المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب العاشر في: الخمر - حماسة القرشي

[عباس القرشي]

الفصل: ‌الباب العاشر في: الخمر

‌الباب العاشر في: الخمر

ص: 465

قال الوليد بن يزيد:

اصْدعْ نجيَّ الهموم بالطربِ

وانعمْ على الدهرِ بابنةِ العِنَبِ

واستقبلِ العَيْشَ في غضارتهِ

لا تقْفُ منه آثار مُعْتَقبِ

من قهوةٍ زانها تقادمها

فهي عجوزٌ تعلو على الحُقُبِ

أشهى إلى الشرب يوم جلوتها

من الفتاة الكريمة النسبِ

فقد تجلَّت ورقَّ جوهرها

حتى تبدَّت في منظرٍ عجِبِ

فهي بغير المزاج من شررٍ

وهي لدى المزْجِ سائلُ الذهبِ

ص: 467

كأنها في زجاجها قَبَسٌ

تذكو ضياءً في عين مرتقبِ

في فتيةٍ من بني أمية أه

ل المجد والمأثرات والحسَبِ

ما في الورى مثلهم ولا بهم

مثلي ولا منتمٍ لمثل أبي

وقال عبد الرحمن بن سيحان:

بات الوليد يعاطيني مشعشعةً

حتى هويتُ صريعاً بين أصحابي

لا أستطيع نهوضاً إن هممتُ به

وما أنهنهُ من حسْوٍ وتشرابِ

حتى إذا الصبح لاحت لي جاونبه

ولَّيتُ أسحبُ نحو القوم أثوابي

ص: 468

كأنني من حُمَّيا كأسه جملٌ

صحَّت قوائمه من بعد أوصابِ

وقال الأخطل:

ترى الزجاج ولم يُطمثْ يطاف به

كأنه من دمِ الأجواف مختضبُ

حتى إذا افتضَّ ماء المزن عذرتها

راح الزجاج، وفي ألوانه صَهَبُ

تنزو إذا شجَّها بالماء مازجها

نزوَ الجنادبِ في رمضاءَ تلتهبُ

راحوا وهم يحسبون الأرض في فلكٍ

إن صًرِّعوا وقت الراحات والركبُ

ص: 469

وقال أيضاً:

وكأسٍ مثل عين الديك صرفٍ

تنسِّي الشاربينَ لها العقولا

إذا شرب الفتى منها ثلاثاً

بغير الماء حاول أن يطولا

مشى قرشيةً لا شك فيها

وأرخى من مآزره الفضولا

وقال الحسين بن الضحاك:

إذا ما الماء أمكنني

وصَفْوُ سلافةِ العنبِ

صببتُ الفضةَ البيضا

ءَ قُراضة الذهبِ

ص: 470

وقال آخر:

أبصرتهُ والكأسُ بين فمٍ

منه وبين أناملٍ خمسِ

فكأنها وكأن شاربها

قمرٌ يقبِّلُ عارضَ الشمسِ

وقال مالك بن أسماء بن خارجة:

وندمان صدقٍ، قال لي بعد هداةٍ

من الليل، قمْ نشرب، فقلت له: مهلا

ص: 471

فقال: أبُخلاً يابن أسماء هاكَها

كُميتاً كريح المسك تزدهفُ العقلا

فتابعته فيما أراد، ولم أكنْ

بخيلاً على الندمان أو شكساً وَغْلا

ولكنني جلْدُ القوى أبذُلُ الندى

وأشربُ ما أعطى ولا أقْبلُ العَذْلا

ضحوكٌ إذا ما دبَّتِ الكأسُ في الفتى

وغيَّره سُكْرٌ، وقد أكثر الجهلا

وقال زهير بن أبي سلمى المزني:

وقد أغدو على شرْبٍ كرامٍ

نشاوى واجدينً لما نشاءُ

لهم راحٌ وراووقٌ ومِسْكٌ

تُعلُّ به جلودهم وماءُ

ص: 472

أُمشَّى بين قتلى قد أصيبت

دماؤهم، ولم تقطر دماءُ

يجرون البرودَ، وقد تمشَّتْ

حُمَيَّا الكأس فيهم والغناءُ

ونهى اعرابي ابنه عن شرب النبيذ، فلم ينتهِ، وقال:

أمن شربةٍ من ماءِ كرمٍ شربتها

غضبتَ عليَّ الآن طابتْ لي الخمرُ

سأشربُ فاسخطْ لا رضيت كلاهما

حبيبٌ إلى قلبي عقوقُكَ والسُّكْرُ

وقال الأقيشر، واسمه المغيرة:

أقول والكأس في كفِّي أقلبها

أخاطبُ الصيد أبناءَ العماليقِ

ص: 473

إني يذكرني هنداً وجارتها

بالطَّفِّ صوت حماماتٍ على نِيقِ

أفنى تلادي وما جمعتُ من نشبٍ

قرعُ القواقيزِ أفواهَ الأباريقِ

كأنهنَّ، وأيدي الشربِ معلمةٌ

إذا تلألأن في أيدي الغرانيقِ

بناتُ ماءٍ معاً، بيضٌ جآجئها

حمرٌ مناقرها، صفر الحماليقِ

أيدي سُقاةٍ تهزُّ الدهر معلمةً

كأنما أونها رجعُ المخاريقِ

ص: 474

تلك اللذاذةُ، ما لم تأتِ فاحشةً

أو ترمِ فيها بسهمٍ ساقطِ الفوقِ

عليك كل فتىً سمحٍ خلائقهُ

محض العروقِ كريمٍ غير ممذوقِ

ولا تُصاحبْ لئيماص فيه مقرفةٌ

ولا تزورنَّ أصحاب الدوانيقِ

لا تشربن أبداً راحاً مسارقةً

إلا مع الغرِّ أبناء البطاريقِ

وقال أيضاً:

ومقعدِ قومٍ قد مشى من شرابنا

وأعمى سقيناه ثلاثاً فأبصرا

ص: 475

شراباً كريح العنبر الورد ريحه

ومسحوقِ هنديٍّ من المسك أذفرا

وقال أبو نواس:

ثقلتْ زجاجاتٌ أتتنا فرَّغاً

حتى إذا ملئت بصرفِ الراحِ

خفَّتْ على أيدي السقاة جسومها

وكذا الجسوم تخفُّ بالأرواحِ

ص: 476

وقال أيمن بن خُريم:

وصهباء جرجانيَّةٍ لم يطف بها

حنيفٌ، ولم تنغر بها ساعةً قِدْرُ

ولم يشهد القَسُّ المُهينمُ نارها

طروقاً، ولا صلَّى على طبخها حَبْرُ

أتاني بها يحيى، وقد نمتُ نومةً

وقد غابت الجوزاء، وانحدر النَّسرُ

فقلت: اصطحبها أو لغيري سقِّها

فما أنا بعد الشيب، ويحك، والخمرُ

ص: 477

إذا المرءُ وفَّى الأربعين ولم يكنْ

له دون ما يأتي حجابٌ ولا سِتْرُ

فدعْهُ، ولا تنفس عليه الذي أتى

ولو مدَّ أسباب الحياة له العمرُ

تم بحمد الله تعالى في قرية " جُبَعْ "، بقلم الحقير المذنب الجاني عباس القرشي النجفي، وقد وافق منه غرة ذي الحجة، سنة (1286) ، ست وثمانين ومائتين بعد الألف من الهجرة النبوية صلى الله على مهاجرها وآله وأصحابه وسلم.

ص: 478