المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌مقدمة … الأثر المشهور عن الإمام مالك رحمه الله في صفة الاستواء - الأثر المشهور عن الإمام مالك رحمه الله في صفة الاستواء

[عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

-

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: ترجمة موجزة للإمام مالك بن أنس رحمه الله

- ‌المبحث الثاني: في ذكر معتقد أهل السنة والجماعة في صفة الاستواء بإيجاز

- ‌المبحث الثالث: في بيان أهميّة القواعد وعظم نفعها في معرفة صفات الباري

- ‌الفصل الأوَّل: في تخريج هذا الأثر، وبيان ثبوته وذكر الشواهد عليه من الكتاب والسنة وأقوال السلف الصالح

- ‌المبحث الأوَّل: تخريج هذا الأثر وبيان ثبوته عن الإمام مالك رحمه الله

- ‌المبحث الثاني: ذكر الشواهد على هذا الأثر من الكتاب والسنة

- ‌المبحث الثالث: ذكرُ نظائر هذا الأثر مما جاء عن السلف الصالح

- ‌المبحث الرابع: ذكر كلام أهل العلم في التنويه بهذا الأثر وتأكيدهم على أهميته، وجعله قاعدة من قواعد توحيد الأسماء والصفات

- ‌الفصل الثاني: في ذكر معنى هذا الأثر،وبيان مدلوله، وما يستفاد منه من ضوابط في توحيد الأسماء والصفات

- ‌المقدمة

- ‌المبحث الأوّل:

- ‌المبحث الثاني:

- ‌المبحث الثالث:

- ‌المبحث الرابع:

- ‌الفصل الثالث: في إبطال تحريفات أهل البدع لهذا الأثر

-

- ‌الفصل الرابع: في ذِكر فوائد عامة مأخوذة من هذا الأثر

- ‌المبحث الأول:

- ‌المبحث الثاني:

- ‌المبحث الثالث:

- ‌الخاتمة

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌ ‌مقدمة … الأثر المشهور عن الإمام مالك رحمه الله في صفة الاستواء

‌مقدمة

الأثر المشهور عن الإمام مالك رحمه الله في صفة الاستواء دراسة تحليلية

بقلم: عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر

بسم الله الرحمن الرحيم

إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله.

{يأَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ ولا تَمُوتُنَّ إلَاّ وأنتُم مُسْلِمُونَ} .

{يأيّها الناسُ اتّقُوا ربَّكمُ الَّذي خَلَقَكُم مِن نَفْسٍ واحِدَةٍ وخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً واتَّقُوا اللهََ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ والأَرْحامَ إِنَّ اللهَ كان عَلَيْكُمْ رَقِيباً} .

{يَأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا اتَّقُوا اللهَ وقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكمْ ويَغْفِرْ لَكمْ ذُنوبَكُمْ ومَن يُطِعِ اللهَ ورَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} .

أما بعد، فلا ريب في عِظم فضل وكبر شرف العلم بأسماء الله وصفاته الواردة في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وفهمها فهماً صحيحاً سليماً بعيداً عن تحريفات المحرّفين وتأويلات الجاهلين؛ إذ إنَّ شرف العلم تابعٌ لشرف معلومه، وما من ريب أنَّ أجَلَّ معلوم وأعظمه وأكبره هو الله الذي لا إله إلاّ هو رب العالمين، وقيّوم السموات والأرضين، الملك الحقّ المبين، الموصوف بالكمال كلّه، المنزَّه عن كلِّ عيب ونقص، وعن كلِّ تمثيل وتشبيه في كماله {ذَالِكُمْ اللهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ فَاطِرُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} 1.

ولا ريب أنَّ العلم بالله تعالى وبأسمائه وصفاته وأفعاله أجَلُّ العلوم وأفضلُها وأشرفُها، ونسبة ذلك إلى سائر العلوم كنسبة معلومه إلى سائر المعلومات،

1 سورة الشورى، الآيتان:(10،11) .

ص: 13

والعلم به – سبحانه - هو أصل كلِّ علم، وهو أصل علم العبد بسعادته وكماله ومصالح دنياه وآخرته، والجهل به مستلزم للجهل بنفسه ومصالحها وكمالها وما تزكو به، فالعلم به – سبحانه - عنوان سعادة العبد في الدنيا والآخرة، والجهل به أصل شقاوته في الدنيا والآخرة، ومن عرف الله عرف ما سواه، ومن جهل ربّه فهو لما سواه أجهل، قال الله تعالى:{وَلَا تَكُونُوا كالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ} 1، وقد دلّت هذه الآية على معنى شريف عظيم، وهو أنَّ من نسيَ ربَّه أنساه ذاتَه ونفسَه فلم يعرف حقيقته ولا مصالحه، بل نسي ما به صلاحه وفلاحه في معاشه ومعاده فصار معطَّلاً مهملاً2.

ولهذا فإنَّ العناية بفهم هذا العلم وضبطه وعدم الغلط فيه أمر متأكّد على كلِّ مسلم، وقد كان أئمّة المسلمين، الصحابة ومن تبعهم بإحسان على نهجٍ واحدٍ في هذا العلم وعلى طريقة واحدة، ليس بينهم في ذلك نزاع ولا خلاف، "بل كلُّهم [بحمد الله] على إثبات ما نطق به الكتاب والسنة كلمةً واحدةً من أوّلهم إلى آخرهم، لم يسوموها تأويلاً، ولم يحرّفوها عن موضعها تبديلاً، ولم يُبدوا لشيء منها إبطالاً، ولا ضربوا لها أمثالاً، ولم يدفعوا في صدورها وأعجازها، ولم يقل أحدٌ منهم يجب صرفها عن حقائقها وحملها على مجازها، بل تلقّوها بالقبول والتسليم، وقابلوها بالإيمان والتعظيم، وجعلوا الأمر فيها كلَّها أمراً واحداً، وأجرَوْها على سنن واحد، ولم يفعلوا كما فعل أهل الأهواء والبدع حيث جعلوا القرآن عِضين، وأقرّوا ببعضها وأنكروا بعضَها من غير فُرقان مبين"3.

بل زاد المعطِّلة على ذلك فجعلوا جحد الصفات وتعطيل الربّ عنها توحيداً، وجعلوا إثباتها لله تشبيهاً وتجسيماً وتركيباً، فسمّوا الباطل باسم الحق

1 سورة الحشر، الآية:(19) .

2 انظر: مفتاح دار السعادة لابن القيّم (ص:86) .

3 إعلام الموقعين (1/49) .

ص: 14

ترغيباً فيه، وزخرفاً ينفقونه به، وسمّوا الحقَّ باسم الباطل تنفيراً عنه، والناس أكثرهم مع ظاهر السكّة، ليس لهم نقد النقّاد1.

ولا يأمن جانب الغلط في هذا الباب الخطير من لا يتعرّف على نهج السلف ويسلك طريقتهم، فهي طريقة سالمة مأمونة مشتملة على العلم والحكمة، وكلامهم في التوحيد وغيره قليلٌ كثيرُ البركة2، فهم لا يتكلّفون، بل يعظِّمون النصوص، ويعرفون لها حرمتها، ويقفون عندها، ولا يتجاوزونها برأي أو عقل أو وَجْدٍ أو غير ذلك.

فهم بحقٍّ الأئمةُ العدول والشهود الأثبات، ولا يزال بحمد الله في كلِّ زمان بقايا منهم "يدعون من ضلَّ إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يُحيون بكتاب الله الموتى، ويبصِّرون بنور الله أهلَ العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من ضالٍّ تائهٍ قد هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس وأقبح أثر الناس عليهم، ينفون عن عباد الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، الذين عقدوا ألوية البدعة، وأطلقوا عِقال الفتنة، فهم مختلفون في الكتاب، مخالفون للكتاب، مجمعون على مفارقة الكتاب، يقولون على الله، وفي الله، وفي كتاب الله بغير علم، يتكلّمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جهّال الناس بما يشبّهون عليهم، فنعوذ بالله من فتن المضلّين"3.

ولهذا فإنَّ دراسة آثار هؤلاء وأقوالهم المنقولة عنهم في نصر السنة وتقرير التوحيد والردّ على أهل الأهواء يُعدّ من أنفع ما يكون لطالب العلم، للتمييز بين الحقّ والباطل، والسنة والبدعة، والهدى والضلال؛ لأنَّ هؤلاء الأئمة قد مضوا

1 انظر: مدارج السالكين لابن القيم (1/26،27) .

2 انظر: مدارج السالكين (1/139) ، وشرح العقيدة الطحاوية (ص19) .

3 مقتبس من مقدّمة كتاب الردّ على الزنادقة والجهمية للإمام أحمد بن حنبل.

