الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[خصائص النظرة الإسلامية لحقوق الإنسان]
خصائص النظرة الإسلامية لحقوق الإنسان أولا: موقع الدين في حقوق الإنسان: من الضروري، أن نشير ابتداء إلى حقيقة كبرى تخفى على كثير من غير المتخصصين في موضوع الرسالات الإلهية والتشريع الإسلامي على وجه خاص، بل وقد تلقى هذه القضية عدم الاهتمام أو الإغفال، من جانب بعض المتخصصين، لا سيما في دائرة الفكر الغربي بالذات.
إن الدين في الفكر الغربي منذ بداية العصر الحديث، ينسحب تدريجيا من حياة الفرد والمجتمع، ويزداد الاقتناع بأن مجاله الوحيد علاقة الإنسان بربه فحسب، وأن أثره في إصلاح المجتمع أثر هامشي.
وبسبب الظروف التاريخية والسياسية في أوروبا، في العصور الوسطى، فقد ساد بعد الثورة الفرنسية سنة 1789 م مبدأ فصل الدين عن الدولة، ثم بعد ذلك كانت أكبر المحاولات لعزل المجتمع عن الدين، على يد الماركسية، التي طبقت في بداية القرن العشرين
(1917م) ، وانهارت فكرا وتطبيقا في نهايته.
ويبدو الفكر الغربي تجاه الدين واضحا من تعريف الدين ذاته، فهناك عشرات التعريفات للدين، وهي تتسع لكل الآراء التي تحاول إبعاد الدين عن حياة الناس، أو جعله غامضا في فكرته أمام الفرد.
وذلك مرفوض رفضا قاطعا في الإسلام، لأسباب واضحة لا حاجة إلى تفصيلها.
وقد أثير الخلاف حول مفهوم الدين في موضوع حقوق الإنسان بالذات، في لقاء عقد بين علماء من المملكة العربية السعودية، وبعض كبار رجال القانون الأوروبيين.
فمنذ أكثر من عشرين عاما، أبدى بعض كبار رجال القانون والفكر في أوروبا، عن طريق سفارة المملكة العربية السعودية في باريس، رغبة في الاجتماع بعلماء من المملكة العربية السعودية، للتعمق في مفاهيم حقوق الإنسان في الإسلام.
ونظمت وزارة العدل في المملكة خلال شهر صفر 1392 هـ (مارس 1972م) ندوات ثلاثا، حضرها من
المملكة معالي وزير العدل، وعدد من العلماء وأساتذة الجامعات.
ومن الجانب الأوروبي أربعة من أساتذة القانون الكبار:
الأول: وزير خارجية إيرلندا السابق، والأمين العام للجنة الأوربية التشريعية.
والثاني: من المستشرقين، ومن أساتذة الدراسات الإسلامية.
والثالث: من أساتذة القانون العام، ومدير المجلة الدولية لحقوق الإنسان، التي تصدر في فرنسا.
والرابع: من كبار المحامين في محكمة الاستئناف في باريس.
وفي وثائق الندوة، أن الجانب الأوربي طرح مسائل عدة، كان يعتبرها من جانبه من المسائل الحساسة، ولكن الجانب السعودي استقبلها بترحاب، وأبدى استعداده للإجابة عليها.
وموجز هذه المسائل: أولا: أن المملكة العربية السعودية، تتخذ القرآن الكريم دستورا لها وأصلا لقوانينها، وقد نزل القرآن الكريم منذ أربعة عشر قرنا، وهو ما يراه الجانب الأوروبي جديرا بالملاحظة.
ثانيا: ما نزل به القرآن من عقوبات الحدود، كالقتل والقطع والجلد.
ثالثا: قضية المرأة.
رابعا: مسألة حظر التنظيمات النقابية، وعدم وضع دستور (نظام حكم) .
وتساءلوا، عما إذا كان يوجد في المملكة محاكم استئناف، وهو ما يعترض على عدم وجوده رجال القانون في العالم المعاصر.
كانت إثارة هذه المسائل، فرصة للجانب السعودي، أن يبرز المفاهيم الإسلامية الصحيحة أمام الأساتذة الأوروبيين.
وكان ذلك عملا دعويا متميزا.
إذ إن كثيرين من علماء الغرب ومفكريه، يأخذون
علمهم عن الإسلام وأركانه وعباداته وشعائره ومعاملاته، ممن لا يعرفون حقيقة الإسلام ومفاهيمه الصحيحة وأهدافه السامية، لا سيما في موضوعات يهتم بها الغرب أشد الاهتمام، ولمجتهد في إقناع الناس بها، بعيدا عن كل هدي إلهي.
فهم في موضوع حقوق الإنسان بالذات- كما ذكرنا من قبل- لا يجعلون للدين مكانا في هذه القضية، ويعرضون عنه بالكلية.
