المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل التاسع":فيما قاله غير أحفاد الشيخ مما يدل على اعتماد الشيخ وأحفاده على الكتاب والسنة - اعتماد دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب على الكتاب والسنة - صالح الأطرم

[صالح بن عبد الرحمن الأطرم]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الباب الأول: نبذة عن حياة الشيخ

- ‌الفصل الأول: ترجمة موجزة وتتلخص في النقاط التالية

- ‌الفصل الثالث: الحالة الاجتماعية في زمن الشيخ

- ‌الفصل الرابع: سبب قيام دعوة الشيخ

- ‌الباب الثاني: ما قيل عن اعتماد فقه الشيخ محمد بن عبد الوهاب على الكتاب والسنة

- ‌المقدمة

- ‌الفصل الأول: القواعد الأربع التي قررها الشيخ لدوران الدين عليها

- ‌الفصل الثاني: في كلام الشيخ عن طريقة الأخذ فيما اختلف فيه العلماء وأقوالهم

- ‌الفصل الثالث: في كلام الشيخ على قولهم: اتفاق العلماء حجة واختلافهم رحمة

- ‌الفصل الرابع: في كلام الشيخ على من قال: [لا يقرأ الكتاب لعدم إمكان فهمه]

- ‌الفصل الخامس: في كلام الشيخ على الذين يحاولون طرح أقوال العلماء وبيان مبدئه وموقفه منها

- ‌[الفصل السادس]

- ‌الفصل السابع: كلامه في المدينة لما سئل عن الأصوات عند قبر الرسول

- ‌الفصل الثامن: فيما قاله أحفاد الشيخ في اعتماده على الكتاب والسنة

- ‌الفصل التاسع":فيما قاله غير أحفاد الشيخ مما يدل على اعتماد الشيخ وأحفاده على الكتاب والسنة

- ‌الفصل العاشر ": في ثناء العلماء على الشيخ

- ‌الفصل الحادي عشر: الأصول التي دعا إليها الشيخ

- ‌الباب الثالث: الاستدلال على اعتماده في مؤلفات العقائد على الكتاب والسنة

- ‌الفصل الأول: في ثلاث مسائل يجب تعلمها

- ‌الفصل الثاني":" في المسألة التي بها نجاة المسلم من الخسارة والهلاك

- ‌الفصل الثالث":" مراتب الدين

- ‌الفصل الرابع: في اعتناء الشيخ بتوحيد العبادة

- ‌الفصل الخامس: القواعد الأربع التي قرر بها توحيد العبادة

- ‌الفصل السادس: ما ورد في مؤلفه كتاب "فضل الإسلام" من اعتماده على الكتاب والسنة

- ‌الفصل السابع: فيما ألفه في أصول الإيمان

- ‌الفصل الثامن: وجوب اعتقاد حق الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل التاسع: في لزوم السنة والتحذير من البدع واستدلاله على ذلك

- ‌الفصل العاشر: في وجوب عداوة أعداء الله واستدلاله على ذلك

- ‌الفصل الحادي عشر: من كتابه "مسائل الجاهلية

- ‌الفصل الثاني عشر: ستة موضوعات من السيرة لها صلة قوية بأسس الدعوة

- ‌الفصل الثالث عشر: من مؤلفاته تلقين أصول العقيدة للعامة عن طريق السؤال والجواب

- ‌الفصل الرابع عشر: في معنى الطاغوت

- ‌الفصل الخامس عشر: في كتابه "الكبائر

- ‌‌‌الباب الرابع: في مؤلفات الشيخ فيما عدا العقائد

- ‌الباب الرابع: في مؤلفات الشيخ فيما عدا العقائد

الفصل: ‌الفصل التاسع":فيما قاله غير أحفاد الشيخ مما يدل على اعتماد الشيخ وأحفاده على الكتاب والسنة

"‌

‌الفصل التاسع":فيما قاله غير أحفاد الشيخ مما يدل على اعتماد الشيخ وأحفاده على الكتاب والسنة

..