ص: 15

في معتقدهم على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته من بعده، فهم بنبيّهم محمد صلى الله عليه وسلم مقتدون، وعلى منهاجه سالكون، ولطريقته مقتفون، وعن الأهواء والبدع المضلّة معرضون، وعلى الصراط المستقيم والمحجّة البيضاء سائرون، يوصي بذلك أولُهم آخرَهم، ويقتدي اللاحقُ بالسابق؛ ولهذا "لو طالعتَ جميع كتبهم المصنّفة من أوّلهم إلى آخرهم، قديمهم وحديثهم - مع اختلاف بلدانهم وزمانهم، وتباعد ما بينهم في الديار، وسكون كلّ واحد منهم قطراً من الأقطار - وجدتَهم في بيان الاعتقاد على وتيرة واحدة ونمطٍ واحد، يجرون فيه على طريقة واحدة، لا يحيدون عنها، ولا يميلون فيها، قولهم في ذلك واحد، ونقلهم واحد، لا ترى بينهم اختلافاً، ولا تفرّقاً في شيء ما وإن قلّ، بل لو جمعتَ جميعَ ما جرى على ألسنتهم ونقلوه عن سلفهم وجدته كأنّه جاء من قلب واحد، وجرى على لسانٍ واحد"1، والسبب في ذلك هو لزوم الجميع سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وبُعدُهم عن الأهواء والبدع، فهم كما قال الأوزاعي رحمه الله:"ندور مع السنة حيث دارت"2، فهذا شأنهم وديدنُهم، يدورون مع السنة حيث دارت نفياً أو إثباتاً، فلا يثبتون إلَاّ ما ثبت في الكتاب والسنة، ولا ينفون إلَاّ ما نفي في الكتاب والسنة، لا يتجاوزون القرآن والحديث.

وهؤلاء الأئمة لم يكفّوا عن الخوض فيما خاض فيه من سواهم لعجز منهم عن ذلك أو لضعف وعدم قدرة بل الأمر كما قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: "

فإنَّ السابقين عن علم وقفوا، وببصر نافذ كفّوا، وكانوا هم أقوى على البحث ولم يبحثوا"3. ومن كان على نهج هؤلاء فهو في طريق آمنة

1 الحجة للتيمي (2/224،225) ، وهو من كلام أبي المظفر السمعاني.

2 رواه اللالكائي في شرح الاعتقاد (1/64) .

3 رواه ابن بطّة في الإبانة (1/321) .

ص: 16

وسبيل سالمة، قال محمد بن سيرين رحمه الله:"كانوا يقولون: إذا كان الرجل على الأثر فهو على الطريق"1.

ولما كان الأمر بهذه المثابة وعلى هذا القدر من الأهمية أحببت أن أقدّم دراسة لأحد الآثار المرويّة عن السلف الصالح رحمهم الله في تقرير التوحيد وردّ البدع والأهواء؛ ليكون - إن شاء الله - أنموذجاً للتدليل على عِظم فائدة العناية بآثار السلف وعظم ما يحصله من عُنيَ بذلك من فوائد وثمار ومنافع.

ولهذا نشطت في إعداد هذه الدراسة للأثر المشهور عن الإمام مالك رحمه الله عند ما جاءه رجل وقال له: يا أبا عبد الله {الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى} كيف استوى؟، فتأثّر مالك – رحمه الله من هذه المسألة الشنيعة وعلاه الرحضاء [أي العَرَق]، وقال في إجابته لهذا السائل:"الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة"، وأمر بالسائل أن يُخرج من مجلسه، وهو أثر عظيمُ النفع جليلُ الفائدة.

ويمكن أن أحدِّد أهمّ الدوافع التي شجّعت لتقديم هذه الدراسة لهذا الأثر خاصة في النقاط التالية:

أوّلاً: أنَّ هذا الأثر قد تلقّاه الناس بالقبول، فليس في أهل السنة والجماعة من ينكره، كما يذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله -2، بل إنَّ أهل العلم قد ائتمّو به واستجودوه واستحسنوه3.

ثانياً: أنَّه من أنبل جواب وقع في هذه المسألة وأشدّه استيعاباً؛ لأَنَّ فيه نبذ التكييف وإثبات الاستواء المعلوم في اللغة على وجه يليق بالله عز وجل4.

1 رواه ابن بطة في الإبانة (1/357) .

2 مجموع الفتاوى (13/309) .

3 انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (5/520) .

4 انظر: مجموع الفتاوى (5/520) .

