المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌مقدمة المؤلف: بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد حمد لله على ما - حاشية الصبان على شرح الأشمونى لألفية ابن مالك - جـ ١

[الصبان]

الفصل: ‌ ‌مقدمة المؤلف: بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد حمد لله على ما

‌مقدمة المؤلف:

بسم الله الرحمن الرحيم

أما بعد حمد لله على ما منح من أسباب البيان. وفتح من أبواب التبيان. والصلاة

ــ

بسم الله الرحمن الرحيم

نحمدك اللهم على ما وجهت نحونا من سوابغ النعم. ونشكرك على ما أظهرت لنا من مبهمات الأسرار ومضمرات الحكم. ونشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك الفاعل لكل مبتدأ ومبتدع، ونشهد أن سيدنا محمدا عبدك ورسولك المفرد العلم والإمام المتبع. اللهمّ صلِّ وسلم عليه وعلى آله وصحبه ما رفعت منصب المنخفض لجلالك. وجبرت بالسكون إليك كسر الجازم بوحدتك في ذاتك وصفاتك وأفعالك.

أما بعد فيقول راجي الغفران "محمد بن علي الصبان" غفر الله ذنوبه وستر في الدارين عيوبه. هذه حواش شريفة. وتقريرات جليلة منيفة. وتحقيقات فائقة. وتدقيقات رائقة. خدمت بها شرح العلامة نور الدين أبي الحسن "علي بن محمد الأشموني" الشافعي على ألفية الإمام "ابن مالك" كل الخدمة. وصرفت في تحرير مبانيها وتهذيب معانيها جميع الهمة. ملخصا فيها زبد ما كتبه عليه المشايخ الأعيان. منبها على كثير مما وقع لهم من أسقام الأفهام وأوهام الأذهان. ضاما إلى ذلك من نفائس المسطور ما ينشرح به الخاطر. مضيفا إليه من عرائس بنات فكري ما تقر به عين الناظر. وحيث أطلقت شيخنا فمرادي به شيخنا العلامة المدابغي. أو قلت شيخنا السيد فمرادي به شيخنا المحقق السيد البليدي. أو قلت البعض فمرادي به الفهامة الفاضل سيدي يوسف الحنفي رحمهم الله وجزاهم عنا خيرا. وما كان زائدا على ما في حواشيهم وليس معزوا لأحد فهو غالبا مما ظهر لي وربما نسبته إليّ صريحا. وعلى الله الاعتماد إنه ولي السداد.

قوله: "أما بعد حمد الله إلخ" اعترض بأن هذه العبارة إنما تفيد سبق حمد وصلاة وسلام منه وهذه الإفادة لا يحصل بها المطلوب من الإتيان بالثلاثة في ابتداء التأليف. ويجاب أولا بأنا لا نسلم تلك الإفادة لأن القصد من قوله حمد الله إنشاء الحمد. وقوله حمد الله وإن لم يكن جملة في قوة الجملة فكأنه قال أما بعد قولي أحمد الله منشئا للحمد. وثانيا بأنا سلمنا تلك الإفادة لكن لا نسلم أن المطلوب لا يحصل بها لأن إفادة سبق الحمد منه تتضمن أن المحمود أهل لأن يحمد وهو وصف بالجميل فقد حصل الحمد ضمنا بهذه العبارة الواقعة في ابتداء التأليف ولا يضر عدم حصوله صريحا إذ المطلوب حصول الحمد مطلقا في الابتداء ومثل ذلك يقال في الصلاة والسلام بناء على أن المقصود بهما التعظيم وهو حاصل بإفادة سبقهما كما أفاده العلامة ابن قاسم في نكته عند قول المصنف: أحمد ربي الله خير مالك مصليا الخ وبه يعرف ما في كلام البعض وما أجاب به هو وشيخنا من أن الشارح أتى بالثلاثة لفظا لا يحسم مادة

ص: 3

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والسلام على من رفع بماضي العزم قواعد الإيمان. وخفض بعامل الجزم كلمة البهتان.

