الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خبر الواحد وحجيته
تأليف: أحمد بن محمد عبد الوهاب الشنقيطي
ال
مقدمة
الحمد لله الكريم المنان. المتفضل على عباده بعظيم الالآء والإحسان. جلت نعمه عن العدّ والإحصاء فكان من أعظمها أن هدى المؤمنين إلى الإيمان به، وخصّ الأمّة الإسلامية بعلم الإسناد، فكان من علمائها الجهابذة الحفاظ والنقاد الذين ذبوّا عن السنة المطهرة منذ فجر الإسلام، بالتآليف التي حفظتها من الزيادة والنقصان. فحفظها الله بهم مصداقاً لقوله تعالى:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} 1.
أحمده سبحانه أجل الحمد وأعظمه على نعمه المتوالية والتي من أجلّها نعمة الإيمان. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة ننجو بها من سخطه وننال بها رضاه. وأشهد أن محمّداً عبده ورسوله إلى النّاس كافة أنزل عليه القرآن، وأمره بتبيينه للناس في قوله تعالى:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} 2 فبينه أتم بيان، فكمل بذلك دستور الأمة الإسلامية، الذي اختاره الله لأن يكون الدستور الخالد إلى يوم القيامة. وأمره بتبليغ ما أرسل به إلى الناس كافة في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ
1 سورة الحجر آية: 9
2 سورة النحل آية: 44
رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} 1 فبلّغ كما أمره الله بنفسه وبرسله أتمّ بلاغ، وأقام على الناس بذلك الحجة في الجمع العظيم واليوم العظيم والمكان العظيم، وأمرهم أن يبلغوا عنه بقوله:"ليبلغ الشاهد الغائب" 2 صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين عزروه ونصروه، واتبعوا النور الذي أنزل معه، فكانوا سادة الدنيا، وأئمة الهدى، ونقلة وحيه إلى من بعدهم.
وبعد: فلعل من توفيق الله لي أن هيأ لي أسباب إتمام الدراسة بعد أن انقطعت للتدريس سنين. فكان أن طلب مني تقديم موضوع رسالة الماجستير، فوقع اختياري على خبر الواحد وحجيته، فرأيته مناسباً. ذلك أني طالما سمعت بعض العلماء أثناء دراستي، وخارجها يمنع الاحتجاج به في العقائد، ويعيب على من يحتج به في إثباتها بدعوى أنه لا يفيد إلا الظن، وأن العقائد لا تثبت إلا بما يفيد القطع. مما جعلني أفكر طويلاً في هذا القول، وأسأل عن خبر الواحد ما هو؟
فأجاب بأن المراد بخبر الواحد هنا هو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي ليست متواترة.
1 سورة المائدة آية: 67
2 صحيح البخاري: 1/ 26-27، في كتاب العلم باب رب مبلغ أوعى من سامع من حديث أبي بكرة، وأخرجه أيضاً في ج 206/2 في كتاب الحج باب الخطبة أيام منى.
ويعود السؤال مرة أخرى: كم نسبة خبر الواحد في السنة؟
فأجاب مرة أخرى بأن السنة المتواترة في نظر الأصوليين، يعز وجودها، إذ منهم من يرى عدها على الأصابع.
ثم أعود فأسأل مرة أخرى هل هناك أحاديث خاصة بالعقائد دون الأحكام، أم أن الحديث الواحد قد يتضمن عقيدة وحكماً معاً؟ وإذا كان يتضمنهما معاً، فما حكم العمل به؟
فأجاب بأنه كثيراً ما يتضمن الحديث الواحد حكماً وعقيدة، وأنه حينئذ يعمل بالحديث فيما تضمنه من أحكام دون عقائد. فأعود للسؤال، وأقول لماذا فرق بين مدلولات الحديث الواحد في العمل بها، حيث يعمل ببعضها دون بعض؟
فيقال: إن العمل بخبر الواحد في الأحكام ثابت بدليل قطعي. أما العقائد فلا تثبت إلا بما يفيد القطع، وخبر الواحد إنما يفيد الظن. فرأيت صلاحية الموضوع للبحث، ودعتني الرغبة في الوقوف على أقوال العلماء، والإطلاع على أدلتهم، وأسباب خلافهم، ومعرفة أيهم أسعد بالدليل على خوض غمار البحث رجاء أن أكون ممن يخدم السنة المطهرة، والأمة المحمدية.
والبحث وإن كان في السنة، إلا أنني بحثته من الناحية الأصولية فقط، لأن السنة هي: المصدر الثاني بعد كتاب الله لإثبات الأحكام الشرعية.