ص: 17

ثالثاً: أنَّ قوله هذا ليس خاصّاً بصفة الاستواء، بل هو بمثابة القاعدة التي يمكن أن تُقال في جميع الصفات.

رابعاً: محاولة أهل البدع في القديم والحديث تبديل معناه وتحريف مراده بطرق متكلّفة وسبل مختلفة.

خامساً: محاولة أحد جهّال المعاصرين التشكيك في ثبوته والطعن في أسانيده.

سادساً: التنبيه إلى أنَّ بعض أتباع الأئمة في الفروع لم يوَفَّقوا إلى العناية بمذهب أئمّتهم في الأصول، ولهذا ترى في بعض من يتعصّبون إلى مذهب الإمام مالك رحمه الله في الفروع من يخالفه في أصول الدين، ويفارقه في أساس المعتقد بسبب غلبة الأهواء وانتشار البدع.

إلى غير ذلك من الأسباب، وقد جعلت هذه الدراسة بعنوان:

(الأثر المشهور عن الإمام مالك رحمه الله في صفة الاستواء دراسة تحليلية)

أما الهدف من هذه الدراسة فهي إعطاء هذا الأثر مكانته اللائقة به واستخراج الدروس والقواعد العلمية المستفادة منه، والردّ على تحريفات المناوئين، وتشكيكات المحرّفين.

وقسمته إلى تمهيد وأربعة فصول وخاتمة على النحو التالي:

التمهيد، وفيه ثلاثة مباحث:

المبحث الأول: ترجمة موجزة للإمام مالك بن أنس رحمه الله.

المبحث الثاني: في ذِكر معتقد أهل السنة والجماعة في صفة الاستواء بإيجاز.

المبحث الثالث: في بيان أهمية القواعد وعِظم نفعها في معرفة صفات الباري.

ص: 18

الفصل الأول: في تخريج هذا الأثر، وبيان ثبوته، وذكر الشواهد عليه من الكتاب والسنة وأقوال السلف الصالح، وفيه أربعة مباحث:

المبحث الأول: تخريج الأثر، وبيان ثبوته عن الإمام مالك

رحمه الله.

المبحث الثاني: ذكر الشواهد عليه من الكتاب والسنة.

المبحث الثالث: ذكر نظائر هذا الأثر ممّا جاء عن السلف الصالح.

المبحث الرابع: ذكر كلام أهل العلم في التنويه بهذا الأثر، وتأكيدهم على أهميّته، وجعله قاعدة من قواعد توحيد الأسماء والصفات.

الفصل الثاني: في ذكر معنى هذا الأثر، وبيان مدلوله وما يُستفاد منه من ضوابط في توحيد الأسماء والصفات، وفيه أربعة مباحث:

المبحث الأول: في معنى قوله: "الاستواء غير مجهول" والضوابط المستفادة منه.

المبحث الثاني: في معنى قوله: "الكيف غير معقول" والضوابط المستفادة منه.

المبحث الثالث: في معنى قوله: "الإيمان به واجب" والضوابط المستفادة منه.

المبحث الرابع: في معنى قوله: "السؤال عنه بدعة" والضوابط المستفادة منه.

الفصل الثالث: في إبطال تحريفات أهل البدع لهذا الأثر.

الفصل الرابع: في ذكر فوائد عامة مأخوذة من هذا الأثر، وفيه ثلاثة مباحث:

المبحث الأول: ذكر ما في قولهم: "حتى علاه الرّحضاء" من فائدة.

المبحث الثاني: ذكر ما في قوله: "ما أراك إلَاّ مبتدعاً" من فائدة.

ص: 19

المبحث الثالث: ذكر ما في قوله: "أخرجوه عنِّي" من فائدة.

الخاتمة: وفيها خلاصة البحث وأهمّ نتائجه.

هذا وإني أسأل الله الكريم أن يتقبّل مني هذا العمل بقبول حسن، وأن يجعله لوجهه خالصاً، وللحق موافقاً، وأن يغفر لي ولوالديّ وللإمام مالكٍ ولجميع أئمة المسلمين، وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، إنَّه هو الغفور الرحيم.

