الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[حرية الإنسان]
حرية الإنسان لم تصبح الحرية تلك الكلمة التي تؤثر في الأفراد والجماعات في الغرب، عقيدة راسخة في المجتمعات الغربية، إلا بعد كفاح طويل ومرير دام عدة قرون.
ولم يتخلص الناس في أوروبا من استبداد حكام الإقطاع وسلطان رجال الكنيسة، وجمودهم، ووقوفهم في وجه كل نزعة للتحرر الإنساني، والتقدم العلمي، إلا بعد جهد كبير بذله كتاب وفلاسفة، دام عشرات السنين.
ومع ذلك، لم يتحدد معنى الحرية تحديدا واضحا حتى الآن.
وفي المفهوم الإسلامي، تعتبر الشريعة أساس الحق، وليس الحق أساس الشريعة.
فالحق في الحرية، هو وسيلة كبرى لتحقيق غايات نبيلة وسامية، تتفق مع كرامة الإنسان ورسالته في استخلافه في الأرض.
ومن أجل ذلك، بدأ الإسلام بتحرير الإنسان من
العبودية لغير الله عز وجل، وتحريره من شهوات نفسه ونزوات غريزته.
فالحرية كما يرى علماء المسلمين، هي قدرة الإنسان على التصرف، إلا لمانع من أذى أو ضرر له أو لغيره.
وفي الإسلام يجب على الإنسان أن يتحرر من عبودية غير الله، وسمى الله عبادة الإنسان غير الله طاغوتا، وأمر الناس أن يكفروا به، قال الله تعالى:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا} [النساء: 60](سورة النساء، الآية 65) .
ولما كان الرق نظاما اقتصاديا عرفته كل الحضارات، فقد سلك الإسلام وسيلة ناجعة للتخلص منه، فضيق من موارده، حتى اقتصرت على ما يكون منه في قتال مشروع، مع جواز عدم اتباعه حتى في هذه الحالة، ثم وسع أشد التوسعة في تحرير الأرقاء، ولفظ "الرقيق " في ذاته، يشير إلى رقة المعاملة لهم والإحسان إليهم، ويجوز في الإسلام، أن يتفق الرقيق مع سيده على عتقه نظير
مال، قال الله تعالى:{فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33](سورة النور، الآية 33) . ويجب في الإسلام تحرير الرقيق جزاء على أخطاء يرتكبها الإنسان، كالقتل الخطأ أو تجاوز بعض الشعائر الدينية، حتى إن الهزل من السيد وتلفظه بعتق الرقيق خطأ أو هزلا، ينتج أثره في تحرر الرقيق.
وهو ما لم تستطع تحقيقه شعارات الحرية الزائفة مع وجود الرق فعلا وحقيقة، في مجتمعات تعرضت للغزو والنهب الاستعماري خلال القرن الماضي.
ومن قبل ذلك بقرون، اختطف الغربيون مئات الألوف من أبناء أفريقيا، ليعملوا لهم دون أجر في مزارعهم.
ويكفي أنه لم يبق في بلد إسلامي مجتمع له كيان، أصله الأول الرقيق.
بينما لا يزال في الولايات المتحدة الأمريكية، مجتمع الزنوج من عدة ملايين.
وفي القرآن الكريم، دعوة إلى التفكر والتدبر، وإعمال العقل والنظر في الكون؛ بغية الوصول إلى معرفة السنن
الكونية والاجتماعية، والاعتبار بما وقع:{قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ} [النمل: 69](سورة النمل، الآية 69) .
{قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ} [العنكبوت: 20](سورة العنكبوت، الآية 20) .
وواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هو واجب المجتمع كله، ولا بد من قيام أهل العلم والرأي به، حتى يكون المجتمع قد وفى بواجبه الديني، قال تعالى:{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: 104](سورة آل عمران، الآية 104) .
والمسلمون مطالبون بالتناصح والتشاور في أمورهم العامة.
يقول الله تعالى مخاطبا نبيه- عليه الصلاة والسلام: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران: 159](سورة آل عمران، الآية 159) .
