الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل التاسع: حمد الله ذاته الكريمة في فاتحة سورة فاطر
المبحث الأول: في بيان حمد الله ذاته في افتتاح السورة وغايته
.
…
الفصل التاسع:
حمد الله ذاته الكريمة في فاتحة سورة فاطر
قال الله تعالى {الحمد لله فاطر السموات والأرض جاعل الملائكة رسلاً أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إنّ الله على كل شيء قدير} (1) .
المبحث الأول: في بيان حمد الله ذاته في افتتاح السورة وغايته.
مطلب: في مناسبة افتتاح السورة بالحمد بالسورة قبلها.
في مناسبة افتتاح هذه السورة بحمد الله ذاته الشريفة لخاتمة السورة قبلها (سورة سبأ) قال بعض أهل العلم أنّه لما ذُكِر في آخر سورة سبأ هلاك المشركين وإنزالهم منازل العذاب في الآخرة بقوله تعالى {وحيل بينهم وبين ما يشتهون كما فعل بأشياعهم من قبل إنهم كانوا في شك مريب} (2) ناسب أن يحمد الله تعالى ذاته بعدها على إهلاك المشركين الظالمين وإنزال العذاب بهم، كما مرّ في سورة الأنعام عند قوله تعالى {فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين} (3) وهو نظير اتصال أول الأنعام بفصل القضاء والمختتم به المائدة (4) . والله أعلم.
مطلب:
وفي مناسبة افتتاح هذه السورة بحمد الله ذاته الكريمة نظراً إلى ما حوته من موضوعات واشتملت عليه من أغراض فقد قال الصاوي (5) في حاشيته على
(1) سورةفاطر: الآية (1) .
(2)
سورة سبأ: الآية (54) .
(3)
سورة الأنعام: الآية (45) .
(4)
انظر: نظم الدرر في تناسب الآيات والسور ج 6 ص 200؛ أسرار ترتيب القرآن للسيوطي ص 137؛ روح المعاني للآلوسي ج22 ص 161.
(5)
هو أحمد بن محمد الخلوتي، الشهير بالصّاوي (1175-1241هـ) : فقيه مالكي، نسبته إلى صاء الحجر في إقليم الغربية بمصر، من أهم كتبه: حاشية على تفسير الجلالين، وحواش على بعض كتب الشيخ أحمد الدردير في فقه المالكية، وتوفي بالمدينة المنورة (انظر: الأعلام للزركلي ج1 ص 246) .
الجلالين: ((حكمة افتتاحها بالحمد لأنّ فيها تفصيل النعم الدينية والدنيوية التي احتوت عليها الفاتحة)) (1)، وقد نظر ابن عاشور إلى الهدف الأول التي اشتملت عليه السورة والذي كان أحد وسائله ما فُصِّل فيها من النعم الدينية والدنيوية إذ قال:((اشتملت هذه السورة على إثبات تفرد الله تعالى بالإلهية فافتتحت بما يدلّ على أنّه مستحقّ للحمد على ما أبدع من الكائنات الدالّ إبداعها على تفرّده تعالى بالإلهية (2) .
وأضاف ـ أيضاً ـ قائلاً: ((وافتتاحها بالحمد لله مؤذن بأنَّ صفاتٍ من عظمة الله ستذكر فيها، وإجراء صفات الأفعال على اسم الجلالة من خلقه السموات والأرض وأفضل ما فيها من الملائكة والمرسلين مؤذن بأنّ السورة جاءت لإثبات التوحيد وتصديق الرسول صلى الله عليه وسلم وإيذان باستحقاق الله الحمد دون غيره)) (3) .
مطلب:
في وجه اقتران الحمد بعد اسم الجلالة بقوله تعالى {فاطر السموات والأرض..} الآية.
أثنى الله تعالىعلى ذاته المقدّسة ومدحها بوصفه بأنّه فاطر (4) السموات
(1) حاشية الصّاوي على الجلالين: ج3 ص 309.
(2)
انظر: التحرير والتنوير ج22 ص 247.
(3)
انظر: المرجع السابق ج22 ص 248.
(4)
فاطر: فاعل الفَطْر، وهو الخلق والابتداء والاختراع، وفيه معنى التكون سريعاً؛ لأنه مشتق من الفطر وهو الشقّ، وقيل: الفطر: الشقّ عن الشيء بإظهاره للحسن، يقال: فطر ناب الناقة إذا طلع، وفطر دمه إذا أخرجه. ومنه تفطّر الشيء تشقق، وسيف فُطارأي فيه تشقق. والمراد بفاطر السموات والأرض أي مبدعهما من غير مثال يحتذيه ولا قانون ينتحيه. (انظر: تفسير الماوردي ج3ص 368؛ تفسير القرطبي ج14 ص319؛ تفسير أبي السعود ج7 ص141؛ لسان العرب ج5 ص65-66؛ التحرير والتنوير ج22ص249) .
والأرض جاعل (1) الملائكة رسلاً..إلخ، وهما وصفان يدلاّن على كمال عظمته وعظيم قدرته، وكذلك يدلان على جزيل نعمائه وجليل آلائه على عباده بما خلق في السموات والأرض وما بينهما وبما أرسل ملائكته إلى رسله بوحيه الهادي وبما يكون لهم من أعمال تكون سبباً في إسعاد العباد في الدنيا والآخرة، وهو سبحانه – بهذين الوصفين الدالّين على ذلك – المستحقّ للحمد الكامل والثناء الشامل دون غيره، وهو بحمده لذاته لاستحقاقه يعلّم عباده أن يحمدوه ويأمرهم أن يوحِّدوه دون سواه (2) .
(1) جاعل: يطلق بمعنى مكوّن وبمعنى مصيّر. وكلاهما صحيح في معنى جاعل الملائكة أولي أجنحة (انظر: التحرير والتنوير ج22 ص 249) .
(2)
انظر: أضواء البيان للشنقيطي ج6 ص 633-634؛ تفسير السعدي ج6ص 298؛ حاشية الصاوي علىالجلالين ج3 ص 308-309؛ التحرير والتنوير ج22 ص 248.