ــ

الاعتراض لبقاء المؤاخذة بعدم كتابتها المطلوبة أيضا والجواب بحصول الحمد بالبسملة غير نافع في الصلاة والسلام. فإن قلت لا نسلم عدم حصول الحمد صريحا هنا لما تقرر من أن الإخبار عن الحمد حمد أي صريح. قلت ما تقرر إنما هو في الإخبار عن الحمد بثبوته لله بالجملة الاسمية أعني الحمد لله لأنه ثناء بجميل صراحة فهو حمد صريح بخلاف الإخبار عن الحمد بسبق وقوعه، ومثله الإخبار بأنه يقع كما في أحمد ربي الله على أنه خبر لفظا ومعنى فتنبه.

قوله: "على ما منح من أسباب البيان" على تعليلية وما موصول اسمي أو نكرة موصوفة فمن بيانية والعائد محذوف. ويظهر لي عند عدم استدعاء المقام أحد الوجهين ترجح الثاني لأن النكرة هي الأصل ولأن شرط الموصول إذا لم يكن للتعظيم أو التحقير عهد الصلة وقد لا يحصل عهدها إلا بتكلف فاحفظه، أو موصول حرفي ويقوّي هذا أن الحمد يكون حينئذٍ على الفعل والحمد على الفعل أمكن من الحمد على أثره لأن الحمد على الفعل بلا واسطة وعلى أثره بواسطته. ومن زائدة على مذهب الأخفش وبعض الكوفيين أو تبعيضية نكتتها الإشارة إلى أنه تعالى يستحق الحمد على بعض نعمه كما يستحق الحمد على الكل بالأولى. والمنح الإعطاء وبابه قطع وضرب، والمنحة بالكسر العطية كذا في المختار. والبيان يطلق بمعنى الظهور وبمعنى الفصاحة وبمعنى المنطق الفصيح المعرب عما في الضمير أي المنطوق به لا المعنى المصدري لأنه لا يوصف بالفصاحة حقيقة وهذا هو المراد هنا. والمراد بأسبابه جميع ما له دخل في حصوله كسلامة اللسان من العيّ والفهاهة وسلامة القلب من موانع الإدراك لا خصوص ما يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم لذاته لقصوره. قوله:"وفتح من أبواب التبيان" قياس ما كان على التفعال فتح التاء كالتكرار والتذكار وشذ كسر تاء التبيان والتلقاء بعكس الفعلال، وورد الفتح أيضا في التبيان كما في القاموس وإن كان كسره أكثر. والتبيان كما قاله الخطابي أبلغ من البيان لأنه بيان مع دليل وبرهان فهو جار على الأصل من زيادة المعنى لزيادة المبنى. والمراد بأبوابه كل ما له دخل في حصوله كالإدراكات القوية وجودة اللسان والقلب فالأبواب استعارة مصرحة والفتح ترشيح أو في التبيان استعارة بالكناية والأبواب تخييل والفتح ترشيح. وذكر المنح والأسباب في جانب البيان والفتح والأبواب في جانب التبيان لأن التبيان أبلغ كما مر فالوصول إليه أصعب يحتاج إلى فتح أبواب مغلقة.

قوله: "والصلاة والسلام" مجروران عطفا على حمد الله. قوله: "على من رفع" متعلق بمحذوف صفة للصلاة والسلام أي الكائنين على من رفع، أو حال منهما. وقال شيخنا تبعا للمصرح متعلق بالسلام لقربه وهو مطلوب أيضا للصلاة من جهة المعنى على سبيل التنازع. ا. هـ. ومراده كما قاله الفاضل الروداني محشي التصريح التنازع المعنوي الذي هو مجرد الطلب في المعنى لا العملي بدليل كلامه فقوله متعلق بالسلام لقربه يعني مع حذف متعلق الصلاة فسقط ما اعترض به البعض من أن التنازع لا يكون إلا في فعلين متصرفين أو اسمين يشبهانهما كما سيأتي