ص: 20

‌المبحث الأوّل:

في معنى قوله: "الاستواء غير مجهول" والضوابط المستفادة منه

مراد الإمام مالك رحمه الله بقوله: "الاستواء غير مجهول" ظاهرٌ بيِّنٌ، حيث قصد رحمه الله أنَّ الاستواء معلوم في لغة العرب، وقد سبق أن نقلت في مبحث سابق1 جملةً من النقولات عن أئمّة السلف رحمهم الله في معنى الاستواء وأنَّ المراد به في اللغة: العلوّ والارتفاع، وهو من الصفات السمعية المعلومة بالخبر، وهو علوٌّ وارتفاعٌ مخصوصٌ وقع بمشيئة الربّ تبارك وتعالى وإرادته، فعلَا سبحانه وتعالى فوق عرشه كيف شاء سبحانه "فالأصل أنَّ علوَّه على المخلوقات وصفٌ لازمٌ له كما أنَّ عظمته وكبرياءه وقدرته كذلك، وأما الاستواء فهو فعلٌ يفعله سبحانه وتعالى بمشيئته وقدرته، ولهذا قال فيه: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} ، ولهذا كان الاستواء من الصفات السمعية المعلومة بالخبر، وأما علوُّه على المخلوقات فهو عند أئمّة أهل الإثبات من الصفات العقلية المعلومة بالعقل مع السمع"2.

والاستواء كما تقدّم له معنى معلوم من لغة العرب وهو العلوّ والارتفاع، لكن ما يضاف إلى الله منه فهو أمرٌ يليق بجلاله وكماله سبحانه لا يشبه ما يكون من المخلوقين، ولا يجوز أن يثبت لفوقيته خصائص فوقية المخلوقين وملزوماتها كقولهم: لو كان على العرش لكان محتاجاً إليه، ولو سقط العرش لخرّ مَن عليه، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون الجاحدون علواًّ كبيراً، لأنَّ الله تبارك وتعالى أضاف الاستواء إلى نفسه الكريمة كما أضاف إليه سائر أفعاله

1 انظر: (ص:25) .

2 مجموع الفتاوى (5/523) .

ص: 13

وصفاته، فلم يذكر استواء مطلقاً يصلح للمخلوقين ولا عاماًّ يتناول المخلوق، وإنما ذكر استواءً أضافه إلى نفسه الكريمة1.

فكيف يُتوهَّم أو يُظنّ فيما أضاف الرب سبحانه إلى نفسه أنَّه يشبه ما هو من خصائص المخلوقين، ومن المعلوم أنَّ الإضافة تقتضي التخصيص، فما يُضاف إلى الربّ يخصُّه ويليق بجلاله وكماله، وما يُضاف إلى المخلوق يخصُّه ويليق به وبكونه مخلوقاً ضعيفاً عاجزاً.

فالاستواء المضاف إلى الربّ سبحانه معلومٌ معناه، وهو خاصٌّ بالربّ سبحانه لا يشبه وصف المخلوقين، فكما أنَّه سبحانه له ذاتٌ لا تشبه الذوات فله صفاتٌ لا تشبه الصفات، فمن كان يقرُّ بأنَّ له ذاتاً حقيقة ثابتة في نفس الأمر مستوجبة لصفات الكمال لا يماثلها شيءٌ فله كذلك سمعٌ وبصرٌ وكلامٌ واستواء ونزول ثابتٌ في نفس الأمر، فهو سبحانه متّصفٌ بصفات الكمال التي لا يشابهه فيها سمعُ المخلوقين وبصرهم وكلامهم ونزولهم واستواؤهم. وكما أنَّه لا علم للخلق بكيفية ذات الربّ سبحانه فلا علم لهم بكيفية صفاته سبحانه، إذ العلم بكيفية الصفات يستلزم العلم بكيفية الموصوف، وهو فرعٌ عنه وتابع له2.

ولهذا فإنَّ الصفات معلومة من حيث المعاني ومجهولة ومتشابهة من حيث الكيفية، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "والآيات التي ذكر الله فيها أنَّها متشابهات لا يعلم تأويلها إلاّ الله، إنَّما نفى عن غيره علم تأويلها، لا علم تفسيرها ومعناها، كما أنَّه لما سئل مالك رضي الله عنه عن قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى

1 انظر: الرسالة التدمرية لابن تيمية (ص:83) .

2 انظر: الرسالة التدمرية لابن تيمية (ص:44،45) .

ص: 14

الْعَرْشِ اسْتَوَى} كيف استوى؟ قال: "الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة" وكذلك ربيعة قبله فبيّن مالك أنَّ معنى الاستواء معلوم، وأنَّ كيفيته مجهولة، فالكيف المجهول هو من التأويل الذي لا يعلمه إلاّ الله، وأما ما يُعلم من الاستواء وغيره فهو من التفسير الذي بيَّنه الله ورسوله.

