المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[نقد النظرة الأوروبية لحقوق الإنسان] - حقوق الإنسان في الإسلام للتركي

[عبد الله بن عبد المحسن التركي]

الفصل: ‌[نقد النظرة الأوروبية لحقوق الإنسان]

[نقد النظرة الأوروبية لحقوق الإنسان]

نقد النظرة الأوروبية لحقوق الإنسان لقد نشأت المدرسة الأوروبية الأولى لحقوق الإنسان، نشأة سياسية، خلال القرن الثامن عشر الميلادي، وكان هدف مفكريها وقادتها، هو تأكيد الحريات العامة في المجتمع، وجعلها بعيدة عن متناول السلطة المستبدة، حتى لا تستطيع إهدارها، دون جزاء قانوني.

ولذلك ارتبطت حقوق الإنسان في أوروبا، بموضوع الحريات العامة، التي كانت تنص عليها الدساتير.

ولم يكن ذلك سديدا؛ لأن الأنظمة السياسية تختلف، ومن شأن ذلك، إضعاف فكرة حقوق الإنسان، وإضفاء طابع النسبية عليها، وجعل الحقوق والحريات العامة، كأنها تمارس ضد السلطة أو رغما عنها.

ولقد ظل توحيد مصطلح الحريات العامة، مع مصطلح حقوق الإنسان، فترة طويلة؛ إذ كان تأكيد الحريات العامة، وترسيخ مبدأ حصول الفرد عليها في مواجهة السلطة، هو ما شغل المفكرين، لا سيما من

ص: 18

رجال القانون.

ذلك؛ لأن بعض هذه الحريات العامة، مثل حرية الفكر والرأي، شديدة الاتصال بالسلطة وبالنظام السياسي السائد، فكان الهدف، هو أن تتضمن الدساتير نصوصا هذه الحريات، وضمانات لتطبيقها.

ويرجع ذلك في الأساس، إلى أن شعوب دول أوروبا على وجه العموم، كانت تعاني من استبداد السلطة وتحكم رجال الكنيسة.

لقد تطورت المدرسة الأوروبية في حقوق الإنسان، ناظرة إلى فكرة (الحق) في ذاتها.

ومقتضى ذلك، أن تكون حقوق الإنسان، هي تلك الحقوق التي يتعين الاعتراف بها للفرد؛ لمجرد كونه إنسانا، ولا يشترط أن يكون لها حماية قانونية، بل العبرة بكونها من حقوق الإنسان، لا يكون السلطة تمنحها أو تحميها.

وهذا التطور في فكرة حقوق الإنسان، يبدأ بالانطلاق من فكرة الحق ذاتها، وهو أساس مغاير لما سبق في نشأة

ص: 19

المدرسة الأوروبية في حقوق الإنسان، التي بدأت النظر في الموضوع، باعتبار أن حقوق الإنسان، هي الحريات العامة التي تمارس ضد السلطة.

وهو نظر منتقد أيضا؛ لأن بعض الحقوق لا يمكن اعتباره حرية من الحريات، مثل حق الإنسان في التأمين الاجتماعي، فهذا الحق ليس في معنى الحرية أو غيرها من صور الحريات العامة.

أما في النظر الإسلامي، فإن تلك الحقوق ينبغي أن تكون عامة، يتمتع بها الفرد في مواجهة الغير، وليس في مواجهة السلطة وحدها.

فكرامة الإنسان في النظر الإسلامي، قيمة في ذاتها، والإنسان يتمتع بها في مواجهة الجميع، وليس في مواجهة السلطة وحدها.

وقد بدأ الإسلام، الخطوة الأولى والحاسمة بتحرير الإنسان من كل ما يضعف إرادته الحرة، في داخل الإنسان نفسه ومن خارجه، مما سنذكره فيما بعد.

والتطور الذي حدث في المدرسة الأوروبية الحديثة، قد يتفق مع النظر الإسلامي، في أن هذه الحقوق تثبت

ص: 20

للإنسان بوصفه إنسانا، وأنها لا تتوقف في وجودها وعدمها، على تقرير القانون لها؛ لأنه لا ينشئها.

