الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ال
تمهيد
(في معنى الحمد وتعريفه ومشتقاته والفرق بينه وبين الشكر والحمد)
يحسن بي وأنا أتعرض للحديث عن حمد الله ذاته الشريفة أن أمهِّد له ببيان معنى الحمد وتعريفه وذكر أهم مشتقاته والفروق بينه وبين الشكر والمدح للتقارب المعنوي بينها. فأقول والله المستعان سبحانه:
الحمد في اللغة: مصدر حَمِد. وهو ضد الذم ومنه المحمدة خلاف المذمّة.
وعُرِّف بأنّه: الثناء باللسان على الجميل الاختياري. فيقال: حمدتُ الرّجل أي أثنيت عليه بفعله الجميل الصادر عن اختياره (1) .
ـ هذا ولقد كثرت مشتقاته التي ارتبط أكثرها بحمد الله تعالى خاصة. ومنها: التحميد. وهو أبلغ من الحمد، والمراد به حمد الله مرّة بعد مرّة. ومنها: رجلٌ حُمَدَة وحمّاد ومحمّد، وذلك بأنه يحمد الله مرة بعد مرة، أو أنه كثير الحمد. و" محمد" ـ أيضاً ـ هو من كثُرت خصاله المحمودة ـ و"أَحمد" صار أمره إلى الحمد، أو فعل ما يحمد عليه ـ وفي المثل: والعَوْدُ أحمدُ (2) ، أي أكثر حمداً؛ لأنّ الإنسان لايعود إلى شيء غالباً إلا بعد خيريته، أو معناه: إذا ابتدأ المعروف جلب الحمد لنفسه؛ فإذا أعاد كان أحمد أي أكسب للحمد له، أو هو أفعَل من المفعول، أي الابتداء محمود والعود أحقّ بأن يحمدوه.
- وفلان محمود إذا حُمِد.
- والحَمْدلة هي حكاية قول (الحمد لله) .
(1) انظر: لسان العرب لابن منظور ج3 ص155؛ البحر المحيط لأبي حيان ج1 ص18؛ فتح القدير للشوكاني ج1 ص68.
(2)
هو من قول الشاعر: فلم تجرِ إلا جئت في الخير سابق ولا عُدْتَ إلا أنت في العود أحمد. (لسان العرب ج3/ص158) .
- وحُماداك أن تفعل كذا أي: غايتك المحمودة.
- والحميد هو الله تعالى، وهو من صفاته العليا وأسمائه الحسنى، بمعنى المحمود على كلّ حال (1) .
- وقد اختلف في الحمد والشكر والمدح هل هي ألفاظ متباينة أم مترادفة أم بينها عموم وخصوص مطلق أو من وجه؟ فمن قال بالتباين نظر إلى ما انفرد به كل واحد منها من المعنى، ومن قال بالترادف نظر إلى جهة اتحادها واستعمال كل واحد منها في مكان الآخر، وأما من قال باجتماعها وافتراقها ما بين خصوص وعموم فقد نظر إلى الأمرين المذكورين آنفاً. وهذا هو الأولى وهو ما عليه الأكثر. وعلى هذا فيسوغ ـ ههنا ـ النظر إلى ما تميّز به كلّ لفظ عن الآخر وبيان الفرق بينها؛ لما يترتّب عليه من وضع رسم وحدٍّ لمعنى حمد الله تعالى الذي هو مقصود هذا البحث وغايته.
- أما الفرق بين الحمد والشكر فخلاصة ما قيل فيه أن الحمد هو الثناء على المحمود بجميل صفاته وأفعاله وإنعامه؛ والشكر هو الثناء على المحمود بإنعامه فقط. وعلى هذا فالحمد أعمّ من الشكر فكلّ شكر حمد وليس كل حمد شكراً. ولذلك ورد حمد الله تعالى نفسه ولم يرد شكرها.