ص: 4

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

"محمد" المنتخب من خلاصة معد ولباب عدنان. وعلى آله وأصحابه الذين أحرزوا

ــ

وما ذكر ليس كذلك أي لأن الصلاة والسلام اسما مصدرين جامدان على أنه سيأتي أن المراد اسمان يشبهانهما في العمل لا في التصرف بدليل تمثيلهم باسم الفعل والمصدر. وممن وافق على ذلك هذا البعض وحينئذٍ لا يدل ما سيأتي على عدم جريان التنازع الاصطلاحي بين اسمي المصدر بل على جريانه بينهما كالمصدرين فيتلاشى الاعتراض من أصله. والرفع الإعلاء والمراد به هنا الإظهار والإعزاز. قوله: "بماضي العزم" من إضافة الصفة إلى الموصوف أي العزم الماضي قال في المصباح: عزم على الشيء وعزمه عزما من باب ضرب عقد ضميره على فعله. ا. هـ. لكن سيذكر الشارح قبيل باب التنازع أن عزم لا يتعدّى بنفسه وإن قوله تعالى: {وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاح} [البقرة: 235] على تضمين معنى تنووا والماضي إما بمعنى النافذ يقال مضى الأمر أي نفذ، وإما بمعنى القاطع يقال سيف ماض أي قاطع فيكون قد شبه في النفس العزم بالسيف والماضي بمعنى القاطع تخييل. قوله:"قواعد الإيمان" يحتمل وهو الظاهر أن يراد بالإيمان التصديق القلبي فتكون إضافة القواعد إليه من إضافة المتعلق بفتح اللام إلى المتعلق بكسرها والمراد بالقواعد جميع ما وجب الإيمان به مما ينبني عليه غيره كعقائد التوحيد وضوابط الفقه المجمع عليهما، أو جميع ما وجب الإيمان به سواء بنى عليه غيره أو لا فيكون في التعبير بالقواعد تغليب، أو البراهين الدالة على حقيقة الإيمان، ويحتمل أن يراد به الإسلام لتلازم الإيمان والإسلام الكاملين فالإضافة من إضافة الأجزاء إلى الكل. والمراد بالقواعد الأركان الخمسة المذكورة في حديث:"بني الإسلام على خمس" وعليه ففي الكلام تلميح إلى هذا الحديث.

قوله: "وخفض بعامل الجزم" الجزم القطع وعامله آلته كالسيف ووصفها بالعمل مجاز عقلي من وصف آلة عمل الشيء به. فإن قلت عامل الجزم لا يخفض في العربية فلا تتم التورية قلت التورية لا تتوقف على خفضه في العربية وإنما روي بخفضه الذي لا يقع في العربية للإشارة إلى أن ما وقع منه صلى الله عليه وسلم أمر فوق ما ألفه البشر خارج عن طوقهم. قوله: "كلمة البهتان" البهتان الكذب والمراد به هنا الكفر أو مطلق الباطل والمراد بالكلمة الكلام وإضافتها إلى البهتان استغراقية. قوله: "محمد" بدل من أو عطف بيان وقوله المنتخب أي المختار نعت لمحمد لا لمن لئلا يلزم تقديم البدل أو عطف البيان على النعت مع أن النعت هو المقدم على بقية التوابع عند اجتماعها. قوله: "من خلاصة معد ولباب عدنان" خلاصة الشيء بضم الخاء وكسرها ما خلص منه وبمعناه اللباب ففي عبارته تفنن. ومعد بفتح الميم والعين ولد عدنان لصلبه قال الجوهري وهو أبو العرب. وعدنان آخر النسب الصحيح لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وهو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، فعلم وجه ذكر معد وعدنان. ويحتمل أنه أراد بمعد وعدنان ذرية معد وذرية عدنان المسماتين باسمي أبويهما. وإنما أخر عدنان ذكرا مع تقدمه وجودا لأنه لو قدمه لم يكن لذكر معد

ص: 5

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قصبات السبق في مضمار الإحسان. وأبرزوا ضمير القصة والشأن بسنان اللسان ولسان السنان. فهذا شرح لطيف بديع على ألفية ابن مالك. مهذب المقاصد واضح المسالك.

ــ

فائدة لأنه يلزم من كونه عليه الصلاة والسلام منتخبا من لباب عدنان كونه منتخبا من خلاصة معد ولا عكس. قوله: "أحرزوا" أي حازوا وقوله قصبات السبق الخ كان من عادة العرب أن تغرز قصبة في آخر ميدان تسابق الفرسان فمن أعدى فرسه إليها وأخذها عد سابقا ففي الكلام استعارة تمثيلية إن شبه حال الصحابة في غلبتهم لمن قاواهم في الإحسان بحال السابقين على الخيل في الميدان في سبقهم إلى قصبة السبق بجامع مطلق حوز ما به الشرف، أو استعارة مكنية إن شبه في النفس الإحسان بساحة ذات ميدان وجعل إثبات المضمار أي الميدان تخييلا وإحراز قصبات السبق ترشيحا، أو استعارة مصرحة إن شبهت مراتب العلو بقصبات السبق وجعل المضمار ترشيحا والإحسان تجريدا والمراد بالإحسان إما معناه الشرعي المبين في حديث جبريل بقوله عليه الصلاة والسلام:"أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك" أو مطلق الطاعة وهذا أقرب.

قوله: "وأبرزوا" أي أظهروا. وقوله ضمير القصة والشأن يحتمل أن المراد المضمر المستور الذي كان له قصة وشأن عظيمان وهو دين الإسلام فيكون تسميته مضمرا باعتبار ما كان. ويحتمل أن المراد ضمير القصة والشأن الاصطلاحي الواقع في قوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّه} [محمد: 19] ففي الكلام حذف مضاف أي مفسر ضمير الخ لأن الذي أظهروه مفسره وهو لا إله إلا الله، أو مجاز مرسل علاقته المجاورة حيث سمي المفسر بكسر السين باسم المفسر بفتحها. قوله:"بسنان اللسان ولسان السنان" السنان نصل الرمح، والتركيبان إما من إضافة المشبه به إلى المشبه أي اللسان الذي كالسنان في التأثير والسنان الذي كاللسان في كثرة استعماله، أو من الاستعارة بأن يكون شبه في التركيب الأول كلام اللسان بالسنان في التأثير وشبه في النفس السنان في التركيب الثاني بالإنسان في صدور الفعل العظيم عن كل وأثبت له اللسان تخييلا، أو شبه طرف السنان الذي به الجرح باللسان في كثرة استعماله، وجعل شيخنا إطلاق لسان السنان على طرفه الجارح لا تجوز فيه ممنوع لأنه ليس من معاني اللسان الحقيقية كما يؤخذ من القاموس وغيره. وفي قوله بسنان الخ من أنواع البديع العكس وهو تقديم المؤخر وتأخير المقدم كقولهم عادات السادات سادات العادات. وقد اشتملت خطبته على أنواع أخر كبراعة الاستهلال والتورية في الفتح والرفع والماضي ونحوها. والطباق في الرفع والخفض والإيمان والبهتان والإفراط والتفريط. والجناس اللاحق في الأسد والجسد والتحقيق والتدقيق والمخل والممل، وكذا بين الأدراج والأبراج كما قاله شيخنا والبعض وإن جعل شيخنا السيد الجناس بينهما مضارعا لما سيأتي والجناس المضارع في خلا وعلا. والفرق بين الجناسين أن الاختلاف إن كان بحرف بعيد المخرج فاللاحق أو قريبه فالمضارع. ومعنى بعد المخرج أن يختلف الحرفان في جنس المخرج ومعنى قربه أن يتحدا في جنسه ويختلفا في شخصه.

قوله: "فهذا" اسم الإشارة راجع إلى الألفاظ الذهنية المخصوصة الدالة على المعاني المخصوصة على أرجح الأوجه فهو مستعار مما وضع له، وهو المبصر الحاضر للمعقول لشبهه به

ص: 6

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يمتزج بها امتزاج الروح بالجسد. ويحل منها محل الشجاعة من الأسد. تجد نشر التحقيق

