المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌المفعول له: ينصب مفعولا له المصدر إن … أبان تعليلًا كحد - حاشية الصبان على شرح الأشمونى لألفية ابن مالك - جـ ٢

[الصبان]

الفصل: ‌ ‌المفعول له: ينصب مفعولا له المصدر إن … أبان تعليلًا كحد

‌المفعول له:

ينصب مفعولا له المصدر إن

أبان تعليلًا كحد شكرًا ودن

وهو بما يعمل فيه متجذ

وقتًا وفاعلًا وإن شرط فقد

ــ

المفعول له:

ويسمى المفعول لأجله ومن أجله. وقدمه على المفعول فيه لأنه أدخل منه في المفعولية، وأقرب إلى المفعول المطلق بكونه مصدرًا. كما أشار إلى ذلك بقوله "ينصب مفعولا له المصدر" أي القلبي "إن أبان تغليلًا" أي أفهم كونه علة للحدث ويشترط كونه من غير لفظ الفعل "كجد شكرًا" أي لأجل الشكر فلو كان من لفظ كحيل محيلًا كان انتصابه على المصدرية "ودن" طاعة "وهو" أي المفعول له "بما يعمل فيه متحد وقتًا

ــ

المفعول له:

أل فيه موصولة بدليل عود الضمير إليها، ومانع موصولية أل يرجع الضمير إلى الموصوف المحذوف. قال المرادي في شرح التسهيل ولا يجوز تعدده منصوبا أو مجرورا إلا بإبدال أو عطف. قال في الهمع ولذا امتنع في قوله تعالى:{وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} [البقرة: 231]، تعلق الجار بالفعل إن جعل ضرارا مفعولا له وإنما يتعلق به إن جعل حالا. قوله:"لأنه أدخل منه إلخ" أي لكونه مفعول الفاعل حقيقة كما أسلفناه. فقوله وأقرب إلخ عطف علة على معلول ومن قدم المفعول فيه علله بأن احتياج الفعل إلى الزمان والمكان أشد من احتياجه إلى العلة. قوله: "وأقرب إلى المفعول المطلق" بل قال الزجاج والكوفيون إنه مفعول مطلق تصريح. قوله: "كما أشار إلى ذلك" أي إلى أقربيته بكونه مصدرا. قوله: "ينصب مفعولا له المصدر" أي بالفعل قبله على تقدير حرف العلة عند جمهور البصريين فعليه هو من المفعول به المنصوب بعد نزع الخافض. وقال الزجاج ناصبه فعل مقدر من لفظه والتقدير جئتك أكرمك إكراما وعليه فهو مفعول مطلق. وقال الكوفيون ناصبه الفعل المقدم عليه لأنه ملاق له في المعنى مثل قعدت جلوسا وعليه أيضا فهو مفعول مطلق، ولذا قال في التصريح: قال الزجاج والكوفيون إنه أي المفعول له مفعول مطلق. ا. هـ. قوله: "إن أبان تعليلا" ظاهر كلامه وكلام الشارح حيث قال فيما يأتي أي يشترط لنصب المفعول له إلخ أن هذه الشروط شروط لنصبه وأنه عند جره يسمى مفعولا له والجمهور على أنه حينئذٍ مفعول به وعليه فهذه الشروط لتحقق ماهية المفعول له ومعنى قوله أبان تعليلا أظهر علة الشيء أي الباعث على الفعل سواء كان غرضا نحو جئتك جبرا لخاطرك أو لا كقعدت عن الحرب جبنا. قوله: "ويشترط كونه من غير لفظ الفعل" أي وغير معناه ويغني عن هذا الشرط قول المصنف إن أبان تعليلا.

قوله: "أي لأجل الشكر" أي لأجل أن تكون شاكرا سم. قوله: "كحيل محيلا" بفتح الميم وكسر الحاء وسكون الياء مصدر ميمي. قوله: "طاعة" أشار به إلى أن دن مثال ثان بمعنى

ص: 179

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وفاعلا" الجملة حالية. ووقتًا وفاعلًا نصب بنزع الخافض: أي يشترط لنصب المفعول له مع كونه مصدرًا قلبيًّا سيق للتعليل أن يتحد مع عامله في الوقت وفي الفاعل. فالشروط حينئذ خمسة: كونه مصدرًا فلا يجوز جئتك السمن والعسل. قاله الجمهور. وأجاز يونس أما العبيد فذو عبيد بمعنى مهما يذكر شخص لأجل العبيد فالمذكور ذو عبيد. وأنكره سيبويه. وكونه قلبيًّا: فلا يجوز جئتك قراءة للعمل، ولا قتلًا للكافر. وأجاز الفارسي جئتك ضرب زيد: أي لتضرب زيدًا. وكونه علة: فلا يجوز أحسنت إليك إحسانًا إليك لأن

ــ

أخضع حذف مفعوله، قال البعض لدلالة الأول عليه وفيه نظر ظاهر ولو جعل الشارح مفعوله المحذوف شكرا آخر لكان الحذف لدليل ثم كلام الشارح يقتضي أن المفعول له يجوز حذفه وهو ظاهر إذا دل عليه دليل. قوله:"بما يعمل" الباء بمعنى مع متعلقة بمتحد خالد. قوله: "نصب بنزع الخافض" كذا في بعض النسخ وفيه أن النصب به سماعي على الراجح وفي بعض النسخ نصب على التمييز أي المحول عن الفاعل وهي أولى. قوله: "أن يتحد مع عامله في الوقت" بأن يقع حدث الفعل في بعض زمان المصدر كجئتك طمعا أو يكون أول زمان الحدث آخر زمان المصدر كحبستك خوفا من فرارك أو بالعكس كجئتك اصلاحا لحالك قاله الرضي. قوله: "فالشروط حينئذٍ خمسة" بل ستة. سادسها ما ذكره الشارح سابقا بقوله ويشترط كونه من غير لفظ الفعل. قوله: "وأجاز يونس أما العبيد فذو عبيد" كان المناسب أن يقول وأجاز يونس كونه غير مصدر تمسكا بقولهم: أما العبيد فذو عبيد لأن هذا المثال ليس من عنديات يونس بل من كلام العرب. وقد يقال مراده وأجاز يونس كون أما العبيد إلخ من المفعول لأجله القياسي وجعله بعض النحاة مفعولا به لمحذوف أي مهما تذكر العبيد ولم يلتزم هذا البعض كيونس تقدير أما بمهما يكن من شيء بل قدره في كل مكان بما يليق به. وجعله الزجاج مفعولا له بتقدير مضاف أي مهما تذكره لأجل تملك العبيد.

قوله: "وأنكره سيبويه" أي أنكر القياس عليه قائلا إن رواية النصب خبيثة رديئة فلا يجوز التخريج عليها. قوله: "وكونه قلبيا" قال في التصريح لأن العلة هي الحاملة على إيجاد الفعل والحامل على الشيء متقدم عليه وأفعال الجوارح ليست كذلك. ا. هـ. وعزا هذا الشرط السيوطي في الهمع إلى بعض المتأخرين وعزاه الرضي إلى بعضهم معللا بما مر، ثم رده فقال: إن أراد وجوب تقدم الحامل وجودا فممنوع وإن أراد وجوب تقدمه إما وجودا أو تصوّرا فمسلم ولا ينفعه وينتقض ما قاله بجواز جئتك إصلاحا لأمرك وضربته تأديبا اتفاقا، فإن قال هو بتقدير مضاف أي إرادة إصلاح وإرادة تأديب قلنا فجوّز أيضا جئتك إكرامك لي وجئتك اليوم إكراما لك غدا بل جوّز سمنا ولبنا فظهر أن المفعول له هو الظاهر لا مضاف مقدر وأن المفعول له على ضربين ما يتقدم وجوده على مضمون عامله نحو قعدت جبنا فيكون من أفعال القلوب وما يتقدم على الفعل تصوّرا أي يكون غرضا ولا يلزم كونه فعل القلب نحو ضربته تقويما وجئته إصلاحا. ا. هـ. قوله:"وأجاز الفارسي جئتك ضرب زيد" أي مع أن المصدر ليس قلبيا ولعله لا يقول باشتراط اتحاده

ص: 180

فاجرره بالحرف وليس يمتنع

مع الشروط كلزهد ذا قنع

ــ

الشيء لا يعلل بنفسه. وكونه متحدًا مع المعلل به في الوقت. فلا يجوز جئتك أمس طمعًا غدًا في معروفك، ولا يشترط تعيين الوقت في اللفظ بل يكفي عدم ظهور المنافاة، وفي الفاعل فلا يجوز جئتك إياي خلافًا لابن خروف.

