المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[حق الحياة وسلامة البدن والعقل والعرض] - حقوق الإنسان في الإسلام للتركي

[عبد الله بن عبد المحسن التركي]

الفصل: ‌[حق الحياة وسلامة البدن والعقل والعرض]

[حق الحياة وسلامة البدن والعقل والعرض]

حق الحياة وسلامة البدن والعقل والعرض يعتبر الإنسان في المفهوم الإسلامي، أكرم الكائنات وأشرفها، ومن أجله سخر الله ما في السماوات وما في الأرض، ومنحه نعمة العقل والتفكير والتدبر.

فالكرامة الإنسانية، تستند في الإسلام إلى نظرية متكاملة، وهذا ما يميزها عن المفهوم الغربي القاصر.

إن أسباب تلك الكرامة ومضمونها، واضحة في تسخير ما في السماوات والأرض لخدمة الإنسان.

ومن آثار هذه الكرامة، أن حياة الفرد في قيمتها تكاد تتساوى مع حياة النوع البشري واستمراره، يقول الله تعالى:{مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32](سورة المائدة، الآية 32) .

وتمنع كل التصرفات التي تنال من حق الحياة،

ص: 55

وسلامة البدن والعرض، أو تنقص منه، كتعذيب الإنسان، والعدوان عليه في حياته ماديا أو معنويا، وحتى التمثيل بجثته بعد وفاته، ولو في الحرب، إذ يمتد التكريم للإنسان إلى ما بعد وفاته.

ومن أجل الحفاظ على حق الحياة للإنسان، لم يشرع القتال في الإسلام إلا من أجل الحق، ودفاعا عن الحق، وبعد الإنذار والإعلان.

وحرم الإسلام القتال طلبا للمغانم، أو بدافع من التعصب القومي أو العرقي.

وفي الإسلام قيود على ممارسة أعمال الحرب، فيحرم قتل غير المحاربين من النساء والأطفال وكبار السن والمنقطعين للعبادة، ويمنع قتل من يقومون بالعمل بعيدا عن ساحة القتالة، كالزراع، ما داموا لا يشتركون في القتال.

ويحرم في الإسلام، إتلاف الزرع وإهلاك الضرع، حفاظا لأقوات الناس.

بل إن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب مثلا عاليا في أخلاق القتال وآدابه، حينما اعترض على أصحابه في قتل امرأة،

ص: 56

وقال: «ما كانت هذه لتقاتل» (1) .

وحينما أرسل إلى أهل مكة، وهم في حالة عداء وحرب معه، ما يعاونهم على القوت الضروري لهم (2) .

ومن أجل الاحتياط والوقاية من شيوع الاعتداء على الحياة الإنسانية، كان حكم القصاص، قال تعالى:{وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45](سورة المائدة، الآية 45) . قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة: 178](سورة البقرة، الآية 178)

(1) عون المعبود، شرح سنن أبي داود 7 / 329: كتاب الجهاد، باب في قتل النساء، وفي صحيح مسلم 3 / 1364 باب تحريم قتل النساء والصبيان: عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: وجدت امرأة مقتولة في بعض المغازي، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان.

(2)

صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب وفد بني حنيفة وحديث ثمامة بن أثال (4372) وصحيح مسلم، كتاب الجهاد، باب ربط الأسير وحبسه (59) وانظر القصة أيضا في السيرة النبوية لابن هشام ج 0 2 / ص 638، 639، وفي فتح الباري 8 / ص 87، 88.

ص: 57

وكل ذلك "بشروطه وضماناته المفصلة في الفقه الإسلامي.

ومن أجل حفظ النفس الإنسانية، حرم في الإسلام أن يقتل الإنسان نفسه، قال الله تعالى:{وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29](سورة النساء، الآية 29) .

وحرم أن يلقي الإنسان بنفسه إلى الهلاك، قال الله تعالى:{وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195](سورة البقرة، الآية 195) .

ومن الحفاظ على عقل الإنسان في نظر الشرع الإسلامي، حرم الخمر؛ لأنها تذهب بالعقل، وتخل بالإدراك والتمييز، وحظر كل ما يؤدي إلى ذهاب العقل، أو إضعاف ملكات الإنسان الفكرية.

ولقد أدرك علماء المسلمين قدر نعمة العقل والإدراك وأثرها في حياة الإنسان.

ويدخل في حق الحياة وسلامة البدن والحواس

ص: 58

والمشاعر، أوجبه الله على المسلم، من تجنب ما يضر به.

وحرم الله أشد التحريم، تعذيب الإنسان المسلم أو انتهاك كرامته والحط من قدره، حتى بالكلمة الجارحة أو السخرية منه، قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ} [الحجرات: 11](سورة الحجرات، الآية 11) .

وأوجب غسله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه.

وتكفل أحكام الشريعة الحفاظ على كيان الإنسان كله، النفس والجسد والعقل والمشاعر.

ولا يتسع المقام لتفصيل أوجه الحماية والحفاظ على كيان الإنسان، الذي استخلفه الله في الأرض:{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: 30](سورة البقرة، الآية 30) .

وهي خلافة تكريم وتكليف وتشريف لبني الإنسان، لعبادة الله وحده، وتعمير الأرض بالحق والخير والسلام لبني الإنسان.

ص: 59