ــ

في كمال إتقان المشير أو السامع إياه حتى كأنه مبصر عنده، وهل استعارة اسم الإشارة ونحوه أصلية أو تبعية خلاف بيناه في رسالتنا في المجازات. والفاء واقعة في جواب إما وجواب الشرط لا بد أن يكون مستقبلا وكون الألفاظ المشار إليها شرحا لطيفا بديعا غير مستقبل فلا بد من تقدير أقول بعد الفاء كما أفاده في التصريح، نعم إن كانت الخطبة قبل التأليف وجعل الشرح بالمعنى اللغوي على أنه مصدر بمعنى الشارح أي خارجا لم يحتج إلى التقدير لأن الشرح الخارجي المدلول على هذا الشرح الذي هو محط الجزاء مستقبل حينئذٍ بل قال الروداني في حواشيه على التصريح إنما يحتاج إلى التقدير لو أريد بالشرط الذي تضمنته أما التعليق مع أن المراد منه مجرد استلزام شيء لشيء، ولو سلم فالتعليق قد يكون في الاستقبال وقد يكون في الماضي كما في شرط لو فليكن هذا منه. ا. هـ. نعم قال يس: يندفع بتقدير القول إشكال آخر وهو أن كون هذه الألفاظ شرحا لطيفا بديعا ثابت حمد أو لم يحمد فما معنى كونه بعد الحمد، فإذا جعل الجزاء القول كان هو المقيد بالبعدية. ا. هـ. وهو مبني على أن الظرف من متعلقات الجزاء كما هو الأحسن مع أن هذا الإشكال الآخر يندفع بجعل شرح بمعنى شارح مرادا منه المعنى اللغوي لصحة تقييده بالبعدية على أنه يرد على تقدير القول أن حذف القول يوجب حذف الفاء معه كما سيصرح به الشارح، لكن في الهمع ما يدل على أن بعضهم يجوز حذف القول مع بقاء الفاء كما سيأتي بسطه في محله فتنبه.

قوله: "لطيف" يعني لا يحجب ما وراءه من المعاني مجازا عما لا يحجب ما وراءه من المحسوسات. قوله: "بديع" فعيل بمعنى المفعول أي مبتدع أي مخترع لا على مثال سابق فإنه بهيئته المخصوصة لم يسبق له مثال والمراد أنه فائق في الحسن على غيره من الشروح ويجيء بديع بمعنى مبدع ومنه بديع السموات والأرض. قوله: "على ألفية ابن مالك" متعلق بمحذوف خاص دل عليه السياق أي دال على ألفية ابن مالك أي على معانيها، أو على بمعنى لام التقوية متعلقة بشرح بمعنى شارح أي كاشف كما قاله البعض، وفيه أنه يلزم على هذا نعت المصدر قبل استيفاء معموله أو بمعنى لام الاختصاص متعلقة بمحذوف صفة لشرح فيكون على استعارة تبعية أو شبه الشرح والمتن بجسم مستعل وجسم مستعلى عليه وذكر على تخييلا. قوله:"مهذب إلخ" التهذيب التنقية، والمقاصد المعاني، والمسالك الألفاظ، وهما مجروران بإضافة الوصف إليهما أو منصوبان على التشبيه بالمفعول به. قوله:"يمتزج بها إلخ" في الكلام مبالغة وإلا فالمزج الخلط بلا تمييز مع أن الشرح والمتن متمايزان، وأشار بهذه السجعة إلى ما في شرحه مما لا بد منه في بيان المتن وبالسجعة الثانية إلى ما زاد على ذلك والمقصود منهما وصف شرحه بجودة السبك وحسن التركيب مع ألفاظ المتن. قوله:"امتزاج الروح" أي امتزاجا كامتزاج الروح بالجسد. لا يقال عبارته تفهم أن شرحه للمتن كالروح للجسد وأن المتن بدونه كالجسد بدون الروح وفي هذا تنقيص لبقية الشروح لأنا نقول مقام المدح لا ينظر فيه إلى أمثال هذه المفاهيم. قوله:

ص: 7

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

من أدراج عبارته يعبق. وبدر التدقيق من أبراج إشاراته يشرق. خلا من الإفراط الممل.