تنبيه: قد يكون الاتحاد في الفاعل تقديريا كقوله تعالى: {يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا} [الرعد: 12] ؛ لأن معنى يريكم يجعلكم ترون. ا. هـ. "وإن شرط" من الشروط المذكورة ما عدا قصد التعليل "فقد فاجرروه بالحرف" الدال على التعليل وهو اللام أو ما يقوم مقامها، وفي بعض النسخ باللام أي أو ما يقوم مقامها، ففقد الأول كونه مصدرًا

ــ

مع العامل فاعلا أيضا حتى يجيز هذا المثال لعدم هذا الشرط أيضا فيه وربما يفهم ذلك قول الهمع شرط الأعلم والمتأخرون مشاركته لفعله في الوقت والفاعل نحو ضربت ابني تأديبا ثم قال ولم يشترط ذلك سيبويه ولا أحد من المتقدمين فجوزوا اختلافهما في الوقت واختلافهما في الفاعل. ا. هـ. وتقدم عن الرضي رد اشتراط كونه قلبيا. بقي أن التأديب هو الضرب كما صرح به الرضي فلا يصح أن يكون علة للضرب لأن الشيء لا يكون علة لنفسه لا يقال يندفع هذا بتقدير إرادة لأنا نقول يصير المعنى حينئذٍ أدبت ابني لإرادة التأديب أو ضربته لإرادة الضرب وفيه ركاكة لا تخفى لأن الباعث على الشيء ليس مجرد إرادته. والحاسم عندي لمادة الاعتراض مع قرب المسافة أن يحمل التأديب على التأدب الذي هو أثر التأديب بناء على عدم اشتراط الاتحاد وقتا وفاعلا أو على إرادة التأديب الذي هو هذا الأثر بناء على الاشتراط فاحفظه.

قوله: "وكونه علة" أي كونه مفهما العلة وما قيل من أن العلية محل الشروط فكيف تكون شرطا ممنوع كما ذكره يس بل محل الشروط ماهية المفعول له أو نصبه على ما مر. قوله: "خلافا لابن خروف" فإنه لم يشترط الاتحاد في الفاعل تمسكا بقوله تعالى: {يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا} [الرعد: 12]، وسيذكر الشارح جوابه وجوّز ابن الضائع -بمعجمة ثم مهملة- تعدد الوقت بل قدمنا عن الهمع أن سيبويه والمتقدمين لم يشترطوا الاتحاد وقتا ولا الاتحاد فاعلا. قوله:"تقديريا" أي باعتبار التقدير والمعنى. قوله: "يجعلكم ترون" أي ففاعل الرؤية التي تضمنها يريكم وفاعل الطمع والخوف واحد وهو المخاطبون وفيه أن هذا خلاف الظاهر وأن العامل الذي تتعلق به الأحكام النحوية هو يريكم لا ترون وأنه لا يظهر كون الخوف والطمع علة للرؤية لأنهم لا يرون لأجل الخوف والطمع بل يريهم الله لأجل أن يخافوا ويطمعوا فاستدلال ابن خروف قوي جلي فإن كان ولا بد من التأويل فالأقرب أن يؤول الخوف والطمع بالإخافة والإطماع أو يجعلا حالين من المخاطبين على إضمار ذوي أو على التأويل باسمي فاعل. قوله: "ما عدا قصد التعليل" أي ما عدا كونه علة فأطلق السبب وأراد المسبب فلا يقال قصد التعليل ليس أحد الشروط المارة وإنما استثناه لأنه عند فقد التعليل لا يصلح للجر بحرف التعليل أيضا إذ لا تعليل.

قوله: "أو ما يقوم مقامها" هو الباء وفي ومن. زاد الشاطبي الكاف نحو: {وَاذْكُرُوهُ كَمَا

ص: 181

وقل أن يصحبها المجرد

والعكس في مصحوب أل وأنشدوا

ــ

نحو: {وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ} [الرحمن: 10] . والثاني وهو كونه قلبيا نحو: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ} [الأنعام: 151]، بخلاف خشية إملاق. والثالث هو الاتحاد في الوقت نحو قوله:

442-

فجئت وقد نضت لنوم ثيابها

والرابع وهو الاتحاد في الفاعل نحو:

443-

وإني لتعروني لذكراك هزة

وقد انتفى الاتحادان في: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] ، "وليس يمتنع" جره باللام أو ما يقوم مقامها "مع" وجود "الشروط" المذكورة "كلزهد ذا قنع. وقل

ــ

هَدَاكُمْ} [البقرة: 198]، وفي شرح اللمحة لابن هشام أن حروف السبب سبعة هذه الخمسة وحتى نحو أسلم حتى تدخل الجنة وكي نحو جئتك كي تكرمني وأن الكاف وحتى وكي لا تدخل على المفعول له لأنها لا تكون للتعليل إلا مع الفعل المقرون بالحرف المصدري. ا. هـ. وينبغي زيادة على نحو:{وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 285، الحج: 37] . قوله: "وفي بعض النسخ باللام" واقتصر عليها لأنها الأصل. قوله: "وقد نضت" بتخفيف الضاد أي خلعت. قوله: "في نحو أقم الصلاة لدلوك الشمس" ففاعل الإقامة المخاطب وفاعل الدلوك أي الميل عن وسط السماء الشمس وزمنهما مختلف فزمن الإقامة متأخر عن زمن الدلوك وفيه مانع آخر وهو كون المصدر ليس قلبيا وفي المغني أن اللام في لدلوك بمعنى بعد وعليه فلا تعليل أيضا فلا تكون اللام لام التعليل. قوله: "كلزهد ذا قنع" فيه تقديم معمول الخبر الفعلي وهو جائز

442- عجزه:

لدى الستر إلا لبسة المتفضل

والبيت من الطويل، وهو لامرئ القيس في ديوانه ص14؛ والدرر 3/ 78؛ وشرح شذور الذهب ص297؛ وشرح عمدة الحافظ ص453؛ ولسان العرب 15/ 329 "نضا"؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 226؛ والدرر 4/ 18؛ ورصف المباني ص223؛ وشرح قطر الندى ص227؛ والمقرب 1/ 161؛ وهمع الهوامع 1/ 194، 247.

443-

عجزه:

كما انتفض العصفور بلله القطر

والبيت من الطويل، وهو لأبي صخر الهذلي في الأغاني 5/ 169، 170؛ والإنصاف 1/ 253؛ وخزانة الأدب 3/ 254، 255، 257، 260؛ والدرر 3/ 79؛ وشرح الهذليين 2/ 957؛ وشرح التصريح 1/ 326؛ ولسان العرب 2/ 155 "رمث"؛ والمقاصد النحوية 3/ 67؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 7/ 29؛ وأمالي ابن الحاجب 2/ 646؛ 648؛ وأوضح المسالك 2/ 227؛ وشرح شذور الذهب ص298؛ وشرح ابن عقيل ص361؛ وشرح قطر الندى ص228؛ وشرح المفصل 2/ 67؛ والمقرب 1/ 162؛ وهمع الهوامع 1/ 194.

ص: 182

"لا أقعد الجبن عن الهيجاء

ولو توالت زمر الأعداء"

ــ

أن يصحبها" أي اللام "المجرد" من أل والإضافة كهذا المثال، حتى قال الجوزلي أنه ممنوع، والحقي جوازه، ومنه قوله:

444-

من أمكم لرغبة فيكم جبر

"والعكس في مصحوب أل" وهو أن جره باللام كثير ونصبه قليل "وأنشدوا" شاهدًا لجوازه قول الراجز:

445-

"لا أقعد الجبن عن الهيجاء

ولو توالت زمر الأعداء"

تنبيهات: الأول أفهم كلامه أن المضاف يجوز فيه الأمران على السواء نحو: جئتك ابتغاء الخير، ولابتغاء الخير. الثاني أفهم أيضًا جواز تقديم المفعول له على عامله منصوبًا

ــ

عند الجمهور كما مر. قوله: "أي اللام" فيه أن النسخة التي شرح عليها بالحرف وحينئذٍ فكان المناسب أن يقول أي الحرف وتأنيث الضمير حينئذٍ باعتبار الكلمة. قوله: "أفهم كلامه أن المضاف إلخ" وجهه أنه لم يذكر فيه قلة ولا كثرة كما فعل في قسيميه، فدل على استواء الأمرين فيه. قوله:"منصوبا كان أو مجرورا" أما إفهامه جواز تقديم المجرور فظاهر، وأما إفهامه جواز تقديم المنصوب فلعله بطريق المقايسة.

