الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول: القواعد الأربع التي قررها الشيخ لدوران الدين عليها
قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب قدس الله روحه ونور ضريحه: "هذه أربع قواعد من قواعد الدين التي تدور الأحكام عليها، وهي من أعظم ما أنعم الله به على محمد صلى الله عليه وسلم وأمته، حيث جعل دينهم دينا كاملا وافيا، وأكمل وأكثر علما من جميع الأديان، ومن ذلك جمعه لهم في لفظ قليل، وهذا ما ينبغي التفطن له قبل معرفة القواعد الأربع، وهو أن تعلم قول النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر ما خصه الله به على الرسل يريد منا أن نعرف منة الله علينا ونشكرها. قال: لما ذكر الخصائص " وأعطيت جوامع الكلم " 1. قال إمام الحجاز محمد بن شهاب الزهري معناه: أن يجمع الله له المسائل الكثيرة في الألفاظ القليلة.
القاعدة الأولى: تحريم القول على الله بلا علم؛ لقوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} 2.
القاعدة الثانية: أن كل شيء سكت عنه الشارع فهو عفو لا يحل لأحد أن يحرمه أو يوجبه أو يستحبه أو يكرهه؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلوا
1 رواه البخاري 12/390 في كتاب التعبير رقم الحديث 6998 ، ورواه مسلم 1/371 كتاب المساجد.
2 سورة الأعراف آية: 33.
عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ} 1.
قال النبي صلى الله عليه وسلم "وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تسألوا عنها"2.
القاعدة الثالثة: أن ترك الدليل الواضح والاستدلال بلفظ متشابه هو طريق أهل الزيغ كالرافضة والخوارج، قال الله تعالى:{فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} 3.
والواجب على المسلم اتباع المحكم، فإن عرف معنى المتشابه وجده لا يخالف المحكم بل يوافقه، وإلا فالواجب عليه اتباع الراسخين في العلم في قولهم:{آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} 4.
القاعدة الرابعة: أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن "الحلال بين وأن الحرام بين وبينهما أمور متشابهات" 5، فمن لم يفطن لهذه القاعدة وأراد أن يتكلم على كل مسألة بكلام فاصل فقد ضل وأضل.
فهذه أربع قواعد ثلاث ذكرها الله في كتابه والرابعة ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم6، وهي واضحة في بيان مسلك الشيخ نحو الكتاب والسنة، فهل يقوى أحد
1 سورة المائدة آية: 101.
2 أخرجه الدارقطني 4/297-298. قال النووي في الأربعين: حديث حسن.
3 سورة آل عمران آية: 7.
4 سورة آل عمران آية: 7.
5 رواه البخاري في كتاب الإيمان 1/126 حديث رقم 52.
6 الدرر السنية جـ4 صفحة 1.
بعد هذا أن يرميه بالتعصب والهوى؟ ثم إن هذه القواعد شاملة لجميع العلوم الشرعية كما لفت رحمه الله نظر القارئ لها بقوله: "اعلم رحمك الله أن هذه الكلمات الأربع مع اختصارها يدور عليها الدين، سواء كان المتكلم يتكلم في علم التفسير، أو في علم الأصول، أو في علم أعمال القلوب -الذي يسمى علم السلوك-، أو في علم الحديث، أو في علم الحلال والحرام، أو الأحكام الذي يسمى الفقه.. أو على علم الوعد والوعيد، أو في غير ذلك من أنواع علوم الدين"1.
وأنا أمثل لك مثلا تعرف به صحة ما قلته، وتحتذي به إن فهمته، وأمثله لك في فن من فنون الدين وهو علم الفقه -وكما قرر إمام الدعوة في هذه القواعد ما يلزم المتكلم من الاستدلال الصريح، قرر أيضا أن للشريعة قواعد كلية تستدل بها على الجزئيات، ولا يستغني طالب العلم عن معرفتها، فالمستدل بقاعدة من الشرع على جزئية فهو كالمستدل بنص صريح في جزئية ما؛ لأن الشريعة لم تأت بجزئيات المسائل وتفاصيلها- لذا صارت شاملة وكاملة إلى يوم القيامة، وكلما حدثت واقعة جديدة أدخلها من نوّر الله بصيرته تحت قواعد الشريعة.
قال الشيخ رحمه الله تعالى: "ومن أعظم ما مَنَّ الله به عليه صلى الله عليه وسلم وعلى أمته أعطاه جوامع الكلم" فيذكر الله تعالى في كتابه كلمة واحدة تكون قاعدة جامعة يدخل تحتها من المسائل ما لا يحصى، وكذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد خصه الله بالحكمة الجامعة.
ومن فهم هذه المسائل فهماً جيدا فهم قول الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} 2.
وهذه الكلمة أيضا من جوامع الكلم؛ إذ الكامل لا يحتاج إلى زيادة، فعلم منه بطلان كل محدث بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، كما أوصانا به في قوله صلى الله عليه وسلم "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، وإياكم
1 الدرر السنية جـ4 صفحة 1-2.
2 سورة المائدة آية: 3.
ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار" 1.
ونفهم أيضا معنى قوله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} 2.
فإذا كان الله سبحانه قد أوجب علينا أن نرد ما تنازعنا فيه إلى الله -أي إلى كتاب الله- وإلى الرسول صلى الله عليه وسلم أي إلى سنته. علمنا قطعا أن من رد إلى الكتاب والسنة ما تنازع الناس فيه وجد فيه ما يفصل النزاع) 3.
وبعد سياق هذه القواعد التي تبين كمال الدين وشموله لكل جزئية، ووجوب الرد إليه، لم تره خالف ما قرره حتى وافته المنية رحمه الله، لا سيما أنه أتبع ما قرره بقوله هنا وفعله في مؤلفاته.
1رواه أبو داود في كتاب السنة جـ4/200-201 حديث رقم 4607، والترمذي في كتاب العلم حديث رقم 2676 جزء 5 صفحة 44.
2 سورة النساء آية: 59.
3 الدرر السنية جـ4 صفحة 4.