والله تعالى قد أمرنا أن نتدبّر القرآن، وأخبر أنَّه أنزله لنعقله، ولا يكون التدبُّر والعقل إلاّ لكلام بيَّن المتكلِّم مراده به، فأما من تكلّم بلفظ يحتمل معاني كثيرة ولم يبيِّن مراده منها فهذا لا يمكن أن يُتدبّر كلامه ولا يعقل، ولهذا تجد عامة الذين يزعمون أنَّ كلام الله يحتمل وجوهاً كثيرةً، وأنَّه لم يبيِّن مراده من ذلك قد اشتمل كلامهم من الباطل على ما لا يعلمه إلاّ الله، بل في كلامهم من الكذب في السمعيات نظير ما فيه من الكذب في العقليات، وإن كانوا لم يتعمّدوا الكذب، كالمحدِّث الذي يغلط في حديثه خطأ، بل منتهى أمرهم: القرمطة في السمعيات، والسفسطة في العقليات، وهذان النوعان مجمع الكذب والبهتان"1.

ولهذا فقد مضى أهل السنة والجماعة قاطبة على إثبات الصفات للباري سبحانه، وفهم معناها ومدلولها فـ"التفاسير الثابتة المتواترة عن الصحابة والتابعين لهم بإحسان تبيَّن أنَّهم إنَّما كانوا يفهمون منها الإثبات، بل والنقول المتواترة المستفيضة عن الصحابة والتابعين في غير التفسير موافقة للإثبات، ولم يُنقل عن أحد من الصحابة والتابعين حرفٌ واحدٌ يوافق قول النفاة، ومن تدبّر الكتب المصنَّفة في آثار الصحابة والتابعين، بل المصنَّفة في السنة، من

1 درء التعارض (1/278،279) .

ص: 15

(كتاب السنة والرد على الجهمية) للأثرم، ولعبد الله بن أحمد، وعثمان بن سعيد الدارمي، ومحمد بن إسماعيل البخاري، وأبي داود السجستاني، وعبد الله بن محمد الجعفي، والحكم بن معبد الخزاعي، وحشيش بن أصرم النسائي، وحرب بن إسماعيل الكرماني، وأبي بكر الخلاّل، ومحمد بن إسحاق بن خزيمة، وأبي القاسم الطبراني، وأبي الشيخ الأصبهاني، وأبي أحمد العسّال، وأبي نعيم الأصبهاني، وأبي الحسن الدارقطني، وأبي حفص بن شاهين، ومحمد بن إسحاق بن منده، وأبي عبد الله بن بطة، وأبي عمر الطلمنكي، وأبي ذر الهروي، وأبي محمد الخلاّل، والبيهقي، وأبي عثمان الصابوني، وأبي نصر السجزي، وأبي عمر بن عبد البر، وأبي القاسم اللالكائي، وأبي إسماعيل الأنصاري، وأبي القاسم التيمي، وأضعاف هؤلاء رأى في ذلك من الآثار الثابتة المتواترة عن الصحابة والتابعين، ما يُعلم معه بالاضطرار أنَّ الصحابة والتابعين كانوا يقولون بما يوافق مقتضى هذه النصوص ومدلولها، وأنَّهم كانوا على قول أهل الإثبات المثبتين لعلوِّ الله نفسه على خلقه، المثبتين لرؤيته، القائلين بأنَّ القرآن كلامه ليس بمخلوق بائن عنه.

وهذا يصير دليلا من وجهين:

أحدهما: من جهة إجماع السلف، فإنَّهم يمتنع أن يجمعوا في الفروع على خطأ، فكيف في الأصول؟

الثاني: من جهة أنَّهم كانوا يقولون بما يوافق مدلول النصوص ومفهومها، لا يفهمون منها ما يناقض ذلك.

ولهذا كان الذين أدركوا التابعين من أعظم الناس قولاً بالإثبات وإنكاراً لقول النفاة، كما قال يزيد بن هارون الواسطي: "من قال: إنَّ الله على

ص: 16

العرش استوى خلاف ما يقرّ في نفوس العامة فهو جهمي"1.

وقال الأوزاعي: "كنا والتابعون متوافرون نقرُّ بأنَّ الله فوق عرشه ونؤمن بما وردت به السنة من صفاته"2 3.