المفعول فيه وهو المسمى ظرفا:

أي عند البصريين، واعترضهم الكوفيون بأن الظرف الوعاء المتناهي الأقطار، وليس اسم الزمان والمكان كذلك أفاده المصرح. وأجيب بأنهم تجوزوا في ذلك واصطلحوا عليه ولا مشاحة في الاصطلاح. قال المصرح وسماه الفراء محلا، والكسائي وأصحابه صفة. ا. هـ. ولعله باعتبار الكينونة فيه. قوله:"بكونه" أي المفعول المطلق أي معناه مستلزما له أي الظرف أي معناه في الواقع أي في نفس الأمر وإن لم يستلزم نفس المفعول المطلق نفس الظرف في الاصطلاح. قوله: "لا بواسطة حرف ملفوظ" أي ولا مقدر بل بواسطة نزع الخافض، والتقييد بالملفوظ ليفهم من مقابلته بالمفعول معه أن الفعل يتعدى إلى المفعول معه بواسطة حرف ملفوظ. إذ لو أسقط القيد لصدق قوله بخلافه بأن الفعل يتعدى إلى المفعول معه بواسطة حرف ملفوظ. قوله:"بخلافه" فإنه يصل إليه العامل بواسطة الواو. قوله: "وقت" أي ولو متخيلا كما في أمس قبل اليوم فإن التقدير أمس في الزمان قبل اليوم. ومعلوم أن الزمان ليس في زمان فكون أمس في زمان مجرد تخيل، وكما في الله قبل العالم،

444- عجزه:

ومن تكونوا ناصريه ينتصر

والرجز بلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 229؛ وشرح التصريح 1/ 336؛ وشرح عمدة الحافظ ص399؛ والمقاصد النحوية 3/ 70.

445-

الرجز بلا نسبة في الدرر 3/ 79؛ وشرح التصريح 1/ 336؛ وشرح ابن عقيل ص294؛ وشرح عمدة الحافظ ص398؛ والمقاصد النحوية 3/ 67؛ وهمع الهوامع 1/ 195.

ص: 183

المفعول فيه وهو المسمى ظرفًا:

الظرف وقت أو مكان ضمنا

في باطراد كهنا امكث أزمنا

ــ

كان أو مجرورًا كزهدًا ذا قنع ولزهد ذا قنع.

خاتمة: إذا دخلت أل على المفعول له أو أضيف إلى معرفة تعرف بأل أو بالإضافة خلافا للرياشي والجرمي والمبرد في قولهم إنه لا يكون إلا نكرة، وإن أل فيه زائدة وإضافته غير محضة.

المفعول فيه وهو المسمى ظرفًا:

وتقديمه على المفعول معه لقربه من المفعول المطلق بكونه مستلزمًا له في الواقع؛ إذ لا يخلو الحدث عن زمان ومكان، ولأن العامل يصل إليه بنفسه لا بواسطة حرف ملفوظ بخلافه "الظرف" لغة الوعاء واصطلاحًا "وقت أو مكان" أي اسم وقت أو اسم مكان "ضمنا" معنى "في" دون لفظها "بإطراد كهنا امكث أزمنًا" فهنا اسم مكان، وأزمنا اسم زمان، وهما مضمنان معنى في لأنهما مذكوران للواقع فيهما وهو المكث. والاحتراز بقيد ضمنًا في من نحو:{يَخَافُونَ يَوْمًا} [النور: 37] ونحو: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ}

ــ

فإن من العالم الزمان فوجود الله تعالى في زمان قبل العالم الذي منه الزمان مجرد تخيل فتأمل.

قوله: "أي اسم وقت أو اسم مكان" قدر ذلك لأن المفعول فيه من صفات الألفاظ والمراد لفظ يدل على أحدهما ولو بالتأويل فيدخل ما عرضت دلالته على أحدهما أو جرى مجراه. فالأول نحو سرت عشرين يوما ثلاثين فرسخا. والثاني نحو أحقا أنك ذاهب كما في التوضيح. ودخل في التعريف ما استعمل تارة زمانا وتارة مكانا نحو أي وكل فإنهما بحسب ما يضافان إليه لأن المعنى أن الظرف لا يخرج عنهما لا أنه إما للزمان دائما وإما للمكان دائما قاله يس. وخرج ما ضمن معنى في باطراد وليس واحدا منهما نحو: {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} [النساء: 127]، أي في أن تنكحوهن على أحد التقديرين فإن النكاح ليس اسم زمان ولا مكان أفاده الشيخ خالد. قال البهوتي وأقره الإسقاطي وشيخنا والبعض. وقد يقال حيث ضمن هذا معنى في باطراد ينبغي أن يجعل ظرفا لأنه مكان اعتباري وأنا أقول: معنى كونه باطراد كما قاله شيخنا والبعض وغيرهما وسيأتي: أن يتعدى إليه سائر الأفعال والاطراد في نحو: {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} [النساء: 127]، ليس بهذا المعنى وحينئذٍ يكون خارجا بقيد الاطراد بمعناه المذكور فلا يتم كلام الشيخ خالد ولا كلام البهوتي. فتدبر. قوله:"ضمنا معنى في" هو الظرفية ومعنى تضمنه معناها إشارته إليه لكونه في قوة تقديرها وإن لم يصح التصريح بها في الظروف التي لا تتصرف كعند. قوله: "باطراد" بأن يتعدى إليه سائر الأفعال وأورد عليه أنه مخرج لأسماء المقادير فإنها إنما ينصبها أفعال السير، وما صيغ من الفعل فإنه إنما ينصبه ما اجتمع معه في مادته كما يأتي. وأجيب بأنهما مستثنيان من شرط الاطراد بدليل ما سيأتي.

قوله: "لأنهما مذكوران للواقع" أي حالة كونهما ظرفين للواقع فيهما. قوله: "من نحو

ص: 184

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[الأنعام: 124] ، فإنهما ليسا على معنى في، فانتصابهما على المفعول به وناصب حيث يعلم محذوفًا لأن اسم التفضيل لا ينصب المفعول به إجماعًا، وبمعنى في دون لفظها من نحو سرت في يوم الجمعة، وجلست في مكانك فإنه لا يسمى ظرفًا في الاصطلاح على الأرجح، وباطراد إذ من نحو دخلت البيت وسكنت الدار مما انتصب بالواقع فيه، هو اسم مكان مختص فإنه غير ظرف إذ لا يطرد نصبه مع سائر الأفعال، فلا يقال نمت البيت ولا قرأت الدار، فانتصابه على المفعول به بعد التوسع بإسقاط الخافض، هذا مذهب الفارسي والناظم، ونسبه لسيبويه، وقيل: منصوب على المفعول به حقيقة، وأن نحو دخل متعد بنفسه وهو مذهب الأخفش وقيل: على الظرفية تشبيهًا له بالمبهم، ونسبه الشلوبين

ــ

يخافون يوما" إذ المراد أنهم يخافون نفس اليوم لا أن الخوف واقع فيه. قوله: "ونحو الله أعلم إلخ" إذ المراد أنه تعالى يعلم المكان المستحق لوضع الرسالة فيه لا أن العلم واقع فيه. قوله: "فانتصابهما على المفعول به" أورد عليه أن في جعل حيث مفعولا به ضربا من التصرف. وفي التسهيل أن تصرفها نادر وحينئذٍ فلا ينبغي حمل التنزيل عليه، ولذا قال الدماميني: لو قيل إن المعنى يعلم الفضل الذي هو في محل الرسالة لم يبعد ولم يكن فيه إخراج حيث عن الظرفية. قوله: "وناصب حيث" أي محلا. قوله: "لا ينصب المفعول به" لا يقال ما لا يعمل لا يفسر عاملا لأنا نقول ذاك خاص بباب الاشتغال كما مر. قوله: "إجماعا" نوقش بوجود القول بعمل اسم التفضيل في المفعول به. فقد قال المصرح قال الموضح في الحواشي. قال محمد بن مسعود في كتابه البديع: غلط من قال إن اسم التفضيل لا يعمل في المفعول به لورود السماع بذلك كقوله تعالى: {هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا} [الإسراء: 84] ، وليس تمييزا لأنه ليس فاعلا كما هو في زيد أحسن وجها، وقول العباس بن مرداس:

واضرب منا بالسيوف القوانسا

ا. هـ. وقال أبو حيان في الارتشاف: قال الدماميني بن مسعود أفعل التفضيل ينصب المفعول به قال الله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ} [النجم: 30] . ا. هـ. وأجيب بأنه لم يلتفت إليه لشدة ضعفه وفيه نظر.

قوله: "من نحو سرت في يوم الجمعة" فإن هذا التركيب مضمن لفظ في بمعنى أنه مشتمل على لفظها ومصرح بلفظها فيه هذا هو المتبادر من تضمن لفظها وعليه جرى الشارح الأشموني فردّ على ابن الناظم كما سيأتي إيضاحه. قوله: "فلا يقال نمت البيت" قال ابن قاسم كما لا يقال ذلك لا يقال نمت فرسخا ولا قرأت مكانا فما الفرق. ا. هـ. ويظهر لي في الفرق أن الأفعال الداخلة على نحو الفرسخ والمكان كثيرة فنزل كثرتها منزلة الاطراد بخلاف الأفعال الداخلة على نحو البيت والمسجد فإنها قليلة دخل وسكن ونزل كما قاله الرضي. قوله: "بعد التوسع إلخ" أي فهو مفعول به مجازا كما في تمرون الديار. قوله: "وإن نحو دخل متعدّ

ص: 185

فانصبه بالواقع فيه مظهرا

كان وإلا فانوه مقدرا

ــ

إلى الجمهور وعلى هذين لا يحتاج إلى قيد باطراد، وعلى الأول يحتاج إليه خلافًا للشارح.