وإذا كان النظر الوضعي، يرجع نشأتها إلى أنها تنبثق من ضمير الجماعة، فإن المسلمين يرجعون استحقاقهم لها، باعتبارهم آدميين، إلى إرادة الله سبحانه وتعالى، وحكمته وتشريعه، وتفضله عليهم.

والسبب، في النظر الوضعي الأوروبي إلى مصدر هذه الحقوق، وأنه ضمير الجماعة، يرجع إلى الرغبة في الابتعاد عن الدين مصدرا لهذه الحقوق.

ولذلك جعل ضمير الجماعة معبرا عن الرغبة في إعلاء مصدر هذه الحقوق، دون الاقتراب من المصدر الحقيقي لكافة حقوق الإنسان، وهو شرع الله تعالى ودينه، كما هو في النظر الإسلامي.

وهذا لا يتفق مع فكر مئات الملايين من البشر، الذين يرون أن نسبة حقوق الإنسان وإسنادها إلى الله عز وجل، أعظم ضمان في الاقتناع والتطبيق العالمي؛ لأن في ذلك إعلاء ورفعة لشأنها.

إن حقوق الإنسان في الشريعة الإسلامية، تنبع من

ص: 21

فكرة مستقلة عن إرادة البشر، وعن النسبية الزمانية، والمكانية، والمفاهيم المتعددة، أي معايير التطبيق المختلفة في المجتمعات الإنسانية، على اختلاف النظم والقوانين.

هي بإيجاز، من نعم الله- سبحانه وتعالى على عباده، جاءت في الشريعة الإسلامية، في نصوصها، وأصولها العامة، وألزمت بها الكافة، الحاكم والمحكوم، والدول والشعوب، وهي ليست سلاحا في يد السلطة، أو مسوغا لخروج الناس على المجتمع أو الحكام.

والنظر الإسلامي، يتلافى عيب النسبية الزمانية والمكانية، ويجعل حقوق الإنسان في مواجهة الكافة، ويقيم ضمانا لهذه الحقوق، باعتبار مصدرها، وذلك أقوى الضمانات عند التطبيق والممارسة.

ومن الخطأ الادعاء بأن قيم حقوق الإنسان في النظر الوضعي، مثل الحرية والمساواة، مطلقة لا تتغير بحسب المجتمعات الإنسانية وأحوالها وزمانها ومكانها.

ذلك، أن مفهوم حقوق الإنسان، لا يمكن اعتباره مفهوما علميا صارما، يخضع في التقويم لمعايير واحدة،

ص: 22

في كل المجتمعات على اختلاف الزمان والمكان والظروف والأحوال.

وعلى سبيل المثال، فإن الحق في الحرية والعدالة والمساواة، وهي حقوق أساسية من حقوق الإنسان في العصر الحديث، لا تظفر بذات التقدير والوزن في كل المجتمعات، ولا توضع في نفس الدرجة من حيث الأهمية والأولويات.

فبعض الدول، تعطي الحرية مفهوما سياسيا ظاهرا، وبعضها يعطيها مفهوما اجتماعيا أو ثقافيا أو فرديا، بل يعطيها مفهوما جنسيا، فيما يطلق عليه الحرية الجنسية، وهي الفوضى بذاتها.

والمساواة قيمة عليا للإنسان، تخضع لظروف المصالح المادية وللمفاهيم الاجتماعية.

والعدالة، تفسر في كثير من الأحيان وفق المصالح والأهواء.

إن مفهوم القيم، يبدو متغيرا ونسبيا.

ولا يمكن الاتفاق على مفهوم واحد للحرية أو المساواة، وضوابط هذا المفهوم التي تضمن صحته

ص: 23

وبقاءه في التطبيق، مما يظهر لنا أن الاعتماد في تحديد القيم الإنسانية العليا ومفاهيمها وضوابطها، ينبغي أن يتجرد من النسبية الزمانية والمكانية.

ونعتقد عن يقين، أن ذلك لا يتأتى إلا إذا اعتمدنا في ذلك على مصدر تشريعي أسمى وأعلى من قوانين الزمان والمكان والبشر، يخضع له الإنسان بوصفه إنسانا عن إيمان واقتناع.