جواب الشيخ حمد بن ناصر بن معمر عن عدة أسئلة منها هذا السؤال: "ما قولكم نور الله قلوبكم لفك المعضلات، ووفقكم للأعمال الصالحات، هل يلزم المبتدئين المتعلمين الترقي إلى معرفة الدليل الناص على كل مسألة، ومعرفة طرقه وصحته أم تقليد المخرجين للحديث أنه صحيح أو حسن، ويكفيهم العمل بالفقهيات المجردة عن الدليل ويغنيهم؟

وهذا فيمن طلب العلم وتأهل له، فما حال العوام هل يجزيهم مجرد التقليد؟ وأيضا حكى بعض المتأخرين الإجماع على تقليد الأئمة الأربعة: أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد؟ فأفيدونا؟ واحتسبوا فإن الحاجة ماسة إلى هذه المباحث، فإن تفضلتم بطول الجواب، وذكر الدليل ومن قال به، فهو المطلوب؟ ".

فكان من أجوبته رحمه الله: "لا ريب أن الله سبحانه فرض على عباده طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} 1 إلى أن قال رحمه الله "ولم يوجب على هذه الأمة طاعة أحد بعينه في كل ما يأمر به وينهى عنه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم".

وقال في جوابه أيضا "واتفق العلماء على أنه ليس أحد معصوما إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء الأئمة الأربعة قد نهوا الناس عن تقليدهم في كل ما يقولون".

"وأما القادر على الاستدلال فقيل يحرم عليه التقليد مطلقا، وقيل يجوز عند الحاجة، كما إذا ضاق الوقت عن الاستدلال، وهذا القول أعدل الأقوال".

1 سورة الأعراف آية: 3.

ص: 294

ثم رد الشيخ حمد على من حكى عن بعض المتأخرين الإجماع على تقليد الأئمة الأربعة رحمهم الله فأشار إلى ما يأتي:-

1-

أن هذه الجملة حكاها الوزير أبو المظفر يحيى بن هبيرة، ومن حكاها بعده فنقلا عنه.

2-

بين مراد الوزير من حكاية جملة الإجماع على تقليد الأئمة الأربعة وأنه لا يريد الوجوب، ولا ينفي الاجتهاد عن من بعدهم.

3-

أن الوزير يحيى بن هبيرة أراد الرد على من اشترط الاجتهاد المطلق في القاضي.

4-

أراد الوزير أن يبين أن المقلد ينفذ قضاؤه.

5-

أوضح الوزير كلام من اشترط في القاضي أن يكون مجتهدا على ما كانت عليه الحال قبل استقرار المذاهب الأربعة.

6-

أن الوزير بين جواز التقليد بعد استقرار المذاهب الأربعة ولم يوجبه، ووجه الجواز أن كل واحد من الأئمة الأربعة لا يعدم الدليل وإن أخطأ في الاستدلال، أو خفى عليه الدليل الآخر.

7-

نقل الشيخ حمد كلام الوزير من الإفصاح.. وما أجمل صنعه في نقله كلام صاحب الإفصاح ليستوضح القارئ فأنقل عنه.

وبعد هذه المقدمة إليك رد الشيخ حمد على من حكى عن بعض المتأخرين الإجماع على تقليد الأئمة الأربعة، ونقله كلام ابن هبيرة فقال: هذا الإجماع حكاه غير واحد من المتأخرين، وكلهم نسبوه إلى الوزير أبي المظفر يحيى بن هبيرة صاحب الإفصاح عن معاني الصحاح، فإنه ذكر نحوا من هذه العبارة وليس مراده أن الإجماع منعقد على وجوب تقليد هؤلاء الأئمة الأربعة وأن الاجتهاد بعد استقرار هذه المذاهب لا يجوز، فإن كلامه يأبى ذلك وإنما أراد الرد على من اشترط في القاضي أن يكون مجتهدا وأن المقلد لا ينفذ قضاؤه، كما هو مذهب كثير من العلماء المتقدمين والمتأخرين، وحمل كلام من اشترط في القاضي أن يكون مجتهدا على ما كانت عليه الحال قبل استقرار هذه المذاهب الأربعة، وأما بعد استقرار هذه المذاهب، فتجوز تولية المقلد لأهلها، وينفذ قضاؤه، وليس في كلامه ما يدل على أنه يجب التقليد لهؤلاء الأئمة بحيث أن يلزم الرجل أن يتمذهب بأحد هذه المذاهب الأربعة، ولا يخرج عن مذهب من قلده كما قد يتوهم، بل كلامه بخلاف ذلك ولا يوافقه.