ويمتدح الله، المجتمع المسلم الذي يكون من صفاته وآدابه الشورى:{وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى: 38](سورة الشورى، الآية 38) .
فلا حرج على المسلم، أن ينصح لأولي الأمر، كما في الحديث الشريف:
«الدين النصيحة قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم» (1) فالمشاركة بالرأي، مكفولة بحكم الشورى، الذي يجب على الأمة كلها أن تعمل به، وتستطيع الأمة أن تقوم به بأي طريق يحقق فائدة التشاور والتناصح في الأمور العامة، وفق توجيهات الإسلام وهديه.
لقد تقرر في الإسلام فيما يتعلق بالشورى أنه قيمة كبرى، وترك تطبيقها بما يحقق الهدف منها إلى أهل الحل والعقد، يختارون ما يرونه في شكلها ونظامها وإجراءاتها.
ولا حد لحرية الرأي والفكر في الإسلام، إلا الحفاظ على أصول الدين وأركان الإسلام وقيمه وحدوده، ورعاية المصالح العامة.
(1) رواه مسلم في الإيمان برقم 95، وأبو داود في كتاب الأدب، باب في النصيحة، كلاهما عن تميم الداري، ورواه الترمذي في أبواب البر والصلة، باب في النصيحة 17 عن أبي هريرة، والنسائي في كتاب البيعة، باب النصيحة للإمام 31، عن أبي هريرة، وتميم الداري.
فالاجتهاد مباح ومطلوب، في أمور الدين والدنيا، ولا ينكر منه إلا ما يهدم أصلا من أصول العقيدة أو التشريع، أو يهدر قيمة خلقية من أخلاق الإسلام، أو يقصد فتنة الناس وإضلالهم.
فحرية الرأي المنضبطة بضوابط الشرع، تبني المجتمع الإسلامي، وتصحح أخطاءه، وتبصره بطريق الداية والفلاح في أموره العامة.
ولم تكن حرية الفكر والرأي، مطلقة في أي مجتمع، للذين يخرجون على ما تقرر من أصول الاعتقاد ومكارم الأخلاق، مهما كانت معتقداتهم، فالحرية المطلقة، هي الفوضى المطلقة.
وتكفل الشريعة للرجل والمرأة على السواء، ما تواضع علماء القانون على تسميته بالحرية المدنية.
إن أهلية المرأة كاملة، وذمتها المالية من شأنها، ولها أن تجري التصرفات المالية دون حرج، وهي حرة في اختيار زوجها.
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: (إن البكر العاقلة الرشيدة، لا يتصرف أبوها في أي شيء من مالها إلا
برضاها) (1) .
ولا شك أن التشريع الإسلامي الذي مضت عليه القرون الطويلة، لم تصل إليه القوانين الوضعية الحديثة، التي وضعت قيودا على أهلية المرأة في التصرف بعد زواجها.
إن الحرية قيمة كبرى في الإسلام، تسمو بالإنسان في حياته المادية والروحية، وليست انفلاتا مما في الإسلام من قواعد السلوك الاجتماعي أو الخلقي، الذي يحفظ للمجتمع مصالحه وتماسكه.
وفي الإسلام لا حرية لأحد في نشر الفساد أو الرذيلة أو الفتنة في المجتمع؛ لأن الحرية لا تنزل بصاحبها إلى الشر والإفساد، ولا تبيح له أن يؤذي غيره، أو يعرض المجتمع للخطر.
وكم قاست مجتمعات عديدة في العصر الحديث، من الانفلات، وإهدار الفضيلة، وذبحها على مذبح الشهوات، وإهدار كرامة النفس والجسد الإنساني باسم الحرية.
(1) زاد المعاد (5: 97) طبع مؤسسة الرسالة بيروت 1407هـ.
فالحرية حق للإنسان، ولكنها مثل كل الحقوق، لها وظيفة اجتماعية، لا يجوز إهدارها، ولا تجاوزها، ولها ضوابطها وقيودها ومجالاتها.