فالتجرد من النسبية في موضوع حقوق الإنسان، لا يتأتى إلا عبر هذا الطريق وحده، وهو لدى المسلمين، يتمثل في الشريعة الإسلامية بمصدرها الإلهي، في أصولها ونصوصها.

ولا ينكر أن ما توصلت إليه المدرسة الحديثة من تطور في فهم حقوق الإنسان، يعد خطوة على الطريق الذي ألمحنا إليه.

وبمقتضاه، فإن حقوق الإنسان، لها مصدر أعلى من التنظيم الاجتماعي، الذي يأخذ به مجتمع معين في زمن بعينه، بمقتضى قوانينه وأعرافه وتقاليده ومواريثه الثقافية.

ص: 24

غير أن هذا التجريد في إسناد حقوق الإنسان إلى ضمير الجماعة، لا يكفي في الوصول إلى العالمية التي تنشدها الإنسانية والتاريخ الإنساني.

يوضح لنا ذلك بجلاء، أن ضمير الجماعة، قد قبل في الزمان والمكان، ما يعد من أبشع المظالم وأكثرها مناقضة لفكرة حقوق الإنسان.

لقد قبل الضمير الإنساني في مجتمعات عديدة وأزمان معينة، لا سيما في الإمبراطوريات القديمة، وحتى في بعض النظم السياسية في العصر الحديث، وفي أوروبا بالذات، إهدار قيمة الحياة الإنسانية لأتفه الأسباب، وقبل إيقاع المظالم والمآسي بمجتمعات أخرى مخالفة في الدين أو العرق أو حتى في المصالح، وليس أدل على ذلك من قراءة سريعة للاستعمار الأوروبي في أفريقيا وآسيا.

إن ضمير الجماعة، لا يصلح مصدرا علويا لحقوق يفترض أنها تعم الإنسانية، ويستحقها الفرد باعتباره آدميا.

إن مفاهيم حقوق الإنسان حتى في الحقوق

ص: 25

الأساسية، مثل حق الكرامة الإنسانية والمساواة، والضمان الاجتماعي، تكتسب قيمة نسبية تبعا للمفاهيم التي يعطيها ضمير الجماعة، والذي يتكون ولا شك في زمن معين ومكان بعينه، وتبعا لظروف متباينة، وفي ذلك ما فيه من الخطورة.

ولا تصح عبارة ضمير الجماعة، إلا إذا قصد بها الضمير الإنساني السوي على امتداد الزمان والمكان، وعندئذ نصل إلى أنه الضمير، الذي غرسته قيم الرسالات الإلهية في الإنسان، على تتابع الوحي والرسالات، حتى ظهور الإسلام خاتمها وناسخها، الذي يجب أن يتعبد الناس ربهم وفق شريعته.

لقد كان القصد من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي صدر بتاريخ 10 / 12 / 1948 م، أن يكون نموذجا عالميا مشتركا لكل الشعوب، حتى تتعزز مكانة حقوق الإنسان، فيكون مجرد خطوة، يجب أن تتبعها صياغة لقانون دولي لحقوق الإنسان، يكون له قوته الإلزامية.

وعملت هيئة الأمم المتحدة، على أن يتحول ما ورد في

ص: 26

الإعلان العالمي لحقوق الإنسان إلى اتفاقية دولية، وفي هذا الاتجاه تم إنجاز اتفاقيتي الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، والمدنية والسياسية، وصدرت الاتفاقيتان في 16 / 12 / 1966 م، وبدأ نفاذهما عام 1976 م.

وإلى جانب هاتين الاتفاقيتين، فإن الاهتمام بقضية حقوق الإنسان ظهر في اتفاقيات عديدة، مثل: الاتفاقية الدولية لإزالة التمييز العنصري، واتفاقية حقوق الطفل، واتفاقية حماية حقوق العمال المهاجرين.

وقد تم العمل والممارسة في التصدي لموضوع حقوق الإنسان على المستوى العالمي، عبر إطارات متعددة في هذا المجال، وعلى رأسها الجمعية العامة للأمم المتحدة، والمنظمات الإقليمية، مثل جامعة الدول العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي.