فالحقوق عندهم، قررها الإنسان لنفسه.
وعندما يعرض إشكال لا بد من عرضه، وهو أن النظم القانونية كلها، تعرف السلطة الأعلى التي تمنح الحق، وتعرف من يتلقى الحق ويتمتع به.
بناء على ذلك يقال- وقد أشرنا إلى ذلك-: إن هذه الحقوق مصدرها ضمير الجماعة، وكلمة الضمير كلمة غامضة، أما ضمير الجماعة، فهو الضمير الغائب فعلا، والذي افترضه هؤلاء افتراضا.
وفي هذا اللقاء لشرح علماء المملكة مفهوم الدين عند المسلمين وعند غيرهم، وميزوا فيه بين القواعد العامة
الثابتة في الشريعة الإسلامية، وبين الأحكام الجزئية والتفصيلية فيها، وكشفوا عن أن الشريعة، تحفظ المصالح الحقيقية للعباد في مضمونها وقواعدها، وبينوا أن العقوبات الحدية على جرائم خطيرة وقليلة، هي سياسة جنائية حكيمة تحفظ أمن الناس، وتقلل إلى أبعد حد من انتشار الجريمة، والاستهانة بأرواح الناس وأعراضهم وأموالهم.
هذا العمل الدعوى المهم، الذي قام به علماء ودعاة مؤهلون، لمواجهة فكر يتعارض مع أصول الدين الإسلامي وشريعته وقيمه، كانت نتيجته، أن أبدى الجانب الأوروبي إعجابه بما سمع عن الشريعة الإسلامية وحقوق الإنسان فيها.
وقال رئيس الوفد المستر ماك برايد: (من هنا ومن هذا البلد الإسلامي، يجب أن تعلن حقوق الإنسان لا من غيره، وأنه يتوجب على العلماء المسلمين أن يعلنوا هذه الحقوق المجهولة على الرأي العام العالمي، والتي كان الجهل بها، سببا لتشويه سمعة الإسلام والمسلمين والحكم الإسلامي) .
كما قال أحد أعضاء الوفد: (بصفتي مسيحيا، أعلن أنه في هذا البلد، يعبد الله حقيقة، وأنه يوافق السادة العلماء، في أن أحكام القرآن في حقوق الإنسان بعد أن سمعها، ورأى الواقع في تطبيقها، تتفوق بلا شك على ميثاق حقوق الإنسان) .!!
لقد ظهر في هذه الندوات جانب من الطابع المميز للنظر الإسلامي، في موضوع حقوق الإنسان.
ثانيا: إن أي حق للإنسان في الإسلام باعتباره آدميا، إنما يكون نتيجة لما تقرر في الأحكام الشرعية، التي وردت في القرآن أو السنة النبوية، وليس نتيجة تطور اجتماعي أو سياسي، كما هو الحال في التفكير الغربي، الذي بدأ يعرف ما يسمى بحقوق الإنسان في العصر الحديث، بعد تطور طويل، ونمو في الدراسات القانونية والاجتماعية والسياسية.
لقد ورد النص في القرآن الكريم على تكريم بني آدم. يقول الله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء: 70](سورة الإسراء، الآية 70)
وبعد ذلك بقرون طويلة، تضمن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان نفس اللفظ، إذ تبدأ ديباجة الإعلان بالاعتراف (بالكرامة المتأصلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية) .
ثالثا: إن حقوق الآدمي في الإسلام- ولفظ الآدمي بذاته ينفي كل تفرقة تقوم على العرق أو اللون- وردت جزءا من الشريعة الإسلامية، وترتبط ارتباطا وثيقا بالبناء العقدي والأخلاقي فيه.
فحقوق الآدمي، مضمونة بالنصوص الشرعية التي تنص على الحق، وعلى ضماناته، بل وعلى الجزاء المقرر عند انتهاكه.
فالحق في الحياة مضمون: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الأنعام: 151](سورة الأنعام، الآية 151) .
والجزاء مقرر عند انتهاك هذا النص: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178](سورة البقرة، الآية 178) .
وهو جزاء يوقع بشروط شرعية دقيقة مفصلة في كتب الفقه، وهي شروط تضمن حق المجتمع وحق الفرد معا.
وكذلك، فإن الحق في التكافل الاجتماعي منصوص عليه في قول الله تعالى:{فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ - لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [المعارج: 24 - 25](سورة المعارج، الآيتان 24، 25) .
وفريضة الزكاة، وهي ركن من أركان الإسلام، بينت وحددت الأموال التي تخصص لتحقيق التكافل الاجتماعي في المجتمع الإسلامي، وبين الله تعالى في القرآن الكريم، الفئات التي تستحق أن يوفر المجتمع سبل معيشتها في قوله تعالى:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ} [التوبة: 60](سورة التوبة، الآية 60) .