وأما الفرق بين الحمد والمدح فإن المدح أعم من الحمد؛ وذلك لأن المدح يحصل للعاقل ولغير العاقل، ولايلزم فيه كون الممدوح مختاراً، ولهذا يكون وصف اللؤلؤة بصفائها مدحاً لا حمداً، وقد يكون المدح ـ أيضاً ـ عن ظن وبصفة
(1) انظر: لسان العرب لابن منظور ج3 ص 155 – 157؛ مختار الصحاح للرازي ص 153؛ تهذيب الصحاح لمحمود الزنجاني ج1 ص215؛ ترتيب القاموس المحيط للطاهر الزاوي ج 1ص 702-704؛ المفردات للراغب الأصفهاني ص131؛ الكليات لأبي البقاء الكفوي ص 365.
- مستحسنة وإن كان في الممدوح نقص ما، أما الحمد فإنّه لايكون إلا للفاعل المختار على كون الصفات المحمودة له صفات كمال، كما يكون صادراً عن علم لا عن ظن؛ وعلى ما يكون منه من نعمة أو إحسان.
- وبهذا يقال في الفرق بين هذه الثلاثة: المدح أعمّ من الحمد؛ والحمد أعمّ من الشكر (1) .
- وعلى ما سبق بيانه فإنّ قول القائل: (الحمد لله) يعني الثناء على الله ـ تعالى ـ بصفاته الذاتية الكاملة التي لا يشوبها نقص؛ وبنعمه التي لا تعدّ ولاتحصى.
- ولهذا فإنّ (أل) التعريف في (الحمد) هي لاستغراق جميع أفراده، واللام في (لله) لام الملك والاختصاص أو الاستحقاق، فجميع أفراد الحمد مختصة بالله تعالى؛ إذ هو المنعم الكامل في صفاته؛ وحمد غيره لا اعتداد به؛ لأنّ ما صدر منه من نعمة فإنما مرجعها حقيقة إلى الله تعالى، وهو سبحانه الذي أجراها على يديه. فالحمد الكامل الخالص لايكون إلا لله تعالى وهو المستحق له دون سواه (2) .
وقد دلّ إعراب هذه الجملة الكريمة ـ أيضاً ـ إلى هذا المعنى؛ فقد أشار
(1) انظر: تفسير البغوي ج1 ص39؛ الكشاف للزمخشري ج1 ص7؛ النكت والعيون للماوردي ج1 ص55؛ التفسير الكبير للفخر الرازي ج12 ص142؛ البحر المحيط لأبي حيان ج1 ص18؛ زاد المسير لابن الجوزي ج1 ص11؛ المفردات للراغب الأصفهاني ص 131؛ لسان العرب لابن منظور ج3ص156-157؛ مختار الصحاح للرازي ص153؛ فتح القدير للشوكاني ج1 ص68.
(2)
انظر: تفسير ابن جرير الطبري ج7 ص82؛ تفسير البغوي ج1 ص39؛ فتح القدير للشوكاني ج1 ص68؛ أضواء البيان للشنقيطي ج1 ص101.
- ابن الجوزي (1) في تفسيره إلى هذا بقوله: ((الحمد رفع بالابتداء، ولله الخبر، والمعنى الحمد ثابت لله ومستقرّ له (2)) ) .
وبهذه الأسطر أرجو أن أكون قد مهدت للحديث عن مواضع حمد الله ذاته في كتابه الكريم. ولله الحمد والمنّة.
(1) هو عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي القرشي البغدادي، أبو الفرج (508-597?) : علامة عصره في التاريخ والحديث، كثير التصانيف، مولده ووفاته ببغداد، ونسبته إلى
(مشرعية الجوز) من محالّها. من أشهر مصنفاته: زاد المسير في علم التفسير ـ صيد الخاطر ـ مناقب بغداد ـ نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر. (انظر: وفيات الأعيان لابن خلكان ج1 ص279؛ البداية والنهاية لابن كثير ج13 ص31-33؛ الكامل لابن الأثير ج10 ص228؛ الأعلام للزركلي ج3ص316-317) .
(2)
زاد المسير لابن الجوزي: ج 1 ص 11.