وتعتمد المنظمات الدولية على لجان من الخبراء الذين يتولون بحث الموضوعات المتعلقة بحقوق الإنسان، أو مراقبة تطبيقها في الدول المختلفة، وفحص التقارير والبيانات المقدمة بشأنها.

وقد أفرز الاهتمام بالموضوع على مستوى الشعوب،

ص: 27

منظمات غير حكومية، تمتع بعضها بتقدير مبالغ فيه، مثل منظمة العفو الدولية، التي لا تخلو تقاريرها من الهوى والغرض، ويعيبها الجهل بالخصائص الدينية والثقافية والاجتماعية للمسلمين والشعوب غير الغربية.

ولا بد من الإشارة إلى فارق أساسي وجوهري بين التشريع الإسلامي، وبين كل النظم القانونية الوضعية، يظهر أثره في موضوع حقوق الإنسان ظهورا وافيا.

ففي الشرع الإسلامي، تعتبر الشريعة الإسلامية، هي مصدر الحقوق كلها، ولا يوجد حق مقرر للإنسان يخرج عن نصوصها أو قواعدها الكلية، وبذلك تكون الشريعة الإسلامية، هي أساس الحق ومصدره، وسنده وضمان وجوده والحفاظ عليه في المجتمع.

أما في التصور الوضعي فإن الأمر على العكس من ذلك تماما.

إن الحق فيه، هو أساس التشريع والقانون.

هذه هي القاعدة، ومعناها: أن كل ما يراه المجتمع حقا، يصبح - تبعا لذلك - قانونا ونظاما في المجتمع، فالحق هنا، أساس القانون والنظام، الذي تضعه

ص: 28

السلطة القائمة، أيا كان مصدر شرعيتها.

وليس مصدره تشريعا ربانيا، ولكن مصدره، ما يراه الناس في وقت معين ومكان معين ومجتمع بذاته.

وهو أيضا، ما لا يراه جميع الناس، بل تراه الأغلبية منهم، أيا كان قدر هذه الأغلبية.

أما نحن- المسلمين- فإننا نملك معيارا عاما ومجردا لتحديد الحقوق، هو الشرع الإلهي، وهو معيار، يخضع له الجميع عن إيمان واقتناع.

بينما الأمر في النظم الوضعية على خلاف ذلك؛ إذ إن المعيار الذي تتحدد الحقوق على أساسه، معيار نسبي بطبيعته، وقابل للتغيير بحسب الزمان والمكان والمجتمعات، واختلاف مواريثها الدينية والثقافية، وهو معيار، قابل للجدل والمناقشة والإقرار والإنكار، بحسب اختلاف الظروف في المجتمع، والسلطة القائمة عليه، وقد يصبح هو الأساس، بينما لا يقر ذلك مجتمع آخر، أو المجتمع نفسه في وقت لاحق.

ومهما حاولت النظم الوضعية، أن تتجنب هذه النسبية، بإسناد حقوق الإنسان إلى ضمير الجماعة، فإن

ص: 29

هذا الضمير يتكون وفقا لمعطيات نسبية زمانيا ومكانيا، لا سيما أن لفظ الجماعة، ينبغي أن ينصرف في هذا المجال إلى الجماعة الإنسانية كلها، وهو أمر لا وجود له حتى الآن في الواقع المعيش.

بينما يترسخ هذا المبدأ، وهو الوحدة الإنسانية في الإسلام، والذي جاء أساسه في القرآن الكريم واضحا، قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13](سورة الحجرات، الآية 13) .

والإنسانية كلها في النظر الإسلامي، جاءت من نفس واحدة، يقول الله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً} [النساء: 1](سورة النساء، الآية 1) .

وفي الشرع الإسلامي، تظهر سلامة القاعدة وصحتها.

إن الشريعة أساس الحق ومصدره، وهي شرع الله

ص: 30

عز وجل لبني الإنسان في كل زمان ومكان.

هنا يكون للحق مصدر إلهي، علوي، بعيد عن قيود الزمان والمكان، واختلاف الظروف والأحوال في المجتمعات الإنسانية.

والسلطة في النظر الإسلامي تعد في مركز الأمين، الذي يرعى مصالح الناس، فهي ليست طرفا في مواجهة الناس يحمون أنفسهم منه، وهي سلطة تتقيد بالشريعة الإسلامية في نصوصها ومبادئها الكلية.