ص: 295

وعبارته في الإفصاح: اتفقوا على أنه لا يجوز أن يولى القضاء من ليس من أهل الاجتهاد، إلا أبا حنيفة فإنه قال يجوز ذلك، قال الوزير، والصحيح في هذه المسألة أن قول من قال لا يجوز تولية قاض حتى يكون من أهل الاجتهاد فإنه إنما عني به ما كانت الحال عليه قبل استقرار هذه المذاهب الأربعة، التي أجمعت الأمة أن كل واحد منها يجوز العمل به، لأنه مستند إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فالقاضي الآن وإن لم يكن من أهل الاجتهاد ولا يسعى في طلب الأحاديث وابتغاء طرقها، ولا عرف من لغة الناطق بالشريعة صلى الله عليه وسلم مالا يعوزه معه معرفة ما يحتاج إليه فيه وغير ذلك من شروط الاجتهاد، فإن ذلك مما قد فرغ منه ودأب له فيه سواه وانتهى له الأمر من هؤلاء الأئمة المجتهدين إلى ما أراحوا به من بعدهم، وانحصر الحق في أقاويلهم، ودونت العلوم، وانتهت إلى ما اتضح فيه الحق، فإذا عمل القاضي في أقضيته بما يأخذ عنهم أو عن الواحد منهم فإنه في معنى من كان أداه اجتهاده إلى قول قاله، وعلى ذلك فإنه إذا خرج من خلافهم متوخيا مواطن الاتفاق ما أمكنه، كان آخذا بالحزم وعاملا بالأولى، وكذلك إذا قصد في مواطن الخلاف وتوخى ما عليه الأكثر منهم والعمل بما قاله الجمهور دون الواحد، فإنه قد أخذ بالحزم والأحوط والأولى، مع جواز علمه أن يعمل بقول الواحد، إلا أنني أكره له أن يكون ذلك من حيث أنه قد قرأ مذهب واحد منهم أو نشأ في بلدة لم يعرف فيها إلا مذهب إمام واحد منهم، أو كان شيخه ومعلمه على مذهب فقيه من الفقهاء فقصر نفسه على اتباع ذلك المذهب حتى أنه إذا حضر عنده خصمان، وكان ما تشاجرا فيه مما يفتي الفقهاء الثلاثة فيه بحكم نحو التوكيل بغير رضا الخصم، وكان الحاكم (حنفيا) ، وقد علم أن مالكا والشافعي وأحمد اتفقوا على جواز هذا التوكيل، وأن أبا حنيفة يمنعه، فعدل عما اجتمع عليه هؤلاء الأئمة الثلاثة إلى ما ذهب إليه أبو حنيفة بمجرد أنه قاله فقيه هو في الجملة من فقهاء الإتباع له ومن غير أن يثبت عنده بالدليل ما قاله ولا أداه اجتهاده إلا أن أبا حنيفة أولى بالإتباع مما اتفق الجماعة عليه، فإني أخاف على هذا من الله عز وجل بأنه اتبع في ذلك هواه وأنه ليس من "الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه"، وكذلك إن كان القاضي (مالكيا) فاختصم إليه اثنان في سؤر الكلب فقضى بطهارته مع علمه بأن الفقهاء كلهم قضوا بنجاسته، فعدل إلى مذهبه، وكذلك إن كان القاضي (شافعيا) فاختصم إليه اثنان في ترك التسمية عمدا فقال أحدهما هذا منعني بيع