تنبيهان: الأول تضمن الاسم معنى الحرف على نوعين: الأول يقتضي البناء وهو أن يخلف الاسم الحرف على معناه ويطرح غير منظور إليه كما سبق في تضمن متى معنى الهمزة وإن الشرطية، والثاني لا يقتضي البناء هو أن يكون الحرف منظورًا إليه لكون الأصل في الوضع ظهوره، وهذا الباب من هذا الثاني. الثاني الألف في ضمنا يجوز أن تكون للإطلاق وأن تكون ضمير التثنية، بناء على أن أو على بابها وهو الأظهر، أو بمعنى الواو وهو الأحسن لأن كل واحد منهما ظرف لا أحدهما. ا. هـ. "فانصبه بالواقع فيه" من

ــ

بنفسه" أي يتعدى بنفسه من غير توسع بإسقاط الجار لأنه يتعدى كذلك مرة وبالحرف أخرى وكثرة الأمرين فيه تدل على أصالتهما. قوله: "وعلى هذين لا يحتاج إلى قيد باطراد" بل لا يصح على رأي الشلوبين لأنه داخل في الظرف حقيقة غاية الأمر أنه من المبهم تنزيلا وإنما لم يحتج إليه على رأي الأخفش لخروج نحو دخلت البيت بقولنا ضمن معنى في. قوله: "وعلى الأول" أي كونه مفعولا به بعد التوسع يحتاج إليه لأنه مع كونه غير ظرف مضمن معنى في بمعنى أنه مشير إلى معنى في لكونه في قوة تقديرها كما مر خلافا للشارح ابن الناظم في دعواه عدم الاحتياج إليه على الأول أيضا لخروجه بقوله ضمنا معنى في لأنه عليه مضمن لفظ في بناء منه على أن المراد بالتضمن اللفظي ما هو أعم من أن يكون لفظها في التركيب أو ملاحظا فيه بأن كان موجودا ثم حذف، وقد علمت أن المتبادر من التضمن اللفظي كون التركيب مشتملا على لفظها كما درج عليه الشارح الأشموني فقيد باطراد محتاج إليه على القول الأول، فرد البعض تبعا لغيره على الشارح وجعله الحق مع ابن الناظم ناشئ عن عدم التدبر.

قوله: "أن يخلف الاسم الحرف على معناه" أي حالة كونه دالا على معناه بأن يصير الاسم مؤديا معنى الحرف بجوهره وقوله غير منظور إليه أي غير ملاحظ في نظم الكلام. قوله: "وهو أن يكون الحرف منظورا إليه" أي ملاحظا في نظم الكلام أي فلم يؤد الاسم معنى الحرف بل يشير إليه فقط، ومعناه باق فيه يؤديه هو محذوفه. قوله:"بناء على أن او على بابها إلخ" فيه لف ونشر مرتب. وفيه أن أو إذا كانت على بابها فهي للتنويع لا للشك فيجب فيها المطابقة فالألف للتثنية مطلقا. قوله: "وهو الأظهر" أي المتبادر إلى الذهن لأن الأصل بقاء أو على حالها. قوله: "بالواقع فيه" أي في جميعه إن استغرقه الواقع فيه أو في بعضه إن لم يستغرقه فالأول نحو صمت يوم الجمعة والثاني نحو صمت رمضان. وفي عبارة المصنف تسمح وسينبه عليه الشارح.

فائدة: قال الدماميني: الزمان أربعة أقسام: مختص معدود كرمضان والمحرم والصيف والشتاء فيقع جوابا لكم ولمتى، ولا معدود ولا مختص فلا يقع جوابا لواحد منها كحين ووقت، ومعدود

ص: 186

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فعل وشبهه "مظهرا كان" الواقع فيه نحو جلست يوم الجمعة أمامك، وأنا سائر غدًا خلف الركب "وإلا" أي وإن لم يكن ظاهرًا بل كان محذوفًا من اللفظ جوازًا أو وجوبًا "فانوه مقدرًا" فالجواز نحو يوم الجمعة لمن قال: متى قدمت وفرسخين لمن قال: كم سرت؛

ــ

غير مختص فيقع جوابا لكم فقط نحو يمين وثلاثة أيام وأسبوع وشهر وحول، ومختص غير معدود فيقع جوابا ولمتى فقط نحو يوم الخميس وشهر المضاف إلى أحد أسماء الشهور كشهر رمضان وشهر ربيع الأول، فالذي يصلح جوابا لكم فقط أولها لمتى معرفة كان أو نكرة يستغرقه الحدث الذي تضمنه ناصبه إن لم يكن الحدث مختصا ببعض أجزاء ذلك الزمان فإذا قيل كم سرت فقلت شهرا وجب أن يقع السير في جميع الشهر ليله ونهاره. إلا أن يقصد المبالغة والتجوز، وكذا إذا قلت في جوابه المحرم مثلا فإن كان حدث الناصب مختصا ببعض جزاء الزمان استغرق جميع ذلك البعض كما إذا قلت شهرا في جواب كم صمت أو كم سريت، فالأول يعم جميع أيامه دون لياليه، والثاني بالعكس وكذا الأبد والدهر والليل والنهار مقرونة بأل. وأما أبدا فلاستغراق ما يستقبل لا لاستغراق جميع الأزمنة، تقول صام زيد الأبد فيشمل كل زمن من أزمنة عمره القابلة، للصوم إلى حين وفاته، ولا تقول صام أبدا وتقول لأصومنّ أبدا وما سوى ذلك جائز فيه التعميم والتبعيض كاليوم والليل وأسماء أيام الأسبوع وأسماء الشهور مضافا إليها لفظ شهر كشهر رمضان، بخلاف صورة عدم إضافته إليها كما مر ووجه ذلك كما قاله الصفار أن أسماء الشهور كالمحرم وصفر من المعدود فكل منها اسم للثلاثين يوما، فمعنى سرت المحرم سرت ثلاثين يوما فيصلح جوابا لكم، وكذا لفظ شهر بدون إضافته إلى اسم شهر من الشهور. وأما شهر المحرم فمعناه وقت المحرم فخرج لفظ شهر بإضافته عن كونه معدودا اسما لثلاثين يوما لأن الشيء لا يضاف إلى نفسه وصار شهر المحرم بمنزلة يوم الجمعة ولم يخالف في ذلك إلا الزجاج فذهب إلى أن المحرم كشهر المحرم فجوز كون الحدث في جميعه وفي بعضه ومقتضى ما ذكر جواز إضافة لفظ شهر إلى جميع أسماء الشهور وهو قول أكثر النحويين. وقيل يختص ذلك بربيع الأول وربيع الثاني ورمضان. ا. هـ. باختصار وفي الهمع أن ما صلح جوابا لكم أو متى يكون الفعل في جميعه تعميما أو تقسيطا فإذا قلت سرت يومين فالسير واقع في كل منهما من أوله إلى آخره وقد يكون في بعض كل ولا يجوز أن يكون في أحدهما فقط، وكذا يحتمل الأمرين قولك سرت المحرم. ثم نقل عن ابن السراج أنه أنكر ورود جواب كم معرفة.

قوله: "من فعل وشبهه" من مصدر أو صفة ولو تأويلا نحو أنا زيد عند الشدائد وأنا عمرو عند القتال، فعند منصوب بزيد ويوم منصوب بعمرو لأنهما في تأويل المشهور أو المعروف قاله أبو حيان. قوله:"مظهرا كان" أي إن كان مظهرا فحذف الشرط لدلالة المقابلة والجواب لدلالة قوله فانصبه عليه. ويحتمل إن كان زائدة ومظهرا حال والأول أنسب بقوله وإلا إلخ. قوله: "مقدرا" حال مؤكدة. قوله: "نحو يوم الجمعة لمن قال متى إلخ" الفرق بين متى وكم أن متى يطلب بها تعيين الزمان خاصة وكم يطلب بها تعيين المعدود زمانا أو مكانا أو غيرهما فهي

ص: 187

وكل وقت قابل ذاك وما

يقبله المكان إلا مبهما

ــ

والوجوب فيما إذا وقع خبرًا نحو زيدًا عندك، أو صلة نحو رأيت الذي معك، أو حالًا نحو رأيت الهلال بين السحاب، أو صفة نحو رأيت طائرًا فوق غصن، أو مشتغلًا عنه نحو يوم الجمعة سرت فيه، أو مسموعًا بالحذف لا غير كقولهم حينئذ الآن: أي كان ذلك حينئذ واسمع الآن.

تنبهان: الأول العامل المقدر في هذه المواضع سوى الصلة استقر أو مستقر، وأما الصلة فيتعين فيها تقدير استقر لأن الصلة لا تكون إلا جملة كما عرفت. الثاني الضمير في فانصبه للظرف وهو اسم الزمان أو المكان وفي فيه لمدلوله وهو نفس الزمان أو المكان. وأراد بالواقع دليله من فعل وشبهه لأن الواقع هو نفس الحدث وليس هو الناصب. والأصل فانصبه بدليل الواقع في مدلوله فتوسع بحذف المضاف من الأول والثاني لوضوح المقام. ا. هـ. "وكل" اسم "وقت قابل ذاك" والنصب على الظرفية: مبهمًا كان أو مختصًّا، والمراد

ــ

أعم منها وقوعا. قوله: "فيما إذا وقع خبرا إلخ" قال في التصريح لا يقع الظرف المقطوع عن الإضافة المبني على الضم صفة ولا صلة ولا حالا ولا خبرا. لا يقال مررت برجل أمام، ولا جاء الذي أمام، ولا رأيت الهلال أمام، ولا زيد أمام، لئلا يجتمع عليها ثلاثة أشياء: القطع والبناء والوقوع موقع شيء آخر. ا. هـ. يس محل المنع إذا لم يعلم المضاف إليه لعدم الفائدة حينئذٍ.

قوله: "نحو يوم الجمعة سرت فيه" لم يقل سرته لأن ضمير الظرف لا ينصب على الظرفية بل يجب جره بفي قاله المصرح. وسيأتي عن الشاطبي أنه قد ينصب على التوسع. قوله: "كقولهم حينئذٍ الآن" هذا مثل يذكر لمن ذكر أمرا تقادم عهده أي كان ما تقوله واقعا حين إذا كان كذا واسمع الآن ما أقول لك فهما من جملتين والمقصود نهي المتكلم عن ذكر ما يقوله وأمره بسماع ما يقال له. قوله: "الثاني الضمير إلخ" أشار به إلى أن الكلام على حذف مضافين كما سيصرح به الشارح آخرا لا إلى أن فيه استخداما كما زعمه البعض اغترارا بظاهر أول عبارة الشارح وغفلة عن آخر كلامه. نعم كلام المتن في حد ذاته محتمل له بأن يكون أعاد الضمير أولا على الظرف بمعنى اللفظ وثانيا على الظرف بمعنى مدلول اللفظ. قوله: "وفي فيه لمدلوله" أي للظرف بتقدير مدلوله ليوافق صريح آخر عبارته. قوله: "وأراد بالواقع دليله" يوهم أن المجاز لغوي لا بحذف المضاف فينافي ما بعد، إلا أن يقال المعنى أراد بقوله الواقع إلخ. قوله:"وكل اسم وقت" أي اسم ظاهر فلا يرد أنه يصدق على ضمير الظرف مع أنه لا ينصب على الظرفية بل على التوسع كما قاله الشاطبي وشمل كلامه على ما صيغ على مفعل مرادا به الزمان من فعله الناصب له نحو قعدت مقعد زيد مرادا به زمان العقود فإنه ينصب ظرف زمان كما ينصب ظرف مكان إذا أريد به المكان.

قوله: "تقول سرت حينا ومدة" فحينا ومدة تأكيد معنوي لزمن الفعل لأنه لا يزيد على ما دل عليه الفعل ومثله: {أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا} [الإسراء: 1] ؛ لأن الإسراء لا يكون إلا ليلا فالظرف

ص: 188

نحو الجهات والمقادير وما

صنع من الفعل كمرمى من رمى

ــ

بالمبهم ما دل على زمن غير مقدر كحين ومدة ووقت، تقول: سرت حينًا ومدة ووقتًا. وبالمختص ما دل على مقدر معلومًا كان وهو المعروف بالعلمية كصمت رمضان واعتكفت يوم الجمعة، أو بأل كسرت اليوم وأقمت العام، أو بالإضافة كجئت زمن الشتاء ويوم قدوم زيد، أو غير معلوم هو النكرة نحو سرت يومًا أو يومين أو أسبوعًا أو وقتًا طويلًا "وما يقبله المكان إلا" في حالتين: الأولى أن يكون "مبهمًا" لا مختصًّا والمراد هنا بالمختص ما له صورة وحدود محصورة: نحو الدار والمسجد والبلد. وبالمبهم ما ليس كذلك "نحو الجهات" الست وهي أمام، ووراء، ويمين، وشمال، وفوق، وتحت، وما أشبهها في الشياع كناحية ومكان وجانب "و" نحو "المقادير" كفرسخ وبريد وغلوة، تقول: جلست أمامك،

ــ

يكون مؤكدا كالمفعول المطلق إلا أن تأكيد الظرف لزمن عامله وتأكيد المفعول المطلق لحدث عامله. قوله: "ما دل على مقدر" منه المعدود كسرت يومين كما سيذكره الشارح. قوله: "واعتكفت يوم الجمعة" يقتضي أن العلم مجموع يوم الجمعة والذي في كلام غيره أن العلم الجمعة فالإضافة من إضافة المسمى إلى الاسم. قوله: "أو بالإضافة" ولم تضف العرب لفظ شهر إلا إلى رمضان والربيعين مع جواز ترك الإضافة أيضا معها. والراجح جواز الإضافة إلى غير الثلاثة قياسا عليها. قوله: "أو وقتا طويلا" فيه أنه جعل المختص ما دل على مقدر وهذا ليس كذلك فينبغي جعله من المبهم. قوله: "وما يقبله المكان إلا مبهما" وجه ابن الحاجب في أماليه عدم نصب المختص من الأمكنة على الظرفية كما انتصب المبهم منه وظرف الزمان مطلقا بأمور: منها أنه لو فعل ذلك فيه لأدى إلى الإلباس بالمفعول به كثيرا، ألا ترى أنك تقول اشتريت يوم الجمعة وبعت يوم الجمعة وما أشبه ذلك ولا يلبس، ولو استعملت الدار ونحوها هذا الاستعمال لالتبس بالمفعول به. ومنها أن ظرف الزمان المبهم والمختص كثير في الاستعمال فحسن فيه الحذف للكثرة وظرف المكان إنما كثر منه في الاستعمال المبهم دون المختص فأجرى المبهم لكثرته مجرى ظرف الزمان وبقي ما لم يكثر في الاستعمال على أصله.

قوله: "هنا" أي في ظرف المكان بخلافه في ظرف الزمان كما مرّ. قوله: "ما له صورة" أي هيئة وشكل يدرك بالحس الظاهر، وحدود أي نهايات من جهاته محصورة أي مضبوطة. قوله:"نحو الجهات الست" أي أسمائها وإنما كانت مبهمة لعدم لزومها مسمى بمخصوصه لأنها أمور اعتبارية أي باعتبار الكائن في المكان، فقد يكون خلفك أماما لغيرك وقد تتحوّل فينعكس الأمر لأنه ليس لها أمد معلوم فخلفك مثلا اسم لما وراء ظهرك إلى آخر الدنيا كذا في التصريح. قوله:"وما أشبهها في الشياع كناحية إلخ" ما مبتدأ وكناحية خبر والجملة مستأنفة لبيان نحو الجهات وما أفاده كلامه من صحة نصب ناحية ومكان وجانب ونحوها كجهة ووجه هو ما يفيده كلام الهمع ونقل الحفيد عن الرضي أنه قال يستثنى من المبهم جانب وما بمعناه من جهة ووجه وكنف وخارج الدار وداخلها وجوف البيت فلا ينتصب شيء منها على الظرفية بل يجب التصريح معه بالحرف. ا. هـ. قال الحفيد ومنه ظاهر وباطن ولذا يلحن من يقول ظاهر باب الفتوح. ا. هـ. والذي في

ص: 189

وشرط كون ذا مقيسًا أن يقع

ظرفًا لما في أصله معه اجتمع

ــ

وناحية المسجد وسرت فرسخًا "و" الثانية "ما صيغ من" مادة "الفعل" العامل فيه "كمرمى من" مادة "رمى" تقول: رميت مرمى زيد، وذهبت مذهب عمرو، وقعدت مقعد بكر، ومنه:{وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ} [الجن: 9] ، "وشرط كون ذا" المصوغ من مادة الفعل "مقيسًا أن يقع ظرفًا لما في أصله معه اجتمع" أي لما اجتمع معه في أصل مادته

ــ

الدماميني نقلا عن المصنف عدم صحة نصب نحو داخل وخارج وظاهر وباطن وجوف، قال لأن فيها اختصاصا ما إذ لا تصلح لكل بقعة. ا. هـ. وهو يؤيد كلام الشارح فتدبر. قوله:"ونحو المقادير" جعلها من المبهم أحد مذاهب للنحاة والثاني أنها من المختص لأن الميل مثلا مقدار معلوم من المسافة وكذا الباقي، والثالث وصححه أبو حيان أنها شبيهة بالمبهم من حيث إنها ليست شيئا معينا في الواقع فإن الميل مثلا يختلف ابتداؤه وانتهاؤه وجهته بالاعتبار فهي مبهمة حكما ويحتمل أن المصنف جرى على هذا وأراد بالمبهم ما يشمل المبهم حكما وسيذكر الشارح هذه المذاهب الثلاثة على ما في بعض النسخ. وظاهر إعادة الشارح لفظ نحو قبل المقادير أن لها نحوا غير الجهات وما أشبهها وما صيغ من الفعل العامل فيه فلينظر ما هو، وكلام المصنف يكفي في صدقه وجود نحو بعض الأشياء التي ذكرها.

قوله: "كفرسخ إلخ" الفرسخ ثلاثة أميال، والبريد أربعة فراسخ، والغلوة بفتح الغين المعجمة مائة باع، والميل قدر مد البصر وهو عشر غلوات فهو ألف باع نقله شيخنا عن الشارح. وفسر جماعة الغلوة بمقدار رمية السهم. قوله:"والثانية ما صيغ" أي أن يكون اسم المكان ظرفا صيغ فتناسب الحالتان، وجرى الشارح في حل النظم على خلاف ما يتبادر منه من كون ما صيغ معطوفا على الجهات فيكون من المبهم لأن الظاهر من كلامه في شرح الكافية ونص عليه غيره أنه من المختص كما سيأتي، وعليه فما صيغ معطوف على مبهما والتقدير إلا في حال كونه مبهما أو مصوغا من الفعل. قوله:"من مادة الفعل" أي حروفه قال سم مما يدل على أن المراد من مادة الفعل لا من نفسه قوله الآتي لما في أصله معه اجتمع. ا. هـ. وإنما قدر لفظ مادة دون مصدر كما قدره غيره ليجرى على القولين فيما اشتق منه غير الفعل والمصدر هل هو الفعل أو المصدر. قوله: "الفعل العامل فيه" جعل الشارح أل في الفعل للعهد والمعهود الفعل العامل فيه ويلزم على ذلك ضياع الشرط الذي ذكره المصنف بعد، إذ يلزم من صوغه من مادة الفعل العامل فيه اجتماعه معه في المادة ثم الفعل ليس بقيد إذ العامل فيه قد يكون وصفا نحو أنا جالس مجلس زيد أو مصدرا نحو أعجبني جلوسك مجلس زيد. قوله:"تقول رميت إلخ" قال شيخنا البعض عدد الأمثلة إشارة إلى أنه لا فرق في المصوغ المذكور بين الصحيح والمعتل والمفرد والجمع وهو لا ينهض حكمة لتعداده مثال المفرد الصحيح.

قوله: "ظرفا" هذا زائد على المقصود اشتراطه وهو الاجتماع في المادة. وإنما أتى به ليعلق به قوله لما في أصله إلخ وإنما كان زائدا لأن الظرفية مفهومة من اسم الإشارة الراجع إلى ما صيغ الواقع على الظرف المصوغ بقرينة المقام، وبهذا يعلم ما في كلام البعض. قوله: "في أصل

ص: 190

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

كما مثل. وأما قولهم: هو مني مزجر الكلب ومناط الثريا، وعمرو مني مقعد القابلة ومعقد الإزار ونحوه فشاذ؛ إذ التقدير هو مني مستقر في مزجر الكلب فعامله الاستقرار، وليس مما اجتمع معه في أصله، ولو أعمل في المزجر زجر وفي المناط ناط وفي المقعد قعد لم يكن شاذًّا.

تنبيهان: الأول ظاهر كلامه أن هذا النوع من قبيل المبهم، وظاهر كلامه في شرح الكافية أنه من المختص وهو ما نص عليه غيره. وأما النوع الذي قبله فظاهر كلام الفارسي أنه من المبهم كما هو ظاهر كلام النظام وصححه بعضهم. وقال الشلوبين: ليس داخلًا تحت المبهم وصحح بعضهم أنه شبيه بالمبهم لا مبهم. الثاني إنما استأثرت أسماء الزمان

ــ

مادته" الإضافة للبيان فالأصل في المتن بمعنى المادة لا المصدر حتى يرد عليه نحو سرني جلوسك مجلس زيد لأنه ظرف لأصله لا لما اجتمع معه في أصله وإنما لم يكتف في نصب هذا النوع على الظرفية بالتوافق المعنوي كما اكتفى به في المفعول المطلق نحو قعدت جلوسا لكون نصبه على الظرفية مخالفا للقياس لكونه مختصا فلم يتجاوز به السماع بخلاف نحو قعدت جلوسا. قاله في المغني. قوله: "هو مني مزجر الكلب ومناط الثريا" جعل الدماميني من متعلقه بمضاف محذوف تقديره في هذين المثالين بعده مني وفي المثالين الآتيين قربه مني، وهو لا يناسب ما هو فرض الكلام من كون مزجر وأخواته ظرفا والمناسب له ما في التصريح من أن من والظرف متعلقان باستقرار محذوف خبر عن هو أي هو مستقر مني في مزجر الكلب ومناط الثريا أي في مكان بعيد كبعد مزجر الكلب من زاجره وكبعد مناط الثريا أي مكان نوطها وتعلقها من الشخص، والأول ذم والثني مدح كما قاله الدماميني. قوله: "وعمرو مني مقعد القابلة ومعقد الإزار" أي في مكان قريب كقرب مكان القابلة أي المولدة من المولودة، وكقرب محل عقد الإزار من عاقده. قوله: "ولو أعمل إلخ" أي بأن قدر بعد المجرور زجر بالبناء للمفعول وناط وقعد، ويظهر على هذا أن من بمعنى إلى وأن خبر هو الفعل المقدر أي هوبالنسبة إلى زجر مزجر الكلب وناط مناط الثريا إلخ، بل جعل من بمعنى إلى محتاج إليه على غير هذا الاحتمال أيضا فيما يظهر وأما قول المصرح المعنى على هذا هو مستقر مني قعد مقعد القابلة وزجر إلخ فلا يظهر فتأمل.

قوله: "ظاهر كلامه أن هذا النوع من قبيل المبهم" لأن المتبادر أن ما صيغ من الفعل معطوف على الجهات فيكون من أنواع المبهم وقد يوجه ظاهر النظم بأنه أراد بالمبهم ما يشمل المبهم حكما كما مر وهذا منه لأن مجلس زيد مثلا وإن تعين بالإضافة فهو مبهم من جهة اختلافه بالاعتبار وعدم كونه محدودا أفاده سم. قال شيخنا والذي في غالب النسخ: تنبيه إنما استأثرت إلخ وإسقاط التنبيه الأول. قوله: "النوع الذي قبله" وهو المقادير. قوله: "ليس داخلا تحت المبهم" أي لاختصاصه بقدر معلوم. قوله: "إنه شبيه بالمبهم" أي من حيث إنه ليس

ص: 191

وما يرى ظرفًا وغير ظرف

فذاك ذو تصرف في العرف

ــ

بصلاحية المبهم منها والمختص للظرفية عن أسماء المكان لأن أصل العوامل الفعل ودلالته على الزمان أقوى من دلالته على المكان؛ لأنه يدل على الزمان بصيغته، وبالالتزام، ويدل على المكان بالالتزام فقط، فلم يتعد إلى كل أسمائه بل يتعدى إلى المبهم منها لأن في الفعل دلالة عليه في الجملة، وإلى المختص الذي صيغ من مادة العامل لقوة الدلالة عليه حينئذ. ا. هـ. "وما يرى" من أسماء الزمان أو المكان "ظرفًا" تارة "وغير ظرف" أخرى "فذاك ذو تصرف في العرف" النحوي كيوم ومكان تقول: سرت يوم الجمعة، وجلست

ــ

شيئا معينا في الواقع فإن الميل مثلا يختلف ابتداؤه وانتهاؤه وجهته بالاعتبار فهي مبهمة حكما ويحتمل أن المصنف جرى على هذا وأراد بالمبهم ما يشمل حكما كما مر، ولاحتمال كلام المصنف هذا قال الشارح فيما تقدم كما هو ظاهر كلام الناظم ولم يقل كما هو صريح كلام الناظم. قوله:"بصيغته" أي بهيئته الموضوعة له مطابقة. وقوله وبالالتزام أي لأنه يدل على الحدث بمادته الموضوعة له مطابقة والحديث يستلزم الزمان فقد دل على الزمان ثانيا بواسطة دلالته على الحدث بخلاف المكان فإنه يدل عليه التزاما بواسطة دلالته على الحدث فقط.

قوله: "فلم يتعدّ" أي بنفسه. قوله: "في الجملة" أي من بعض الوجوه وهو الالتزام لأنه لا بد لحدث الفعل من مكان ما. قوله: "وإلى المختص" هذا جرى منه على ما جرى عليه أولا في حل النظم من أن ما صيغ من الفعل من المختص كما سلف.