وهذه الفكرة، وهي أمانة السلطة ومسئوليتها عن الناس، فكرة إسلامية المنشأ والمصدر، وهي تجعل المجتمع يتعاون مع السلطة.

ونؤكد هنا، أن الميثاق العالمي لحقوق الإنسان في العرض والتقويم، يعبر عن فكر الغرب وحضارته فحسب.

وبعض المعايير التي يأخذ بها أساسا للحكم والتقويم، تكشف ذلك بوضوح.

فعلى سبيل المثال، وبحسب مقياس (هومانا) الذي يعتد به في هذا المجال، فإن عقوبة الإعدام، تعتبر

ص: 31

انتهاكا لحقوق الإنسان.

وحق المرأة في تكوين الأسرة بحسب هذا المعيار، يجب أن يكون مطلقا، بغض النظر عن الضوابط الدينية، التي يؤمن بها مئات الملايين من البشر.

بل إن فرض عقوبة على ممارسة الشذوذ الجنسي، يعد انتهاكا لحقوق الإنسان.

ولا يخفى أن مثل هذه المعايير، لا يمكن أن تظفر بالاحترام، أو حتى بالموافقة على المستوى العالمي.

فإن تعدد الحضارات والثقافات والمواريث الاجتماعية، فضلا عن الرسالات الإلهية، يوجب أن تكون المعايير والمفاهيم متعددة.

قد تكون مبادئ ميثاق حقوق الإنسان، مقبولة لدى البعض.

لكن المفاهيم، ومعايير التقويم، وضوابط التطبيق، يجب أن تكون نسبية، مراعاة لتعدد الثقافات والمواريث الاجتماعية في العالم المعاصر، بحيث يتاح لكل دولة أن تكون نظمها السياسية وقوانينها وتشريعاتها، معبرة عن مصالح شعبها وقيمه ومواريثه الحضارية، في

ص: 32

نطاق كرامة الإنسان، وهو أول مبادئ حقوق الإنسان وأهمها، على اختلاف الحضارات والثقافات، والمواريث التاريخية والاجتماعية في شعوب العالم.

ونشير إلى أن مداولات مؤتمر فينا الذي انعقد في الفترة من 24 ذي الحجة 1413هـ الموافق 5 محرم 1414 هـ الموافق 14 -25 يونيه 1993 م، قد كشفت عن اقتناع كثير من الدول بهذا المنطق السليم، لا سيما الدول النامية، التي هالها اختلاف المفاهيم وازدواج المعايير عند الحكم والتقويم، حتى إن بعض المبادئ والقيم الأساسية في حقوق الإنسان تتراجع، ولا تلقى حماية، حينما يظهر تعارضها مع مصالح كثير من الدول وأهدافها السياسية.

بينما تتخذ هذه المبادئ والقيم سلاحا ضد بعض الدول، حينما تتفق مع المصالح السياسية للدول الكبرى بالذات.

ويمكن النظر إلى ازدواجية معايير الحكم والتطبيق في قضايا إسلامية عديدة في الوقت الحاضر، مثل قضية شعب البوسنة والهرسك، أو قضية كشمير، أو قضية

ص: 33

فلسطين.

إن المعايير، تتعدد بحسب المصالح، بل بحسب التعصب العرقي أو الديني.

ومن المحزن أن انتهاكات حقوق الإنسان، التي أفزعت الضمير الإنساني العالمي في هذه القضايا، لم تواجه بموقف عادل من الدول الكبرى، للدفاع عن مبادئ حقوق الإنسان، ورد العدوان عليها.

وكان النظر إلى ما جرى من مذابح وقتل وتشريد واغتصاب للنساء، محكوما بالمصالح السياسية لهذه الدول.

وحتى المنظمات الأهلية الشهيرة، مثل منظمة العفو الدولية، اكتفت بمجرد الإدانة الباهتة، ولم تلاحق المسؤولين عن هذه الجرائم الكبرى، بنفس الحماس الذي تظهره في شأن واقعة فردية تحدث في دولة أفريقية أو آسيوية.

ص: 34