ص: 296

شاة مذكاة فقال الآخر إنما منعته من بيع الميتة، فقضى عليه بمذهبه وهو يعلم أن الأئمة الثلاثة على خلافه، وكذلك إن كان القاضي (حنبليا) فاختصم إليه اثنان فقال أحدهما لي عليه مال، فقال الآخر كان له على مال فقضيته، فقضى عليه بالبراءة من إقراره مع علمه بأن الأئمة الثلاثة على خلافه، فإن هذا وأمثاله مما يتوخى إتباع الأكثرين فيه أقرب عندي إلى الإخلاص وأرجح في العمل، وبمقتضى هذا فإن ولايات الحكام في وقتنا هذا صحيحة، وأنهم قد سدوا ثغرا من ثغور الإسلام سده فرض كفاية، ولو أهملت هذا القول ولم أذكره، ومشيت على الطريق الذي يمشى عليه الفقهاء الذين يذكر كل منهم في كتاب إن صنفه أو كلام إن قاله أنه لا يصح أن يكون قاضيا إلا من كان من أهل الاجتهاد، ثم يذكر من شروط الاجتهاد أشياء ليست موجودة في الحكام، فإن هذا كالإحالة أو التناقض، وكأنه تعطيل للأحكام وسد لباب الحكم، وأن لا ينفذ حق ولا يكاتب به ولا يقام بينة إلى غير ذلك من القواعد الشرعية، وهذا غير صحيح، بل الصحيح في المسألة أن ولايات الحكام جائزة، وأن حكوماتهم اليوم صحيحة نافذة، وولاياتهم جائزة شرعا1.ا. هـ.

ثم أوجز الشيخ حمد آل معمر كلام ابن هبيرة في النقاط التالية:-

1-

جواز تولية المقلد إذا تعذرت تولية المجتهد، وبين السبب وهو صعوبة توفر شروط الاجتهاد المطلق، ولربما يؤدي طلب شروط الاجتهاد إلى ترك الأحكام.

2-

أن إجماع الأئمة الأربعة حجة، وأن الحق لا يخرج عن أقوالهم، فلا يخرج القاضي عن ما أجمعوا عليه.

3-

الإجماع على انعقاد تقليد كل واحد من المذاهب الأربعة دون من عداهم من الأئمة لأن مذاهبهم مدونة قد حررت ونقحها أتباعهم.

4-

أوضح ابن معمر بأن حكاية الإجماع عند ابن هبيرة على جواز التقليد لا على وجوبه.

5-

أوضح أيضا بأن القاضي ومثله المفتي لا ينبغي له الاقتصار على مذهب واحد منهم بحيث يلتزم الفتوى به، بل عليه أن يتوخى مواطن الاتفاق وإلا توخى ما عليه الأكثر.

1 الدرر السنية جـ4 ص24-25-26.

ص: 297

6-

أن على القاضي والمفتي أن يتوخى ما عليه الدليل من أقوال الأئمة، وحينئذ يكون من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

7-

أن على المقلد أن يتنبه وأن يفطن في أقوال الأئمة، فيأخذ بما عليه الدليل ولو كان مع إمام غير إمامه، وبهذا لا يكون خارجا عن التقليد؛ لأنه لا يعد مجتهدا اجتهادا مطلقا، فهو مقلد للإمام باستدلاله ودلالته مع الدليل، فأخذه بهذا القول من أجل دليله.

8-

بين ابن معمر بأن الشخص الذي لم تتوفر فيه شروط الاجتهاد ففرضه التقليد، قال عبد الله بن الإمام أحمد:"سألت أبي عن الرجل تكون عنده الكتب المصنفة فيها قول الرسول عليه الصلاة والسلام واختلاف الصحابة والتابعين، وليس للرجل بصر بالحديث الضعيف المتروك ولا الإسناد القوي من الضعيف.. أفيجوز أن يعمل بما شاء ويتخير ما أحب منها فيفتي به ويعمل به؟.. قال: لا، لا يعمل حتى يسأل ما يؤخذ به منها فيكون يعمل على أمر صحيح، يسأل عن ذلك أهل العلم"1.

9-

بين أيضا وصف الذي يجد دليلا عند بعض الأئمة ولم يجد ما يدفعه من الأدلة عند الآخرين، فإنه يكون بذلك مقلدا باتباعه الدليل الذي عرفه من هذا الإمام.

10-

نقل ابن معمر عن شيخ الإسلام ابن تيمية في هذا الصدد ما يشفي ويكفي في الجزء الرابع من الدرر السنية جمع (ابن قاسم) صفحة 27.

11-

علق ابن معمر على كلام صاحب الإفصاح في هذا الموضوع قائلا بما يوضح مقصده ويبطل الكثير من الشبه قائلا: "وليس في كلام صاحب الإفصاح ما يقتضي التمذهب بمذهب لا يخرج عنه، بل كلامه صريح في ضد ذلك، وهذه الشبهة ألقاها الشيطان على كثير ممن يدعي العلم، وصال بها أكثرهم فظنوا أن النظر في الأدلة أمر صعب لا يقدر عليه إلا المجتهد المطلق، وأن من نظر في الدليل وخالف إمامه لمخالفة قوله لذلك الدليل فقد خرج عن التقليد، ونسب نفسه إلى الاجتهاد المطلق، واستقرت هذه الشبهة في قلوب كثير حتى آل الأمر بهم إلى أن (تقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون) ، وزعموا أن هذا هو الواجب

1 الدرر السنية جـ4 ص26-27.

ص: 298

عليهم وأن من انتسب إلى مذهب إمام فعليه أن يأخذ بعزائمه ورخصه، وإن خالف نص كتاب أو سنة، فصار إمام المذهب عند أهل مذهبه كالنبي في أمته، لا يجوز الخروج عن قوله، ولا يجوز مخالفته، فلو رأى واحداً من المقلدين قد خالف مذهبه وقلد إماما آخر في مسألة لأجل الدليل الذي استدل به قالوا: هذا قد نسب نفسه إلى الاجتهاد ونزل نفسه منزلة الأئمة المجتهدين، وإن كان لم يخرج عن التقليد، وإنما قلد إماما دون إمام آخر لأجل الدليل، وعمل بقوله تعالى:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} 1 2.

والقصد من استعراض أقوال هؤلاء العلماء الإشارة إلى أن أنصار أئمة الدعوة يؤيدون الدليل ويعتمدون عليه، ويشنون الغارة على من خالفه وقلد أحدا مع وضوح الدليل. وهذا الفهم تبعاً لإمامهم محمد بن عبد الوهاب رحمه الله.

ومما قاله الشيخ حمد بن ناصر بن معمر رحمه الله: أن المقلد الذي لم تجتمع فيه الشروط ففرضه التقليد وسؤال أهل العلم.

ثم أوضح رحمه الله الرد على من تعصب لإمام من الأئمة وحاول أن يتملص عن الأخذ بالدليل بما يشفي ويكفي ويحفظ لنا سلامة الأخذ بالدليل وكرامة الأئمة: (فالمتعصبون للمذاهب إذا وجدوا دليلا ردوه إلى نص إمامهم، فإن وافق الدليل نص الإمام قبلوه، وإن خالفه ردوه واتبعوا نص الإمام. واحتالوا في رد الأحاديث بكل حيلة يهتدون إليها، فإذا قيل لهم هذا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.. قالوا: أأنت أعلم بالحديث من الإمام الفلاني؟ مثال ذلك: إذا حكمنا بطهارة بول ما يؤكل لحمه، وحكم الشافعي بنجاسته وقلنا له قد دل على طهارته حديث العرنيين، وهو حديث صحيح، وكذلك حديث أنس في

1 سورة النساء آية: 59.

2 الدرر السنية جـ4 ص27-28.

ص: 299

الصلاة في مرابض الغنم، فقال هذا المنجس لأبوال مأكول اللحم: أأنت أعلم بهذه الأحاديث من الإمام الشافعي؟ فقد سمعها ولم يأخذ بها.

فنقول له: قد خالف الشافعي في هذه المسألة من هو مثله أو هو أعلم منه، كمالك والإمام أحمد - رحمهما الله - وغيرهما من كبار الأئمة، فنجعل هؤلاء الأئمة بإزاء الشافعي ونقول: إمام بإمام، وتسلم لنا الأحاديث، ونرد الأمر إلى الله والرسول عند تنازع هؤلاء الأئمة، ونتبع الإمام الذي أخذ بالنص، ونعمل بقوله كما قال تعالى:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} 1.

فنمتثل ما أمر الله به، وهذا هو الواجب علينا، ولسنا في هذا العمل خارجين عن التقليد، بل خرجنا من تقليد إمامهم إلى تقليد إمام آخر لأجل الحجة التي أدلى بها من غير معارض لها ولا ناسخ.

فالانتقال من مذهب إلى مذهب آخر لأمر ديني بأن تبين له رجحان قول على قول، فيرجع إلى القول الذي يرى أنه أقرب إلى الدليل، مثاب على فعله، بل واجب على كل أحد إذا تبين له حكم الله ورسوله في أمر ألا يعدل عنه ولا يتبع أحدا في مخالفة أحد في مخالفة حكم الله ورسوله، فإن الله فرض على الخلق طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم 2.

وللشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين جواب يقضي بوجوب الأخذ بالكتاب والسنة والاعتماد عليهما، ورد ما سواهما مما يخالفهما فيقول:(لا ريب أن الله سبحانه وتعالى فرض على عباده طاعته وطاعة رسوله)، قال تعالى:{اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} 3.

1 سورة النساء آية: 59.

2 الدرر السنية جـ4 ص28.

3 سورة الأعراف آية: 3.

ص: 300

وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ} 1.وقال تعالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} 2.

ولم يوجب الله سبحانه وتعالى على الأمة طاعة أحد بعينه في كل ما يأمر به إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال ابن عبد البر أجمع العلماء على أن المقلد ليس معدودا من أهل العلم وأن العلم معرفة الحق بدليله. وقال الشافعي رحمه الله تعالى: أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد من الناس) 3.

وكذلك الشيخ سليمان بن سحمان حيث قال رحمه الله تعالى: (فالواجب على من نصح نفسه وأراد نجاتها وكان من أهل العلم أن ينظر القول الذي يدل عليه الكتاب والسنة من الأقوال المتنازع فيها، اتباعا لقوله تعالى:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} 4.

فإن طاعة الله ورسوله واجبة على كل واحد في كل حال، وأقوال أهل الإجماع والمفتين والحكام وغيرهم إنما اتبعت لكونها تدل على طاعة الله ورسوله، وإلا فلا تجب طاعة مخلوق لم يأمر الله بطاعته، وطاعة الرسول طاعة لله، وهذا حقيقة التوحيد الذي يكون كله لله، وإذا عرف أن القول قد قاله بعض أهل العلم ومعه دلالة الكتاب والسنة

1 سورة الأنفال آية: 20.

2 سورة النور آية: 54.

3 الدرر السنية جـ4 ص33-34.

4 سورة النساء آية: 59.

ص: 301

كان هو الراجح، وإن كان قد قال غيره ممن هو أكبر من قائل ذلك القول، فإن ذلك القول هو الذي ظهر أن فيه طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم 1.

وهؤلاء تلاميذ أئمة الدعوة ينهجون منهج شيخهم محمد بن عبد الوهاب قدس الله روحه ونور ضريحه، ويبينون بأن طريقتهم الاعتماد على الكتاب والسنة، فدل ذلك على أن إمام الدعوة محمد بن عبد الوهاب وأحفاده وتلاميذهم رحمهم الله لا يرون التقليد الجامد ولا الأخذ بأقوال العلماء بدون نظر في الدليل إلا عند العجز عن معرفة الدليل، أو للعامي الذي لا يعرف النظر في الدليل وليس له إلا ما قيل له، وهذا أمر لا بد منه. قال تعالى:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} 2.

وفي الحديث الشريف "ألا سألوا إذا جهلوا فإن شفاء العي السؤال"3.

وعلم مما تقدم الرد على من قال: إن إمام الدعوة وأحفاده وتلاميذه عندهم تعصب للمذهب كبعض أصحاب المذاهب.

وقال أحمد عبد الغفور عطار في كتابه محمد بن عبد الوهاب: "نعرض الإسلام عرضا صحيحا منزها من البدع مبرأ من الخرافات، والإسلام دين التوحيد، والتوحيد ينافي الشرك، ومن هنا دعا إلى الله وحده، وإلى صرف العبادات كلها له دون سواه. وبدأ الدعوة كما بدأ الرسل ولم يتجه إلى المجتمع يصلح نظامه وقوانين أعماله ومكاسبه، بل اتجه إلى العقيدة، فأبان للناس عقيدة الإسلام كما يفصح عنها الوحي كتاباً وسنة، لا يتجاوزه إلى ما اتخذه علماء الكلام من فلسفات يعسر معها فهم الإسلام السهل، وأصحب إفصاحه عن عقيدة الإسلام أركانه التي يقوم عليها.