ــ

"ويحل" بضم الحاء وكسرها لأن حل بمعنى نزل يجوز في حاء مضارعه الوجهان كما في القاموس وبهما قرئ في السبع قوله تعالى: {فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي} [طه: 81] فاقتصار البعض كشيخنا على الضم تقصير. وأما حل ضد حرم فجاء مضارعه بالكسر فقط. وحل بمعنى فك فجاء مضارعه بالضم فقط. قوله: "منها" قال شيخنا السيد: حال أي كائنا منها لأن حل لا يتعدى بمن وكذا قوله من الأسد أي كائنة من الأسد. ولعل معنى كائنا منها وكائنة من الأسد منتسبا إليها ومنتسبة إلى الأسد ولا يبعد أن من في الموضعين بمعنى في. لا يقال الظرفية في الأول غير ظاهرة لأنا نقول لما امتزج بها كأنه حل فيها. وقوله محل الشجاعة أي حلولها فمحل مصدر ميمي أي حلولا كحلول الشجاعة والمراد بالشجاعة الجراءة لا الملكة المخصوصة لاختصاص الملكات بذوي العلم. قوله: "تجد نشر التحقيق إلخ" النشر الرائحة الطيبة. والتحقيق يطلق على ذكر الشيء على الوجه الحق ويطلق على إثبات المسألة بدليلها مع رد قوادحه. والأدراج بفتح الهمزة جمع درج بفتح الدال وسكون الراء أو فتحها ما يكتب فيه كما في القاموس ويعبق بفتح الباء مضارع عبق الطيب بكسرها عبقا بالتحريك من باب فرح ظهرت رائحته ولا يكون إلا للذكية كما في المصباح، ففي كلامه استعارة مكنية وتخييل وترشيح حيث شبه التحقيق في نفاسته بنحو المسك والنشر تخييل ويعبق ترشيح قال شيخنا السيد: وفي العبارة قلب أي من عبارات أدراجه. ا. هـ. ونكتة القلب الإشارة إلى قوة النشر حتى سرى من العبارات إلى محلها المكتوبة فيه.

قوله: "وبدر التدقيق إلخ" البدر القمر ليلة كماله. والتدقيق يطلق على إثبات المسألة بدليلين أو أكثر وعلى إثبات دليل المسألة بدليل، وعلى ذكر الشيء على وجه فيه دقة. والأبراج جمع برج وهو أحد أقسام الفلك الإثني عشر المسماة بالبروج، وعبر بالأبراج وهو جمع قلة مع أنها اثنا عشر لمزاوجة أدراج. ويشرق بضم أوله وكسر ثالثه مضارع أشرق أي أضاء أو بفتح أوله وضم ثالثه مضارع شرق كطلع وزنا ومعنى، وعلى كل ففي كلامه عيب السناد وهو اختلاف حركة ما قبل الروي. وفي كلامه استعارة مكنية وتخييل وترشيحان حيث شبه التدقيق بالليلة المقمرة كمال الإقمار بجامع الكمال والبدر تخييل والإشراق والأبراج ترشيحان قاله شيخنا السيد. وجعل شيخنا التدقيق مشبها بالسماء في العلوّ. والمتانة ولك أن تجعل الأبراج استعارة مصرحة لعبارات الإشارات أي المعاني الدقيقة إن شبهت بالأبراج في أن كلا محل لما ينتفع به إذ العبارات محل للمعاني والأبراج محل للكواكب، أو تخييلا لاستعارة مكنية إن شبهت الإشارات بالسموات في الرفعة والمتانة ثم ذكر شيخنا السيد أن هنا أيضا قلبا أي من إشارات أبراجه ولا حاجة إليه كما لا يخفى. قوله:"خلا من الإفراط إلخ" الإفراط مجاوزة الحد، والتفريط التقصير أي خلا من الإفراط في التطويل وعلا عن التفريط في تأدية المعاني. وعبر في جانب الإفراط بخلا وفي جانب التفريط بعلا لأن التفريط أفحش فهو أحق بالتباعد عنه الذي هو المراد من علا. وأخر هاتين السجعتين مع أنهما من باب التخلية وما قبلهما من باب التحلية التفاتا إلى تقدم الإثبات على النفي وشرف الوجود على العدم. والممل والمخل وصفان لازمان لأن المراد الذي

ص: 8

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وعلا من التفريط المخل. {وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: 67] وقد لقبته "بمنهج السالك إلى ألفية ابن مالك" ولم آل جهدًا في تنقيحه وتهذيبه وتوضيحه وتقريبه. والله أسأل أن يجعله خالصًا لوجهه الكريم. وأن ينفع به من تلقاه بقلب سليم. إنه قريب مجيب.

وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.

ــ

شأنه الإملال والذي شأنه الإخلال. قوله: "وكان بين ذلك قواما" أي عدلا. وأفرد اسم الإشارة مع رجوعه إلى اثنين الإفراط والتفريط لتأوله بالمذكور والمرجح للإفراد حصول الاقتباس. قوله: "وقد لقبته" أي سميته وإنما آثر التعبير بالتلقيب

لما في هذا الاسم من الإشعار بالمدح كاللقب. قوله: "ولم آل" مضارع مبدوء بهمزة تكلم تليها ألف منقلبة عن همزة ساكنة كما هو القاعدة عند اجتماع همزتين ثانيتهما ساكنة حذف منه الجازم لامه التي هي واو، وماضيه ألا كعلا، ومصدره إن كان بمعنى التقصير أو الترك أو الاستطاعة: ألو كدلو وألوّ كعلوّ كما في القاموس، وإن كان بمعنى المنع ألو كدلو كما في حاشية شيخنا السيد لكن في حاشية ابن قاسم على المختصر وحاشية خسرو على المطول أن المنع معنى مجازي مشهور للألو لا حقيقي ويصح هنا ما عدا الاستطاعة فعلى الأول قوله جهدا أي اجتهادا منصوب على التمييز محول عن الفاعل والتقدير لم يقصر اجتهادي على الإسناد المجازي، أو نزع الخافض أي في اجتهادي أو حال بمعنى مجتهدا، وعلى الثاني مفعول به وعلى الأخير مفعوله الثاني وحذف مفعول الأول لعدم تعلق الغرض بذكره والتقدير ولم أمنع أحدا جهدا. وعن أبي البقاء أن لم آل من الأفعال الناقصة بمعنى لم أزل، فجهدا خبر بمعنى جاهدا والذي يؤخذ من القاموس والمختار أن الجهد بمعنى الاجتهاد أو المشقة بفتح الجيم لا غير وبمعنى الطاقة بالفتح والضم.

قوله: "وتهذيبه" عطف تفسير قاله شيخنا. قوله: "وتقريبه" عطف لازم. قوله: "والله أسأل إلخ" سأل إن كان بمعنى استعطى كما هنا تعدى لمفعولين بنفسه فالله مفعول قدم لإفادة الحصر أو للاهتمام لعظمته، وأن يجعله مفعول ثان. وإن كان بمعنى استفهم تعدى للأول بنفسه وللثاني بعن نحو {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَال} أو ما بمعناها نحو فاسأل به خبيرا أي عنه. قوله:"سليم" أي سالم من الحقد والحسد ونحوهما. قوله: "وما توفيقي إلا بالله" استقبح أهل اللسان نسبة الفعل إلى الفاعل بالباء لأنه يوهم الآلة فلا يحسن ضربي بزيد إذا كان زيد ضاربا والحسن ضربي من زيد. وفاعل التوفيق هو الله تعالى فالحسن وما توفيقي إلا من الله. وتوجيهه على ما يستفاد من الكشاف في تفسير سورة هود أنه على تقدير مضاف وأن التوفيق مصدر المبني للمجهول حيث قال أي وما كوني موفقا إلا بمعونته وتوفيقه أفاده ابن قاسم. قوله: "عليه توكلت" أي اعتمدت في جميع أموري كما يؤخذ من حذف المعمول أو في الأقدار على تأليف هذا الشرح كما يؤخذ من القيام. وتقديم الجار والمجرور لإفادة الحصر لأن الاعتماد في جميع الأمور والأقدار على تأليف هذا الشرح لا يكون إلا عليه تعالى وإن كان قد يعتمد في بعض الأمور على غيره. قوله: "أنيب" أي أرجع.

ص: 9