وهكذا في حقوق الآدمي التي وردت في الشريعة، كالمساواة بين الناس.
إذ جعل القرآن الكريم معيار التفاضل بين الناس،
هو التقوى، وهي خشية الله تعالى، والالتزام بالعمل الصالح، كما في كتاب الله، وسنة نبيه، نتيجة هذه الخشية:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13](سورة الحجرات، الآية 13) .
وحظر الإسلام تفاضل الناس على أساس العرق واللون.
وعندما قال أحد الصحابة لرجل مسلم: (يا ابن السوداء)(1) وصف الرسول- صلوات الله عليه وسلامه- هذا القول بأنه يدل على جاهلية، أي على معايير وقيم سابقة على الإسلام، لا تصلح إلا في مجتمعات التخلف والجهل، ووضع الصحابي الجليل خده على الأرض طالبا ممن أساء إليه بقوله أن يعفو عنه.
رابعا: لم تكن كرامة الآدمي في الإسلام، منذ نزول القرآن، شعارا عاما، بل كانت نظاما تشريعيا داخلا في
(1) شعب الإيمان للإمام أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي (ص288 / 4) .
البناء العقدي والأخلاقي الإسلامي، وأهم ما يميزه أنه يستند إلى نظرية عامة في هذا البناء.
إن كرامة الإنسان، وهي الحق الأصيل والمهم من حقوق الآدمي، تستند في الإسلام إلى جملة أسباب، من أهمها:
أن الإنسان هو أكرم المخلوقات، وأنه الكائن الذي تشرف بأن سواه الله بيده:{فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [الحجر: 29](سورة الحجر، الآية 29) .
وعلمه الأسماء كلها: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 31](سورة البقرة، الآية 31) .
والآيات في القرآن الكريم تدل على أن الإنسان أقوم المخلوقات، من حيث أصل الخلقة وصورتها يقوله سبحانه:{لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: 4](سورة التين، الآية 4) .
وإن كان هذا الإنسان ضعيفا بحسب خلقته: {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [النساء: 28](سورة النساء، الآية 28) .
لكنه المخلوق الذي له إرادة وعقل، وهو الذي سخر الله له ما في السماوات والأرض:{وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} [الجاثية: 13](سورة الجاثية، الآية 13) .
وفي العديد من الآيات في كتاب الله الكريم، ذكر تسخير الله البر والبحر والنبات والحيوان لخدمة الإنسان، بل إن الكون في سيره وانتظامه في الليل والنهار، ودوران الشمس والقمر والنجوم والكواكب في أفلاكها، إنما هو مظهر لنعم الله على الإنسان، وآية من آيات قدرته.
فالكرامة التي وهبها الله لبني آدم، ليست شعارا، ولكنها بناء أصيل في الإسلام، له مؤيداته وشواهده في كثير من نصوص الكتاب والسنة.
إنها كرامة الإنسان حين يولد، وكرامته في العيش، وكرامته حين يموت.
فالإنسان في الإسلام، نعمة لأبويه حين يولد، ونفس بشرية تستحق أن تحيا، وتنال حقوقها في المجتمع الإنساني، وهو يكرم حين يموت، فيغسل ويصلى عليه، ويدعو له الناس بالرحمة والمغفرة، ويحظر الإسلام، أن يمس جسد الإنسان إلا بحق، ويحرم التمثيل بجسد الإنسان حتى وهو ميت لا يشعر بشيء، وينهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كسر عظام الميت، احتراما لتلك الكرامة التي وهبها الله للآدمي منذ مولده وفي مسيرة حياته، وحتى بعد موته.
فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كسر عظم الميت ككسره حيا» (1) .
فالإسلام وحده، سبق إلى تقرير تلك الكرامة قبل مواثيق البشر في صورة كاملة للكرامة الإنسانية، يعرفها المسلمون منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام.
وهذا التكريم الإلهي، عام لكل الناس، بغض النظر عن العرق واللون والوضع الاجتماعي.
(1) رواه أبو داود في كتاب الجنائز، باب في الحفار يجد العظم، هل يتنكب ذلك المكان، 3191، قال الحافظ في بلوغ المرام ص 114: وإسناده على شرط مسلم.
وقد نظمت الشريعة حقوق المعاهدين، بحيث تكفل لهم حق الحياة وحرمة النفس والبدن والعرض والمال، ما داموا قائمين على العهد في المجتمع الإسلامي، أو كانوا مسالمين خارج المجتمع الإسلامي.
وتفصيل ذلك في آيات القرآن الكريم والسنة المطهرة، وما يبنى عليهما من بيان وتفصيل واجتهاد في كتب الفقه الإسلامي.