَلَهُ فُلَانٌ؛ سواءٌ كانَ ذَلكَ مُرْسَلًا أَوْ مُنْقَطِعًا.
ومِن ثَمَّ أَطْلَقَ غيرُ واحِدٍ مِمَّن لم يُلَاحِظْ مَوَاضِعَ اسْتِعمالِهِ على كَثيرٍ مِن المُحدِّثينَ أَنَّهُمْ لَا يُغايِرونَ بينَ المُرْسَلِ والمُنْقَطِعِ!
وليسَ كَذلِكَ؛ لما حَرَّرناهُ، وقَلَّ مَنْ نبَّهَ على النُّكْتَةِ في ذَلكَ، واللهُ أعلمُ.
[وقوله]
(1)
: «قَريبٌ مِنْ هذا
…
إلخ»:
أي: التفصيل السابق أو التغاير المتقدم، وإنَّما قال:«قَريبٌ» ولم يَقُلْ: ومثل هذا؛ لأنَّ الراجح عنده في السابق: التَّرادُف، وفي هذا: التغايُر، وأيضًا فإنَّ الفعلين في السابق: مستعمَلان، وفي اللاحق: المُستَعمَلُ إنَّما هو أحدهما.
[قوله]
(2)
: «و أمَّا عِندَ اسْتِعْمالِ
…
إلخ»:
أي: إرادة استعمال، وفي «المُشتق» هنا نظير ما مرَّ في نظيره آنفًا.
[قوله]
(3)
: «فَيَستَعْمِلونَ الإرسالَ» :
لم يقل: أرسل؛ لئلا يُتوهَّم نصُّهم على أنَّ استعمالهم خاصٌّ بالماضي (هـ/63) دون المضارع، وهو خلاف المراد؛ فلا بُدَّ من تقدير مادَّة الإرسال أو المشتق منه، وهو أَولى؛ لمطابقته المراد؛ لأنَّ المراد أنَّهم يَستعمِلون الفعل دون الاسم، وإن كان الواقع في كلامهم إنَّما هو الماضي فيما رأيت كما هو بَيِّن.
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
زيادة من: (أ) و (ب).
(3)
زيادة من: (أ) و (ب).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وقوله: «فَقَطْ» :
أي: دون الانقطاع، أي: دون مادَّته وما اشتُق منه، فلا يقولون: قطَعه فلانٌ لا في مُنقطِعٍ ولا مُرسَلٍ، وإنَّما عَدَلوا في المُنقطِع عن قولهم: قَطعَه فلانٌ إلى أرسله فلانٌ؛ لأنَّهم لو قالوا: قطعه فلانٌ لسَبَق إلى الذهن أنَّه مقطوع، والمقطوع غير المُنقطِع اصطلاحًا؛ إذِ المُنقطِعُ من أوصاف] السَّنَد]
(1)
، إذ هو: الساقط منه واحدٌ، والمقطوع من مباحث [المَتْن]
(2)
إذ هو: الموقوف على التابعيِّ، أو هو أو مَن بعده، والانقطاع لازمٌ لا يُمكن إسناده إلى الراوي؛ فألجأهم ذلك إلى التعبير بأرسله.
وبعبارة: لأنَّهم لو قالوا: قطعَه فلان، لأوهَمَ أنَّه أورده مقطوعًا، أي: من كلام التابعيِّ لا مُنقطِعًا؛ لأنَّ القطع لازمٌ لا يُمكن اتصال ضمير الراوي به؛ فلذا اقتصروا على استعمال: أرسله.
[قوله]
(3)
: «ومِنْ ثَمَّ» :
أي: ومِن هنا، أي: ومن أجْلِ أنَّهم يستعملون أرسَل في المرسَل والمنقطع، «أَطلَق» [أي
(4)
تَقَوَّل ونَسَبَ، وعدل عنه تأدُّبًا، وضمير «استعمالهم» للمحَدِّثين، و «على كثير» متعلق بـ:«أَطلَق» ؛ لتضمينه ما أشرنا إليه.
(1)
في (هـ): [المسند].
(2)
في (هـ): [المنتقد].
(3)
زيادة من: (أ) و (ب).
(4)
زيادة من: (أ) و (ب).