وقد أخذت طريقة في البحث رأيت أنها توصل إلى الغاية التي أردت. وهي: أنني أستعرض آراء العلماء وأدلتهم، وما ورد عليها من اعتراضات وإجابات عن تلك الاعتراضات مع مناقشتها وترجيح ما ظهر لي رجحانه بالدليل كل ما رأيت ذلك مناسباً، وربما تركت الترجيح في موضع لاتحاده مع الذي بعده تقليلاً للتكرار الممل.
ورأيت أن الدليل الذي يحسم النزاع إنما هو الكتاب، أو السنة، أو الإجماع القطعي. على أنني أحياناً أذكر رأي كل طرف، ثم أتبعه برأي الطرف الآخر، ثم أذكر دليل كل من الطرفين وما ورد عليه من اعتراضات وإجابات مرتبة بعد ذلك. وأحياناً أتبع الدليل بالاعتراضات الواردة عليه والإجابة عنها، دفعاً للسآمة عن القارئ مما قد يصيبه من إتباع طريقة واحدة.
وهنا ألفت نظر القارئ الكريم إلى أن الموضوع مشتبك العناصر والأدلة، لأن كل دليل يستدل به لأي عنصر من عناصره يكاد يكون هو عين دليل العنصر الآخر مما اضطرني إلى التكرار، ولم أكن بدعاً في ذلك، بل إنما أنا متبع، وواقع الموضوع يفرض ذلك.
ثم إن الموضوع وإن كان قد قيل لي: إنه قد كتب فيه غير أنني ما عثرت على غير المراجع المعتمدة التي أحلت عليها في محالها.
وقد قسمت هذا البحث إلى تمهيد وبابين وخاتمة.
أما التمهيد فهو يشتمل على ما يأتي:
1-
حقيقة الخبر عند العلماء، وأقسامه.
وقد بينت فيه تعريف الخبر لغة واصطلاحاً عند العلماء، والأنواع التي ينحصر فيها من حيث الصدق والكذب، ورأي الجاحظ في ثبوت الواسطة وأقسامه التي علم صدقها، أو علم كذبها، والتي لم يعلم صدقها ولا كذبها.
2-
السنة لغة وشرعاً.
وقد عرفتها لغة وشرعاً، وأشرت إلى الفرق بين اصطلاحات العلماء في تعريفها.
3-
أقسامها باعتبار ذاتها، بينت فيه أن من العلماء من قسمها إلى: قول وفعل، ولم ير التقرير قسماً لدخوله في الفعل، وأن البعض الآخر رأى أنه قسم ثالث.
4-
منزلتها من القرآن، ذكرت فيه أنواعها معه من حيث الاتفاق والبيان، والاستقلال بتشريع ما لم يتعرض له نفياً أو إثباتاً، وخلاف العلماء في ذلك.
5-
تقسيم الخبر إلى: متواتر وآحاد.
ذكرت فيه أن من العلماء من رأى القسمة ثنائية: متواتر، وآحاد، ومنهم من زاد قسماً ثالثاً هو المشهور، وأنه جعله واسطة بين المتواتر والآحاد.
الباب الأول: فيما يفيده خبر الواحد، وفيه ثلاثة فصول:
الأول: في أن خبر الواحد العدل، إنما يفيد الظن فقط.
وقد ذكرت فيه أدلة القائلين بذلك وما ورد عليها من اعتراضات وإجابات.
الثاني: في إفادته العلم.
وقد استعرضت فيه آراء وأدلة القائلين بذلك وما ورد عليها من اعتراضات أيضاً.
الثالث: في إفادته العلم إذا احتف بالقرائن.
وسلكت فيه نفسه الطريقة السابقة.
ثم ختمت الباب بذكر ثمرة الخلاف.
الباب الثاني: في حكم العمل به، وفيه سبعة فصول:
الأول: في وجوب العمل به.
الثاني: في ذكر أدلة منكري العمل بخبر الآحاد، والرد عليها.
الثالث: في العمل بخبر الواحد في الفتوى والشهادة والأمور الدنيوية.
الرابع: حكم قبول خبر الواحد العدل في الحدود.
وقد استعرضت فيها أدلة كل طرف وما ورد عليها من اعتراضات وإجابات.
الخامس: خبر الواحد وعمل أهل المدينة.
تعرضت فيه لبيان عمل أهل المدينة وأقسام ذلك العمل، وبينت محل الاتفاق والاختلاف.
السادس: خبر الواحد فيما تعم به البلوى.
السابع: إذا خالف الراوي مرويه.
بينت أدلة وآراء العلماء في كل من الفصلين الأخيرين، وفي الثاني أنه الدليل المخالف من حيث الإجمال والظهور والنص.
خاتمة في نتائج البحث:
ضمنتها بعض ما توصلت إليه من نتائج.
هذه هي عناصر البحث التي بحثتها، فأرجو من الله أن أكون قد وفقت فيما أردت، وأن يجعله وسيلة إلى مرضاته إنه على كل شيء قدير. وصلى الله وسلم على سيّدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم.