المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الرابع: في اعتناء الشيخ بتوحيد العبادة - اعتماد دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب على الكتاب والسنة - صالح الأطرم

[صالح بن عبد الرحمن الأطرم]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الباب الأول: نبذة عن حياة الشيخ

- ‌الفصل الأول: ترجمة موجزة وتتلخص في النقاط التالية

- ‌الفصل الثالث: الحالة الاجتماعية في زمن الشيخ

- ‌الفصل الرابع: سبب قيام دعوة الشيخ

- ‌الباب الثاني: ما قيل عن اعتماد فقه الشيخ محمد بن عبد الوهاب على الكتاب والسنة

- ‌المقدمة

- ‌الفصل الأول: القواعد الأربع التي قررها الشيخ لدوران الدين عليها

- ‌الفصل الثاني: في كلام الشيخ عن طريقة الأخذ فيما اختلف فيه العلماء وأقوالهم

- ‌الفصل الثالث: في كلام الشيخ على قولهم: اتفاق العلماء حجة واختلافهم رحمة

- ‌الفصل الرابع: في كلام الشيخ على من قال: [لا يقرأ الكتاب لعدم إمكان فهمه]

- ‌الفصل الخامس: في كلام الشيخ على الذين يحاولون طرح أقوال العلماء وبيان مبدئه وموقفه منها

- ‌[الفصل السادس]

- ‌الفصل السابع: كلامه في المدينة لما سئل عن الأصوات عند قبر الرسول

- ‌الفصل الثامن: فيما قاله أحفاد الشيخ في اعتماده على الكتاب والسنة

- ‌الفصل التاسع":فيما قاله غير أحفاد الشيخ مما يدل على اعتماد الشيخ وأحفاده على الكتاب والسنة

- ‌الفصل العاشر ": في ثناء العلماء على الشيخ

- ‌الفصل الحادي عشر: الأصول التي دعا إليها الشيخ

- ‌الباب الثالث: الاستدلال على اعتماده في مؤلفات العقائد على الكتاب والسنة

- ‌الفصل الأول: في ثلاث مسائل يجب تعلمها

- ‌الفصل الثاني":" في المسألة التي بها نجاة المسلم من الخسارة والهلاك

- ‌الفصل الثالث":" مراتب الدين

- ‌الفصل الرابع: في اعتناء الشيخ بتوحيد العبادة

- ‌الفصل الخامس: القواعد الأربع التي قرر بها توحيد العبادة

- ‌الفصل السادس: ما ورد في مؤلفه كتاب "فضل الإسلام" من اعتماده على الكتاب والسنة

- ‌الفصل السابع: فيما ألفه في أصول الإيمان

- ‌الفصل الثامن: وجوب اعتقاد حق الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل التاسع: في لزوم السنة والتحذير من البدع واستدلاله على ذلك

- ‌الفصل العاشر: في وجوب عداوة أعداء الله واستدلاله على ذلك

- ‌الفصل الحادي عشر: من كتابه "مسائل الجاهلية

- ‌الفصل الثاني عشر: ستة موضوعات من السيرة لها صلة قوية بأسس الدعوة

- ‌الفصل الثالث عشر: من مؤلفاته تلقين أصول العقيدة للعامة عن طريق السؤال والجواب

- ‌الفصل الرابع عشر: في معنى الطاغوت

- ‌الفصل الخامس عشر: في كتابه "الكبائر

- ‌‌‌الباب الرابع: في مؤلفات الشيخ فيما عدا العقائد

- ‌الباب الرابع: في مؤلفات الشيخ فيما عدا العقائد

الفصل: ‌الفصل الرابع: في اعتناء الشيخ بتوحيد العبادة

‌الفصل الرابع: في اعتناء الشيخ بتوحيد العبادة

واعتنى الشيخ رحمه الله في تحقيق توحيد العبادة وبيان ما ينافيه أو ينافي كماله، وألف في ذلك كتابا عظيما أسماه "كتاب التوحيد"، جعله سبعة وستين باباً، وكل باب منها ليس له فيه إلا مجرد العنوان والترجمة المتضمنة للحكم، ثم يستدل على هذا بآيات قرآنية وأحاديث نبوية، وأعقب كل باب بمسائل عظيمة تستفاد منه، وقد صدر هذا الكتاب بوجوب توحيد العبادة، فاستدل على وجوب التوحيد بقوله تعالى:{وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً} 1.

ونظائرها من الآيات ومن الأحاديث النبوية ما اتفق عليه البخاري ومسلم من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "أتدري ما حق الله على العباد، وما حق العباد على الله.. فقال معاذ: الله ورسوله أعلم، قال عليه السلام: حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا " 2.

فدل هذا الحديث أن لله حقاً على العباد، وهو عبادته وعدم الشرك به، وبعد أن بين الشيخ وجوب التوحيد بين فضله.

قال الشيخ: باب فضل التوحيد، وما يكفر من الذنوب، ثم استدل بآية الأنعام:{الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} 3.

1 سورة النساء آية: 36.

2 أخرجه البخاري في كتاب اللباس. باب إرداف الرجل خلف الرجل حديث رقم 5967، جـ10 ص397، ومسلم في كتاب الإيمان باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعا حديث 30 جـ1 ص 58.

3 سورة الأنعام آية: 82.

ص: 323

وبجملة أحاديث كلها تدل على فضل التوحيد دلالة واضحة، منها ما أخرجاه في الصحيحين عن عتبان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله حرم الله وجهه على النار"1.

فانظر إلى هذا الاستدلال ووضوحه من الآيات والأحاديث. ثم قال: باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب ولا عذاب. واستدل بآيات قرآنية وأحاديت نبوية لا يستطيع أحد أن ينكر الاستدلال بها، ثم قال: باب الخوف من الشرك.. واستدل بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} 2.

فإذا حكم على المشرك بعدم المغفرة وجب الخوف من الشرك، واستدل بآيات أخرى وأحاديث نبوية كلها واضح فيها وجه الاستدلال، واستدل على وجوب الدعوة إلى التوحيد بقوله تعالى:{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} 3.

وحديث ابن عباس في بعث معاذ إلى اليمن، وتعليمه كيف تكون الدعوة، واستدل أيضا على وجوب الدعوة وفضلها في حديث سهل في فتح خيبر، والشاهد منه قول الرسول لعلي ابن أبي طالب "ثم ادعهم إلى الإسلام" 4 مبينا فضل هذه الدعوة لقوله:"فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم"5.

ثم قال رحمه الله: باب تفسير شهادة أن لا إله إلا الله، ثم استدل بقوله تعالى:{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلَاّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} 6.

1 أخرجه البخاري في كتاب الصلاة حديث رقم 425 جـ1/519.

2 سورة النساء آية: 48.

3 سورة يوسف آية: 108.

4 البخاري: الجهاد والسير (2942) والمغازي (4210)، ومسلم: فضائل الصحابة (2406) ، وأحمد (5/333) .

5 أخرجه البخاري في كتاب الجهاد. باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم الناس إلى الإسلام. حديث رقم 2943 جـ6/111.

6 سورة الزخرف آية: 26-27-28.

ص: 324

وبحديث "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإن فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله عز وجل"1.

ثم ابتدأ بجزئيات تنافي التوحيد وتنافي كماله، منها: لبس الحلقة لجلب النفع أو لدفع الضر، وأبطل ذلك بقوله تعالى:{قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ} 2.

وبقوله صلى الله عليه وسلم للرجل الذي رأى عليه حلقة من صفر وأخبره بأنها عن الواهنة فقال له: "انزعها لا تزيدك إلا وهنا" 3 واستدل على بطلان التمائم بقوله عليه الصلاة والسلام: "من علق تميمة لا أتم الله له" 4 وغير ذلك من الأحاديث. واستدل رحمه الله على بطلان التبرك بالأشجار والأحجار بآية {أَفَرَأَيْتُمُ اللَاّتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى} 5.

وبحديث فيه أن الصحابة طلبوا من الرسول أن يجعل لهم شجرة يتبركون بها، فأنكر عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم أشد الإنكار، واستدل على صرف الذبح لله وتحريمه لغير الله بآيات قرآنية وأحاديث نبوية.

وهكذا في سائر أبواب مؤلفه رحمه الله المسمى بكتاب التوحيد. ومن شك في ذلك فليراجع هذا المؤلف، فإنه سيجد ما يشفيه ويكفيه من الأدلة ويطمئنه ويؤكد له أن الشيخ يعتمد اعتمادا كلياً على الكتاب والسنة لاسيما في باب التوحيد والعقائد وكشف الشبهات.

1 أخرجه البخاري في كتاب الإيمان حديث رقم 25 جـ1/75 ومسلم في الإيمان حديث 20 جـ1/51.

2 سورة الزمر آية: 38.

3 ابن ماجه: الطب (3531) ، وأحمد (4/445) .

4 أخرجه ابن ماجه في كتاب الطب -باب تعليق التمائم حديث رقم 3531 جـ2 ص1167

5 سورة النجم آية: 19-20.

ص: 325

من مؤلفات الشيخ

كشف الشبهات بأدلتها

وهاك نموذجاً مما قاله واستدل عليه في هذا المؤلف، ولعلك تراجع بقيته، فيتضح لك استدلال الشيخ على كل مسألة وشبهة إن كنت شاكاً في اعتماد الشيخ في دعوته على الكتاب والسنة.

ذكر إقرار الكفار بتوحيد الربوبية، وذكر أنه لم يدخلهم في الإسلام بل قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أقروا بتوحيد العبادة، فإذا أردت الدليل على أن هؤلاء الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يشهدون بهذا فاقرأ قوله تعالى:{قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ} 1.

وقوله: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} 2.

1 سورة يونس آية: 31.

2 سورة المؤمنون آية: 86-87-88-89.

ص: 326

وغير ذلك من الآيات، فإذا تحققت أنهم مقرون بهذا ولم يدخلهم في التوحيد الذي دعاهم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وعرف أن التوحيد الذي جحدوه هو توحيد العبادة الذي يسميه المشركون في زماننا الاعتقاد، كما كانوا يدعون الله سبحانه ليلاً ونهاراً، ثم منهم من يدعو الملائكة لأجل صلاحهم وقربهم من الله ليشفعوا له، أو يدعو رجلاً صالحاً مثل اللات أو نبياً مثل عيسى.

وعرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلهم على هذا الشرك، ودعاهم إلى إخلاص العبادة لله وحده، كما قال تعالى:{فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} 1.

وقال: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ} 2

وتحققت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلهم ليكون الدعاء كله لله، والنذر كله لله، والذبح كله لله، والاستغاثة كلها لله، وجميع أنواع العبادات كلها لله، وعرفت أن إقرارهم بتوحيد الربوبية لم يدخلهم في الإسلام، وأن قصدهم الملائكة والأنبياء والأولياء يريدون شفاعتهم والتقرب إلى الله بذلك، هو الذي أحل دماءهم وأموالهم، عرفت حينئذ التوحيد الذي دعت إليه الرسل، وأبى عن الإقرار به المشركون، وهذا التوحيد هو معنى قولك "لا إله إلا الله".

فدل هذا الكلام المتقدم والذي سننقله لك عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وقد فهمه من نصوص القرآن على ما يأتي:

1.

أن الكفار يقرون بتوحيد الربوبية.

2.

أنه لم يدخلهم في الإسلام.

1 سورة الجن آية: 18.

2 سورة الرعد آية: 14.

ص: 327

3-

أن معنى "لا إله إلا الله" يشمل النوعين.

4-

أن الكفار الذين قاتلهم الرسول يفهمون معناها، ولهذا قالوا كما حكى الله عنهم:{أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} 1.

5-

أن كفار أهل زماننا لا يفهمون معناها؛ لأنهم يقولونها، ومع ذلك تخالفه أفعالهم فيعبدون القبور، ويدعون الأولياء والصالحين، ولو عرفوا معناها حقيقة لما عبدوهم وما استغاثوا بهم، وأما الكفار فلم ينطقوا بها؛ لأنهم لم يعملوا بمعناها، وكل هذا ساق الشيخ عليه الأدلة، وبين أن الشرك لا يغفر لصاحبه، واستدل بقوله تعالى:

{إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء} 2.

وبين أن من عرف دين الله الذي أرسل به الرسل من أولهم إلى آخرهم الذي لا يقبل الله من أحد ديناً سواه، أنه يستفيد فائدتين:

الأولى: فضل الله ورحمته، ثم استدل بقول الله:{قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} 3.

الثانية: الخوف العظيم، فإنك إذا عرفت أن الإنسان يكفر بكلمة يخرجها من لسانه وقد يقولها وهو جاهل فلا يعذر بالجهل، وقد يقولها وهو يظن أنها تقربه إلى الله تعالى كما ظن المشركون، ثم استدل بطلب قوم موسى مع صلاحهم.

{اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} 4.

1 سورة ص آية: 5.

2 سورة النساء آية: 48.

3 سورة يونس آية: 58.

4 سورة الأعراف آية: 138.

ص: 328

فاستدلال الشيخ على هاتين الفائدتين بهاتين الآيتين واضح لا يستطيع أحد إنكاره. وفي سياق كشف الشبهات بين رحمه الله بأن الله لم يبعث نبيا إلا جعل له أعداء. ثم استدل على ما قاله بقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} 1.

واستدل أيضاً رحمه الله بأن هؤلاء الأعداء قد يكون لهم حجج وعلوم، يقول تعالى:{فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ} 2.

ثم بين أن الواجب على المسلم أن يتعلم من دين الله ما يقاتل به الأعداء الذين قعدوا له على الطريق، كما قال إمامهم ومقدمهم:{لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} 3.

ثم بين أن هؤلاء الأعداء يضعفون أمام من تسلح بدين الله. واستدل بقوله تعالى: {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً} 4.

ثم بين أن العامي من الموحدين يغلب الألف من غيرهم وأنه لا خوف عليه إذا سلك الطريق وإنما الخوف على ضعيف التوحيد، واستدل بقوله تعالى:{وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} 5.

1 سورة الأنعام آية: 112.

2 سورة غافر آية: 83.

3 سورة الأعراف آية: 16-17.

4 سورة النساء آية: 76.

5 سورة الصافات آية: 173.

ص: 329

ثم استدل رحمه الله على أنه مهما جاء أهل الباطل بشبهة ففي القرآن ما يبطلها، واستدل بقوله تعالى:{وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَاّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً} 1.

وهذه الآيات عامة في كل حجة يأتي بها أهل الباطل إلى يوم القيامة.

ثم ذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله بأنه سيكشف هذه الشبه بآيات قرآنية، وأن لهم جوابين مجمل ومفصل، أما المجمل فهو الأمر العظيم والفائدة الكبيرة لمن عقلها وذلك قوله تعالى:{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ} 2.

وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم"3.

مثال ذلك إذا قال بعض المشركين:

{أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} 4، وأن الشفاعة حق؛ وأن الأنبياء لهم جاه عند الله.

وذكر كلاماً للنبي عليه الصلاة والسلام يستدل به على شيء من باطله- وأنت لا تفهم معنى الكلام الذي ذكره، فجاوبه بقولك: إن الله ذكر في كتابه أن الذين في قلوبهم زيغ يتركون المحكم، ويتبعون المتشابه.

وهكذا استمر الشيخ محمد بن عبد الوهاب في إيراد الشبه وجوابها، والاستدلال على بطلانها من القرآن والسنة، يجد ذلك واضحا من أحب الحقيقة واطلع على كشف الشبهات، والمقصود ذكر نموذج منه كما تقدم.

1 سورة الفرقان آية: 33.

2 سورة آل عمران آية: 7.

3 أخرجه البخاري في كتاب التفسير. باب منه آيات محكمات. حديث رقم 4547 جـ8/209.

4 سورة يونس آية: 62.

ص: 330