قوله: "لقوة الدلالة عليه حينئذٍ" لدلالة الفعل بالالتزام على مكان حدثه والظرف المصوغ من مادة الفعل يدل على مكان حدث الفعل فقويت دلالة الفعل على مدلول الظرف بدلالة الظرف عليه ثانيا. قوله: "حينئذٍ" أي حين إذ صيغ من مادة العامل. قوله: "وغير ظرف" أي مما لا يشبه الظرف بدليل قوله وغير ذي التصرف إلخ. قوله: "فذاك ذو تصرف" أي ظرف ذو تصرف أي يسمى بذلك حالة كونه ظرفا لا مطلقا بدليل ما سبق، وكذا يقال فيما بعد. واعلم أن من المتصرف ما هو كثير التصرف كيوم وشهر ويمين وشمال وذات اليمين وذات الشمال وما هو متوسطه كغير الأربعة الأخيرة وغير فوق وتحت من أسماء الجهات بخلاف فوق وتحت فلا يستعملان غير ظرفين أصلا كما في التسهيل. قال الدماميني وأجاز بعض النحويين فيهما فتصرف في نحو فوقك رأسك وتحتك رجلاك برفعهما بخلاف ما فوق الرأس نحو فوقك قلنسوتك وما تحت الرجل نحو تحتك نعلاك تفرقة بينهما. والذي حكاه الأخفش عن العرب في فوقك رأسك وتحتك رجلاك هو النصب، لكن وقع لبعض رواة البخاري وفوقه عرش الرحمن برفع فوق، ويتوقد تحته نارا برفع تحت وإنما يخرّجان على التصرف فتأمله. ا. هـ. ببعض اختصار. وبين مجردة من التركيب وما والألف وما هو نادره كالآن وحيث ودون لا بمعنى رديء ووسط بسكون السين، فتصرف الأول كقوله عليه الصلاة والسلام حين سمع وجبة أي سقطة:"هذا حجر رمي به في النار منذ سبعين خريفا فهو يهوي في النار الآن حين انتهى" فالآن مبتدأ خبره حين انتهى، وتصرف الثاني كقول الشاعر:

ص: 192

وغير ذي التصرف الذي لزم

ظرفية أو شبهها من الكلم

ــ

مكانك، فهما ظرفان. وتقول: اليوم مبارك ومكانك طاهر، وأعجبني اليوم ومكانك، وشهدت يوم الجمل، وأحببت مكان زيد، فهما في ذلك غير ظرفين لوقوع كل منهما في الأول مبتدأ وفي الثاني فاعلًا، وفي الثالث مفعولًا به، وكذا ما أشبهها "وغير ذي التصرف" منهما هو "الذي لزم ظرفية أو شبهها من الكلم" أي غير المتصرف وهو الملازم للظرفية على نوعين: ما لا يخرج عنها أصلًا كقط وعوض، تقول: ما فعلته قط ولا أفعله عوض وما يخرج

ــ

لدى حيث ألقت رحلها أم قشعم

وتصرف الثالث كقوله:

ألم تريا أني حميت حقيبتي

وباشرت حد الموت والموت دونُها

برفع دون، وتصرف الرابع كقوله:

وَسْطُهُ كَالْيَرَاعِ أَوْ سُرُجِ الْمَجْـ

ـدَلِ طَوْرًا يَحْبُوْ وَطَوْرًا يُنِيرُ

برفع وسط على الابتداء، ويروى بالنصب على الظرفية خبرا مقدما والكاف مبتدأ أما وسط بتحريك السين فظرف كثير التصرف ولهذا إذا صرح بفي فتحت السين كما نقله الصفار عن العرب، وقال الفراء إذا حسنت في موضعه بين كان ظرفا نحو قعدت وسط القوم وإن لم تحسن كان اسما نحو احتجم وسط رأسه ويجوز في كل منهما التسكين والتحريك، لكن السكون أحسن في الظرف، والتحريك أحسن في الاسم. وقال ثعلب يقال وسط بالسكون في متفرق الأجزاء نحو وسط القوم ووسط بالتحريك في غير متفرقها نحو وسط الرأي وقال جماعة الساكن ظرف والمتحرك اسم لا ظرف تقول جلست وسط الدار أي في داخلها وضربت وسطه أي منتصفه كذا في الهمع والدماميني. قوله:"في الأول" أي المقول الأول المشتمل على مثالي الزمان والمكان، وكذا يقال فيما بعد قاله سم. قوله:"وكذا ما أشبهها" أي الأمثلة السابقة وفي نسخ بضمير التثنية أي اليوم والمكان. قوله: "أي شبهها" معطوف على محذوف كما سيشير إليه الشارح أي أو لزم ظرفية أو شبهها، ولا يجوز عطفه على ظرفية في النظم لاقتضائه أن بعض الظروف يلزم شبه الظرفية إن جعلت أن تنويعية أو أن غير المتصرف هو ما يلزم أحد الأمرين الدائر فلا يكون فيه تعرض لما يلزم الظرفية بعينها إن جعلت أو للأحد الدائر واللزوم منصبا على الأحد الدائر. قوله:"وهو الملازم للظرفية" أي الحقيقية والمجازية بدليل تقسيمه إلى النوعين بعده. قوله: "كقط" ظرف يستغرق ما مضى من الزمان، وعوض ظرف يستغرق ما يستقبل منه ولا يستعملان إلا بعد نفي أو شبهه، والأفصح في قط فتح القاف وتشديد الطاء مضمومة واشتقاقها من قططته أي قطعته، فمعنى ما فعلته قط ما فعلته فيما انقطع ومضى من عمري، وبنيت لتضمنها معنى من وإلى إذ المعنى من يوم خلقت إلى الآن، وعلى حركة لئلا يلتقي ساكنان، وكانت ضمة تشبيها بالغايات، وقد يكسر على أصل التقاء الساكنين. وقد تتبع قافه طاءه في الضم وقد تخفف مع ضمها أو إسكانها وعوض معرب إن أضيف نحو لا أفعله عوض العائضين مبني إن لم

ص: 193

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

عنها إلى شبهها وهو الجر بالحرف نحو: قبل وبعد ولدن وعند. فيقضي عليهن بعدم التصرف مع أن من تدخل عليهن؛ إذ لم يخرجن عن الظرفية إلا إلى ما يشبهها؛ لأن الظرف والجار والمجرور سيان في التعلق بالاستقرار والوقع خبرًا وصلة وحالًا وصفة. ثم الظرف المتصرف: منه منصرف نحو يوم وشهر وحول، ومنه غير منصرف وهو غدوة وبكرة علمين لهذين الوقتين قصد بهما التعيين أو لم يقصد. قال في شرح التسهيل: ولا

ــ

يضف على الضم أو الكسر أو الفتح، وسمى الزمان عوضا لأنه كلما مضى منه جزء جاء عوضه آخر أفاده في المغني.

قوله: "وهو الجر بالحرف" أي من فقط لكثرة زيادتها في الظروف فلم يعتد بدخولها على ما لا يتصرف. وجر متى بإلى وحتى وأين بإلى مع عدم تصرفهما شاذ قياسا. قوله: "نحو قبل وبعد إلخ" سيأتي الكلام على قبل وبعد وشبههما ولدن وعند ولدى وحيث وإذا وإذ ولما ومع في باب الإضافة وعلى مذ ومنذ في باب حروف الجر وعلى سحر في باب ما لا ينصرف. قوله: "مع أن من تدخل عليهنّ" قال الرضي ومن الداخلة على الظروف غير المتصرفة أكثرها بمعنى في نحو جئت من قبلك ومن بعدك {وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ} [فصلت: 5]، وأما جئت من عندك وهب لي من لدنك فلابتداء الغاية. ا. هـ. وفي التصريح عن الناظم أن من الداخلة على قبل وبعد وأخواتهما زائدة. قوله:"لأن الظرف والجار والمجرور إلخ" لا يخفى أن التعليل ينتج أعم من المدعي الذي هو جعل شبه الظرفية الجر بمن خاصة فكان الأولى التعليل بما قلناه آنفا. قوله: "ثم الظرف المتصرف منه متصرف إلخ" أي ومنه مبني على السكون كإذ عند إضافة اسم الزمان إليها نحو: {بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} [آل عمران: 8]، أو على غيره كأمس عند الحجازيين. قوله:"وهو غدوة وبكرة" الأولى من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس والثانية من طلوع الشمس إلى الضحوة. قوله: "علمين لهذين الوقتين" أي علمين جنسيين بمعنى أن الواضع وضعهما علمين جنسيين لهذين الوقتين أعم من أن يكونا من يوم بعينه أولا وهذا معنى قوله قصد بهما التعيين أو لم يقصد كما وضع لفظ أسامة علما للحقيقة الأسدية أعم من أن يقصد به واحد بعينه أولا فالتعيين المنفي قصده هو التعيين الشخصي لا النوعي إذ هو لا بد منه فلا اعتراض بأن عدم قصد التعيين يصيرهما نكرتين منصرفتين. ويؤيد ما ذكرناه قول الدماميني كما يقال عند قصد التعميم: أسامة شر السباع، وعند التعيين هذا أسامة فاحذره يقال عند قصد التعميم غدوة أو بكرة وقت نشاط وعند قصد التعيين لأسيرنّ الليلة إلى غدوة وبكرة. قال وقد يخلوان من العلمية فينصرفان ومنه:{وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} [مريم: 62] ، وحكى الخليل جئتك اليوم غدوة وجئتني أمس بكرة. والتعيين في هذا لا يقتضي العلمية حتى يمنع الصرف لأن التعيين أعم من العلمية فلا يلزم من استعمالهما في يوم معين أن يكونا علمين لجواز أن يشار بهما إلى معين مع بقائهما على كونهما من أسماء الأجناس النكرات بحسب الوضع، كما تقول رأيت رجلا وأنت تريد شخصا معينا فيحمل على ما أردته من المعين ولا يكون علما. ا. هـ. ببعض اختصار وقال في الهمع: ذكر