قال الإمام الصابوني رحمه الله: "وعلماء الأمة وأعيان الأئمة من السلف رحمهم الله لم يختلفوا في أنَّ الله تعالى على عرشه وعرشه فوق سماواته، يُثبتون له من ذلك ما أثبته الله تعالى ويؤمنون به ويُصدِّقون الرب جل جلاله في خبره، ويُطلقون ما أطلقه سبحانه وتعالى من استوائه على العرش ويُمرُّونه على ظاهره ويَكِلون علمه إلى الله، ويقولون: {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَاّ أُولُو الأَلْبَابِ} 4، كما أخبر الله تعالى عن الراسخين في العلم أنَّهم يقولون ذلك ورَضِيَه منهم فأثنى عليهم به"5.

وبما تقدّم يتّضح أنَّ مراد الإمام مالك رحمه الله بقوله: "الاستواء غير مجهول" أي غير مجهول المعنى، وأنَّه ثابت لله حقيقة على وجه يليق بجلاله سبحانه.

قال ابن قدامة رحمه الله في كتابه ذم التأويل: "وقولهم: "الاستواء غير

1 رواه البخاري في خلق أفعال العباد (ص:24) ، وعبد الله في السنة (1/123)، وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش (ص:84) ، ثم نقل عن شيخ الإسلام في بيان معناه أنَّه قال:"والذي تقرّر في قلوب العامة هو ما فطر الله تعالى عليه الخليقة من توجّهها إلى ربِّها تعالى عند النوازل والشدائد والدعاء والرغبات إليه تعالى نحو العلوّ لا يلتفت يمنة ولا يسرة من غير موقف وقفهم عليه، ولكن فطرة الله التي فطر الناس عليها، وما من مولود إلَاّ وهو يولد على هذه الفطرة حتى يجهمه وينقله إلى التعطيل من يقيّض له".

2 رواه البيهقي في الأسماء والصفات (2/304)، قال شيخ الإسلام في الحموية (ص:23) : "بإسناد صحيح".

3 درء التعارض (7/108،109) .

4 سورة: آل عمران، الآية:(7) .

5 عقيدة السلف أصحاب الحديث (ص:37) .

ص: 17

مجهول" أي غير مجهول الوجود، لأنَّ الله تعالى أخبر به، وخبرُه صدقٌ يقيناً لا يجوز الشك فيه، ولا الارتياب فيه، فكان غير مجهول لحصول العلم به، وقد روي في بعض الألفاظ "الاستواء معلوم"1"2.

ولم يكن أحد من السلف رحمهم الله يتعرض لنصوص الاستواء أو غيره من الصفات بتأويل يصرف فيه هذه الألفاظ عن معانيها ودلالاتها المعلومة من لغة العرب.

روى اللالكائي في شرح الاعتقاد عن محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة أنَّه قال: "اتفق الفقهاء كلُّهم من المشرق إلى المغرب على الإيمان بالقرآن والأحاديث التي جاء بها الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفة الربّ عز وجل، من غير تفسير ولا وصف ولا تشبيه، فمن فسّر اليوم شيئاً من ذلك فقد خرج عما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وفارق الجماعة، فإنَّهم لم يصفوا ولم يفسِّروا، ولكن أفتَوا بما في الكتاب والسنة ثم سكتوا، فمن قال بقول جَهمٍ فقد فارق الجماعة، لأنَّه قد وصفه بصفة لا شيء"3.

وروى البيهقي وغيره عن أبي عبيد القاسم بن سلاّم قال: "هذه الأحاديث التي يقول فيها ضحِك ربُّنا مِن قنوط عباده وقُرْب خيره، وأنَّ جهنّم لا تمتلئ حتى يضع ربُّك فيها قدمَه، والكرسي موضع القدمين، وهذه الأحاديث في الرؤية، هي عندنا حقٌّ حَمَلَها الثقات بعضهم عن بعض، غير أنّا إذا سُئلنا عن تفسيرها لا نفسِّرها، وما أدركنا أحداً يُفسِّرها"4.

1 كما في طريق ابن عيينة وقد مرّت.

2 ذم التأويل (ص:26) .

3 شرح الاعتقاد (3/432) .

4 رواه البيهقي في الأسماء والصفات (2/198)، والدارقطني في الصفات (ص:68) ، واللالكائي في شرح الاعتقاد (3/526) ، والذهبي في السير (10/505)، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الحموية (ص:30) : "بإسناد صحيح".

ص: 18

فلم يكن مِن هؤلاء الأئمة مَن يخوض في صفات الله بشيء من التفسيرات الباطلة والتحريفات للنصوص، بل كانوا يمرُّونها كما جاءت بلا تحريف، فالمراد بقول محمد بن الحسن:"لم يُفسِّروا" وقول أبي عبيد "لا نفسِّرها، وما أدركنا أحداً يفسِّرها" نفي تحريف الصفات وصرفها عن ظاهرها الذي دلّت عليه لغة العرب كما هو الحال عند الجهمية، ولذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بعد أن أورد كلام أبي عبيد المتقدِّم "فقد أخبر أنَّه ما أدرك أحداً من العلماء يفسِّرها تفسير الجهمية"1.

وتفسيرات الجهمية لهذه الصفة كثيرة جداًّ وهي تقارب العشرين، كما قال مرعي بن يوسف الكرمي: "وأما أهل التأويل من الخلَف فقد اختلفوا في الاستواء على نحو العشرين قولاً

"2 وذكرها.

وهي تأويلات متكلّفة وتحريفات بغيضة تأباها النصوص ويردّها سياق الأدلّة المشتملة على ذكر استواء الربّ تبارك وتعالى على عرشه3، وكما يقول العلاّمة ابن القيِّم رحمه الله:"إنَّ استواء الرب المعدى بأداة على المعلق بعرشه المعرّف باللاّم المعطوف بـ"ثمّ" على خلق السموات والأرض المطَّرَد في موارده على

1 الحموية (ص:30) .

2 أقاويل الثقات (ص:123) .

3 وقد تمادى هؤلاء في تحريف النصوص تبعاً لأهوائهم حتى إنَّهم لم يدَعوا في بعض النصوص حرفاً إلَاّ وطالته أيديهم بالتحريف لمعناه والتغيير لمراده وإخراجه عن حقيقته، ومن ذلك على سبيل المثال قوله تعالى:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ، فقالوا:{ثُمَّ} تحمل معنى الواو وتجرّد عن معنى الترتيب، والاستواء المراد به الاستيلاء، والعرش كناية عن الملك، والرحمن لا يدل على وصفه بالرحمة، فأخرجوا (ثم) عن حقيقتها، والاستواء عن حقيقته، والعرش عن حقيقته، ولفظ الرحمن عن حقيقته، فركبوا تحريفات بعضها فوق بعض. وانظر: مختصر الصواعق (ص:322) .

ص: 19

أسلوب واحد ونمط واحد، لا يحتمل إلاّ معنىً واحداً لا يحتمل معنيين ألبتة، فضلاً عن ثلاثة أو خمسة عشر كما قال صاحب (القواصم والعواصم) : إذا قال لك المجسِّم {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} فقل استوى على العرش يستعمل على خمسة عشر وجهاً فأيُّها تريد؟ فيقال له: كَلَاّ والذي استوى على العرش لا يحتمل هذا اللفظ معنيين ألبتة، والمُدَّعي للاحتمال عليه بيان الدليل، إذ الأصل عدم الاشتراك والمجاز، ولم يذكر على دعواه دليلاً ولا بيّن الوجوه المحتملة حتى يصلح قوله (فأيُّها تريدون وأيُّها تعنون) وكان ينبغي له أن يبيِّن كلّ احتمال ويذكر الدليل على ثبوته، ثم يطالب حزب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بتعيين أحد الاحتمالات، وإلاّ فهم يقولون لا نسلِّم احتماله لغير معنىً واحد، فإنَّ الأصل في الكلام الإفراد والحقيقة، دون الاشتراك والمجاز فهم في منعهم أولى بالصواب منك في تعدد الاحتمال، فدعواك أنَّ هذا اللفظ يحتمل خمسة عشر معنى دعوى مجرّة ليست معلومة بضرورةٍ ولا نصٍ ولا إجماعٍ"1.

إلَاّ أنَّ أشهر تأويلات هؤلاء وأكثرها ذيوعاً بينهم هو قولهم: إنَّ الاستواء المراد به الاستيلاء، وهو تأويل باطل وتحريف فاسد، أبطله أهل العلم من وجوه كثيرة، وفيما يلي تلخيص لبعض الوجوه التي ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في إبطال هذا التأويل:

"أولاً: إنَّ هذا التفسير لم يفسّره أحد من السلف من سائر المسلمين من الصحابة والتابعين، فإنَّه لم يفسِّره أحد في الكتب الصحيحة عنهم، بل أول من قال ذلك بعض الجهمية والمعتزلة، كما ذكره أبو الحسن الأشعري في كتاب المقالات وكتاب الإبانة.

1 مختصر الصواعق (ص:333،334) .

ص: 20