وكان موفقاً في منهجه الذي اتبعه، فهو مدرك أن إصلاح الظاهر دون الباطن طلاء مغشوش وبريق خادع، أما إصلاح الباطن فهو الذي يهدي إلى أن يكون إصلاح الظاهر إصلاحاً صحيحاً لا فحش فيه ولا خداع، ووفقه الله لما كان يتمنى من الإصلاح.

وبدأ محمد بن عبد الوهاب إصلاحه مع الأمير؛ لأن الناس تبع السلطان، وحذر الناس الاتباع الأعمى وبصرهم بالإسلام، وعلمهم إياه في أسلوب سهل وإيجاز مستوعب

1 الدرر السنية جـ4 ص55-56.

2 سورة النحل آية: 43، وسورة الأنبياء آية:7.

3 أبو داود: الطهارة (336) .

ص: 302

وهداهم إلى الرشد، فإذا الإسلام يعود من جديد إلى الدرعية، ويدوي القرآن في حجرات البيوت من قصر السلطان إلى أكواخ الفلاح) 1. ا. هـ.

ومعلوم أن اعتماد الشيخ على الكتاب والسنة في مؤلفاته، وهذا ما تفيده كتابة العطار لتطابقها مع دعوة الشيخ ومقتضاها، ولعل هذا الكاتب لم يكتب إلا بعد الاطلاع، ولهذا قال في صفحة 159 من هذا الكتاب عن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب:(ودعوة محمد بن عبد الوهاب ليست دعوة خاصة ولا شخصية من مبتكراته، بل هي الإسلام في حقيقته كما جاء به الوحي المقدس من كتاب وسنة، لا يزيد على الوحي شيئا من عنده، لم يبتدع؛ لأنه خصم البدعة العنيد)2.ا. هـ

(لما تكلم على حقيقة الدعوة الوهابية وأشار إلى بطلان أقوال المتقولين عليه وقال: إذا نقدنا أقواله كلها ومحصنا جميع أعماله، فإننا لا نجد في ذلك كله إلا الحق الذي جاء به الإسلام وقرره وأقره، فهو لم يدع إلى غير الإسلام في بلاد غيرت عقائده وشعائره ومعالمه، ولم يدع إلا إلى ما دعا إليه الكتاب والسنة، ولم يحكم في حياته قط غيرهما، ولم يدع إلى منكر أو باطل، ولم يتبع غير سبيل الرشد، وما عمله ليس إلا صلحاً وإصلاحاً، فدعوته إلى الرجوع إلى الإسلام دون أن يأتي بتغيير في أصوله وفروعه ومبادئه ولا في نصوص أو تفسيرها تفسيراً جديداً.3.

وخلط من عاصروا الشيخ بين دعوته ومذهبه، أو فسروا دعوته على أنها مذهب خارج على الإسلام، وما كان له مذهب خاص به- بل له دعوه، وما دعوته إلا الإسلام في صفائه ونقائه.

ولقد قال له أعداؤه ما لم يقل، ونسبوا إليه قصصاً وروايات وأحاديث وأقوالاً وأفعالاً لم تصدر منه، فكتبه ورسائله بين أيدي الناس ليس فيها شيء مما زعموا، بل نقيض ما زعموا، وهو لا يحاسب على الأباطيل والأكاذيب المنسوبة إليه، وليس عليه وزر ما لم يقل أو لم يفعل، ومن خصومه العلماء الذين حرفوا أقواله". هذه مقالات أحفاد الشيخ وغيرهم في الاعتماد على الكتاب والسنة والواقع يصدق ذلك.

1 كتاب محمد بن عبد الوهاب لأحمد عبد الغفور عطار ص120.

2 كتاب محمد بن عبد الوهاب لأحمد عبد الغفور عطار ص159.

3 كتاب محمد بن عبد الوهاب لأحمد عبد الغفور عطار ص168.

ص: 303