ص: 194

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ثالث لهما، لكن زاد في شرح الجمل لابن عصفور ضحوة فقال: إنها لا تنصرف للتأنيث والتعريف. والظرف غير المتصرف منه وغير منصرف فالمنصرف نحو سحر، وليل ونهار، وعشاء، وعتمة، ومساء، وعشية، غير مقصود بها كلها التعيين. وغير

ــ

بعضهم أن غدوة في الآية إنما نونت لمناسبة عشيا. ا. هـ.

قوله: "والتعريف" أي بالعلمية الجنسية. قوله: "والظرف غير المتصرف منه منصرف وغير منصرف" أي ومنه مبني على السكون كمذ ولدن أو على غيره كمنذ وما ركب من أسماء الزمان أو المكان كصباح صباح ويوم يوم وصباح مساء، فإن فقد التركيب وأضيف أحدهما إلى الآخر أو عطف عليه أعرب وتصرف، والمعنى مع التركيب والإضافة والعطف واحد في الجميع عند الجمهور أي كل صباح وكل يوم، وكل صباح ومساء، وخالف الحريري في صباح مساء ففرق فيه بأن المعنى مع الإضافة أنه يأتي في الصباح وحده كما يختص الضرب في قولك ضربت غلام زيد بالغلام وحده دون زيد بخلافه مع التركيب والعطف، وكبين بين فإن فقد التركيب أعرب وتصرف، ومنه:{مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ} [العنكبوت: 25]، {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} [الأنعام: 94] ، ومن قرأه منصوبا مرفوع المحل فحملا له على أغلب أحواله وهو كونه ظرفا منصوبا كما قيل بذلك في:{وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ} [الجن: 11]، وقيل غير ذلك. ومن غير المتصرف بالتاء عند غير خثعم ذا وذات مضافين إلى زمان فيلتزمون نصبهما على الظرفية: نحو لقيته ذا صباح وذا مساء وذات يوم وذات ليلة أي وقتا ذا صباح ووقتا ذا مساء ومدة ذات يوم ومدة ذات ليلة أي وقتا صاحب هذا الاسم ومدة صاحبة هذا الاسم. وأما خثعم فيخرجونهما على الظرفية كما حكاه عنهم سيبويه فيقولون سير عليه ذو يوم وذات يوم بالرفع، وإنما منع غيرهم تصرفهما لقلة إضافة المسمى إلى الاسم واستقباح كل العرب تصرف صفات الأزمان القائمة مقام موصوفاتها إذا لم توصف، فيقبح عند الجميع سير عليه طويل أي زمن طويل دون سير عليه طويل من الدهر، ومن غير المتصرف بالتاء أيضا حوال وحوالي، وحول وحولي وأحوال وأحوالي وليس المراد حقيقة التثنية والجمع، ومنه بدل بمعنى مكان لا بمعنى بديل نحو خذ هذا بدل هذا أي مكانه، أما بمعنى بديل فاسم متصرف لا ظرف ومنه مكان بمعنى بدل فكل من لفظ مكان وبدل إذا استعمل في أصل معناه فهو متصرف وإن استعمل في معنى الآخر لزم طريقة واحدة قاله الدماميني وغيره. قال صاحب ديوان الأدب: ويستعمل حواليك مصدرا كلبيك لأن الحوال والحول كما يطلقان بمعنى جانب الشيء المحيط به يطلقان بمعنى القوة.

قوله: "فالمنصرف نحو سحر إلخ" فيه أن سحرا وليلا ونهارا ونحوها متصرفة. ومن خروج سحر عن الظرفية وشبهها قوله تعالى: {نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ} [القمر: 34]، فكيف جعلها من غير المتصرف. قوله:"غير مقصود بها كلها التعيين" فإن قصد بها التعيين فما وجد فيه علة أخرى كسحر وعتمة وعشية لم يصرف وإلا صرف ففي مفهومه تفصيل فلا اعتراض، والعلة الأخرى في سحر العدل عن السحر وفي عتمة وعشية التأنيث لكن منع صرف عتمة وعشية حينئذٍ

ص: 195

وقد ينوب عن مكان مصدر

وذاك في ظرف الزمان يكثر

ــ

المنصرف نحو سحر مقصودًا به التعيين ومن العرب من لا يصرف عشية في التعيين "وقد ينوب عن" ظرف "مكان مصدر" فينتصب انتصابه نحو جلست قرب زيد، أي مكان قربه. ولا يقاس على ذلك لقلته فلا يقال: آتيك جلوس زيد مكان جلوسه "وذاك في ظرف الزمان يكثر" فيقاس عليه. وشرطه إفهام تعيين وقت أو مقدار: نحو كان ذلك خفوق النجم وطلوع الشمس، وانتظرته نحو جزور ومقدار حلب ناقة، والأصل وقت خفوق النجم، ووقت طلوع الشمس ومقدار نحر جزور ومقدار حلب ناقة، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه.

تنبيه: قد يحذف أيضًا المصدر الذي كان الزمان مضافًا إليه فينوب ما كان هذا المصدر مضافًا إليه من اسم عين، نحو لا أكلمه القارظين، ولا آتيه الفرقدين، والأصل مدة غيبة القارظين ومدة بقاء الفرقدين. ا. هـ.

خاتمة: مما ينوب عن الظرف أيضًا صفته وعدده، وكليته أو جزئيته، نحو جلست

ــ

إحدى لغتين كما يأتي. قوله: "وغير المنصرف نحو سحر" أي وعشية وعتمة وإنما لم يذكرهما لأن صرفهما مع التعيين هو الفصيح ومنعهما الصرف معه لغة قليلة كما قاله الدماميني. وأشار إليه الشارح في عشية بقوله ومن العرب إلخ قال الدماميني ولا يقدح في تنكيرها وصرفهما قصد أزمنة معينة منهما لما تقدم من أن التعيين أعم من العلمية. وقوله ومن العرب إلخ إشارة إلى مثال آخر لغير المتصرف من غير المنصرف وفصله عما قبله لضعفه عنه كما عرفت. وقوله عشية، أي وعتمة فيكونان كغدوة وبكرة السابقتين إذ لا فرق، وفي بعض النسخ ومنهم من يصرف بحذف لا فيكون إشارة إلى اختلاف العرب في بعض مفهوم قوله غير مقصود بها كلها التعيين فافهم. قوله:"فينتصب انتصابه" فهو مفعول فيه بطريق النيابة. قوله: "ولا يقاس على ذلك لقلته" قال سم لك أن تقول هذا من حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه وذلك مقيس عند الناظم إذا كان المضاف إليه غير قابل لنسبة الحكم إليه كما هنا إذ لا يتصوّر كون الجلوس في القرب بالمعنى المصدري فلم حكم على هذا بأنه غير مقيس. قوله: "يكثر" أي لقوة دلالة الفعل على الزمن كما مر. قوله: "أو مقدار" أي من الزمن وإن لم يكن معينا. قوله: "خفوق النجم" أي غروب الثريا. وقوله وحلب ناقة بسكون اللام وتحرك: استخراج ما في الضرع من اللبن، مصدر حلب يحلب بضم لام المضارع وكسرها. والحلب بالتحريك اللبن المحلوب كذا في القاموس. قوله:"لا أكلمه القارظين" هما رجلان خرجا يجنيان القرظ فلم يرجعا فصارا مثلا. قوله: "وصفته وعدده إلخ" أي دوال هذه المذكورات.

فائدة: هل يجوز عطف الزمان على المكان وعكسه؟ قال في المغني أجاز الفارسي في قوله تعالى: {وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ} [هود: 60]، أن يكون يوم القيامة عطفا على محل هذه. ا. هـ. قال الدماميني: إن أريد بالدنيا الأزمنة السابقة ليوم القيامة فلا إشكال في

ص: 196